هجريات

المركز الثقافي الاحسائي
بقلم سمير بن عبد الرحمن الضامن
منذ أن زفَّ إليَّ أستاذنا الدكتور “محمد بن عبداللطيف الملحم” فكرة إنشاء مركز ثقافي أحسائي، وجعل مقره المدرسة الأولى بالهفوف، ومن ثم عزَّز ذلك الزيارة الميمونة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان آل سعود، والأسئلة تتصارع في مخيلتي مع كثير من الآمال، والطموحات لفكرة هذا المركز الوليد في هذه الواحة المعطاءة.ولعلَّ أبرز هذه الأسئلة الحاحًا هو: كيف سيستقبل المجتمع الأحسائي بجميع فئاته هذا المركز كفكرة قبل أن يكون واقعًا فاعلاً في الحياة الثقافية، لا سيما وأن هذا المركز يأتي بإذن الله ليتجاوزً كل طموحات وآمال الثقافة في هذا البلد، وبدلاً من الأمل الذي يحدو رجالاته، ومثقفيه بإنشاء ناد أدبي أصبح أكثر إشراقًا وعطاءًا ونضجًا لأن المركز الثقافي في التصور المعرفي والعلمي أكثر شمولية، وأعمق في جوانب الأطروحات والخدمات من ناد أدبي يقتصر على جوانب الإبداع القولية من شعر ونثر.ولا غرابة في أن تحظى هذه الواحة الوادعة بمثل هذا المركز الثقافي، لأن الثقافة تشكل جزءًا مهما من أجزاء النهضة التنموية في بلادنا الحبيبة، وولاة الأمر ـ حفطهم الله ـ على قدر كبير من الوعي بأهمية وأهداف هذه المراكز، وتفاعلاتها المتعددة، والواسعة في ظل الإنفتاح المعرفي والثقافي على الحضارات واللغات، وأن العمل المؤسساتي المنظم والمدروس من رجال الثقافة المخلصين والغيورين من أقوى الرسائل التي تدفع بالنهضة الحضارية والثقافية في المملكة العربية السعودية حرسها الله.ولو تأملنا العديد من الجهود الفردية ذات الإمكانات المحدودة، والعطاء المتقطع لوجدنا أنها لا توازي بقليل أو كثير الجهد الذي تقوم به الأعمال المؤسساتية المنظمة والمدعومة، وليس في هذا تقليل من شأن العمل الفردي، بل كل عمل فردي يصب في النهاية إلى تكوين مجموعة من الصور والرؤى ذات أهداف، تخدم الصالح الثقافي العام لهذه البلاد.وبما أن هذا المركز لا يزال فكرة لم تتضح الصورة التي سيكون عليها بإذن الله تعالى، فسأتيح لنفسي طرح العديد من الأسئلة التي تهم ثقافة هذه البلاد، والتي من المفترض أن يقوم بها مثل هذا المركز:هل سيكون هذا المركز من الوسائل المعينة على لَمِّ شتات الأدباء والمثقفين وكسر حدة الإختلافات والتوجهات لإبراز صورة وخطة ثقافية شاملة تنهض بالبلاد وثقافتها؟هل سيفعل المركز مشروع الثقافة الشفاهية في الأحساء، ويعمد إلى سبل تدوينها، وتوثيقها، ومسح المناطق، والقرى، وزيارة الرواة والشعراء، وتسجيل ذلك عبر الأشرطة الصوتية، والمرئية؟هل سيحطى المخطط والوثائق والمستندات التاريخية بالحفظ والإحصاء، وتدوين أماكن وجودها، وعمل فهارس لها، والتعاون مع ممثليها؟
إذا أتينا إلى أساتذة الجامعات، ومحاضريها، ومعيديها سيحرك المركز الثقافي ركودهم وعزلتهم عن المجتمع الثقافي، ويحفزهم لتقديم أوراق عمل، وندوات، وبحوث تهتم بالشأن الثقافي، والاجتماعي، والحضاري لوجه المملكة العربية السعودية عامة والأحساء خاصة؟هل سيقدم المركز مراجعات لأبرز التحولات الثقافية، والفكرية في القرن المنصرم، ومناقشة أدبيات النهضة، والحداثة، والفكر الإسلامي، وعوامل الإخفاق والتطور، وماذا جنى العالم الاسلامي من الآخر الغربي، وكيف سيتعامل معه حاليًا من خلال القرية الكونية الواحدة؟هل سيقوم المركز بعمل دورات وحلقات دراسية في مناهج الأدب والنقد والتحليل الإبتكاري والإبداعي للفئات المثقفة وذلك عن طريق الاستفادة من أهل الإختصاص والخبرة؟هل سيقوم المركز بعمل تكريم للشخصيات التي كان لها دور في حركة الفكر والثقافة في الأحساء أمثال الشيخ: أحمد بن على المبارك، ومحمد بن صالح النعيم، وعبد الله بن أحمد المغلوث وغيرهم؟ هل سيقوم المركز بعمل تكريم لكتاب) كانت اشبه بالجامعة) ولمؤلفه الدكتور محمد بن عبد اللطيف الملحم لأن كتابه كان النواة الأولى لهذه الفكرة المباركة؟لو استرسلت كثيرًا في طرح مثل هذه الأسئلة لما اتسعت الصفحات ولكن لا أود كذلك التغافل عن بعض الأمور التي تعين على إنجاح هذا المركز والتي منها:الإطلاع على تجارب المراكز الثقافية في المملكة وفي البلاد المحيطة خليجًا وعربيًا. المركز الثقافي لا بُدَّ وأن يضم كمًا هائلاً من العقول والطاقات والمبدعين في مختلف الجنسيات والمشارب. دعم مشروع (القراءة الثانية) للإبداع والفكر والحضارة والتراث والتاريخ والمجتمع، والخروج من بوتقة الدراسات ذات القراءات التقليدية، وتطوير مناهج البحث في ذلك. ومما يضمن النجاح كذلك، درجات الوعي لدى المثقف في الأدب والثقافة والتراث والمعرفة الموسوعية وأسلوب توظيف هذه المقدرات، وهذا واضحٌ ومشاهد في البلدان المجاورة. وهنا يكمن السؤال: هل المثقف الأحسائي جديرٌ بهذا الوعي الكبير والحاد للثقافة، وتوظيفها في الحياة كل الحياة؟

بقلم سمير بن عبد الرحمن الضامنالمصدر: جريدة اليوم، العدد رقم 10403، ص/5،اليوم 23/9/1422هـ الموافق 8/12/2001م

المقالة | هجريات
الكاتب: سمير بن عبد الرحمن الضامن
الناشر: جريدة اليوم
العدد:10403
تاريخ النشر: 08/12/2001 م

مهرجان هجر الثاني وتكريم معالي الدكتور الملحم فيه

أيام وليال عبد الله بن أحمد الشباط هجر والمهرجان
بادرةٌ طيبةٌ ومثريةٌ للعمق الثقافي بالاحساء أن تتبنى الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، إقامة مهرجان سنوي يتم من خلاله تعريف المواطنين والمقيمين بتراث هذه البلاد وما يحتويه ماضيها من ثقافات متعددة في كل ميدان من ميادين الحياة المختلفة ابتداء من عام 1420هـ حيث أقامت مهرجانها الأول مواكبًا للاحتفال بمرور 100 عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، وفي هذا العام 1421 هـ أقامت مهرجانها الثاني مواكبا للاحتفال بالرياض عاصمة للثقافة العربية.

ولا شك في أن هذا المهرجان الذي شرفت بأن أكون أحد ضيوفه قد أسهم في تنشيط ذاكرتي وحباني مكرمة الالتقاء بالعديد من رجال الثقافة والأدب والادارة وفي مقدمتهم صاحب السمو الأمير بدر بن محمد بن عبدالله بن جلوي محافظ الأحساء الذي أسعدني الالتقاء بسموه لأول مرة.لقد قامت الجمعية مشكورةً بتكريم شخصي الضعيف مع كوكبة من رجال الفكر والفن ممن أعتزُ بصداقة بعضهم، ويشرفني التعرف على بعضهم، ناهيك عن اللقاءات الجانبية التي حظيت بها من بعض تلك الوجوه النيرة التي تسهم بشكل أو بآخر في تثبيت ونشر الثقافة والأدب في هذا الجزء من وطننا الحبيب.ولقد كانت الكلمات الترحيبية التي نطق بها مسؤولو الجمعية غنية عن كل تعليق، أمَّا كلمة معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم التي القاها نيابةً عن المحتفى بهم فقد كانت إطلالة مشرقة على ماضي هذه البلاد البعيد والقريب، جمعت بين سلاسة النثر وحلاوة الشعر الذي تغنَّى به قائلوه غزلاً في هجر وربوعها بأنهارها ونخيلها وأفيائها الظليلة وينابيعها، وما تدره من مياه عذبة تروى بها تلك الجنان الوارفة الظلال الحاملة للعطاء في غير مَنٍ ولا أذى مما أثلج الصدور، وكأنها وقفة مع الإبداع المتغنى بمحاسن هجر النابعة بين ضفافي البحر والصحراء كقطعة من جنان الخلد اختار الله لها هذه البقعة المباركة.

وكم أثلجت صدري وصدور الضيوف تلك الإبداعات الفنية التي رسمتها أنامل الفنانين كلوحات معبرة عن مواقف وحالات تحكي عن الماضي والحاضر، والتي شارك في نقشها ثمانية من فناني الاحساء لتعطي تصورا عما تزخر به هذه البلاد من ذخائر فنية مخزونة ومواهب ظاهرة تشهد لمبدعيها بالتفوق.أما الفنون الشعبية وفي مقدمتها فرقة سيالة الشعبية بالطرف ومتحف الاستاذ عبد الله الذرمان والمحنط طاهر مبارك العركاء فإنها لا تقل شأنًا عن إبداعات الرسامين فإن كان أولئك رسموا بالريشة فإن هؤلاء قدموا إبداعاتهم بنماذج حية من واقع الحياة المعاصرة مع لفتة إلى الماضي الذي نفتخر ونعتز بالإنتساب إليه ولا يفوتني في هذا المقام التنويه بجهود الفنان ياسر البقشي الذي صمم (الديكورات) لتلك المعارض والساحات الفنية.ولا شك في أن التقاء الحرف الشعبية مع الصناعات الحديثة أوجد نوعًا من التمازج الحضاري عن طريق ربط الحاضر بالماضي لأن من ليس له قديم لا جديد له كما في المثل.ولا يفوتني في هذه العجالة أن أزجي الشكر والتقدير لسعادة رئيس مجلس ادارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون الأستاذ محمد بن أحمد الشدي ولسعادة الأستاذ عبد الرحمن المريخي نائب رئيس فرع الجمعية بالاحساء ولسعادة عمر العبيدي مستشار الفرع، ولكل من ساهم في إحياء هذا المهرجان المتميز. وإلى اللقاء.

المصدر : جريدة اليوم، العدد رقم 10002، ص/7
وتاريخ 6/8/1421 هـ الموافق 2/11/2000 مالكاتب: عبد الله بن أحمد الشباط
الناشر: جريدة اليوم – العدد:10002
تاريخ النشر: 02/11/2000 م

كتاب كانت أشبه بالجامعة

كتاب : كانت أشبه بالجامعة تاريخ الاصدار : 1419هـ الموافق 1999موصف الكتاب : قصة التعليم في مقاطعة الأحساء في عهد الملك عبد العزيز (دراسة في علم التاريخ الاجتماعي

متوفر في :

1- الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع, الدمام – الأحساء

2-مكتبة جرير

3-مكتبة التعاون الثقافي , الأحساء

كتاب كانت أشبه بالجامعة لمعالي د. محمد عبداللطيف الملحم

 نظرات في مشروع ديوان:”في ربوع الأحساء ومغانيها”

نظرات في مشروع ديوان:”في ربوع الأحساء ومغانيها”كلمة لا بد منهامكتوبة ومؤرخة في 1/محرم/1417هـ
1 ـــ تمهيد
استهدفتُ من الإسراع في نشرِ ديوان “في ربوع الأحساء ومغانيها” “لابن العم “الشاعر “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم” تحقيق أمنية عزيزة لديه، ومن ثُمَّ الاستجابةُ لرغبةِ الكثيرِ من “محبِّيه” الذين ما فَتِـئُوا يُلِحُّونَ عليَّ كلما التقيتُ ببعضهم لأفعل “المستحيل” من أجل نشر شعره، لاسيَّما وأنه قد مضى على وفاته حينًا من الدهر.وكان شعرُ “ابن العم” مجهولاً لغير المحيطين به من “محبيه” الْخُلَّصِ في “الأحساء”، وأتوقعُ أن هؤلاء الأحباب يدركون أن نشر شعر “حبيبهم” لكثرته، وتنوع موضوعاته، وأغراضه يحتاج إلى جهد ووقت ومال.وتأكَّد لي ـ بعد التأمُّل الشخصي والتحري الخاص من قبل بعض “محبيه” ـ أن عزوف “شاعرنا” عن نشر شعره للكافة أثناء حياته يرجع إلى أسبابٍ عديدة منها:ـعدم رغبته في حبِّ الظهور،ولعلمه لِمَا سيعانيه “شخصيًا” من عملية النشر، لاسيَّما وأن ما كان يرغب نشره من شعر ـ وفقًا لمعاييره الشخصية والموضوعية ـ لم يكن قابلاً للنشر،وضيق ذات اليد، وهي ظاهرة “عادة” ما يعاني منها الكثير من الشعراء من أمثاله،ناهيك عن ضعف بصره الذي انتابه وهو في سنٍ مبكرةٍ من حياته،ولعل السبب الأخير ـ ناهيك عن السبب السابق عليه ـ هو الذي قد حال بينه وبين نشر شعره أثناء حياته.
2 ـــ كيف تسلمتُ تراث الشاعر
بعد أن توفَّى الله “ابن العم” سَلَّمَ لي ورثته كل ما خلَّفه من “تراثٍ” شعريٍ دوَّنه بخط اليد “بمعرفته” في عشرات “الدفاتر” ذات الشكل المدرسي. أمَّا كيف تسلمتُ هذا “التراث” فله قصة يحسن بي شخصيًا ذكرها لأهميتها وذلك للحقيقة والتاريخ ليس إِلاَّ.علمتُ بوفاة الشاعر وأنا في مدينة “الرِّياض” حيث أقيم.وكانت الوفاة في يوم الخميس “السابع” من شهر “ذي الحجة” عام 1408هـ.وفي اليوم التالي ـ أي يوم الجمعة ـ توجهتُ من مدينة “الرياض” عبْر الطريق البري إلى مدينة “الهفوف” ـ حاضرة “الأحساء” لتعزية ذويه وأسرتي وسائر محبيه وأصدقائه.وحال وصولي مدينة “الهفوف” عصر ذلك اليوم عزَّيتُ أخوةَ “المتوفَّى” وَمَنْ كان معهم مِنْ أفراد الأسرة وغيرهم.وشاءت إرادة الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يجلس بجاني (في بيت الأسرة الذي كان به العزاء) أحد إخوة “المتوفَّى”: وهو الأستاذ “عبدالعزيز بن عبدالله بن حمد آل ملحم”، وتحدثتُ مع الأستاذ “عبدالعزيز” باستفاضة عن مناقبِ أخيه (وَيَتَّصِفُ الأخ “عبدالعزيز” بدماثة الخلق، كما أنه محدث لبق، وذو عقل نير، ولسان حذق، وصاحب نكتة)، ومن خلال حديثي معه هَمَسَ في أُذُنِي قائلاً ما مؤداه: أن لأخيه ـ يرحمه الله ـ مكتبة خاصة بها أوراقه وكتبه، ورغب مِنِّي شخصيًا نظرًا لما يربطني بأخيه من علاقة حميمة أن أزورَ هذه المكتبة في أقرب فرصة بغرض التحفظ ـ إن أمكن ـ على ما بها من محتويات إذ وَصَلَ إلى علمه يوم وفاة “أخيه” أن “شخصًا” رغب زيارة المكتبة يوم الوفاة، وخشي الأخ “عبدالعزيز” أن يكون هذا “الشخص” مدفوعًا بحسن نية ممـن كانوا على عِلْمٍ ( أكثر من أخوة “المتوفَّى” وأولاده لأنهم قصر) بما بالمكتبة من “أوراق”، لاسِيَّما وأن “أخيه” يرحمه الله كان يستقبلُ بعض أصدقائه بمكتبته، كما كان يختلي بمكتبته مع أصدقاء له يساعـدونه ـ بِطَلَبٍ شخصيٍّ مِنهُ ـ في “كتابة” ما يَعِنُّ له من أفكار لرداءة خطه، أو في “إعادة” كتابة ما كتبه “هو” في “دفاتره” ـ بخط يده ـ من قبلهم، ومِنْ أصدقائه مَنْ هم ذَوُوْ علم وأدب ومعرفة بفنون الخط العربي، ومنهم مدرسون ومثقفون من “الأحساء” و”نجد” و”الحجاز” و”القصيم” و”البحرين” و”مصر” و”السودان” و”فلسطين” و”سوريا” و”العراق” و”عمان”. ومن ثم أردفَ “عبدالعزيز” قائلاً لي: أن هذا “الشخص” لم يزر المكتبة بعد، ويخشي الأخ “عبدالعزيز” أن يَتَمَكَّنَ هذا “الشخص” من زيارة المكتبة، ويكون من شأن زيارته الاستيلاء على ما بالمكتبة من “أوراق”، ومن ثم تعريضها للإهمال أو العبث أو الضَّياع أو السَّرقة. (1)وفي ختام حديثه ذكر الأخ “عبدالعزيز” لي ـ وهذا هو الْمُهِمُّ ـ أنه نظرًا لِضَعْفِ بصره فهو غير قادر على قراءة وتقويم ما بالمكتبة من أوراق، كما أن “أولاد” أخيه قُصرٌ، وأنه من منطلق محبته لـ “أخيه” رغب في التعبير لي عما يدور في خَلَدِهِ من شجون وهموم منذ أن حَلَّ “أخيه” ـ يرحمه الله ـ في مثواه المؤقت يوم أمس …ما هَمَسَ الأستاذُ “عبدالعزيز” بِهِ لي أثناء “العزاء” وإن كان قد هزَّني من الأعماق، بل وأثارَ شجوني ـ ناهيك عن علاقته بِمَا لَدَيَّ من اهتمامات أدبية ـ إلاَّ أنه كان محل شك لديَّ إذ كنتُ ـ في حقيقة الأمر ـ غير متأكدٍ “شخصيًا” من صحة ما أَدْلَى لِيَ به. وفَكَّرْتُ ـ وأنا أستقبلُ تعازي بعض أفراد الأسرة وغيرهم ـ في الأمر مليًا، ومن ثم عقدتُ العزمَ على اتخاذ ما من شأنه تنفيذ “رغبة” الأخ “عبدالعزيز” التي ـ بعد تداعي خواطري وتأمُّلاتي الفورية ـ سرعان ما تأكَّدتْ لِيَ مصداقيتها لأنها “رغبة” جاءت عفو الخاطر، وبدون تردد، وفي سلامة نية فـور لقائي به، هذا مع العلم أنني ـ رغم مرافقتي “لابن عمي” يرحمه الله ـ لم يسبق لي شخصيًا زيارة مكتبته، أو العلم بما بها من محتويات !!! وفي مغرب اليوم نفسه توجَّهتُ إلى بيت “المتوفَّى”، وكان يقع في حي “المزروعية” بغرب مدينة الهفوف القديمة، وكان معـي الأستاذ “عبدالعزيز” والأستاذ “خالد بن عبدالله بن ابراهيم آل ملحم” أحـد كبار موظفي جامعة الملك فيصل بـ “الهفوف” آنذاك.وعلى الفور قابلتُ والـدة “المتوفَّى” التي كانت فـي صبرٍ واحتسابٍ، وهي ـ أطال الله في عمرها وحفظها من كل سوء ـ في منْزلة “والدتي” يرحمها الله، وكان لها شأن تربوي في حياتي المبكرة، وقدَّمتُ لها تعازيَّ الشخصية لوفاة ابنها، ومن ثم عرضتُ عليها ـ على انفراد ـ رغبتي الشخصية في زيارة مكتبة ابنها في الوقت المناسب بغرض التحفظ على ما بها من “أوراق” حتى لا تكون عرضةً للضَّياع أو الإهمال أو العبث أو السرقة. لاقت هذه الرغبة الاستحسان من “الوالدة”، ولكنها رأت ـ مع ذلك ـ التشاور بشأنها مع “زوجة” ابنها ومن ثم “بناته”، واستحسن الجميع ما استهدفْتُهُ، ومن ثم منحتني “الوالدة” موافقة الأسرة بدخول المكتبة، والتصرف بمحتوياتها كما أرغبُ. وعلى الفور توجَّهنا ـ نحن الثلاثـة: عبدالعزيز وخالد وأنا ـ إلى المكتبة التي كانت تقع في غرفةٍ صغيرةٍ متواضعةٍ جدًا بسطح المنْزل، وقمنا بمسح محتوياتها في الفترة ما بين العشاءين وحتى أذآن الفجر الأول، وخلال هذا المسح جمعتُ كل ما خلَّفه “ابن العم” من “أوراق”، وكانت تتكوَّنُ من “أشعار” في “دفاتر” مدرسية مجلدة تجليدًا عاديًا وأخذتُها معي. أمَّا محتويات المكتبة من كتب أدبية ودينية وتربوية واجتماعية فلم تُمَسْ، وَبَقِيَتْ بمظانِّها في المكتبة لورثته.وبعد صلاة الفجر ـ أي في صبيحة يوم السبت ـ توجَّهتُ إلى “الرِّياض” عن طريق البَرِّ، ومعي كل ما خلَّفة الشَّاعر من “أوراق” مهمة.وحال وصولي لمدينة ـ “الرِّياض” توجَّهتُ لغرفة نومي حيث استسلمتُ ـ بعدَ تعبٍ وسهرٍ ومشقةِ سفرٍ ـ لنوم عميق، وفي المنام رأيتُ “ابـن العم” وكأنَّـه يتحدثُ معي ـ كما لو كنتُ معه حال اليقضة ـ بينما هـو جالسٌ على سريرِ نومٍ يشبه سرير نومي وهو يتصفحُ “دفترًا” ـ شبيهًا بـ “دفاتره” التي بها أشـعاره ـ على عجلٍ، وعلى وجهه علامات السرور والإبتهاج.لقد تأكَّد لي من هذه الرُّؤْيَا أن الْمَيِّتَ يَحُسُّ، كما تأكَّد لي أن “ابن العم” ـ كما رأيتُه في الحلم ـ قد عبَّر لي عن فرحته لَمَّا أَحَسَّ أن ما خلَّفه من “تراث” سيكون بيدٍ أمينة. ما رأيته في المنام جعلني أفكِّرُ ـ فيما بعد ـ في حقيقة ما رأيته ومغزاه !!!وسيطرتْ هذه الرؤيا على مشاعري لعدة أيام.وبعد شهر ونصف من هذه “الرؤيا” أَبَّـنْتُ شاعرنا في “كلمة رثاء” نشرتُها في صحيفةٍ “الجزيرة” تحت عنوان “ومات شاعرٌ موهوب”، وختمتُ هذه “الكلمة” بالعبارات التالية:ـ يرحمك الله يا أبا عبدالله ، وكما كنتُ محبًا لك أثناء حياتكَ، فإنه من حقِّكَ عليَّ أن أواصل محبَّتِي لكَ بعد وفاتكَ، وأرجو من الله أن يساعدنـي على احتضان “تـراثك”َ الذي خلَّفته وراءكَ، وهو “تراثٌ” سأتولاَّهُ ـ إنشاء الله ـ بما هو جديرٌ به من عناية وذلك لكي يقرأه أقاربك وأصدقاؤك ومحبوك ومن لا يعرفوكَ! (2)وزرتُ مكتبة “ابن العم” مرة أخرى ـ وكان معي الأخوة “عبدالعزيز وخالد” الَّذين كانا معي في الزيارة الأولى ـ للتأكُّد بنفسي من أنني قد أخذتُ معي كل ما خلَّفه “شاعرنا” ـ يرحمه الله ـ من “تراثٍ” شعريٍ وغيره، ولم أجدْ في هذه الزيارة ما يستحق الذكر.
3 ــ كيفية التصرف في تراث الشاعر
وعلى الفور من حيازتي لتراث “ابن العم” بدأتُ في تَأَمُّلِ ما به من “شعر” فوجدتُ أنه جديرٌ بأن يحتلَّ المكان اللائق به في مكتبتنا العربية، وهذا “التراث” هو ـ الآن ـ محل دراسة ومراجعة وتصنيف مِنْ قِبَلِي وَقِبَلِ بعض المختصين في اللغة والأدب، وستستغرقُ هذه “العمليات” بضعَ سنين.وبدلاً من الانتظار لاستكمال “عمليات” الدراسة والمراجعة والتصنيف حسب الموضوعات لكل ما تركه الشَّاعر من “أشعار” ـ وهـي عملياتٌ مكلفة ومضنيةٌ ـ رأيتُ من الأفضل إلقاء نظرة عامة على موضوعات هذه “الأشعار” وذلك بغرض إنجاز هدفين:ـ الأول، وكان التعريف بالشاعر في الأوساط الأدبية نظرًا لعدم معرفة هذه الأوساط به أو بشعره، وَتَحَقَّقَ هذا الهدف عن طريق ما قمتُ به من نشر أشعار له وكذلك نشر “دراسات” و”أبحاث” عن هذه الأشعار في وسائط الإعلام المختلفة. وكان الهدف الثاني الإسراع في نشر أول ديـوان “لشاعرنا” ـ يرحمه الله ـ تلبية لرغبة “محبيه” التي سبق التنويه عنها مع إرجاء نشر الدواوين الأخرى إلى فترات لاحقة..ولما وجدثُ “أشعاًرً” كثيرةً للشاعر عـن “الأحساء”، وعـن ربـوعها، ارتأيتُ ـ تلبيةً لهوىً جامحٍ في نفس شاعرنا أثناء حياته ـ أن يكون أولُ ديوان ينشرُ له عنوانه “في ربوع الأحساء ومغانيها”، و”الأحساءُ” ـ كما هو معروفٌ ـ مسقطُ رأس الشاعر، وقد هام في حبِّها كثيرًا، وتحدَّث ـ من خلال أشعاره ـ عن تاريخها، وأمجادها، وخيراتها، ومياهها، ونخيلها.
4 ـــ تأملات أولية عن الشاعر وشعره
والشاعر “محمد بن عبدالله آل ملحم” من طلبةِ العلم، وجعلت تعاليمُ الاسلام منه نموذجًـا للرجل المسلم في سمو الخلق، والزهد، والتعفف، وصفاء النَّفس، وعزة النفس، والدعوة إلى الجهاد في سبيل الله. ومن هذا المنطلق جَعَلَ “العقيدة الاسلامية” وهو يعبِّرُ عن آرائه ـ من خلال ما حبَّره من شعر حتى عن “الأحساء” ـ المرجع الحاكم.والشاعر “محمد بن عبدالله آل ملحم” شخصيةٌ متعددةُ المواهب، فهو:ـ وآعٍ لما يجري حوله من وقائعَ وأحداث، وتمكَّن من تأريخها شعرًا؛قادرٌ على تصوير بيئته بإسلوبٍ لم يسبقه إليه أحدٌ من معاصريه في مسقط رأسه؛غيرٌ ناسٍ نفسه إذ تحدَّثَ عن طفولته وشبابه وتعليمه وأسرته؛شاعرٌ مطبوعٌ، وطويلُ النفس.وكان الشاعر يرحمه الله:ـيفرطُ في مدح شعره؛ لا تجد في شعره القول الفاحش، ويمقت الهجاء إلاَّ ما ندر؛يستنكرُ الخداع والكذب، وما يدعو إلى الباطل، وكان من الدعاة في سبيل الله.
5 ــــ أمنية تحققت للشاعر اثناء حياته
وكانت أهمُّ أمنية للفقيد ـ يرحمه الله ـ في حياتـه هي الصلاة داخل “الكعبة المشرفة” بمكة المكرمة، والصلاة “بروضة الجنة” بالمسجد النبوي بالمدينة المنورة، ومن ثم السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل “الحجرة الشريفة”، ولقد تَمَكَّنْتُ من تحقيق هذه الأمنية “لشاعرنا” قبل سنتين من وفاته أي في جمادى الأولى عام 1406هـ، وكان ذلك أثناء زيارة فخامة الرئيس “عبده ضيوف” رئيس “جمهورية السنغال” “للمملكة العربية السعودية”.وسجَّل الشاعرُ لهذه المناسبة “ملحمة” ذات طابع قصصي من (169) تسعة وستين ومائة بيتً تحت عنوان “الرحلة المقدسة”، وفي “الملحمة” بلاغةٌ وتاريخٌ وآدابٌ، وقد شملني ـ يرحمه الله ـ بأبيات شعرٍ في “الملحمة” نفسها عبَّر فيها عن امتنانه من وفائي بما وعدتـُه به. وجاء في مطلع الملحمة :ـ (3)
شَوْقِي إِلَى تِلْكَ الرَّبُوعِ يَطولُ …… أَنَّى بِـهَا أَحْظَى وَكَيْفَ وُصُولُ!هَبَّتْ عَلَىجَـدِّيْ نُسَيْمَاتُ الرِّضَا…… فَتَحَقَّقَ الْمَطْلُـوبُ وَالْمَأْمُولُلَبَّىَ فُـؤَادِي عِنْدَمَا نَادَى الْهـَوَى…… سَيِّر حُمُولَكَ أَيُّـهَا الْمَوْصُولُقَرُبِ الْوِصَالُ وَحَـانَ أُبَّـانُ اللِّقَا…… مِمَّنْ تُحِـبُّ وَجَـاءَكَ التَّنْوِيلُفَشَدَدْتُ رَحْلِي فِي الرِّحَالِ مُسَارِعًا…… وَالشَّوْقُ رَكْبِي وَالْغَرَامُ دَلِيلُمِنْ بَعْدِ مَا وَدَّعْتُ وَآحَاتَ” الْحَسَا”…… وَمُرُوجَهَا الْفَيْحَاءَ وَهْيَ تَمِيلُوَمَطَارُ “خَالِدَ” يَزْدَهِي مِـنْ فَرْحَةٍ…… يَهْفُوْ “لِجِـدَّةَ” قَلْبُهُ مَتْبُولُيَا مَرْحَبًا بِالْبَيْتِ شَعْشَعَ نُـورُهُ…… وَزَهَا عَلَى أَرْكَانِهِ التَّنْزِيلُحَفَّتْ بِهِ الأَنْوَارُ زَائِـدَةَ السَّنَا…… وَسَمَتْ لَهُ الأَرْوَاحُ وَهْيَ خَجُولُطَافَتْ بِهِ الأَجْسَامُ وَهْيَ قَرِيرَةٌ…… وَالدَّمْعُ مِنْ فَوْقِ الْخُـدُودِ يَسِيلُوَإِلَيْهِ رَفْرَفَتِ الْقُلُوبُ بِعَيْنِهَا…… وَذُنُوبُهَا فَوْقَ الْمُتُونِ ثَقِيلُتَسْتِمْطِرُ الرَّحَمَاتِ مِنْ بَارِي الْوَرَى…… وَذُنُوبُهَا فَوْقَ الْمُتُونِ ثَقِيلُتَرْجُـوْ مِنَ الرَّحْمَنِ جَلَّ جَلاَلُهُ…… غُفْرَانُـهُ عَـلَّ الإِلَهُ يُنِيلُفَهُوَ الَّذِي يِمْحُوْ الذَّنُوبَ بِفَضْلِـهِ…… وَمِنَ الذُّنُوبِ الْمُوبِقَاتِ يُقِيلُفَيَعُودُ جَـْذلاَنًَا بِتَوْبَةِ ربَـِّهِ…… وَكِيَانُهُ مِنْ ذَنْبِهِ مَغْسُولُ
وجاءت الأبيات التي أثنى ـ ابن العم ـ فيها “عَلَـيَّ” (على إِثْرِ تحقيق أمنيته) تعبيرًا عن مشاعر وأحاسيس أَثَّرَتْ في نفسه تأتيرًا صَعُبَ عليه أخفاءها، كما جعلته في حالة ذهول تام إذ كان غير متأكد البتة أن “أمنيته” التي طلب مني أن أحققها له ـ وكانت في ذهنه مجرد “خيال” ـ ستتحوَّلُ إلى حقيقة. وهذه الأبيات ـ التي أثنى فيها عَلَيَّ ـ عبَّرت عن “موقف خاص” ذا طبيعة دينية للشاعر خَصَّنِي بِهِ “شخصيًا” أكثرُ منها تعبيرًا عن “ثناء” على “قريب” أي قريب!!يقول الشاعر في هذه “الملحمة” ما يلي:ـ
إِنِّي أُوَدِّعُ وَالْحَنِينُ يَشُدُّنِّي ….. وَالدَّمْعُ ذَلِكَ شَاهِدِي وَدَلِيلُوَأَقُولُ مِنْ قَلْبِي وَدَمْعِي دَافِقُ ….. يَا لَيْتَ أَيَّـامَ الْوِصَالِ تَطُولُمَرْحَى وَمَرْحَى “بِالْوَزِيرِ” وَمَرْحَبًا….. شِفْعًا وَوِتْـرًا وَالثَّنَاءُ يَطُولُأَسْدَى الْجَمِيلَ مُقَدَّمًا وِمُؤَخَّرًا ….. وَكَذَا الْجَمِيلُ عَلَى الدَّوَامِ جَمِيلُفَإِذَا رَدَدْتُ جَمِيلَهُ أَوْ بَعْضَهُ ….. بِالشِّعْرِ فَالشِّعْرُ الْجَمِيلُ جَمِيلُ وَعَدَ “الْوَزِيرُ” وَإِنَّهُ فِي وَعْدِهِ ….. لهَوَ الْوَفِيُّ الصَّادِقُ الْمَأْمُولُبَلْ تَوَّجَ الْمِيعَادَ “أَمْرًا” ثَانِيًا ….. إِنَّ الْكَرِيمَ نَوَالُهُ لَجَزِيلُلاَ غَرْوَ يَا “ابْنَ العَمِّ” أَنْتَ صَدِيقُنَا….. وَ”زَمِيلُنَا” نِعْمَ “الزَّمِيلُ نَقُولُ:زُرْنَا بِفَضْلِ اللهِ ثُمَّ بِفَضْلِكُمْ….. وَقَدِ اعْتَمَرْنَا وَالرَّجَـاءُ قُبُولُإِنِّي لِفِعْلِكُمُ الْجَمِيلُ لَشَاكِـرٌ ….. وَمُقَدِّرٌّ قـَدْ تَمَّ لِي الْمَأْمُولُ”حُلْمٌ” تَحَقَّقَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُـنْ….. يَجَرِي “بِبَالِي” فِي الْكَرَى فَأَطُولُفَلَقَدْ حَظَيْنَا بِالدُّخُولِ “لِكَعْبَةٍ”….. فَلْيَهْنَنَا شَرَفٌ بِهَا وَدُخُولُوَلَقَدْ حَظِينَا بِالدُّخُولِ “لِحِجْرَةٍ” ….. فِيهَا “إِمَامُ” الْمُرْسَلِيِن نَزِيلُفَجَزَاكَ مَوْلاَيَ الْكَرِيمَ جَزَاءَهُ….. وَأَتَمَّ نُعْمَاهُ عَلَيكَ يُنِيـلُوَأَمَدَّ فيِ أَيَّامِ عُمْرِكَ فِي رِضًا….. وَلَكَمْ تَحَقَّقَ حُلْمُكُمْ وَالسَّولُوَأَرَاكَ فِي دُنْيَاكَ أَسْعَدَ مَا تَرَى….. وَلِمَنْ لِبَيْتِكَ يَنْتَـمِي وَيَؤُولُوَأَنَالَكَ الأُخْرَى وَلَـم يَكُ بَيْنَنَا….. رَبَّـي يُفَرِّقُ وَالإِلَهُ مُنِيلُتِلْكَ السَّعّادَةُ وَالْمُرَامُ جَمِيعُهُ ….. فَاللهُ يُكْرِمُنَا هُوَ الْمَسْئُولُبِالْمَقْعَدِ الصِّدْقِ الْمُكَرَّمُ فِي غَدٍ….. مَعَ مَنْ نُحِبُّ وَذَلِكَ الْمَأْمُولُوَعَلَى الْحَبِيبِ “مُحَمَّدٍ” بَاهِي السَّنَا….. مَا إِنْ لَهُ فِي الْعَالَمِينَ مَثِيلُصَلَّى عَلَيْهِ اللهُ سَلَّمَ دَائِـمَاً….. أَبَدًا وَبَارَكَ مَا قَرَى التَّنْزِيلُ
وأودُ ـ وأنا أضعُ هـذا الديوانَ بين يديْ القارئ ـ أن أهمسَ في أُذُنِهِ أنني بحكم قرابتي للشاعر فَكَّرْتُ في وزن مصداقية شهادتي لصالحه، وهي شهادةٌ قد تحتمل الجرح والتعديل. ورغبةً منَّي في تَجَنُّبِ “الْحَرَجِ” فلقد التزمتُ الاعتدال في تقويم شعر “ابن عمي” تاركاً أَمْرَ نَقْدِ هذا الشعر للقراء من محبِّي الشعر العربي، ومتذوقيه.وحينما عَهِدَ إليَّ “ورثة”ُ الشاعر بما خلَّفه من “تراث” أدبي سألتُ نفسي عن مدى مسئوليتي الأدبية أمام “الجيل” المعاصر ـ وبالأخص أمام “مُحِبِّي” الشاعر الخلص في “الأحساء” ـ وكذلك “الأجيال” القادمة فيما لو أهملتُ هذا “التراث” إمَّا لأسبابٍ ماديةٍ، أو لانشغالي ببعض الشئون العامة المناطة بي رسميًا ووظيفيًا، لاسيما وأن “التراثَ” الذي خلَّفه الشَّاعر يُشَكِّلُ في حدِّ ذاتهِ “موسوعةً” أدبيةً كبرى.وإذا استثنيتُ “الأحساءَ” مسقط رأس “الشاعر” التي حبَّر فيها الكثير من الأشعار، قد لا أكونُ مبالغًا إذا قلتُ بأن “شاعرنا” قد جنى على الحركة الأدبية في مسقط رأسه “الأحساء” لعدم نشره شعره أثناء حياته إذ هو شاعرٌ غير مقل، طويلُ النفس، وذُو شاعريةٍ متألقةٍ، وتمكَّنَ من تطويعِ الشعر في مجال تأريخ ما كان يدورُ في بيئته، وهي بيئةٌ كانت في حاجةٍ لتأريخ آدابِها، وعاداتِها، وتقاليدِها.وإنني إذ أقدمُ هذا الديوانَ للساحة الأدبية:ـ في “الأحساء” أولاً؛ وفي سائر مناطق “المملكة العربية السعودية” ثانيًا؛ وفي “العالم العربي” ثالثًا؛ فإنَّنِي أُنْجزُ ـ في حقيقة الأمر ـ وعدًا قطعته على نفسي حالما تسلمتُ “تراثَ” الشاعر بأن أبادر إلى نشره … وسيكونُ منهجُ الديوان ـ كما يستفادُ من عنوانه ـ محتويًا على:ـ قصائدَ في ربوعِ “الأحساءِ ومغانيها” و”مرثيات” في بعض رجالات “الأحساء”، و”مطارحات” شعرية مع بعض شعراء “الأحساء” المعاصرين له.كما سَتَتَخَلَّلُ هذا الديوان قصائدٌ ـ من باب التنويع ـ ولا علاقة لها بـ “الأحساء” البتة ومنها قصائد: مثل “رثاء الأندلس”، و”رحلة مقدسة”، و”مرثية الملك فيصل”، و”شعاع من الماضي”، و”المسجد الأقصى يناديك”، و”مرحبًا بالأم”، و”مرحبًا بالأب”، و”الجدال”، والرد على “مهيار الديلمي”، ورأي الشاعر في “القوانين الوضعية”، وموقف الشاعر من “الشعر الحر”، والترحيب بجلالة الملك “سعود”.وستخلل قصائد الديوان كذلك “مقتطفات” من “ملحمة الدر المكنون في شتى الفنون” التي جاءت في أكثر من “ثلاثة عشرألف بيت، وهذه “المقتطفات” ذات أغراض وموضوعات متنوعة. هذا مع العلم أن هذه الملحمة ستخضع لدراسات مستفيضة.كذلك سوف أُذَيِّلُ كل “مقطوعة” شعرية منشورة في هذا الديوان بما تمكَّنتُ من صيده من حكم، وأمثال، أثناء مطالعاتي لأشعار شاعرنا التي لم يتيسر مراجعتها بغرض نشرها حتى الآن. واستهدفتُ من تضمين ديوان في ربوع الأحساء ومغانيها قصائد ذات موضوعات مختلفة (بما فيها “ملحمة الاسلام”) عنصر التشويق والتويع كما سبق القول، وعدم قصر الديوان علـى أشعارٍ خاصةٍ بـ “الأحساء”، وربوعها فقط.وتبقى ملاحظة أخيرة ذات أهمية قصوى، وتتعلق هذه الملاحظة بمشكلة وآجهتني وأنا أُعِدُّ هذا الديوان، وفحوى هذه المشكلة هو أن الشاعر لم يشر في الكثير من أشعاره:ـإلى تاريخ تحبير كل قصيدة؛ أو إلى المدة التي قضاها في تحبيرها؛أو إلى مناسبة تحبيرها؛ أو إلى شرح ما غمض من معاني بعض أبياتها؛ أو إلى وضع هوامش تُذَيَّلُ بها أسماء بعض “الشخصيات” التي وردت في الكثير من هذه الأشعار يستوي في ذلك مَنْ كانوا من أصدقائه، أو مِمَّنْ أبلوا بلاءً حسنًا في سبيل الإسلام، ناهيك عن صعوبة قرآءة بعض الخطوط الرديئة التي كُتِبَتْ بها بعض أشعاره مما جعل “للتخمين” و”محاولة فهم” ما يقصدة الشاعر الأثر الكبير في معرفة مقاصد الشاعر، ودوافعه، من تحبير الكثير من هذه الأشعار.ورغبة في تذليل هذه الصعاب فسوف أشرحُ ما رأى أنه ضروري لتوضيحِ بعض الأمور الْمُعِينَةِ لِي فهم المراد من تحبير أية قصيدة شعرية، أو ما ورد في بعض أبياتها من معاني قد تخفى على القارئ، وسيكون الشرح إمَّا في صدر القصيدة أو في الهوامش المتعلقة بها، وباعتباري صاحب الشرح فسوف أرمز إلى إسمي بعبارة “الناشر” أمام أي شرح سوف أدونُه.وحال بيني وبين الإسراع في نشر الديوان آنذاك إنشغالي بأعمال رسمية متعلقة بأوضاع وأحداث الخليج ـ إيران، العراق، الكويت ـ استغرقت معظم أوقاتي، وبدلاً من الانتظار رأيت التمهيد بالتعريف بالديوان قبل نشره، وكذلك التعريف بالشاعر في الأوساط الأدبية المحلية والعربية نظرًا لعدم معرفة هذه الأوساط به أو بشعره، وَتَحَقَّقَ هذا الهدف عن طريق ما قمتُ به من نشر أشعارٍ له في الصحف المحلية، وكذلك نشر “دراسات” و”أبحاث” عن هذه الأشعار في وسائط الأعلام المختلفة.(4)وعلى سبيل المثال ـ مجرد مثال ـ قمتُ بنشر دراسةٍ أدبيةٍ من حلقتين تحت عنوان: قراءة في ديوان: في ربوع الأحساء ومغانيها” تحت الطبع .. بجريدة “اليوم”، العدد رقم 6553/، ص/11، وتاريخ 11/11/1411هـ الموافق 25/5/1991م، والعدد رقم 6554، ص/6، وتاريخ 27/11/1411هـ الموافق 10/6/1991م.وعلى إِثْرِ نشرِ الحلقتين سارع أديب من أدباء الأحساء هو الأستاذ “عبدالله بن ناصر بن علي العويد” بالتعليق عليهما بمقالة عنوانها: رحلة “ابن عويد” القلمية عبْر كتابات معالي الدكتور “ابن ملحم” الأدبية.. والأستاذ العويد مربي، ومطلعٌ، وذو قلمٍ رشيقٍ مرهف. يقول “ابن عويد” في رحلته:مقالتا أديبنا الكبير معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم في جريدة اليوم، صفحة اليوم الثقافي في العددين (6553/6554) بتاريخ 11و12/11/1411هـ أمستا حديث الناس في المجالس والمزارع … وبالذات في عاصمةِ الشعر والنخل “واحة الأحساء” كما يسميها الأديب عبدالعزيز الرفاعي عبْر مقالاته في (جريدة الجزيرة) بالرياض. لا أجامل إذا قلتُ: أن المقالتين صارتا مفاجأة للسَّادة القراء، لاسيما وأن أستاذنا “الملحم” لم نتعود أن نقرأ أدبياته إلاَّ في جهات أخرى غير مؤسسة اليوم، وبالذات في “المجلة العربية” عام 1410هـ إذ أَثْرَاهَا “وفقه الله” بعدة حلقات مهمة عن حياة شاعر الأحساء الراحل الشيخ محمد بن عبدالله الملحم المتوفى ليلة الجمعة 8/12/1408هـ (عليه رحمة الله) عندما تناول قصيدته النونية من بحر “المتقارب” البحر الذي يرغم القارئ والسامع على التراقص كما يتراقص السائق في شوارغ فارغة فاها المطبات، أليس كذلك؟! منها قوله:
فَيَا جَنَّةَ اللهِ فِي أَرْضِهِ ….. جَمَالِكِ فَوّقَ الذِي يِصِفُونِمِثَالِكِ عَزَّ بِكُلِّ الدُّنَا ….. فَمَا مِنْ جَمَالٍ يَرَى النَّاظِرُونْأَأَنْسَاكِ “أَحْسَاءُ” هَذَا مُحَالْ …… وَأَنْسَى جَمَالِكِ ذَاكَ الْفَتُونْأَأَنْسَـى (نَخِيلِكِ) بَيْنَ النَّخِــيلِ ….. وَأَنْسَى (عُيُونِـكِ) بَيْنَ الْعُـيُونْ
طبعًا : كلا.وهي ملحمة طويلة يندر نظمها في (الشعر الحديث) بلغت ثلاثة عشر ألف بيت عنوانها: “الدر المكنون في شتى الفنون”، وما الوصف إلاَّ غرض من أغراضها الكثيرة. يا لها من فصيدةٍ بلغ عدد أبياتها عداد النبق (الكنار) الذي تحتضنه إحدى شجر السدر الشامخة في نخل الأحساء.ويضيف الأستاذ “العويد” قائلاً:حقًا، كان لوفاء كاتبنا السخي عن ابن عمه ـ مكانة كبيرة، وصدى مؤثر فهو ـ شكر الله سعيه ـ كشف لنا عن شخصيةٍ يفتقر إلى معرفتها الكثير، فقلم معاليه أضحى مفتاحًا لكثير من الدارسين ممن يدرس (الآداب المنسية) كالأدب الأحسائي، وهو من أرقى الآداب وأسماها وأعرقها. … ويعجبني في كتابات معالي الدكتور “محمد” (أثابه الله) الدقة، والتركيز، والاختصار، واصطياد ما ينفع حتى أنه يرجع إلى أشياء من الصعب اقتنائها أو تذكرها كتنويهه في مقالته عن (رسالة الماجستير) المقدمة من الطالب/خالد بن سعود الحليبي/ المحاضر بجامعة الإمام ـ فرع الأحساء، فهي من الرسائل المتألقة التي خدمت (الأدب الأحسائي في القرن الماض) فهنيئًا لمعالي أستاذنا الفاضل “محمد” على هذا القلم الممشوق السَّيال عبر الصحف والمجلات والكتب المخطوطة. …ويختم الأستاذ الأديب “العويد” تعليقاته الواعية بقوله:أرجو من الله العلي القدير أن يوفق ويساعد معالي أديبنا “محمد بن عبداللطيف آل ملحم” في إخراج دواوين هذا الشاعر الفحل وما يتبعها من دراسات في غضون الأيام المقبلة، وأن يجمعنا بشاعرنا الفقيد في جنات النعيم .. وبالله التوفيق. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والله أعلم، وصلى الله على سبدنا محمد وآله وصحبه وسلم.كلمة الأستاذ “العويد” جامعةٌ شاملةٌ، وأقتطفتُ الكثيرَ منها لأنها عبرت أيما تعبير عن حقيقة ما عنيتُه من التعريف بالشاعر وكذلك بديوان: في ربوع الأحساء ومغانيهاوذلك على اعتبار أنّ هذا الديوان هو الديوان الأول الذي لا يزال تحت الطبع وذلك من ضمن دوواين أخرى كنتُ أعزمُ على نشرها تباعًا. لم أوفق في إصدار ديوان في ربوع الأحساء ومغانيها رغم الجهد الذي بذلته , والمال الذي أنفقته, والوقت الذي ضاع مني سدى. لقد حال بيني وبين إصدار الديوان ونشره “ثالوثٌُ بغيض” هو الجهل والظلم والطمع. والله المستعان. وصلى الله وسلم على سيدنا ورسولنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.
———هوامش:———(1) ولقد طلبت من الأخ “عبدالعزيز” أن لا يذكر اسم هذا الشخص لكائن من كان فيما بعد ما دام العلم وصلني، وقد تعهَّد الأخ “عبدالعزيز” لي رذلك. (2) راجع “ومات شاعر موهوب” في جريدة الجزيرة، ص/8، العدد رقم 5814 وتاريخ 17 محرم عام 1409هـ.(3) القصيدة منشورة بالكامل في مشروع ديوان “ربوع الأحساء ومغانيها”. (4) راجع قصيدة “مالي وللأحلام” في جريدة “الجزيرة”، ص/6، العدد رقم 5883 وتاريخ 27 ربيع الأول عام 1409هــ؛ وقصيدة “الجار” في جريدة “الجزيرة”، ص/11، العدد رقم 5924 وتاريخ 8 جمادى الأولى عام 1409هـ؛ وقصيدة “يقول لي” في جريدة “الجزيرة”، ص/10، العدد رقم 5949 وتاريخ 4 جمادى الثانية عام 1409هـ؛ وقصيدة “رحلة بين أفياء الوطن” في “المجلة العربية”، ص/30، العدد رقم 146 وتاريخ ربيع الأول عام 1410هـ؛ وملحمة “عين البحرية” المنشورة في اليوم “الثقافي” في جريدة “اليوم” في حلقات:ـ وكانت الحلقة الأولى مع مقدمة ِمنِّي عن “العين” في ص/8، العدد رقم 6169 وتاريخ 11 شوال عام 1410هـ؛ والحلقة الثانية في العدد رقم 6173 وتاريخ 13 شوال عام 1410هـ؛ والحلقة الثالثة في العدد رقم 6187 وتاريخ 15 شوال عام 1410هـ وأعيد نشر هذه الحلقة (لورود أخطاء في نشرها) في العدد رقم 6173 وتاريخ 29 شوال عام 1410هـ؛ والحلقة الرابعة في العدد رقم 6176 وتاريخ 18 شوال عام 1410هـ؛ والحلقة الخامسة في العدد رقم 6176 وتاريخ 20 شوال عام 1410هـ؛ والحلقة السادسة في العدد رقم 6180 وتاريخ 22 شوال عام 1410هـ؛ والحلقة السابعة في العدد رقم 6183 وتاريخ 25 شوال عام 1410هـ؛ وعلى إثر نشر هذه الحلقات علق عليها الأستاذ المربي “عثمان الصالح” في جريدة “اليوم” تحت عنوان “عبارات .. ملاحظات” في العدد رقم 6210 وتاريخ 23 ذي القعدة عام 1410هـ؛ وراجع “دراسة أدبية بعنوان “وقفة مع أطول محلمة شعرية” من “خمس” حلقات نشرتُها في “المجلة العربية”، الحلقة الأولى في العدد رقم 148 وتاريخ جمادى الأولى عام 1410هـ؛ والحلقة الثانية في العدد رقم 149 وتاريخ جمادى الأخرة عام 1410هـ؛ والحلقة الثالثة في العدد رقم 150 وتاريخ رجب عام 1410هـ؛ والحلقة الرابعة في العدد رقم 152 وتاريخ رمضان عام 1410هـ؛ والحلقة الخامسة والأخيرة في العدد رقم 153 وتاريخ شوال عام 1410هـ؛ وراجع المحاضرة التي ألقيتُها في “نادي مكة الثقافي” مساء يوم الثلاثا 27/5/1415هـ؛ بعنوان “لمحات من الحركة التعليمية في مقاطعة الأحساء”، وقد نَشَرَتْهَا مجلة “الفيصل” في ثلاث حلقات، وفي الحلقة الثالثة المنشورة في المجلة، العدد رقم 219 وتاريخ رمضان عام 1415هـ قصيدة “هجر وربع القوت” لشاعرنا التي ختمتتُ بها محاضرتي، وراجع قصيدة “رثاء الأندلس” (التي ألقيتها في “ندوة الأندلس” التي نظمتها مكتبة الملك “عبدالعزير” بالرياض مساء السبت 15/5/عام 1414هـ) المنشورة في “ملحق الأربعاء الأدبي” لصحيفة “المدينة”، ص/10 ـ 11 الصادرة في 4 جمادى الأخرة عام 1414هـ؛ كذلك راجع قصيدة “رثاء الأندلس” في جريدة “اليوم”، ص/23، العدد رقم 7449 وتاريخ 22 جمادى الأولى عام 1414هـ؛ وَنُشِرَتْ القصيدة نفسها في مجلة “المهل” مع مقدمة لي بعنوان “إضاءة” في الصفحات من 47 إلى 53، العدد رقم 511 وتاريخ رجب عام 1414هـ؛ ص/47، وراجع “بساتين هجر” في جريدة “اليوم”، ص/7، العدد رقم 6962 وتاريخ 7 محرم عام 1413هـ؛ وقصيدة “الأحساء” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6570 وتاريخ 28 ذي القعدة عام 1411هـ؛ وقصيدة “تنوع الصناعات في الأحساء” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6578 وتاريخ 7 ذي الحجة عام 1411هـ؛ وقصيدة “القدس السليب” في جريدة “اليوم”/ ص/6، العدد رقم 6584 وتاريخ 13 ذي الحجة عام 1411هــ؛ وقصيدة “حدائق البحرية” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6591 وتاريخ 20 ذي الحجة عام 1411هـ؛ وقصيدة “الوصايا الخمس” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6605 وتاريخ 5 محرم عام 1412هـ؛ وقصيدة “ملكة الحسن” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6612 وتاريخ 12 محرم عام 1412هـ؛ وقصيدة “عتاب مهذب” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6632 وتاريخ 2 صفر عام 1412هـ؛ وقصيدة “أيها العاذل” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6639 وتاريخ 9 صفر عام 1991هــ؛ وقصيدة “نشيد المسلمين” في جريدة “اليوم” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6646 وتاريخ 16 صفر عام 1412هـ؛ وقصيدة “يا ليالي” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6667 وتاريخ 8 ربيع الأول عام 1412هـ؛ وقصيدة “نصيحة” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6653 وتاريخ 23 صفر عام 1412هـ؛ وقصيدة “بلقيس” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6660 وتاريخ 1 ربيع الأول عام 1412هـ؛ وراجع سلسلة مقالات “عيون الأحساء” المنشورة في جريدة “اليوم” التي كانت “في حقيقة الأمر” شرحاً لقصائد الشعر التي حبرها “شاعرنا” عن هذه العيون، وكانت المقالة الأولى بعنوان “عين الجوهرية” في العدد رقم 6612 وتاريخ 12 محرم عام 1412هـ؛ والمقالة الثانية بعنوان “عين الحقل” في العدد رقم 6619 وتاريخ 19 محرم عام 1412هـ؛ والمقالة الثالثة بعنوان “عين نجم” في العدد رقم 6626 وتاريخ 26 محرم عام 1412هـ؛ والمقالة الرابعة “عين البحير” في العدد رقم 6633 وتاريخ 3 صفر 1412هـ، والمقالة الخامسة “أم سبعة” في العدد رقم 6640 وتاريخ 10 صفر 1412هـ؛ والمقالة السادسة “عين الخدود” في العدد رقم 6647 وتاريخ 17 صفر عام 1412هـ؛ والمقالة السابعة “لغز النهرين” في العدد رقم 6654 وتاريخ 24 صفر عام 1412هـ، والمقالة الثامنة “عيون الأحساء المغمورة” في العدد رقم 6661 وتاريخ 2 ربيع الأول عام 1412هـ؛ والمقالة التاسعة “الأحساء هي عيونها” في العدد رقم 6669 وتاريخ 10 ربيع الأول عام 1412هـ؛ وراجع قصيدة “أسماء” في مجلة “الشبل”، ص/37، العددين 33/34 وتاريخ غرة شوال عام 1409هـ؛ وقصيدة “عبدالله” في مجلة “الشبل”، ص/33، العددين 35 و36، وتاريخ 15 شوال عام 1409هـ؛ وَعَقَّبَ على ما نشرتُه عن “شاعرنا” أدباء ومنهم:ـ الأستاذ “عبدالرحمن بن عوض الحربي” الذي أذاع في برنامجه الأسبوعي “شاعر من بلادي” في إذاعة الرياض” مساء يوم الخميس 24 جمادى الأولى عام 1411هـ حلقة عن “شاعرنا” دامت لنصف ساعة، وذكر لي الأستاذ “الحربي في رسالة شخصية أن مادة البرنامج عن “شاعرنا” ستنشر في مؤلف سوف يطبعه تحت عنوان “شعراء من بلادي”؛ والأستاذ الدكتور “علي بن عبدالعزيز العبدالقادر” الذي نشر مقالة بعنوان “الوطن في شعر .. محمد بن عبدالله آل ملحم” في جريدة “اليوم”، ص/8، العدد رقم 5857 وتاريخ 25 ذي القعدة عام 1409هـ، والأستاذ “عبدالله العويد” الذي ألقى محاضرة في “دولة الأمارات العربية” نَشَرَتْ جريدة “اليوم” مقتطفات منها في ص/6، العدد رقم 6830 وتاريخ 23 شعبان عام 1412هـ


الناشر: لم تنشر

تاريخ النشر: 01/01/1417هــ

 ميناء العقير أول ميناء سعودي في عهد الملك عبدالعزيز 

كنتُ على متن إحدى طائرات “الخطوط الجوية العربية السعودية” المتجهة من لندن إلى الرياض مساء يوم الجمعة الموافق 21 من شهر محرم الحرام عام 1417هــ، وكان الطيران بحق ممتعاً ومريحاً للغاية، وتناولتُ أثناء الطيران بعض المجلات والصحف لقراءتها بما في ذلك مجلة “أهلاً وسهلاً” العدد 6 ــ محرم /صفر 1417هــ التي تصدرها “السعودية” كل شهرين. ولدى تصفحي للمجلة وقع نظري على مقالة ذات طابع تاريخي تحت عنوان “تاريخ المواصلات: المواصلات البحرية في المملكة ومراحل تطورها في عهد الملك عبدالعزيز” بقلم الدكتور “محمد بن عبدالله السلمان”.وقرأت المقالة التي استهلها الكاتب بقوله:”كان عهد البلاد السعودية بالمواصلات البحرية قديما ومنذ مئات السنين وذلك نتيجة لوقوع المملكة العربية السعودية على جهتين من البحار، فمن الجهة الشرقية تطل على الخليج العربي، وبالغرب تطل على البحر الأحمر بساحله الطويل، فنشأت لذلك العديد من المواني التي استخدمت لغرض النقل البحري. والساحل الشرقي للمملكة يتألف مــن شاطئ أكثره رملي وتقع عليه عـدة موانئ منها: القطيف والجبيل ورأس تنورة وكذلك الدمام والخبر، أما الساحل الغربي للمملكة فهو أكثر استقامة من الساحل الشرقي وأطول منه، غير أن فيه بعض الشعاب المرجانية التي قد تعيق سير الملاحة وتهددها، ومع ذلك فإن موانئ هذا الساحل كثيرة: مثل جيزان والقنفذة والليث ورابغ وأملج وينبع والوجه لكن ميناء جدة يعتبر أهم تلك الموانئ على الاطلاق”.وبعد الانتهاء من قراءة المقالة وجدتُ أنها غير شاملة للموضوع الذي تَطَرَّقَتْ إليه، وبها بعض القصور إذا ما قورنت بعنوانها الشامل “المواصلات البحرية في المملكة ومراحل تطورها في عهد الملك عبدالعزيز”.أغفل الكاتب حتى الإشارة ــ مجرد الإشارة ــ إلى أول ميناء سعودي على الإطلاق في عهد الملك “عبدالعزيز” أَلاَ وهو “ميناء العقير” ذو الصيت المعروف والشهرة التاريخية. ويقع ميناء العقير على ضفاف “الخليج العربي” الغربية. ولميناء العقير تاريخ يعرفه “ياقوت الحموي” و”الأزهري” و”الصاغاتي” والكثير من جغرافي العرب ومؤرخيها منذ العهد الجاهلي وحتى عصورنا الحديثة. وبالعقير كساحل آثار مطمورة تشهد على عظمة ماضيه وإن كان لم يكشف النقاب عنها بعد. وبه ميناء كانت له أهمية بالغة على مر العصور لكل من الأحساء ونجد. إذ هو منذ القدم ثغرهما، وعن طريقه كانت البضائع والخدمات تنقل إليهما من البلدان العربية الواقعة بشرق جزيرة العرب وبلدان “فارس” و”الهند” و”سرنديب” و”سومطرة”. وتكفي الإشارة إلى ما أورده علامة الجزيرة الشيخ “حمد الجاسر” من وصف “ابن الزجاج” في رسالة له إلى ديوان “الخلافة العباسية” من أن “العقير”: دهليز “الأحساء”، ومصب الخيرات منه إليها، وكثرة الإنتفاعات التي جل الإعتماد عليها”. ومنذ استرداد جلالة الملك “عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود” “الأحساء” في عام 1331 هـ وحتى بدايات السبعينيات من القرن الهجري الماضي كان ميناء “العقير” هو الثغر المهم إن لم يكن “الوحيد” من حيث الأهمية “للمملكة العربية السعودية” على شواطئها الشرقية. وعاصر هذا الميناء أمجاداً إذ على ضفافه في العهد السعودي حط الرواد الأوائل الباحثون عن البترول رحالهم فيه. واتخذ اسمه (أي اسم ميناء العقير) مسمى لإتفاقية سعودية بريطانية شهيرة لصالح المملكة وُقِّعَتْ على ضفافه في بداية الأربعينيات من القرن الهجري الماضي. وبالأمس كان ميناء العقير هو بوابة الأحساء ونجد البحرية. وفي هذا الخصوص يروي الأستاذ المربي “عثمان الصالح” أن للملك “عبدالعزيز” رحمه الله ــ بعد استرداده الأحساء ــ عن ميناء “العقير” مقولة مشهورة هي: “الآن عرفتُ أن لي دولة وملكا، وقد ملكتُ منفذاً بحرياً على العالم”. ويضيف الأستاذ “الصالح” بأن ميناء “العقير” هو ميناء المنطقة الوسطى (أي منطقتي نجد والقصيم).وللبحر، كما يعلم أهل الأحساء، سمارُهُ، ونواخذتُه، وشعراؤُه، وصيادُوا سمكه. يقول أديب الأحساء الأستاذ “عبدالله الشباط” عن أسماك “العقير” ما مؤداه أنها تعتبر من أجود الأنواع .. فطعمها لذيذ ونكهتها طيبة .. ويعود سبب ذلك إلى زيادة الملوحة في مياه البحر ونظافة المراعي البحرية لبعد الساحل عن المناطق السكنية وخلوه من التلوث.. ومن أشهر أسماك هذه المنطقة (ولا يزال القول للأستاذ الشباط) الكنعد والتونة والحاقول والدويلمي والهامور.والعقير اليوم أرض سياحية بكر. وهو بالنسبة لأهالي الأحساء من أهم المنتجعات السياحية، والكثير منهم، لا سيما ساكني القرى القريبة منه، يرتادونه ــ رغم بساطته ــ في المناسبات وأيام الأنس والمسرات.وتغنَّي السمار بالعقير، وضفافه الجميلة، وبحره الهاديء، وهوائه اللطيف، ونسيمه العليل، ولياليه المقمرة. وفي قصيدة طويلة بعنوان “منظر رائع” يقول الشاعر “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم” في مطلعها:
بَيْنَ عَيْنَيَّ رُوَاً ….. مُسْتَمِرٌ وَضِيَاءوَدُنَاً عَائِمَةٌ ….. فِي شُمُوعٍ وَسَنَاوَعَلَى الشَّطِّ بَدَتْ ….. صُوَرٌ تَسْبِي النُّهَاجَلَّ مَنْ أَبْدَعَهَا …… تَمْلأُ النَّفْسَ هَنَا
وكان الشاعر “آل ملحم” يقصد بـ “منظر رائع” منظر شواطىء ورمال “العقير” الجميلة حيث يقول عنها:
يَا لَيَالِي وَصْلُنَا ….. فِي “الْعُقَيْرِ” وَالصَّفَاأَتْحِفِينَا مَرَّةً ….. بَلْ مِرَارَاً بِاللِّقَاإِنَّ فِيكَ سَلْوَةٌ ….. مِنْ ضَنَانَا وَالْعَنَانَتَلاَقَى عُصْبَةٌ ….. فِي شَواطِيكِ مَعَاحَيِّ يَا شِعْرُ مَعِي ….. شَطَّهُ وَالْمَلْعَبَاوَرِمَالاً عِنْدَهُ ….. مَائِسَاتٍ طَرَبَاحَيِّ يَا شِعْرُ مَعِي …… فِي “الْعُقَيْرِ” سَلَفَاهَذِهِ آثَارُهُمْ …… بَيْنَ عَيْنِي تُجْتَلَىيَا “عُقَيْرَ” الأَمْسِ فِي ….. خَلَدِي مِنْكَ سُدَىلَمْ أَزَلْ أَذْكُرُهُ …… لَكَ وَالذِّكْرَى كَفَىمَرْحَباً يَا شَاطِئاً ….. ضَمَّ أَلْوَانَ الْهَنَاحَسْبُكَ الْفَخْرُ بِأَنْ ….. قَالَ فِيكَ الْقُدُمَاكُلَّ قَوْلٍ طَيِّبٍ ….. وَتَغَنَّى الشُّعَرَا
وعن العقير وتاريخه كميناء قال الشاعر:
يـَـا “عُقَيْراً” لَــمْ يَـــزَلْ ….. فِيـــهِ آثَــارُ الْبِنَـــاقَائِمَاتٌ لَمْ تَزَلْ ….. شَاهِدَاتٌ لِلْعُلاَكُنْتَ دَوْماً لَمْ تَزَلْ ….. أَقْدَمُ الْبَحْرِ هُنَاهَمْزَةُ الْوَصْلِ الَّتِي ….. وَصَلَتْنَا الأَزْمُنَا
وعن الغوص وصيد اللؤلؤ بالعقير يقول الشاعر:
يَا زَمَانَ الْغَوْصِ فِي ….. لُجَج الْبَحْرِ مَضَىذَاكُمُ عَهْدٌ لَهُ ….. صِيتُ مَجْدٍ قَدَ جَرَىهَلْ تَرَى أَزْمَانُهُ ….. رَاجِعَاتٍ هَلْ تَرَى؟أَيُّهَا الْبَحْرُ الَّذِي ….. بِهِ غَاصَتْ أَهْلُنَاوَاجْتَلُوْا مَحَّاَرَهُ …… كَالْعَذَارَى فِي السَّنَامِنْهُ صَادُوا لُؤْلُؤاً ….. قَدْ كَفَاهُمْ مُؤَنَا
ومن المأمول أن تمتد يد الإصلاح الحكومية إلى العقير كمنتجع وإلى مينائه ذي الأهمية التاريخية، وفي هذا الخصوص حبر شيخ الشباب صديقي الأديب “محمد بن الشيخ عبدالله المبارك” إمام جامع الإمام “فيصل بن تركي” بحي “النعاثل بمدينة “الهفوف” حاضرة “محافظة لأحساء” قصيدة جميلة من أبياتها:ــ
إِنَّ الْعُقَيْرَ جَمِيلَةٌ ….. مَيْنَاؤُهَا عَبْرَ الأَثَرْفَمَتَى يُعَادُ بِنَاؤُهُ ….. وَمَتَى سَيُعْلَنُ ذَا الْخَبَرْ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــوزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق، ورئيس دارة الدكتور آل ملحم للمحاماة والتحكيم والإستشارت القانونية
09/1996م03/1417م

الناشر: مجلة أهلاً وسهلاً

,السنة:20,

العدد:9

تاريخ النشر: 09/1996م

جواثا 2-2

وتغنى الشاعر محمد بن عبدالله بن حمد آلملحم بأمجاد مدينة “جواثا” في أكثر من قصيدة. وهي أمجاد ظلت على مر الزمن منسجمة مع ما تتمتع به “الأحساء” هذا البلد الغالي من مملكتنا الحبيبة من خيرات. والشاعر الملحم في تغنيه بهذه الأمجاد لم يخرج بعيدا عما سبق أن حكاه المؤرخون، وكتب عنه الجغرافيون، وتحدث به الأدباء، وتغنى به الشعراء، عن “جواثا” ومسجدها في بلد “الأحساء” على مر العصور.ففي قصيدة بعنوان “واحة الخير” للشاعر آلملحم (ويعني بها واحة الأحساء) قال عن “منتجع جواثا”:
يا واحة الخير عشت الدهر سالمة …. قد كنت للخير عبر الدهر عنواناإذا سار وفدك للهادي طواعية ….. يحث شوقا إلى الاسلام ركباناحتى إذا بلغوا رحاب طيبته ….. إستقبلتهم زرافات ووحداناورحب المصطفى بالوفد إذا قدموا ….. يا مرحبا بكم، بالخير قد جانافإنكم خير أهل الشرق كلهم ….. ومثل وفدكم في الناس ما كاناأسلمتموا بكتاب جاءكم وكفى ….. على قبولكم للحق برهانوبارك المصطفى في زادكم ودعا ….. وسر دعوة خير الخلق قد باناوفي “جواثاي” ثاني جمعة جمعت ….. بعد المدينة من واديك “أحسانا”فيا لها روضة تسري مناسمها ….. تعم كل الدنا روحا وريحاناطابت بأنفاس عبدالقيس ريحتها ….. من توجوها من الاسلام تيجاناوفي قصيدة أخرى بعنوان “قصة دخول أهل الأحساء في الاسلام” كرر الشاعر الملحم نفس المعنى عن “جواثا” ومسجدها حيث قال:
يا بلادي ومؤئل الفن أصلا ….. قد سلكت نهج الصلاح السديدإذ مضى وفدك المطهر طوعا ….. مسلما وجهه لرب العبيدفحباه خير البرية كثرا ….. من تحيا تفيض بالتمجيدوارتضيت الاسلام أفضل دين …… لك دينا تحمينه بصمودفكفاك هذا المقام فخارا …… شاهدا بالثنا ليوم الوعيدوكفاك من قبل ذلك ثاني …… جمعة فيك جمعت في الصعيدومغانيك تزدهي من قديم …… مثمرات ووافرات البنود
ويقول الشاعر الملحم عن الأحساء موطن “جواثا”:
الخير أغدق في أرجاء وادينا …… والنور يغمر شعشاعا نواديناحيوا “جواثا” وأمجادا بها عبقت …… فواحة تملأ الدنيا رياحينابلابل المجد تشدو في مرابعنا …… بكل لحن شجي الوقع تشجيناوموكب الخلد يسري في مسيرتنا …… يحثنا الأمل السامي ويحدوناحفت بنا ملحمات المجد عابقة …… والذكريات اللواتي ظللن تحييبعبقريات عبدالقيس خالدة …… ظلت على مسرح الأيام تعلينا
وعن قصة رحلة وفد بني عبدالقيس إلى مدينة رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة قال الشاعر آلملحم:
لله موكبهم يمضي بهم زمرا ….. نحو المدينة عبادا مصلمضوا لطيبة والايمان يملؤهم ….. أكرم بهم معشرا غرا ميامينايمضون نحو رسلو الله في فرح ….. يبغون من ربهم فضلا ويرجونافكان وفدهم خير الوفود كما …… جاءت به السنة الغراء تنبيناإذ بشر المصطفى الهادي بمقدمهم ….. فيا لها منة من فضل باريناوقال للوفد أهلا مرحبا بكم …… لستم خزايا فقروا العين هانيناولا ندامى، وهذا فضل خالقنا …… يؤتيه من شا فيا بشرى المحبيناوشرف الوفد تشريفا وكمله …… أن الوصول الذي قد كان ميموناقد صادف الجمعة الغراء برحلتهم …… فجمعوا حينما عادوا لنادينافكان في يثرب الأولى وفي هجر ….. صلى بها الجمعة الأخرى المصلوناهذا الذي تعرف الدنيا وتعلمه …… عنا وذلك يكفينا ويرضينا
وفي قصيدة بعنوان “أرض الحسا” قال الشاعر آلملحم عن جواثا”:
وكل المنى في جواثا التي ….. لها في الحنايا وفي المهجةرمكان فريد أقدره ….. وتعرف مقداره أمتي
وأول جمعة فوق الثر ….. بعيد المدينة أزكى الثرىتصلى بتربتها تلكم ….. فيغبطها ذا المقام الورى
وحسبك يا هجر ذاك الفخار ….. إذا افتخر الناس يوما، ودارحديث العلى وتعالى الحوار …… فما بعد تلك الثلاث الديار
لك من مثيل ولا من قرين ….. بشمألها كلها ويمينفتلك الديار لها قدسها …… بأفئدة المسلمين مكين
عنيت بها ربا طيبة ….. ومكة تلك بها قبلتيوقدس القداسة في روضها ….. لمسرى المشفع في الأمة
وفي ملحمة “الدر المكنون في شتى الفنون” لم ينس الشاعر آلملحم “جواثا” ومسجدها حيث فيهما قال:
وعمق في مجدها أنها ….. بها أول الجمعات يقينبعيد المدينة قد صليت ….. بنص الحديث الصحيح المتينومسجد حي “جواثا” ….. ومنبره الفذ في العالمينوفصل الخطاب به فاصل …… وقاض على الخصم في أي حينوحسبك إن رمت تبيانهم …… وأنهم أهل ذاك المعينبلاغة “قس ابن ساعدة” ….. وأوزان “طرفة” في الشاعرينومدح الرسول لوفدهم …… ملاك الفخار لهم أجمعين
واهتم الشيخ حمد الجاسر بـ “جواثا” أكثر من غيره، وتحدث عنها كثيرا بمعجمه، كما زار معالمها بنفسه. وعن زيارته لـ “جواثا” منذ أكثر من نصف قرن قال الشيخ الجاسر أن بها آثارا: منها فوهة العين، وأطلال المسجد، وأساسات بعض الجدران، وقد تراكمت الرمال هناك حتى أخفت معالم تلك البلدة. كما ذكر أن المسجد يقع في وسط مكان البلدة، ولم يبق منه سوى شرذمة من جداره القبلي، وخمس أساطين من رواقيه الثاني والثالث في الجهة الجنوبية، وقد أخفى الرمل الباقي من آثاره. وعن “عين” المسجد قال الشيخ الجاسر بأنها تقع في الجهة الشرقية من المسجد، وأن فوتها مملوءة بالماء، وقد شرب هو ومن معه منها ماء عذبا.(1) وفي عام 1385هـ (أي منذ حوالي سبعة وثلاثين عاما) دعاني مع ثلاثة من الأصدقاء الشاعر الأديب محمد بن عبدالله بن حمد آلملحم رحمه الله على حفل غداء في جواثا. وكانت جواثا في ذلك الزمان على وضعها كما وصفها الشيخ حمد الجاسر منذ أكثر من نصف قرن ما عدى “عين” المسجد التي اندثرت وأخفتها الرمال. وفي عام 1398هـ أو عام 1399هـ (على ما أتذكر) كنت في المجلس الخاص لصاحب الجلالة الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله بقصره بالدمام المطل على ضفاف الخليج العربي الغربية حيث ذكر لي جلالته ما مفاده بأنه وصله “علم” بأن بمسجد “جواثا” بالأحساء بعض المحظورات الشرعية. وعلى الفور قمت بزيارة المسجد مع بعض من الأصدقاء فلم أجد شيئا مما ذكر لجلالته. وتبين لي أن ما وصل إلى “علم” جلالته عن حال هذا المسجد إنما هو “نبا” فاسق.وفي أواخر شهر شوال من عام 1412هـ قمت بزيارة لـ “منتجع جواثا” التاريخي ومعي الأخ الأستاذ خالد بن عبدالله بن ابراهيم آلملحم فوجدت ما سرني وأثلج صدري حيث هذه المنطقة الآن، باعتبارها قلعة اسلامية عظيمة ناهيك عن كونها منتجعا سياحيا جميلا، هي محل عناية الجهات المسئولة بمنطقة الأحساء مثل فرع وزارة الزراعة والمياه وقسم الآثار التابع لادارة التعليم بالأحساء حيث امتدت اليها يد الاصلاح. كما وجدت هذا المنتجع، رغم تواضع إمكانياته وعظمة ماضيه الاسلامي ورقة نسيمه العليل، يكتظ بالمصطافين من أهالي القرى المحيطة به ومن غيرها. وأصبح الوصول الى ذا المنتجع سهلا ميسرا وذلك بواسطة طريق مزدوج ممهد ومريح. وبفضل هذا الطريق يمكن مشاهدة هذا المنتجع قبل الوول اليه عن بعد وكأنه على مرتفع أشبه بالهضبة. وبداخل هذا المنتجع حدائق متواضعة جدا ولكن في إمكان أية أسرة الاستراحة بها. وحول هذه الحدائق ملعب أو ملعبين للأطفال. أما المسجد فهو يرمم الآن. وسيهيا للصلاة فيه بعد الانتهاء من ترميمه. وألتقيت بأحد العاملين بهذا المنتجع بالصدفة، وهو من سكان قرية الحليلة، وسألته عن “عين” المسجد التاريخية، فأفادني بأن هذه العين قد طواها الزمن بعد أن نضب ماؤها، وأن وزارة الزراعة قد حفرت بئرا ارتوازيا بالقرب منها، ويستفاد من هذه البئر في ري حدائق المنتجع.انتهى
———هوامش———(1) راجع حمد الجاسر، المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية، المنطقة الشرقية (البحرين قديما) القسم الأول أ ـ ج، ص/423هـ.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:6976

تاريخ النشر: 21/07/1992م

 جواثا 1-2 

جواثا، من الناحية التاريخية، هي قاعدة الأحساء ومناط عظمتها وموئل مجدها.وجواثا، من الناحية الأثرية، رمز تاريخ وحضارة. وحضارة “جواثا” لم يكشف النقاب عنها بعد ذلك منذ العهد الجاهلي القديم وحتى الآن. وبالرمال للمحب دليل.وجواثا اسم محبب الى نفس كل مسلم حيث كانت في العهد الاسلامي الأول قلعة اسلامية مجيدة. وكفاها من الدنيا أن كان حظها أن أول جمعة في تاريخ الاسلام خارج المدينة المنورة قد صليت بها.وفي عهد الردة قال عبدالله بن حذف عن طائفة من المسلمين محاصرين بقلعة جواثا أبياتا من الشعر سرت، في عالم الشعر العربي الاسلامي، مسرى البرق إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم:ألا أبلغ أبا بكر رسولا ….. وفتيان المدينة أجمعينافهل لكم إلى وم كرام ….. قعود في “جواثا” محصريناكأن دماءهم في كل فج ….. شعاع الشمس يعشي الناظريناكلنا على الرحمن إنا ….. وجدنا النصر للمتوكلينا
وكانت “جواثا” في العهد الجاهلي مدينة عامرة بالتجارة والزراعة والسياحة، وكانت تمر بها القوافل للتبضع والاستجمام. ويقول عن “جواثا” مؤرخ الأحساء الأستاذ عبدالرحمن الملا بأنها كانت مركزا هاما لأجود أنواع التمور وأطيب النخيل. وكانت القوافل تقصد جواثا بأنواع السلع من كل مكان، وتعود منها محملة بأنواع البضائع وأطيب التمور. وسكن بهذه المدينة بنو عبدالقيس إحدى قبائل العرب المعروفة آنذاك. وذكر امروء القيس “تجواثا” في أكثر من قصيدة. وفي قصيدة بائية له قال عنها:
ورحنا كأنا من “جواثا” عشية ….. نعالي النعاج بين عدل ومحقبنمش بأعراف الجياد أكفنا ….. إذا نحن قمنا عن شواء مضهبإلى أن تروحنا بلا متعتب ….. عليه كسيد الردهة المتاوبوراح كتيس الربل ينغص رأسه ….. أذاة به من صائك متحلبحبيب إلى الأصحاف غير ملعن ….. يقدونه بالأمهات وبالأبفيوما على بقع دقاق صدوره ….. ويوما على سفع المدافع ربربكأن دماء الهاديات بنحره ….. عصارة حناء بشيب مخضب
وقال أمرؤ القيس عن “منتجع جواثا” في قصيدة أخرى:
وظل صحابييشتوون بنعمة …. يصفون غارا باللكيك الموشقورحنا كأنا من “جواثا” عشية ….. نعالي النعاج بين عدل ومشنقورحنا بكابن الماء يجنب وسطنا ….. تصوب فيه العين طورا وترتقيوأصبح زهلولا يزل غلامنا ….. كقدح النضي باليدين المفوقكأن دماء الهاديات بنحره ….. عصارة حناء بشيب مفرق
وقال أبو تمام عن “جواثا” في قصيدة مديح ذات صور شاعرية:
قف بالطلول الدارسات علاثا ….. أمست حبال قطينهن رثاثاقسم الزمان ربوعها بين الصبا ….. وقبولها ودبورها أثلاثافتأبدت من كل مخطفة الحشا ….. غيداء تكسى يارقا ورعاثاكالظبية الأدماء صافت فارتعت ….. زهر العرار الغض والجثجاثاحتى إذا ضرب الخريف رواقه ….. سافت برير أراكة وكباثاسيافة اللحظات يغدو طرفها …… بالسحر في عقد النها نفاثازالت بعينيك الحمول كأنها …… نخل مواقر من نخيل “جواثا”

وتقع “جواثا” حاليا في شمال الأحساء واحة المملكة العربية السعودية الأولى. وتحيط بـ “جواثا” قرى المقدام والحليلة والكلابية. وتزايدت شهرة مدينة “جواثا” على سائر المدن العربية (فيما عدا مكة المكرمة والمدينة المنورة) عند ظهور الاسلام. وكان أهل “جواثا” من أسبق الناس في بلاد العرب من خارج مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى اعتناق الاسلام حيث تشرف وفد من أهلها، وهو وفد بني عبدالقيس، بزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم في عاصمة دولة الاسلام الأولى، المدينة المنورة. وعاد وفد بني عبدالقيس أدراجه بعد تشرفه بلقاء رسول الحق والهداية الى بلاد هجر (الأحساء حاليا) حيث أسسوا بمدينتهم “جواثا” مسجدا لهم وصلوا فيه صلاة الجمعة. وكان أول مسجد في تاريخ الاسلام تصلي به صلاة جمعة خارج المدينة المنورة. ويكفي هذا فخرا لـ “الأحساء” بلاد “هجر” أو “البحرين” كما كانت تسمى آنذاك. وقال شاعر بني عبدالقيس الأعور الثريني مفتخرا بدخول قومه الاسلام. ويا له من فخر:
والمسجد الشرقي كان لنا ….. والمنبران وفصل القول في الخطبأيام لا مسجد للناس نعرفه ….. إلا بطيبة والمحجوج ذو الحجب
وشهدت مدينة “جواثا” بعد اعتناق أهلها الاسلام أحداثا ومعارك، ودخلت هذه القلعة العظيمة بسبب تلك الحوادث والمعارك التاريخ من أوسع أبوابه، وهو تاريخ في خصوص مدينة “جواثا” جليل عظيم. وتحدث المؤرخون وكتاب السير والأدباء عنها وعن مسجدها على مر العصور بما فيه الكفاية. ولن أكرر هنا ما أورده هؤلاء عن مدينة “جواثا” ومسجدها لعدم لزومه بيد أن مقتضى الحال يتطلب مني هنا مجرد نقل نصوص ثلاثة أحاديث، من بين أحاديث أخرى، ورد الأول في صحيح البخاري، كما ورد الثاني والثالث في مسند الامام أحمد بن حنبل وذلك لما لها (أي لهذه الأحاديث) من انعكاسات حيوية لما سأورده من أشعار عن “منتجع جواثا”.قال الامام البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبوعامر العقدي، حدثنا ابراهيم بن طهمان، عن أبي جمره الضبعي، عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: أول جمعة جمعت، بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مسجد عبدالقيس بـ”جواثا” من البحرين.وقال الامام أحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده: حدثنا يحي عن شعبة، حدثني أبو جمرة وابن جعفر قال: حدثنا شعبة عن أبي جمرة، قال: سمعت ابن عباس يقول: أن وفد عبدالقيس لما قدموا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ممن الوفد؟ أو قال: القوم؟ قالوا: ربيعة، قال: مرحبا بالوفد، أو قال: القوم غير خزايا ولا ندامى، قالوا: يا رسول الله، أتيناك من شقة بعيدة، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولسنا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام، فأخبرنا بأمر ندخل به الجنة ونخبر به من وراءنا، وسألوه عن أشربة؟ فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع، أمرهم بالايمان بالله، قال: أتدرون ما الايمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول اله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم، ونهاهم عن الدباء، والحنتم، والنقير، والمزفت، قال: وربما قال: والمقير، قال: إحفظوهن، وأخبروا بهن من وراءكم. وورد بمسند الامام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لعبدالقيس فقال “اللهم اغفر لعبدالقيس” وقال: “يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم فهم أشبه الناس بكم في الاسلام، أسلوا طائعين، غير مكرهين، ولا موتورين”.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:6969

تاريخ النشر: 14/07/1992م

جبل القارة

يقع جبل “القارة” في شرق مدينة الهفوف، حاضرة الأحساء على بعد ثلاثة عشر كيلو مترا تقريبا. ويعتبر هذا الجبل من أشهر المعالم الأثرية في الأحساء ان لم يكن أشهرها على الاطلاق. واتخذ هذا الجبل اسمه من اسم أكبر قرية مجاورة له وهي قرية “القارة” ان لم يكن العكس، كما كان يسمى قديما بأنه جبل بالبحرين يتبرد بكهوفه. وقال عنه صاحب كتاب تحفة المستفيد حديثا بأنه الجبل المعروف الآن بالأحساء بجبل القارة. وحظي هذا الجبل كأثر تاريخي في الأحساء بالذكر والاشادة في كتب التاريخ والجغرافيا والأدب. وحيكت حول هذا الجبل قصص بعضها خرافية. ولقد تميز هذا الجبل بميزتين كان بسببهما، كما يقال، من عجائب الدنيا. الأولى كون كهوفه ومقاراته وممراته ذات دفء في الشتاء وبرودة في الصيف مما جعله من أهم المنتجعات التي يؤمها أهالي الأحساء ومن أقام أو عبر بها طوال فصول السنة. والميزة الثانية أنه لا يعيش بداخل هذا الجبل أي من الزواحف أو الهوام أو الحشرات. وهو كبير ذو تعرجات وتحيط به وحوله ومن فوقه وعلى جوانبه كتل من الصخور ذات أشكال هندسية صمدت في وجه الأعاصير وتوالي الملوين.ويقع هذا الجبل وسط غابة من النخيل والبساتين والمزارع بحيث في امكان من يصعد الى قمته أن يستمتع، في سكون وهدوء تأمين، بجمال منظر واحة الأحساء الكبرى المترامية الأطراف.ويسمى جبل “القارة” عند الأقدمين بجبل “الشبعان” أو “الريان”. وعاصر أحداثا على مر الأزمان. وباعتباره منتجعا حيويا لأهالي الأحساء طوال السنة فكثيرا ما تردد عليه فيما مضى بعض الصائمين حينما يكون شهر رمضان في فل الصيف وذلك قبل استخدام وسائل التكييف الحديثة بالمنازل. وجاء في نشرة لبلدية منطقة الأحساء ما مفاده أن جبل “القارة” يتميز باعتدال جوه حيث يكون باردا معتدلا صيفا وداافئا شتاء. وأنه يزدحم بالمصطافين على مدار السنة من داخل وخارج منطقة الأحساء. كما تم تزويده في الآونة الأخيرة بالتيار الكهربائي، وأضيئت منطقته، وأنشئت مواقف للسيارات بساحته، وسوي الطريق المؤدي اليه.ومن أحسن الكتب التي وقعت في يدي متناولا جبل “القارة” وقراه هو كتاب “واحة الأحساء” تأليف السيد ف. ش. فيدال.وقد تغنى بهذا الجبل العملاق الشاعر محمد بن عبدالله بن حمد آلملحم الذي يقول عنه في احدى قصائده:
قر في “القارة” العريقة معنى ….. عند مغنى النخيل وافي العهودهو مصطافنا الفريد المعاني ….. وهو مشتى إن زاد لسع الجليدأعجب السبع في العجائب طرا ….. فاق في سره العجيب الوحيدصنعة الله لم تكن نحتته ….. يد هذا الورى بطول العهود ومعظم من تعرض لجبل “القارة” وقراه من باحثين أفاد بأن الجبل محاط بأربع قرى وهي “القارة” و”الدالوة” و”التيمية” و”التوثير”، وكان من أقدمهم السيد فيدال الذي يرى بأنها أربع قرى حيث ذكر في كتابه بأن القرى الأربع ذات ميزات مشتركة مما مكنه (أي السيد فيدال) من وصفها كمجموعة. وفي هذا المجال أفاد السيد فيدال أن كل هذه القرى قد بنيت عند قاعدة منحدر الهضبة اذ تقع قرية “القارة” قبالة هضبة كثيرة الصخور والأطراف المنحدرة المنفصلة قليلا عن الكتلة الرئيسية للجبل، أما القرى الثلاث الأخرى فقد بنيت عند منحدر الكتلة الرئيسية للجبل. وأضاف السيد فيدال بأن جميع القرى مسورة رغم أن أسوارها لم تبن خصيصا لهذا الغرض مما جعلها توصف أحيانا بأنها غير مسورة. أما الشاعر محمد بن عبدالله بن حمد آلملحم فيفيد في بيت واحد من قصيدته عن جبل “القارة”، وهي القصيدة التي ذكرت أبياتا منها أعلاه، بأن قرى الجبل سبع دون أن يذكر أسماءها في القصيدة. وبعد البحث والتقصي تبين لي أن الشاعر كان محقا في قوله حيث أن قرى جبل “القارة” سبع وهي “القارة” و”الدالوة” و”التويثير” و”التيمية” و”الوسيلة” و”الرميلة” و”غمسي”. وفي بيت واحد وصف الشاعر محمد بن عبدالله آلملحم قرى الجبل بالغيد الفواتن:ومعظم من تعرض لجبل “القارة” وقراه من باحثين أفاد بأن الجبل محاط بأربع قرى وهي “القارة” و”الدالوة” و”التيمية” و”التوثير”، وكان من أقدمهم السيد فيدال الذي يرى بأنها أربع قرى حيث ذكر في كتابه بأن القرى الأربع ذات ميزات مشتركة مما مكنه (أي السيد فيدال) من وصفها كمجموعة. وفي هذا المجال أفاد السيد فيدال أن كل هذه القرى قد بنيت عند قاعدة منحدر الهضبة اذ تقع قرية “القارة” قبالة هضبة كثيرة الصخور والأطراف المنحدرة المنفصلة قليلا عن الكتلة الرئيسية للجبل، أما القرى الثلاث الأخرى فقد بنيت عند منحدر الكتلة الرئيسية للجبل. وأضاف السيد فيدال بأن جميع القرى مسورة رغم أن أسوارها لم تبن خصيصا لهذا الغرض مما جعلها توصف أحيانا بأنها غير مسورة. أما الشاعر محمد بن عبدالله بن حمد آلملحم فيفيد في بيت واحد من قصيدته عن جبل “القارة”، وهي القصيدة التي ذكرت أبياتا منها أعلاه، بأن قرى الجبل سبع دون أن يذكر أسماءها في القصيدة. وبعد البحث والتقصي تبين لي أن الشاعر كان محقا في قوله حيث أن قرى جبل “القارة” سبع وهي “القارة” و”الدالوة” و”التويثير” و”التيمية” و”الوسيلة” و”الرميلة” و”غمسي”. وفي بيت واحد وصف الشاعر محمد بن عبدالله آلملحم قرى الجبل بالغيد الفواتن:طوق الطود بالقرى السبع طوقا بســروب من الفواتــن غيـــدوفي وصف فني دقيق لجبل “القارة” يقول السيد فيدال بأن الجبل يعد “أعلى مرتفع داخل المنطقة الزراعية في الأحساء، اذ يبلغ ارتفاعه حوالي 680 قدما فوق مستوى البحر. يمكن الوصول الى قمة الجبل المسطحة بسهولة من نقاط قليلة ويستحيل الوصول اليها من أي مكان آخر … توجد ظواهر مختلفة على طول حافات جبل القارة سببتها عوامل التعرية، اذ توجد فتحات وأخادير عميقة. وقد تركت العوامل هنا وهناك بلورات مستدقة الرؤوس مستقيمة ودقيقة، كالتي بقيت من معالم السطح في وادي جبال أرزونا، رغم أنها أقل جمالا واثارة مما هو موجود في جبل القارة. وقد أدت عوامل التعرية المختلفة في أماكن عدة الى قطع مغارات طبيعية قليلة مختلفة العمق داخل الطبقة السفلى لجوانب الجبل. يزداد عمق هذه المغارات أحيانا عندما تسقط كتلة صخرية كبيرة من الطبقة العليا الأقل تآكلا أمام الكهف تاركة مدخلا ضيقا للعبور فقط. وأحيانا تسقط عدة صخور أمام كهف من الكهوف تؤدي، وبسبب عمق هذه المغارات ودوران الهواء خلال المغارة، الى جعلها باردة جدا في الصيف. ولهذا السبب كانت مغارات جبل القارة من زمن قديم منطقة مفضلة للراحة من قبل سكان الأحساء. ولكون هذه المغارات تعد أيضا واحدة من أكبر المعالم الجغرافية المتميزة في الأحساء، فقد أصبحت أماكن مفضلة لاطلاع الزوار والسياح عليها.”وفي وصف جميل لكهوف ومغارات الجبل يقول الشاعر الملحم:
فاذا ما به توغلت تلقى ….. من بديع الفنون كل عتيدغرفا زخرفت بشكل جميل ….. سلبت عين ناظر بالخلودمن قديم الزمان ظل رؤاها ….. صامدا للقرون ما من محيدتتعالى بها السقوف العوالي ….. كلما رحت في مسير مزيد
ويختتم الشاعر الملحم قصيدته مشيرا الى ما يذكر من أن قصة الكهف كانت بهذا الجبل:
ذكروا أن فتية الكهف فيه ….. ربما للمناخ فيه الفريدأي سر وأي حسن بذاك ….. الجبـل الساحر الغريب العتيد
وتحدث الشاعر الملحم عن جبل القارة في قصيدة جاء فيها:”
فلو كنت يوما بظل الجبل ….. وحولك بحر النخيل اتصللكنت ترى منظرا معجبا …… يسر النفوس ويسبي المقل
فيا حسنه الحسن ذاك العجيب ….. ويا سره السر ذاك الغريبتوالى الزمان ولما يزل ….. بثوبه ذاك الجليل القشيب
وهب نسيم صباه العليل ….. فأشفى الحزانى وداوى العليلفيا له من كنف ومقيل ….. أبى أن يكون له من مثيل
بجو تكيف مثل الزمن ….. يريح النفوس يريح البدناذا ما قسا الصيف في نفحه ….. وزاد الجليد بحكم السنن
وقالوا بكهفك عين الحياه ….. وعين كأعذب ما في المياهودوحة رمان مغروسة ….. لمن ضل فيه أوانا وتاه
وليس تعيش به الحشرات ….. ولا يسمع الصوت والذبذباتوصخره ذو ملمس ناعم ….. رقيق كمثل أديم النبات
وقد ذكروا بقديم الزمن ….. ثلاث بهن ذهاب الحزنوجلب المسرة في خضرة …… وماء يسيل ووجه حسن
وذلكم كله بالجبل …… بجمع الأحبه فيه اتصلوتلك الخمائل صفت بنا ….. وماء تدفق ينفي الملل

وفي قصيدة بعنوان “قرارة” أحد بساتين الأحساء المشهورة أشار الشاعر الملحم الى جبل “القارة” تحت مسماه القديم “الشبعان” قائلا:
أي بحر لا تشبع العين منه ….. من نخيل ثمارهن تدلىتحت ظل “الشبعان” أجمل ظل ….. سيما في الأصيل والمزن هلا
ويروي الشاعر الملحم واقعة حدثت في عهد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله مفادها أن الجراد هدد منطقة الأحساء، وأحيط جلالة الملك عبدالعزيز علما بذلك في حينه، فاستفسر جلالته عن وضع المزارع المحيطة بجبل “الشبعان” (أي جبل القارة)، فقيل له أنها سليمة، فقال جلالته ما معناه بأن الأحساء لم تصب إذن بسوء. وحبر الشاعر قصيدة طويلة جاء في ضمنها هذه الواقعة:
يا وادي النخل بالأحساء يذكره ….. عبدالعزيز ولا ينساه نسيانااذ قيل أن الحسا أضحت مهددة ….. من الجراد الذي قد جاء طوفانافقال في أذن الدنيا مقالته ….. تلك التي حفظ التاريخ إتقاناهل ما وراء جبل “الشبعان” سالمة ….. من القرى فأجابوا أن نعم كانافقال لم تجرد الأحساء إذن أبدا ….. فان شبعانها ما زال شبعانا


الناشر: جريدة الرياض

– العدد:8674

تاريخ النشر: 24/03/1992م

منتجع العقير

يقع العقير على ضفاف الخليج العربي الغربية. وللعقير تاريخ يعرفه ياقوت الحموي والأزهري والصاغاتي والكثير من جغرافي العرب ومؤرخيها منذ العهد الجاهلي وحتى عصورنا الحديثة. وبالعقير آثار مطمورة تشهد على عظمة ماضيه وإن كان لم يكشف النقاب عنها بعد. وبه ميناء كانت له أهمية بالغة على مر العصور لكل من الأحساء ونجد. إذ هو منذ القدم ثغرهما، وعن طريقه كانت البضائع والخدمات تنقل إليهما فيما بين البلدان العربية الواقعة بشرق جزيرة العرب وبلدان فارس والهند وسرنديب وسومطرة. وتكفي الإشارة إلى ما أورده علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر من وصف ابن الزجاج في رسالة له إلى ديوان الخلافة العباسية من أن العقير: “دهليز الأحساء، ومصب الخيرات منه إليها، وكثرة الإنتفاعات التي جل الإعتماد عليها”. ومنذ استرداد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الأحساء في عام 1331 هـ وحتى أواخر الستينات من القرن الهجري الماضي كان ميناء العقير هو الثغر الوحيد للمملكة على شواطئها الشرقية. وعاصر هذا الميناء أمجادا إذ على ضفافه في العهد السعودي حط الرواد الأوائل الباحثون عن البترول رحالهم فيه. واتخذ اسمه مسمى لإتفاقية سعودية بريطانية شهيرة لصالح المملكة وقعت على ضفافه في بداية الأربعينيات من القرن الهجري الماضي. وبالأمس كان ميناء العقير هو بوابة الأحساء ونجد البحرية. وفي هذا الخصوص يروي الأستاذ المربي الشيخ عثمان الصالح أن للملك عبالعزيز رحمه الله عن ميناء العقير مقولة مشهورة هي: “الآن عرفت أن لي دولة وملكا، وقد ملكت منفذا بحريا على العالم”. ويضيف الأستاذ الصالح بأن ميناء العقير هو ميناء المنطقة الوسطى. وللبحر، كما يعلم أهل الأحساء، سماره “ونواخذته” وشعراؤه وصيادوا سمكه. يقول أديب الأحساء الكبير الأستاذ عبدالله الشباط عن أسماك العقير ما مؤداه أنها تعتبر من أجود الأنواع .. فطعمها لذيذ ونكهتها طيبة .. ويعود سبب ذلك إلى زيادة الملوحة في مياه البحر ونظافة المراعي البحرية لبعد الساحل عن المناطق السكنية وخلوه من التلوث.. ومن اشهر أسماك هذه المنطقة (ولا يزال القول للأستاذ الشباط) الكنعد والتونة والحاقول والدويلمي والهامور. والعقير اليوم أرض سياحية بكر. وهو بالنسبة لأهالي الأحساء من أهم المنتجعات السياحية، والكثير منهم، لا سيما ساكني القرى القريبة منه، يرتادنوه رغم بساطته على الدوام في المناسبات وأيام الأنس والمسرات.
وتغىي السمار بالعقير، وضفافه الجميلة، وبحره الهاديء، وهوائه اللطيف، ونسيمه العليل، ولياليه المقمرة. وفي قصيدة طويلة بعنوان “منظر رائع” يقول الشاعر محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم في مطلعها:
بين عيني روا…. مستمر وضياءودنا عائمة ….. في شموع وسناوعلى الشط بدت ….. صور تسبي النهاجل من أبدعها ….. تملأ النفس هنا

وكان الشاعر الملحم يقصد بـ “منظر رائع” منظر شواطىء ورمال “العقير” الجميلة حيث يقول عنها:
يا ليالي وصلنا ….. في “العقير” والصفاأتحفينا مرة ….. بل مرارا باللقاإن فيك سلوة ….. من ضنانا والعنانتلاقى عصبة ….. في شواطيك معاحي يا شعر معي ….. شطه والملعباحي “زهمولا” به ….. ونخيلا باسقاورمالا عنده …… مائسات طرباحي يا شعر مسعى ….. في “العقير” سلفاهذه آثارهم …… بين عيني تجتلييا “عقير” الأمس في …… خلدي منك سدىلم أزل أذكره …… لك والذكرى كفىمرحبا يا شاطئا ….. ضم ألوان الهناحسبك الفخر بأن …… قال فيك القدماكل قول طيب …… وتغنى الشعراء
وعن العقير وتاريخه كميناء قال الشاعر:
يا “عقيرا” لم يزل ….. فيه آثار البناقائمات لم تزل ….. شاهدات للعلاكنت لم تزل ….. أقدم البحر هناهمزة الوصل التي …. وصلتنا الأزمنا
وعن الغوص وصيد اللؤلؤ بالعقير يقول الشاعر:
يا زمان الغوص في ….. لجج البحر مضىذاكم عهد له ….. صيت مجد قد جرىهل ترى أزمانه ….. راجعات هل ترىأيها البحر الذي ….. به غاصت أهلناواجتلوا محاره ….. كالعذارى في السنامنه صادوا لؤلؤا ….. قد كفاهم مؤنا
وحبر الشاعر الملحم قصيدة عن اجتماع له مع لفيف من الأصدقاء على ضفاف العقير. وكانت مناسبة هذا الإجتماع تحية وتهنئة لزميل الصبا الشاعر عبداللطيف أبو سعد بعد أن شفاه الله من مرض ألم به. جاء في القصيدة.
تلألأ وجه الشمس بعد شحوب ….. وضاء محيا البدر بعد لغوبوفاض محيط النثر بعد توقف ….. وسالت بحور الشعر بعد نضوبوطابت لنا الدنيا بطلعة يوسف ….. بشمالها عم الهنا وجنوبفشكرا لك اللهم عافيت حبنا ….. فزال الأسى عن قلب كل حبيب

وعن مكان الإجتماع قال الشاعر بنفس القصيدة:
على شط بحر الصفو بحر “عقيرنا” ….. ضربنا قباب الأنس عند غروبوطافت علينا بنت صنعاء نجتلي ….. لها طلعة تغري فؤاد لبيبغدا الكون منها عبهريا جميعه ….. وقد ملكت منا شغاف قلوبومن فوقه هذا الرمل صورة شاعر ….. مشاعره مشبوبة بلعوبلخولة فيها من أعاريض طرفة …… طرائف في كف أبر خضيبتباهت به حسنا على كل غادة ….. وهل لجمال العرب أي ضريب
ولأن شاعرنا ومن معه من الأصحاب من أهل الصلاح والتقوى فقد أردف واصفا حالهم ومتذكرا في الوقت نفسه قصة امرىء القيس مع عنيزته:
ولم نك عاقرنا بنية كرمة …. ولم نك سامرنا خيال لعوبتقول له في غنجها ودلالها ….. وقد فاح بالأردان نفح طيوبعقرت بعيري يا امرىء القيس فانزلن ….. وقد فاح بالأردان نفح طيوبفيدخل ذاك الخدر خدر عنيزة ….. بجنح الدجى مأمون عين رقيبويقطف زهر الحب في روضة الهنا …… على نبعه الرقراق أي رقيب


الناشر: جريدة الرياض

– العدد:8632

تاريخ النشر: 11/02/1992م