بعد انتشار أحد قصص الشجاعة التي تخص الأسرة، وجدت الوالد يراجع ما كتبه قبل 20 سنة، لينشر مقالا في الأحساء نيوز موضحا أن القصة المنسوبة لا تتعدى قصصا تروى لا تستند على شواهد أو أدلة دامغة، وأفضل ما يقال فيها بأنها من الروايات التاريخية الضعيفة. وبالرغم من “شجاعة” الفتية أو “جرمهم” بحسب منظور المؤرخين في قتلهم المتصرف العثماني إثر عدوانه على أهل الأحساء، وما فيها القصة من فرصة لأسرة آل ملحم للتفاخر حول الحادثة، إلا أن الوالد يبتغي وضعها في مكانها الملائم من ناحية تحقيقية. أترك لكم المقال في موقع الأحساء نيوز في الوصلة، وكذلك نسخة هنا في الموقع.
وصلة مباشرة لمقال معالي الوزير حول حادثة قتل المتصرف العثماني
وزير الدولة السابق محمد الملحم يكشف فصلًا من التاريخ: لا صحة لقصة اغتيال أسرتنا للمتصرف العثماني … وهذه هي الحقيقة
قَرأتُ فِي مَوَاقِعِ التَّواصلِ الاجْتماعيِّ، في هذهِ الأيَّام، خَبَرًا مَفاَدُهُ أنَّ “ثلاَثة أفرَادٍ” مِنْ أسرتِنا، “الأسْرة المُلْحِمِيَّةِ” بِمُحافظةِ الأحساءِ قدْ شكَّلوا منْ أنفُسهم “عِصَابَةً سِرِّيَّةً مُتَخَفِيَّةً” فاغتالوا متصرف الأحساء “محمد أفندي رفعت” في سنة 1255هــ، وَأنَّ المُوجبَ لِلإغتيال رَفْضُ الأسرةِ، وقْتها، تَحقيقَ رَغبةِ “المُغتَالِ” بأنْ يتزوَّج فتاة بِعينِها من فَتَيَاتِها بِرضائها أيْ برضا الأسرة أوْ قَسْرًا، وَأنَّه هَدَّدَ أفراد الأُسرة، إذا لم يستجبوا لرغبتِهِ، فَسيأخذِ الفتاةَ بالقوةِ، وَيَقتْلُ رؤساءَ الأسرةِ، وَيُصادر أمْلاكَهم، وَيَطْرُدُ باقيهم مِنَ الأحْساء.
حادثُ اغتيال “المُتصرف” صَحيحٌ مِنَ الناحيَة التاريخيَّة، وقَد أجْمَعَ كَافَّة المُؤَرِّخين المُعاصِرِين لِلحادثِ وقْتها، أوْ منْ أتَى بعْدهم فيما بعْد، على صِحَّةِ وقوعِهِ. أمَّا أنْ تنسب “تهمةٌ” ذَاتَ إفْكٍ مَفادها أنَّ الذين اغتالوا “المُتصرِّفَ” هُمُ “عِصَابَةُ” أفرادٍ مِنْ أسرتِنا المُلْحميَّة فهِذه تُهمَةٌ عَارِيَةٌ مِنَ الصِّحَّة، وهِي مُجَرَّدُ وَهْمٌ كَوَهْمِ أنَّ بيْتَ العنكبوتِ مَتِينُ البُنيانِ، وَقويُّ الأركان لِلكافَّةِ. وتأبى أخلاقُ أفْرادِ أسرتنا أن يمارس أيُّ فرد منْهم عَمَلاً منْ أعْمالِ عِصَابَاتٍ فِي جُنْح الظَّلامِ كِتلْكَ.
لقد تَناولتُ وقائع “الحادثة” بالتَّفَصيل مُحَقَّقَةً فِي فصْلٍ مِنْ فُصولِ مشروع كِتابٍ لِي عَنْ “تاريخ أسْرتِي” منْذ تواجــــد أفرادها في القرن السَّادسِ الهجريِّ فِي “الخُرمة” وَ”رَنْيَه” بِغَربِ “شبه الجزيرة العربية” وَحتَّى انتشارِهم فِي شرقِ “شبه الجزيرة العربية”، وَالقِسمُ الأكبرُ من أفرادِها منْتشرون فِي أيَّامنا المُعاصِرة في المملكة، وفي دولة الكويت، وسوف يأخذ “مشروع كتابي” طريقه للنَّشر، بعْد حينٍ، إنْ شاءَ الله. وَتأبى أسرتُنا أن تنسب إليها “تهمة” خَبِيثةً مَاكِرَةً.
وَلِوَضْعِ “السَّيفِ فِي غُمْدِهِ” كَمَا يَقولُ المثل، رأيتُ الآن نَشْرَ تفاصيلَ حادثةِ اغتيال “المتصرفِ”، (كما هِيَ مَرْصُودَةٌ وَمُوَثَّقَة بِبراهينَ في “مَشروع كتابِي”) كَجوابٍ لِمَنْ سَألونِي شخْصيًا أوْ هَاتفيًا عن حَقيقةِ مَا نُسِبَ لِأسرتنا، حَمَاهَا للهُ سُبحانَه وَتعالى مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، أوْ سُوءٍ، أوْ إِفْكٍ مَنْسوبٍ. وَالتَّفاصِيلُ كما يلِي:ـــ
إِنَّ اللاَّعِبين الكِبَارَ، وَاللهُ أعْلمُ، في الحَياةِ السِّياسيَّةِ فِي “الأحساء” قبْل، وَأثْناءَ، وَبَعْدَ، حَادثةِ اغتيال المتصرف في عَــــــامِ 1255هــــــ فِي عهْــــدِ “الدَّولةِ السُّعوديَّة الثانيَة” هُـــــمُ كَمَا يَلِي:ـــ
- “خورشيد باشا” صَاحبُ الحملةِ المصريَّة على “نجد” المُرْسلُ مِنْ قِبَلِ “محمد علي باشا” وَالِي “مِصْرَ”، والذي صار صَاحبُ الأمْرِ وَالنَّهْيِ فِي “نجدٍ” وَ”الأحساءَ” بعْد نَجاح حَمْلَتِهِ؛
- “عمر بن محمد بن عفيصان” الْمُعَيَّنُ أمِيرًا على “الأحساء” مِنْ قِبَلِ الإمامِ “تركي بن عبدالله” منْذ عامِ 1245هـــــ”، إلاَّ أنَّه تَرَكَ “الأمارة” وَهَرَبَ إلى “البحرين”، ومنْ ثُمَّ إلى “الكويت”، فِي عَامِ 1254هــــ إثْر السِّيادةِ السِّياسيَّة “لِخورشيد باشا” على كُلٍّ مِــنْ:ـــ “نجْـــد” وَ”الأحْساء”؛
- الأمير “أحمد بن محمد السديري” الْمُعَيَّنُ في عَامِ 1254هـــــ أمِيرًا على “الأحساء مِنْ قِبَلِ “خُورشيد باشا” بعْد هروبِ “العفيصان” إلى البحرين.
- “محمد أفندي رفعت” الذي تولَّى أمارة “الأحساء” فِي عهْد “خورشيد باشا”، وَكان قبْل ذلك نائبًا “لخورشيد باشا” أثناء حَملتهِ على “نجْد”، وَبعْدها عُيِّن أمِيرًا على “الأحساء”. أمَّا الأمير “السديري” فَعُزِلَ مِنَ الأمَارة” من قِبَلِ “خورشيد باشا” لِيكونَ فيها “وَكِيلَ بَيتِ المالِ”.
- بريطانيا كَقوةٍ عُظمَى المُتواجـــــدةِ في عُمْــــقِ “الخليج العربي” وَأطرافِــــهِ الغَربِيَّة لِحمَاية مُمتلكاتها وَمحميَّاتِها فِي الخليج.
- رُؤساء بني خالد، وَكانوا في “الأحساء” وَمنْهُمُ:ــــ “برغش بن زيد بن عريعر”، وابن عمِّه “مشرف بن دوَيحس ابن عريعر”، و”طلال”، وقد سَبَقَ “لِبنِي خالدَ” أنْ كانوا حُكَّامًا فِي الأحساء.
- قَبيلة “العوازم” المُوَالين لِرؤساء “بني خالد”.
- ثَلاثة أنفارٍ تَصَدُّوا في سِرِّيَّةٍ تامَّة “لمحمد أفندي رفعت” فاغتالوهُ بِالقُربِ مِـنْ “عين نجم”، وَهُـمُ، كما ذُكِرَ تَارِيخيًا، مَــنَ “العَـوَازمِ” مِنْ أعْـــوانِ “آل عرَيعر”.
- تولَّى “السُّديري أمَارة “الأحساء” بعْد القتيل، ولم يبق بالأمــارة إلاَّ شَهْرًا تقريبًا، ذلك أنَّ “خورشيد باشا” أرْسَلَ “للأحساء” أمِيرًا آخر اسمه أيضًا “محمد أفندي” بَدَلاً مِنَ “السُّديري”؛ أمَّا السُّديري فقد أذِنَ له “البَاشا” في شهرِ رمضان بأن يُغادرَ “الأحساء”. ولم يبق “محمد أفندي” الثاني أمِيرًا “للأحساء” إذ فِي أقَلِّ مِنْ سنةٍ عَيَّنَ “الباشا خرْشد” بَدَلاً عنْه “حمد بن مبارك” رئيس “حريملا” لِيكونَ أمَيرًا على “الأحساء”.
وَبيتَ القصيدِ فِي تعاقبِ وُلاَةٍ على أمارة الأحساء هُـــــوَ أنَّ واقعةَ اغتيال المتصرف التركي قَدْ حدثت فِي عام 1255 هجرية؛ وكان التَّساؤل الذي ثـــار، وقتَها، هُــــــوَ التَّحقق، تَاريخِيًا، مــــن هَوِيَّــةِ قَتلةِ ِ “المُتصرف”؛ نَاهيكَ عن التَّحقق مِنْ معرفة سبب اغتياله؟ وفي هــــذا الخصوص تَعــددت الروايات منْها رِواية أنَّ الإغتيال كان بِمثابةِ عُقوبةٍ من الله سبحانــــهُ وَتعالى لِمظَالِــــمَ ارتكبها “المتصرف” فِي حَق أهالِي “الأحساء”؛ وفي هــــذا الرَّأيِ وَجَاهَـــــة من النَّاحيَة السِّياسِيَّة حيْث أنَّ المَظالمَ التي ارتكبها هذا “المُتصرف” كانت ثابِتة، تَاريخيًا، عنْد كَافَّةِ المُؤرِّخين، وأنَّ واقعَةِ اغتيالِهِ كانت بِسبَبها.
كَمَا وَرَدَ في قواعد التَّواصل الاجتماعـــي رِوَايَــــة غير مُوَثَّقة، وَمُختلَقة، وَكَاذبَة، وَعَديمةِ البُرهان، مفادها أنَّ مَنِ اغتالَ “محمد أفندي رفعت” كان ثلاثة أفراد من “أسرة آل ملحم” حينما أبْدى المُغْتَالُ رغبته لأفراد الأسرة أنْ يتزوج فتاة من فَتَيَاتِهَا برضائها أي برضا الأسرة أو قَسْرًا وَكُرْهًا. وهذه الرِّواية غيرُ صحيحة، بَلْ وَمَدْسُوسَةُ، بعْد حِينٍ مِنَ الاغتيال، على أسرتنا، أسرة آل ملحم، ولمْ يَقْمْ عليها “بُرْهَانٌ”، وليس من أخْلاق أفراد أسرتنا فِعْل ذلك أبَدًا، ولمْ يُعْهَدْ، تَارِيخيًا، أنَّ مِنْ طِباعَها أنْ يُمارِسَ أفراد منْها القتل في “هيئةِ عصابةِ لِصوصٍ” ذَاتِ تَكَتُّمٍ وَسِرِّيَّةٍ” وذلك على النَّحو المَنشورِ عنْ أسرتنا، كذبًا وَبهتانًا، فِي “قواعد التَّواصلِ الاجتماعيِّ” فِي أيَّامِنَا المُعَاصِرة. ولكن هناك مَنْ رغبُوا، تاريخيًا، مِنْ أمثالِ “عبدالله بن محمد البسام” غفرَ اللهُ لَهُ في كتابه “تحفة المُشتاق فِي أخبار نجد ونجد والحجاز والعراق” وغيرهم أنْ يَدُسُّوا أخبارًا كاذبة مُفَبْرَكَةُ بعْد حينٍ من اغتيال “محمد أفندي رفعت” بدون براهين، وأنْ يُلْحِقُوا مَا حَدَثَ “لمحمد أفندي رفعت” بمثابة “وَصْمَةَ عَارٍ” فِي تاريخ أسْرتِنا. وفيما يلي فِي تَسلْسلٍ تاريخيٍّ مُوَثَّق لِلرِّواياتِ عَنِ وَاقعةِ الاغتيال؛ وَهِيَ رِوَاياتٌ لَمْ يَرِدْ فيها ذِكْرٌ لِأَيِّ فرد مِنْ أفْرادِ أسرتنا أبَدَا.
الرِّوايَة الأولى
وَهِيَ رواية “ابن بشر” المعروف، وهُو مُؤَرِّخُ تاريخ “نجد” فِي عَصْرِهِ. يرى “ابن بشر” أنَّ الاغتيال كان بسبب مَظالمٍ ارتكبها “الأفندي”. وَأرَّخ “ابن بشر” في كتابِه:ـــ عنوان المجد في تاريخ نجد، ج/2، /108 ـــ 111، تحقيق عبدالرحمن بــن عبداللطيف بن عبدالله آل الشيخ الملقب “بِالبَحَــــر”، طَبعة وزارة المعارف /1391هــ، تفاصيل اغتيال “محمد أفندي” بِسبَبِ مَا مَارَسَهُ هذا “المتصرف” مِنْ مَظَالمَ فِي حَقِّ أهلِ “الأحساء” بِصفةٍ عَامَّةٍ حيث كانت المَظالمُ هِيَ المُبَرِّرُ لِاغتياله فنَال جزاءه؛ وَمِنْ أنَّ القتلة كانوا من “العــــوازم” مِنْ أعوان “آل عريعر” وإنْ كان “ابن بشر” لم يذكرْ مَاذا تَمَّ بشأنِهم؟، وَهَلْ أعْدِموا أمْ لا؟ مُكتفيًا بِعبارات منْها أنَّ “السُّديري” وكيلَ بيت المال فـــي “الأحساء” قـد أرسلَ إلى “العوازم” المُتَّهمِين بِالقتل، وحَبَسَهَم.
وَبِالنَّظــــرِ إلى أهمــــيَّة الخلفيَّة السِّياسِيَّة التي أدَّت بِتراكماتِها خلال عَامِ 1255هـــ وَقَبْلَهُ إلى اغتيال أمير “الأحساء” “محمد أفندي رفعت” مِمَّا أفاد بِهِ “ابن بشر” كَمُؤرخٍ مُعُاصرٍ لِلحادثةِ، أرَى، مِنْ باب الأمَانَةَ التَّاريخيَّة، أنْ أنْقل فيما يلِي تصوراتَ “ابن بشر” عنْ خلفية الاغتيال لتفهُّمِ الوضع بِرُمَّتهِ سِيَاسِيًا خلال عَامِ 1255هــ، وَقَبْلَهُ.
يقول ابن بشر:ــ “وَأمَّا “عمر بن عفيصان” فإنَّه لمَّا بلغه أمْرَ “فيصل” رَحَلَ من الماء الذي هُو عليه، وَقَصَدَ الأحساء، فلمَّا كان، بعْد مصالحةِ فيصل مع أهل الخرج بيومين، أرسل “الباشا” عبدالرحمن الحملي بِكُتُبٍ “لِعمر العفيصان” وَرؤساء الأحساء وَأعطاهم الأمان، وَأمرهم بالقدوم إليه يحفظون بيت المال، فلما وصلهم “الحملِي” وَعَرَضَ الخطَّ على “عمر” قال سمعًا وَطاعةً، وَأمَر الرؤساء يتجهَّزون إلى “الباشا”، وَقامَ يتجهَّزُ معهم للذهاب إليه على أعْين الناس، وهُو يجمع ما كان له في “الأحساء” مِنْ مالٍ ومتاع وغير ذلك، وما كان من بيت المال يدفعه إلى “وكيل الباشا”، فلما فرغ ما كان لَهُ أمَرَ أهلَ الأحساء بالرًّكوب فَخَرَجَ الجَميعُ من الأحساء قاصدين “الباشا”، فلما صاروا خارج البلد أخبرهم بِمُراده وقال أنتمُ اقْصدُوا “باشتكم”، وَخُذُوا منه الأمان على أنفسكم وبلدكم، وأمَّا أنَا فأنَا خائفٌ على نَفسِي، وَرَحَلَ وقصد “العقارية” القصر المعروف بِقُربِ “العقير” ثُــمَّ عَبَرَ إلــى “البحرين”، وأقـــــام عند “آل خليفة” ثم عَبَرَ إلى الكويت ونزل فيه، وركب أهل “الأحساء” إلى “الباشا” وَأعطاهم الأمان، وَأذِن لهم يرجعون إلى بلادهم وذلك في شهر شوال. ثم أنَّ “الباشا” بعدما رَحَلَ أهلُ الأحساء إلى بلادهم أَمَرَ على “أحمد بن محمد السديري” يَقْصُدُ الأحساء أميرًا فيه وذلك لما أراد الله أن يسكِّن روْعتهم، وَيثبِّتهم في بلادهم لأنه وَقَعَ بأهل الأحساء رَجفةٌ وَرُعبٌ وَخَوفٌ من عسكر الروم مَعَ ما وَقَعَ بهم مِنْ هروبِ أميرهم “عمر بن عفيصان” ولَو كان الأمر وقع على غير “أحمد” عنْد هذه الصَّدمةِ الأولى لَوَقَعَ في الأحساء خَلَلٌ كبير، وَلَهَربَ منْهم الجَمُّ الغفير، فركب “أحمد” وَمَعَهُ عِدَّة رجال من أهل “سدير” وَغيرهم، ثم أمَرَ “الباشا” أن يركب معهُ من العسكر مائة وثلاثون خيَّالاً رئيسهم رَجُلٌ من المغاربة يُقال له “أبوخزام”، فسار “أحمد” بالجميع، وقصد “الأحساء”، فَوَرَدَ البَشيرُ عليهم أنَّ القادم عليكم “أحمد” أمِيرًا فاطمأنت منْهم القلوب بعْد ما كان قد تَهَيَّأ كثيرٌ منْهم للهروب فدخل “الأحساء”، وَنزلَ بيت الأمارة الذي فيه “عمر بن عفيصان” فِي “قصر الكوت”، وَفرَّق العساكر وَالرِّجال فِي القصورِ وَالثغور، فَجَعَلَ في “قصر صاهود” خمسين رجلاً، وَفي “قصر ماجد” خمسة وعشرون، وَفرَّق باقي العسكر عند البِيبَانِ وَفي البروج. ثم بعْد ذلك بِقريب شهر أرسل “الباشا” إلى “الأحساء” خمسين رجلاً من العَسكرِ وَالعَربُ رئيسهم رَجُلٌ من المغاربة اسمه “محمد الفاخري” وَأمرهم ينزلون في “قصر الكوت” ثم أمــــرَ “أحمد” على المدافع التي في هذا القصر وَجَعَلَ فيها صُنَّاعًا، وَأصلحَها وَوَضعَها فِي مَواضعِها، وزار “أحمـــــد” علماء الأحساء وَقُضاتهم وَأعيانهم فدعوا لَهُ وشكروه، وَصَفَحَ عن المُحسنِ وَالمُسيء، وَجَعَلَ كُلَّ رجل منهم في مرتبته، ولا غَيَّرَ على أحدٍ، وأعطى الأمانَ “رجاجيلَ بن عفيصان”، وَجعلهم فِي مراتبهم على عاداتِهم وَخراجِهم، وَأرسل إلى أهل “القطيف” يقبلون إليه، فركب إليه رؤسائهم “علي بن عبدالرحيم” أمير “سيهات”، وَ”آل بن غانم سعود وأخوه” و”أبَا السعود” وبايعوه، وركب الكاشف وعسكر من الترك حُفَّاظ في القطيف، وأرسل “خرْشد” رجل من عسكره يُقال له “طاهر” وَجَعَلَهُ رئيس في عسكر القطيف، وأرسل “أحمد” خَراريصَ لثمرة الزَّرع فِي الأحساء وِالقطيف من العرب فخرصوها مِنْ غير تَعَدٍّ ولا ظُلْمٍ، ولم يزل بعد ذلك هذا الاقليم في أمنٍ وأمانٍ حتى قَدِمَ “محمد أفندي” من “البحرين” وهُــــــو الذي أرسله “الباشا” إلى أهلِ “البحرين” وأهلِ “فارس” وغيرهم، وذلك أن “خرْشد” بعْد مصالحة أهل الخرج أرسل “محمد أفندي” هذا إلى “البحرين” وَإلى “فارس” بِمراسلاتٍ “لِآل خليفة” وغيرهم، وَلاَ اتَّفق بينَهم حَالٌ، ثُمَّ قدم “فارس” فاشترى كثيرًا من البُّرِّ والشَّعير وغير ذلك وَأنفَذه إلى “الأحساء”، فلما قدم الأحساء كاتب “الباشا” فأمَره بالرجوع إلى “البحرين” فوصل إلى “آل خليفة” وصالحهم، ثم رجعَ إلى “الأحساء” وكاتبَ “الباشا”، فكتب إليه “الباشا” أنَّه أمَيرٌ على “الأحساء”، ويكون “أحمد” في بيتِ المال، وهذه عادة ولاية التُّرْكِ ( أوَّلها مَطَرٌ، وآخرها بَرْدٌ وَصَواعِقُ )، فاستقلّ بِالحكمِ، وَدبَّره تدبيرَ حَاكمٍ ظَالمٍ، وَأظهرَ في هذا الإقليم كَثير مِنَ المَظالمِ، وَوَضَعَ عليهم مظالمَ عديدة، ووطَّأهم وطئَة شديدة فمنْ ذلك أنْ خَرَصَ القَتّ عقبات، وأهل الأحساء يسمون مِلْءَ الكفَّين عُقْبَةْ، ووضع عليه مِيري نحو العشير، ثُمَّ وَضَعَ على الدَّكاكين وَالحواويك والنَّجارين وَالغزَّالين وَالصُّناع وَالصَّفَّارين حتَّى مَجالسَ أهْـــــلِ البيع والشِّراء في الموَاسمِ، وَأخذ على أكثرهم كلَّ شهرٍ شيء معلوم، وَوَضَعَ على كُلِّ ما بِيعَ من بعير وحمار وبقر وأغنام وتمر ودهن وعيش إلى غير ذلك مِنَ المَظالمِ التي لا تُعرف في هذه الناحية قَبْلَهُ، فلم تزل فعاله فِي ترقُبات، وَمَظالمه المُتعِّددة في زِياداتٍ فما كان إلاَّ أشهر وَأيَّامٍ قَليلاتٍ حتَّى أنشد لِسَانُ الدَّهرِ مُترنِّمًا بِالجوابِ:
إِذَا تَمَّ شَيْءٌ بَدَا نَقْصُهُ ــــــ تَوَقَّعْ زَوَالاً إِذَا قِيلَ تَمّْ
وَطالما صَعَدَ إلى السماءِ دُعاءُ مَظلومٍ لا ناصرَ لَهُ إلاَّ اللهُ، فاستجاب نَاصرَهُ لَهُ دُعاهُ، فَرُمِيَ كَمَا رُمِيَ أصحابُ الفيلِ، رَماهُ اللهُ بِحجَارةٍ منْ سجِّيل فأوقعه القَادرُ فِي حُفرةِ الظالمين، وَجعلَهُ نَكالاً لغيره من المُعْتدين. فلما كانت غرة شعبان من هذه السنة أعْنِي سنة خمسة وخمسين أقبْل مِنْ “عين نجم” المعروفة فِي الأحساء بيْن العشائَين وَمَعَهُ منْ أعْوانِهِ الشًّجعان خمســـــــة مِنَ الفُرسان وَغلامه بيْن يديْه بِيَدِهِ فَنَر فيه سراج وهُو يُريدُ دخول بلد الهفوف وَبيتُهُ فيه، فَرَصَدَ له على طريقه ثلاثــة رِجالٍ معهم ثلاثة بنادق، فلمَّا أقبل عليهم ثَوَّرُوا البنادق فيه، فوقعتْ واحدة فِي رَأسه، وَوَاحدةٌ فِي قَلبِهِ، وَوَاحدةٌ فِي الفَنَر الذي مع خادمه فَخَرَّ صَريعًا، وَسقَط على جنبهِ سريعًا، فَفَرَّ عنْه أصحابه وَتركوه، وَلاَ أغْنَو عنْهُ وَلا نفعوهُ، وَهَرَبَ الذين قتلوهُ كأنهم ابتعلتهم الأرضُ، فرجع إليه بَعْضُ خدَّامه فوجدوه مَيِّتًّا فَحملهُ إلى بيته فِي “قصر الكوت”. ثم أُخْبِرَ السِّديري، فلما أصبح الصباح، ونادى مُنادِي الصلاة حَيَّ على الفلاح، وَانْجلى الظلامُ، وَظهرتْ عَيْنُ الشمسِ علَى الأنام، خاف “أحمد” مِنْ مَلاَمٍ، أوْ يلحقه تهمةً مِنْ “رئيس الأرْوام” فَأَمَرَ مَنْ ينادي فِي المَوسمِ كُلَّ يَـــــوْمٍ مَنْ أخبرنا بِقاتل الأفندي فلَه خمسمائة ريال، فقيل لهُ أنَّ الذي قَتَلَهُ فـلان وَفُـلان ثلاثة مـن العـــوازم مِــنْ أعْـــوان “آل عريعر”، فأرسل إليهم وحَبَسَهُمُ، وكان في “الأحساء” مِنْ رُؤساءِ بنِي خالد بُرغش بن زيد بن عريعر وابن عمِّه مُشرف بن دويحس ابن عريعر وطلال، وكانوا قد وَفَدُوا على “الباشا”، وطلبوا منْه رياسة “الأحساء”، فأبَى عليهم، فسكنوا في “الأحساء” على غيرِ شيءٍ؛ وكان “الفاخري” رئيس العسكر عنْد أعراب العُجمان يَجمعُ رحايل فلما بلغه الخبر أقبل مُسرعًا، فلما دخل بيته جاءه رؤساء بني خالد يسلمون عليه فحبسهم، وأخذ سلاحهم، فأقاموا عنْده أيَّامًا ثم أطلقهم”. انتهى.
وَلَمْ يَصلْ لِعِلْمِي أنَّ هُنَاكَ مُؤَرِّخٌ مِنَ المُؤرِّخين قد انتقد رِوايَة “ابن بِشِر”، أوْ شَكَّكَ فِي مِصدَاقيَّتها، أَوْ أنَّها رِوَاية كاذبَة.
الرِّوايَة الثانية
وَهِيَ رِواية تَستندُ إلى أنَّ الدَّافع وَراءَ اغتيال “المتصرف” هُو دَافِعٌ سِيَاسِيٌّ. وَصاحبُ الرِّواية هُوَ الدكتور “محمد عرابي نخْله” حيْث قال في صفحة (97) مِنْ كتابِهِ:ــ (“تَاريخُ الأحساءِ السِّياسِي” 1818هـــــ/1913م، ط/97، منشورات ذاتِ السَّلاسِلِ، الكويت) فِي أسلوبٍ تاريخيٍّ رَبَطَ فيه الأحْداثَ بِشكلٍ سياسيٍّ سَلِسٍ مُقْنِع كما يلي:ــــ “ويبدُو أن مقتل “محمد أفندي رفعت” كان بدافع سياسي إذ كان شيوخ “بني خالد” قد تقدَّموا إليه يطلبون رئاسة الإقليم فَرَفَضَ طلَبهم، وكان “محمد أفندي” قد بَطَشَ فِي “الأحساء” لِيثبتَ دعائمَ حكمه هناكَ، فيبدو أنَّ “بني خالد” قد حاولوا التخلص منه ليصفو لهم الجو مِنْ بَعْدِهِ أوْ على الأقلِّ ليزيلوهُ مِنْ طريقهم، وإن كنتُ لا أستبعد أن يكون لِلبِرِيطانَيِّين يَــــدٌ فِي مصرعهِ لأنَّـــــه [أي محمد أفندي] وراء النَّشاطِ المِصْرِّيِّ في منطقة الخليج إذ كان المُنَفِّذ المُباشرُ لذلك النَّشاط في كثير من الأحيان. ولقد وَقَعَ خبَر مقتل “محمد أفندي” على مسامع “خورشيد” وُقوعَ الصَّاعقة فراح يَأْمُرُ بإعدام شيخ “آل حميد” زعيم “بني خالد” انتقامًا لِمقتل نائبه، وَفِعلاً تم تنفيذ حكم الإعدام في الشيخ “برغش آل حميد” على يَدِ القوَّات المِصريَّة، وَأرسل “خورشيد” نائبًا جديدًا عنْه إلى الإقليم أسمه أيضًا “محمد أفندي” ولكن عَهْدَهُ “بالأحساء” صار قَصيرًا جِدًا فلم يكد يستقر فيها حتَّى أصدر “خورشيد” أمْره بِإسنادِ ولايةِ “الأحساء” إلى “أحمد بن مبارك” أحد أصْهاره النَّجديِّين وهُو مِنْ بلدةِ “حريملا”، وذلك على إثرِ قرارهِ الانسحابِ من نجْد في مايو عام 1840م”. انتهى.
وَلمْ يَصلْ لِعِلْمي أنَّ هناكَ مُؤَرِّخٌ من المُؤرِّخين قد انتقد رِّواية الدكتور “نَخَلَة” أَوْ كذَّبَها.
الرِّوايَـــة الثالثة
وَهِـيَ رِوايـة الأديـب المُحَقِّـقُ” أبو/عبدالرحمـن ابن عقيل الظَّاهِـرِي”؛ وَهِيَ رِوَاية أثبَتها، تاريخيًا، بَعْد أنْ تَحَقَّقَ منْها فِي مَقالــــةٍ لَهُ بِعنوان:ـــ “أحمد السديري الأوَّل”، وَقَدَ نَشَرَهَا بصفحات (67 ـــ 69) من مَجلَّة “الدِّرعيَّة”، العَدَدُ الأوَّل ــــ السنة الأولى، الصَّادرة فِي محرَّم عام 1419هـــ؛ وَهِـــيَ مَجَلَّة مُحَكِّـمــةٌ تُعْنَى بِتاريخ المَمْلكـــةِ العَربيَّة السُّعوديَّــــة، وَالجزيرة العربية، وَتُراث العرب. وَمَا نشرهُ “ابن عقيل” هُو كمَا يلِي:ـــ وَلَمْ يزل بعْد ذلك هذا الإقليم في أمْنٍ وَأمَانٍ حتَّى قَدِمَ محمد أفندي مِنَ البحرين (وهو الذي أرسله الباشا إلى أهلِ البحرين وأهلِ فارس وَغيرهم) .. وذلك أنَّ “خرْشد” بعْد مُصالحةِ أهلِ الخرج أرسل محمد أفندي هذا إلى البحرينِ وإلى فارسَ بِمُراسلاتٍ “لِآلْ خليفة” وغيرهم .. وَلاَ اتَّفَقَ بينهم حَالٌ، ثم قَدِمَ فارس فاشترى كثيرًا من البُرِّ وَالشعير وغير ذلك وَأنفذه إلى الأحساء، فلما قَدِمَ الأحساء كاتَبَ البَاشا، فأمـــرهُ بالرِّجـــوع إلى البحرين، فوصـــل إلى آل خليفة وصالحهم، ثُمَ رَجَعَ إلى الأحساء، و كاتَبَ البَاشا، فكتب إليه البَاشا أنَّه أمِيرٌ على الأحساء، ويكون أحمد في بيت المال .. وهذه عادة ولاية الترك: أوَّلها مَطَرٌ، وآخرها بَرْدٌ وصَواعقُ. فاستقل بِالحكمِ، ودَبَّره تدبيرَ حَاكمٍ ظَالِمٍ، وَأظهرَ في هذا الإقليم كَثيرًا مِنَ المظالمِ، وَوَضَعَ عليهم مَظالمِ عديدة، وَوَطَّأَهم وَطأة شديدة، فَمنْ ذلك أنَّه خَرَصَ القَتَّ عقبات .. وَأهلُ الأحساءِ يسمون ملْأَ الكفَيْن منْه عُقْبَة، وَوَضَعَ عليه ميري نحو العشير، ثم وضع على الدكاكين والحواويك والنَّجارين والغزَّالين والصُّناع والصَّفارين .. حتَّى مَجالس أهل البيع والشراء في المَواسمِ .. وأخذ على أكثرهم كُلَّ شهر شئٌ مَعلومٌ وَوَضَعَ على كل ما بِيع مِنْ بعير وحمار وبقر وأغنام وتمر ودهن وعيش .. إلى غير ذلك مِنَ المَظالِم التي لا تُعرفُ في هذه الناحية قبْله .. فلم تزل فِعالهُ فِي ترقُّيات، ومَظالمهُ المتعدِّدة في زيادات، فما كان إلاَّ أشْهُرٌ وَأيَّامٌ قليلات حتى أنشدَ لِسانُ الدَّهرِ مُترنمًا بالجواب:ــ
إذا تَمَّ شيء بدا نقصه …… تَوَقَّعْ زَوالاً إذا قيل تَمْ
وَطالَمَا صَعَدَ إلى السماء دُعاَءُ مظلومٍ لا ناصرَ لَهُ إلاَّ الله، فاستجاب لَهُ نَاصرهُ دعـــاه، فرُميَ كما رُمِيَ أصْحابِ الفيل .. رَماهُ اللهُ بِحجارةٍ من سجِّيل، فأوقعه القادرُ في حفرةِ الظالمين، وَجعلهُ نَكالاً لغيره من المُعتدين .. فلما كان غُرَّةِ شعبان من هذه السنة .. أيْ سنة خمسة وخمسين أقبَل مِنْ “عين نجم” المعروفة في الأحساء بيْن العِشَائَين ومعه من أعوانِهِ الشُّجعان خمسةٌ مِنَ الفُرسان، وَغلامهُ بيْن يدَيه بِيَدِهِ فَنَرٌ فيه سراج، وهُو يريدُ دخول بلدة الهفوف وَبيته فِيهِ، فَرصدَ لهُ على طريقه ثلاثة رِجال مَعَهُمُ ثلاث بنادق، فلما أقبْل عليه ثوَّرُوا البنادق فيه، فَوقعتْ وَاحدةٌ فِي رَأسهِ، وَوَاحدةٌ فِي قَلبه،ِ وَوَاحدهٌ فِي الفَنَرِ الذي مَعَ خادمه، فخرَّ صريعًا، وَسَقَطَ على جنبه صريعًا، ففرَّ عنْه أصحابهُ وتركوهُ، وَلا أغْنَوْا عنْه وَلا نفعوهُ، وَهربَ الذين قتلوه كأنهم ابتعلتهم الأرض، فَرَجَعَ عليهِ بعضُ خدامَّه، فوجدهُ ميتًا، فحملهُ إلى بيته في قصر الكوت، ثُمَّ أخبر السَّديري .. فلما أصبح الصباح، نادى منادي حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح، وَانْجَلى الظلام، وظهرت عينُ الشمس على الأنام: خاف “أحمد” مِنْ مَلاَمٍ، أوْ يلحقهُ تهمة مِنْ رئيس الأرْوام، فأمرَ أن ينادي فِي الموسم كُلَّ يومٍ: مَنْ أخبرنا بقاتل الأفندي فَلَهُ خمسمائة ريال .. فقيل لهُ: إنَّ الذي قتله فـلان وفـلان (ثلاثة مِنَ العَوَازمِ) مــــِنْ أعْـــــوانِ آل عريعر، فأرسل إليهم وحبسهم .. وكان في الأحساء من رؤساء بني خالد برغش بن زيد بن عريعر وابن عمه مُشرف بن دويحس بن عريعر وَطلال، وكانوا قد وَفَدُوا إلى الباشا، وطلبوا منْه رئاسة الأحساء، فأبَى عليهم، فسكنوا في الأحساء على غيرِ شيءٍ .. وكان الفاخري رئيس العسكر عنْد أعراب العُجمان يجمع رحائل، فلما بلغه الخبر أقبل مُسرعًا، فاقاموا عنْده أيَّامًا ثم أطلقهم. ولما بلغ الخبر البَاشا بِقتل الأفندي جزع عليه جزعًا شديدًا، وَأَمَرَ على “أفندي” عنْده اسمه “محمد”، وجهزَّ معه عَسكرًا، وأرسله بَدَلَهُ، ثم جهَّز بعدهم عَسكرًا آخر، فجلسوا بعسكرهم فِي الأحساء، ثم أمضوا ما قرَّر لهم الأفندِي الظالمُ مِنَ المظالمِ، وصادروا أهلَها كما صادرهم ذلك الظالم، وناقشوهم عليها كما ناقشهم بها، فشقيَ هُوَ بأوزارِها، وَبَقِيَ عليه فِي الدنيا عارَها. فلما كان في رمضان من هذه السنة (أعني السنة الخامسة) أرسل الباشا إلى “أحمد السديري”، وأذِن له أن يزور أهله وأولاده، وأرسل مكانه عيسى بن علي بن فايز رئيس الجبل، وجعله في بيت المال، وَقَدِمَ أحمد على “الباشا” في ثَرْمَدَا، ثم قصد أهله .. انتهى.
وَلْمْ يَصِلْ لِعِلْمِي أنَّ هناك مِنَ المُؤرخين مَنْ عارضَ أوِ انتقدَ مَا تَوَصَّل إليه الأدِيبُ المُحَقِّقُ” أبو/عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري” مِنْ معلوماتٍ تَاريخيَّةٍ ثابتةٍ.
الرِّوايَـــة الرَّابعة
وَفـيَ رِوايـة “ابن عبدالقادر” مُؤلِّفُ كتاب “تحفة المُستفيد”. وَفِيها سَـرَدَ “ابن عبدالقادر” أحْداثَ سنة 1255هــــــ باِخْتصارٍ شَديـــدٍ. وَعِنْدَ تناوله لِاغتيال “الأفندي” فَقَدْ رواها كما رَوَاهَا “ابن بشر” وَبِتصرفٍ مُقتَضبٍ، وإنْ كان “ابن عبدالقادر” لمْ يُشِرْ لاَ مِنْ قَريبٍ أَوْ مِنْ بَعيدٍ إلى أسْماءِ مَنِ اغتالوا “المتصرف”، وَلكنَّه أضافَ أنَّ “أحمد السديري” بَثَّ الجواسيس بَحثًا عن القتلة، وَجَعَلَ لهم الجَوائزَ إذا عرفوا القتلة، وَدلَّوهم عليهم، فلم يُعثر به على خبَر. لنرى الآن كيف وَصَفَ “ابن عبدالقادر”، كَمُـــؤرخ ذِي ثِقَةٍ فـِــي كتابه ـــ: “تحفة المُستفيد بتاريخ الأحساء في القديم والجديـــد، القسمُ الأوَّلُ، ص/153 ـــ 154، ط/1402هــ، قصة اغتيال المتصرف وذلك كَمَا يلِي:ـــ في شوال سنة ثلاث وخمسين ومائتين وألف ، قدم “خورشيد” منْ “مِصْرَ”، ومعهُ حملة من العساكر المِصريَّة، ولمَّا وَصَلَ “ينبع” أرسل الشريف “عبدالله” رئيس “ينبع” إلى الإمامِ “فيصل” بِهديةٍ، فقدم عليه في منفوحة، فقبلها، ثم جهَّز أخاه “جلوي بن تركي”، بَهديةٍ إلى “خورشيد”، فقدم بها عليه، وهُو في “المدينة المنورة”، ثم رحل “خورشيد” من “المدينةِ”، وَمَعَهُ “جلوي بن تركي”، وَوصلَ “القصيم”، ولما دخل “خورشيد” مدينة “عنيزة” هَرَبَ “جلوي”، وتوجَّه إلى أخيهِ “فيصل”، وكان قـــــد رحل مِنْ “منفوحة”، ونزل بلد “الدلم”، وفي آخر رجب سنة أربع وخمسين رحــــــل “خورشيد” مــــن “عنيزة” مُتوجهًا إلى “الرياض”، ثم سار من “الرِّياض” ومعه “خالد بن سعود”، إلى مُحاربة الإمام “فيصل” في بلد “الدلم”، فَخَرَجَ إليه الإمام بجنوده، وَالتحمَ الفريقان، وقُتِلَ من الفريقَين قتلى كثيرة، وتعدَّدت الوقعات بينهم، وقَـــــدِمَ على “فيصل” “عمر بن عفيصان” بِمَدَدٍ من “الأحساء” وذلك لسبع خلون مِنْ رمضان، وَجَرَتْ بيْن الفريقين ملحمة عنيفة، كادت تفني الجيشين، ثم تتابعت الإمدادات على “خورشيد، فقوى عزمه على مواصلةِ القتال، ولما عَلِمَ “فيصل” بذلك، ورأى أنَّ جنده قد أنهكته الحرب كتب إلى خورشيد في طلب الصلح، وذلك في العشرِ الأواخرِ من رمضان، فأجابَهُ على شرط أن يًسَلِّمَ نفسه، وَيَرحلَ إلى مصر، فلم يجد الإمام بُدًا من ذلك، وقبِل الشرط، فجهَّزه “الباشا” ومعه “حسن اليازجي” فِي فِرقةٍ من العسكر، فرحل الإمام، ومعه أخوه جلوي وعبدالله ومحمد أبناء الإمام فيصل، وعاد “عمر بن عفيصان” إلى “الأحساء”. ولما رحل الإمام “فيصل” إلى “مصر” كتب “خورشيد” إلى “عمر بن عفيصان”، بأن يتوجَّه إليه مع جماعةٍ من أعيان “الأحساء”، ولما خرجوا من “الأحساء،” أمَرَ “عمر بن عفيصان” أهلَ “الأحساء” أنْ يتوجَّهوا إلى “خورشيد”، وَهَرَبَ هُوَ إلى “الكويت”، ولمَّا وصل أهـــل “الأحساء” إلى “خورشيد” أعطاهم الأمان، وأمــــرهم بالرجوع إلى وطنِهم، وأرسل معهم “أحمد بن محمد السُّديري” أميرًا في “الأحساء” وَمعه مائة وثلاثون فارسًا مِنَ العساكر المصرية، ورئيسهم “أبوحزام المغربي”، ثُمَّ أتبعهم “بالفاخري” وَمعهُ خمسون فارسًا، ثم أرسل “محمد أفندي” لِسَنِّ الضرائب، وَترتيب طرق الجباية التي لم تكن معروفة، وَلاَ مألوفة في تلك البلاد، وَاستمرت الحال على ذلك إلى شعبان سنة خمسة وخمسين ومائتين وألف. وكان “محمد أفندي” يَخرجُ كُلَّ يومٍ بعْد صلاةِ العصرِ إلى “عين نجم” للاستحمام والاستجمام، وَيَعُودُ بعْد صلاة المغرب، وفِي شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وألف جلس لَهُ كمين في شجر النَّخيل، التي في طريقهِ إلى “عين نجم”، ولما رَجَعَ بعْد صلاة المغرب أطلقوا عليه الرصاص، فأصيب في رأسه وَقلبه، فَخَرَّ صريعًا يتخبَّط في دَمِهِ، وَماتَ من ساعتهِ، وحُمِلَ إلى بيته، وَبَثَّ “أحمد السديري” الجواسيسَ، وَجَعَلَ لهم الجوائز، إذا عرفوا قاتله ودلُّوه عليه، فلم يُعثر له على خبر، ولما بلغ “خورشيد” خَبَرَ قتلِهِ أرسل بدَلاً له، وزيادة الجيش المُرابط في “الأحساء”. وفي آخر سنة خمس وخمسين ومائتين وألف عَزَلَ “خورشيد” “أحمد السديري” عَنْ أمارةِ “الأحساء”، وَأرسلَ “عيسى بن علي بن فايز” منْ أهل حايلَ، واليًا على بيت المال فِي “الأحساء”. انتهى.
وَلمْ يصلْ لِعلْمِي أنَّ هناكَ مَنْ أنْكَر على “ابن عبدالقادر” رِوايتَهُ؛ وَهُو مِنْ مُؤرِّخي أهْلِ الأحْساءِ الثقَّاة.
الرِّوايـــةُ الخَامِسَـــة
وَهِيَ رِواية “عثمان بن عبدالرحمن المُلا” فِـي الجُزءِ الثانِي مِنْ كتابِهِ:ـــ تاريخ هَجَر، فِي صفحةِ (734) إذ أوْردَ، فِي صُورةٍ مقتضبة، وَاقعة قتلِ “الأفندي” دُونَ أنْ يُنَوِّهَ، مثل “ابن عبدالقادر” عَنْ أسماء المُغتالين. وروايته كما يلي:ـــ وَفِي هذه الأثناء اغتِيل حاكم الأحساءِ “محمد أفندي رفعت” وهُو يتريَّض في بستان “عين نجم” بقرب الهفوف، فكان لخبر موْته وَقْعٌ بَالغُ الألمِ في نفس خورشيد، فاصدر أوامره بإعدام برغش آل حميد شيخ بني خالد لِاعتقاد خورشيد بأن لبني خالد ضِلعًا في اغتيال نائبه. وأرسل خورشيد نائِبًا عنْه إلى الأحساء اسمه أيضًا “محمد أفندي”، فلم يكد يستقر فيها حتى أصدر خورشيد أمره بإسناد ولايــــــةَ الأحساء إلى “أحمد بن مبارك” أحد أصهاره النَّجدِيِّين من بلدة حريملا وذلك في أعقاب قراره بالإنسحاب مِنْ “نجْـــــد” سنة ألف ومائتين وستة وخمسين هجرية الموافق عام 1840م. انتهى.
وَلمْ يصلْ لِعلْمِي أنَّ هناكَ من المُؤرخين من أنْكَرَ على “عثمان بن عبدالرحمن المُلا” رِوايتَهُ أوْ شَكَّكَ فِي مِصْداقيَّتِها.
الرَوايَـــة السادسة
وهِي رِوايــة الدكتور “حمــــد بن محمد القحطاني” مُؤَلِّفُ كِتابِ “الأوْضَاع السِّياسِـيَّة وَالاقتصَاديَّة وَالاجتماعيَّة فِي إقليم الأحساء 1288 ـــ 1331هـــ /1871 ـــ 1913م، وَمُؤَلَّفَهُ فِي الأصْـلِ رِسالَـةَ دكتوراة؛ وَفِي رِوايته توسَّع الدكتورُ فِي العَرْضِ مَـــنَ النَّاحية التَّاريخية حيْث أسْهَبَ فِي تأرِيخ حادثةِ اغْتيال “محمد أفندي”. وَمِمَّا أرَّخه في صفحتي 58 ـــ 59 عن الحَادثةِ مَا يلِي:ـــ “بعد السَّيطرة على نجْد بَعَثَ قائد القوات المصرية مندوبه عبدالرحمن الحملي إلى “عمر ابن عفيصان حاكم إقليم الأحساء يطلب منْه القدوم له مع أعيان سكان الإقليم لإعلان الولاء وَالطاعة لَهُ، فوافق “ابن عفيصان”، واتَّجه مع بعض الأعيان لِمقابلةِ خورشيد باشا، وَفي الطريق غيَّر ابن عفيصان رَأْيَهُ، وَرَفَضَ مُقابلتهُ خوفًا على نفسه، أمَّا أعيانُ الإقليم فقد وفدوا إلى خورشيد باشا معلنِين الطاعة للحكومــــة المصريـــة فأمَّنهم وَأعطاهــــم التعليمات لِلمحافظةِ على الأمنِ والاستقرارِ فِي الإقليم، وَعيَّنَ أحمد السديري نائبُا له مُؤقتًا في الإقليم. ولقد قام خورشيد بتنظيمات إداريةٍ وَعسكريَّةٍ منها على سبيلِ المثال تعيين محمد أفندي حاكمًا مباشرًا للإقليم في عَامِ 1254هــ/1838م بَدَلاً مِنْ أحمد السديري، والعمل على فرضِ ضرائب جديدة، وجمعِ الزكاة من السكان، وإرسال قوةٍ عسكرية بقيادة “محمد أغا فخري الهوَّاري” لِلمحافظة على الوضع الأمني، وَتأديب المُعارضين للوجود المصري في الإقليمِ. فعلى سبيل المثال قامت القوات العسكرية بتأديب زعماء منطقة العماير بالقرب من القطيف، وَقَتَلَ منْهم 15 رجلاً بعْد معارضتهم للوجود المصري، وكذلك مُحاصرةِ قرية “عَنَك” جنوب القطيف، وَسَلَبَ أموالهم، وَهَدْمَ إحدى قلاعهم تأديبًا لهم. ولقد بلغ عـــدد جنود الحامية العسكرية في منطقة الأحساء 300 جندي بالإضافة إلى حاميات صغيرة فِي القطيف وَالعقير. وَبالرغم منْ هذهِ التنظيمات المختلفة فِي الاقليم إلاَّ أنَّ السكان لم يتقبَّلوا بالوجود العسكري المصري فقام ثلاثة من قبيلة العوازم باغتيال حاكم الإقليم محمد رفعت أفندي رَمْيًا بالرصاص في عامِ 1255هــ/1839م عند ماء نجم خارج مدينة الهفوف (العاصمة)، وَلَضبطِ الوضع الأمنِي عُيِّنَ محمد أفندي شرمي حاكمًا بدلاً منه، وأرْسلت قوةٌ عسكرية إضافية بقيادة “عبدالله أغا” قوامها 70 فارسًا. وَفي نفس الوقتِ رأى خورشيد باشا من الأفضل تعيين حاكم يَعْرِفُ طبائع سكان الاقليم حيْث عُزِلَ محمد شرمي، وَعُيِّنَ بدلاً منْه أحمد بن مبارك من بلدة حريملا في نجْــــد. انتهى.
وَأضافَ الدكتور “القحطاني ما ذكره “ابن بشر المعاصر للأحداث أنَّ سبب الإغتيال يعود إلى أنَّ شيخ قبيلة بني خالد المدعو بُرغش بن زيد بن عريعر قد طلب من “محمد رفعت أفندي” تعيينه حاكمًا على الإقليم فرفض ذلك فدبَّر عملية اغتياله. وفي نفس الوقت أمر خورشيد باشا بإعدام برغش بن زيد انتقامًا لاغتيال محمد أفندي، وهُو آخرُ عَمَلٍ بارزٍ تَقـــــوم بِــــــهِ القواتُ المصريَّة قبْل إنسحابها من الاقليمِ في عامِ 1356هـــ/1840م بِنَاءًا على اتفاقية لندن التي عقدت بيْن “الدولةِ العثمانية” وَدولِ “أوروبا” فِي 15 يونيو 1840م.
وَلَمْ يَصلْ لِعِلْمِي أنَّ هناكَ مِنَ المُؤرخين مَنْ أنْكر على “الدكتور القحطاني” رِوايتَه ذات الطَّابع العِلْمِيِّ المُوثق.
الرَّوايـــةُ السَّابعَة
وَفِي هَـذه الرِّوايَة توسَّـــع الدكتور “خليفة بن عبدالرحمن المَسعود” فِي الصَّفحات
(301 ـــ 304) مِنْ رسالته ذات العنوان: “مَوقفُ القُوى المُناوئة مِنَ الدولة السُّعوديَّة الثانيَة 1234 ـــ 1282هـــ الموافق 1818 ـــ 1866م؛ دراسة تاريخية وثائقية” وهِي رِسالَة دُكتوراةٍ تَقَدَّمَ بها فِي جامعةِ أم/القرى بِمكَّة المكرَّمة؛ نَاهيكَ عَنْ أنَّ الدكتور “المسعود” قَـــــدْ شَـــــرَحَ الظروفَ وَالملابسات التي أدَّت إلى اغتيال “محمد أفندي” حاكم الأحساء؛ وَهِيَ ظُروفٌ وَمُلابساتٌ اكتنفت الصِّرَاع بيْن قوى ثلاث هِيَ:ـــ قوات الدولة السعودية الثانية، وَحملةُ خورشيد باشا لِلسيطرة على إقليم الأحساء، وَأمراءُ “بني خالد” الحُكَّام السَّابقون لِإقليم الأحساء، وَالطَّامِعِون لِحُكْمِ الأحساءِ لِلمَرَّة الثانيَة. عَنْ هذَا وذاكَ أوْرَدَ الدكتور:ــ “المسعود” ،فِي الصَّفحاتِ المُشار إليها، المعلوماتَ التَّاريخيَّةَ التاليَةِ:ـــ
وَفيما يتعلق بأمراء بني خالد فقد بَرَزَ دورُهم من جديد، وَلأوَّل مرَّة منذ أبعادهم عن حكم الأحساء على يد الإمام تركي بن عبدالله سنة 1245هـ/1830م حيْث مكثوا فِي العراق منذ ذلك الوقت، إلاَّ أنَّهم سرعان مَا رحبُّوا بالتَّعاون مع خورشيد باشا يدفعهم إلى ذلك رغبتهم المتَجددة باستعادة أمارة الأحساء، خاصَّة بعْد أن فَقَــــــدُوا الأمل بمساعدة “علي رضا” [الوالي فِي العِراق] لهم لتحقيق مطامعهم؛ في ظل تحسن علاقته بالدولة السعودية الثانية نتيجة لتطور الأحداث المترتب على عِــــــداء العثمانيين لمحمد علي باشا. ولقد كان خورشيد باشا على دِرايةٍ تامَّةٍ بمشاعر أمراء بني خالد ورغباتهم تلك، فأراد الاستفادة من خدماتهم لتحقيق بعض أغراضه فِي المنطقةِ وَالمُتمثِّلة بِجعْلهم قوة موالية لَهُ في الأحساء ذات الغنى الاقتصادي وَالمزايا المتعددة للإستفادة منْها مستقبلاً، مع حرمان الامام فيصل من الاستفادة من تلك المزايا، وَاشغاله بِقـــــوةٍ من خَلفِهِ تجعلُه مُحاصرًا من خورشيد باشا مِنْ جهة أمراء بني خالد مِنَ الجهةِ الأخرى، إضافة إلى رغبته بقطع خط الرَّجعة على الإمام فيما لو فَـــــــكَّرَ بالانسحاب من “الدلم” إلى “الأحساء” مثلما حَدَثَ سابقًا، بجانب رغبة خورشيد باشا بالحصول عن طريق أمراء بني خالد على الجِمالِ من تلك المنطقة. من هنا عَمَدَ خورشيد باشا منْذ أن كان في حملته في الحناكية للإتصال بأمير بني خالد محمد بن عريعر عن طريق أحدِ رجالهِ كي يَقْدِمُ لِمقابلته، وبعد أن وصل خورشيد باشا إلى “عنيزة” قَدِمَ إليه ابن عريعر فأسند إليه إمارة الأحساء، وأرسله للإستيلاء عليها، وتمكن من الإستيلاء على القطيف بعْد تغلبه على قوات “عمر بن عفيصان” الذي حُوصر فِي الأحساء مِنْ قِبَلِ ابن عريعر، وبعد ذلك أرسل “ابن عريعر” إلى خورشيد باشا طالبًا منه النجدات وَالمساعدة، فارسل له “خورشيد باشا” بعض القوات لإتمام السيْطرة على الأحساء، وَالتَّغلب على “ابن عفيصان”. وعلى الرغم من سيطرة “ابن عريعر” على القطيف، وَإعلانه التَّبعيَّة لحكومة “محمد علي”، إلاَّ أنَّه فشل في استعادة إمارة المنطقة سواء لِصالحِهِ أو لِصالح خورشيد حيْث توقَّف عنْد الأحساء، وَمِنَ الواضح أنه لم يتمكن من دخولها وَالسيطرة عليها حيث لم يَرِدْ أي ذكرٍ لذلك في المَصادرَ وَالوثائق المُعاصرة والتي كان آخرها حديثها عن ابن عريعر إبَّان حصارهِ للإحساء، كما أن “عمر بن عفيصان” بقي أميرًا في الأحساء خلال المدة التالية ولمْ يخرج منها إلاَّ حين أرسل خورشيد باشا بطلبه بعد معارك الدِّلَم، فما كان منْه إلاَّ الهرب خوفًا منْ بِطشه، فأرسل خورشيد أحمد السديري لِيحلَّ محلَّه في إدارة المنطقة، ممَّا يعنِي أنَّ”ابن عريعر” لم يتمكن من الوصول للأمارة على الاطلاق، وإنْ كان قد أوضح نواياه العدائَّية تجاه الدولة السعودية الثانية، وَحاول دعـــــم أعدائها في أحلك الظروف، غير أنه لم يجن من ذلك شيئًا يذكر. وفي الوقت التي كانت فيه القوَّات الدولة السعودية الثانية مُنشغلة فِي الصراع مع حملة “خورشيد باشا” حاولت عناصر تابعة لأمراء بني خالد تشتيت القوات السعودية فِي الأحساءِ حيث قام العماير بشن هجمات بحرية ضد القوارب السعودية في ميناءَيْ القطيف والعقير، وقبيل انتهاء حرب الدلم حاولوا تدبير مؤامرة عسكرية لصالح حملة خورشيد باشا وذلك بِالتَّخطيطِ لمهاجمة القوات السعودية في الهفوف بغتة، غير أن الأمر كُشِفَ في حينه، وَتم إعدام ثلاثة منْ مدبري المؤامرة. وَمنَ الواضح أنَّ أمراء بني خالد قد بَدَؤُا يدركون نوايا خورشيد باشا العدائية تجاههم منذ سيطرته على الأحساء حيْث قام بطرد العماير من القطيف، بل إنَّه اتفقَ مع حكام البحرين على عدم السماح لهم بِالعودةِ إليها دُون إذن سابق منْه. وتزايد مَوْقفُ أمراء بني خالد سوءًا حين قدم “محمد رفعت أفندي” ليحل محل أحمد السديري في حكم المنطقة، فعمل على استخدام البطش والقوة والإرهاب، مِمَّا جعلهم يفقدون الأمل بالأمارة، خاصة حين وفدوا إلى “خورشيد باشا” يطلبونها غير أنَّه رَفَضَ، وَجَدَّدَ ثقته “بمحمد رفعت أفندي”، لذا لم يكن من الغريب أن يشترك أمراء بني خالد وهم “برغش بن زيد بن عريعر” و”مُشرف بن دويحس بن عريعر” وأخوه طلال بمُؤامرةٍ نَتَجَ عنْها مقتل محمد أفندي نفسه فِـــــي غُــــرَّةِ شعبان 1255هــ/أكتوبر 1839م، مِمَّا أدَّى إلى إثارةِ الاضطرابات في الأحساءِ، وإضاعةِ جهودِ “محمد أفندي” في دَعْمِ الحملة عن طريق جمع المؤن والغلال مِنَ المناطق المُجاورة فسارع خورشيد باشا بِتعيين “محمد شرمي أفندي” بَدَلاً منه، لِلحفاظِ على نفوذهِ وقوَّته التي حققها فِي المنطقة. وَبذلك يتضح أنَّ “أمراء بَنِي خالـــد” حاولوا الاستفادة مــنْ “والي” العراق” العثماني” علي رضـا” لِلعــــودةِ لِأمــــارةِ الأحساءِ، وحين فشلوا في ذلك لجؤوا إلى خصمهِ خورشيد باشا لتحقيق الغرض ذاتهِ، غير أنَّ دعم خورشيد باشا لهم فِي البداية لم يكن إلاَّ وسيلة لاستخدامهم لِخدمةِ أهدافهِ إذ لمْ يلبث أنِ انفرد بحكم المنطقة، وحيئذٍ قلب “أمراء بني خالد” ظهْر المجن، وَبدؤا إثارة المشاكل بوجههِ، وَالتآمر لقتل قادتهِ، فاصبحَ العداءُ مُستحكمًا بيْن هاتين القوتين المُناوئَتيْن للدَّولةِ السُّعوديَّةِ الثانيَة حين تضاربت مصالحهما، وبذلك أرادَ قادةُ “محمد علي باشا” إزاحة “أمراء بني خالد” منْ طريقهم لإحكام سيطرتهم على الأحساء وما وراءها. انتهى.
وَلَمْ يَصِلْ لِعِلْمِي أنَّ هُنَاكَ مَنْ أنْكَرَ على “الدكتور المَسعودِ” مَا رَواهُ مَوَثَّقًا في رِسالتِهِ لِلدكْتوراة.
وَهَكذا سَبْعُ رِوَايَاتٍ تاريخيَّةٍ تُثْبِتُ “كَوَثائِقَ” مَنْ هُمُ قتلة “متصرف الأحساء” فِي عَامِ 1255هجرية.
عِلْمًا أنه لمْ يَرِدْ على الاطلاق فِي أيٍّ منْ هذهِ الوثائق توجيه تهمة القتلِ لإفْرادٍ مِنْ أسرتنا مِنْ قريبٍ أوْ مِنْ بَعيدٍ أبَدا؛
وَاكْتفِي بِمَا سَبَقَ مِنْ “براهين”؛
وَهِيَ “براهين” أثْبتَها مُؤرِّخُون ثُقَاةٌ؛
حمى الله أسرتنا من “أكَاذيبٍ” تَمَسُّ شَرفَها وَكرامتَها منْذ أنِ استَطونتِ الأحساء في عَامِ 986 هجرية؛ وَهِيَ “أكَاذيبٌ” مَدسوسَةٌ مِنْ كَيْدِ مُغْرِضِين تُعوِزُهم البَرَاهِين.
بقلم
الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم
وزير الدولة وَعضو مجلس الوزراء السَّابق