منتجع العقير

يقع العقير على ضفاف الخليج العربي الغربية. وللعقير تاريخ يعرفه ياقوت الحموي والأزهري والصاغاتي والكثير من جغرافي العرب ومؤرخيها منذ العهد الجاهلي وحتى عصورنا الحديثة. وبالعقير آثار مطمورة تشهد على عظمة ماضيه وإن كان لم يكشف النقاب عنها بعد. وبه ميناء كانت له أهمية بالغة على مر العصور لكل من الأحساء ونجد. إذ هو منذ القدم ثغرهما، وعن طريقه كانت البضائع والخدمات تنقل إليهما فيما بين البلدان العربية الواقعة بشرق جزيرة العرب وبلدان فارس والهند وسرنديب وسومطرة. وتكفي الإشارة إلى ما أورده علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر من وصف ابن الزجاج في رسالة له إلى ديوان الخلافة العباسية من أن العقير: “دهليز الأحساء، ومصب الخيرات منه إليها، وكثرة الإنتفاعات التي جل الإعتماد عليها”. ومنذ استرداد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الأحساء في عام 1331 هـ وحتى أواخر الستينات من القرن الهجري الماضي كان ميناء العقير هو الثغر الوحيد للمملكة على شواطئها الشرقية. وعاصر هذا الميناء أمجادا إذ على ضفافه في العهد السعودي حط الرواد الأوائل الباحثون عن البترول رحالهم فيه. واتخذ اسمه مسمى لإتفاقية سعودية بريطانية شهيرة لصالح المملكة وقعت على ضفافه في بداية الأربعينيات من القرن الهجري الماضي. وبالأمس كان ميناء العقير هو بوابة الأحساء ونجد البحرية. وفي هذا الخصوص يروي الأستاذ المربي الشيخ عثمان الصالح أن للملك عبالعزيز رحمه الله عن ميناء العقير مقولة مشهورة هي: “الآن عرفت أن لي دولة وملكا، وقد ملكت منفذا بحريا على العالم”. ويضيف الأستاذ الصالح بأن ميناء العقير هو ميناء المنطقة الوسطى. وللبحر، كما يعلم أهل الأحساء، سماره “ونواخذته” وشعراؤه وصيادوا سمكه. يقول أديب الأحساء الكبير الأستاذ عبدالله الشباط عن أسماك العقير ما مؤداه أنها تعتبر من أجود الأنواع .. فطعمها لذيذ ونكهتها طيبة .. ويعود سبب ذلك إلى زيادة الملوحة في مياه البحر ونظافة المراعي البحرية لبعد الساحل عن المناطق السكنية وخلوه من التلوث.. ومن اشهر أسماك هذه المنطقة (ولا يزال القول للأستاذ الشباط) الكنعد والتونة والحاقول والدويلمي والهامور. والعقير اليوم أرض سياحية بكر. وهو بالنسبة لأهالي الأحساء من أهم المنتجعات السياحية، والكثير منهم، لا سيما ساكني القرى القريبة منه، يرتادنوه رغم بساطته على الدوام في المناسبات وأيام الأنس والمسرات.
وتغىي السمار بالعقير، وضفافه الجميلة، وبحره الهاديء، وهوائه اللطيف، ونسيمه العليل، ولياليه المقمرة. وفي قصيدة طويلة بعنوان “منظر رائع” يقول الشاعر محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم في مطلعها:
بين عيني روا…. مستمر وضياءودنا عائمة ….. في شموع وسناوعلى الشط بدت ….. صور تسبي النهاجل من أبدعها ….. تملأ النفس هنا

وكان الشاعر الملحم يقصد بـ “منظر رائع” منظر شواطىء ورمال “العقير” الجميلة حيث يقول عنها:
يا ليالي وصلنا ….. في “العقير” والصفاأتحفينا مرة ….. بل مرارا باللقاإن فيك سلوة ….. من ضنانا والعنانتلاقى عصبة ….. في شواطيك معاحي يا شعر معي ….. شطه والملعباحي “زهمولا” به ….. ونخيلا باسقاورمالا عنده …… مائسات طرباحي يا شعر مسعى ….. في “العقير” سلفاهذه آثارهم …… بين عيني تجتلييا “عقير” الأمس في …… خلدي منك سدىلم أزل أذكره …… لك والذكرى كفىمرحبا يا شاطئا ….. ضم ألوان الهناحسبك الفخر بأن …… قال فيك القدماكل قول طيب …… وتغنى الشعراء
وعن العقير وتاريخه كميناء قال الشاعر:
يا “عقيرا” لم يزل ….. فيه آثار البناقائمات لم تزل ….. شاهدات للعلاكنت لم تزل ….. أقدم البحر هناهمزة الوصل التي …. وصلتنا الأزمنا
وعن الغوص وصيد اللؤلؤ بالعقير يقول الشاعر:
يا زمان الغوص في ….. لجج البحر مضىذاكم عهد له ….. صيت مجد قد جرىهل ترى أزمانه ….. راجعات هل ترىأيها البحر الذي ….. به غاصت أهلناواجتلوا محاره ….. كالعذارى في السنامنه صادوا لؤلؤا ….. قد كفاهم مؤنا
وحبر الشاعر الملحم قصيدة عن اجتماع له مع لفيف من الأصدقاء على ضفاف العقير. وكانت مناسبة هذا الإجتماع تحية وتهنئة لزميل الصبا الشاعر عبداللطيف أبو سعد بعد أن شفاه الله من مرض ألم به. جاء في القصيدة.
تلألأ وجه الشمس بعد شحوب ….. وضاء محيا البدر بعد لغوبوفاض محيط النثر بعد توقف ….. وسالت بحور الشعر بعد نضوبوطابت لنا الدنيا بطلعة يوسف ….. بشمالها عم الهنا وجنوبفشكرا لك اللهم عافيت حبنا ….. فزال الأسى عن قلب كل حبيب

وعن مكان الإجتماع قال الشاعر بنفس القصيدة:
على شط بحر الصفو بحر “عقيرنا” ….. ضربنا قباب الأنس عند غروبوطافت علينا بنت صنعاء نجتلي ….. لها طلعة تغري فؤاد لبيبغدا الكون منها عبهريا جميعه ….. وقد ملكت منا شغاف قلوبومن فوقه هذا الرمل صورة شاعر ….. مشاعره مشبوبة بلعوبلخولة فيها من أعاريض طرفة …… طرائف في كف أبر خضيبتباهت به حسنا على كل غادة ….. وهل لجمال العرب أي ضريب
ولأن شاعرنا ومن معه من الأصحاب من أهل الصلاح والتقوى فقد أردف واصفا حالهم ومتذكرا في الوقت نفسه قصة امرىء القيس مع عنيزته:
ولم نك عاقرنا بنية كرمة …. ولم نك سامرنا خيال لعوبتقول له في غنجها ودلالها ….. وقد فاح بالأردان نفح طيوبعقرت بعيري يا امرىء القيس فانزلن ….. وقد فاح بالأردان نفح طيوبفيدخل ذاك الخدر خدر عنيزة ….. بجنح الدجى مأمون عين رقيبويقطف زهر الحب في روضة الهنا …… على نبعه الرقراق أي رقيب


الناشر: جريدة الرياض

– العدد:8632

تاريخ النشر: 11/02/1992م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.