حوار حول الشعر الحر (1): درس في الأعلام

درس في الأعلام: منشور في مجلة اليمامة، العدد 292 تاريخ 21/2/1394هـ 15/3/1974م
في صباح يوم السبت الموافق 10 محرم 1394هـ، وأنا في طريقي من كلية التجارة الى كلية الآداب لإلقاء دروس في القانون الدولي على طلبة السنة الثانية بقسم الاعلام، أطلعني الزميل الدكتور غازي القصيبي على خبر أوردته مجلة اليمامة في عددها الصادر في يوم الجمعة الموافق 9 محرم 1394هـ. ونص الخبر كالتالي:_ “عميد كلية التجارة” الدكتور محمد الملحم جدَّد هذه الأيام حملته الشديدة على”الشعر الحر” وأصحابه على الأصح، ويرى أن هذا النوع من الشعر تافه، ولا يمكن أن يلحق بغبار الشعر التقليدي.. ولكن الدكتور الملحم يخشى من الكتابة في الصحف حول هذا الموضوع خوفًا من هجوم شعراء الشعر الحر.. ونحن نرى أن هذا التبرير غير كاف.. ونأمل من الدكتور أن يجمع أطراف شجاعته ويكتب.. ومن ثم يتحقق إن كان سيستطيع أن يضيف أشياء جديدة تساهم في محاصرة موجة الشعر الحر العنثفة التي تجتاح الاوساط الأدبية في العالم العربي برمته.. فهل يرغب الدكتور الملحم في أن يفقد حب جيل كامل من الأدباء وبالتالي يقع تحت مطارق نقدهم؟؟ ليفعل إذن”.ولم أتمكن من التعقيب على هذا الخبر في حينه.. وأعادت مجلة “اليمامة” نفس الخبر، ولكن بإسلوب آخر، وفي مكان آخر من عددها الصادر في يوم الجمعة الموافق 16 محرم 1394. ولم أتمكن من التعقيب على نفس الخبر في حينه أيضا..وأعادت المجلة نفسها الخبر وتحت عنوان جديد في عددها الصادر في يوم الجمعة الموافق 14 صفر 1394..
واذا كان لابد من التعقيب فيسرني أن أؤكد أن الخبر صحيح، وإن كان قد كتب بأسلوب فيه شئ من الإثارة والمبالغة.. وهذا دأب الصحافة!ولعله من المفيد، لوضع هذا الخبر في إطاره الصحيح، أن أذكِّر بأنني حينما لفتُّ، ذات يوم، نظر أحد كتاب مجلة “اليمامة” البارزين، وهو من “الشعراء الاحرار”، عن رأيي فيما يسمى “بالشعر الحر”، وكان رأيا عابرًا وفي حديث عابر، كنتُ أهدف من ورائه المساهمة في حل “أزمة الورق” التي تعاني منها الصحف عن طريق توفير الأعمدة، التي تخصص لهذا الكلام المنثور، للأمور الأكثر أهمية..وبودي أن تعرف مجلة “اليمامة” أن الموضوع ليس موضوع الخشية من الكتابة في الصحف حول هذا الشعر خوفًا من هجوم شعرائه.. إن من حقي، وأعتقد أن مجلة اليمامة لا تنازع في وجود هذا الحق، أن يكون لي رأي فيما يعرض في السوق من غث وسمين، فأشتريه أو لا أشتريه. وإذا كانت مجلة “اليمامة” ترغب أن أكتب عن رأيي في هذا اللون من الكلام فآمل أن تهدي لي ما تعتقد هي بأنه أحسن ديوان أو ديوانين يتضمنان هذا اللون من الكلام.. عندئذ سأكتب عن رأيي في الوقت الذي أراه مناسبًا.وبودي أيضا أن تعرف مجلة “اليمامة” أنني توجَّهت في ذلك الصباح إلى كلية الآداب ونفسي وخواطري تحدثني عن مفهوم الإعلام ومحتواه ودوره، وبدلاً من أن أبدأ محاضرتي في “القانون الدولي” كالمعتاد رأيت من الأفضل وأنا أمام جيل من أجيال الإعلام في بلادي أن أتحدث معهم في بداية المحاضرة عن عملية الإعلام وعلاقتها بما يمكن أن أسميه “وليسمح لي الدكتور القصيبي إذا كان في هذه التسمية شئ من الانحراف الأكاديمي” بسياسة التحرش”. وهذه السياسة معروفة وليست بالأمر الجديد في حقل الإعلام وتتبناها جميع أجهزة الإعلام في كل بلد وعلىجميع المستويات .. ولكن لهذه السياسة قيود قانونية. ولكي تكون هذه السياسة منتجة وفعالة فيجب، وهنا موطن
الشرعية، أن يكون استخدامها بريئًا وتخدم الصالح العام.. وقد تنفع هذه السياسة في حمل الاخرين ـ وأنا واحد منهم ـ على المساهمة في عملية الإعلام المسموعة أو المقروءة أو المرئية، وقد لا تنفع. والأمر في تصوري مرهون بحسن استخدام تلك السياسة وللظروف!!وفي حديثي عن مفهوم الإعلام مع طلاب الإعلام سألتهم عما إذا كانوا قد درسوا “قيود النشر” بعد، فأجابوا بالنفي..وفي رأيي أنه لولا “قيود الشعر” وهي الوزن والقافية لم تكن للشعر قيمة، وأقصد بذلك الشعر الذي قال عنه “أبو هلال العسكري” بأنه “ديوان العرب، وخزانة حكمتها، ومستنبط آدابها، ومستودع علومها”.وترغب مجلة “اليمامة” أن أضيف أشياء جديدة أساهم بها في محاصرة موجة الشعر الحر العنيفة التي تجتاح الأوساط الأدبية في العالم العربي برمته.. وأعتقد أنه ليس هناك داعٍ لهذا العناء.. فهذا الكلام محاصر.. ويكفي أن أذكر في هذا الخصوص بأن الذين يحبون هذا اللون من الكلام ويدافعون عنه ويؤرقهم نقده هم “منتجوه” وحدهم.. وكل يغني على ليلاه!!وإنني لا أشارك مجلة “اليمامة” رأيها القائل أن من شأن التعرض لإنتاج “شعراء الشعر الحر” فقدان حب جيل كامل من الأدباء وبالتالي الوقوع تحت مطارق نقدهـم .. أنني آمل أن يكون هذا الجيل على مستوى المسؤولية.. ولولا محبتي لهما تعرضت لإنتاجه وهو إنتاج غزير ليس في الشعر فحسب إنما في مجالات أخرى .. والمثل يقول “صديقك من صدقَك لا من صدَّقك. إلاَّ إذا كانت مجلة “اليمامة” تعبر في رأيها عن ظاهرة مريضة تجتاح الأوساط الأدبية في العالم العربي برمته..”.

وأخيرًا بودي أن أطمئن مجلة “اليمامة” بأن مفعول موجة الشعر الحر التي “تجتاح الأوساط الأدبية في العالم العربي برمته” كما تدعي هي لا تختلف عن مفعول أية موجة من موجات البحر.. وتبدأ موجة البحر بعنف وتسير مع التيار بعنف وترتطم بصخور البحر “التقليدية” فتهزمها الصخور وتتلاشى وتزول ويتولد عنها زبد. ويقول الله في محكم كتابه “فأمَّا الزبد فيذهب جفاء، وأمَّا ما ينفع الناس فيمكثُ في الارض”.


الناشر: مجلة اليمامة

– العدد:292

تاريخ النشر: 15/03/1974م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.