قريباً كتاب مشوار حياتي تأليف معالي د.محمد آل ملحم

كتاب : مشوار حياتي

تاريخ الاصدار : تحت الطبع

وصف الكتاب : دراسة ذاتية عن حياة المؤلف منذ ولادته حتى التفرغ للعمل الخاص

وزير الدولة معالي د. الملحم في المرحلة الثانوية في الرياض 1957
معالي د. محمد عبداللطيف الملحم

مرحلة التقاعد… عبارة لم أفهم معناها حتى الآن! (أصل اللقاء)

غرفة الأحساء تحاور ابن “الأحساء” معالي وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم:

 مرحلة التقاعد… عبارة لم أفهم معناها حتى الآن!

يعتبر معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف بن محمد آل ملحم وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق أحد أبناء الأحساء الذين برزوا في الحياة السياسية السعودية، وأصبح من كبار مسؤوليها خلال حقبة تاريخية طويلة تجاوزت العقدين من الزمان، وهو كذلك خلاصة رجل خبير في العلوم الإدارية والسياسية والاقتصاد والتاريخ والأدب.

 عرفته التجارب منذ نعومة أظفاره، فتفوَّق دراسيًا، ودرس بكلية الحقوق جامعة القاهرة وحصل من “الجمهورية العربية المتحدة” على منحة دراسية لتفوقه العلمي، ومن ثم حصل على درجتي الماجستير والدكتوراة بدرجة الشرف من أعرق جامعة أمريكية في القانون هي جامعة ييل Yale الأمريكية. وخدم الوطن الغالي في مناصب عدة منها: عضو هيئة التدريس بكلية التجارة بجامعة الملك سعود (جامعة الرياض سابقًا)، وترقى حتى أصبح عميدًا للكلية، ومن ثم وزيرًا للدولة وعضوًا بمجلس الوزراء على مدى إحدى وعشرين عامًا. ولا يزال يحظى بتقدير القيادة السياسية حفظها الله لما يمتلكه من علم وحكمة وروية وخبرة في شتى الميادين.

……………………………………….

 معالي الوزير الدكتور محمد بن عبد اللطيف آل ملحم، ماذا تقول عن خلاصة حياتك … ذلك الكتاب الذي قمت بتأليفه “أيام في حياتي”، وحياتك في الواقع؟

 أقول، بشكل موجز، أن أيام حياتي، والحمد لله، كانت دائمًا ذات سعادة وبهجة غير أنني عانيت من فقدان أمي، وكذا فيما بعد فقدان أبي بعدما تقدمت بي السنون، وفيما بين هذه الأيام وتلك أيامٌ أعتز بها، وهي أيام قضيتها مع زملاء في مراحل مختلفة من حياتي  يستوي في ذلك مرحلة الطفولة أو مرحلة الشباب أو بعد ما تقدمت بي السنون. هؤلاء الزملاء فريقان: الفريق الأول “لِدَاتي” أي من عاصرتهم منذ الولادة وحتى اليوم، والفريق الثاني “رفاقي” وهو من عشت معهم في مسيرة حياتي ممن لم تكن ولادتهم في بلدة “هجر”. واليوم وبعد كل تلك الأعوام والتجارب في الحياة أرى نفسي طالب علم، وكل يوم يمر عليَّ أجد أنه يثري فكري، ويوفر لي القناعة بأنني لم أحصل من العلم والخبرة إلا على القليل.

معالي الوزير جئتَ إلى الوزارة بهدوء أي بدون وهج إعلامي، وغادرتها كذلك بهدوء رغم أنك أمضيت فيها واحدًا وعشرين عامًا، قصدت الأمر هذا؟ أم جاء صدفة؟

 لم أقصده …. ولم يأت صدفة ….

كنَّا في عام 1390هــــــ الموافق عام 1970م قِلة من حملة الدكتورة لا نتجاوز “الثمانية” في كلية التجارة، في (جامعة الرياض) جامعة الملك سعود حاليًا، وهي الكلية التي كانت تُعنى بالعلوم الاقتصادية والإدارية والمحاسبية والقانونية والسياسية. كنَّا في ذلك “العهد الرومانسي” بمثابة عملات نادرة متخصصين في مجالات غير مألوفة في المملكة. ومن كلية التجارة أخْتير ثلاثة، وواحد من كلية الزراعة، وآخر من كلية الطب، وآخر من كلية العلوم ليدخلوا الوزارة. وسميت وزارتنا “بوزارة الدكاترة”.

أما عن مجيئِي للوزارة ومغادرتي لها بدون وهج إعلامي فبودي أخي “خالد” أن أكون صريحًا معك: في الواقع لم يكن الوضع عاديًا بالنسبة لي في السنوات الأولى من تشكيل الوزارةـ. كانت رغبتي أن أكون في مركز الضوء حتى ولو في أبسط الأمور مما أزاوله من عمل، والسبب واضح وهو أن “القرينً بالمقارن يقتدي”. كان البعض من رفاقي في الجامعة ممن دخلوا الوزارة معي مِلء السمع والبصر بمجرد تسلمهم لوزاراتهم، ولم تتحقق هذه الرغبة بطبيعة الحال لي لأن العمل الذي كنت أزاوله لم يسمح بذلك، كنت أمارس عملي في صمت. والحقيقة أن عملي الوزاري لم يكن ذات طبيعة تنفيذية لجهة مَّا، أو لمنطقة مَّا، أو لجمهور مَّا. كان عملي وأنا وزير طيلة السنوات الإحدى والعشرين سنة الماضية مثل “الجندي المجهول”، وأنتَ تعرف بالتأكيد معنى ودلالة مصطلح “الجندي المجهول” عند الأمم والشعوب. والإعلام يا أخي “خالد” له إيجابياته وسلبياته. وكم من وزير حَرَقَهُ الإعلام!!!

 بالتأكيد، ثم ماذا؟

مع مرور الزمن أدركت أن للإعلام، إلى جانب إيجابياته، بريقًا وأضواء ووهجًا، فله سلبياته. لذا تعلمت خلال العقدين من الزمن أنني كنت على خطأ فيما كنت أرغبهُ وأتوقُ إليه في السنوات الأولى من تشكيل الوزارة، وأن الوضع العادي بعيدًا عن الشهرة والأضواء أو التصريحات كان أفضل بالنسبة لي، وبالفعل قد كان … ولعلَّ هذا من توفيق الله.

 لمعاليكم ذكريات عميقة وكبيرة حول سنوات دراستكم في “مدرسة الهفوف الإبتدائية الأميرية”، وهو ما ترجمها اهتمامكم وعنايتكم بها… ماذا تقولون؟

 تأسست “مدرسة الهفوف الإبتدائية الأميرية” بمدينة الهفوف في عام 1350هــــ وذلك قبل الإعلان الرسمي عن تأسيس “المملكة العربية السعودية” بسنة في عام 1351هــــ، هذه المدرسة وُئِدَتْ بعد تأسيسها في مهدها بفعل بعض أهالي الأحساء الذين لم يحبذوا التعليم الحديث آنذاك، ولكن أُعِيدَ تأسيس المدرسة في عام 1355هــــ ومن ثم تّمَّ تدشينها في عام 1360هـــــ، وفي 14 جمادى الأولى عام 1366هــــــ التحقت بالمدرسة ورقم قيدي في سجلاتها هو “803”، وبعدها بشهور أي في العاشر من شهر شوال/1366هــ التحق بالمدرسة الزميل الأمير خالد بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود، ورقم قيد سموه هو “817”.

 وقد تخرج في المدرسة رجال رواد كان لهم الفضل في نشر التعليم في شرق المملكة وكافة المناطق الأخرى بها خلال عقود من الزمن، لذلك أرى فيها المدرسة “الأم” بالنسبة لي فهي موطن ذكريات، ومسارح أفكار، ومصدر إشعاع، ومنتدى سمَّار، وبالفعل رأيت أن أفعل شيئًا مَّا لمدرستي حيث شرعتُ محاولاً تخليد ذكرى هذه المدرسة بعد تغيير الوزارة في عام 1416هــــ. ولقد تم ذلك في كتاب ضخم موثق سميته “كانت أشبه بالجامعة”. وبفضل من الله وتوفيقه، (وبدعم من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رئيس الهيئة العامــــة للسياحــــة والتراث الوطني الذي قــــــــرأ كتابي) أصبحت المدرسة اليوم “أحد المعالم التراثية والتاريخية” في المملكة، ومن بين أهم المرافق التي تُزار الآن، وهي مفتوحة لكل زائر للمحافظة.

ما أبرز ما شاركت فيه من شؤون عامة أثناء فترة عملك الوزاري؟

 أفتخر، من بين أمور أخرى، أنني شرفت بعضوية “اللجنة العليا لوضع النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المقاطعات”، وهي اللجنة التي دام عملها إثني عشرة عامًا، وكان لي شرف المشاركة في وضع “البنية الدستورية” لكل من نظام الحكم الأساسي ونظام مجلس الشورى، وهما النظامان اللَّذان بالإضافة إلى “نظام المقاطعات” قد خضعوا لتأمل وبحث ودراسة من قبل صفوة من رجال فكر ورأي حتى تم تتويج هذه الأنظمة بأوامر ملكية وضعتها موضع التنفيذ. كما كان لي شرف رئاسة اللجنة المشكلة من دول المجلس التعاون الخليجي الست، وهي اللجنة التي وضعتْ “نظام مجلس التعاون الخليجي”، وهو نظامٌ انسجم مع حقائق أوضاع دوله الأعضاء فيه، ولذا استمر المجلس متماسكًا في هياكله النظامية رغم ما طرأ عليها من تطوير إلى الآن، وسيبقى كذلك، إن شاء الله، على حاله النظامي متماسكًا حتى بالنسبة للمستقبل.

  لا شك أنك خلال سنوات الوزارة قد زاملت وتعاملت مع وزراء عدة من غير الأمراء، من هم الوزراء الذين استفدت من خبراتهم؟ وهل في إمكانك وضع قائمة بأسماء البعض منهم؟

أكن لكل إخواني الوزراء الذين زاملتهم طيلة العقود الماضية كل تقدير واحترام، ولو قررتُ وضع “قائمة” بأسماء بعضهم فسيكون معالي الأخ السياسي المخضرم محمد بن ابراهيم مسعود على رأس هذه القائمة، فهذا الرجل سياسي محنك ذو نظرة ثاقبة، وحكيم مجرب استفدت كثيرًا من آرائه من خلال أحاديث جرت بيننا طيلة واحدٍ وعشرين عامًا، رحمه الله.

 معالي الوزير: من الوزير الثاني في القائمة؟

 الإجابة على هذا السؤال من رابع المستحيلات عندي.

 أيهما كنت تفضل دائمًا لقب أستاذ الجامعة أو الوزير؟

أفضل لقب “أستاذ” الجامعة، ولكن لقب “وزير” سيظل يلاحقني. والظروف التي كنتُ فيها في عام 1395هـــــ عند دخولي الوزارة تختلف عن الظروف التي أنا فيها الآن. وهذا لا يعني أنني لم أكن مرتاحًا حينما عينتُ وزيرًا. على العكس كان لي خلال الإحدى والعشرين سنة الماضية شرف الخدمة العامة، والتعرف على مداخل السياسة ومخارجها، وهي مداخلٌ من المستحيل العلم بها لو كنتُ خارجَ الوزارة. أمَّا الآن فأنا أحاول اللحاق بما فاتني من ركب “كأستاذ جامعة”. صدر لي كتاب بعنوان “كانت أشبه بالجامعة” في عام 1419هــــــ، وصدر لي كتاب بعنوان “هزار الأحساء وبلبلها الغريد” في عام 1420هـ، وصدر لي كتاب بعنوان “قانون الثروة الناضبة” في عام 1421هـــــ، وصدر كتاب باللغة الإنجليزية بعنوان:

 Middle East Oil  في طبعتين: طبعة بالتجليد الفاخر وطبعة أخرى بدونه في 1421هـ، وصدر لي كتاب بعنوان” أيام في حياتي” في عام 1433هـــــ ……. وآخر إصداراتي كتاب بعنوان: إبن مقرب …. سقوط دولة وصعود شاعر” في هذا العام ….. عام 1438هـــــ

 وكما ترى … أخي …. “خالد”  كم في التقاعد من متعة.

   معالي الوزير: هل “المحاماة” مربحة لمن هو صادق/أمين أي لا يقبل أية قضية إلاَّ بعد إيمانه بعدالتها؟

نعم المحاماة مربحة. والمحامي الصادق هو الذي يعتبر نفسه قاضيًا مع نفسه أي مع ضميره وذلك قبل أن يكون مرتبطًا للدفاع عـن موكله. والمحامي باعتباره “حالف قسم” يجب أن يكون أمينًا مع موكله. ومن مقتضيات هذه الأمانة أن يتأمل بتجرد قضية “موكله”، ومن ثم يصدر الحكم لصالح موكله أو ضده وذلك قبل أن يرفع قضيته للجهة المختصة أو أن يكون عضوًا محكمًا فيها. والقيد الوحيد على “موكله” هو أن يكون أمينًا كذلك مع “وكيله”، ومن مقتضيات هذه الأمانة أن لا يخفي عن “وكيله” أية واقعة مهما كانت في نظره تافهة تمشيًا مع “مقولة” فيلسوف يوناني حكيم [واليونانيون رجال فلسفة وأدب] “أنبئني بالوقائع أخبركَ بحكم القانون”.

معالي الوزير: مع تطور وتعقد وتنوع العلاقات والمعاملات التجارية اليوم في كافة مجالات الأعمال، برز التفاوض كأداة هامة في تسوية المشاكل، وحل الخلافات، وإقامة التوازن بين المصالح المختلفة … كيف ترى الأمر؟

 التفاوض نوع من الحوار وتبادل الأفكار والاقتراحات بين طرفين أو أكثر بهدف التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى حسم نزاع أو خلاف بما يحافظ على المصالح المشتركة بين الطرفين. إذن فالتفاوض عملية تفاعل وتعاون وهو كذلك موهبة، وإذا ما توفرت لهذه الموهبة قدر من العلم والصبر وكذا فهم لمداخل ومخارج لغة التفاوض فالمفاوض حكيم، والتفاوض يكون سريًا إذ كان الشأن المتفاوض من أجله يمس آخرين، ويكون علنيًا إذا كان التفاوض حول شأن تنحصر أبعاده على طرفي التفاوض على نحو شامل ومطلق.

  والمفاوض الناجح هو من يتقن فن الاستماع والإنصات للطرف الآخر، وأن يكون قويًا واضحًا أكثر منه داهية فلا يأخذ دور “الواعظ” الذي يُلقي الخطب والمواعظ التي لا تجد نفعًا في التفاوض في مختلف أنواعه.

 معالي الدكتور: وأنتم في ضيافة (مجلة غرفة الأحساء) ماذا ترغبون أن تقولوه للغرفة وأنتم فيما سبق عميدًا لكلية التجارة؟

 بودي أن أنوه، بادئ ذي بدء، بأن “غرفة تجارة الأحساء” والتي أتمنى لو سُمِّيَت “بيت التجار” كانت ولا تزال واجهة حضارية في بلدة “هجر”. وباعتباري شاهد عصر من المهم أن أثبت “حقيقة” أن غرفة تجارة الأحساء أو “بيت التجار” قد سدَّت فراغًا ليس فقط في نشر ثقافة التجارة والمال مما هو من اختصاصها أصلاً، وإنما أيضًا في نشر ثقافة تراث الأحساء كذلك. لقد احتضن مدرج غرفة التجارة مناسبات ذات طابع ثقافي وتاريخي وأدبي في وقت كان “الأحساء” فيه في حاجة إلى “ناد أدبي”. وتم تطوير الغرفة بجهود أبناء للأحساء، هم من أصدقائي. وفي مقدمتهم رجال أعمال منهم: “ناصر بن حمد بن زرعة”، و”عبدالعزيز العفالق”، و”سليمان بن عبدالرحمن الحماد. وآمل أن يواصل ربان سفينتها الحالي المهندس: صالح بن حسن العفالق مسيرة من سبقوه.

 والغرفة، من وجهة نظري، هي “بيت التجار”. و”الغرفة” الآن كسائر الغرف الأخرى المنتشرة هنا وهناك في شتى أنحاء المملكة تزخر بأهداف وبطموحات متماثلة وذات بريق ووهج ولغة وردية ربما تعجز (بحكم مواردها المتاحة) أية “غرفة”، بما فيها “غرفة تجارة الأحساء” عن تحقيقها، وما أراه لكي تحقق الغرفة جميع أهدافها وطموحاتها أن تقيم جسرًا من التواصل بينها وبين منسوبيها، وهم “شعبها”، كأولية أولى، وأن تكون الغرفة “حاضنة” لمهام أربع لهذا “الشَّعب”:

(1) أن تكون ناديًا تستقطب فيه كافة رجال الأعمال من تجار وصناع يتحدثون فيه عن طموحاتهم وتجاربهم في المجال التجاري والصناعي،

(2) أن تكون بمثابة محكمة يعرض فيها هؤلاء التجار والصناع مشاكلهم، وما تعرضوا له من صعاب في ممارستهم لأعمالهم التجارية والصناعية من أجل حلها دون اللجوء “للتقاضي” أو “التحكيم”،

(3)أن تكون “معهدًا” يتلقى رجالها فيه ما استجد من تقنيات جديدة في المجال المالي والتجاري والصناعي، وبهذا المعهد مكتبة ضخمة تزخر وتضم أمهات الكتب الحديثة ذات الطابع المالي والتجاري والصناعي، ولتكون مرجعًا ليس لمنسوبي الغرفة فقط، بل وطالبي المعرفة في المجالات التجارية والمالية من منسوبي كليات التجارة، والعلوم الإدارية، والحقوق، والأفراد.

(4)وأن تكون منتدى لرجال الأعمال: تجارًا وصناعًا للسمر، والترويح، والترفيه، ناهيك عن تبادل المعلومات والخبرات، وتوثيق الصلات في مجالات التجارة والمال.

 معالي الدكتور: ذكرت في كتابك: “كانت أشبه بالجامعة” النص التالي مشفوعًا بقصيدة. وأنقل النص كاملاً:

“في كتاب “واحة الأحساء” تحدَّث السيد “إف. إس. فيدال” في عام 1952م عن الحرف، والصناعات، والمهن في “الأحساء”، وهو حديثٌ جدير بالقراءة، ويعكسُ تمامًا وضع “مجتمع” الأحساء من حيث عنايته بالحرف والمهن وغيرها. ومن الصناعات والمهن والحرف التي عرض لها السيد “فيدال” ـــــــ باستفاضة ـــــــ:

       ـــــ ــــ صناعة الدِّلاَل (جمع دلة القهوة)،

       ــــ ـــــ صناعة النَّسيج،

       ـــــ ــــ صناعة الفخَّار،

       ــــ ـــــ الصناعة الجلدية،

       ــــ ــــ صناعة الأخشاب،

       ــــ ــــ صناعة المجوهرات،

       ــــ ــــ وصناعة الأدوات الخاصة بالنخيل وبتصنيع مشتقات تمورها ونتاجها.

 وعن صناعات الأحساء ــــــ آنذاك ــــــ يقول شاعر الأحساء “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم” في ملحمة “الدر المكنون في شتى الفنون” (المكونة من عشرة آلاف بيت) أفكارًا ذات قيمة في أبيات تناول فيها ألوانًا معينة من هذه الصناعات. وسوف أنقل أدناه هذه الأبيات. وأهم هذه الأبيات بيتها الأخير الذي يعتبر بيت القصيد. يتناول هذا البيت المنطلق الأساس لموطن الصناعة ألا وهي الصناعة الوطنية، ومن هُمْ عُدَّتهَا؟، وما هي مقوماتها؟، وكيف تكون تاج المجد وفخاره؟ هذا البيت الفريد عبارة عن قصيدة كاملة بما احتوى عليه من مضامين ومفاهيم ذات طابع حيوي. ومنطق  هذا البيت:

وَمَعْنَى  الْحَضَاَرَةِ يَكْمُـنِ فِـي

نَتَاجِ الْمُوَاطِــــنِ لَــوْ تَفْهَمُـــــــــونْ!

أما القصيدة عن بعض ألوان من الصناعات في “مقاطعة الأحساء” فهي كالتالي:

بِلاَحْسَا” مَصَانِـــعُ مُنْذُ الْقَدِيمْ

تَنَاثَــــرْنَ فِي سَهْلِهَا وَالْحُـــــــــــــــــــزُونْ

تَفَنَّــــــــــنَ فِيهِــــــــــنَّ صُنَّاعُــــــــــــهَا

وَأَبْـــــــــــــدَوْا بِهِــنَّ جَمَـــــــــــــالَ الْفُنُونْ

جَمِيعُ الأَوَانـــــِي بِهَا عُرِضَــــــتْ

عَلَى مَا يُنَاسِبُ دَخْــلَ الزُّبُــــــــونْ

وَأُخْرَى نَسِيجٌ وَمِـــــنْ حِــــــرَفٍ

وَمِنْ كُلِّ صِنْفٍ هُـــمُ يَصْنَعُــــــــونْ

إِذَا سِرْتُمُــــــــــــوا قُــــرْبَ آلآتِهِـمْ

تصِيرُونَ كَالطُّرْشِ لاَ تَسْمَعُــــــونْ!

فَهَــــــــذَا يَــــــــدُقُّ بِسِنْــــدَالِـــــــــةٍ

وَهَـــذَا يَــــرُبُّ لِتِلْكَ الصُّحُــــــــونْ!

وَهَـــــذاَ يَفِـــــــــــــحُّ بِمْنِفَاخِـــــــــــــــــهِ

وَهَـــــــــذَا يُحَـــــــــــــــــــــرِّكُ لِلْمَنْجَنُونْ!

كِفَايَاتُهُمْ تِلْكَ قَــــــدْ حَصَّلُوا

بِجُهْدِهــــــــــــــــمُ حِينَمَا يَعْمَلُــــــــــــونْ

فَلَيْسُوا لِغَيْرِهُــــــــــــــــــــمُ أَبَــــــــــدَا

يَمــدُّونَ كَفَّا فَهُـــــــمْ مُكْتَفُـــــــــــــــونْ

وَجُـــــــلُّ مَرَافِـــــــقِ عَيْشِ الْبِلاَدِ

بِأزمــــــــــانِهِــــمْ هُـــ،ــمْ لَهَا يُنْتِجُــــــــونْ

وَمَعْنَى الْحَضَــــاَرَةِ يَكْمُــنِ فِــــي

نَتَاجِ الْمُوَاطِــنِ لَــوْ تَفْهَمُــــــــــأــونْ!

معالي الدكتور: يا تُرى لمن يوجه هذا النص؟

أخي خالد: المعنى في قلب الشاعر. ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك. يوجه هذا النص، بداهة، لفئة الصناع ممن أسماؤهم مسجلة في “غرفة تجارة الأحساء، أعني “بيت التجار”. هم الأولى أن يوجه لهم النص، ويعملوا بمقتضاه ليجددوا تراث الآباء والأجداد في “الصناعة” التي تميزت بها بلدة “هجر” عبر العصور، وبشرط أن يوفر لهؤلاء الصناع، بجانب الحماية، الدعم التام الشامل ممن يهمهم الأمر في وزارة التجارة والاستثمار.

معالي الدكتور: هل هناك علاقة بين كلية التجارة التي كنتَ عميدها وغرف التجارة المنتشرة هنا وهناك في بلادنا؟

نعم العلاقة قوية، وفي عهدي كانت كليتي “كلية التجارة” التي كنتُ عميدها على علاقة بغرف تجارة محدودة العدد. وكم كنتُ أتمنى أن يبقى اسم الكلية على حاله. تغيَّر اسم “كلية التجارة” في أيامنا المعاصرة للأسف إلى كليتين: كلية للعلوم الإدارية”، وكلية “للحقوق والعلوم السياسية”.

 وفي كلية التجارة ونظائرها تخرج ويتخرج طلاب شغلوا ويشغلون أهم الوظائف في الغرف التي أشرتَ يا “خالد” إليها.

 وحينما كنْت عميدًا للكلية في عام 1393هــــــــ، كنتُ أُدَرِّسُ موادًا في الكلية منها مادة “القانون التجاري”. وكانت تلك المادة (وحتى في أيامنا المعاصرة) تُعنى من حيث الأشخاص برجال الأعمال بفئتيْها: تجارًا وصناعًا. كما كانت مادة “القانون التجاري” تُعنى بتكوين الشركات وبالذات “شركات المساهمة العامة” وإن كان هذا النوع من الشركات في عهدي محدودا جدًا ومنها: شركات الكهرباء وشركتين أو ثلاث من شركات الأسمنت وغيرها، وكان النمط السائد آنذاك تكوين “الشركات العائلية” التي تتخذ من شركة “المسؤولية المحدودة” نمطًا لها. ويهمني باعتباري كنتُ مدرسًا لقانون الشركات وعلى رأسها “شركات المساهمة العامة” أن أنوه عن “نقطة هامة” في مجال “شركات المساهمة العامة”، ولعل هناك من يخالفني الرأي فيما سأقوله في أيامنا المعاصرة ممن “انشغلوا” أو “فُتنوا” أو افتتنوا بما يعرف بمنصتي “تداول الأسهم”، و”سوق الأسهم”. ومع احترامي لأي رأي معارض فمن وجهة نظري يعتبر “السهم” من حيث عائده في “شركات المساهمة العامة” هو المؤشر الأساس لنجاح أو فشل أية شركة. والسوق لمن يعرف ثقافتها سوقٌ في خصوص “الاستثمار في الأسهم” لا ترحم.

وفي ضوء ما مر بالأسهم من كوارث سابقة، وبالرغم مما حُميتْ به الأسهم من تقنيات حديثة متطورة، فعلى المستثمر الحصيف في الأسهم أن يُجْرى، ومع توقي الحذر، جدوى اقتصادية لاستثماره بما فيها دراسة ما تنشره الشركة المستهدفة عن ميزانيتها وحساب أرباحها وخسائرها، مع تركيز اهتمامه على النقطة الهامة التي أشرتُ إليها سلفًا وهي التحقق من أداء الشركة وربحية سهمها أي التحقق من عائد سهمها المالي حاليًا وفي المستقبل المنظور، مع عدم الالتفات إلى طروحات المضاربين المغرية وشتى الشائعات التي يطلقونها بين الحين والآخر. والسهم في المحصلة النهائية هو نبض القلب لحياة أو موت أي شركةـ، بل وهو الْحَكَمُ (أي المؤشر) على مدى نجاح الشركة أو فشلها.

 دكتور: وهل تنصح في الاستثمار في الشركات المدعومة أسهمها بربح سنوي ثابت من خزينة الدولة؟

 أخي خالد. هذا سؤال غريب. مثل هذه الأسهم يجب استبعاد تداولها من سوق الأسهم للأسباب التي سبق أن ذكرتها فيما يخص الربط بين أداء الشركة وعائد سهمها المالي.

       دكتور: أسعار الأراضي حديث الناس هذه الأيام، هل لمعاليك من تعليق؟

       أخي خالد: دع الناس يتحدثون. دع الناس يتسلُّون. هم أحرار في التصرف فيما يملكون. ومع مرور الوقت يتعلم ملاك الأراضي.

أسعار “الأمس” غير أسعار “اليوم”،

وأسعار “اليوم” لن تكون كأسعار “الغد”.

أنا لست “تاجر أراضي”، ولا “رجل أعمال”. ولكن إليك القصة التالية: صديق لي صاحب مكتب عقاري في “الأحساء” طلبتُ منه أن يبحث لي عن قطعة أرض لا تتجاوز ثلاثمائة (300) متر لغرض مَّا. وقلتُ له: يقال أن أسعار الأراضي هذه الأيام في نزول. قال: هذا صحيح وأنا في السوق وأعرفه، وأردفَ قائلاً: عندي قطع أراضي للبيع، ولكن ملاكها متمسكون بأسعار الأمس، ولن يبيعوا إلا بأسعار الأمس. قلتُ له. دعهم في أحلامهم. وختمتُ حديثي مع صديقي مُرَدِّدًا البيت التالي:

ومُكَلِّفُ الأَيَّامِ ضِدَّ طِبَاعِهَا

مُتَطَلِّبٌ فِي الْمَاءِ جَـــذْوَةَ نارِ

والحكيم من يتعايش مع أحوال يومه فيتصرف بمقتضاها.

 معالي الدكتور: كثر الحديث في أوساط المجتمع بين المختصين ورجال الأعمال حول المادة (77) من نظام العمل التالي نصه:

       “ما لم يَتَضَمَّن العقد تعويضاً مُحدَّدَاً مُقابِل إنهائه من أحد الطرفين لسببٍ غير مشروع، يستحق الطرف المُتَضَرِّر من إنهاء العقد تعويضَاً على النحو التالي    :

  (1) أجر خمسة عشر يوماً عن كل سنة من سنوات خدمة العَامِل، إذا كان العقد غير محدد المدة(2)  أجر المدة الباقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة.(3)يجب ألاّ يقل التعويض المشار إليه في الفقرتين (1) و(2) من هذه المادة عن أجر العَامِل لمدة شهرين”.

الحديث في نص هذه المادة “يا خالد” يطول شرحه، وليس هنا محله. ولكن إليك رأيي باختصار.

 هذه المادة من حيث الصياغة القانونية “مُحْكَمَةُ”، ومن حيث المحتوى القانوني “عَادِلةٌ” إذا نُظِرَ إليها مجردةً من الزمان والمكان أي من البيئة المراد تطبيقها فيها. بل ولا غبار عليها شكلاً ومحتوى إذا كان الغرض منها تعليم الطلاب في كليات الحقوق كيفية الصياغة القانونية لضبط محتوى معين. أما إذا أُريد منها كمادة أن تطبق في بلد معين من حيث الزمان والمكان فالوضع مختلف تمامًا.

هذه المادة صالحةٌ للتطبيق في البلد الذي لا توجد فيه عمالة وافدة ماهرة على الإطلاق. وبمقتضى مفهوم المخالفة، هي مادة غير صالحة للتطبيق في البلد الذي يكتظ بعمالة وافدة لا سيما إذا كانت العمالة ماهرة.

تطبيق هذه المادة في هذا البلد المكتظ بالعمالة المشار إليها عملٌ “مأساوِيٌّ كارثي” في خصوص توطين الوظائف.

رحم الله أستاذي الدكتور “جمال زكي” من أساطين “قانون العمل” في كلية حقوق ــــــ جامعة القاهرة الذي كان ينادي بتوطين نص المادة بالبيئة المراد تطبيقة فيها إذا أريد منها أن تكون ذات فعالية.

 معالي الوزير: في مجال عقود التجارة والمعاملات التجارية ذات الطبيعة المتشعبة يحتار رجل الأعمال أو التاجر أو يتردد في اختيار أي القضاءين: “قضاء الدولة”  أو “قضاء التحكيم” لحل أية منازعة تنشأ في العقد الذي وقع أو سيوقع عليه. ما رأيك في مثل هذه المسألة الشائكة؟

 من مستلزمات أي عقد سواء أكان “مدنيًا” أو تجاريًا” أن يُدرج فيه نص يتعلق بالتقاضي: قضاءًا أو تحكيمًا. وفي أي عقد يبقى القضاء والتحكيم أهم أداتين أو وسيلتين يتم اللجوء إليهما لفض المنازعات ذات الطبيعة العقدية. و”القضاء” تعبير عن ظاهرة من ظواهر ثلاث “لنظرية سيادة الدولة”، وهي النظرية التي تعنِي، بصفة شاملة، الحفاظ على كرامة الدولة الإقليمية واستقلالها السياسي. والظواهر الثلاث لنظرية السيادة المكونة للدولة الحديثة هي: “السلطة التنفيذية” و”السلطة التشريعية” و”السلطة القضائية”. والدولة هي صاحبة الكلمة العليا في شأنها الداخلي. ومعنى ما أقصده أن كل من يلجأ لقضاء الدولة كأداة لفض المنازعات هو خاضع لمحاكم هذا القضاء  بمختلف درجاته، وكذا لكافة إجراءاته. أما “التحكيم”نأن

 باعتباره قضاء خاص، وبديل عن قضاء الدولة، فهو قضاءٌ محايد حينما يستكمل أبنيته، ويباشر ممارسة مهام أعماله على استقلال، وهو من حيث “الهوية القانونية” تعبير عن “نظرية سلطان الإرادة الحرة” لأطراف الخصومة مع التحفظ على هذه النظرية، وبما معناه أن لهذه الإرادة الحرة الكلمة العليا فيما يتعلق بالتحكيم ورموزه وإجراءاته مع التحفظ ذي الطبيعة الاستثنائية لقواعد منبثقة عن إعمال “نظرية السيادة” يلزم الأخذ بها إذا كان مقر التحكيم داخل إقليم الدولة.

وهكذا “مبنى القضاء” يختلف عن “مبنى التحكيم”، وصاحب الشأن سواء أكان شخصًا طبيعيًا أو شخصًا معنويًا، خاصًا، أو عامًا له الخيار في اللجوء إلى أي من القضاءين أي أن يختار اختصاص هذا أو ذاك مع ملاحظة أن هذا الخيار ليس خيارًا حرًا مطلقا إذ فيما يتعلق بالتحكيم فالخيارُ مقيد بنطاق معين محصور، من حيث النطاق على المسائل التي يجوز فيها التحكيم والصلح، وبمقتضى مفهوم المخالفة لا يجوز التحكيم في المسائل ذات الطابع الشخصي أو تلك المتعلقة بحقوق الله سبحانه وتعالى، أو تلك المتعلقة بنظام الدولة العام. ولهذا يُقال في “علم القانون” أن الفرد في مجال التقاضي في وضع متساوٍ مع وضع الدولة ذات السيادة والسلطان. فكما أن الدولة ملزمة بتوفير “القضاء” كمسرح لمواطنيها تقدم لهم فيه أدوات أو وسائل لحل منازعاتهم حيث أن ذلك أحد مظاهر سلطتها، ناهيك عن أن من مسؤولياتها الكبرى توفير محاكم يدير دفتها قضاة مؤهلون وفقًا لقواعد وإجراءات ثابتة تحدد اختصاصاتها بغرض الوصول إلى هدف كلي وهو تحقيق العملية القانونية الخالصة في إقرار العدل وحمايته للكل على حد سواء. والمواطن وفقًا لهذا المنطلق باعتباره “إنسان” فهو على قدم المساواة مع الدولة إذ له إرادته الحرة الخالصة بحيث في إمكانه أن يُنشئ قضاءًا خاصًا له كبديل عن قضاء الدولة وذلك للنظر في المسائل التي تخصه إذا رغب في ذلك والتي تم تحديدها سلفًا. وهذا قضاء ذو نوعين: “قضاء غير مؤسسي” لحل منازعات بين الأطراف في حالات خاصة ينتهي فيها هذا القضاء حال حسم تلك الحالات، أو “قضاء مؤسسي” ذو طابع دائم منتظم، وهو قضاءٌ في إمكانه استقبال منازعات أصحاب الشأن وفقًا لإجراءات نمطية مستقرة وثابتة. هذا مع العلم، أن هذا القضاء المؤسسي يقوم على نمط معين في أبنيته وإجراءاته، وذو أشكال مختلفة تحت مُسمى مراكز وطنية، ومراكز إقليمية، ومراكز دولية، ولدرجة أن هذا القضاء المؤسسي ظاهرة منتشرة في الكثير من الدول ذات السيادة والسلطان. وفي خصوص التفرقة بين القضاءين هناك “مقولة قانونية” تدخل في إطار “حقوق المواطن الدستورية” مؤداها أن لجوء المواطن إلى “التحكيم” هو إهدار لحقوقه الدستورية التي وفَّرتها له الدولة من خلال إقامة أجهزة عدل تقر فيها الحقوق وفق موازين عدل سليمة تنعدم فيها قوى الهوى الجامح أو قوى الطيش البين. ولهذا فالتساؤل التي تثيره هذه المقولة هو: لماذا يلجأ المواطن إلى قضاء آخر داخل موطنه كقضاء بديل لقضاء موطنه ما لم يكن هذا القضاء فاسدًا؟ وهناك “مقولة قانونية” أخرى ضد المقولة السابقة، وعلى النقيض منها، مؤداها أن إذن الدولة لمواطنيها بمقتضى قوانينها باللجوء للتحكيم مؤداه اعتراف الدولة بتقصيرها في توفير العدل وإقامته لهؤلاء المواطنين. وفيما بين المقولتين هناك “مقولة قانونية ثالثة” مؤداها أن حق المواطن لم ولن يُهدر دستوريًا من قِبَلِهِ إذ يظل حقه في اللجوء للقضاء باقيًا، بل وثابتًا حتى ولو لجأ للتحكيم، وأن ترخيص الدولة ليس مبعثه تقصير منها في إقامة العدل، وإنما هو احترام منها لحق المواطن في الخيار بين أي من القضاءين باعتباره من حقوقه الأساسية “كإنسان”.

 معالي الدكتور: عرَّفتَ رجالَ الأعمال بانهم تجار وصناع، لماذا يقع البعض من هؤلاء في إشكالات حين ممارستهم لأعمالهم التجارية تنتهي بهم إلى ساحات  “المحاكم” أو مقار هيئات التحكيم لفض تلك الإشكالات. ما هو تعليق معاليكم؟

 سؤال حيوي ومهم … وكلُّ من مارس ويمارس المحاماة أمام “قاض” أو أمام “محكم” يجد أن ما سألت عنه يمثل ظاهرة لا تزال تستعصي على الحل. بعض التجار، ناهيك عن الصناع، في ممارستهم لأعمالهم التجارية يبخلون بدفع القليل، وبعد وقوعهم في “الفخ” يدفعون الكثير!

 ماذا تقصد؟

تاجر أو صانع يبرم عقد مقاولة، أو صناعة، أو تجارة بالجملة أو بالتجزئة، أو عقد نقل بضائع، أو عقد توريد سلع وخدمات، أو عقد توزيع، أو عقد تشييد مصنع، أو عقد وكالة تجارية، ربما في “تَسَتر” وقبل أن يستشير المختص في شأن هذا العقد أو ذاك من الناحية القانونية أو الفنية أو المالية، وبعد التوقيع على هذا العقد أو ذاك يُصْدَمُ حالاً بمعوقات وإشكالات ومنازعات في العقد الذي أبرمه بنفسه وعن رضًا وطواعية. وبدلا من مباشرة أعماله في سهولة ويسر يجد نفسه في دوامة بين “المحاكم” يتردد، أو من خلال “هيئات التحكيم” يجادل. أمَّا ما يدفعه من مصاريف ونفقات بعد التوقيع على العقد فحدث عنها ولا حرج. شواهد الحال كثيرة في ساحات المحاكم، وفي مقار هيئات التحكيم. ويصدق على مثل هذا “التاجر” أو “الصانع”: مقولة ذات مغزى مؤداها: “إذا وقعت يا فصيح لا تصيح”. وأنصح “التاجر” أو “الصانع” أن يستشير .. أن يستشير. أن يستشير…. حتى لا يرى نفسه “في خراب مالطة”….

وفي عالم الغرب مقولة: أن كل “تاجر” أو “صانع” خلفه رديف مستتر!!!

ما أبرز خمسة كتب أثرت في تكوينك الفكري؟

الكتب كثيرة التي أثرت في تكويني الفكري، ولكن ربما أهمها: تفسير القرآن الكريم لأبن كثير، كتاب: كليلة ودمنة لابن المقفع، كتاب: العواصم من القواصم لابن العربي، مبادئ القانون للدكتور عبدالفتاح عبدالباقي، وكتاب النظام الدولي العام للكرامة الانسانية للأستاذ الدكتور مايرس سمث مكدوقال. أستاذ القانون بكلية حقوق جامعة ييل Yale  الأمريكية.

معالي الدكتور: يتخوف الكثيرون من مرحلة التقاعد، ما رأي معاليك فيه؟

عبارة لم أفهم معناها. الإنسان ينتقل من موقع إلى آخر. ومن المعروف أن موضوع ترك الوظيفة العامة أو الإحالة على التقاعد أو التقاعد نفسه من الموضوعات التي كَثُرَ الحديث عنها، بل لا يزال الحديث عنها موضوع الساعة. والانفكاك من الوظيفة العامة أي التقاعد إمَّا أن يكون اختياريًا أو قانونيًا أو قسرًا. تعدد أسباب التقاعد في المحصلة النهائية واحد. والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا يفعل الموظف بعد التقاعد؟ هناك من يتقاعد، ويجد نفسه في مسرةٍ، وآخر يجد نفسه في كآبة تنتهي به إلى عزلة أو مرض. وسأقتصر هنا على ذكر ثلاثة أراء في “التقاعد” واحدة “لأديبٍ”، والثانية “لِي”، والثالثة لشيخي المربي الفاضل “عثمان الصالح”.

سألتُ الأستاذ الأديب الشاعر “حسن بن عبدالرحمن الحليبي” بعد أن تقاعد عن التدريس في “المعهد العلمي بالأحساء” عن رأيه في “التقاعد” فكانت وجهة نظره كما أملاها عليَّ بالهاتف كما يلي:

 ـ عِزٌ بعد ذل،

 ـ وصِحةٌ بعد سقم،

ـ وراحةٌ بعد تعب،

  ـ وحياةٌ بعد موت.

 وهذا رأي جميل، ومثير للتَّساؤل، ولعلَّ صاحبه على حق، وهي على أي حال وجهة نظر تحظى بتقدير واحترام.

 أمَّا عن وجهة نظري بخصوص التقاعد فلقد سبق أن عَبَّرْتُ عنها في أكثر من مناسبة مؤداها بأن “التقاعد عبارة لم أفهم معناها. وإذا تقاعد الموظف العام فهو في حقيقة الأمر ينتقل من موقع إلى موقع آخر. وربما يكون في الموقع الجديد أكثر إنتاجية وعطاءًا من الموقع السابق. ولقد سبق أن ذكرت ما قمتُ به بعد تغيير الوزارة. أما أستاذنا “عثمان الصالح فله وجهة نظر عن التقاعد. تحدَّث عنها من خلال برنامج عمل لمن يتقاعد. ووجهة نظره وبرنامج العمل الذي حدَّده جديران بالاهتمام. يقول “أبوناصر”: اعتقاد الكثير أن التقاعد وأد وموت، وهذا خطأ محض، بل إن التقاعد بعثٌ ونشرٌ لعدة اعتبارات:

 أولاً ـــــ إن المتقاعد قضى شبابه في العمل والإخلاص، وصُهِرَ بلا شك في أداء واجبه وفي معلوماته التي كرَّرها ورسخها في ذهنه وغرسها في الأفكار ..

ثانيًا ـ إن عصر الشباب والفتوة زالتا عنه .. وأقبل على شيخوخة فيها ما فيها من الفوائد

ثالثًا ـ لو كلف نفسه وشق عليها ومن ثم تجاوز في مواصلة العمل أكثر وأكثر من السنوات فوق الستين تمامًا لَكَلَّ جهده .. وشاخ فكره .. وتضاءل ذهنه .. واستنفذ طاقته وذكاءه وما استطاع الاستمرار، وَلَبَدَا على العمل نقص، وظهر فيه شرخ بل ضعف ..

 رابعًا ـ ما دامت هذه التجارب والسنوات الزاهرة التي فيها كفاح الشباب وفتوته .. والرجولة وحيويتها، والتي انقضت في عمل ودأب خَدَمَ بها الدولة والبلاد والمرفق .. أفلا يشعر بأنه يستطيع أن يجعل من بقية العمر مزرعة للآخرة يعود فيها إلى ربِّه مستقرًا ذهنه في عبادةٍ هادئةٍ .. وحياةٍ هانئةٍ .. يَستذكرُ فيها حسنات العمل وعلاقته مع الناس وصلاته بهم ليسجل فيما يعود عليه بالفائدة كتابًا إن كان قارئًا، أو لقاءًا بالآخرين لاستغلال الفراغ واستعمال ما هضمه من عمله .. وما اكتسبه من خبرته في أن يكون له ما يلي:

أ ــــــ أن يتصل بمن له بهم صلة، وأن يجتمع بهم، ويقضي معهم أوقاتًا يلتقون فيها، ويتبادلون في هذه الاجتماعات مع الأصدقاء القدامى وذوي الكفاءات اجترار الماضي والذكريات،

  ب ــــــ وإذا كان ذا معرفة وإدراك ووعي في علم أن يدوِّن معلوماته، وما بناه في عمله ومجتمعه ليكون ذلك كتابًا يفيد الناس، ويهتدي به غيره، ويؤدي واجبًا عليه،

 ج ـــــ أن يجعل من المطالعة زادًا من المعرفة التي يتجه إليها في هدوء مع تأدية ما لله من حق في هذه الصحة والعافية التي منحها الله له .. فقد يكون إثراؤه للمجتمع أكثر مما عمله يوم أن كان شابًا

كنت عميدًا لكلية التجارة وقبلك كان معالي الدكتور غازي القصيبي عميدًها.

هذا صحيح.

وَدَوَّنَ “غازي” تجربته الإدارية في كتاب سمَّاه “حياة في الإدارة”، وذكر معاليك بالإسم أكثر من مرة في كتابه، ولمعاليك رأي في الكتاب مؤداه أنه غير موثق. فهل لا تزال عند رأيك؟

نعم. وأعلنتُ عن ذلك للملأ في حياته وهو يعلم عن ذلك رحمه الله إلا أنه لم يُوَثِّقْ ما رواه. وتوفاه الله، وظلَّ كتابه مجرد خيال شاعر والشعراء يتبعهم …. وهو مجرد “رواية” ….  ولا تَصْدُقُ عليها مقولة حذام ……

       قرأتُ الكتاب، وتوقفتُ عند نصٍ لم أتمكن من فهمه، بل وتركني هذا النص في حيرة!!!

       ما هو هذا النص؟

       قال “غازي”: “أَصِلُ، الآن، إلى محطة هامة في حياتي الإدارية، وهامة في ذاتها، وهامة في تأثيرها على ما تلاها من محطات، وهي العمادة. هذه قصة شيقة، وهي قصة تستحق أن تروى بشيء من التفصيل. كان هذا العمل أصعب ما توليته في حياتي من أعمال، أصعب من السكة الحديدية، وأصعب من وزارة الصناعة والكهرباء، وأصعب من وزارة الصحة، وأصعب من السفارة في البحرين، وأصعب من السفارة في لندن”.

       ما رأيك فيما قاله زميلك؟

       وما رواه “معالي الدكتور غازي” ….. رحمه الله ….. هو بيت القصيد في كل كتابه المسمَّى “حياة في الإدارة”. ذكر “غازي” في “روايته” أن قصة العمادة قصة شيقة، وهي قصة تستحق أن تُروى بشيء من التفصيل. أشار إلى هذه القصة الشيقة دون ذكر تفاصيلها. وهكذا تركك يا “خالد” في حيرة من أمرك، وترك قارئ كتابه كذلك!!!. ولو لم يذكر الدكتور “غازي” أن هناك قصة لم يروِ تفاصيلها لكان أفضل. لم يبق في هذه الحياة من أبطال هذه القصة إلا “القلة” وأنا واحد منهم . ولعلِّي أُوفَّق في يوم مَّا في مشروع كتابي “مشوار حياتي” في تفكيك طلاسم هذه القصة التي تركها الصديق “غازي” محتويةً على “عُقَدٍ” أكثر من “عقدة أوديب” كما يُقال…

برواز مستق (بوكس سيرة ذاتية: الإسم: معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم  تاريخ ومكان الميلاد: من مواليد الهفوف 1938م المهنة: وزير دولة وعضو مجلس وزراء سابق.مؤهلاته العلمية: ليسانس الحقوق من كلية الحقوق جامعة القاهرة، جمهورية مصر العربية,ماجستير الحقوق من جامعة ييل Yale  الأمريكية. دكتوراه في علم القانون من جامعة ييل Yale  الأمريكيةمناصبه:معيد بكلية التجارة جامعة الملك سعود أستاذ مساعد بكلية التجارة قسم القانون، جامعة الملك سعود (جامعة الرياض سابقًا). عميد كلية التجارة رئيس اللجنة العليا للتظلمات الجمركيةوزير دولة وعضو مجلس وزراء سابق، من أبرز أعماله التي تولاها إلى جانب عمله وزير دولة وعضو مجلس وزراء سابق.   مستشار خاص للأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام عضو اللجنة العليا للإصلاح الإداري. رئيس الديوان العام للخدمة المدنية بالنيابة لعدة فترات، وعض مجلس أدارتها.عضو السيادة في اللجنة الوزارية المسؤولة عن مشتروات الحكومة.عضو المجلس الأعلى لجامعة الملك فيصل في الأحساء.عضو مجلس إدارة الخطوط الجوية العربية السعودية. عضو مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع في القاهرة.كما تولى لعدة مرات مهام وزير التخطيط نيابة عن معالي الأستاذ “هشام محي الدين ناظر” بعد تعيينه وزيرًا في وزارة البترول والثروة المعدنية

وللدكتور “آل ملحم” كتب وبحوث ومقالات ومقابلات صحفية في العديد من المجلات والصحف ومن هذه الكتب: “كانت أشبه بالجامعة”، كتاب “هزار الأحساء وبلبلها الغريدـ، كتاب “أيام في حياتي”، كتاب “قانون الثروة الناضبة”، كتاب “ابن مقرب: سقوط دولة وصعود شاعر، وكتاب باللغة الانجليزية بمسمَّى:

Middle East Oil

———————————————

مرحلة التقاعد… عبارة لم أفهم معناها حتى الآن! (أصل اللقاء) حوار خالد القحطاني
الناشر: مجلة الغرفة التجارية  – الأحساء

تاريخ النشر: 22/03/2017

رابط المصدر

 

مرحلة التقاعد… عبارة لم أفهم معناها حتى الآن!

مجلة الأحساء تحاور ابن “الأحساء” معالي وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم:

مرحلة التقاعد…
عبارة لم أفهم معناها حتى الآن!

يعتبر معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف بن محمد آل ملحم وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق أحد أبناء الأحساء الذينبرزوا في الحياة السياسية السعودية، وأصبح من كبار مسؤوليها خلال حقبة تاريخية طويلة تجاوزت العقدين من الزمان، وهوكذلك خلاصة رجل خبير في العلوم الإدارية والسياسية والاقتصاد والتاريخ والأدب.

| حوار |  خالد القحطاني  –  رئيس التحرير

عرفته التجارب منذ نعومة أظفاره، فتفوَّق دراسيًا، ودرس بكلية الحقوق جامعة القاهرة وحصل من «الجمهورية العربية المتحدة» على منحة دراسية لتفوقه العلمي، ومن ثم حصل على درجتي الماجستير والدكتوراة بدرجة الشرف من أعرق جامعة أمريكية في القانون هي جامعة ييل Yale الأمريكية. وخدم الوطن الغالي في مناصب عدة منها: عضو هيئة التدريس بكلية التجارة بجامعة الملك سعود (جامعة الرياض سابقًا)، وترقى حتى أصبح عميدًا للكلية، ومن ثم وزيرًا للدولة وعضوًا بمجلس الوزراء على مدى إحدى وعشرين عامًا. ولا يزال يحظى بتقدير القيادة السياسية حفظها الله لما يمتلكه من علم وحكمة وروية وخبرة في شتى الميادين.

معالي الوزير الدكتور محمد بن عبد اللطيف آل ملحم، ماذا تقول عن خلاصة حياتك … ذلك الكتاب الذي قمت بتأليفه «أيام فيحياتي»، وحياتك في الواقع؟
أقول، بشكل موجز، إن أيام حياتي، والحمد لله، كانت دائمًا ذات سعادة وبهجة، غير أنني عانيت من فقدان أمي، وكذا فيما بعد فقدان أبي بعدما تقدمت بي السنون، وفيما بين هذه الأيام وتلك أيامٌ أعتز بها، وهي أيام قضيتها مع زملاء في مراحل مختلفة من حياتي يستوي في ذلك مرحلة الطفولة أو مرحلة الشباب أو بعد ما تقدمت بي السنون. هؤلاء الزملاء فريقان: الفريق الأول «لِدَاتي» أي من عاصرتهم منذ الولادة وحتى اليوم، والفريق الثاني «رفاقي» وهو من عشت معهم في مسيرة حياتي ممن لم تكن ولادتهم في بلدة «هجر». واليوم وبعد كل تلك الأعوام والتجارب في الحياة أرى نفسي طالب علم، وكل يوم يمر عليَّ أجد أنه يثري فكري، ويوفر لي القناعة بأنني لم أحصل من العلم والخبرة إلا على القليل.

معالي الوزير جئتَ إلى الوزارة بهدوء أي بدون وهج إعلامي، وغادرتها كذلك بهدوء رغم أنك أمضيت فيها واحدًا وعشرين عامًا،قصدت الأمر هذا؟ أم جاء صدفة؟
لم أقصده …. ولم يأت صدفة ….
كنَّا في عام 1390هــــــ الموافق عام 1970م قِلة من حملة الدكتورة لا نتجاوز «الثمانية» في كلية التجارة، في (جامعة الرياض) جامعة الملك سعود حاليًا، وهي الكلية التي كانت تُعنى بالعلوم الاقتصادية والإدارية والمحاسبية والقانونية والسياسية. كنَّا في ذلك «العهد الرومانسي» بمثابة عملات نادرة متخصصين في مجالات غير مألوفة في المملكة. ومن كلية التجارة أخْتير ثلاثة، وواحد من كلية الزراعة، وآخر من كلية الطب، وآخر من كلية العلوم ليدخلوا الوزارة. وسميت وزارتنا «بوزارة الدكاترة».
أما عن مجيئِي للوزارة ومغادرتي لها دون وهج إعلامي فبودي أخي «خالد» أن أكون صريحًا معك: في الواقع لم يكن الوضع عاديًا بالنسبة لي في السنوات الأولى من تشكيل الوزارةـ. كانت رغبتي أن أكون في مركز الضوء حتى ولو في أبسط الأمور مما أزاوله من عمل، والسبب واضح وهو أن «القرينً بالمقارن يقتدي». كان البعض من رفاقي في الجامعة ممن دخلوا الوزارة معي مِلء السمع والبصر بمجرد تسلمهم لوزاراتهم، ولم تتحقق هذه الرغبة بطبيعة الحال لي لأن العمل الذي كنت أزاوله لم يسمح بذلك، كنت أمارس عملي في صمت. والحقيقة أن عملي الوزاري لم يكن ذات طبيعة تنفيذية لجهة مَّا، أو لمنطقة مَّا، أو لجمهور مَّا. كان عملي وأنا وزير طيلة السنوات الإحدى والعشرين سنة الماضية مثل «الجندي المجهول»، وأنتَ تعرف بالتأكيد معنى ودلالة مصطلح «الجندي المجهول» عند الأمم والشعوب. والإعلام يا أخي «خالد» له إيجابياته وسلبياته.

بالتأكيد، ثم ماذا؟
مع مرور الزمن أدركت أن للإعلام، إلى جانب إيجابياته، بريقًا وأضواء ووهجًا، فله سلبياته. لذا تعلمت خلال العقدين من الزمن أنني كنت على خطأ فيما كنت أرغبهُ وأتوقُ إليه في السنوات الأولى من تشكيل الوزارة، وأن الوضع العادي بعيدًا عن الشهرة والأضواء أو التصريحات كان أفضل بالنسبة لي، وبالفعل قد كان … ولعلَّ هذا من توفيق الله.

لمعاليكم ذكريات عميقة وكبيرة حول سنوات دراستكم في «مدرسة الهفوف الإبتدائية الأميرية»، وهو ما ترجمها اهتمامكموعنايتكم بها… وماذا تقولون؟

تأسست «مدرسة الهفوف الإبتدائية الأميرية» بمدينة الهفوف في عام 1350هــــ وذلك قبل الإعلان الرسمي عن تأسيس «المملكة العربية السعودية» بسنة في عام 1351هــــ، هذه المدرسة وُئِدَتْ بعد تأسيسها في مهدها بفعل بعض أهالي الأحساء الذين لم يحبذوا التعليم الحديث آنذاك، ولكن أُعِيدَ تأسيس المدرسة في عام 1355هــــ ومن ثم تّمَّ تدشينها في عام 1360هـــــ، وفي 14 جمادى الأولى عام 1366هــــــ التحقت بالمدرسة ورقم قيدي في سجلاتها هو «803»، وبعدها بشهور أي في العاشر من شهر شوال/1366هــ التحق بالمدرسة الزميل الأمير خالد بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود، ورقم قيد سموه هو «817».
وقد تخرج في المدرسة رجال رواد كان لهم الفضل في نشر التعليم في شرق المملكة وكافة المناطق الأخرى بها خلال عقود من الزمن، لذلك أرى فيها المدرسة «الأم» بالنسبة لي فهي موطن ذكريات، ومسارح أفكار، ومصدر إشعاع، ومنتدى سمَّار، وبالفعل رأيت أن أفعل شيئًا مَّا لمدرستي حيث شرعتُ محاولاً تخليد ذكرى هذه المدرسة بعد تغيير الوزارة في عام 1416هــــ. ولقد تم ذلك في كتاب ضخم موثق سميته «كانت أشبه بالجامعة». وبفضل من الله وتوفيقه، (وبدعم من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رئيس الهيئة العامــــة للسياحــــة والتراث الوطني الذي قــــــــرأ كتابي) أصبحت المدرسة اليوم «أحد المعالم التراثية والتاريخية» في المملكة، ومن بين أهم المرافق التي تُزار الآن، وهي مفتوحة لكل زائر للمحافظة.

ما أبرز ما شاركت فيه من شؤون عامة أثناء فترة عملك الوزاري؟
أفتخر، من بين أمور أخرى، أنني شرفت بعضوية «اللجنة العليا لوضع النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المقاطعات»، وهي اللجنة التي دام عملها اثني عشر عامًا، وكان لي شرف المشاركة في وضع «البنية الدستورية» لكل من نظام الحكم الأساسي ونظام مجلس الشورى، وهما النظامان اللَّذان بالإضافة إلى «نظام المقاطعات» قد خضعوا لتأمل وبحث ودراسة من قبل صفوة من رجال فكر ورأي حتى تم تتويج هذه الأنظمة بأوامر ملكية وضعتها موضع التنفيذ. كما كان لي شرف رئاسة اللجنة المشكلة من دول المجلس التعاون الخليجي، وهي اللجنة التي وضعتْ «نظام مجلس التعاون الخليجي»، وهو نظامٌ انسجم مع حقائق أوضاع دوله الأعضاء فيه، ولذا استمر المجلس متماسكًا في هياكله النظامية رغم ما طرأ عليها من تطوير إلى الآن، وسيبقى كذلك، إن شاء الله، على حاله النظامي متماسكًا حتى بالنسبة للمستقبل.

لا شك أنك خلال سنوات الوزارة قد زاملت وتعاملت مع وزراء عدة من غير الأمراء، من هم الوزراء الذين استفدت من خبراتهم؟وهل في إمكانك وضع قائمة بأسماء البعض منهم؟
أكن لكل إخواني الوزراء الذين زاملتهم طيلة العقود الماضية كل تقدير واحترام، ولو قررتُ وضع «قائمة» بأسماء بعضهم فسيكون معالي الأخ السياسي المخضرم محمد بن إبراهيم مسعود على رأس هذه القائمة، فهذا الرجل سياسي محنك ذو نظرة ثاقبة، وحكيم مجرب استفدت كثيرًا من آرائه من خلال أحاديث جرت بيننا طيلة واحدٍ وعشرين عامًا، رحمه الله.

معالي الوزير: من الوزير الثاني في القائمة؟
الإجابة عن هذا السؤال من رابع المستحيلات عندي.

أيهما كنت تفضل دائمًا لقب أستاذ الجامعة أو الوزير؟
أفضل لقب «أستاذ» الجامعة، ولكن لقب «وزير» سيظل يلاحقني. والظروف التي كنتُ فيها في عام 1395هـــــ عند دخولي الوزارة تختلف عن الظروف التي أنا فيها الآن. وهذا لا يعني أنني لم أكن مرتاحًا حينما عينتُ وزيرًا. على العكس كان لي خلال الإحدى والعشرين سنة الماضية شرف الخدمة العامة، والتعرف على مداخل السياسة ومخارجها، وهي مداخلٌ من المستحيل العلم بها لو كنتُ خارجَ الوزارة. أمَّا الآن فأنا أحاول اللحاق بما فاتني من ركب «كأستاذ جامعة». صدر لي كتاب بعنوان «كانت أشبه بالجامعة» في عام 1419هــــــ، وصدر لي كتاب بعنوان «هزار الأحساء وبلبلها الغريد» في عام 1420هـ، وصدر لي كتاب بعنوان «قانون الثروة الناضبة» في عام 1421هـــــ، وصدر كتاب  باللغة الإنجليزية بعنوان:
Middle East Oil  في طبعتين: طبعة بالتجليد الفاخر وطبعة أخرى بدونه في 1421هـ، وصدر لي كتاب بعنوان» أيام في حياتي» في عام 1433هـــــ ……. وآخر إصداراتي كتاب بعنوان: ابن مقرب …. سقوط دولة وصعود شاعر» في هذا العام ….. عام 1438هـــــ
وكما ترى … أخي …. «خالد»  كم في التقاعد من متعة.

معالي الوزير: هل «المحاماة» مربحة لمن هو صادق/أمين أي لا يقبل أية قضية إلاَّ بعد إيمانه بعدالتها؟
نعم المحاماة مربحة. والمحامي الصادق هو الذي يعتبر نفسه قاضيًا مع نفسه أي مع ضميره وذلك قبل أن يكون مرتبطًا للدفاع عـن موكله. والمحامي باعتباره «حالف قسم» يجب أن يكون أمينًا مع موكله. ومن مقتضيات هذه الأمانة أن يتأمل بتجرد قضية «موكله»، ومن ثم يصدر الحكم لصالح موكله أو ضده وذلك قبل أن يرفع قضيته للجهة المختصة أو أن يكون عضوًا محكمًا فيها. والقيد الوحيد على «موكله» هو أن يكون أمينًا كذلك مع «وكيله»، ومن مقتضيات هذه الأمانة أن لا يخفي عن «وكيله» أية واقعة مهما كانت في نظره تافهة تمشيًا مع «مقولة» فيلسوف يوناني حكيم [واليونانيون رجال فلسفة وأدب] «أنبئني بالوقائع أخبركَ بحكم القانون».

معالي الوزير: مع تطور وتعقد وتنوع العلاقات والمعاملات التجارية اليوم في كافة مجالات الأعمال، برز التفاوض كأداة هامة فيتسوية المشاكل، وحل الخلافات، وإقامة التوازن بين المصالح المختلفة … كيف ترى الأمر؟

التفاوض نوع من الحوار وتبادل الأفكار والاقتراحات بين طرفين أو أكثر بهدف التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى حسم نزاع أو خلاف بما يحافظ على المصالح المشتركة بين الطرفين. إذًا فالتفاوض عملية تفاعل وتعاون وهو كذلك موهبة، وإذا ما توفرت لهذه الموهبة قدر من العلم والصبر وكذا فهم لمداخل ومخارج لغة التفاوض فالمفاوض حكيم، والتفاوض يكون سريًا إذ كان الشأن المتفاوض من أجله يمس آخرين، ويكون علنيًا إذا كان التفاوض حول شأن تنحصر أبعاده على طرفي التفاوض على نحو شامل ومطلق.
والمفاوض الناجح هو من يتقن فن الاستماع والإنصات للطرف الآخر، وأن يكون قويًا واضحًا أكثر منه داهية فلا يأخذ دور «الواعظ» الذي يُلقي الخطب والمواعظ التي لا تجد نفعًا في التفاوض في مختلف أنواعه.

معالي الدكتور: وأنتم في ضيافة (مجلة غرفة الأحساء) ماذا ترغبون أن تقولوه للغرفة وأنتم فيما سبق عميدًا لكلية التجارة؟

بودي أن أنوه، بادئ ذي بدء، بأن «غرفة تجارة الأحساء» والتي أتمنى لو سُمِّيَت «بيت التجار» كانت ولا تزال واجهة حضارية في بلدة «هجر». وباعتباري شاهد عصر من المهم أن أثبت «حقيقة» أن غرفة تجارة الأحساء أو «بيت التجار» قد سدَّت فراغًا ليس فقط في نشر ثقافة التجارة والمال مما هو من اختصاصها أصلاً، وإنما أيضًا في نشر ثقافة تراث الأحساء كذلك. لقد احتضن مدرج غرفة التجارة مناسبات ذات طابع ثقافي وتاريخي وأدبي في وقت كان «الأحساء» فيه في حاجة إلى «ناد أدبي». وتم تطوير الغرفة بجهود أبناء للأحساء، هم من أصدقائي. وفي مقدمتهم رجال أعمال منهم: «ناصر بن حمد ابن زرعة»، و»عبدالعزيز العفالق»، و»سليمان بن عبدالرحمن الحماد. وآمل أن يواصل ربان سفينتها الحالي المهندس: صالح بن حسن العفالق مسيرة من سبقوه.
والغرفة، من وجهة نظري، هي «بيت التجار». و»الغرفة» الآن كسائر الغرف الأخرى المنتشرة هنا وهناك في شتى أنحاء المملكة تزخر بأهداف وبطموحات متماثلة وذات بريق ووهج ولغة وردية ربما تعجز (بحكم مواردها المتاحة) أية «غرفة»، بما فيها «غرفة تجارة الأحساء» عن تحقيقها، وما أراه لكي تحقق الغرفة جميع أهدافها وطموحاتها أن تقيم جسرًا من التواصل بينها وبين منسوبيها، وهم «شعبها»، كأولية أولى، وأن تكون الغرفة «حاضنة» لمهام أربع لهذا «الشَّعب»:
(1)    أن تكون ناديًا تستقطب فيه كافة رجال الأعمال من تجار وصناع يتحدثون فيه عن طموحاتهم وتجاربهم في المجال التجاري والصناعي،
(2)   أن تكون بمثابة محكمة يعرض فيها هؤلاء التجار والصناع مشاكلهم، وما تعرضوا له من صعاب في ممارستهم لأعمالهم التجارية والصناعية من أجل حلها دون اللجوء «للتقاضي» أو «التحكيم»،
(3)(3)   أن تكون «معهدًا» يتلقى رجالها فيه ما استجد من تقنيات جديدة في المجال المالي والتجاري والصناعي، وبهذا المعهد مكتبة ضخمة تزخر وتضم أمهات الكتب الحديثة ذات الطابع المالي والتجاري والصناعي، ولتكون مرجعًا ليس لمنسوبي الغرفة فقط، بل ولطالبى المعرفة في المجالات التجارية والمالية من منسوبي كليات التجارة، والعلوم الإدارية، والحقوق، والأفراد.
(4)(4)    وأن تكون منتدى لرجال الأعمال: تجارًا وصناعًا للسمر، والترويح، والترفيه، ناهيك عن تبادل المعلومات والخبرات، وتوثيق الصلات في مجالات التجارة والمال.

معالي الدكتور: ذكرت في كتابك: «كانت أشبه بالجامعة» النص التالي مشفوعًا بقصيدة. وأنقل النص كاملاً:
«في كتاب «واحة الأحساء» تحدَّث السيد «إف. إس. فيدال» في عام 1952م عن الحرف، والصناعات، والمهن في «الأحساء»، وهو حديثٌ جدير بالقراءة، ويعكسُ تمامًا وضع «مجتمع» الأحساء من حيث عنايته بالحرف والمهن وغيرها. ومن الصناعات والمهن والحرف التي عرض لها السيد «فيدال» ـــــــ باستفاضة ـــــــ:
صناعة الدِّلاَل (جمع دلة القهوة)،
صناعة النَّسيج،
صناعة الفخَّار،
الصناعة الجلدية،
صناعة الأخشاب،
صناعة المجوهرات،
وصناعة الأدوات الخاصة بالنخيل وبتصنيع مشتقات تمورها ونتاجها.
وعن صناعات الأحساء ــــــ آنذاك ــــــ يقول شاعر الأحساء «محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم» في ملحمة «الدر المكنون في شتى الفنون» (المكونة من عشرة آلاف بيت) أفكارًا ذات قيمة في أبيات تناول فيها ألوانًا معينة من هذه الصناعات. وسوف أنقل أدناه هذه الأبيات. وأهم هذه الأبيات بيتها الأخير الذي يعتبر بيت القصيد. يتناول هذا البيت المنطلق الأساس لموطن الصناعة ألا وهي الصناعة الوطنية، ومن هُمْ عُدَّتهَا؟، وما هي مقوماتها؟، وكيف تكون تاج المجد وفخاره؟ هذا البيت الفريد عبارة عن قصيدة كاملة بما احتوى عليه من مضامين ومفاهيم ذات طابع حيوي. ومنطق  هذا البيت:
وَمَعْنَى  الْحَضَاَرَةِ يَكْمُـنِ  فِـي
نَتَاجِ الْمُوَاطِنِ لَــوْ  تَفْهَمُـونْ!

أما القصيدة عن بعض ألوان من الصناعات في «مقاطعة الأحساء» فهي كالتالي:

بِلاَحْسَا» مَصَانِــــــعُ مُنْذُ الْقَدِيم
تَنَاثَرْنَ فِي سَهْلِهَا وَالْحُـــــــــــــــــــزُونْ
تَفَنَّــــــــــــــنَ فِيهِــــــــــنَّ صُنَّاعُــــــــــــهَا
وَأَبْـــــــــــــدَوْا بِهِنَّ جَمَـــــــــــــالَ الْفُنُونْ
جَمِيعُ الأَوَانـــــِي بِهَا عُرِضَــــــــــــتْ
عَلَى مَا يُنَاسِبُ دَخْلَ الزُّبُــــــــونْ
وَأُخْرَى نَسِيجٌ وَمِـــــــــنْ حِــــــرَفٍ
وَمِنْ كُلِّ صِنْفٍ هُمُ يَصْنَعُـــــــونْ
إِذَا سِرْتُمُــــــــــــوا قُـــــــــــرْبَ آلآتِهِـمْ
تصِيرُونَ كَالطُّرْشِ لاَ تَسْمَعُونْ!
فَهَــــــــذَا يَــــــــــــــــدُقُّ بِسِنْــــدَالِـــــــــةٍ
وَهَـــذَا يَرُبُّ لِتِلْكَ الصُّحُــــــــونْ!
وَهَـــــــــــذاَ يَفِـــــــــــــحُّ بِمْنِفَاخِـــــــــــــــــهِ
وَهَــــــــذَا يُحَـــــــــــــــــــــرِّكُ لِلْمَنْجَنُونْ!
كِفَايَاتُهُمْ تِلْكَ قَــــــــــــدْ حَصَّلُوا
بِجُهْدِهــــــــــــــــمُ حِينَمَا يَعْمَلُــــــــــــونْ
فَلَيْسُوا لِغَيْرِهُــــــــــــــــــــمُ أَبَـــــــــــــــــدَا
يَمــدُّونَ كَفَّا فَهُـــــــمْ مُكْتَفُـــــــــــــونْ
وَجُـــــــلُّ مَرَافِـــــــــــقِ عَيْشِ الْبِلاَدِ
بِأَزْمَــــــــــانِهِــــمْ هُــــــمْ لَهَا يُنْتِجُــــــــونْ
وَمَعْنَى الْحَضَــــاَرَةِ يَكْمُــنِ فِـــــــــي
نَتَاجِ الْمُوَاطِــنِ لَــوْ  تَفْهَمُـــــــونْ!

معالي الدكتور: يا تُرى لمن يوجه هذا النص؟

أخي خالد: المعنى في قلب الشاعر. ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك. يوجه هذا النص، بداهة، لفئة الصناع ممن أسماؤهم مسجلة في «غرفة تجارة الأحساء، أعني «بيت التجار». هم الأولى أن يوجه لهم النص، ويعملوا بمقتضاه ليجددوا تراث الآباء والأجداد في «الصناعة» التي تميزت بها بلدة «هجر» عبر العصور، وبشرط أن يوفر لهؤلاء الصناع، بجانب الحماية، الدعم التام الشامل ممن يهمهم الأمر في وزارة التجارة والاستثمار.

معالي الدكتور: هل هناك علاقة بين كلية التجارة التي كنتَ عميدها وغرف التجارة المنتشرة هنا وهناك في بلادنا؟
نعم العلاقة قوية، وفي عهدي كانت كليتي «كلية التجارة» التي كنتُ عميدها على علاقة بغرف تجارة محدودة العدد. وكم كنتُ أتمنى أن يبقى اسم الكلية على حاله. تغيَّر اسم «كلية التجارة» في أيامنا المعاصرة للأسف إلى كليتين: كلية للعلوم الإدارية»، وكلية «للحقوق والعلوم السياسية».
وفي كلية التجارة ونظائرها تخرج ويتخرج طلاب شغلوا ويشغلون أهم الوظائف في الغرف التي أشرتَ يا «خالد» إليها.
وحينما كنْت عميدًا للكلية في عام 1393هــــــــ، كنتُ أُدَرِّسُ موادًا في الكلية منها مادة «القانون التجاري». وكانت تلك المادة (وحتى في أيامنا المعاصرة) تُعنى من حيث الأشخاص برجال الأعمال بفئتيْها: تجارًا وصناعًا. كما كانت مادة «القانون التجاري» تُعنى بتكوين الشركات وبالذات «شركات المساهمة العامة» وإن كان هذا النوع من الشركات في عهدي محدودا جدًا ومنها: شركات الكهرباء وشركتين أو ثلاث من شركات الأسمنت وغيرها، وكان النمط السائد آنذاك تكوين «الشركات العائلية» التي تتخذ من شركة «المسؤولية المحدودة» نمطًا لها. ويهمني باعتباري كنتُ مدرسًا لقانون الشركات وعلى رأسها «شركات المساهمة العامة» أن أنوه عن «نقطة مهمة» في مجال «شركات المساهمة العامة»، ولعل هناك من يخالفني الرأي فيما سأقوله في أيامنا المعاصرة ممن «انشغلوا» أو «فُتنوا» أو افتتنوا بما يعرف بمنصتي «تداول الأسهم»، و»سوق الأسهم». ومع احترامي لأي رأي معارض فمن وجهة نظري يعتبر «السهم» من حيث عائده في «شركات المساهمة العامة» هو المؤشر الأساس لنجاح أو فشل أية شركة. والسوق لمن يعرف ثقافتها سوقٌ في خصوص «الاستثمار في الأسهم» لا ترحم.
وفي ضوء ما مر بالأسهم من كوارث سابقة، وبالرغم مما حُميتْ به الأسهم من تقنيات حديثة متطورة، فعلى المستثمر الحصيف في الأسهم أن يُجْري، ومع توقي الحذر، جدوى اقتصادية لاستثماره بما فيها دراسة ما تنشره الشركة المستهدفة عن ميزانيتها وحساب أرباحها وخسائرها، مع تركيز اهتمامه على النقطة المهمة التي أشرتُ إليها سلفًا ،وهي التحقق من أداء الشركة وربحية سهمها، أي: التحقق من عائد سهمها المالي حاليًا وفي المستقبل المنظور، مع عدم الالتفات إلى طروحات المضاربين المغرية وشتى الشائعات التي يطلقونها بين الحين والآخر. والسهم في المحصلة النهائية هو نبض القلب لحياة أو موت أي شركةـ، بل وهو الْحَكَمُ (أي المؤشر) على مدى نجاح الشركة أو فشلها.

دكتور: وهل تنصح في الاستثمار في الشركات المدعومة أسهمها بربح سنوي ثابت من خزينة الدولة؟
أخي خالد. هذا سؤال غريب. مثل هذه الأسهم يجب استبعاد تداولها من سوق الأسهم للأسباب التي سبق أن ذكرتها فيما يتعلق بالربط بين أداء الشركة وعائد سهمها المالي.

دكتور: أسعار الأراضي حديث الناس هذه الأيام، هل لمعاليك من تعليق؟
أخي خالد: دع الناس يتحدثون. ودع الناس يتسلُّون. هم أحرار في التصرف فيما يملكون. ومع مرور الوقت يتعلم ملّاك الأراضي.
أسعار «الأمس» غير أسعار «اليوم»،
وأسعار «اليوم» لن تكون كأسعار «الغد».
أنا لست «تاجر أراضي»، ولا «رجل أعمال». ولكن إليك القصة التالية: صديق لي صاحب مكتب عقاري في «الأحساء» طلبتُ منه أن يبحث لي عن قطعة أرض لا تتجاوز ثلاثمائة (300) متر لغرض مَّا. وقلتُ له: يقال أن أسعار الأراضي هذه الأيام في نزول. قال: هذا صحيح وأنا في السوق وأعرفه، وأردفَ قائلاً: عندي قطع أراض للبيع، ولكن ملّاكها متمسكون بأسعار الأمس، ولن يبيعوا إلا بأسعار الأمس. قلتُ له. دعهم في أحلامهم. وختمتُ حديثي مع صديقي مُرَدِّدًا البيت التالي:
ومُكَلِّفُ الأَيَّامِ ضِدَّ طِبَاعِهَا
مُتَطَلِّبٌ فِي الْمَاءِ جَذْوَةَ نارِ
والحكيم من يتعايش مع أحوال يومه فيتصرف بمقتضاها.

معالي الدكتور: كثر الحديث في أوساط المجتمع بين المختصين ورجال الأعمال حول المادة (77) من نظام العمل التالي نصه:
«ما لم يَتَضَمَّن العقد تعويضاً مُحدَّدَاً مُقابِل إنهائه من أحد الطرفين لسببٍ غير مشروع، يستحق الطرف المُتَضَرِّر من إنهاء العقدتعويضَاً على النحو التالي:
(1)   أجر خمسة عشر يوماً عن كل سنة من سنوات خدمة العَامِل، إذا كان العقد غير محدد المدة.
(2)   أجر المدة الباقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة.
(3)   يجب ألاّ يقل التعويض المشار إليه في الفقرتين (1) و(2) من هذه المادة عن أجر العَامِل لمدة شهرين».

الحديث في نص هذه المادة «يا خالد» يطول شرحه، وليس هنا محله. ولكن إليك رأيي باختصار.
هذه المادة من حيث الصياغة القانونية «مُحْكَمَةُ»، ومن حيث المحتوى القانوني «عَادِلةٌ» إذا نُظِرَ إليها مجردةً من الزمان والمكان أي من البيئة المراد تطبيقها فيها. بل ولا غبار عليها شكلاً ومحتوىً إذا كان الغرض منها تعليم الطلاب في كليات الحقوق كيفية الصياغة القانونية لضبط محتوىً معين.  أما إذا أُريد منها كمادة أن تطبق في بلد معين من حيث الزمان والمكان فالوضع مختلف تمامًا.
هذه المادة صالحةٌ للتطبيق في البلد الذي لا توجد فيه عمالة وافدة ماهرة على الإطلاق. وبمقتضى مفهوم المخالفة، هي مادة غير صالحة للتطبيق في البلد الذي يكتظ بعمالة وافدة لا سيما إذا كانت العمالة ماهرة.
تطبيق هذه المادة في هذا البلد المكتظ بالعمالة المشار إليها عملٌ «مأساوِيٌّ كارثي» في خصوص توطين الوظائف.
رحم الله أستاذي الدكتور «جمال زكي» من أساطين «قانون العمل» في كلية حقوق ــــــ جامعة القاهرة الذي كان ينادي بتوطين نص المادة بالبيئة المراد تطبيقه فيها إذا أريد منها أن تكون ذات فعالية.

.معالي الوزير: في مجال عقود التجارة والمعاملات التجارية ذات الطبيعة المتشعبة يحتار رجل الأعمال أو التاجر أو يتردد فياختيار أي القضاءين: «قضاء الدولة»  أو «قضاء التحكيم» لحل أية منازعة تنشأ في العقد الذي وقع أو سيوقع عليه. ما رأيك في مثلهذه المسألة الشائكة؟
من مستلزمات أي عقد سواء أكان «مدنيًا» أو تجاريًا» أن يُدرج فيه نص يتعلق بالتقاضي: قضاءً أو تحكيمًا. وفي أي عقد يبقى القضاء والتحكيم أهم أداتين أو وسيلتين يتم اللجوء إليهما لفض المنازعات ذات الطبيعة العقدية. و»القضاء» تعبير عن ظاهرة من ظواهر ثلاث: «لنظرية سيادة الدولة»، وهي النظرية التي تعنِي، بصفة شاملة، الحفاظ على كرامة الدولة الإقليمية واستقلالها السياسي. والظواهر الثلاث لنظرية السيادة المكونة للدولة الحديثة هي: «السلطة التنفيذية» و»السلطة التشريعية» و»السلطة القضائية». والدولة هي صاحبة الكلمة العليا في شأنها الداخلي. ومعنى ما أقصده أن كل من يلجأ لقضاء الدولة كأداة لفض المنازعات هو خاضع لمحاكم هذا القضاء بمختلف درجاته، وكذا لكافة إجراءاته. أما «التحكيم» باعتباره قضاء خاصًا، وبديلاً عن قضاء الدولة، فهو قضاءٌ محايد حينما يستكمل أبنيته، ويباشر ممارسة مهام أعماله على استقلال، وهو من حيث «الهوية القانونية» تعبير عن «نظرية سلطان الإرادة الحرة» لأطراف الخصومة مع التحفظ على هذه النظرية، وبما معناه أن لهذه الإرادة الحرة الكلمة العليا فيما يتعلق بالتحكيم ورموزه وإجراءاته مع التحفظ ذي الطبيعة الاستثنائية لقواعد منبثقة عن إعمال «نظرية السيادة» يلزم الأخذ بها إذا كان مقر التحكيم داخل إقليم الدولة.
وهكذا «مبنى القضاء» يختلف عن «مبنى التحكيم»، وصاحب الشأن سواء أكان شخصًا طبيعيًا أو شخصًا معنويًا، خاصًا، أو عامًا له الخيار في اللجوء إلى أي من القضاءين أي أن يختار اختصاص هذا أو ذاك مع ملاحظة أن هذا الخيار ليس خيارًا حرًا مطلقا إذ فيما يتعلق بالتحكيم فالخيارُ مقيد بنطاق معين محصور، من حيث النطاق على المسائل التي يجوز فيها التحكيم والصلح، وبمقتضى مفهوم المخالفة لا يجوز التحكيم في المسائل ذات الطابع الشخصي أو تلك المتعلقة بحقوق الله سبحانه وتعالى، أو تلك المتعلقة بنظام الدولة العام. ولهذا يُقال في «علم القانون» أن الفرد في مجال التقاضي في وضع متساوٍ مع وضع الدولة ذات السيادة والسلطان. فكما أن الدولة ملزمة بتوفير «القضاء» كمسرح لمواطنيها تقدم لهم فيه أدوات أو وسائل لحل منازعاتهم حيث إن ذلك أحد مظاهر سلطتها، ناهيك عن أن من مسؤولياتها الكبرى توفير محاكم يدير دفتها قضاة مؤهلون وفقًا لقواعد وإجراءات ثابتة تحدد اختصاصاتها بغرض الوصول إلى هدف كلي وهو تحقيق العملية القانونية الخالصة في إقرار العدل وحمايته للكل على حد سواء. والمواطن وفقًا لهذا المنطلق باعتباره «إنسان» فهو على قدم المساواة مع الدولة إذ له إرادته الحرة الخالصة بحيث بإمكانه أن يُنشئ قضاءً خاصًا له كبديل عن قضاء الدولة وذلك للنظر في المسائل التي تخصه إذا رغب في ذلك والتي تم تحديدها سلفًا. وهذا قضاء ذو نوعين: «قضاء غير مؤسسي» لحل منازعات بين الأطراف في حالات خاصة ينتهي فيها هذا القضاء حال حسم تلك الحالات، أو «قضاء مؤسسي» ذو طابع دائم منتظم، وهو قضاءٌ بإمكانه استقبال منازعات أصحاب الشأن وفقًا لإجراءات نمطية مستقرة وثابتة. هذا مع العلم، أن هذا القضاء المؤسسي يقوم على نمط معين في أبنيته وإجراءاته، أشكال مختلفة تحت مُسمى مراكز وطنية، ومراكز إقليمية، ومراكز دولية، ولدرجة أن هذا القضاء المؤسسي ظاهرة منتشرة في الكثير من الدول ذات السيادة والسلطان. وفي خصوص التفرقة بين القضاءين هناك «مقولة قانونية» تدخل في إطار «حقوق المواطن الدستورية» مؤداها أن لجوء المواطن إلى «التحكيم» هو إهدار لحقوقه الدستورية التي وفَّرتها له الدولة من خلال إقامة أجهزة عدل تقر فيها الحقوق وفق موازين عدل سليمة تنعدم فيها قوى الهوى الجامح أو قوى الطيش البين. ولهذا فالتساؤل التي تثيره هذه المقولة هو: لماذا يلجأ المواطن إلى قضاء آخر داخل موطنه كقضاء  بديل لقضاء موطنه ما لم يكن هذا القضاء فاسدًا؟ وهناك «مقولة قانونية» أخرى ضد المقولة السابقة، وعلى النقيض منها، مؤداها أن إذن الدولة لمواطنيها بمقتضى قوانينها باللجوء للتحكيم مؤداه اعتراف الدولة بتقصيرها في توفير العدل وإقامته لهؤلاء المواطنين. وفيما بين المقولتين هناك «مقولة قانونية ثالثة» مؤداها أن حق المواطن لم ولن يُهدر دستوريًا من قِبَلِهِ إذ يظل حقه في اللجوء للقضاء باقيًا، بل وثابتًا حتى ولو لجأ للتحكيم، وأن ترخيص الدولة ليس مبعثه تقصيرًا منها في إقامة العدل، وإنما هو احترام منها لحق المواطن في الخيار بين أي من القضاءين باعتباره من حقوقه الأساسية «كإنسان».

معالي الدكتور: عرَّفتَ رجالَ الأعمال بأنهم تجار وصناع، لماذا يقع البعض من هؤلاء في إشكالات حين ممارستهم لأعمالهم التجارية تنتهي بهم إلى ساحات «المحاكم» أو مقار هيئات التحكيم لفض تلك الإشكالات. ما هو تعليق معاليكم؟ سؤال حيوي ومهم … وكلُّ من مارس ويمارس المحاماة أمام «قاض» أو أمام «محكّم» يجد أن ما سألت عنه يمثل ظاهرة لا تزال تستعصي على الحل. بعض التجار، ناهيك عن الصناع، في ممارستهم لأعمالهم التجارية يبخلون بدفع القليل، وبعد وقوعهم في «الفخ» يدفعون الكثير!

ماذا تقصد؟
تاجر أو صانع يبرم عقد مقاولة، أو صناعة، أو تجارة بالجملة أو بالتجزئة، أو عقد نقل بضائع، أو عقد توريد سلع وخدمات، أو عقد توزيع، أو عقد تشييد مصنع، أو عقد وكالة تجارية، ربما في «تَسَتر» وقبل أن يستشير المختص في شأن هذا العقد أو ذاك من الناحية القانونية أو الفنية أو المالية، وبعد التوقيع على هذا العقد أو ذاك يُصْدَمُ حالاً بمعوقات وإشكالات ومنازعات في العقد الذي أبرمه بنفسه وعن رضًا وطواعية. وبدلاً من مباشرة أعماله في سهولة ويسر يجد نفسه في دوامة بين «المحاكم» يتردد، أو من خلال «هيئات التحكيم» يجادل. أمَّا ما يدفعه من مصاريف ونفقات بعد التوقيع على العقد فحدث عنها ولا حرج. شواهد الحال كثيرة في ساحات المحاكم، وفي مقار هيئات التحكيم. ويصدق على مثل هذا «التاجر» أو «الصانع»: مقولة ذات مغزى مؤداها: «إذا وقعت يا فصيح لا تصيح». وأنصح «التاجر» أو «الصانع» أن يستشير .. أن يستشير. أن يستشير…. حتى لا يرى نفسه «في خراب مالطة»….
وفي عالم الغرب مقولة: أن كل «تاجر» أو «صانع» خلفه رديف مستتر!!!

ما أبرز خمسة كتب أثرت في تكوينك الفكري؟
الكتب كثيرة التي أثرت في تكويني الفكري، ولكن ربما أهمها: تفسير القرآن الكريم لأبن كثير، كتاب: كليلة ودمنة لابن المقفع، كتاب: العواصم من القواصم لابن العربي، مبادئ القانون للدكتور عبدالفتاح عبدالباقي، وكتاب النظام الدولي العام للكرامة الانسانية للأستاذ الدكتور مايرس سمث مكدوقال. أستاذ القانون بكلية حقوق جامعة ييل Yale  الأمريكية.

معالي الدكتور: يتخوف الكثيرون من مرحلة التقاعد، ما رأي معاليك فيه؟
عبارة لم أفهم معناها. الإنسان ينتقل من موقع إلى آخر. ومن المعروف أن موضوع ترك الوظيفة العامة أو الإحالة على التقاعد أو التقاعد نفسه من الموضوعات التي كَثُرَ الحديث عنها، بل لا يزال الحديث عنها موضوع الساعة. والانفكاك من الوظيفة العامة أي التقاعد إمَّا أن يكون اختياريًا أو قانونيًا أو قسرًا. تعدد أسباب التقاعد في المحصلة النهائية واحد. والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا يفعل الموظف بعد التقاعد؟ هناك من يتقاعد، ويجد نفسه في مسرةٍ، وآخر يجد نفسه في كآبة تنتهي به إلى عزلة أو مرض. وسأقتصر هنا على ذكر ثلاثة أراء في «التقاعد» واحدة «لأديبٍ»، والثانية «لِي»، والثالثة لشيخي المربي الفاضل «عثمان الصالح».
سألتُ الأستاذ الأديب الشاعر «حسن بن عبدالرحمن الحليبي» بعد أن تقاعد عن التدريس في «المعهد العلمي بالأحساء» عن رأيه في «التقاعد» فكانت وجهة نظره كما أملاها عليَّ بالهاتف كما يلي:
– عِزٌ بعد ذل،
–  وصِحةٌ بعد سقم،
– وراحةٌ بعد تعب،
– وحياةٌ بعد موت.
وهذا رأي جميل، ومثير للتَّساؤل، ولعلَّ صاحبه على حق، وهي على أي حال وجهة نظر تحظى بتقدير واحترام.
أمَّا عن وجهة نظري بخصوص التقاعد فلقد سبق أن عَبَّرْتُ عنها في أكثر من مناسبة مؤداها بأن «التقاعد عبارة لم أفهم معناها. وإذا تقاعد الموظف العام فهو في حقيقة الأمر ينتقل من موقع إلى موقع آخر. وربما يكون في الموقع الجديد أكثر إنتاجية وعطاءً  من الموقع السابق. ولقد سبق أن ذكرت ما قمتُ به بعد تغيير الوزارة. أما أستاذنا «عثمان الصالح، فله وجهة نظر عن التقاعد. تحدَّث عنها من خلال برنامج عمل لمن يتقاعد. ووجهة نظره وبرنامج العمل الذي حدَّده جديران بالاهتمام. يقول «أبوناصر»: اعتقاد الكثير أن التقاعد وأد وموت، وهذا خطأ محض، بل إن التقاعد بعثٌ ونشرٌ لعدة اعتبارات:
أولاً ـــــ إن المتقاعد قضى شبابه في العمل والإخلاص، وصُهِرَ بلا شك في أداء واجبه وفي معلوماته التي كرَّرها ورسخها في ذهنه وغرسها في الأفكار ..
ثانيًا ـ إن عصر الشباب والفتوة زالتا عنه .. وأقبل على شيخوخة فيها ما فيها من الفوائد ..
ثالثًا ـ لو كلف نفسه وشق عليها ومن ثم تجاوز في مواصلة العمل أكثر وأكثر من السنوات فوق الستين تمامًا لَكَلَّ جهده .. وشاخ فكره .. وتضاءل ذهنه .. واستنفذ طاقته وذكاءه وما استطاع الاستمرار، وَلَبَدَا على العمل نقص، وظهر فيه شرخ بل ضعف ..
رابعًا ـ ما دامت هذه التجارب والسنوات الزاهرة التي فيها كفاح الشباب وفتوته .. والرجولة وحيويتها، والتي انقضت في عمل ودأب خَدَمَ بها الدولة والبلاد والمرفق .. أفلا يشعر بأنه يستطيع أن يجعل من بقية العمر مزرعة للآخرة يعود فيها إلى ربِّه مستقرًا ذهنه في عبادةٍ هادئةٍ .. وحياةٍ هانئةٍ .. يَستذكرُ فيها حسنات العمل وعلاقته مع الناس وصلاته بهم ليسجل فيما يعود عليه بالفائدة كتابًا إن كان قارئًا، أو لقاءً بالآخرين لاستغلال الفراغ واستعمال ما هضمه من عمله .. وما اكتسبه من خبرته في أن يكون له ما يلي:
أ ـ أن يتصل بمن له بهم صلة، وأن يجتمع بهم، ويقضي معهم أوقاتًا يلتقون فيها، ويتبادلون في هذه الاجتماعات مع الأصدقاء القدامى وذوي الكفاءات اجترار الماضي والذكريات، أ ـ أن يتصل بمن له بهم صلة، وأن يجتمع بهم، ويقضي معهم أوقاتًا يلتقون فيها، ويتبادلون في هذه الاجتماعات مع الأصدقاء القدامى وذوي الكفاءات اجترار الماضي والذكريات،
ب ـ وإذا كان ذا معرفة وإدراك ووعي في علم أن يدوِّن معلوماته، وما بناه في عمله ومجتمعه، ليكون ذلك كتابًا يفيد الناس، ويهتدي به غيره، ويؤدي واجبًا عليه،
ج ـ أن يجعل من المطالعة زادًا من المعرفة التي يتجه إليها في هدوء مع تأدية ما لله من حق في هذه الصحة والعافية التي منحها الله له .. فقد يكون إثراؤه للمجتمع أكثر مما عمله يوم أن كان شابًا.

كنت عميدا لكلية التجارة وقبلك كان معالي الدكتور غازي القصيبي عميدًها.
هذا صحيح.

وَدَوَّنَ «غازي» تجربته الإدارية في كتاب سمَّاه «حياة في الإدارة»، وذكر معاليك بالاسم أكثر من مرة في كتابه، ولمعاليك رأي فيالكتاب مؤداه أنه غير موثق. فهل لا تزال عند رأيك؟
نعم. وأعلنتُ عن ذلك للملأ في حياته وهو يعلم عن ذلك -رحمه الله – إلا أنه لم يُوَثِّقْ ما رواه. وتوفاه الله، وظلَّ كتابه مجرد خيال شاعر والشعراء …. وهو مجرد «رواية» ….  ولا تَصْدُقُ عليها مقولة حذام ……
قرأتُ الكتاب، وتوقفتُ عند نصٍ لم أتمكن من فهمه، بل وتركني هذا النص في حيرة!!!

ما هو هذا النص؟
قال «غازي»: «أَصِلُ، الآن، إلى محطة ومهمة في حياتي الإدارية، ومهمة في ذاتها، ومهمة في تأثيرها على ما تلاها من محطات، وهي العمادة. هذه قصة شوقة، وهي قصة تستحق أن تروى بشيء من التفصيل. كان هذا العمل أصعب ما توليته في حياتي من أعمال أصعب من السكة الحديدية، وأصعب من وزارة الصناعة والكهرباء، وأصعب من وزارة الصحة، وأصعب من السفارة في البحرين، وأصعب من السفارة في لندن».

ما رأيك فيما قاله زميلك؟
وما رواه «معالي الدكتور غازي» ….. رحمه الله ….. هو بيت القصيد في كل كتابه المسمَّى «حياة في الإدارة». ذكر «غازي» في «روايته» أن قصة العمادة قصة شوقة، وهي قصة تستحق أن تُروى بشيء من التفصيل. أشار إلى هذه القصة المشوقة دون ذكر تفاصيلها. وهكذا تركك يا «خالد» في حيرة من أمرك، وترك قارئ كتابه كذلك!!!. ولو لم يذكر الدكتور «غازي» أن هناك قصة لم يروِ تفاصيلها لكان أفضل. لم يبق في هذه الحياة من أبطال هذه القصة إلا «القلة» وأنا واحد منهم . ولعلِّي أُوفَّق في يوم مَّا في مشروع كتابي «مشوار حياتي» في تفكيك طلاسم هذه القصة التي تركها الصديق «غازي» محتويةً على «عُقَدٍ» أكثر من «عقدة أوديب» كما يُقال….

سيرة ذاتية:
الاسم: معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم
تاريخ ومكان الميلاد: من مواليد الهفوف 1938م
المهنة: وزير دولة وعضو مجلس وزراء سابق.

مؤهلاته العلمية:
ليسانس الحقوق من كلية الحقوق جامعة القاهرة، جمهورية مصر العربية,
ماجستير الحقوق من جامعة ييل Yale  الأمريكية.
دكتوراه في علم القانون من جامعة ييل  Yale  الأمريكية

مناصبه:
معيد بكلية التجارة جامعة الملك سعود
أستاذ مساعد بكلية التجارة قسم القانون، جامعة الملك سعود (جامعة الرياض سابقًا).
عميد كلية التجارة
رئيس اللجنة العليا للتظلمات الجمركية
وزير دولة وعضو مجلس وزراء سابق،
من أبرز أعماله التي تولاها إلى جانب عمله وزير دولة وعضو مجلس وزراء سابق.
مستشار خاص للأمير سلطان ابن عبدالعزيز آل سعود النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام
عضو اللجنة العليا للإصلاح الإداري.
رئيس الديوان العام للخدمة المدنية بالنيابة لعدة فترات، وعضو مجلس إدارتها.
عضو السيادة في اللجنة الوزارية المسؤولة عن مشتريات الحكومة.
عضو المجلس الأعلى لجامعة الملك فيصل في الأحساء.
عضو مجلس إدارة الخطوط الجوية العربية السعودية.
عضو مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع في القاهرة.
كما تولى لعدة مرات مهام وزير التخطيط نيابة عن معالي الأستاذ «هشام محي الدين ناظر» بعد تعيينه وزيرًا في وزارة البترول والثروة المعدنية
وللدكتور «آل ملحم» كتب وبحوث ومقالات ومقابلات صحفية في العديد من المجلات والصحف ومن هذه الكتب: «كانت أشبه بالجامعة»، كتاب «هزار الأحساء وبلبلها الغريدـ، كتاب «أيام في حياتي»، كتاب «قانون الثروة الناضبة»، كتاب «ابن مقرب: سقوط دولة وصعود شاعر، وكتاب باللغة الإنجليزية بمسمى:  Middle East Oil

————————————–

– حوار خالد القحطاني – رئيس التحرير
الناشر: مجلة الغرفة التجارية – الأحساء

تاريخ النشر: 22/03/2017 م

رابط المصدر

 د. الملحم: تمنيت أن أحظى بتكريم الأمير سعود

 

في حوار قصير مع الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق عن الثقافة والأدب في المنطقة الشرقية والأحساء نوه إلى أن احتفاء الدولة وتكريمها لرجال الفكر والأدب هو محل تقدير واعتزاز للجميع، خصوصاً أن المنطقة الشرقية والأحساء خاصة بهما العديد من المثقفين والأدباء البارزين الذين قدموا الكثير في سبيل أن تتألق الثقافة لتصبح نهراً متدفقاً.

وذكر الدكتور الملحم أنه تمنى أن يحظى بتكريم «نادي الأحساء الأدبي» في مهرجان «جواثا الثقافي الرابع» الذي رعاه الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية، وبحضور الأمير بدر بن محمد بن عبدالله الجلوي آل سعود، والذي ورد فيه اسمه أثناء التكريم إلا أنه لم يكن على علم مسبق بترشيح النادي الأدبي له، ولم يتم التنسيق المسبق معه بشأنه أبداً كما جرى العرف بذلك، بل كان مفاجأة له.

لذا وسَمَهُ الدكتور الملحم بأنه تكريم بالإكراه حيث اعتذر لرئاسة النادي للأسباب المشار إليها عن الحضور قبل موعد إقامة المهرجان بوقت كاف، إلا أنه قد أعلن عن تكريمه في المهرجان رغم غيابه، لذا أسف الدكتور الملحم لما حدث، وأكد على أن تكريم الثقافة والفكر هو تأكيد على مكانة المثقفين في بلادنا.

———————————-

د. الملحم: تمنيت أن أحظى بتكريم الأمير سعود بمهرجان جواثا بالأحساء
الناشر: جريدة اليوم

تاريخ النشر: 25 مايو 2014

رابط المقال الأصلي في جريدة اليوم

 د. الملحم: رصدت الدولة جزءاً كبيراً من مواردها المالية للتعليم العام 

ألقى الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق كلمة أمام وزير التربية التعليم الأمير خالد الفيصل مساء أمس الأول في الاحتفالية التي اقامتها الأسرة التعليمية بالشرقية لوزير التربية و التعليم.

الجسر الثقافي نقل الكلمة التي جاءت كما يلي:ايها الاخوة: سوف اتناول في كلمتي هذه وباختصار، موضوعين: الأول ويتعلق بمدرسة سميتها “كانت اشبه بالجامعة” في “محافظة الأحساء”، والموضوع الثاني له علاقة مباشرة ببعض المهام المناطة، بالمحتفى به في هذا الحفل البهيج.ولأبدأ بالموضوع الاول، وهو عن “مدرسة الهفوف الابتدائية الاميرية” التي تأسست بمدينة الهفوف في عام 1350هـ وذلك قبل الاعلان الرسمي عن تأسيس “المملكة العربية السعودية بسنة” أي في عام 1351هـ، هذه المدرسة وئدت بعد تأسيسها في مهدها بفعل البعض من اهالي الاحساء الذين لم يحبذوا التعليم الحديث آنذاك، بل حاربوه! وأعيد تأسيس المدرسة في عام 1355هـ، ومن ثم تم تدشينها في عام 1360هـ، وفي 14 جمادى الاولى 1366هـ التحقت بالمدرسة ورقم قيدي في سجلاتها هو “803” وبعدها بخمسة شهور أي في العاشر من شهر شوال/1366هـ التحق بالمدرسة الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، ورقم قيد سموه بسجلاتها هو “817”.تخرج من المدرسة رجال رواد كان لهم الفضل في نشر التعليم في شرق المملكة ومناطق اخرى بالمملكة خلال عقود من الزمن، ومرت المدرسة بظروف كانت فيها خاوية على عروشها، وكادت المدرسة ان تختطف عن طريق منحها ربما ليقام عليها مركز تجاري، ولأنني رضعت العلم الاولي في ربوعها كانت هي هاجسي الاول خلال عقود من الزمن، وكانت المدرسة بمخيلتي محفورة، وكنت امر عليها بين الحين والآخر كي اتشمم عبير الذكريات فيها، وكيف لا؟ والمدرسة بالنسبة لي “مشهد ملذات، وموطن ذكريات، ومسارح افكار، ومصدر اشعاع، ومنتدى سمار، كنت اردد ابياتا من الشعر حينما ادور حول مبناها المهجور بوسط مدينة الهفوف التاريخية، ومن الابيات:ولي وطن آليت الا ابيعه وألا ارى غيري له الدهر مالكاعهدت به شرخ الشباب ونعمة كنعمة قوم اصبحوا في ظلالكاوحبب اوطان الرجال اليهم مآرب قضاها الشباب هنالكااذا ذكروا اوطانهم ذكرتهم عهود الصبا فيها فحنوا لذالكاوكنت اردد كذلك بيتين هما:ديار خلت من اهلها وتوحشت فليس بها مرعى لعين ولا خصبعلاها البلى حتى تعفت رسومها وانكرها طرفي فأثبتها قلبي وبالفعل اثبت قلبي مدرستي حيث شرعت بعد تغيير الوزارة التي كنت عضوا بها في عام 1416هـ محاولا تخليد ذكرى هذه المدرسة، وتم ذلك في كتاب ضخم موثق سميته “كانت اشبه بالجامعة: قصة التعليم في مقاطعة الاحساء في عهد الملك عبدالعزيز” وصدر الكتاب بمناسبة احتفال المئوية في 5/شوال/1419هـ وبدون توقع مني حقيقة، بل كان كالمفاجأة، تسلمت رسالة في عام 1421هـ من احد طلبتي بكلية التجارة- جامعة الملك سعود حينما كنت عميدا فيها، افادني هذا الطالب في رسالته انه قد قرأ كتاب “كانت اشبه بالجامعة” وانه سيتخذ من الاجراءات ما من شأنه العناية بالمدرسة ما دام “جدُه” المؤسس- يرحمه الله- هو الذي امر بافتتاح المدرسة المعنية في كتابي، والطالب هو الأمير “سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود” وكان وقتها قد انشأ “مؤسسة التراث” وترأسها بعد عودته من رحلة الفضاء.وشرع الأمير في تبني ما ارتآه، ونفذت “مؤسسة التراث” توجيهات سموه، وبدعم مالي منها ودعم من بعض خريجي المدرسة من الرعيل الاول بمن فيهم محدثكم تم ترميم المدرسة، وبالفعل دبت الحياة في “مدرسة الاحساء الابتدائية الأميرية” بعدما كانت جثة هامدة! ولما اعلمه من رعاية الأمير “سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز” للمدرسة باعتباره رئيسا لمؤسسة التراث وهو الآن الى جانب رئاسته لمؤسسة التراث، الرئيس العام للهيئة العامة للسياحة والآثار فقد بعثت لي برسالة برقم 1153 وتاريخ 9/صفر/1431هـ حدثني فيها عن وضع المدرسة بعد نقلها الى ممتلكات الهيئة العامة للسياحة والآثار، وكشف لي في رسالته عن هوية المدرسة “كمعلم حضاري” في “محافظة الاحساء” وضمن الرسالة اعتراف الهيئة العامة للسياحة والآثار بأن المدرسة “احد المعالم التاريخية” في “المملكة العربية السعودية” وبالفعل اعتبرت المدرسة من مرافق الهيئة العامة للسياحة والآثار في “محافظة الاحساء” ومن المرافق التي تزار الآن بالمحافظة، وهي مفتوحة لكل زائر للمحافظة، ناهيك عن طلابها وطالباتها، وبالمدرسة انشأ سموه مركزا ثقافيا، سماه “المركز الثقافي الاحسائي” بل واكثر من ذلك ففي حفل بهيج اقيم في ساحة المدرسة في 27/محرم/1434هـ حضره الأمير جلوي بن مساعد بن عبدالعزيز آل جلوي آل سعود نائب أمير المنطقة الشرقية، ومحافظ الاحساء الأمير بدر بن محمد بن عبدالله آل جلوي آل سعود، ولفيف من الرعيل الاول من طلبة المدرسة، وفي الحفل البهيج دشن الأمير سلطان باعتباره رئيسا للهيئة العامة للسياحة والآثار “بيت الثقافة” في المدرسة، واعلن كذلك أن جامعة الملك فيصل ستتبنى “النشاط الثقافي” في “بيت الثقافة” وبالاضافة الى جامعة الملك فيصل فالمساعي تتواصل الآن الى أن يكون “بيت الثقافة” في “مدرسة الاحساء الابتدائية الاميرية” هو المظلة الكبرى “لنادي الاحساء الادبي” وفرع “جمعية الثقافة والفنون” وذلك بعد التفاهم الذي سيتم مع وزارة الاعلام والثقافة التي تعتبر مسؤولة عن “النادي” و”فرع الجمعية”.وباعتبار ان تأسيس مدرسة للتعليم الحديث ظاهرة غير مألوفة آنذاك في “مقاطعة الاحساء”، فبعد ان تأسست المدرسة، وجدت ادارتها ان تأهيل المدرسين فيها لاستيعاب مناهجها من اهم الاولويات لديها، وتم ذلك في تأسيس مدرسة داخل المدرسة التي كانت “اشبه بالجامعة” وسميت “بمدرسة المعلمين” وكان الغرض من هذه المدرسة اعداد وتدريب وتأهيل المدرسين على طرق التربية والتدريس.وانطلاقا من الغرض الحيوي الذي أُسست من اجله “مدرسة المعلمين” بمدرسة الاحساء الابتدائية التاريخية سوف اتناول الموضوع الثاني مما له علاقة ببعض مهام المحتفى به في هذا الحفل البهيج، وهو الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود وزير التربية والتعليم.ما احوجنا هذه الايام، الى انشاء مدارس للمعلمين لتأهيلهم ومدارس للمعلمات لتأهيلهن ليكونوا جميعا معلمين ومعلمات على مستوى مناهج التعليم المطورة الحالية، ولو تم تأهيل المعلمين والمعلمات وفق اسس علمية سليمة على المناهج المطورة لما استدعت الحاجة الى امتحانات اخرى تسمى “امتحانات الجدارة”، و”امتحانات القياس” لخريجي المرحلة الثانوية.المناهج المطورة برامج رائعة، ولكن المصطحات المستخدمة فيها، التي اطلعت على البعض منها شخصيا، تحتاج الى قواميس لغة لفك رموزها الرئيسة والفرعية حتى تستوعب مضامين موضوعاتها من قبل المكلفين والمكلفات بتدريسها لطلابنا وطالباتنا في مراحل التعليم العام الثلاث؟وهناك عدم ارتياح عند من كلفوا وكلفن من معلمين ومعلمات بتدريس هذه المناهج ممن التقيت بهم وبهن في مناسبات، وربما لدى سموكم علم بذلك او طرف منه، ربما!سمو الأمير: رصدت الدولة جزءا كبيرا من مواردها المالية للتعليم العام، وأنتم الآن في قمة هرمه، وأنتم الرجل المناسب في المكان المناسب ولماذا لا؟ “وأنتم أمراء الفكر العربي في الوطن العربي”، وإني أتمنى على سموكم ان يستفاد مما تجمع لديكم من خبرات في مؤسستكم التي من مهامها، كما ذكر في وثيقة تأسيسها، العناية “بمختلف سبل المعرفة من علوم وطب واقتصاد وادارة واعلام وآداب” اقول ان يستفاد من تجربتكم في سبيل ترويض مناهج التعليم المطورة في بلادنا وذلك لتتلاءم وتتوافق مع مدارك المعلمين والمعلمات وذلك كي يتخرج على ايديهم وأيديهن “بنين” متمكنين و”بنات” متمكنات في العلم والمعرفة.وبخصوص مناهجنا التي ما زلت اتحدث عنها، ولانني اعتبر ان هذه فرصة بالنسبة لي فهناك ثلاثة ثوابت لا يمكن المساس بها في المناهج: الاولى العقيدة، والثانية، الهوية الوطنية، والثالثة اللغة العربية لغة القرآن الكريم، وما عداها، فأرى ان يترك للمعلمين والمعلمات القائمين والقائمات على تطبيق المناهج المطورة الحرية المطلقة في قاعات الدرس مع طلابهم وطالباتهن.ووجهت لي ذات مرة جريدة “الجزيرة” اسئلة منها السؤال التالي:”هل طلابنا على مستوى تحديات الالفية الثالثة؟” وكان مؤدى اجابتي انهم على مستوى التحديات لو اخذ في الاعتبار غربلة المناهج الحالية بغرض اخراج العقل العربي المسلم من القمقم ليرى النور من جديد، وجعل هذه المناهج تنطلق من فلسفة تعويد الطلاب منذ الصغر على طرح السؤال، وحث الطلاب في جميع مراحل الدراسة على طرح السؤال، وحثهم على طرح الاجابة، اية اجابة في اجواء علمية تسخر فيها الادوات اللازمة الحاثة على طرح السؤال بدون خوف او رهبة.وأختم بأنني مطمئن، سمو الأمير، بأنه ستكون لكم- ان شاء الله- بصمات تاريخية في مسيرة التعليم العام..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اطبع المقالةالتعليقات   تعليق : عبدالوهاب الفايز     البريد : لايوجد التاريخ : 07/04/1435
خالد الفيصل.. رؤية في التعليم

في أمسية زاهدة في التكاليف كبيرة في المعاني، احتفى مدير التعليم بالمنطقة الشرقية وزملاؤه بالأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم. الأمير خالد أينما يكون يكبر المكان معه، شارك في العرضة السعودية، هذه العرضة التي تحولت من رقصة للحرب إلى رمز للسلام، استمع إلى رسالة حب وتقدير من معلمه علي اليمني في المدرسة الأميرية في الهفوف، وكان التاريخ حاضرا بكل معانيه وأبعاده.
استمع الأمير والحضور إلى قصة المدرسة الأميرية من زميله حينئذ الدكتور الكبير النبيل رجل الدولة محمد الملحم، وكانت كلمة تداخلت فيها رصانة استاذ القانون المخضرم مع روح الأرض، كلمة حملت صورة للمسافات الحضارية التي مضى فيها التعليم في الأحساء، من مدرسة واحدة تصارع لأجل البقاء وتقف التحديات أمامها، إلى مدينة عامرة بجامعة كبيرة عريقة متميزة، وعامرة بمراكز الأبحاث، ومئات المدارس والمعاهد، مدينة تولّد الموارد البشرية لحقول الصناعة والزراعة، ومدينة يسجل أبناؤها التفوق والتميز العلمي والعملي كل يوم.والأكبر في المناسبة هي الكلمة الهامة والتي تضمنت رؤية وتصور وموقف الأمير من العديد من الأمور الحيوية على الصعيدين الوطني والعالمي، وأبحرت في الشأن الفكري والحضاري، واستعادت التاريخ الاسلامي عندما كانت (العولمة إسلامية).في الكلمة تحدث عن زملائه في وزارة التربية كما يليق برجل كبير نبيل قائلا: « ولا اقول إنني أتيت لاطور التعليم، ولكنني أتيت لأساعد زملائي الذين سبقوني في تطوير التعليم، لأكون شريكا معهم في هذه المرحلة التطويرية». إنها رسالة قائد واثق بالنفس يبعثها إلى جميع العاملين في التعليم، لا تأتي إلا من قلب قائد أصيل، رسالة تأليف للقلوب واستنهاض للهمم، لا تهديد ولا تخويف، وهذه الروح الجامعة هي روح جده الملك المؤسس الكبير عبد العزيز -رحمه الله- الذي جمع القلوب و(أصلح المضغة) قبل اعتبارات السياسة والجغرافيا، وجمع المدن المتحاربة، جمع الناس على كلمة سواء، ووزارة التربية هي حاضن الفكرة الوطنية، والعاملون فيها أمامهم مسؤوليات كبيرة. حدث الحاضرين عن مسيرته العلمية، بدأ طالبا وهو الآن يعود مديرا لمدرسة، في كلماته: «وهكذا أيها الاخوة.. تجدون أن رحلتي بدأت من المدرسة وانتهت إلى المدرسة، فأنا مدين للمدرسة أينما كانت، ومدين للتعليم، لأنني أؤمن ايمانا تاما بأن المعرفة هي الطريق إلى الرقي والتقدم في هذا العالم، ودلالة ذلك تبني المملكة العربية السعودية لاستراتيجية التحول إلى مجتمع المعرفة، الذي يبدأ مطلع العام المالي القادم، وهو أول عام للخطة العشرية للمملكة. وليس غريبا أن تتخذ المملكة هذه الخطوة في هذا الزمان وفي هذا العام، فلقد قطعت المملكة، انسانا ومكانا، شوطا كبيرا في طريق المعرفة، حيث انتقلت من مجتمع أمي بسيط إلى هذا المجتمع الذي أصبح لا ينافس الدول النامية، بل تخطاها إلى الدول المتقدمة بشبابه وفتياته، في منافساته الدولية، ويحصد الجوائز العلمية والرياضية في كل ناحية من نواحي العالم.»وتحدث عن قناعاته وثقته ببلادنا، يقول: «فهذا هو الوقت الذي نبدأ فيه المرحلة الحضارية العظيمة، والإنسان السعودي العظيم الذي يقول للعالم أجمع في هذا اليوم.. نعم: الإنسان السعودي قادم لا محالة ليحتل محله المستحق بين شعوب العالم المتقدمة. لقد طرحت قبل سنوات شعار «نحو العالم الأول» ولقد سخر مني البعض عندما ذكرت العالم الأول، ولكن هذا أنتم اليوم، ولقد تبنت دولتكم هذا التحول إلى العالم الأول كاستراتيجية من استراتيجيات المملكة العربية السعودية.»وقال أيضا: «لا استطيع أن أتحدث بالتفصيل عن هذا الموضوع، ولكن الأيام والأسابيع والأشهر القادمة ستثبت لكم جميعا بالفعل مرحلة جديدة من التعليم في المملكة العربية السعودية، وأنا أقصد التعليم العام الذي هو من مسؤوليات زملائي وأنا معهم بوزارة التربية والتعليم.»لقد كانت كلمة، لا نقول تاريخية، ولكن هي تستشرف مستقبل بلادنا، والأمير خالد يعتز بالنجاح الذي حققته بلادنا، « في هذا العهد الزاهر عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك الابداع والتطوير والابتكار، والذي سابق عصره في تحقيق الأحلام التي كانت تداعب أبناء شعبه، وهم اليوم يعملون في طريق تحقيقها.»

——————————-

الناشر: جريدة اليوم

– العدد:تاريخ النشر: 1 مايو 2014

الرابط للمصدر

 فقيد آل ملحم 

 

هل أعزي نفسي؟ أم أعزي أسرتي؟ولماذا أعزيه؟الأحباب كثروالأصدقاء كثرولكن مهما كثر الأحباب أو كثر الأصدقاء فالنفس – ساعة الفقيد المتوقع حدوثه، الذي لا يمكن رده – ميالة الى تصنيف هؤلاء الأحباب، وهؤلاء الأصدقاء.فمنهم من هو قريب للنفس!ومنهم من هو أقرب للنفس!ومنهم من هو الأقرب للنفسوالأسباب متعددة ومتباينة : إما للجاه! أو للوجاهة! أو للمال! والفقيد «أبو عبد العزيز» بين كل أولئك مختلف لأسباب منها:- طيبة نفسه.- براءة منطقه.- دماثة خلقه.كان تعليم الفقيد محدودا لان الأمية في عهده كانت ضاربة أطنابها، فتقدم وهو في ريعان شبابه، فعمل في شركة كهرباء الاحساء وقتها، وكانت الشركة الوحيدة ببلدته، فلم يستجب لطلبه، لم ييأس وقتها، ولم يشعر بأن سبل الحياة قد سدت أمامه. مارس التجارة في أرض «هجر» – مسقط رأسه – في وقت كانت سبل التجارة فيها متاحة، لكنها كانت محدودة ففتح الله عليه، ووجد فيها ما يسد رمقه، ويقيه شر العوز، ويشاء الله – سبحانه وتعالى – ان يلتقي عند بدء ممارسته التجارة برجل من أقاربه، احتضنه هذا الرجل، وكان بمثابة والده رغم وجود والده، وكان هذا الرجل لا يعرف مبادىء القراءة والكتابة، لكنه كان أميا ذكيا ذا نشاط وحيوية. تعاهد الفقيد مع هذا الرجل على ان يمارسا التجارة معا، ففتح الله عليهما، ووجد كلاهما فيها المبتغى والمغنى، وكان تعاونهما مضرب المثل في محيط الأسرة، حيث كان يحيط بذلك التعاون الصفاء والتفاهم.كان هذا الرجل المتعاون مع الفقيد هو والدي يرحمه الله،ومن عطاء تجارته زواجه امرأة فاضلة من أسرة كريمة هي أسرة «العامر» فأنجب منها، وكانت نعم الزوجة، ونعم الأم. ربى الفقيد أبناءه وبنتيه فأحسن تربيتهم.توفى الله الفقيد يوم الخميس التاسع من شهر جمادى الأولى عام 1434هـ، عن عمر مديد بعد ان ألم به المرض، ولما علمت بنبأ وفاته تكدر خاطري وشعرت بألم الصدمة المفجع. لقد كان موته بمثابة فقد كبير بالنسبة لي ، وهو فقد لا لقاء بعده في هذه الدار، ولان ايماني بحتمية الموت ثابت وقادم عزيت نفسي بأن يوم وفاته كان يوم أجله، ولا راد لقضاء الله وقدره ولكل أجل كتاب.كان الفقيد :- عصاميا.- مكافحا.- عف اللسان.- متواضعا.- طيب القلب.- محبا للخير.ذا حياء جم ومحيا باسم.- قليل الكلام.- ويتكلم اذا وجد ضرورة للكلام.اجتمعت هذه الصفات في الفقيد، لذا كان محبوبا بين أقاربه وعارفيه، بل كان قدوة صالحة لهم، إذ كانت مكانته بينهم متميزة، لكن فقده بالموت – الذي غيبه – قد أحدث فراغا كبيرا عندهم.كلما كنت في «محافظة الاحساء» في زيارة كنت أزوره في منزله حالة صحته ومرضه، للعلاقة التي كانت ربطته بوالدي، وكان والدي يعامله ويعامل أبناءه وبنتيه كما لو كان الأبناء والبنتان من صلبه. لم تكن ممارسة التجارة هي الرابط الوحيد الذي كان يجمع بينهما فحسب، وهي تجارة وجدا فيها خيرا كثيرا ، لكن كان الأكثر من ذلك رابطتي القربى والمودة اللتين لم تنفصما حتى وفاة والدي – رحمه الله – عام 1419هـ ، ولن أتجاوز الحقيقة اذا قلت : إن الدي كان يُسر اذا وجد الفقيد مسرورا، وكان والدي يتأثر ويحزن إن ألم بالفقيد مكروه، وكان الفقيد يبادل والدي هذه المشاعر ذات الأثر الطيب.وكم أتمنى أن يحذو حذو الفقيد من تتوافر لهم الفرصة، من يحملون مؤهلات فيقرأوا هذا الرثاء ليمتهنوا ما امتهنه الفقيد منذ ريعان شبابه، ولا يقفوا بمؤهلاتهم في أيامنا المعاصرة أمام أبواب الوظائف العامة طارقين. إن سبل الخير متاحة أهمها ممارسة التجارة.رحم الله رفيق والدي، قريبي، وحبيبي، وصديقي عبد الله بن عبد المحسن بن أحمد آل ملحم، وأسكنه فسيح جناته، وألهم زوجته أم عبد العزيز «منيرة العامر» وألهم أبناءه : عبد العزيز وأحمد ومساعد وعبد المحسن وابنتيه : سعاد وليلى، وأخويه محمد وناصر وأختيه: لؤلؤة ولطيفة، وكافة أفراد أسرتي «ذكورا وإناثا» الصبر والسلوان.. و«إنا لله وإنا إليه راجعون».
** وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق


الناشر: جريدة اليوم

تاريخ النشر: 23 مارتش 2013

الرابط للمصدر
من أعزي في الفقيد / عبد الله بن عبد المحسن بن أحمد آل ملحم؟

وفي الفقيد أبي مازن : من أعزي؟

هل اعزي أدباء محافظة الاحساء ومثقفيها؟هل اعزي من بقي على قيد الحياة من رعيله؟ هل أعزي أسرة آل مبارك في رحيل عميدها؟ هل اعزي استاذي ورفيق الدرب الدكتور عبدالله بن علي آل مبارك؟ هل اعزي الصديق مازن واخوته واخته في وفاة والدهم؟

بعد نجاحي في مدرسة الهفوف الابتدائية في عام 1371هـ سمعت من بعض لداتي او بعض اساتذتي في المدرسة عن خبر مؤداه من أن شابا من أسرة «آل مبارك» لم يذكر لي اسمه آنذاك قد تخرج في «جامعة الازهر» في المملكة المصرية، وانه يعد ، حسب علمي آنذاك، اول خريج جامعي من بلدة «هجر».سررت للخبر. واشتاقت نفسي لمقابلة ذلك الخريج لعلي اقتفي اثره، ولم اره. وعلمت وقتها كذلك، وانا خريج مدرسة ابتدائية حاصل على الشهادة فيها، ان هذا الخريج الجامعي يطمح، لو سنحت له الفرصة، ان يؤدي خدمة لبلدته في حقل التربية والتعليم.لم تتحقق امنيته لظروف علمت عنها وقتها، فخسرته بلدة «هجر» وشاءت ارادة الله سبحانه وتعالى ان تحتضنه بلدة «جدة» معينا بها معتمدا للتعليم. ولا يداخلني الشك من انه لو ظل في «الاحساء» لتخرج على يديه رجال، بل ولاثراها، مع مرور الزمن، بعلمه وادبه.وظل الحنين الى «هجر» ان لم يكن على الاصح الى اهلها هاجس اول خريج جامعي من ابنائها حيثما حل او ارتحل، وكأن مقولة «وما حب الديار..» ماثلة امام عينيه.ولم التق بهذا الشاب الجامعي منذ عام 1371هـ والى حين، وان كنت على صلة وثيقة برموز اسرته:منهم من كان رفيق دربي،ومنهم من علمني،ومنهم من كان يكبرني سنا فكان بمثابة الاب المربي.

غيبت السنون «ابا مازن» عني في مشوار حياة حافلة كرسها لخدمة وطنه،خارج الديار في سفارة متنقلة هنا وهناك ممثلا للمملكة. وان كنت خلال تلك السنين اسمع نتفا من الاخبار عن مشوار الحياة تلك.وخلال تلك السنين، كانت بلدة «هجر» امام ناظري «ابي مازن». كانت في مخيلته حتى وهو في الغربة. كانت «هجر» عروسه في حله وترحاله يشدو بها، ويتحدث عنها، كما ذكر لي من التقى به لدرجة ان كان الحنين اليها على اشده عنده حيثما ألقت به عصا الترحال او استقر به المقام.كان شغله الشاغل ان يخدم مسقط رأسه واهلها. ولقد تحقق له ذلك بعدما تقدمت به السنون.

ومن حسن الصدف انني التقيت به في منزل احد اقاربي وهو «محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله آل ملحم» الموظف بوزارة المالية والاقتصاد الوطني ـ يرحمه الله ـ بالرياض بعد ان عينت وزيرا في حكومة جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ فاذا هو (أي ابو مازن) في حالة سرور، وقد غمرني بعاطر ثنائه مشفوعا بما كان لديه من تجارب كان محور الحديث في ذلك اللقاء.وبعد مشاق التنقل في سفارة في بلدان عربية وغير عربية استقر به المقام في وزارة الخارجية رئيسا للدائرة الاسلامية فيها.وفي مدينة «الطائف» حيث اعتادت الحكومة ان تمضي شهور الصيف فيها توطدت علاقتي بأول خريج جامعي من بلدة هجر.كنا نلتقي في ليالي رمضان المبارك وحتى وقت السحور، وكان بمعيتنا احد اقاربي وهو «عبدالعزيز بن عبدالله العلي الملحم» يرحمه الله الذي كان يعمل آنذاك في المراسم الملكية.تكررت اللقاءات. وكانت لقاءات ذات وهج وبهجة لا نحس بالوقت فيها حتى الهزيع الاخير من الليل.

كان «ابو مازن» ذا ذاكرة تختزن من العلوم العربية وآدابها ما يمكن ان اشبهها «بكلية آداب متنقلة».كنت أغبطه على ما اكتسى به من خلق وادب وعلم، وكنت اتحدث معه، بل واجادله، وكان المنطق يسعفه، ناهيك عما بذاكرته من الحكم والامثال، وكم كنت اتمنى لو تم تسجيل ما كان يدور بيننا من احاديث.وكان «ابو مازن» خلال تلك اللقاءات ذا ادب جم، وتواضع.وكان يستمع، وكان يعترض، وكان ذا سيطرة على لغة الضاد حينما يتحدث، ملما بمداخلها ومخارجها.وكان الشأن العام واعني به «الشأن العربي الاسلامي» ملازما له حينما يتحدث، ولا يمكن ان يلام في ذلك لان ذلك الشأن كان محور عمله حينما كان في سفارة متنقلة هنا وهناك، وحتى بعدما استقر به المقام في وزارة الخارجية يدير دفة دائرة الشؤون الاسلامية فيها.

وبعد ترجله من عمله عاد الى مسقط رأسه ليحقق ما كان يطمح اليه بعد تخرجه في الجامعة في عام 1371هـ، وكان طموحه ان ينخرط كالجندي في حقل التربية والتعليم. ولكن فات الاوان. وبحكم السن لم يتمكن من تنفيذ ما كان يطمح اليه لمزاولة أي عمل نمطي في حقل التربية والتعليم ما عدا محاضرات كان يلقيها استاذا غير متفرغ بجامعة الملك فيصل، وان كان قد حقق ما كان يطمح اليه في مهمة اكبر وذلك حينما افتتح ناديا ادبيا في منزله مساء كل احد، وبامكانياته الذاتية المتاحة، وذلك في وقت كانت «هجر» تفتقر فيه الى ناد ادبي عام، فكان نادي «ابي مازن» مغنى قلوب، ومأوى افئدة، ومسرح افكار ومنتدى سمار. وكان الحراك الثقافي ديدن النادي المنزلي مما جعله يكتسب سمعة وشهرة في فترة قياسية.وتحدث الكثير ممن ارتاد نادي «ابي مازن» لدرجة اعتباره فاكهة ناديه، وعازف نايه بما كان ينثره فيه مما في جعبته من فرائد الادب وغرائبه.وبسبب عوامل ثلاث كانت لذلك النادي تلك الشهرة التي تجاوزت حدود «محافظة الاحساء». واول هذه العوامل ان «ابا مازن» افتتح ناديه في واحة الاحساء الغنية بمغانيها، ومفاتن نخيلها السامقة، ومباهج الطبيعة فيها، ناهيك عما كانت تحتضنه الواحة من مخزون ادبي. وثاني هذه العوامل انه فتح هذا النادي المنزلي وسط مجلس لاسرته، وهو مجلس شبه يومي اعتادت اسرته على فتحه منذ حين وكان ذلك المجلس بمثابة الميدان الواسع الفسيح الذي تمكن فيه «ابو مازن» ان يجعل ناديه الخاص يجول فيه ويصول. اما العامل الثالث فهو استقطاب النادي للكثير ممن ادركتهم حرفة الادب الذين وجدوا في نادي «ابي مازن» املهم الوحيد. والذين ادركتهم حرفة الادب كثر في «محافظة الاحساء» وما جاورها، يستوي في ذلك من هم بمؤسسات التعليم العام والعالي، او من هم قد تقاعد عنها، او من هم خريجو دور وعظ او ائمة مساجد.

كان «ابو مازن» رزين الحصاة، زكنا، أريبا، سريع البديهة، مرح المحيا، ومحبا للمداعبة، ولا انسى موقفا طريفا له في مأدبة عشاء اقيمت في منزل اسرته على شرف صاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية حينما علق، وبلطف، على حديث لي اثناء تناول الطعام، وكان تعليقه محل استحسان.وكنت ازور «ابامازن» بمنزله بين الحين والآخر حينما اكون بالاحساء وذلك بعد ان اقعده المرض عن مزاولة نشاطه، وكل مرة ازوره فيها اجد منزله لا يخلو من طلبة علم. وكان يذكر لي ان لديه مخطوطات يرغب مني الاطلاع عليها، وانه يحاول ـ اذا أسعفته صحته ـ نشرها، وحال بينه وبين ذلك كبر السن، والان هي مهمة ابنه «مازن» ليحقق ما كان يطمح اليه والده، وانا على يقين ان علما نافعا تحتوي عليه تلك المخطوطات.

وانني اعزي نفسي لفقد شيخنا احمد بن علي بن عبدالرحمن آل مبارك السفير والاديب، كما اعزي كل من ذكرتهم اعلاه بعد ان أبحر.وانني اذ اشاطر الزميل والصديق العزيز الدكتور راشد بن عبدالعزيز المبارك ألم الصدمة عند العلم بالمصاب، فانني استأذنه في نقل فقرات معبرة مما خطه يراعه بعنوان «الفقد الكبير» (.. ومع ان الموت هو القادم الذي لا شك في وصوله، والغائب المحتم لقاه، ومع ان الايمان بقضاء الله الذي لا يرد، وقدره الذي لا يحد، يعمر قلب المؤمن الا ان ذلك لا يمنع الشعور بصدمة الحدث وبلاغة الجرح وألم المصاب، ومن بين مواجع الدهر يبرز الموت اشدها ألما واكبرها فجيعة، لانه السفر الذي لا عودة منه، والفراق الذي لا لقاء بعده في هذه الدار، وبقدر مكانة الفقيد في نفوس اهله وذويه ومعارفه تتسع دائرة الالم، ويزداد عمق الجرح، لذلك فان مصاب اسرته ومحبيه مصاب جلل وجرحهم لفقده طويل اجل).وكان ابو مازن عميد اسرة آل مبارك، وان من تقاليد هذه الاسرة الكريمة تنقل العمادة بين ابنائها وذلك فيمن تتوافر فيه الكفاءة والمكانة العلمية والادبية مع شرط الاقامة بالبلدة.رحم الله ابا مازن، واسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه الصبر والسلوان و (إنا لله وإنا اليه راجعون).

الناشر: جريدة اليوم العدد: 13470تاريخ النشر: الأحد 1431-05-18هـ الموافق 2010-05-02م

رابط المقال في الموقع الأصلي
وفي الفقيد أبي مازن : من أعزي؟

وفد سويدي: فوجئنا بالمستوى العالي للمحكمين في الخليج والمملكة خاصة

وفد سويدي يزور الرياض ويناقش قضايا التحكيم والنزاعات
التجارية

معالي د. محمد عبداللطيف الملحم مع وفد سويدي للتحكيم

د. محمد آل ملحم في لقطة جماعية مع وفد التحكيم السويدي. تصوير: مسفر الدوسري – “الاقتصادية”رامي العتيبي من الرياضناقش جوهان جيرناندت رئيس مجلس معهد التحكيم السويدي ورئيس مجلس البنك المركزي السويدي، وأولف فرانك السكرتير العام لمعهد التحكيم السويدي مع مسؤولين سعوديين عدداً من القضايا المتعلقة بإجراءات التحكيم والنزاعات التجارية، وذلك خلال زيارتهما للمملكة والتي استمرت عدة أيام.
وكان في استقبالهما في مطار الملك خالد الدولي الدكتور محمد بن عبد اللطيف آل ملحم وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق، والتقى الضيفان نخبة من المحكمين والمحامين في الرياض، وبالأخص مع من حضر المؤتمر الدولي العربي الأوروبي للتحكيم والمنازعات التجارية في شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 2008 في العاصمة السويدية ستوكهولم، كما قام الضيفان خلال إقامتهما بجولة تعريفية على معالم التطوير الحديثة التي تشهدها مدينة الرياض.
من جهته، قال الدكتور محمد آل ملحم إن هنالك اهتماما أوروبيا كبيرا للتعرف إلى الأنظمة التحكيمية في الشريعة الإسلامية، ولا سيما أن هناك تخوفا أوروبيا في نفس الجانب، ليس من مبادئ الشريعة كعقيدة عالمية، ولكن من بعض من الأشخاص الذين يحكمون بالشريعة الإسلامية، والمقصد من حيث تأهيلهم وكفاءتهم، وهو الجانب الوحيد الذي كان موضع إشكال، وتم توضيح بعض النقاط في ورقة عمل تم تقديمها خلال جلسات المؤتمر.
ويضيف آل ملحم أن فكرة زيارتهما للمملكة أتت قبل أسبوعين عندما قررا القدوم إلى دبي لحضور مؤتمر دولي للتحكيم لمدة يوم واحد، وقام من جانبه بترتيب متطلباتهم بالحصول على التأشيرة من وزارة الخارجية، وقاما بزيارة بعض الجهات الحكومية ذات الارتباط بمجالهم، مثل مؤسسة النقد، وديوان المظالم، حيث تم طرح فكرة إرسال قضاة ومحكمين سعوديين للتدرب لمدة عام كامل في السويد على قضايا التحكيم التجاري بحكم أن السويد رائدة في هذا المجال.
وذكر الدكتور ناصر غنيم الزيد الأمين العام لمركز التحكيم التجاري أن غالبية المؤتمرات الدولية المتخصصة في مجال التحكيم لا يحضرها إلا قلة من المحكمين الذين لا يمثلون الوجه الحضاري لهذا القطاع الحساس، فبعضهم يفتقد الخبرة والتمرس في المجال، بينما تحتضن السعودية الكثير من المحكمين ذوي الخبرات والكفاءة العالية، لكنهم متوارون عن الساحة لظروف خاصة.
وقال الزيد إن هذه النوعية من الزيارات الثقافية تحمل بعداً كبيراً داخل أنفسهم، ففي المؤتمرات العالمية تتم المناقشة وطرح أوراق العمل ومن ثم يذهب كل إلى بلده، ولكن هذه الزيارة تريهم الوجه الحقيقي للبلد، حيث يجتمعون حول مائدة واحدة ويتناقشون حول الثقافات، وبالتالي تنشأ الثقة بين المحكمين، وهي العامل الرئيس لنجاح هذا العمل، وعملية الثقة لا تكتمل إلا إذا عرف الطرفان عادات وتقاليد وأخلاق بعضهما الآخر.
ويضيف الزيد بقوله “لقد تفاجأ أعضاء الوفد بالمستوى العالي للمحكمين الخليجيين وبالأخص السعوديين، وقد طلبوا مني شخصياً أن أقد لهم 15 اسم لكي يتم التعامل معهم بشكل مباشر، في حال وصلتهم أي قضية تتعلق بالقانون العربي، فالمشكلة في أوروبا أن بعض القضايا تتطلب معالجتها بالقانون العربي والإسلامي، ولكن لا يوجد خيار لديهم إلا بمعالجته عن طريق شخص أجنبي، ولذلك يسعى المركز إلى تكوين مثل هذه الصداقات والزيارات، لكي يتم في المرحلة التالية اختيار هؤلاء المحكمين في القضايا التي يكون فيها أطراف عربية أو غير ذلك على مستوى العالم، لأن أحد الأعضاء هو أولف فراك وهو يرأس الاتحاد العالمي للتحكيم، إلى جانب كونه السكرتير العام لمعهد ستكهولم للتحكيم، حيث طلبت منه شخصياً أن يقوم بتعيين محكمين عرب وخليجيين داخل غرفة السويد، إضافة إلى وجود خليجيين أيضاً في الاتحاد العالمي للتحكيم وأن يزكيهم عالمياً”.
*لمشاهدة الصور إضغط على الرابط أعلاه.


العدد: 5613

تاريخ النشر: 22/2/2009

الناشر: جريدة الإقتصادية رابط الخبر
أعضاؤه فوجئوا بالمستوى العالي للمحكمين في الخليج
والمملكة خاصة

رسالة شكر من وفد معهد التحكيم السويدي

 تاريخ النشر: 22/2/2009م

22 February 2008

Dr. Mohamed A. Almulhim

Dear Dr. Almulhim,
We wish to thank you very much indeed for the most interesting and enjoyable visit in Saudi Arabia. From the very first minute we arrived in your beautiful country we felt at home and among friends. We found all our meetings most interesting. We very much appreciated to meet arbitration colleagues the first night and discuss arbitration in Saudi Arabia and Sweden. Such discussions will no doubt be important for our future co-operation in the field of arbitration. It was also extremely interesting the meet the new head of the Council d’Etat and hear his thoughts of arbitration in Saudi Arabia. The meeting with the governor of the Central Bank of Saudi Arabia provided another perspective and we very much appreciated to learn more of critical economic issues in Saudi Arabia and internationally. The gathering in the desert was not only a great pleasure but also very interesting as it gave us an opportunity for informal talks and discussion with the many interesting and most kind participants. We also wish to thank you that you arranged that we could attend the wedding. It was a wonderful occasion, which we will never forget.
However, despite the many interesting meeting and activities, what we most of all appreciated was meeting you. Your wisdom, your broad outlook, your experience and your great kindness made every minute in your company most interesting and pleasant, and for this we wish, again, to thank you very much.
Please convey our very best greeting to all those that contributed to make our visit valuable and so nice.
We look forward to seeing you soon again.
Yours sincerely

Johan Gernandt Ulf Franke Chairman Secretary General

——————————————-

تاريخ النشر: 22/2/2009م

22 February 2008