جواثا 2-2

وتغنى الشاعر محمد بن عبدالله بن حمد آلملحم بأمجاد مدينة “جواثا” في أكثر من قصيدة. وهي أمجاد ظلت على مر الزمن منسجمة مع ما تتمتع به “الأحساء” هذا البلد الغالي من مملكتنا الحبيبة من خيرات. والشاعر الملحم في تغنيه بهذه الأمجاد لم يخرج بعيدا عما سبق أن حكاه المؤرخون، وكتب عنه الجغرافيون، وتحدث به الأدباء، وتغنى به الشعراء، عن “جواثا” ومسجدها في بلد “الأحساء” على مر العصور.ففي قصيدة بعنوان “واحة الخير” للشاعر آلملحم (ويعني بها واحة الأحساء) قال عن “منتجع جواثا”:
يا واحة الخير عشت الدهر سالمة …. قد كنت للخير عبر الدهر عنواناإذا سار وفدك للهادي طواعية ….. يحث شوقا إلى الاسلام ركباناحتى إذا بلغوا رحاب طيبته ….. إستقبلتهم زرافات ووحداناورحب المصطفى بالوفد إذا قدموا ….. يا مرحبا بكم، بالخير قد جانافإنكم خير أهل الشرق كلهم ….. ومثل وفدكم في الناس ما كاناأسلمتموا بكتاب جاءكم وكفى ….. على قبولكم للحق برهانوبارك المصطفى في زادكم ودعا ….. وسر دعوة خير الخلق قد باناوفي “جواثاي” ثاني جمعة جمعت ….. بعد المدينة من واديك “أحسانا”فيا لها روضة تسري مناسمها ….. تعم كل الدنا روحا وريحاناطابت بأنفاس عبدالقيس ريحتها ….. من توجوها من الاسلام تيجاناوفي قصيدة أخرى بعنوان “قصة دخول أهل الأحساء في الاسلام” كرر الشاعر الملحم نفس المعنى عن “جواثا” ومسجدها حيث قال:
يا بلادي ومؤئل الفن أصلا ….. قد سلكت نهج الصلاح السديدإذ مضى وفدك المطهر طوعا ….. مسلما وجهه لرب العبيدفحباه خير البرية كثرا ….. من تحيا تفيض بالتمجيدوارتضيت الاسلام أفضل دين …… لك دينا تحمينه بصمودفكفاك هذا المقام فخارا …… شاهدا بالثنا ليوم الوعيدوكفاك من قبل ذلك ثاني …… جمعة فيك جمعت في الصعيدومغانيك تزدهي من قديم …… مثمرات ووافرات البنود
ويقول الشاعر الملحم عن الأحساء موطن “جواثا”:
الخير أغدق في أرجاء وادينا …… والنور يغمر شعشاعا نواديناحيوا “جواثا” وأمجادا بها عبقت …… فواحة تملأ الدنيا رياحينابلابل المجد تشدو في مرابعنا …… بكل لحن شجي الوقع تشجيناوموكب الخلد يسري في مسيرتنا …… يحثنا الأمل السامي ويحدوناحفت بنا ملحمات المجد عابقة …… والذكريات اللواتي ظللن تحييبعبقريات عبدالقيس خالدة …… ظلت على مسرح الأيام تعلينا
وعن قصة رحلة وفد بني عبدالقيس إلى مدينة رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة قال الشاعر آلملحم:
لله موكبهم يمضي بهم زمرا ….. نحو المدينة عبادا مصلمضوا لطيبة والايمان يملؤهم ….. أكرم بهم معشرا غرا ميامينايمضون نحو رسلو الله في فرح ….. يبغون من ربهم فضلا ويرجونافكان وفدهم خير الوفود كما …… جاءت به السنة الغراء تنبيناإذ بشر المصطفى الهادي بمقدمهم ….. فيا لها منة من فضل باريناوقال للوفد أهلا مرحبا بكم …… لستم خزايا فقروا العين هانيناولا ندامى، وهذا فضل خالقنا …… يؤتيه من شا فيا بشرى المحبيناوشرف الوفد تشريفا وكمله …… أن الوصول الذي قد كان ميموناقد صادف الجمعة الغراء برحلتهم …… فجمعوا حينما عادوا لنادينافكان في يثرب الأولى وفي هجر ….. صلى بها الجمعة الأخرى المصلوناهذا الذي تعرف الدنيا وتعلمه …… عنا وذلك يكفينا ويرضينا
وفي قصيدة بعنوان “أرض الحسا” قال الشاعر آلملحم عن جواثا”:
وكل المنى في جواثا التي ….. لها في الحنايا وفي المهجةرمكان فريد أقدره ….. وتعرف مقداره أمتي
وأول جمعة فوق الثر ….. بعيد المدينة أزكى الثرىتصلى بتربتها تلكم ….. فيغبطها ذا المقام الورى
وحسبك يا هجر ذاك الفخار ….. إذا افتخر الناس يوما، ودارحديث العلى وتعالى الحوار …… فما بعد تلك الثلاث الديار
لك من مثيل ولا من قرين ….. بشمألها كلها ويمينفتلك الديار لها قدسها …… بأفئدة المسلمين مكين
عنيت بها ربا طيبة ….. ومكة تلك بها قبلتيوقدس القداسة في روضها ….. لمسرى المشفع في الأمة
وفي ملحمة “الدر المكنون في شتى الفنون” لم ينس الشاعر آلملحم “جواثا” ومسجدها حيث فيهما قال:
وعمق في مجدها أنها ….. بها أول الجمعات يقينبعيد المدينة قد صليت ….. بنص الحديث الصحيح المتينومسجد حي “جواثا” ….. ومنبره الفذ في العالمينوفصل الخطاب به فاصل …… وقاض على الخصم في أي حينوحسبك إن رمت تبيانهم …… وأنهم أهل ذاك المعينبلاغة “قس ابن ساعدة” ….. وأوزان “طرفة” في الشاعرينومدح الرسول لوفدهم …… ملاك الفخار لهم أجمعين
واهتم الشيخ حمد الجاسر بـ “جواثا” أكثر من غيره، وتحدث عنها كثيرا بمعجمه، كما زار معالمها بنفسه. وعن زيارته لـ “جواثا” منذ أكثر من نصف قرن قال الشيخ الجاسر أن بها آثارا: منها فوهة العين، وأطلال المسجد، وأساسات بعض الجدران، وقد تراكمت الرمال هناك حتى أخفت معالم تلك البلدة. كما ذكر أن المسجد يقع في وسط مكان البلدة، ولم يبق منه سوى شرذمة من جداره القبلي، وخمس أساطين من رواقيه الثاني والثالث في الجهة الجنوبية، وقد أخفى الرمل الباقي من آثاره. وعن “عين” المسجد قال الشيخ الجاسر بأنها تقع في الجهة الشرقية من المسجد، وأن فوتها مملوءة بالماء، وقد شرب هو ومن معه منها ماء عذبا.(1) وفي عام 1385هـ (أي منذ حوالي سبعة وثلاثين عاما) دعاني مع ثلاثة من الأصدقاء الشاعر الأديب محمد بن عبدالله بن حمد آلملحم رحمه الله على حفل غداء في جواثا. وكانت جواثا في ذلك الزمان على وضعها كما وصفها الشيخ حمد الجاسر منذ أكثر من نصف قرن ما عدى “عين” المسجد التي اندثرت وأخفتها الرمال. وفي عام 1398هـ أو عام 1399هـ (على ما أتذكر) كنت في المجلس الخاص لصاحب الجلالة الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله بقصره بالدمام المطل على ضفاف الخليج العربي الغربية حيث ذكر لي جلالته ما مفاده بأنه وصله “علم” بأن بمسجد “جواثا” بالأحساء بعض المحظورات الشرعية. وعلى الفور قمت بزيارة المسجد مع بعض من الأصدقاء فلم أجد شيئا مما ذكر لجلالته. وتبين لي أن ما وصل إلى “علم” جلالته عن حال هذا المسجد إنما هو “نبا” فاسق.وفي أواخر شهر شوال من عام 1412هـ قمت بزيارة لـ “منتجع جواثا” التاريخي ومعي الأخ الأستاذ خالد بن عبدالله بن ابراهيم آلملحم فوجدت ما سرني وأثلج صدري حيث هذه المنطقة الآن، باعتبارها قلعة اسلامية عظيمة ناهيك عن كونها منتجعا سياحيا جميلا، هي محل عناية الجهات المسئولة بمنطقة الأحساء مثل فرع وزارة الزراعة والمياه وقسم الآثار التابع لادارة التعليم بالأحساء حيث امتدت اليها يد الاصلاح. كما وجدت هذا المنتجع، رغم تواضع إمكانياته وعظمة ماضيه الاسلامي ورقة نسيمه العليل، يكتظ بالمصطافين من أهالي القرى المحيطة به ومن غيرها. وأصبح الوصول الى ذا المنتجع سهلا ميسرا وذلك بواسطة طريق مزدوج ممهد ومريح. وبفضل هذا الطريق يمكن مشاهدة هذا المنتجع قبل الوول اليه عن بعد وكأنه على مرتفع أشبه بالهضبة. وبداخل هذا المنتجع حدائق متواضعة جدا ولكن في إمكان أية أسرة الاستراحة بها. وحول هذه الحدائق ملعب أو ملعبين للأطفال. أما المسجد فهو يرمم الآن. وسيهيا للصلاة فيه بعد الانتهاء من ترميمه. وألتقيت بأحد العاملين بهذا المنتجع بالصدفة، وهو من سكان قرية الحليلة، وسألته عن “عين” المسجد التاريخية، فأفادني بأن هذه العين قد طواها الزمن بعد أن نضب ماؤها، وأن وزارة الزراعة قد حفرت بئرا ارتوازيا بالقرب منها، ويستفاد من هذه البئر في ري حدائق المنتجع.انتهى
———هوامش———(1) راجع حمد الجاسر، المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية، المنطقة الشرقية (البحرين قديما) القسم الأول أ ـ ج، ص/423هـ.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:6976

تاريخ النشر: 21/07/1992م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.