وزير الدولة يكشف فصلا من تاريخ الأسرة حول المتصرف العثماني

وزير الدولة محمد بن عبداللطيف الملحم

بعد انتشار أحد قصص الشجاعة التي تخص الأسرة، وجدت الوالد يراجع ما كتبه قبل 20 سنة، لينشر مقالا في الأحساء نيوز موضحا أن القصة المنسوبة لا تتعدى قصصا تروى لا تستند على شواهد أو أدلة دامغة، وأفضل ما يقال فيها بأنها من الروايات التاريخية الضعيفة. وبالرغم من “شجاعة” الفتية أو “جرمهم” بحسب منظور المؤرخين في قتلهم المتصرف العثماني إثر عدوانه على أهل الأحساء، وما فيها القصة من فرصة لأسرة آل ملحم للتفاخر حول الحادثة، إلا أن الوالد يبتغي وضعها في مكانها الملائم من ناحية تحقيقية. أترك لكم المقال في موقع الأحساء نيوز في الوصلة، وكذلك نسخة هنا في الموقع.

وصلة مباشرة لمقال معالي الوزير حول حادثة قتل المتصرف العثماني

وزير الدولة السابق محمد الملحم يكشف فصلًا من التاريخ: لا صحة لقصة اغتيال أسرتنا للمتصرف العثماني … وهذه هي الحقيقة

قَرأتُ فِي مَوَاقِعِ التَّواصلِ الاجْتماعيِّ، في هذهِ الأيَّام، خَبَرًا مَفاَدُهُ أنَّ “ثلاَثة أفرَادٍ” مِنْ أسرتِنا، “الأسْرة المُلْحِمِيَّةِ” بِمُحافظةِ الأحساءِ قدْ شكَّلوا منْ أنفُسهم “عِصَابَةً سِرِّيَّةً مُتَخَفِيَّةً” فاغتالوا متصرف الأحساء “محمد أفندي رفعت” في سنة 1255هــ، وَأنَّ المُوجبَ لِلإغتيال رَفْضُ الأسرةِ، وقْتها، تَحقيقَ رَغبةِ “المُغتَالِ” بأنْ يتزوَّج فتاة بِعينِها من فَتَيَاتِها بِرضائها أيْ برضا الأسرة أوْ قَسْرًا، وَأنَّه هَدَّدَ أفراد الأُسرة، إذا لم يستجبوا لرغبتِهِ، فَسيأخذِ الفتاةَ بالقوةِ، وَيَقتْلُ رؤساءَ الأسرةِ، وَيُصادر أمْلاكَهم، وَيَطْرُدُ باقيهم مِنَ الأحْساء.

حادثُ اغتيال “المُتصرف” صَحيحٌ مِنَ الناحيَة التاريخيَّة، وقَد أجْمَعَ كَافَّة المُؤَرِّخين المُعاصِرِين لِلحادثِ وقْتها، أوْ منْ أتَى بعْدهم فيما بعْد، على صِحَّةِ وقوعِهِ. أمَّا أنْ تنسب “تهمةٌ” ذَاتَ إفْكٍ مَفادها أنَّ الذين اغتالوا “المُتصرِّفَ” هُمُ “عِصَابَةُ” أفرادٍ مِنْ أسرتِنا المُلْحميَّة فهِذه تُهمَةٌ عَارِيَةٌ مِنَ الصِّحَّة، وهِي مُجَرَّدُ وَهْمٌ كَوَهْمِ أنَّ بيْتَ العنكبوتِ مَتِينُ البُنيانِ، وَقويُّ الأركان لِلكافَّةِ. وتأبى أخلاقُ أفْرادِ أسرتنا أن يمارس أيُّ فرد منْهم عَمَلاً منْ  أعْمالِ عِصَابَاتٍ فِي جُنْح الظَّلامِ كِتلْكَ.

لقد تَناولتُ وقائع “الحادثة” بالتَّفَصيل مُحَقَّقَةً فِي فصْلٍ مِنْ فُصولِ مشروع كِتابٍ لِي عَنْ “تاريخ أسْرتِي” منْذ تواجــــد أفرادها في القرن السَّادسِ الهجريِّ فِي “الخُرمة” وَ”رَنْيَه” بِغَربِ “شبه الجزيرة العربية” وَحتَّى انتشارِهم فِي شرقِ “شبه الجزيرة العربية”، وَالقِسمُ الأكبرُ من أفرادِها منْتشرون فِي أيَّامنا المُعاصِرة في المملكة، وفي دولة الكويت، وسوف يأخذ “مشروع كتابي” طريقه للنَّشر، بعْد حينٍ، إنْ شاءَ الله. وَتأبى أسرتُنا أن تنسب إليها “تهمة” خَبِيثةً مَاكِرَةً.

وَلِوَضْعِ “السَّيفِ فِي غُمْدِهِ” كَمَا يَقولُ المثل، رأيتُ الآن نَشْرَ تفاصيلَ حادثةِ اغتيال “المتصرفِ”، (كما هِيَ مَرْصُودَةٌ وَمُوَثَّقَة بِبراهينَ في “مَشروع كتابِي”) كَجوابٍ لِمَنْ سَألونِي شخْصيًا أوْ هَاتفيًا عن حَقيقةِ مَا نُسِبَ لِأسرتنا، حَمَاهَا للهُ سُبحانَه وَتعالى مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، أوْ سُوءٍ، أوْ إِفْكٍ مَنْسوبٍ. وَالتَّفاصِيلُ كما يلِي:ـــ

إِنَّ اللاَّعِبين الكِبَارَ، وَاللهُ أعْلمُ، في الحَياةِ السِّياسيَّةِ فِي “الأحساء” قبْل، وَأثْناءَ، وَبَعْدَ، حَادثةِ اغتيال المتصرف في عَــــــامِ 1255هــــــ فِي عهْــــدِ “الدَّولةِ السُّعوديَّة الثانيَة” هُـــــمُ كَمَا يَلِي:ـــ

  • “خورشيد باشا” صَاحبُ الحملةِ المصريَّة على “نجد” المُرْسلُ مِنْ قِبَلِ “محمد علي باشا” وَالِي “مِصْرَ”، والذي صار صَاحبُ الأمْرِ وَالنَّهْيِ فِي “نجدٍ” وَ”الأحساءَ” بعْد نَجاح حَمْلَتِهِ؛
  • “عمر بن محمد بن عفيصان” الْمُعَيَّنُ أمِيرًا على “الأحساء” مِنْ قِبَلِ الإمامِ “تركي بن عبدالله” منْذ عامِ 1245هـــــ”، إلاَّ أنَّه تَرَكَ “الأمارة” وَهَرَبَ إلى “البحرين”، ومنْ ثُمَّ إلى “الكويت”، فِي عَامِ 1254هــــ إثْر السِّيادةِ السِّياسيَّة “لِخورشيد باشا” على كُلٍّ مِــنْ:ـــ “نجْـــد” وَ”الأحْساء”؛
  •  الأمير “أحمد بن محمد السديري” الْمُعَيَّنُ في عَامِ 1254هـــــ أمِيرًا على “الأحساء مِنْ قِبَلِ “خُورشيد باشا” بعْد هروبِ “العفيصان” إلى البحرين.
  •  “محمد أفندي رفعت” الذي تولَّى أمارة “الأحساء” فِي عهْد “خورشيد باشا”، وَكان قبْل ذلك نائبًا “لخورشيد باشا” أثناء حَملتهِ على “نجْد”، وَبعْدها عُيِّن أمِيرًا على “الأحساء”. أمَّا الأمير “السديري” فَعُزِلَ مِنَ الأمَارة” من قِبَلِ “خورشيد باشا” لِيكونَ فيها “وَكِيلَ بَيتِ المالِ”.
  • بريطانيا كَقوةٍ عُظمَى المُتواجـــــدةِ في عُمْــــقِ “الخليج العربي” وَأطرافِــــهِ الغَربِيَّة لِحمَاية مُمتلكاتها وَمحميَّاتِها فِي الخليج.
  •  رُؤساء بني خالد، وَكانوا في “الأحساء” وَمنْهُمُ:ــــ “برغش بن زيد بن عريعر”، وابن عمِّه “مشرف بن دوَيحس ابن عريعر”، و”طلال”، وقد سَبَقَ “لِبنِي خالدَ” أنْ كانوا حُكَّامًا فِي الأحساء.
  •  قَبيلة “العوازم” المُوَالين لِرؤساء “بني خالد”.
  •  ثَلاثة أنفارٍ تَصَدُّوا في سِرِّيَّةٍ تامَّة “لمحمد أفندي رفعت” فاغتالوهُ بِالقُربِ مِـنْ “عين نجم”، وَهُـمُ، كما ذُكِرَ تَارِيخيًا، مَــنَ “العَـوَازمِ” مِنْ أعْـــوانِ “آل عرَيعر”.
  •  تولَّى “السُّديري أمَارة “الأحساء” بعْد القتيل، ولم يبق بالأمــارة إلاَّ شَهْرًا تقريبًا، ذلك أنَّ “خورشيد باشا” أرْسَلَ “للأحساء” أمِيرًا آخر اسمه أيضًا “محمد أفندي” بَدَلاً مِنَ “السُّديري”؛ أمَّا السُّديري فقد أذِنَ له “البَاشا” في شهرِ رمضان بأن يُغادرَ “الأحساء”. ولم يبق “محمد أفندي” الثاني أمِيرًا “للأحساء” إذ فِي أقَلِّ مِنْ سنةٍ عَيَّنَ “الباشا خرْشد” بَدَلاً عنْه “حمد بن مبارك” رئيس “حريملا” لِيكونَ أمَيرًا على “الأحساء”.

وَبيتَ القصيدِ فِي تعاقبِ وُلاَةٍ على أمارة الأحساء هُـــــوَ أنَّ واقعةَ اغتيال المتصرف التركي قَدْ حدثت فِي عام 1255 هجرية؛ وكان التَّساؤل الذي ثـــار، وقتَها، هُــــــوَ التَّحقق، تَاريخِيًا، مــــن هَوِيَّــةِ قَتلةِ ِ “المُتصرف”؛ نَاهيكَ عن التَّحقق مِنْ معرفة سبب اغتياله؟ وفي هــــذا الخصوص تَعــددت الروايات منْها رِواية أنَّ الإغتيال كان بِمثابةِ عُقوبةٍ من الله سبحانــــهُ وَتعالى لِمظَالِــــمَ ارتكبها “المتصرف” فِي حَق أهالِي “الأحساء”؛ وفي هــــذا الرَّأيِ وَجَاهَـــــة من النَّاحيَة السِّياسِيَّة حيْث أنَّ المَظالمَ التي ارتكبها هذا “المُتصرف” كانت ثابِتة، تَاريخيًا، عنْد كَافَّةِ المُؤرِّخين، وأنَّ  واقعَةِ اغتيالِهِ كانت بِسبَبها.

كَمَا وَرَدَ في قواعد التَّواصل الاجتماعـــي رِوَايَــــة غير مُوَثَّقة، وَمُختلَقة، وَكَاذبَة، وَعَديمةِ البُرهان، مفادها أنَّ مَنِ اغتالَ “محمد أفندي رفعت” كان ثلاثة أفراد من “أسرة آل ملحم” حينما أبْدى المُغْتَالُ رغبته لأفراد الأسرة أنْ يتزوج فتاة من فَتَيَاتِهَا برضائها أي برضا الأسرة أو قَسْرًا وَكُرْهًا. وهذه الرِّواية غيرُ صحيحة، بَلْ وَمَدْسُوسَةُ، بعْد حِينٍ مِنَ الاغتيال، على أسرتنا، أسرة آل ملحم، ولمْ يَقْمْ عليها “بُرْهَانٌ”، وليس من أخْلاق أفراد أسرتنا فِعْل ذلك أبَدًا، ولمْ يُعْهَدْ، تَارِيخيًا، أنَّ مِنْ طِباعَها أنْ يُمارِسَ أفراد منْها القتل في “هيئةِ عصابةِ لِصوصٍ” ذَاتِ تَكَتُّمٍ وَسِرِّيَّةٍ” وذلك على النَّحو المَنشورِ عنْ أسرتنا، كذبًا وَبهتانًا، فِي “قواعد التَّواصلِ الاجتماعيِّ” فِي أيَّامِنَا المُعَاصِرة. ولكن هناك مَنْ رغبُوا، تاريخيًا، مِنْ أمثالِ “عبدالله بن محمد البسام” غفرَ اللهُ لَهُ في كتابه “تحفة المُشتاق فِي أخبار نجد ونجد والحجاز والعراق” وغيرهم أنْ يَدُسُّوا أخبارًا كاذبة مُفَبْرَكَةُ بعْد حينٍ من اغتيال “محمد أفندي رفعت” بدون براهين، وأنْ  يُلْحِقُوا مَا حَدَثَ “لمحمد أفندي رفعت” بمثابة “وَصْمَةَ عَارٍ” فِي تاريخ أسْرتِنا. وفيما يلي فِي تَسلْسلٍ تاريخيٍّ مُوَثَّق لِلرِّواياتِ عَنِ وَاقعةِ الاغتيال؛ وَهِيَ رِوَاياتٌ لَمْ يَرِدْ فيها ذِكْرٌ لِأَيِّ فرد مِنْ أفْرادِ أسرتنا أبَدَا.

الرِّوايَة الأولى

وَهِيَ رواية “ابن بشر” المعروف، وهُو مُؤَرِّخُ تاريخ “نجد” فِي عَصْرِهِ. يرى “ابن بشر” أنَّ الاغتيال كان بسبب مَظالمٍ ارتكبها “الأفندي”. وَأرَّخ “ابن بشر” في كتابِه:ـــ عنوان المجد في تاريخ نجد، ج/2، /108 ـــ 111، تحقيق عبدالرحمن بــن عبداللطيف بن عبدالله آل الشيخ الملقب “بِالبَحَــــر”، طَبعة وزارة المعارف /1391هــ، تفاصيل اغتيال “محمد أفندي” بِسبَبِ مَا مَارَسَهُ هذا “المتصرف” مِنْ مَظَالمَ فِي حَقِّ أهلِ “الأحساء” بِصفةٍ عَامَّةٍ حيث كانت المَظالمُ هِيَ المُبَرِّرُ لِاغتياله فنَال جزاءه؛ وَمِنْ أنَّ  القتلة كانوا من “العــــوازم” مِنْ أعوان “آل عريعر” وإنْ كان “ابن بشر” لم يذكرْ مَاذا تَمَّ بشأنِهم؟، وَهَلْ أعْدِموا أمْ لا؟ مُكتفيًا بِعبارات منْها أنَّ “السُّديري” وكيلَ بيت المال فـــي “الأحساء” قـد أرسلَ إلى “العوازم” المُتَّهمِين بِالقتل، وحَبَسَهَم.

وَبِالنَّظــــرِ إلى أهمــــيَّة الخلفيَّة السِّياسِيَّة التي أدَّت بِتراكماتِها خلال عَامِ 1255هـــ وَقَبْلَهُ إلى اغتيال أمير “الأحساء” “محمد أفندي رفعت” مِمَّا أفاد بِهِ “ابن بشر” كَمُؤرخٍ مُعُاصرٍ لِلحادثةِ، أرَى، مِنْ باب الأمَانَةَ التَّاريخيَّة، أنْ أنْقل فيما يلِي تصوراتَ “ابن بشر” عنْ خلفية الاغتيال لتفهُّمِ الوضع بِرُمَّتهِ سِيَاسِيًا خلال عَامِ 1255هــ، وَقَبْلَهُ.

يقول ابن بشر:ــ “وَأمَّا “عمر بن عفيصان” فإنَّه لمَّا بلغه أمْرَ “فيصل” رَحَلَ من الماء الذي هُو عليه، وَقَصَدَ الأحساء، فلمَّا كان، بعْد مصالحةِ فيصل مع أهل الخرج بيومين، أرسل “الباشا” عبدالرحمن الحملي بِكُتُبٍ “لِعمر العفيصان” وَرؤساء الأحساء وَأعطاهم الأمان، وَأمرهم بالقدوم إليه يحفظون بيت المال، فلما وصلهم “الحملِي” وَعَرَضَ الخطَّ على “عمر” قال سمعًا وَطاعةً، وَأمَر الرؤساء يتجهَّزون إلى “الباشا”، وَقامَ يتجهَّزُ معهم للذهاب إليه على أعْين الناس، وهُو يجمع ما كان له في “الأحساء” مِنْ مالٍ ومتاع وغير ذلك، وما كان من بيت المال يدفعه إلى “وكيل الباشا”، فلما فرغ ما كان لَهُ أمَرَ أهلَ الأحساء بالرًّكوب فَخَرَجَ الجَميعُ من الأحساء قاصدين “الباشا”، فلما صاروا خارج البلد أخبرهم بِمُراده وقال أنتمُ اقْصدُوا “باشتكم”، وَخُذُوا منه الأمان على أنفسكم وبلدكم، وأمَّا أنَا فأنَا خائفٌ على نَفسِي، وَرَحَلَ وقصد “العقارية” القصر المعروف بِقُربِ “العقير” ثُــمَّ عَبَرَ إلــى “البحرين”، وأقـــــام عند  “آل خليفة” ثم عَبَرَ إلى الكويت ونزل فيه، وركب أهل “الأحساء” إلى “الباشا” وَأعطاهم الأمان، وَأذِن لهم يرجعون إلى بلادهم وذلك في شهر شوال. ثم أنَّ “الباشا” بعدما رَحَلَ أهلُ الأحساء إلى بلادهم أَمَرَ على “أحمد بن محمد السديري” يَقْصُدُ الأحساء أميرًا فيه وذلك لما أراد الله أن يسكِّن روْعتهم، وَيثبِّتهم في بلادهم لأنه وَقَعَ بأهل الأحساء رَجفةٌ وَرُعبٌ وَخَوفٌ من عسكر الروم مَعَ ما وَقَعَ بهم مِنْ هروبِ أميرهم “عمر بن عفيصان” ولَو كان الأمر وقع على غير “أحمد” عنْد هذه الصَّدمةِ الأولى لَوَقَعَ في الأحساء خَلَلٌ كبير، وَلَهَربَ منْهم الجَمُّ الغفير، فركب “أحمد” وَمَعَهُ عِدَّة رجال من أهل “سدير” وَغيرهم، ثم أمَرَ “الباشا” أن يركب معهُ من العسكر مائة وثلاثون خيَّالاً رئيسهم رَجُلٌ من المغاربة يُقال له “أبوخزام”، فسار “أحمد” بالجميع، وقصد “الأحساء”، فَوَرَدَ البَشيرُ عليهم أنَّ القادم عليكم “أحمد” أمِيرًا فاطمأنت منْهم القلوب بعْد ما كان قد تَهَيَّأ كثيرٌ منْهم للهروب فدخل “الأحساء”، وَنزلَ بيت الأمارة الذي فيه “عمر بن عفيصان” فِي “قصر الكوت”، وَفرَّق العساكر وَالرِّجال فِي القصورِ وَالثغور، فَجَعَلَ في “قصر صاهود” خمسين رجلاً، وَفي “قصر ماجد” خمسة وعشرون، وَفرَّق باقي العسكر عند البِيبَانِ وَفي البروج. ثم بعْد ذلك بِقريب شهر أرسل “الباشا” إلى “الأحساء” خمسين رجلاً من العَسكرِ وَالعَربُ رئيسهم رَجُلٌ من المغاربة اسمه “محمد الفاخري” وَأمرهم ينزلون في “قصر الكوت” ثم أمــــرَ “أحمد” على المدافع التي في هذا القصر وَجَعَلَ فيها صُنَّاعًا، وَأصلحَها وَوَضعَها فِي مَواضعِها، وزار “أحمـــــد” علماء الأحساء وَقُضاتهم وَأعيانهم فدعوا لَهُ وشكروه، وَصَفَحَ عن المُحسنِ وَالمُسيء، وَجَعَلَ كُلَّ رجل منهم في مرتبته، ولا غَيَّرَ على أحدٍ، وأعطى الأمانَ “رجاجيلَ بن عفيصان”، وَجعلهم فِي مراتبهم على عاداتِهم وَخراجِهم، وَأرسل إلى أهل “القطيف” يقبلون إليه، فركب إليه رؤسائهم “علي بن عبدالرحيم” أمير “سيهات”، وَ”آل بن غانم سعود وأخوه” و”أبَا السعود” وبايعوه، وركب الكاشف وعسكر من الترك حُفَّاظ في القطيف، وأرسل  “خرْشد” رجل من عسكره يُقال له “طاهر” وَجَعَلَهُ رئيس في عسكر القطيف، وأرسل “أحمد” خَراريصَ لثمرة الزَّرع فِي الأحساء وِالقطيف من العرب فخرصوها مِنْ غير تَعَدٍّ ولا ظُلْمٍ، ولم يزل بعد ذلك هذا الاقليم في أمنٍ وأمانٍ حتى قَدِمَ “محمد أفندي” من “البحرين” وهُــــــو الذي أرسله “الباشا” إلى أهلِ “البحرين” وأهلِ “فارس” وغيرهم، وذلك أن “خرْشد” بعْد مصالحة أهل الخرج أرسل “محمد أفندي” هذا إلى “البحرين” وَإلى “فارس” بِمراسلاتٍ “لِآل خليفة” وغيرهم، وَلاَ اتَّفق بينَهم حَالٌ، ثُمَّ قدم “فارس” فاشترى كثيرًا من البُّرِّ والشَّعير وغير ذلك وَأنفَذه إلى “الأحساء”، فلما قدم الأحساء كاتب “الباشا” فأمَره بالرجوع إلى “البحرين” فوصل إلى “آل خليفة” وصالحهم، ثم رجعَ إلى “الأحساء” وكاتبَ “الباشا”، فكتب إليه “الباشا” أنَّه أمَيرٌ على “الأحساء”، ويكون “أحمد” في بيتِ المال، وهذه عادة ولاية التُّرْكِ ( أوَّلها مَطَرٌ، وآخرها بَرْدٌ وَصَواعِقُ )، فاستقلّ  بِالحكمِ، وَدبَّره تدبيرَ حَاكمٍ ظَالمٍ، وَأظهرَ في هذا الإقليم كَثير مِنَ المَظالمِ، وَوَضَعَ عليهم مظالمَ عديدة، ووطَّأهم وطئَة شديدة فمنْ ذلك أنْ خَرَصَ القَتّ عقبات، وأهل الأحساء يسمون مِلْءَ الكفَّين عُقْبَةْ، ووضع عليه مِيري نحو العشير، ثُمَّ وَضَعَ على الدَّكاكين وَالحواويك والنَّجارين وَالغزَّالين وَالصُّناع وَالصَّفَّارين حتَّى مَجالسَ أهْـــــلِ البيع والشِّراء في الموَاسمِ، وَأخذ على أكثرهم كلَّ شهرٍ شيء معلوم، وَوَضَعَ على كُلِّ ما بِيعَ من بعير وحمار وبقر وأغنام وتمر ودهن وعيش إلى غير ذلك مِنَ المَظالمِ التي لا تُعرف في هذه الناحية قَبْلَهُ، فلم تزل فعاله فِي ترقُبات، وَمَظالمه المُتعِّددة في زِياداتٍ فما كان إلاَّ أشهر وَأيَّامٍ قَليلاتٍ حتَّى أنشد لِسَانُ الدَّهرِ مُترنِّمًا بِالجوابِ:

إِذَا تَمَّ شَيْءٌ بَدَا نَقْصُهُ ــــــ تَوَقَّعْ زَوَالاً إِذَا قِيلَ تَمّْ

وَطالما صَعَدَ إلى السماءِ دُعاءُ مَظلومٍ لا ناصرَ لَهُ إلاَّ اللهُ، فاستجاب نَاصرَهُ لَهُ دُعاهُ، فَرُمِيَ كَمَا رُمِيَ أصحابُ الفيلِ، رَماهُ اللهُ بِحجَارةٍ منْ سجِّيل فأوقعه القَادرُ فِي حُفرةِ الظالمين، وَجعلَهُ نَكالاً لغيره من المُعْتدين. فلما كانت غرة شعبان من هذه السنة أعْنِي سنة خمسة وخمسين أقبْل مِنْ “عين نجم” المعروفة فِي الأحساء بيْن العشائَين وَمَعَهُ منْ أعْوانِهِ الشًّجعان خمســـــــة مِنَ الفُرسان وَغلامه بيْن يديْه بِيَدِهِ فَنَر فيه سراج وهُو يُريدُ دخول بلد الهفوف وَبيتُهُ فيه، فَرَصَدَ له على طريقه ثلاثــة رِجالٍ معهم ثلاثة بنادق، فلمَّا أقبل عليهم ثَوَّرُوا البنادق فيه، فوقعتْ واحدة فِي رَأسه، وَوَاحدةٌ فِي قَلبِهِ، وَوَاحدةٌ فِي الفَنَر الذي مع خادمه فَخَرَّ صَريعًا، وَسقَط على جنبهِ سريعًا، فَفَرَّ عنْه أصحابه وَتركوه، وَلاَ أغْنَو عنْهُ وَلا نفعوهُ، وَهَرَبَ الذين قتلوهُ كأنهم ابتعلتهم الأرضُ، فرجع إليه بَعْضُ خدَّامه فوجدوه مَيِّتًّا فَحملهُ إلى بيته فِي “قصر الكوت”. ثم أُخْبِرَ السِّديري، فلما أصبح الصباح، ونادى مُنادِي الصلاة حَيَّ على الفلاح، وَانْجلى الظلامُ، وَظهرتْ عَيْنُ الشمسِ علَى الأنام، خاف “أحمد” مِنْ مَلاَمٍ، أوْ يلحقه تهمةً مِنْ “رئيس الأرْوام” فَأَمَرَ مَنْ ينادي فِي المَوسمِ كُلَّ يَـــــوْمٍ مَنْ أخبرنا بِقاتل الأفندي فلَه خمسمائة ريال، فقيل لهُ أنَّ الذي قَتَلَهُ فـلان وَفُـلان ثلاثة مـن العـــوازم مِــنْ أعْـــوان “آل عريعر”، فأرسل إليهم وحَبَسَهُمُ، وكان في “الأحساء” مِنْ رُؤساءِ بنِي خالد بُرغش بن زيد بن عريعر وابن عمِّه مُشرف بن دويحس ابن عريعر وطلال، وكانوا قد وَفَدُوا على “الباشا”، وطلبوا منْه رياسة “الأحساء”، فأبَى عليهم، فسكنوا في “الأحساء” على غيرِ شيءٍ؛ وكان “الفاخري” رئيس العسكر عنْد أعراب العُجمان يَجمعُ رحايل فلما بلغه الخبر أقبل مُسرعًا، فلما دخل بيته جاءه رؤساء بني خالد يسلمون عليه فحبسهم، وأخذ سلاحهم، فأقاموا عنْده أيَّامًا ثم أطلقهم”. انتهى.

وَلَمْ يَصلْ لِعِلْمِي أنَّ هُنَاكَ مُؤَرِّخٌ مِنَ المُؤرِّخين قد انتقد  رِوايَة “ابن بِشِر”، أوْ شَكَّكَ فِي مِصدَاقيَّتها، أَوْ أنَّها رِوَاية كاذبَة.

الرِّوايَة الثانية

وَهِيَ رِواية تَستندُ إلى أنَّ الدَّافع وَراءَ اغتيال “المتصرف” هُو دَافِعٌ سِيَاسِيٌّ. وَصاحبُ الرِّواية هُوَ الدكتور “محمد عرابي نخْله” حيْث قال في صفحة (97) مِنْ كتابِهِ:ــ (“تَاريخُ الأحساءِ السِّياسِي” 1818هـــــ/1913م، ط/97، منشورات ذاتِ السَّلاسِلِ، الكويت) فِي أسلوبٍ تاريخيٍّ رَبَطَ فيه الأحْداثَ بِشكلٍ سياسيٍّ سَلِسٍ مُقْنِع كما يلي:ــــ “ويبدُو أن مقتل “محمد أفندي رفعت” كان بدافع سياسي إذ كان شيوخ “بني خالد” قد تقدَّموا إليه يطلبون رئاسة الإقليم فَرَفَضَ طلَبهم، وكان “محمد أفندي” قد بَطَشَ فِي “الأحساء” لِيثبتَ دعائمَ حكمه هناكَ، فيبدو أنَّ “بني خالد” قد حاولوا التخلص منه ليصفو لهم الجو مِنْ بَعْدِهِ أوْ على الأقلِّ ليزيلوهُ مِنْ طريقهم، وإن كنتُ لا أستبعد أن يكون لِلبِرِيطانَيِّين يَــــدٌ فِي مصرعهِ لأنَّـــــه [أي محمد أفندي] وراء النَّشاطِ المِصْرِّيِّ في منطقة الخليج إذ كان المُنَفِّذ المُباشرُ لذلك النَّشاط في كثير من الأحيان. ولقد وَقَعَ خبَر مقتل “محمد أفندي” على مسامع “خورشيد” وُقوعَ الصَّاعقة فراح يَأْمُرُ بإعدام شيخ “آل حميد” زعيم “بني خالد” انتقامًا لِمقتل نائبه، وَفِعلاً تم تنفيذ حكم الإعدام في الشيخ “برغش آل حميد” على يَدِ القوَّات المِصريَّة، وَأرسل “خورشيد” نائبًا جديدًا عنْه إلى الإقليم أسمه أيضًا “محمد أفندي” ولكن عَهْدَهُ “بالأحساء” صار قَصيرًا جِدًا فلم يكد يستقر فيها حتَّى أصدر “خورشيد” أمْره بِإسنادِ ولايةِ “الأحساء” إلى “أحمد بن مبارك” أحد أصْهاره النَّجديِّين وهُو مِنْ بلدةِ “حريملا”، وذلك على إثرِ قرارهِ الانسحابِ من نجْد في مايو عام 1840م”.  انتهى.

وَلمْ يَصلْ لِعِلْمي أنَّ هناكَ مُؤَرِّخٌ من المُؤرِّخين قد انتقد رِّواية الدكتور “نَخَلَة” أَوْ كذَّبَها.

الرِّوايَـــة الثالثة

وَهِـيَ رِوايـة الأديـب المُحَقِّـقُ” أبو/عبدالرحمـن ابن عقيل الظَّاهِـرِي”؛ وَهِيَ رِوَاية أثبَتها، تاريخيًا، بَعْد أنْ تَحَقَّقَ منْها فِي مَقالــــةٍ لَهُ بِعنوان:ـــ “أحمد السديري الأوَّل”، وَقَدَ نَشَرَهَا بصفحات (67 ـــ 69) من مَجلَّة “الدِّرعيَّة”، العَدَدُ الأوَّل ــــ السنة الأولى، الصَّادرة فِي محرَّم عام 1419هـــ؛ وَهِـــيَ مَجَلَّة مُحَكِّـمــةٌ تُعْنَى بِتاريخ المَمْلكـــةِ العَربيَّة السُّعوديَّــــة، وَالجزيرة العربية، وَتُراث العرب. وَمَا نشرهُ “ابن عقيل” هُو كمَا يلِي:ـــ  وَلَمْ يزل بعْد ذلك هذا الإقليم في أمْنٍ وَأمَانٍ حتَّى قَدِمَ محمد أفندي مِنَ البحرين (وهو الذي أرسله الباشا إلى أهلِ البحرين وأهلِ فارس وَغيرهم) .. وذلك أنَّ “خرْشد” بعْد مُصالحةِ أهلِ الخرج أرسل محمد أفندي هذا إلى البحرينِ وإلى فارسَ بِمُراسلاتٍ “لِآلْ خليفة” وغيرهم .. وَلاَ اتَّفَقَ بينهم حَالٌ، ثم قَدِمَ فارس فاشترى كثيرًا من البُرِّ وَالشعير وغير ذلك وَأنفذه إلى الأحساء، فلما قَدِمَ الأحساء كاتَبَ البَاشا، فأمـــرهُ بالرِّجـــوع إلى البحرين، فوصـــل إلى آل خليفة وصالحهم، ثُمَ رَجَعَ إلى الأحساء، و كاتَبَ البَاشا، فكتب إليه البَاشا أنَّه أمِيرٌ على الأحساء، ويكون أحمد في بيت المال .. وهذه عادة ولاية الترك: أوَّلها مَطَرٌ، وآخرها بَرْدٌ وصَواعقُ. فاستقل بِالحكمِ، ودَبَّره تدبيرَ حَاكمٍ ظَالِمٍ، وَأظهرَ في هذا الإقليم كَثيرًا مِنَ المظالمِ، وَوَضَعَ عليهم مَظالمِ عديدة، وَوَطَّأَهم وَطأة شديدة، فَمنْ ذلك أنَّه خَرَصَ القَتَّ عقبات .. وَأهلُ الأحساءِ يسمون ملْأَ الكفَيْن منْه عُقْبَة، وَوَضَعَ عليه ميري نحو العشير، ثم وضع على الدكاكين والحواويك والنَّجارين والغزَّالين والصُّناع والصَّفارين .. حتَّى مَجالس أهل البيع والشراء في المَواسمِ .. وأخذ على أكثرهم كُلَّ شهر شئٌ مَعلومٌ وَوَضَعَ على كل ما بِيع مِنْ بعير وحمار وبقر وأغنام وتمر ودهن وعيش .. إلى غير ذلك مِنَ المَظالِم التي  لا تُعرفُ في هذه الناحية قبْله .. فلم تزل فِعالهُ فِي ترقُّيات، ومَظالمهُ المتعدِّدة في زيادات، فما كان إلاَّ أشْهُرٌ وَأيَّامٌ قليلات حتى أنشدَ لِسانُ الدَّهرِ مُترنمًا بالجواب:ــ

إذا تَمَّ شيء بدا نقصه …… تَوَقَّعْ زَوالاً إذا قيل تَمْ

          وَطالَمَا صَعَدَ إلى السماء دُعاَءُ مظلومٍ لا ناصرَ لَهُ إلاَّ الله، فاستجاب لَهُ نَاصرهُ دعـــاه، فرُميَ كما رُمِيَ أصْحابِ الفيل .. رَماهُ اللهُ بِحجارةٍ من سجِّيل، فأوقعه القادرُ في حفرةِ الظالمين، وَجعلهُ نَكالاً لغيره من المُعتدين .. فلما كان غُرَّةِ شعبان من هذه السنة .. أيْ سنة خمسة وخمسين أقبَل مِنْ “عين نجم” المعروفة في الأحساء بيْن العِشَائَين ومعه من أعوانِهِ الشُّجعان خمسةٌ مِنَ الفُرسان، وَغلامهُ بيْن يدَيه بِيَدِهِ فَنَرٌ فيه سراج، وهُو يريدُ دخول بلدة الهفوف وَبيته فِيهِ، فَرصدَ لهُ على طريقه ثلاثة رِجال مَعَهُمُ ثلاث بنادق، فلما أقبْل عليه ثوَّرُوا البنادق فيه، فَوقعتْ وَاحدةٌ فِي رَأسهِ، وَوَاحدةٌ فِي قَلبه،ِ وَوَاحدهٌ فِي الفَنَرِ الذي مَعَ خادمه، فخرَّ صريعًا، وَسَقَطَ على جنبه صريعًا، ففرَّ عنْه أصحابهُ وتركوهُ، وَلا أغْنَوْا عنْه وَلا نفعوهُ، وَهربَ الذين قتلوه كأنهم ابتعلتهم الأرض، فَرَجَعَ عليهِ بعضُ خدامَّه، فوجدهُ ميتًا، فحملهُ إلى بيته في قصر الكوت، ثُمَّ أخبر السَّديري .. فلما أصبح الصباح، نادى منادي حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح، وَانْجَلى الظلام، وظهرت عينُ الشمس على الأنام: خاف “أحمد” مِنْ مَلاَمٍ، أوْ يلحقهُ تهمة مِنْ رئيس الأرْوام، فأمرَ أن ينادي فِي الموسم كُلَّ يومٍ: مَنْ أخبرنا بقاتل الأفندي فَلَهُ خمسمائة ريال .. فقيل لهُ: إنَّ الذي قتله فـلان وفـلان (ثلاثة مِنَ العَوَازمِ) مــــِنْ أعْـــــوانِ آل عريعر، فأرسل إليهم وحبسهم .. وكان في الأحساء من رؤساء بني خالد برغش بن زيد بن عريعر وابن عمه مُشرف بن دويحس بن عريعر وَطلال، وكانوا قد وَفَدُوا إلى الباشا، وطلبوا منْه رئاسة الأحساء، فأبَى عليهم، فسكنوا في الأحساء على غيرِ شيءٍ .. وكان الفاخري رئيس العسكر عنْد أعراب العُجمان يجمع رحائل، فلما بلغه الخبر أقبل مُسرعًا، فاقاموا عنْده أيَّامًا ثم أطلقهم. ولما بلغ الخبر البَاشا بِقتل الأفندي جزع عليه جزعًا شديدًا، وَأَمَرَ على “أفندي” عنْده اسمه “محمد”، وجهزَّ معه عَسكرًا، وأرسله بَدَلَهُ، ثم جهَّز بعدهم عَسكرًا آخر، فجلسوا بعسكرهم فِي الأحساء، ثم أمضوا ما قرَّر لهم الأفندِي الظالمُ مِنَ المظالمِ، وصادروا أهلَها كما صادرهم ذلك الظالم، وناقشوهم عليها كما ناقشهم بها، فشقيَ هُوَ بأوزارِها، وَبَقِيَ عليه فِي الدنيا عارَها. فلما كان في رمضان من هذه السنة (أعني السنة الخامسة) أرسل الباشا إلى “أحمد السديري”، وأذِن له أن يزور أهله وأولاده، وأرسل مكانه عيسى بن علي بن فايز رئيس الجبل، وجعله في بيت المال، وَقَدِمَ أحمد على “الباشا” في ثَرْمَدَا، ثم قصد أهله .. انتهى.

وَلْمْ يَصِلْ لِعِلْمِي أنَّ هناك مِنَ المُؤرخين مَنْ عارضَ أوِ انتقدَ مَا تَوَصَّل إليه الأدِيبُ المُحَقِّقُ” أبو/عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري” مِنْ معلوماتٍ تَاريخيَّةٍ ثابتةٍ.

الرِّوايَـــة الرَّابعة

وَفـيَ رِوايـة “ابن عبدالقادر” مُؤلِّفُ كتاب “تحفة المُستفيد”. وَفِيها سَـرَدَ “ابن عبدالقادر” أحْداثَ سنة 1255هــــــ باِخْتصارٍ شَديـــدٍ. وَعِنْدَ تناوله لِاغتيال “الأفندي” فَقَدْ رواها كما رَوَاهَا “ابن بشر” وَبِتصرفٍ مُقتَضبٍ، وإنْ كان “ابن عبدالقادر” لمْ يُشِرْ لاَ مِنْ قَريبٍ أَوْ مِنْ بَعيدٍ إلى أسْماءِ مَنِ اغتالوا “المتصرف”، وَلكنَّه أضافَ أنَّ “أحمد السديري” بَثَّ الجواسيس بَحثًا عن القتلة، وَجَعَلَ لهم الجَوائزَ إذا عرفوا القتلة، وَدلَّوهم عليهم، فلم يُعثر به على خبَر. لنرى الآن كيف وَصَفَ “ابن عبدالقادر”، كَمُـــؤرخ ذِي ثِقَةٍ فـِــي كتابه ـــ: “تحفة المُستفيد بتاريخ الأحساء في القديم والجديـــد، القسمُ الأوَّلُ، ص/153 ـــ 154، ط/1402هــ، قصة اغتيال المتصرف وذلك كَمَا يلِي:ـــ في شوال سنة ثلاث وخمسين ومائتين وألف ، قدم “خورشيد” منْ “مِصْرَ”، ومعهُ حملة من العساكر المِصريَّة، ولمَّا وَصَلَ “ينبع” أرسل الشريف “عبدالله” رئيس “ينبع” إلى الإمامِ “فيصل” بِهديةٍ، فقدم عليه في منفوحة، فقبلها، ثم جهَّز أخاه “جلوي بن تركي”، بَهديةٍ إلى “خورشيد”، فقدم بها عليه، وهُو في “المدينة المنورة”، ثم رحل “خورشيد” من “المدينةِ”، وَمَعَهُ “جلوي بن تركي”، وَوصلَ “القصيم”، ولما دخل “خورشيد” مدينة “عنيزة” هَرَبَ “جلوي”، وتوجَّه إلى أخيهِ “فيصل”، وكان قـــــد رحل مِنْ “منفوحة”، ونزل بلد “الدلم”، وفي آخر رجب سنة أربع وخمسين رحــــــل “خورشيد” مــــن “عنيزة” مُتوجهًا إلى “الرياض”، ثم سار من “الرِّياض” ومعه “خالد بن سعود”، إلى مُحاربة الإمام “فيصل” في بلد “الدلم”، فَخَرَجَ إليه الإمام بجنوده، وَالتحمَ الفريقان، وقُتِلَ من الفريقَين قتلى كثيرة، وتعدَّدت الوقعات بينهم، وقَـــــدِمَ على “فيصل” “عمر بن عفيصان” بِمَدَدٍ من “الأحساء” وذلك لسبع خلون مِنْ رمضان، وَجَرَتْ بيْن الفريقين ملحمة عنيفة، كادت تفني الجيشين، ثم تتابعت الإمدادات على “خورشيد، فقوى عزمه على مواصلةِ القتال، ولما عَلِمَ “فيصل” بذلك، ورأى أنَّ جنده قد أنهكته الحرب كتب إلى خورشيد في طلب الصلح، وذلك في العشرِ الأواخرِ من رمضان، فأجابَهُ على شرط أن يًسَلِّمَ نفسه، وَيَرحلَ إلى مصر، فلم يجد الإمام بُدًا من ذلك، وقبِل الشرط، فجهَّزه “الباشا” ومعه “حسن اليازجي” فِي فِرقةٍ من العسكر، فرحل الإمام، ومعه أخوه جلوي وعبدالله ومحمد أبناء الإمام فيصل، وعاد “عمر بن عفيصان” إلى “الأحساء”. ولما رحل الإمام “فيصل” إلى “مصر” كتب “خورشيد” إلى “عمر بن عفيصان”، بأن يتوجَّه إليه مع جماعةٍ من أعيان “الأحساء”، ولما خرجوا من “الأحساء،” أمَرَ “عمر بن عفيصان” أهلَ “الأحساء” أنْ يتوجَّهوا إلى “خورشيد”، وَهَرَبَ هُوَ إلى “الكويت”، ولمَّا وصل أهـــل “الأحساء” إلى “خورشيد” أعطاهم الأمان، وأمــــرهم بالرجوع إلى وطنِهم، وأرسل معهم “أحمد بن محمد السُّديري” أميرًا في “الأحساء” وَمعه مائة وثلاثون فارسًا مِنَ العساكر المصرية، ورئيسهم “أبوحزام المغربي”، ثُمَّ أتبعهم “بالفاخري” وَمعهُ خمسون فارسًا، ثم أرسل “محمد أفندي” لِسَنِّ الضرائب، وَترتيب طرق الجباية التي لم تكن معروفة، وَلاَ مألوفة في تلك البلاد، وَاستمرت الحال على ذلك إلى شعبان سنة خمسة وخمسين ومائتين وألف. وكان “محمد أفندي” يَخرجُ كُلَّ يومٍ بعْد صلاةِ العصرِ إلى “عين نجم” للاستحمام والاستجمام، وَيَعُودُ بعْد صلاة المغرب، وفِي شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وألف جلس لَهُ كمين في شجر النَّخيل، التي في طريقهِ إلى “عين نجم”، ولما رَجَعَ بعْد صلاة المغرب أطلقوا عليه الرصاص، فأصيب في رأسه وَقلبه، فَخَرَّ صريعًا يتخبَّط في دَمِهِ، وَماتَ من ساعتهِ، وحُمِلَ إلى بيته، وَبَثَّ “أحمد السديري” الجواسيسَ، وَجَعَلَ لهم الجوائز، إذا عرفوا قاتله ودلُّوه عليه، فلم يُعثر له على خبر، ولما بلغ “خورشيد” خَبَرَ قتلِهِ أرسل بدَلاً له، وزيادة الجيش المُرابط في “الأحساء”. وفي آخر سنة خمس وخمسين ومائتين وألف عَزَلَ “خورشيد” “أحمد السديري” عَنْ أمارةِ “الأحساء”، وَأرسلَ “عيسى بن علي بن فايز” منْ أهل حايلَ، واليًا على بيت المال فِي “الأحساء”.  انتهى.

وَلمْ يصلْ لِعلْمِي أنَّ هناكَ مَنْ أنْكَر على “ابن عبدالقادر” رِوايتَهُ؛ وَهُو مِنْ مُؤرِّخي أهْلِ الأحْساءِ الثقَّاة.

الرِّوايـــةُ الخَامِسَـــة

وَهِيَ رِواية “عثمان بن عبدالرحمن المُلا” فِـي الجُزءِ الثانِي مِنْ كتابِهِ:ـــ تاريخ هَجَر، فِي صفحةِ (734) إذ أوْردَ، فِي صُورةٍ مقتضبة، وَاقعة قتلِ “الأفندي” دُونَ أنْ يُنَوِّهَ، مثل “ابن عبدالقادر” عَنْ أسماء المُغتالين. وروايته كما يلي:ـــ وَفِي هذه الأثناء اغتِيل حاكم الأحساءِ “محمد أفندي رفعت” وهُو يتريَّض في بستان “عين نجم” بقرب الهفوف، فكان لخبر موْته وَقْعٌ بَالغُ الألمِ في نفس خورشيد، فاصدر أوامره بإعدام برغش آل حميد شيخ بني خالد لِاعتقاد خورشيد بأن لبني خالد ضِلعًا في اغتيال نائبه. وأرسل خورشيد نائِبًا عنْه إلى الأحساء اسمه أيضًا “محمد أفندي”، فلم يكد يستقر فيها حتى أصدر خورشيد أمره بإسناد ولايــــــةَ الأحساء إلى “أحمد بن مبارك” أحد أصهاره النَّجدِيِّين من بلدة حريملا وذلك في أعقاب قراره بالإنسحاب مِنْ “نجْـــــد” سنة ألف ومائتين وستة وخمسين هجرية الموافق عام 1840م. انتهى.

وَلمْ يصلْ لِعلْمِي أنَّ هناكَ من المُؤرخين من أنْكَرَ على “عثمان بن عبدالرحمن المُلا” رِوايتَهُ أوْ شَكَّكَ فِي مِصْداقيَّتِها.

الرَوايَـــة السادسة

وهِي رِوايــة الدكتور “حمــــد بن محمد القحطاني” مُؤَلِّفُ كِتابِ “الأوْضَاع السِّياسِـيَّة وَالاقتصَاديَّة وَالاجتماعيَّة فِي إقليم الأحساء 1288 ـــ 1331هـــ /1871 ـــ 1913م، وَمُؤَلَّفَهُ فِي الأصْـلِ رِسالَـةَ دكتوراة؛ وَفِي رِوايته توسَّع الدكتورُ فِي العَرْضِ مَـــنَ النَّاحية التَّاريخية حيْث أسْهَبَ فِي تأرِيخ حادثةِ اغْتيال “محمد أفندي”. وَمِمَّا أرَّخه في صفحتي 58 ـــ 59 عن الحَادثةِ مَا يلِي:ـــ “بعد السَّيطرة على نجْد بَعَثَ قائد القوات المصرية مندوبه عبدالرحمن الحملي إلى “عمر ابن عفيصان حاكم إقليم الأحساء يطلب منْه القدوم له مع أعيان سكان الإقليم لإعلان الولاء وَالطاعة لَهُ، فوافق “ابن عفيصان”، واتَّجه مع بعض الأعيان لِمقابلةِ خورشيد باشا، وَفي الطريق غيَّر ابن عفيصان رَأْيَهُ، وَرَفَضَ مُقابلتهُ خوفًا على نفسه، أمَّا أعيانُ الإقليم فقد وفدوا إلى خورشيد باشا معلنِين الطاعة للحكومــــة المصريـــة فأمَّنهم وَأعطاهــــم التعليمات لِلمحافظةِ على الأمنِ والاستقرارِ فِي الإقليم، وَعيَّنَ أحمد السديري نائبُا له مُؤقتًا في الإقليم. ولقد قام خورشيد بتنظيمات إداريةٍ وَعسكريَّةٍ منها على سبيلِ المثال تعيين محمد أفندي حاكمًا مباشرًا للإقليم في عَامِ 1254هــ/1838م بَدَلاً مِنْ أحمد السديري، والعمل على فرضِ ضرائب جديدة، وجمعِ الزكاة من السكان، وإرسال قوةٍ عسكرية بقيادة “محمد أغا فخري الهوَّاري” لِلمحافظة على الوضع الأمني، وَتأديب المُعارضين للوجود المصري في الإقليمِ. فعلى سبيل المثال قامت القوات العسكرية بتأديب زعماء منطقة العماير بالقرب من القطيف، وَقَتَلَ منْهم 15 رجلاً بعْد معارضتهم للوجود المصري، وكذلك مُحاصرةِ قرية “عَنَك” جنوب القطيف، وَسَلَبَ أموالهم، وَهَدْمَ إحدى قلاعهم تأديبًا لهم. ولقد بلغ عـــدد جنود الحامية العسكرية في منطقة الأحساء 300 جندي بالإضافة إلى حاميات صغيرة فِي القطيف وَالعقير. وَبالرغم منْ هذهِ التنظيمات المختلفة فِي الاقليم إلاَّ أنَّ السكان لم يتقبَّلوا بالوجود العسكري المصري فقام ثلاثة من قبيلة العوازم باغتيال حاكم الإقليم محمد رفعت أفندي رَمْيًا بالرصاص في عامِ 1255هــ/1839م عند ماء نجم خارج مدينة الهفوف (العاصمة)، وَلَضبطِ الوضع الأمنِي عُيِّنَ محمد أفندي شرمي حاكمًا بدلاً منه، وأرْسلت قوةٌ عسكرية إضافية بقيادة “عبدالله أغا” قوامها 70 فارسًا. وَفي نفس الوقتِ رأى خورشيد باشا من الأفضل تعيين حاكم يَعْرِفُ طبائع سكان الاقليم حيْث عُزِلَ محمد شرمي، وَعُيِّنَ بدلاً منْه أحمد بن مبارك من بلدة حريملا في نجْــــد.  انتهى.

وَأضافَ الدكتور “القحطاني ما ذكره “ابن بشر المعاصر للأحداث أنَّ سبب الإغتيال يعود إلى أنَّ شيخ قبيلة بني خالد المدعو بُرغش بن زيد بن عريعر قد طلب من “محمد رفعت أفندي” تعيينه حاكمًا على الإقليم فرفض ذلك فدبَّر عملية اغتياله. وفي نفس الوقت أمر خورشيد باشا بإعدام برغش بن زيد انتقامًا لاغتيال محمد أفندي، وهُو آخرُ عَمَلٍ بارزٍ تَقـــــوم بِــــــهِ القواتُ المصريَّة قبْل إنسحابها من الاقليمِ في عامِ 1356هـــ/1840م بِنَاءًا على اتفاقية لندن التي عقدت بيْن “الدولةِ العثمانية” وَدولِ “أوروبا” فِي 15 يونيو 1840م.

وَلَمْ يَصلْ لِعِلْمِي أنَّ هناكَ مِنَ المُؤرخين مَنْ أنْكر على “الدكتور القحطاني” رِوايتَه ذات الطَّابع العِلْمِيِّ المُوثق.

الرَّوايـــةُ السَّابعَة

وَفِي هَـذه الرِّوايَة توسَّـــع الدكتور “خليفة بن عبدالرحمن المَسعود” فِي الصَّفحات

(301 ـــ 304) مِنْ رسالته ذات العنوان: “مَوقفُ القُوى المُناوئة مِنَ الدولة السُّعوديَّة الثانيَة 1234 ـــ 1282هـــ الموافق 1818 ـــ 1866م؛ دراسة تاريخية وثائقية” وهِي رِسالَة دُكتوراةٍ تَقَدَّمَ بها فِي جامعةِ أم/القرى بِمكَّة المكرَّمة؛ نَاهيكَ عَنْ أنَّ الدكتور “المسعود” قَـــــدْ شَـــــرَحَ الظروفَ وَالملابسات التي أدَّت إلى اغتيال “محمد أفندي” حاكم الأحساء؛ وَهِيَ ظُروفٌ وَمُلابساتٌ اكتنفت الصِّرَاع بيْن قوى ثلاث هِيَ:ـــ قوات الدولة السعودية الثانية، وَحملةُ خورشيد باشا لِلسيطرة على إقليم الأحساء، وَأمراءُ “بني خالد” الحُكَّام السَّابقون لِإقليم الأحساء، وَالطَّامِعِون لِحُكْمِ الأحساءِ لِلمَرَّة الثانيَة. عَنْ هذَا وذاكَ أوْرَدَ الدكتور:ــ “المسعود” ،فِي الصَّفحاتِ المُشار إليها، المعلوماتَ التَّاريخيَّةَ التاليَةِ:ـــ

وَفيما يتعلق بأمراء بني خالد فقد بَرَزَ دورُهم من جديد، وَلأوَّل مرَّة منذ أبعادهم عن حكم الأحساء على يد الإمام تركي بن عبدالله سنة 1245هـ/1830م حيْث مكثوا فِي العراق منذ ذلك الوقت، إلاَّ أنَّهم سرعان مَا رحبُّوا بالتَّعاون مع خورشيد باشا يدفعهم إلى ذلك رغبتهم المتَجددة باستعادة أمارة الأحساء، خاصَّة بعْد أن فَقَــــــدُوا الأمل بمساعدة “علي رضا” [الوالي فِي العِراق] لهم لتحقيق مطامعهم؛ في ظل تحسن علاقته بالدولة السعودية الثانية نتيجة لتطور الأحداث المترتب على عِــــــداء العثمانيين لمحمد علي باشا. ولقد كان خورشيد باشا على دِرايةٍ تامَّةٍ بمشاعر أمراء بني خالد ورغباتهم تلك، فأراد الاستفادة من خدماتهم لتحقيق بعض أغراضه فِي المنطقةِ وَالمُتمثِّلة بِجعْلهم قوة موالية لَهُ في الأحساء ذات الغنى الاقتصادي وَالمزايا المتعددة للإستفادة منْها مستقبلاً، مع حرمان الامام فيصل من الاستفادة من تلك المزايا، وَاشغاله بِقـــــوةٍ من خَلفِهِ تجعلُه مُحاصرًا من خورشيد باشا مِنْ جهة أمراء بني خالد مِنَ الجهةِ الأخرى، إضافة إلى رغبته بقطع خط الرَّجعة على الإمام فيما لو فَـــــــكَّرَ بالانسحاب من “الدلم” إلى “الأحساء” مثلما حَدَثَ سابقًا، بجانب رغبة خورشيد باشا بالحصول عن طريق أمراء بني خالد على الجِمالِ من تلك المنطقة. من هنا عَمَدَ خورشيد باشا منْذ أن كان في حملته في الحناكية للإتصال بأمير بني خالد محمد بن عريعر عن طريق أحدِ رجالهِ كي يَقْدِمُ لِمقابلته، وبعد أن وصل خورشيد باشا إلى “عنيزة” قَدِمَ إليه ابن عريعر فأسند إليه إمارة الأحساء، وأرسله للإستيلاء عليها، وتمكن من الإستيلاء على القطيف بعْد تغلبه على قوات “عمر بن عفيصان” الذي حُوصر فِي الأحساء مِنْ قِبَلِ ابن عريعر، وبعد ذلك أرسل “ابن عريعر” إلى خورشيد باشا طالبًا منه النجدات وَالمساعدة، فارسل له “خورشيد باشا” بعض القوات لإتمام السيْطرة على الأحساء، وَالتَّغلب على “ابن عفيصان”. وعلى الرغم من سيطرة “ابن عريعر” على القطيف، وَإعلانه التَّبعيَّة لحكومة “محمد علي”، إلاَّ أنَّه فشل في استعادة إمارة المنطقة سواء لِصالحِهِ أو لِصالح خورشيد حيْث توقَّف عنْد الأحساء، وَمِنَ الواضح أنه لم يتمكن من دخولها وَالسيطرة عليها حيث لم يَرِدْ أي ذكرٍ لذلك في المَصادرَ وَالوثائق المُعاصرة والتي كان آخرها حديثها عن ابن عريعر إبَّان حصارهِ للإحساء، كما أن “عمر بن عفيصان” بقي أميرًا في الأحساء خلال المدة التالية ولمْ يخرج منها إلاَّ حين أرسل خورشيد باشا بطلبه بعد معارك الدِّلَم، فما كان منْه إلاَّ الهرب خوفًا منْ بِطشه، فأرسل خورشيد أحمد السديري لِيحلَّ محلَّه في إدارة المنطقة، ممَّا يعنِي أنَّ”ابن عريعر” لم يتمكن من الوصول للأمارة على الاطلاق، وإنْ كان قد أوضح نواياه العدائَّية تجاه الدولة السعودية الثانية، وَحاول دعـــــم أعدائها في أحلك الظروف، غير أنه لم يجن من ذلك شيئًا يذكر. وفي الوقت التي كانت فيه القوَّات الدولة السعودية الثانية مُنشغلة فِي الصراع مع حملة “خورشيد باشا” حاولت عناصر تابعة لأمراء بني خالد تشتيت القوات السعودية فِي الأحساءِ حيث قام العماير بشن هجمات بحرية ضد القوارب السعودية في ميناءَيْ القطيف والعقير، وقبيل انتهاء حرب الدلم حاولوا تدبير مؤامرة عسكرية لصالح حملة خورشيد باشا وذلك بِالتَّخطيطِ لمهاجمة القوات السعودية في الهفوف بغتة، غير أن الأمر كُشِفَ في حينه، وَتم إعدام ثلاثة منْ مدبري المؤامرة. وَمنَ الواضح أنَّ أمراء بني خالد قد بَدَؤُا يدركون نوايا خورشيد باشا العدائية تجاههم منذ سيطرته على الأحساء حيْث قام بطرد العماير من القطيف، بل إنَّه اتفقَ مع حكام البحرين على عدم السماح لهم بِالعودةِ إليها دُون إذن سابق منْه. وتزايد مَوْقفُ أمراء بني خالد سوءًا حين قدم “محمد رفعت أفندي” ليحل محل أحمد السديري في حكم المنطقة، فعمل على استخدام البطش والقوة والإرهاب، مِمَّا جعلهم يفقدون الأمل بالأمارة، خاصة حين وفدوا إلى “خورشيد باشا” يطلبونها غير أنَّه رَفَضَ، وَجَدَّدَ ثقته “بمحمد رفعت أفندي”، لذا لم يكن من الغريب أن يشترك أمراء بني خالد وهم “برغش بن زيد بن عريعر” و”مُشرف بن دويحس بن عريعر” وأخوه طلال بمُؤامرةٍ نَتَجَ عنْها مقتل محمد أفندي نفسه فِـــــي غُــــرَّةِ شعبان 1255هــ/أكتوبر 1839م، مِمَّا أدَّى إلى إثارةِ الاضطرابات في الأحساءِ، وإضاعةِ جهودِ “محمد أفندي” في دَعْمِ الحملة عن طريق جمع المؤن والغلال مِنَ المناطق المُجاورة فسارع خورشيد باشا بِتعيين “محمد شرمي أفندي” بَدَلاً منه، لِلحفاظِ على نفوذهِ وقوَّته التي حققها فِي المنطقة. وَبذلك يتضح أنَّ “أمراء بَنِي خالـــد” حاولوا الاستفادة مــنْ “والي” العراق” العثماني” علي رضـا” لِلعــــودةِ لِأمــــارةِ الأحساءِ، وحين فشلوا في ذلك لجؤوا إلى خصمهِ خورشيد باشا لتحقيق الغرض ذاتهِ، غير أنَّ دعم خورشيد باشا لهم فِي البداية لم يكن إلاَّ وسيلة لاستخدامهم لِخدمةِ أهدافهِ إذ لمْ يلبث أنِ انفرد بحكم المنطقة، وحيئذٍ قلب “أمراء بني خالد” ظهْر المجن، وَبدؤا إثارة المشاكل بوجههِ، وَالتآمر لقتل قادتهِ، فاصبحَ العداءُ مُستحكمًا بيْن هاتين القوتين المُناوئَتيْن للدَّولةِ السُّعوديَّةِ الثانيَة حين تضاربت مصالحهما، وبذلك أرادَ قادةُ “محمد علي باشا” إزاحة “أمراء بني خالد” منْ طريقهم لإحكام سيطرتهم على الأحساء وما وراءها.  انتهى.

وَلَمْ يَصِلْ لِعِلْمِي أنَّ هُنَاكَ مَنْ أنْكَرَ على “الدكتور المَسعودِ” مَا رَواهُ مَوَثَّقًا في رِسالتِهِ لِلدكْتوراة.

وَهَكذا سَبْعُ رِوَايَاتٍ تاريخيَّةٍ تُثْبِتُ “كَوَثائِقَ” مَنْ هُمُ قتلة “متصرف الأحساء” فِي عَامِ 1255هجرية.

عِلْمًا أنه لمْ يَرِدْ على الاطلاق فِي أيٍّ منْ هذهِ الوثائق توجيه تهمة القتلِ لإفْرادٍ مِنْ أسرتنا مِنْ قريبٍ أوْ مِنْ بَعيدٍ أبَدا؛

وَاكْتفِي بِمَا سَبَقَ مِنْ “براهين”؛

وَهِيَ “براهين” أثْبتَها مُؤرِّخُون ثُقَاةٌ؛

حمى الله أسرتنا من “أكَاذيبٍ” تَمَسُّ شَرفَها وَكرامتَها منْذ أنِ استَطونتِ الأحساء في عَامِ 986 هجرية؛ وَهِيَ “أكَاذيبٌ” مَدسوسَةٌ مِنْ كَيْدِ مُغْرِضِين تُعوِزُهم البَرَاهِين.

بقلم

الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم

وزير الدولة  وَعضو مجلس الوزراء السَّابق

معالي الدكتور محمد الملحم في (ملتقى التواصل المجتمعي الأول في مجلس الشورى)

كيف نقبل أن يكون < نظام الحكم السياسي > وهو وثيقة دستورية من حيث التسمية في مستوى < نظام > مثل < نظام المطبوعات > أو < نظام المرور > من الناحية القانونية؟!

دعا مجلس الشورى في السادس من فبراير الماضي معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم، عميد كلية التجارة الأسبق، ووزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق إلى لقاء مع أعضاء وعضوات مجلس الشورى ضمن برنامج التواصل المجتمعي. وفِي بداية اللقاء تحدث الدكتور الملحم عن تجربته مع القانون بمحطاتها الثلاث، كطالب ثم كأستاذ ومسؤول جامعي ثم كعضو في مجلس الوزراء. وقد نشرنا في (3) حلقات سابقة نص المحاضرة، وفِي هذه الحلقة الأخيرة ننشر نص الحوار الذي تلاها، وقد أدار الحوار بمجلس الشورى الأستاذ/ عبدالوهاب الفايز.

بعد انتهاء المحاضرة، بدأت المداخلات والأسئلة وكانت المداخلة الأولى لمعالي الأستاذ أحمد الثمالي.

* بداية أشكر معالي الدكتور «محمد الملحم» على استعراضه الواسع لتجربته القانونية، وهي تجربة ثرية، وأيضًا لاستعراضه لجوانب تشريعية شاركَ فيها، وليَ مداخلتان فقط:

متابعة قراءة “معالي الدكتور محمد الملحم في (ملتقى التواصل المجتمعي الأول في مجلس الشورى)”

قصف أرض جو!

وجدت هذه القصاصة في ملفات الوالد، أترك لكم التعليق على القصف، وكم أتمنى قراءة محتوى الاستضافة.

وزير الدولة د. الملحم يرد على وزير الإعلام د. اليماني

تفريغ للقصاصة.

في بداية معركة بين وزيرين..
وزير الدولة الدكتور الملحم يرد على وزير الإعلام الدكتور اليماني

سعادة الأخ خالد الحمد المالك رئيس تحرير “الجزيرة” الغراء حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد

اعتادت “الجزيرة” في الشهور الأخيرة على تقديم “ضيف الجزيرة” كل يوم جمعة، ولكن “ضيف الجزيرة” ليوم الجمعة الموافق 27\1\1401 هــ ويوم الجمعة الموافق 4\7\1401 هــ معالي الدكتور محمد عبده يماني يختلف عن سائر الضيوف لسببين:

الأول: وهو أنني استفدت كثيرا من أعمال البطولة النادرة والإنجازات الشخصية العملاقة للعبقري المعجزة “ضيف الجزيرة” المشار إليه، أكثر الله من أمثاله.

والثاني: وهو أن المذكور قد كشف من جهة عن “إنائه” كما أثبت من جهة أخرى بنفسه ولنفسه وعن نفسه أنه “مهرج”، وتقبلوا تحيات أخوكم.

محمد بن عبداللطيف الملحم

مرحلة التقاعد… عبارة لم أفهم معناها حتى الآن! (أصل اللقاء)

غرفة الأحساء تحاور ابن “الأحساء” معالي وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم:

 مرحلة التقاعد… عبارة لم أفهم معناها حتى الآن!

يعتبر معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف بن محمد آل ملحم وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق أحد أبناء الأحساء الذين برزوا في الحياة السياسية السعودية، وأصبح من كبار مسؤوليها خلال حقبة تاريخية طويلة تجاوزت العقدين من الزمان، وهو كذلك خلاصة رجل خبير في العلوم الإدارية والسياسية والاقتصاد والتاريخ والأدب.

 عرفته التجارب منذ نعومة أظفاره، فتفوَّق دراسيًا، ودرس بكلية الحقوق جامعة القاهرة وحصل من “الجمهورية العربية المتحدة” على منحة دراسية لتفوقه العلمي، ومن ثم حصل على درجتي الماجستير والدكتوراة بدرجة الشرف من أعرق جامعة أمريكية في القانون هي جامعة ييل Yale الأمريكية. وخدم الوطن الغالي في مناصب عدة منها: عضو هيئة التدريس بكلية التجارة بجامعة الملك سعود (جامعة الرياض سابقًا)، وترقى حتى أصبح عميدًا للكلية، ومن ثم وزيرًا للدولة وعضوًا بمجلس الوزراء على مدى إحدى وعشرين عامًا. ولا يزال يحظى بتقدير القيادة السياسية حفظها الله لما يمتلكه من علم وحكمة وروية وخبرة في شتى الميادين.

……………………………………….

 معالي الوزير الدكتور محمد بن عبد اللطيف آل ملحم، ماذا تقول عن خلاصة حياتك … ذلك الكتاب الذي قمت بتأليفه “أيام في حياتي”، وحياتك في الواقع؟

 أقول، بشكل موجز، أن أيام حياتي، والحمد لله، كانت دائمًا ذات سعادة وبهجة غير أنني عانيت من فقدان أمي، وكذا فيما بعد فقدان أبي بعدما تقدمت بي السنون، وفيما بين هذه الأيام وتلك أيامٌ أعتز بها، وهي أيام قضيتها مع زملاء في مراحل مختلفة من حياتي  يستوي في ذلك مرحلة الطفولة أو مرحلة الشباب أو بعد ما تقدمت بي السنون. هؤلاء الزملاء فريقان: الفريق الأول “لِدَاتي” أي من عاصرتهم منذ الولادة وحتى اليوم، والفريق الثاني “رفاقي” وهو من عشت معهم في مسيرة حياتي ممن لم تكن ولادتهم في بلدة “هجر”. واليوم وبعد كل تلك الأعوام والتجارب في الحياة أرى نفسي طالب علم، وكل يوم يمر عليَّ أجد أنه يثري فكري، ويوفر لي القناعة بأنني لم أحصل من العلم والخبرة إلا على القليل.

معالي الوزير جئتَ إلى الوزارة بهدوء أي بدون وهج إعلامي، وغادرتها كذلك بهدوء رغم أنك أمضيت فيها واحدًا وعشرين عامًا، قصدت الأمر هذا؟ أم جاء صدفة؟

 لم أقصده …. ولم يأت صدفة ….

كنَّا في عام 1390هــــــ الموافق عام 1970م قِلة من حملة الدكتورة لا نتجاوز “الثمانية” في كلية التجارة، في (جامعة الرياض) جامعة الملك سعود حاليًا، وهي الكلية التي كانت تُعنى بالعلوم الاقتصادية والإدارية والمحاسبية والقانونية والسياسية. كنَّا في ذلك “العهد الرومانسي” بمثابة عملات نادرة متخصصين في مجالات غير مألوفة في المملكة. ومن كلية التجارة أخْتير ثلاثة، وواحد من كلية الزراعة، وآخر من كلية الطب، وآخر من كلية العلوم ليدخلوا الوزارة. وسميت وزارتنا “بوزارة الدكاترة”.

أما عن مجيئِي للوزارة ومغادرتي لها بدون وهج إعلامي فبودي أخي “خالد” أن أكون صريحًا معك: في الواقع لم يكن الوضع عاديًا بالنسبة لي في السنوات الأولى من تشكيل الوزارةـ. كانت رغبتي أن أكون في مركز الضوء حتى ولو في أبسط الأمور مما أزاوله من عمل، والسبب واضح وهو أن “القرينً بالمقارن يقتدي”. كان البعض من رفاقي في الجامعة ممن دخلوا الوزارة معي مِلء السمع والبصر بمجرد تسلمهم لوزاراتهم، ولم تتحقق هذه الرغبة بطبيعة الحال لي لأن العمل الذي كنت أزاوله لم يسمح بذلك، كنت أمارس عملي في صمت. والحقيقة أن عملي الوزاري لم يكن ذات طبيعة تنفيذية لجهة مَّا، أو لمنطقة مَّا، أو لجمهور مَّا. كان عملي وأنا وزير طيلة السنوات الإحدى والعشرين سنة الماضية مثل “الجندي المجهول”، وأنتَ تعرف بالتأكيد معنى ودلالة مصطلح “الجندي المجهول” عند الأمم والشعوب. والإعلام يا أخي “خالد” له إيجابياته وسلبياته. وكم من وزير حَرَقَهُ الإعلام!!!

 بالتأكيد، ثم ماذا؟

مع مرور الزمن أدركت أن للإعلام، إلى جانب إيجابياته، بريقًا وأضواء ووهجًا، فله سلبياته. لذا تعلمت خلال العقدين من الزمن أنني كنت على خطأ فيما كنت أرغبهُ وأتوقُ إليه في السنوات الأولى من تشكيل الوزارة، وأن الوضع العادي بعيدًا عن الشهرة والأضواء أو التصريحات كان أفضل بالنسبة لي، وبالفعل قد كان … ولعلَّ هذا من توفيق الله.

 لمعاليكم ذكريات عميقة وكبيرة حول سنوات دراستكم في “مدرسة الهفوف الإبتدائية الأميرية”، وهو ما ترجمها اهتمامكم وعنايتكم بها… ماذا تقولون؟

 تأسست “مدرسة الهفوف الإبتدائية الأميرية” بمدينة الهفوف في عام 1350هــــ وذلك قبل الإعلان الرسمي عن تأسيس “المملكة العربية السعودية” بسنة في عام 1351هــــ، هذه المدرسة وُئِدَتْ بعد تأسيسها في مهدها بفعل بعض أهالي الأحساء الذين لم يحبذوا التعليم الحديث آنذاك، ولكن أُعِيدَ تأسيس المدرسة في عام 1355هــــ ومن ثم تّمَّ تدشينها في عام 1360هـــــ، وفي 14 جمادى الأولى عام 1366هــــــ التحقت بالمدرسة ورقم قيدي في سجلاتها هو “803”، وبعدها بشهور أي في العاشر من شهر شوال/1366هــ التحق بالمدرسة الزميل الأمير خالد بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود، ورقم قيد سموه هو “817”.

 وقد تخرج في المدرسة رجال رواد كان لهم الفضل في نشر التعليم في شرق المملكة وكافة المناطق الأخرى بها خلال عقود من الزمن، لذلك أرى فيها المدرسة “الأم” بالنسبة لي فهي موطن ذكريات، ومسارح أفكار، ومصدر إشعاع، ومنتدى سمَّار، وبالفعل رأيت أن أفعل شيئًا مَّا لمدرستي حيث شرعتُ محاولاً تخليد ذكرى هذه المدرسة بعد تغيير الوزارة في عام 1416هــــ. ولقد تم ذلك في كتاب ضخم موثق سميته “كانت أشبه بالجامعة”. وبفضل من الله وتوفيقه، (وبدعم من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رئيس الهيئة العامــــة للسياحــــة والتراث الوطني الذي قــــــــرأ كتابي) أصبحت المدرسة اليوم “أحد المعالم التراثية والتاريخية” في المملكة، ومن بين أهم المرافق التي تُزار الآن، وهي مفتوحة لكل زائر للمحافظة.

ما أبرز ما شاركت فيه من شؤون عامة أثناء فترة عملك الوزاري؟

 أفتخر، من بين أمور أخرى، أنني شرفت بعضوية “اللجنة العليا لوضع النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المقاطعات”، وهي اللجنة التي دام عملها إثني عشرة عامًا، وكان لي شرف المشاركة في وضع “البنية الدستورية” لكل من نظام الحكم الأساسي ونظام مجلس الشورى، وهما النظامان اللَّذان بالإضافة إلى “نظام المقاطعات” قد خضعوا لتأمل وبحث ودراسة من قبل صفوة من رجال فكر ورأي حتى تم تتويج هذه الأنظمة بأوامر ملكية وضعتها موضع التنفيذ. كما كان لي شرف رئاسة اللجنة المشكلة من دول المجلس التعاون الخليجي الست، وهي اللجنة التي وضعتْ “نظام مجلس التعاون الخليجي”، وهو نظامٌ انسجم مع حقائق أوضاع دوله الأعضاء فيه، ولذا استمر المجلس متماسكًا في هياكله النظامية رغم ما طرأ عليها من تطوير إلى الآن، وسيبقى كذلك، إن شاء الله، على حاله النظامي متماسكًا حتى بالنسبة للمستقبل.

  لا شك أنك خلال سنوات الوزارة قد زاملت وتعاملت مع وزراء عدة من غير الأمراء، من هم الوزراء الذين استفدت من خبراتهم؟ وهل في إمكانك وضع قائمة بأسماء البعض منهم؟

أكن لكل إخواني الوزراء الذين زاملتهم طيلة العقود الماضية كل تقدير واحترام، ولو قررتُ وضع “قائمة” بأسماء بعضهم فسيكون معالي الأخ السياسي المخضرم محمد بن ابراهيم مسعود على رأس هذه القائمة، فهذا الرجل سياسي محنك ذو نظرة ثاقبة، وحكيم مجرب استفدت كثيرًا من آرائه من خلال أحاديث جرت بيننا طيلة واحدٍ وعشرين عامًا، رحمه الله.

 معالي الوزير: من الوزير الثاني في القائمة؟

 الإجابة على هذا السؤال من رابع المستحيلات عندي.

 أيهما كنت تفضل دائمًا لقب أستاذ الجامعة أو الوزير؟

أفضل لقب “أستاذ” الجامعة، ولكن لقب “وزير” سيظل يلاحقني. والظروف التي كنتُ فيها في عام 1395هـــــ عند دخولي الوزارة تختلف عن الظروف التي أنا فيها الآن. وهذا لا يعني أنني لم أكن مرتاحًا حينما عينتُ وزيرًا. على العكس كان لي خلال الإحدى والعشرين سنة الماضية شرف الخدمة العامة، والتعرف على مداخل السياسة ومخارجها، وهي مداخلٌ من المستحيل العلم بها لو كنتُ خارجَ الوزارة. أمَّا الآن فأنا أحاول اللحاق بما فاتني من ركب “كأستاذ جامعة”. صدر لي كتاب بعنوان “كانت أشبه بالجامعة” في عام 1419هــــــ، وصدر لي كتاب بعنوان “هزار الأحساء وبلبلها الغريد” في عام 1420هـ، وصدر لي كتاب بعنوان “قانون الثروة الناضبة” في عام 1421هـــــ، وصدر كتاب باللغة الإنجليزية بعنوان:

 Middle East Oil  في طبعتين: طبعة بالتجليد الفاخر وطبعة أخرى بدونه في 1421هـ، وصدر لي كتاب بعنوان” أيام في حياتي” في عام 1433هـــــ ……. وآخر إصداراتي كتاب بعنوان: إبن مقرب …. سقوط دولة وصعود شاعر” في هذا العام ….. عام 1438هـــــ

 وكما ترى … أخي …. “خالد”  كم في التقاعد من متعة.

   معالي الوزير: هل “المحاماة” مربحة لمن هو صادق/أمين أي لا يقبل أية قضية إلاَّ بعد إيمانه بعدالتها؟

نعم المحاماة مربحة. والمحامي الصادق هو الذي يعتبر نفسه قاضيًا مع نفسه أي مع ضميره وذلك قبل أن يكون مرتبطًا للدفاع عـن موكله. والمحامي باعتباره “حالف قسم” يجب أن يكون أمينًا مع موكله. ومن مقتضيات هذه الأمانة أن يتأمل بتجرد قضية “موكله”، ومن ثم يصدر الحكم لصالح موكله أو ضده وذلك قبل أن يرفع قضيته للجهة المختصة أو أن يكون عضوًا محكمًا فيها. والقيد الوحيد على “موكله” هو أن يكون أمينًا كذلك مع “وكيله”، ومن مقتضيات هذه الأمانة أن لا يخفي عن “وكيله” أية واقعة مهما كانت في نظره تافهة تمشيًا مع “مقولة” فيلسوف يوناني حكيم [واليونانيون رجال فلسفة وأدب] “أنبئني بالوقائع أخبركَ بحكم القانون”.

معالي الوزير: مع تطور وتعقد وتنوع العلاقات والمعاملات التجارية اليوم في كافة مجالات الأعمال، برز التفاوض كأداة هامة في تسوية المشاكل، وحل الخلافات، وإقامة التوازن بين المصالح المختلفة … كيف ترى الأمر؟

 التفاوض نوع من الحوار وتبادل الأفكار والاقتراحات بين طرفين أو أكثر بهدف التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى حسم نزاع أو خلاف بما يحافظ على المصالح المشتركة بين الطرفين. إذن فالتفاوض عملية تفاعل وتعاون وهو كذلك موهبة، وإذا ما توفرت لهذه الموهبة قدر من العلم والصبر وكذا فهم لمداخل ومخارج لغة التفاوض فالمفاوض حكيم، والتفاوض يكون سريًا إذ كان الشأن المتفاوض من أجله يمس آخرين، ويكون علنيًا إذا كان التفاوض حول شأن تنحصر أبعاده على طرفي التفاوض على نحو شامل ومطلق.

  والمفاوض الناجح هو من يتقن فن الاستماع والإنصات للطرف الآخر، وأن يكون قويًا واضحًا أكثر منه داهية فلا يأخذ دور “الواعظ” الذي يُلقي الخطب والمواعظ التي لا تجد نفعًا في التفاوض في مختلف أنواعه.

 معالي الدكتور: وأنتم في ضيافة (مجلة غرفة الأحساء) ماذا ترغبون أن تقولوه للغرفة وأنتم فيما سبق عميدًا لكلية التجارة؟

 بودي أن أنوه، بادئ ذي بدء، بأن “غرفة تجارة الأحساء” والتي أتمنى لو سُمِّيَت “بيت التجار” كانت ولا تزال واجهة حضارية في بلدة “هجر”. وباعتباري شاهد عصر من المهم أن أثبت “حقيقة” أن غرفة تجارة الأحساء أو “بيت التجار” قد سدَّت فراغًا ليس فقط في نشر ثقافة التجارة والمال مما هو من اختصاصها أصلاً، وإنما أيضًا في نشر ثقافة تراث الأحساء كذلك. لقد احتضن مدرج غرفة التجارة مناسبات ذات طابع ثقافي وتاريخي وأدبي في وقت كان “الأحساء” فيه في حاجة إلى “ناد أدبي”. وتم تطوير الغرفة بجهود أبناء للأحساء، هم من أصدقائي. وفي مقدمتهم رجال أعمال منهم: “ناصر بن حمد بن زرعة”، و”عبدالعزيز العفالق”، و”سليمان بن عبدالرحمن الحماد. وآمل أن يواصل ربان سفينتها الحالي المهندس: صالح بن حسن العفالق مسيرة من سبقوه.

 والغرفة، من وجهة نظري، هي “بيت التجار”. و”الغرفة” الآن كسائر الغرف الأخرى المنتشرة هنا وهناك في شتى أنحاء المملكة تزخر بأهداف وبطموحات متماثلة وذات بريق ووهج ولغة وردية ربما تعجز (بحكم مواردها المتاحة) أية “غرفة”، بما فيها “غرفة تجارة الأحساء” عن تحقيقها، وما أراه لكي تحقق الغرفة جميع أهدافها وطموحاتها أن تقيم جسرًا من التواصل بينها وبين منسوبيها، وهم “شعبها”، كأولية أولى، وأن تكون الغرفة “حاضنة” لمهام أربع لهذا “الشَّعب”:

(1) أن تكون ناديًا تستقطب فيه كافة رجال الأعمال من تجار وصناع يتحدثون فيه عن طموحاتهم وتجاربهم في المجال التجاري والصناعي،

(2) أن تكون بمثابة محكمة يعرض فيها هؤلاء التجار والصناع مشاكلهم، وما تعرضوا له من صعاب في ممارستهم لأعمالهم التجارية والصناعية من أجل حلها دون اللجوء “للتقاضي” أو “التحكيم”،

(3)أن تكون “معهدًا” يتلقى رجالها فيه ما استجد من تقنيات جديدة في المجال المالي والتجاري والصناعي، وبهذا المعهد مكتبة ضخمة تزخر وتضم أمهات الكتب الحديثة ذات الطابع المالي والتجاري والصناعي، ولتكون مرجعًا ليس لمنسوبي الغرفة فقط، بل وطالبي المعرفة في المجالات التجارية والمالية من منسوبي كليات التجارة، والعلوم الإدارية، والحقوق، والأفراد.

(4)وأن تكون منتدى لرجال الأعمال: تجارًا وصناعًا للسمر، والترويح، والترفيه، ناهيك عن تبادل المعلومات والخبرات، وتوثيق الصلات في مجالات التجارة والمال.

 معالي الدكتور: ذكرت في كتابك: “كانت أشبه بالجامعة” النص التالي مشفوعًا بقصيدة. وأنقل النص كاملاً:

“في كتاب “واحة الأحساء” تحدَّث السيد “إف. إس. فيدال” في عام 1952م عن الحرف، والصناعات، والمهن في “الأحساء”، وهو حديثٌ جدير بالقراءة، ويعكسُ تمامًا وضع “مجتمع” الأحساء من حيث عنايته بالحرف والمهن وغيرها. ومن الصناعات والمهن والحرف التي عرض لها السيد “فيدال” ـــــــ باستفاضة ـــــــ:

       ـــــ ــــ صناعة الدِّلاَل (جمع دلة القهوة)،

       ــــ ـــــ صناعة النَّسيج،

       ـــــ ــــ صناعة الفخَّار،

       ــــ ـــــ الصناعة الجلدية،

       ــــ ــــ صناعة الأخشاب،

       ــــ ــــ صناعة المجوهرات،

       ــــ ــــ وصناعة الأدوات الخاصة بالنخيل وبتصنيع مشتقات تمورها ونتاجها.

 وعن صناعات الأحساء ــــــ آنذاك ــــــ يقول شاعر الأحساء “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم” في ملحمة “الدر المكنون في شتى الفنون” (المكونة من عشرة آلاف بيت) أفكارًا ذات قيمة في أبيات تناول فيها ألوانًا معينة من هذه الصناعات. وسوف أنقل أدناه هذه الأبيات. وأهم هذه الأبيات بيتها الأخير الذي يعتبر بيت القصيد. يتناول هذا البيت المنطلق الأساس لموطن الصناعة ألا وهي الصناعة الوطنية، ومن هُمْ عُدَّتهَا؟، وما هي مقوماتها؟، وكيف تكون تاج المجد وفخاره؟ هذا البيت الفريد عبارة عن قصيدة كاملة بما احتوى عليه من مضامين ومفاهيم ذات طابع حيوي. ومنطق  هذا البيت:

وَمَعْنَى  الْحَضَاَرَةِ يَكْمُـنِ فِـي

نَتَاجِ الْمُوَاطِــــنِ لَــوْ تَفْهَمُـــــــــونْ!

أما القصيدة عن بعض ألوان من الصناعات في “مقاطعة الأحساء” فهي كالتالي:

بِلاَحْسَا” مَصَانِـــعُ مُنْذُ الْقَدِيمْ

تَنَاثَــــرْنَ فِي سَهْلِهَا وَالْحُـــــــــــــــــــزُونْ

تَفَنَّــــــــــنَ فِيهِــــــــــنَّ صُنَّاعُــــــــــــهَا

وَأَبْـــــــــــــدَوْا بِهِــنَّ جَمَـــــــــــــالَ الْفُنُونْ

جَمِيعُ الأَوَانـــــِي بِهَا عُرِضَــــــتْ

عَلَى مَا يُنَاسِبُ دَخْــلَ الزُّبُــــــــونْ

وَأُخْرَى نَسِيجٌ وَمِـــــنْ حِــــــرَفٍ

وَمِنْ كُلِّ صِنْفٍ هُـــمُ يَصْنَعُــــــــونْ

إِذَا سِرْتُمُــــــــــــوا قُــــرْبَ آلآتِهِـمْ

تصِيرُونَ كَالطُّرْشِ لاَ تَسْمَعُــــــونْ!

فَهَــــــــذَا يَــــــــدُقُّ بِسِنْــــدَالِـــــــــةٍ

وَهَـــذَا يَــــرُبُّ لِتِلْكَ الصُّحُــــــــونْ!

وَهَـــــذاَ يَفِـــــــــــــحُّ بِمْنِفَاخِـــــــــــــــــهِ

وَهَـــــــــذَا يُحَـــــــــــــــــــــرِّكُ لِلْمَنْجَنُونْ!

كِفَايَاتُهُمْ تِلْكَ قَــــــدْ حَصَّلُوا

بِجُهْدِهــــــــــــــــمُ حِينَمَا يَعْمَلُــــــــــــونْ

فَلَيْسُوا لِغَيْرِهُــــــــــــــــــــمُ أَبَــــــــــدَا

يَمــدُّونَ كَفَّا فَهُـــــــمْ مُكْتَفُـــــــــــــــونْ

وَجُـــــــلُّ مَرَافِـــــــقِ عَيْشِ الْبِلاَدِ

بِأزمــــــــــانِهِــــمْ هُـــ،ــمْ لَهَا يُنْتِجُــــــــونْ

وَمَعْنَى الْحَضَــــاَرَةِ يَكْمُــنِ فِــــي

نَتَاجِ الْمُوَاطِــنِ لَــوْ تَفْهَمُــــــــــأــونْ!

معالي الدكتور: يا تُرى لمن يوجه هذا النص؟

أخي خالد: المعنى في قلب الشاعر. ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك. يوجه هذا النص، بداهة، لفئة الصناع ممن أسماؤهم مسجلة في “غرفة تجارة الأحساء، أعني “بيت التجار”. هم الأولى أن يوجه لهم النص، ويعملوا بمقتضاه ليجددوا تراث الآباء والأجداد في “الصناعة” التي تميزت بها بلدة “هجر” عبر العصور، وبشرط أن يوفر لهؤلاء الصناع، بجانب الحماية، الدعم التام الشامل ممن يهمهم الأمر في وزارة التجارة والاستثمار.

معالي الدكتور: هل هناك علاقة بين كلية التجارة التي كنتَ عميدها وغرف التجارة المنتشرة هنا وهناك في بلادنا؟

نعم العلاقة قوية، وفي عهدي كانت كليتي “كلية التجارة” التي كنتُ عميدها على علاقة بغرف تجارة محدودة العدد. وكم كنتُ أتمنى أن يبقى اسم الكلية على حاله. تغيَّر اسم “كلية التجارة” في أيامنا المعاصرة للأسف إلى كليتين: كلية للعلوم الإدارية”، وكلية “للحقوق والعلوم السياسية”.

 وفي كلية التجارة ونظائرها تخرج ويتخرج طلاب شغلوا ويشغلون أهم الوظائف في الغرف التي أشرتَ يا “خالد” إليها.

 وحينما كنْت عميدًا للكلية في عام 1393هــــــــ، كنتُ أُدَرِّسُ موادًا في الكلية منها مادة “القانون التجاري”. وكانت تلك المادة (وحتى في أيامنا المعاصرة) تُعنى من حيث الأشخاص برجال الأعمال بفئتيْها: تجارًا وصناعًا. كما كانت مادة “القانون التجاري” تُعنى بتكوين الشركات وبالذات “شركات المساهمة العامة” وإن كان هذا النوع من الشركات في عهدي محدودا جدًا ومنها: شركات الكهرباء وشركتين أو ثلاث من شركات الأسمنت وغيرها، وكان النمط السائد آنذاك تكوين “الشركات العائلية” التي تتخذ من شركة “المسؤولية المحدودة” نمطًا لها. ويهمني باعتباري كنتُ مدرسًا لقانون الشركات وعلى رأسها “شركات المساهمة العامة” أن أنوه عن “نقطة هامة” في مجال “شركات المساهمة العامة”، ولعل هناك من يخالفني الرأي فيما سأقوله في أيامنا المعاصرة ممن “انشغلوا” أو “فُتنوا” أو افتتنوا بما يعرف بمنصتي “تداول الأسهم”، و”سوق الأسهم”. ومع احترامي لأي رأي معارض فمن وجهة نظري يعتبر “السهم” من حيث عائده في “شركات المساهمة العامة” هو المؤشر الأساس لنجاح أو فشل أية شركة. والسوق لمن يعرف ثقافتها سوقٌ في خصوص “الاستثمار في الأسهم” لا ترحم.

وفي ضوء ما مر بالأسهم من كوارث سابقة، وبالرغم مما حُميتْ به الأسهم من تقنيات حديثة متطورة، فعلى المستثمر الحصيف في الأسهم أن يُجْرى، ومع توقي الحذر، جدوى اقتصادية لاستثماره بما فيها دراسة ما تنشره الشركة المستهدفة عن ميزانيتها وحساب أرباحها وخسائرها، مع تركيز اهتمامه على النقطة الهامة التي أشرتُ إليها سلفًا وهي التحقق من أداء الشركة وربحية سهمها أي التحقق من عائد سهمها المالي حاليًا وفي المستقبل المنظور، مع عدم الالتفات إلى طروحات المضاربين المغرية وشتى الشائعات التي يطلقونها بين الحين والآخر. والسهم في المحصلة النهائية هو نبض القلب لحياة أو موت أي شركةـ، بل وهو الْحَكَمُ (أي المؤشر) على مدى نجاح الشركة أو فشلها.

 دكتور: وهل تنصح في الاستثمار في الشركات المدعومة أسهمها بربح سنوي ثابت من خزينة الدولة؟

 أخي خالد. هذا سؤال غريب. مثل هذه الأسهم يجب استبعاد تداولها من سوق الأسهم للأسباب التي سبق أن ذكرتها فيما يخص الربط بين أداء الشركة وعائد سهمها المالي.

       دكتور: أسعار الأراضي حديث الناس هذه الأيام، هل لمعاليك من تعليق؟

       أخي خالد: دع الناس يتحدثون. دع الناس يتسلُّون. هم أحرار في التصرف فيما يملكون. ومع مرور الوقت يتعلم ملاك الأراضي.

أسعار “الأمس” غير أسعار “اليوم”،

وأسعار “اليوم” لن تكون كأسعار “الغد”.

أنا لست “تاجر أراضي”، ولا “رجل أعمال”. ولكن إليك القصة التالية: صديق لي صاحب مكتب عقاري في “الأحساء” طلبتُ منه أن يبحث لي عن قطعة أرض لا تتجاوز ثلاثمائة (300) متر لغرض مَّا. وقلتُ له: يقال أن أسعار الأراضي هذه الأيام في نزول. قال: هذا صحيح وأنا في السوق وأعرفه، وأردفَ قائلاً: عندي قطع أراضي للبيع، ولكن ملاكها متمسكون بأسعار الأمس، ولن يبيعوا إلا بأسعار الأمس. قلتُ له. دعهم في أحلامهم. وختمتُ حديثي مع صديقي مُرَدِّدًا البيت التالي:

ومُكَلِّفُ الأَيَّامِ ضِدَّ طِبَاعِهَا

مُتَطَلِّبٌ فِي الْمَاءِ جَـــذْوَةَ نارِ

والحكيم من يتعايش مع أحوال يومه فيتصرف بمقتضاها.

 معالي الدكتور: كثر الحديث في أوساط المجتمع بين المختصين ورجال الأعمال حول المادة (77) من نظام العمل التالي نصه:

       “ما لم يَتَضَمَّن العقد تعويضاً مُحدَّدَاً مُقابِل إنهائه من أحد الطرفين لسببٍ غير مشروع، يستحق الطرف المُتَضَرِّر من إنهاء العقد تعويضَاً على النحو التالي    :

  (1) أجر خمسة عشر يوماً عن كل سنة من سنوات خدمة العَامِل، إذا كان العقد غير محدد المدة(2)  أجر المدة الباقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة.(3)يجب ألاّ يقل التعويض المشار إليه في الفقرتين (1) و(2) من هذه المادة عن أجر العَامِل لمدة شهرين”.

الحديث في نص هذه المادة “يا خالد” يطول شرحه، وليس هنا محله. ولكن إليك رأيي باختصار.

 هذه المادة من حيث الصياغة القانونية “مُحْكَمَةُ”، ومن حيث المحتوى القانوني “عَادِلةٌ” إذا نُظِرَ إليها مجردةً من الزمان والمكان أي من البيئة المراد تطبيقها فيها. بل ولا غبار عليها شكلاً ومحتوى إذا كان الغرض منها تعليم الطلاب في كليات الحقوق كيفية الصياغة القانونية لضبط محتوى معين. أما إذا أُريد منها كمادة أن تطبق في بلد معين من حيث الزمان والمكان فالوضع مختلف تمامًا.

هذه المادة صالحةٌ للتطبيق في البلد الذي لا توجد فيه عمالة وافدة ماهرة على الإطلاق. وبمقتضى مفهوم المخالفة، هي مادة غير صالحة للتطبيق في البلد الذي يكتظ بعمالة وافدة لا سيما إذا كانت العمالة ماهرة.

تطبيق هذه المادة في هذا البلد المكتظ بالعمالة المشار إليها عملٌ “مأساوِيٌّ كارثي” في خصوص توطين الوظائف.

رحم الله أستاذي الدكتور “جمال زكي” من أساطين “قانون العمل” في كلية حقوق ــــــ جامعة القاهرة الذي كان ينادي بتوطين نص المادة بالبيئة المراد تطبيقة فيها إذا أريد منها أن تكون ذات فعالية.

 معالي الوزير: في مجال عقود التجارة والمعاملات التجارية ذات الطبيعة المتشعبة يحتار رجل الأعمال أو التاجر أو يتردد في اختيار أي القضاءين: “قضاء الدولة”  أو “قضاء التحكيم” لحل أية منازعة تنشأ في العقد الذي وقع أو سيوقع عليه. ما رأيك في مثل هذه المسألة الشائكة؟

 من مستلزمات أي عقد سواء أكان “مدنيًا” أو تجاريًا” أن يُدرج فيه نص يتعلق بالتقاضي: قضاءًا أو تحكيمًا. وفي أي عقد يبقى القضاء والتحكيم أهم أداتين أو وسيلتين يتم اللجوء إليهما لفض المنازعات ذات الطبيعة العقدية. و”القضاء” تعبير عن ظاهرة من ظواهر ثلاث “لنظرية سيادة الدولة”، وهي النظرية التي تعنِي، بصفة شاملة، الحفاظ على كرامة الدولة الإقليمية واستقلالها السياسي. والظواهر الثلاث لنظرية السيادة المكونة للدولة الحديثة هي: “السلطة التنفيذية” و”السلطة التشريعية” و”السلطة القضائية”. والدولة هي صاحبة الكلمة العليا في شأنها الداخلي. ومعنى ما أقصده أن كل من يلجأ لقضاء الدولة كأداة لفض المنازعات هو خاضع لمحاكم هذا القضاء  بمختلف درجاته، وكذا لكافة إجراءاته. أما “التحكيم”نأن

 باعتباره قضاء خاص، وبديل عن قضاء الدولة، فهو قضاءٌ محايد حينما يستكمل أبنيته، ويباشر ممارسة مهام أعماله على استقلال، وهو من حيث “الهوية القانونية” تعبير عن “نظرية سلطان الإرادة الحرة” لأطراف الخصومة مع التحفظ على هذه النظرية، وبما معناه أن لهذه الإرادة الحرة الكلمة العليا فيما يتعلق بالتحكيم ورموزه وإجراءاته مع التحفظ ذي الطبيعة الاستثنائية لقواعد منبثقة عن إعمال “نظرية السيادة” يلزم الأخذ بها إذا كان مقر التحكيم داخل إقليم الدولة.

وهكذا “مبنى القضاء” يختلف عن “مبنى التحكيم”، وصاحب الشأن سواء أكان شخصًا طبيعيًا أو شخصًا معنويًا، خاصًا، أو عامًا له الخيار في اللجوء إلى أي من القضاءين أي أن يختار اختصاص هذا أو ذاك مع ملاحظة أن هذا الخيار ليس خيارًا حرًا مطلقا إذ فيما يتعلق بالتحكيم فالخيارُ مقيد بنطاق معين محصور، من حيث النطاق على المسائل التي يجوز فيها التحكيم والصلح، وبمقتضى مفهوم المخالفة لا يجوز التحكيم في المسائل ذات الطابع الشخصي أو تلك المتعلقة بحقوق الله سبحانه وتعالى، أو تلك المتعلقة بنظام الدولة العام. ولهذا يُقال في “علم القانون” أن الفرد في مجال التقاضي في وضع متساوٍ مع وضع الدولة ذات السيادة والسلطان. فكما أن الدولة ملزمة بتوفير “القضاء” كمسرح لمواطنيها تقدم لهم فيه أدوات أو وسائل لحل منازعاتهم حيث أن ذلك أحد مظاهر سلطتها، ناهيك عن أن من مسؤولياتها الكبرى توفير محاكم يدير دفتها قضاة مؤهلون وفقًا لقواعد وإجراءات ثابتة تحدد اختصاصاتها بغرض الوصول إلى هدف كلي وهو تحقيق العملية القانونية الخالصة في إقرار العدل وحمايته للكل على حد سواء. والمواطن وفقًا لهذا المنطلق باعتباره “إنسان” فهو على قدم المساواة مع الدولة إذ له إرادته الحرة الخالصة بحيث في إمكانه أن يُنشئ قضاءًا خاصًا له كبديل عن قضاء الدولة وذلك للنظر في المسائل التي تخصه إذا رغب في ذلك والتي تم تحديدها سلفًا. وهذا قضاء ذو نوعين: “قضاء غير مؤسسي” لحل منازعات بين الأطراف في حالات خاصة ينتهي فيها هذا القضاء حال حسم تلك الحالات، أو “قضاء مؤسسي” ذو طابع دائم منتظم، وهو قضاءٌ في إمكانه استقبال منازعات أصحاب الشأن وفقًا لإجراءات نمطية مستقرة وثابتة. هذا مع العلم، أن هذا القضاء المؤسسي يقوم على نمط معين في أبنيته وإجراءاته، وذو أشكال مختلفة تحت مُسمى مراكز وطنية، ومراكز إقليمية، ومراكز دولية، ولدرجة أن هذا القضاء المؤسسي ظاهرة منتشرة في الكثير من الدول ذات السيادة والسلطان. وفي خصوص التفرقة بين القضاءين هناك “مقولة قانونية” تدخل في إطار “حقوق المواطن الدستورية” مؤداها أن لجوء المواطن إلى “التحكيم” هو إهدار لحقوقه الدستورية التي وفَّرتها له الدولة من خلال إقامة أجهزة عدل تقر فيها الحقوق وفق موازين عدل سليمة تنعدم فيها قوى الهوى الجامح أو قوى الطيش البين. ولهذا فالتساؤل التي تثيره هذه المقولة هو: لماذا يلجأ المواطن إلى قضاء آخر داخل موطنه كقضاء بديل لقضاء موطنه ما لم يكن هذا القضاء فاسدًا؟ وهناك “مقولة قانونية” أخرى ضد المقولة السابقة، وعلى النقيض منها، مؤداها أن إذن الدولة لمواطنيها بمقتضى قوانينها باللجوء للتحكيم مؤداه اعتراف الدولة بتقصيرها في توفير العدل وإقامته لهؤلاء المواطنين. وفيما بين المقولتين هناك “مقولة قانونية ثالثة” مؤداها أن حق المواطن لم ولن يُهدر دستوريًا من قِبَلِهِ إذ يظل حقه في اللجوء للقضاء باقيًا، بل وثابتًا حتى ولو لجأ للتحكيم، وأن ترخيص الدولة ليس مبعثه تقصير منها في إقامة العدل، وإنما هو احترام منها لحق المواطن في الخيار بين أي من القضاءين باعتباره من حقوقه الأساسية “كإنسان”.

 معالي الدكتور: عرَّفتَ رجالَ الأعمال بانهم تجار وصناع، لماذا يقع البعض من هؤلاء في إشكالات حين ممارستهم لأعمالهم التجارية تنتهي بهم إلى ساحات  “المحاكم” أو مقار هيئات التحكيم لفض تلك الإشكالات. ما هو تعليق معاليكم؟

 سؤال حيوي ومهم … وكلُّ من مارس ويمارس المحاماة أمام “قاض” أو أمام “محكم” يجد أن ما سألت عنه يمثل ظاهرة لا تزال تستعصي على الحل. بعض التجار، ناهيك عن الصناع، في ممارستهم لأعمالهم التجارية يبخلون بدفع القليل، وبعد وقوعهم في “الفخ” يدفعون الكثير!

 ماذا تقصد؟

تاجر أو صانع يبرم عقد مقاولة، أو صناعة، أو تجارة بالجملة أو بالتجزئة، أو عقد نقل بضائع، أو عقد توريد سلع وخدمات، أو عقد توزيع، أو عقد تشييد مصنع، أو عقد وكالة تجارية، ربما في “تَسَتر” وقبل أن يستشير المختص في شأن هذا العقد أو ذاك من الناحية القانونية أو الفنية أو المالية، وبعد التوقيع على هذا العقد أو ذاك يُصْدَمُ حالاً بمعوقات وإشكالات ومنازعات في العقد الذي أبرمه بنفسه وعن رضًا وطواعية. وبدلا من مباشرة أعماله في سهولة ويسر يجد نفسه في دوامة بين “المحاكم” يتردد، أو من خلال “هيئات التحكيم” يجادل. أمَّا ما يدفعه من مصاريف ونفقات بعد التوقيع على العقد فحدث عنها ولا حرج. شواهد الحال كثيرة في ساحات المحاكم، وفي مقار هيئات التحكيم. ويصدق على مثل هذا “التاجر” أو “الصانع”: مقولة ذات مغزى مؤداها: “إذا وقعت يا فصيح لا تصيح”. وأنصح “التاجر” أو “الصانع” أن يستشير .. أن يستشير. أن يستشير…. حتى لا يرى نفسه “في خراب مالطة”….

وفي عالم الغرب مقولة: أن كل “تاجر” أو “صانع” خلفه رديف مستتر!!!

ما أبرز خمسة كتب أثرت في تكوينك الفكري؟

الكتب كثيرة التي أثرت في تكويني الفكري، ولكن ربما أهمها: تفسير القرآن الكريم لأبن كثير، كتاب: كليلة ودمنة لابن المقفع، كتاب: العواصم من القواصم لابن العربي، مبادئ القانون للدكتور عبدالفتاح عبدالباقي، وكتاب النظام الدولي العام للكرامة الانسانية للأستاذ الدكتور مايرس سمث مكدوقال. أستاذ القانون بكلية حقوق جامعة ييل Yale  الأمريكية.

معالي الدكتور: يتخوف الكثيرون من مرحلة التقاعد، ما رأي معاليك فيه؟

عبارة لم أفهم معناها. الإنسان ينتقل من موقع إلى آخر. ومن المعروف أن موضوع ترك الوظيفة العامة أو الإحالة على التقاعد أو التقاعد نفسه من الموضوعات التي كَثُرَ الحديث عنها، بل لا يزال الحديث عنها موضوع الساعة. والانفكاك من الوظيفة العامة أي التقاعد إمَّا أن يكون اختياريًا أو قانونيًا أو قسرًا. تعدد أسباب التقاعد في المحصلة النهائية واحد. والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا يفعل الموظف بعد التقاعد؟ هناك من يتقاعد، ويجد نفسه في مسرةٍ، وآخر يجد نفسه في كآبة تنتهي به إلى عزلة أو مرض. وسأقتصر هنا على ذكر ثلاثة أراء في “التقاعد” واحدة “لأديبٍ”، والثانية “لِي”، والثالثة لشيخي المربي الفاضل “عثمان الصالح”.

سألتُ الأستاذ الأديب الشاعر “حسن بن عبدالرحمن الحليبي” بعد أن تقاعد عن التدريس في “المعهد العلمي بالأحساء” عن رأيه في “التقاعد” فكانت وجهة نظره كما أملاها عليَّ بالهاتف كما يلي:

 ـ عِزٌ بعد ذل،

 ـ وصِحةٌ بعد سقم،

ـ وراحةٌ بعد تعب،

  ـ وحياةٌ بعد موت.

 وهذا رأي جميل، ومثير للتَّساؤل، ولعلَّ صاحبه على حق، وهي على أي حال وجهة نظر تحظى بتقدير واحترام.

 أمَّا عن وجهة نظري بخصوص التقاعد فلقد سبق أن عَبَّرْتُ عنها في أكثر من مناسبة مؤداها بأن “التقاعد عبارة لم أفهم معناها. وإذا تقاعد الموظف العام فهو في حقيقة الأمر ينتقل من موقع إلى موقع آخر. وربما يكون في الموقع الجديد أكثر إنتاجية وعطاءًا من الموقع السابق. ولقد سبق أن ذكرت ما قمتُ به بعد تغيير الوزارة. أما أستاذنا “عثمان الصالح فله وجهة نظر عن التقاعد. تحدَّث عنها من خلال برنامج عمل لمن يتقاعد. ووجهة نظره وبرنامج العمل الذي حدَّده جديران بالاهتمام. يقول “أبوناصر”: اعتقاد الكثير أن التقاعد وأد وموت، وهذا خطأ محض، بل إن التقاعد بعثٌ ونشرٌ لعدة اعتبارات:

 أولاً ـــــ إن المتقاعد قضى شبابه في العمل والإخلاص، وصُهِرَ بلا شك في أداء واجبه وفي معلوماته التي كرَّرها ورسخها في ذهنه وغرسها في الأفكار ..

ثانيًا ـ إن عصر الشباب والفتوة زالتا عنه .. وأقبل على شيخوخة فيها ما فيها من الفوائد

ثالثًا ـ لو كلف نفسه وشق عليها ومن ثم تجاوز في مواصلة العمل أكثر وأكثر من السنوات فوق الستين تمامًا لَكَلَّ جهده .. وشاخ فكره .. وتضاءل ذهنه .. واستنفذ طاقته وذكاءه وما استطاع الاستمرار، وَلَبَدَا على العمل نقص، وظهر فيه شرخ بل ضعف ..

 رابعًا ـ ما دامت هذه التجارب والسنوات الزاهرة التي فيها كفاح الشباب وفتوته .. والرجولة وحيويتها، والتي انقضت في عمل ودأب خَدَمَ بها الدولة والبلاد والمرفق .. أفلا يشعر بأنه يستطيع أن يجعل من بقية العمر مزرعة للآخرة يعود فيها إلى ربِّه مستقرًا ذهنه في عبادةٍ هادئةٍ .. وحياةٍ هانئةٍ .. يَستذكرُ فيها حسنات العمل وعلاقته مع الناس وصلاته بهم ليسجل فيما يعود عليه بالفائدة كتابًا إن كان قارئًا، أو لقاءًا بالآخرين لاستغلال الفراغ واستعمال ما هضمه من عمله .. وما اكتسبه من خبرته في أن يكون له ما يلي:

أ ــــــ أن يتصل بمن له بهم صلة، وأن يجتمع بهم، ويقضي معهم أوقاتًا يلتقون فيها، ويتبادلون في هذه الاجتماعات مع الأصدقاء القدامى وذوي الكفاءات اجترار الماضي والذكريات،

  ب ــــــ وإذا كان ذا معرفة وإدراك ووعي في علم أن يدوِّن معلوماته، وما بناه في عمله ومجتمعه ليكون ذلك كتابًا يفيد الناس، ويهتدي به غيره، ويؤدي واجبًا عليه،

 ج ـــــ أن يجعل من المطالعة زادًا من المعرفة التي يتجه إليها في هدوء مع تأدية ما لله من حق في هذه الصحة والعافية التي منحها الله له .. فقد يكون إثراؤه للمجتمع أكثر مما عمله يوم أن كان شابًا

كنت عميدًا لكلية التجارة وقبلك كان معالي الدكتور غازي القصيبي عميدًها.

هذا صحيح.

وَدَوَّنَ “غازي” تجربته الإدارية في كتاب سمَّاه “حياة في الإدارة”، وذكر معاليك بالإسم أكثر من مرة في كتابه، ولمعاليك رأي في الكتاب مؤداه أنه غير موثق. فهل لا تزال عند رأيك؟

نعم. وأعلنتُ عن ذلك للملأ في حياته وهو يعلم عن ذلك رحمه الله إلا أنه لم يُوَثِّقْ ما رواه. وتوفاه الله، وظلَّ كتابه مجرد خيال شاعر والشعراء يتبعهم …. وهو مجرد “رواية” ….  ولا تَصْدُقُ عليها مقولة حذام ……

       قرأتُ الكتاب، وتوقفتُ عند نصٍ لم أتمكن من فهمه، بل وتركني هذا النص في حيرة!!!

       ما هو هذا النص؟

       قال “غازي”: “أَصِلُ، الآن، إلى محطة هامة في حياتي الإدارية، وهامة في ذاتها، وهامة في تأثيرها على ما تلاها من محطات، وهي العمادة. هذه قصة شيقة، وهي قصة تستحق أن تروى بشيء من التفصيل. كان هذا العمل أصعب ما توليته في حياتي من أعمال، أصعب من السكة الحديدية، وأصعب من وزارة الصناعة والكهرباء، وأصعب من وزارة الصحة، وأصعب من السفارة في البحرين، وأصعب من السفارة في لندن”.

       ما رأيك فيما قاله زميلك؟

       وما رواه “معالي الدكتور غازي” ….. رحمه الله ….. هو بيت القصيد في كل كتابه المسمَّى “حياة في الإدارة”. ذكر “غازي” في “روايته” أن قصة العمادة قصة شيقة، وهي قصة تستحق أن تُروى بشيء من التفصيل. أشار إلى هذه القصة الشيقة دون ذكر تفاصيلها. وهكذا تركك يا “خالد” في حيرة من أمرك، وترك قارئ كتابه كذلك!!!. ولو لم يذكر الدكتور “غازي” أن هناك قصة لم يروِ تفاصيلها لكان أفضل. لم يبق في هذه الحياة من أبطال هذه القصة إلا “القلة” وأنا واحد منهم . ولعلِّي أُوفَّق في يوم مَّا في مشروع كتابي “مشوار حياتي” في تفكيك طلاسم هذه القصة التي تركها الصديق “غازي” محتويةً على “عُقَدٍ” أكثر من “عقدة أوديب” كما يُقال…

برواز مستق (بوكس سيرة ذاتية: الإسم: معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم  تاريخ ومكان الميلاد: من مواليد الهفوف 1938م المهنة: وزير دولة وعضو مجلس وزراء سابق.مؤهلاته العلمية: ليسانس الحقوق من كلية الحقوق جامعة القاهرة، جمهورية مصر العربية,ماجستير الحقوق من جامعة ييل Yale  الأمريكية. دكتوراه في علم القانون من جامعة ييل Yale  الأمريكيةمناصبه:معيد بكلية التجارة جامعة الملك سعود أستاذ مساعد بكلية التجارة قسم القانون، جامعة الملك سعود (جامعة الرياض سابقًا). عميد كلية التجارة رئيس اللجنة العليا للتظلمات الجمركيةوزير دولة وعضو مجلس وزراء سابق، من أبرز أعماله التي تولاها إلى جانب عمله وزير دولة وعضو مجلس وزراء سابق.   مستشار خاص للأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام عضو اللجنة العليا للإصلاح الإداري. رئيس الديوان العام للخدمة المدنية بالنيابة لعدة فترات، وعض مجلس أدارتها.عضو السيادة في اللجنة الوزارية المسؤولة عن مشتروات الحكومة.عضو المجلس الأعلى لجامعة الملك فيصل في الأحساء.عضو مجلس إدارة الخطوط الجوية العربية السعودية. عضو مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع في القاهرة.كما تولى لعدة مرات مهام وزير التخطيط نيابة عن معالي الأستاذ “هشام محي الدين ناظر” بعد تعيينه وزيرًا في وزارة البترول والثروة المعدنية

وللدكتور “آل ملحم” كتب وبحوث ومقالات ومقابلات صحفية في العديد من المجلات والصحف ومن هذه الكتب: “كانت أشبه بالجامعة”، كتاب “هزار الأحساء وبلبلها الغريدـ، كتاب “أيام في حياتي”، كتاب “قانون الثروة الناضبة”، كتاب “ابن مقرب: سقوط دولة وصعود شاعر، وكتاب باللغة الانجليزية بمسمَّى:

Middle East Oil

———————————————

مرحلة التقاعد… عبارة لم أفهم معناها حتى الآن! (أصل اللقاء) حوار خالد القحطاني
الناشر: مجلة الغرفة التجارية  – الأحساء

تاريخ النشر: 22/03/2017

رابط المصدر

 

مرحلة التقاعد… عبارة لم أفهم معناها حتى الآن!

مجلة الأحساء تحاور ابن “الأحساء” معالي وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم:

مرحلة التقاعد…
عبارة لم أفهم معناها حتى الآن!

يعتبر معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف بن محمد آل ملحم وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق أحد أبناء الأحساء الذينبرزوا في الحياة السياسية السعودية، وأصبح من كبار مسؤوليها خلال حقبة تاريخية طويلة تجاوزت العقدين من الزمان، وهوكذلك خلاصة رجل خبير في العلوم الإدارية والسياسية والاقتصاد والتاريخ والأدب.

| حوار |  خالد القحطاني  –  رئيس التحرير

عرفته التجارب منذ نعومة أظفاره، فتفوَّق دراسيًا، ودرس بكلية الحقوق جامعة القاهرة وحصل من «الجمهورية العربية المتحدة» على منحة دراسية لتفوقه العلمي، ومن ثم حصل على درجتي الماجستير والدكتوراة بدرجة الشرف من أعرق جامعة أمريكية في القانون هي جامعة ييل Yale الأمريكية. وخدم الوطن الغالي في مناصب عدة منها: عضو هيئة التدريس بكلية التجارة بجامعة الملك سعود (جامعة الرياض سابقًا)، وترقى حتى أصبح عميدًا للكلية، ومن ثم وزيرًا للدولة وعضوًا بمجلس الوزراء على مدى إحدى وعشرين عامًا. ولا يزال يحظى بتقدير القيادة السياسية حفظها الله لما يمتلكه من علم وحكمة وروية وخبرة في شتى الميادين.

معالي الوزير الدكتور محمد بن عبد اللطيف آل ملحم، ماذا تقول عن خلاصة حياتك … ذلك الكتاب الذي قمت بتأليفه «أيام فيحياتي»، وحياتك في الواقع؟
أقول، بشكل موجز، إن أيام حياتي، والحمد لله، كانت دائمًا ذات سعادة وبهجة، غير أنني عانيت من فقدان أمي، وكذا فيما بعد فقدان أبي بعدما تقدمت بي السنون، وفيما بين هذه الأيام وتلك أيامٌ أعتز بها، وهي أيام قضيتها مع زملاء في مراحل مختلفة من حياتي يستوي في ذلك مرحلة الطفولة أو مرحلة الشباب أو بعد ما تقدمت بي السنون. هؤلاء الزملاء فريقان: الفريق الأول «لِدَاتي» أي من عاصرتهم منذ الولادة وحتى اليوم، والفريق الثاني «رفاقي» وهو من عشت معهم في مسيرة حياتي ممن لم تكن ولادتهم في بلدة «هجر». واليوم وبعد كل تلك الأعوام والتجارب في الحياة أرى نفسي طالب علم، وكل يوم يمر عليَّ أجد أنه يثري فكري، ويوفر لي القناعة بأنني لم أحصل من العلم والخبرة إلا على القليل.

معالي الوزير جئتَ إلى الوزارة بهدوء أي بدون وهج إعلامي، وغادرتها كذلك بهدوء رغم أنك أمضيت فيها واحدًا وعشرين عامًا،قصدت الأمر هذا؟ أم جاء صدفة؟
لم أقصده …. ولم يأت صدفة ….
كنَّا في عام 1390هــــــ الموافق عام 1970م قِلة من حملة الدكتورة لا نتجاوز «الثمانية» في كلية التجارة، في (جامعة الرياض) جامعة الملك سعود حاليًا، وهي الكلية التي كانت تُعنى بالعلوم الاقتصادية والإدارية والمحاسبية والقانونية والسياسية. كنَّا في ذلك «العهد الرومانسي» بمثابة عملات نادرة متخصصين في مجالات غير مألوفة في المملكة. ومن كلية التجارة أخْتير ثلاثة، وواحد من كلية الزراعة، وآخر من كلية الطب، وآخر من كلية العلوم ليدخلوا الوزارة. وسميت وزارتنا «بوزارة الدكاترة».
أما عن مجيئِي للوزارة ومغادرتي لها دون وهج إعلامي فبودي أخي «خالد» أن أكون صريحًا معك: في الواقع لم يكن الوضع عاديًا بالنسبة لي في السنوات الأولى من تشكيل الوزارةـ. كانت رغبتي أن أكون في مركز الضوء حتى ولو في أبسط الأمور مما أزاوله من عمل، والسبب واضح وهو أن «القرينً بالمقارن يقتدي». كان البعض من رفاقي في الجامعة ممن دخلوا الوزارة معي مِلء السمع والبصر بمجرد تسلمهم لوزاراتهم، ولم تتحقق هذه الرغبة بطبيعة الحال لي لأن العمل الذي كنت أزاوله لم يسمح بذلك، كنت أمارس عملي في صمت. والحقيقة أن عملي الوزاري لم يكن ذات طبيعة تنفيذية لجهة مَّا، أو لمنطقة مَّا، أو لجمهور مَّا. كان عملي وأنا وزير طيلة السنوات الإحدى والعشرين سنة الماضية مثل «الجندي المجهول»، وأنتَ تعرف بالتأكيد معنى ودلالة مصطلح «الجندي المجهول» عند الأمم والشعوب. والإعلام يا أخي «خالد» له إيجابياته وسلبياته.

بالتأكيد، ثم ماذا؟
مع مرور الزمن أدركت أن للإعلام، إلى جانب إيجابياته، بريقًا وأضواء ووهجًا، فله سلبياته. لذا تعلمت خلال العقدين من الزمن أنني كنت على خطأ فيما كنت أرغبهُ وأتوقُ إليه في السنوات الأولى من تشكيل الوزارة، وأن الوضع العادي بعيدًا عن الشهرة والأضواء أو التصريحات كان أفضل بالنسبة لي، وبالفعل قد كان … ولعلَّ هذا من توفيق الله.

لمعاليكم ذكريات عميقة وكبيرة حول سنوات دراستكم في «مدرسة الهفوف الإبتدائية الأميرية»، وهو ما ترجمها اهتمامكموعنايتكم بها… وماذا تقولون؟

تأسست «مدرسة الهفوف الإبتدائية الأميرية» بمدينة الهفوف في عام 1350هــــ وذلك قبل الإعلان الرسمي عن تأسيس «المملكة العربية السعودية» بسنة في عام 1351هــــ، هذه المدرسة وُئِدَتْ بعد تأسيسها في مهدها بفعل بعض أهالي الأحساء الذين لم يحبذوا التعليم الحديث آنذاك، ولكن أُعِيدَ تأسيس المدرسة في عام 1355هــــ ومن ثم تّمَّ تدشينها في عام 1360هـــــ، وفي 14 جمادى الأولى عام 1366هــــــ التحقت بالمدرسة ورقم قيدي في سجلاتها هو «803»، وبعدها بشهور أي في العاشر من شهر شوال/1366هــ التحق بالمدرسة الزميل الأمير خالد بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود، ورقم قيد سموه هو «817».
وقد تخرج في المدرسة رجال رواد كان لهم الفضل في نشر التعليم في شرق المملكة وكافة المناطق الأخرى بها خلال عقود من الزمن، لذلك أرى فيها المدرسة «الأم» بالنسبة لي فهي موطن ذكريات، ومسارح أفكار، ومصدر إشعاع، ومنتدى سمَّار، وبالفعل رأيت أن أفعل شيئًا مَّا لمدرستي حيث شرعتُ محاولاً تخليد ذكرى هذه المدرسة بعد تغيير الوزارة في عام 1416هــــ. ولقد تم ذلك في كتاب ضخم موثق سميته «كانت أشبه بالجامعة». وبفضل من الله وتوفيقه، (وبدعم من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رئيس الهيئة العامــــة للسياحــــة والتراث الوطني الذي قــــــــرأ كتابي) أصبحت المدرسة اليوم «أحد المعالم التراثية والتاريخية» في المملكة، ومن بين أهم المرافق التي تُزار الآن، وهي مفتوحة لكل زائر للمحافظة.

ما أبرز ما شاركت فيه من شؤون عامة أثناء فترة عملك الوزاري؟
أفتخر، من بين أمور أخرى، أنني شرفت بعضوية «اللجنة العليا لوضع النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المقاطعات»، وهي اللجنة التي دام عملها اثني عشر عامًا، وكان لي شرف المشاركة في وضع «البنية الدستورية» لكل من نظام الحكم الأساسي ونظام مجلس الشورى، وهما النظامان اللَّذان بالإضافة إلى «نظام المقاطعات» قد خضعوا لتأمل وبحث ودراسة من قبل صفوة من رجال فكر ورأي حتى تم تتويج هذه الأنظمة بأوامر ملكية وضعتها موضع التنفيذ. كما كان لي شرف رئاسة اللجنة المشكلة من دول المجلس التعاون الخليجي، وهي اللجنة التي وضعتْ «نظام مجلس التعاون الخليجي»، وهو نظامٌ انسجم مع حقائق أوضاع دوله الأعضاء فيه، ولذا استمر المجلس متماسكًا في هياكله النظامية رغم ما طرأ عليها من تطوير إلى الآن، وسيبقى كذلك، إن شاء الله، على حاله النظامي متماسكًا حتى بالنسبة للمستقبل.

لا شك أنك خلال سنوات الوزارة قد زاملت وتعاملت مع وزراء عدة من غير الأمراء، من هم الوزراء الذين استفدت من خبراتهم؟وهل في إمكانك وضع قائمة بأسماء البعض منهم؟
أكن لكل إخواني الوزراء الذين زاملتهم طيلة العقود الماضية كل تقدير واحترام، ولو قررتُ وضع «قائمة» بأسماء بعضهم فسيكون معالي الأخ السياسي المخضرم محمد بن إبراهيم مسعود على رأس هذه القائمة، فهذا الرجل سياسي محنك ذو نظرة ثاقبة، وحكيم مجرب استفدت كثيرًا من آرائه من خلال أحاديث جرت بيننا طيلة واحدٍ وعشرين عامًا، رحمه الله.

معالي الوزير: من الوزير الثاني في القائمة؟
الإجابة عن هذا السؤال من رابع المستحيلات عندي.

أيهما كنت تفضل دائمًا لقب أستاذ الجامعة أو الوزير؟
أفضل لقب «أستاذ» الجامعة، ولكن لقب «وزير» سيظل يلاحقني. والظروف التي كنتُ فيها في عام 1395هـــــ عند دخولي الوزارة تختلف عن الظروف التي أنا فيها الآن. وهذا لا يعني أنني لم أكن مرتاحًا حينما عينتُ وزيرًا. على العكس كان لي خلال الإحدى والعشرين سنة الماضية شرف الخدمة العامة، والتعرف على مداخل السياسة ومخارجها، وهي مداخلٌ من المستحيل العلم بها لو كنتُ خارجَ الوزارة. أمَّا الآن فأنا أحاول اللحاق بما فاتني من ركب «كأستاذ جامعة». صدر لي كتاب بعنوان «كانت أشبه بالجامعة» في عام 1419هــــــ، وصدر لي كتاب بعنوان «هزار الأحساء وبلبلها الغريد» في عام 1420هـ، وصدر لي كتاب بعنوان «قانون الثروة الناضبة» في عام 1421هـــــ، وصدر كتاب  باللغة الإنجليزية بعنوان:
Middle East Oil  في طبعتين: طبعة بالتجليد الفاخر وطبعة أخرى بدونه في 1421هـ، وصدر لي كتاب بعنوان» أيام في حياتي» في عام 1433هـــــ ……. وآخر إصداراتي كتاب بعنوان: ابن مقرب …. سقوط دولة وصعود شاعر» في هذا العام ….. عام 1438هـــــ
وكما ترى … أخي …. «خالد»  كم في التقاعد من متعة.

معالي الوزير: هل «المحاماة» مربحة لمن هو صادق/أمين أي لا يقبل أية قضية إلاَّ بعد إيمانه بعدالتها؟
نعم المحاماة مربحة. والمحامي الصادق هو الذي يعتبر نفسه قاضيًا مع نفسه أي مع ضميره وذلك قبل أن يكون مرتبطًا للدفاع عـن موكله. والمحامي باعتباره «حالف قسم» يجب أن يكون أمينًا مع موكله. ومن مقتضيات هذه الأمانة أن يتأمل بتجرد قضية «موكله»، ومن ثم يصدر الحكم لصالح موكله أو ضده وذلك قبل أن يرفع قضيته للجهة المختصة أو أن يكون عضوًا محكمًا فيها. والقيد الوحيد على «موكله» هو أن يكون أمينًا كذلك مع «وكيله»، ومن مقتضيات هذه الأمانة أن لا يخفي عن «وكيله» أية واقعة مهما كانت في نظره تافهة تمشيًا مع «مقولة» فيلسوف يوناني حكيم [واليونانيون رجال فلسفة وأدب] «أنبئني بالوقائع أخبركَ بحكم القانون».

معالي الوزير: مع تطور وتعقد وتنوع العلاقات والمعاملات التجارية اليوم في كافة مجالات الأعمال، برز التفاوض كأداة هامة فيتسوية المشاكل، وحل الخلافات، وإقامة التوازن بين المصالح المختلفة … كيف ترى الأمر؟

التفاوض نوع من الحوار وتبادل الأفكار والاقتراحات بين طرفين أو أكثر بهدف التوصل إلى اتفاق يؤدي إلى حسم نزاع أو خلاف بما يحافظ على المصالح المشتركة بين الطرفين. إذًا فالتفاوض عملية تفاعل وتعاون وهو كذلك موهبة، وإذا ما توفرت لهذه الموهبة قدر من العلم والصبر وكذا فهم لمداخل ومخارج لغة التفاوض فالمفاوض حكيم، والتفاوض يكون سريًا إذ كان الشأن المتفاوض من أجله يمس آخرين، ويكون علنيًا إذا كان التفاوض حول شأن تنحصر أبعاده على طرفي التفاوض على نحو شامل ومطلق.
والمفاوض الناجح هو من يتقن فن الاستماع والإنصات للطرف الآخر، وأن يكون قويًا واضحًا أكثر منه داهية فلا يأخذ دور «الواعظ» الذي يُلقي الخطب والمواعظ التي لا تجد نفعًا في التفاوض في مختلف أنواعه.

معالي الدكتور: وأنتم في ضيافة (مجلة غرفة الأحساء) ماذا ترغبون أن تقولوه للغرفة وأنتم فيما سبق عميدًا لكلية التجارة؟

بودي أن أنوه، بادئ ذي بدء، بأن «غرفة تجارة الأحساء» والتي أتمنى لو سُمِّيَت «بيت التجار» كانت ولا تزال واجهة حضارية في بلدة «هجر». وباعتباري شاهد عصر من المهم أن أثبت «حقيقة» أن غرفة تجارة الأحساء أو «بيت التجار» قد سدَّت فراغًا ليس فقط في نشر ثقافة التجارة والمال مما هو من اختصاصها أصلاً، وإنما أيضًا في نشر ثقافة تراث الأحساء كذلك. لقد احتضن مدرج غرفة التجارة مناسبات ذات طابع ثقافي وتاريخي وأدبي في وقت كان «الأحساء» فيه في حاجة إلى «ناد أدبي». وتم تطوير الغرفة بجهود أبناء للأحساء، هم من أصدقائي. وفي مقدمتهم رجال أعمال منهم: «ناصر بن حمد ابن زرعة»، و»عبدالعزيز العفالق»، و»سليمان بن عبدالرحمن الحماد. وآمل أن يواصل ربان سفينتها الحالي المهندس: صالح بن حسن العفالق مسيرة من سبقوه.
والغرفة، من وجهة نظري، هي «بيت التجار». و»الغرفة» الآن كسائر الغرف الأخرى المنتشرة هنا وهناك في شتى أنحاء المملكة تزخر بأهداف وبطموحات متماثلة وذات بريق ووهج ولغة وردية ربما تعجز (بحكم مواردها المتاحة) أية «غرفة»، بما فيها «غرفة تجارة الأحساء» عن تحقيقها، وما أراه لكي تحقق الغرفة جميع أهدافها وطموحاتها أن تقيم جسرًا من التواصل بينها وبين منسوبيها، وهم «شعبها»، كأولية أولى، وأن تكون الغرفة «حاضنة» لمهام أربع لهذا «الشَّعب»:
(1)    أن تكون ناديًا تستقطب فيه كافة رجال الأعمال من تجار وصناع يتحدثون فيه عن طموحاتهم وتجاربهم في المجال التجاري والصناعي،
(2)   أن تكون بمثابة محكمة يعرض فيها هؤلاء التجار والصناع مشاكلهم، وما تعرضوا له من صعاب في ممارستهم لأعمالهم التجارية والصناعية من أجل حلها دون اللجوء «للتقاضي» أو «التحكيم»،
(3)(3)   أن تكون «معهدًا» يتلقى رجالها فيه ما استجد من تقنيات جديدة في المجال المالي والتجاري والصناعي، وبهذا المعهد مكتبة ضخمة تزخر وتضم أمهات الكتب الحديثة ذات الطابع المالي والتجاري والصناعي، ولتكون مرجعًا ليس لمنسوبي الغرفة فقط، بل ولطالبى المعرفة في المجالات التجارية والمالية من منسوبي كليات التجارة، والعلوم الإدارية، والحقوق، والأفراد.
(4)(4)    وأن تكون منتدى لرجال الأعمال: تجارًا وصناعًا للسمر، والترويح، والترفيه، ناهيك عن تبادل المعلومات والخبرات، وتوثيق الصلات في مجالات التجارة والمال.

معالي الدكتور: ذكرت في كتابك: «كانت أشبه بالجامعة» النص التالي مشفوعًا بقصيدة. وأنقل النص كاملاً:
«في كتاب «واحة الأحساء» تحدَّث السيد «إف. إس. فيدال» في عام 1952م عن الحرف، والصناعات، والمهن في «الأحساء»، وهو حديثٌ جدير بالقراءة، ويعكسُ تمامًا وضع «مجتمع» الأحساء من حيث عنايته بالحرف والمهن وغيرها. ومن الصناعات والمهن والحرف التي عرض لها السيد «فيدال» ـــــــ باستفاضة ـــــــ:
صناعة الدِّلاَل (جمع دلة القهوة)،
صناعة النَّسيج،
صناعة الفخَّار،
الصناعة الجلدية،
صناعة الأخشاب،
صناعة المجوهرات،
وصناعة الأدوات الخاصة بالنخيل وبتصنيع مشتقات تمورها ونتاجها.
وعن صناعات الأحساء ــــــ آنذاك ــــــ يقول شاعر الأحساء «محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم» في ملحمة «الدر المكنون في شتى الفنون» (المكونة من عشرة آلاف بيت) أفكارًا ذات قيمة في أبيات تناول فيها ألوانًا معينة من هذه الصناعات. وسوف أنقل أدناه هذه الأبيات. وأهم هذه الأبيات بيتها الأخير الذي يعتبر بيت القصيد. يتناول هذا البيت المنطلق الأساس لموطن الصناعة ألا وهي الصناعة الوطنية، ومن هُمْ عُدَّتهَا؟، وما هي مقوماتها؟، وكيف تكون تاج المجد وفخاره؟ هذا البيت الفريد عبارة عن قصيدة كاملة بما احتوى عليه من مضامين ومفاهيم ذات طابع حيوي. ومنطق  هذا البيت:
وَمَعْنَى  الْحَضَاَرَةِ يَكْمُـنِ  فِـي
نَتَاجِ الْمُوَاطِنِ لَــوْ  تَفْهَمُـونْ!

أما القصيدة عن بعض ألوان من الصناعات في «مقاطعة الأحساء» فهي كالتالي:

بِلاَحْسَا» مَصَانِــــــعُ مُنْذُ الْقَدِيم
تَنَاثَرْنَ فِي سَهْلِهَا وَالْحُـــــــــــــــــــزُونْ
تَفَنَّــــــــــــــنَ فِيهِــــــــــنَّ صُنَّاعُــــــــــــهَا
وَأَبْـــــــــــــدَوْا بِهِنَّ جَمَـــــــــــــالَ الْفُنُونْ
جَمِيعُ الأَوَانـــــِي بِهَا عُرِضَــــــــــــتْ
عَلَى مَا يُنَاسِبُ دَخْلَ الزُّبُــــــــونْ
وَأُخْرَى نَسِيجٌ وَمِـــــــــنْ حِــــــرَفٍ
وَمِنْ كُلِّ صِنْفٍ هُمُ يَصْنَعُـــــــونْ
إِذَا سِرْتُمُــــــــــــوا قُـــــــــــرْبَ آلآتِهِـمْ
تصِيرُونَ كَالطُّرْشِ لاَ تَسْمَعُونْ!
فَهَــــــــذَا يَــــــــــــــــدُقُّ بِسِنْــــدَالِـــــــــةٍ
وَهَـــذَا يَرُبُّ لِتِلْكَ الصُّحُــــــــونْ!
وَهَـــــــــــذاَ يَفِـــــــــــــحُّ بِمْنِفَاخِـــــــــــــــــهِ
وَهَــــــــذَا يُحَـــــــــــــــــــــرِّكُ لِلْمَنْجَنُونْ!
كِفَايَاتُهُمْ تِلْكَ قَــــــــــــدْ حَصَّلُوا
بِجُهْدِهــــــــــــــــمُ حِينَمَا يَعْمَلُــــــــــــونْ
فَلَيْسُوا لِغَيْرِهُــــــــــــــــــــمُ أَبَـــــــــــــــــدَا
يَمــدُّونَ كَفَّا فَهُـــــــمْ مُكْتَفُـــــــــــــونْ
وَجُـــــــلُّ مَرَافِـــــــــــقِ عَيْشِ الْبِلاَدِ
بِأَزْمَــــــــــانِهِــــمْ هُــــــمْ لَهَا يُنْتِجُــــــــونْ
وَمَعْنَى الْحَضَــــاَرَةِ يَكْمُــنِ فِـــــــــي
نَتَاجِ الْمُوَاطِــنِ لَــوْ  تَفْهَمُـــــــونْ!

معالي الدكتور: يا تُرى لمن يوجه هذا النص؟

أخي خالد: المعنى في قلب الشاعر. ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك. يوجه هذا النص، بداهة، لفئة الصناع ممن أسماؤهم مسجلة في «غرفة تجارة الأحساء، أعني «بيت التجار». هم الأولى أن يوجه لهم النص، ويعملوا بمقتضاه ليجددوا تراث الآباء والأجداد في «الصناعة» التي تميزت بها بلدة «هجر» عبر العصور، وبشرط أن يوفر لهؤلاء الصناع، بجانب الحماية، الدعم التام الشامل ممن يهمهم الأمر في وزارة التجارة والاستثمار.

معالي الدكتور: هل هناك علاقة بين كلية التجارة التي كنتَ عميدها وغرف التجارة المنتشرة هنا وهناك في بلادنا؟
نعم العلاقة قوية، وفي عهدي كانت كليتي «كلية التجارة» التي كنتُ عميدها على علاقة بغرف تجارة محدودة العدد. وكم كنتُ أتمنى أن يبقى اسم الكلية على حاله. تغيَّر اسم «كلية التجارة» في أيامنا المعاصرة للأسف إلى كليتين: كلية للعلوم الإدارية»، وكلية «للحقوق والعلوم السياسية».
وفي كلية التجارة ونظائرها تخرج ويتخرج طلاب شغلوا ويشغلون أهم الوظائف في الغرف التي أشرتَ يا «خالد» إليها.
وحينما كنْت عميدًا للكلية في عام 1393هــــــــ، كنتُ أُدَرِّسُ موادًا في الكلية منها مادة «القانون التجاري». وكانت تلك المادة (وحتى في أيامنا المعاصرة) تُعنى من حيث الأشخاص برجال الأعمال بفئتيْها: تجارًا وصناعًا. كما كانت مادة «القانون التجاري» تُعنى بتكوين الشركات وبالذات «شركات المساهمة العامة» وإن كان هذا النوع من الشركات في عهدي محدودا جدًا ومنها: شركات الكهرباء وشركتين أو ثلاث من شركات الأسمنت وغيرها، وكان النمط السائد آنذاك تكوين «الشركات العائلية» التي تتخذ من شركة «المسؤولية المحدودة» نمطًا لها. ويهمني باعتباري كنتُ مدرسًا لقانون الشركات وعلى رأسها «شركات المساهمة العامة» أن أنوه عن «نقطة مهمة» في مجال «شركات المساهمة العامة»، ولعل هناك من يخالفني الرأي فيما سأقوله في أيامنا المعاصرة ممن «انشغلوا» أو «فُتنوا» أو افتتنوا بما يعرف بمنصتي «تداول الأسهم»، و»سوق الأسهم». ومع احترامي لأي رأي معارض فمن وجهة نظري يعتبر «السهم» من حيث عائده في «شركات المساهمة العامة» هو المؤشر الأساس لنجاح أو فشل أية شركة. والسوق لمن يعرف ثقافتها سوقٌ في خصوص «الاستثمار في الأسهم» لا ترحم.
وفي ضوء ما مر بالأسهم من كوارث سابقة، وبالرغم مما حُميتْ به الأسهم من تقنيات حديثة متطورة، فعلى المستثمر الحصيف في الأسهم أن يُجْري، ومع توقي الحذر، جدوى اقتصادية لاستثماره بما فيها دراسة ما تنشره الشركة المستهدفة عن ميزانيتها وحساب أرباحها وخسائرها، مع تركيز اهتمامه على النقطة المهمة التي أشرتُ إليها سلفًا ،وهي التحقق من أداء الشركة وربحية سهمها، أي: التحقق من عائد سهمها المالي حاليًا وفي المستقبل المنظور، مع عدم الالتفات إلى طروحات المضاربين المغرية وشتى الشائعات التي يطلقونها بين الحين والآخر. والسهم في المحصلة النهائية هو نبض القلب لحياة أو موت أي شركةـ، بل وهو الْحَكَمُ (أي المؤشر) على مدى نجاح الشركة أو فشلها.

دكتور: وهل تنصح في الاستثمار في الشركات المدعومة أسهمها بربح سنوي ثابت من خزينة الدولة؟
أخي خالد. هذا سؤال غريب. مثل هذه الأسهم يجب استبعاد تداولها من سوق الأسهم للأسباب التي سبق أن ذكرتها فيما يتعلق بالربط بين أداء الشركة وعائد سهمها المالي.

دكتور: أسعار الأراضي حديث الناس هذه الأيام، هل لمعاليك من تعليق؟
أخي خالد: دع الناس يتحدثون. ودع الناس يتسلُّون. هم أحرار في التصرف فيما يملكون. ومع مرور الوقت يتعلم ملّاك الأراضي.
أسعار «الأمس» غير أسعار «اليوم»،
وأسعار «اليوم» لن تكون كأسعار «الغد».
أنا لست «تاجر أراضي»، ولا «رجل أعمال». ولكن إليك القصة التالية: صديق لي صاحب مكتب عقاري في «الأحساء» طلبتُ منه أن يبحث لي عن قطعة أرض لا تتجاوز ثلاثمائة (300) متر لغرض مَّا. وقلتُ له: يقال أن أسعار الأراضي هذه الأيام في نزول. قال: هذا صحيح وأنا في السوق وأعرفه، وأردفَ قائلاً: عندي قطع أراض للبيع، ولكن ملّاكها متمسكون بأسعار الأمس، ولن يبيعوا إلا بأسعار الأمس. قلتُ له. دعهم في أحلامهم. وختمتُ حديثي مع صديقي مُرَدِّدًا البيت التالي:
ومُكَلِّفُ الأَيَّامِ ضِدَّ طِبَاعِهَا
مُتَطَلِّبٌ فِي الْمَاءِ جَذْوَةَ نارِ
والحكيم من يتعايش مع أحوال يومه فيتصرف بمقتضاها.

معالي الدكتور: كثر الحديث في أوساط المجتمع بين المختصين ورجال الأعمال حول المادة (77) من نظام العمل التالي نصه:
«ما لم يَتَضَمَّن العقد تعويضاً مُحدَّدَاً مُقابِل إنهائه من أحد الطرفين لسببٍ غير مشروع، يستحق الطرف المُتَضَرِّر من إنهاء العقدتعويضَاً على النحو التالي:
(1)   أجر خمسة عشر يوماً عن كل سنة من سنوات خدمة العَامِل، إذا كان العقد غير محدد المدة.
(2)   أجر المدة الباقية من العقد إذا كان العقد محدد المدة.
(3)   يجب ألاّ يقل التعويض المشار إليه في الفقرتين (1) و(2) من هذه المادة عن أجر العَامِل لمدة شهرين».

الحديث في نص هذه المادة «يا خالد» يطول شرحه، وليس هنا محله. ولكن إليك رأيي باختصار.
هذه المادة من حيث الصياغة القانونية «مُحْكَمَةُ»، ومن حيث المحتوى القانوني «عَادِلةٌ» إذا نُظِرَ إليها مجردةً من الزمان والمكان أي من البيئة المراد تطبيقها فيها. بل ولا غبار عليها شكلاً ومحتوىً إذا كان الغرض منها تعليم الطلاب في كليات الحقوق كيفية الصياغة القانونية لضبط محتوىً معين.  أما إذا أُريد منها كمادة أن تطبق في بلد معين من حيث الزمان والمكان فالوضع مختلف تمامًا.
هذه المادة صالحةٌ للتطبيق في البلد الذي لا توجد فيه عمالة وافدة ماهرة على الإطلاق. وبمقتضى مفهوم المخالفة، هي مادة غير صالحة للتطبيق في البلد الذي يكتظ بعمالة وافدة لا سيما إذا كانت العمالة ماهرة.
تطبيق هذه المادة في هذا البلد المكتظ بالعمالة المشار إليها عملٌ «مأساوِيٌّ كارثي» في خصوص توطين الوظائف.
رحم الله أستاذي الدكتور «جمال زكي» من أساطين «قانون العمل» في كلية حقوق ــــــ جامعة القاهرة الذي كان ينادي بتوطين نص المادة بالبيئة المراد تطبيقه فيها إذا أريد منها أن تكون ذات فعالية.

.معالي الوزير: في مجال عقود التجارة والمعاملات التجارية ذات الطبيعة المتشعبة يحتار رجل الأعمال أو التاجر أو يتردد فياختيار أي القضاءين: «قضاء الدولة»  أو «قضاء التحكيم» لحل أية منازعة تنشأ في العقد الذي وقع أو سيوقع عليه. ما رأيك في مثلهذه المسألة الشائكة؟
من مستلزمات أي عقد سواء أكان «مدنيًا» أو تجاريًا» أن يُدرج فيه نص يتعلق بالتقاضي: قضاءً أو تحكيمًا. وفي أي عقد يبقى القضاء والتحكيم أهم أداتين أو وسيلتين يتم اللجوء إليهما لفض المنازعات ذات الطبيعة العقدية. و»القضاء» تعبير عن ظاهرة من ظواهر ثلاث: «لنظرية سيادة الدولة»، وهي النظرية التي تعنِي، بصفة شاملة، الحفاظ على كرامة الدولة الإقليمية واستقلالها السياسي. والظواهر الثلاث لنظرية السيادة المكونة للدولة الحديثة هي: «السلطة التنفيذية» و»السلطة التشريعية» و»السلطة القضائية». والدولة هي صاحبة الكلمة العليا في شأنها الداخلي. ومعنى ما أقصده أن كل من يلجأ لقضاء الدولة كأداة لفض المنازعات هو خاضع لمحاكم هذا القضاء بمختلف درجاته، وكذا لكافة إجراءاته. أما «التحكيم» باعتباره قضاء خاصًا، وبديلاً عن قضاء الدولة، فهو قضاءٌ محايد حينما يستكمل أبنيته، ويباشر ممارسة مهام أعماله على استقلال، وهو من حيث «الهوية القانونية» تعبير عن «نظرية سلطان الإرادة الحرة» لأطراف الخصومة مع التحفظ على هذه النظرية، وبما معناه أن لهذه الإرادة الحرة الكلمة العليا فيما يتعلق بالتحكيم ورموزه وإجراءاته مع التحفظ ذي الطبيعة الاستثنائية لقواعد منبثقة عن إعمال «نظرية السيادة» يلزم الأخذ بها إذا كان مقر التحكيم داخل إقليم الدولة.
وهكذا «مبنى القضاء» يختلف عن «مبنى التحكيم»، وصاحب الشأن سواء أكان شخصًا طبيعيًا أو شخصًا معنويًا، خاصًا، أو عامًا له الخيار في اللجوء إلى أي من القضاءين أي أن يختار اختصاص هذا أو ذاك مع ملاحظة أن هذا الخيار ليس خيارًا حرًا مطلقا إذ فيما يتعلق بالتحكيم فالخيارُ مقيد بنطاق معين محصور، من حيث النطاق على المسائل التي يجوز فيها التحكيم والصلح، وبمقتضى مفهوم المخالفة لا يجوز التحكيم في المسائل ذات الطابع الشخصي أو تلك المتعلقة بحقوق الله سبحانه وتعالى، أو تلك المتعلقة بنظام الدولة العام. ولهذا يُقال في «علم القانون» أن الفرد في مجال التقاضي في وضع متساوٍ مع وضع الدولة ذات السيادة والسلطان. فكما أن الدولة ملزمة بتوفير «القضاء» كمسرح لمواطنيها تقدم لهم فيه أدوات أو وسائل لحل منازعاتهم حيث إن ذلك أحد مظاهر سلطتها، ناهيك عن أن من مسؤولياتها الكبرى توفير محاكم يدير دفتها قضاة مؤهلون وفقًا لقواعد وإجراءات ثابتة تحدد اختصاصاتها بغرض الوصول إلى هدف كلي وهو تحقيق العملية القانونية الخالصة في إقرار العدل وحمايته للكل على حد سواء. والمواطن وفقًا لهذا المنطلق باعتباره «إنسان» فهو على قدم المساواة مع الدولة إذ له إرادته الحرة الخالصة بحيث بإمكانه أن يُنشئ قضاءً خاصًا له كبديل عن قضاء الدولة وذلك للنظر في المسائل التي تخصه إذا رغب في ذلك والتي تم تحديدها سلفًا. وهذا قضاء ذو نوعين: «قضاء غير مؤسسي» لحل منازعات بين الأطراف في حالات خاصة ينتهي فيها هذا القضاء حال حسم تلك الحالات، أو «قضاء مؤسسي» ذو طابع دائم منتظم، وهو قضاءٌ بإمكانه استقبال منازعات أصحاب الشأن وفقًا لإجراءات نمطية مستقرة وثابتة. هذا مع العلم، أن هذا القضاء المؤسسي يقوم على نمط معين في أبنيته وإجراءاته، أشكال مختلفة تحت مُسمى مراكز وطنية، ومراكز إقليمية، ومراكز دولية، ولدرجة أن هذا القضاء المؤسسي ظاهرة منتشرة في الكثير من الدول ذات السيادة والسلطان. وفي خصوص التفرقة بين القضاءين هناك «مقولة قانونية» تدخل في إطار «حقوق المواطن الدستورية» مؤداها أن لجوء المواطن إلى «التحكيم» هو إهدار لحقوقه الدستورية التي وفَّرتها له الدولة من خلال إقامة أجهزة عدل تقر فيها الحقوق وفق موازين عدل سليمة تنعدم فيها قوى الهوى الجامح أو قوى الطيش البين. ولهذا فالتساؤل التي تثيره هذه المقولة هو: لماذا يلجأ المواطن إلى قضاء آخر داخل موطنه كقضاء  بديل لقضاء موطنه ما لم يكن هذا القضاء فاسدًا؟ وهناك «مقولة قانونية» أخرى ضد المقولة السابقة، وعلى النقيض منها، مؤداها أن إذن الدولة لمواطنيها بمقتضى قوانينها باللجوء للتحكيم مؤداه اعتراف الدولة بتقصيرها في توفير العدل وإقامته لهؤلاء المواطنين. وفيما بين المقولتين هناك «مقولة قانونية ثالثة» مؤداها أن حق المواطن لم ولن يُهدر دستوريًا من قِبَلِهِ إذ يظل حقه في اللجوء للقضاء باقيًا، بل وثابتًا حتى ولو لجأ للتحكيم، وأن ترخيص الدولة ليس مبعثه تقصيرًا منها في إقامة العدل، وإنما هو احترام منها لحق المواطن في الخيار بين أي من القضاءين باعتباره من حقوقه الأساسية «كإنسان».

معالي الدكتور: عرَّفتَ رجالَ الأعمال بأنهم تجار وصناع، لماذا يقع البعض من هؤلاء في إشكالات حين ممارستهم لأعمالهم التجارية تنتهي بهم إلى ساحات «المحاكم» أو مقار هيئات التحكيم لفض تلك الإشكالات. ما هو تعليق معاليكم؟ سؤال حيوي ومهم … وكلُّ من مارس ويمارس المحاماة أمام «قاض» أو أمام «محكّم» يجد أن ما سألت عنه يمثل ظاهرة لا تزال تستعصي على الحل. بعض التجار، ناهيك عن الصناع، في ممارستهم لأعمالهم التجارية يبخلون بدفع القليل، وبعد وقوعهم في «الفخ» يدفعون الكثير!

ماذا تقصد؟
تاجر أو صانع يبرم عقد مقاولة، أو صناعة، أو تجارة بالجملة أو بالتجزئة، أو عقد نقل بضائع، أو عقد توريد سلع وخدمات، أو عقد توزيع، أو عقد تشييد مصنع، أو عقد وكالة تجارية، ربما في «تَسَتر» وقبل أن يستشير المختص في شأن هذا العقد أو ذاك من الناحية القانونية أو الفنية أو المالية، وبعد التوقيع على هذا العقد أو ذاك يُصْدَمُ حالاً بمعوقات وإشكالات ومنازعات في العقد الذي أبرمه بنفسه وعن رضًا وطواعية. وبدلاً من مباشرة أعماله في سهولة ويسر يجد نفسه في دوامة بين «المحاكم» يتردد، أو من خلال «هيئات التحكيم» يجادل. أمَّا ما يدفعه من مصاريف ونفقات بعد التوقيع على العقد فحدث عنها ولا حرج. شواهد الحال كثيرة في ساحات المحاكم، وفي مقار هيئات التحكيم. ويصدق على مثل هذا «التاجر» أو «الصانع»: مقولة ذات مغزى مؤداها: «إذا وقعت يا فصيح لا تصيح». وأنصح «التاجر» أو «الصانع» أن يستشير .. أن يستشير. أن يستشير…. حتى لا يرى نفسه «في خراب مالطة»….
وفي عالم الغرب مقولة: أن كل «تاجر» أو «صانع» خلفه رديف مستتر!!!

ما أبرز خمسة كتب أثرت في تكوينك الفكري؟
الكتب كثيرة التي أثرت في تكويني الفكري، ولكن ربما أهمها: تفسير القرآن الكريم لأبن كثير، كتاب: كليلة ودمنة لابن المقفع، كتاب: العواصم من القواصم لابن العربي، مبادئ القانون للدكتور عبدالفتاح عبدالباقي، وكتاب النظام الدولي العام للكرامة الانسانية للأستاذ الدكتور مايرس سمث مكدوقال. أستاذ القانون بكلية حقوق جامعة ييل Yale  الأمريكية.

معالي الدكتور: يتخوف الكثيرون من مرحلة التقاعد، ما رأي معاليك فيه؟
عبارة لم أفهم معناها. الإنسان ينتقل من موقع إلى آخر. ومن المعروف أن موضوع ترك الوظيفة العامة أو الإحالة على التقاعد أو التقاعد نفسه من الموضوعات التي كَثُرَ الحديث عنها، بل لا يزال الحديث عنها موضوع الساعة. والانفكاك من الوظيفة العامة أي التقاعد إمَّا أن يكون اختياريًا أو قانونيًا أو قسرًا. تعدد أسباب التقاعد في المحصلة النهائية واحد. والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا يفعل الموظف بعد التقاعد؟ هناك من يتقاعد، ويجد نفسه في مسرةٍ، وآخر يجد نفسه في كآبة تنتهي به إلى عزلة أو مرض. وسأقتصر هنا على ذكر ثلاثة أراء في «التقاعد» واحدة «لأديبٍ»، والثانية «لِي»، والثالثة لشيخي المربي الفاضل «عثمان الصالح».
سألتُ الأستاذ الأديب الشاعر «حسن بن عبدالرحمن الحليبي» بعد أن تقاعد عن التدريس في «المعهد العلمي بالأحساء» عن رأيه في «التقاعد» فكانت وجهة نظره كما أملاها عليَّ بالهاتف كما يلي:
– عِزٌ بعد ذل،
–  وصِحةٌ بعد سقم،
– وراحةٌ بعد تعب،
– وحياةٌ بعد موت.
وهذا رأي جميل، ومثير للتَّساؤل، ولعلَّ صاحبه على حق، وهي على أي حال وجهة نظر تحظى بتقدير واحترام.
أمَّا عن وجهة نظري بخصوص التقاعد فلقد سبق أن عَبَّرْتُ عنها في أكثر من مناسبة مؤداها بأن «التقاعد عبارة لم أفهم معناها. وإذا تقاعد الموظف العام فهو في حقيقة الأمر ينتقل من موقع إلى موقع آخر. وربما يكون في الموقع الجديد أكثر إنتاجية وعطاءً  من الموقع السابق. ولقد سبق أن ذكرت ما قمتُ به بعد تغيير الوزارة. أما أستاذنا «عثمان الصالح، فله وجهة نظر عن التقاعد. تحدَّث عنها من خلال برنامج عمل لمن يتقاعد. ووجهة نظره وبرنامج العمل الذي حدَّده جديران بالاهتمام. يقول «أبوناصر»: اعتقاد الكثير أن التقاعد وأد وموت، وهذا خطأ محض، بل إن التقاعد بعثٌ ونشرٌ لعدة اعتبارات:
أولاً ـــــ إن المتقاعد قضى شبابه في العمل والإخلاص، وصُهِرَ بلا شك في أداء واجبه وفي معلوماته التي كرَّرها ورسخها في ذهنه وغرسها في الأفكار ..
ثانيًا ـ إن عصر الشباب والفتوة زالتا عنه .. وأقبل على شيخوخة فيها ما فيها من الفوائد ..
ثالثًا ـ لو كلف نفسه وشق عليها ومن ثم تجاوز في مواصلة العمل أكثر وأكثر من السنوات فوق الستين تمامًا لَكَلَّ جهده .. وشاخ فكره .. وتضاءل ذهنه .. واستنفذ طاقته وذكاءه وما استطاع الاستمرار، وَلَبَدَا على العمل نقص، وظهر فيه شرخ بل ضعف ..
رابعًا ـ ما دامت هذه التجارب والسنوات الزاهرة التي فيها كفاح الشباب وفتوته .. والرجولة وحيويتها، والتي انقضت في عمل ودأب خَدَمَ بها الدولة والبلاد والمرفق .. أفلا يشعر بأنه يستطيع أن يجعل من بقية العمر مزرعة للآخرة يعود فيها إلى ربِّه مستقرًا ذهنه في عبادةٍ هادئةٍ .. وحياةٍ هانئةٍ .. يَستذكرُ فيها حسنات العمل وعلاقته مع الناس وصلاته بهم ليسجل فيما يعود عليه بالفائدة كتابًا إن كان قارئًا، أو لقاءً بالآخرين لاستغلال الفراغ واستعمال ما هضمه من عمله .. وما اكتسبه من خبرته في أن يكون له ما يلي:
أ ـ أن يتصل بمن له بهم صلة، وأن يجتمع بهم، ويقضي معهم أوقاتًا يلتقون فيها، ويتبادلون في هذه الاجتماعات مع الأصدقاء القدامى وذوي الكفاءات اجترار الماضي والذكريات، أ ـ أن يتصل بمن له بهم صلة، وأن يجتمع بهم، ويقضي معهم أوقاتًا يلتقون فيها، ويتبادلون في هذه الاجتماعات مع الأصدقاء القدامى وذوي الكفاءات اجترار الماضي والذكريات،
ب ـ وإذا كان ذا معرفة وإدراك ووعي في علم أن يدوِّن معلوماته، وما بناه في عمله ومجتمعه، ليكون ذلك كتابًا يفيد الناس، ويهتدي به غيره، ويؤدي واجبًا عليه،
ج ـ أن يجعل من المطالعة زادًا من المعرفة التي يتجه إليها في هدوء مع تأدية ما لله من حق في هذه الصحة والعافية التي منحها الله له .. فقد يكون إثراؤه للمجتمع أكثر مما عمله يوم أن كان شابًا.

كنت عميدا لكلية التجارة وقبلك كان معالي الدكتور غازي القصيبي عميدًها.
هذا صحيح.

وَدَوَّنَ «غازي» تجربته الإدارية في كتاب سمَّاه «حياة في الإدارة»، وذكر معاليك بالاسم أكثر من مرة في كتابه، ولمعاليك رأي فيالكتاب مؤداه أنه غير موثق. فهل لا تزال عند رأيك؟
نعم. وأعلنتُ عن ذلك للملأ في حياته وهو يعلم عن ذلك -رحمه الله – إلا أنه لم يُوَثِّقْ ما رواه. وتوفاه الله، وظلَّ كتابه مجرد خيال شاعر والشعراء …. وهو مجرد «رواية» ….  ولا تَصْدُقُ عليها مقولة حذام ……
قرأتُ الكتاب، وتوقفتُ عند نصٍ لم أتمكن من فهمه، بل وتركني هذا النص في حيرة!!!

ما هو هذا النص؟
قال «غازي»: «أَصِلُ، الآن، إلى محطة ومهمة في حياتي الإدارية، ومهمة في ذاتها، ومهمة في تأثيرها على ما تلاها من محطات، وهي العمادة. هذه قصة شوقة، وهي قصة تستحق أن تروى بشيء من التفصيل. كان هذا العمل أصعب ما توليته في حياتي من أعمال أصعب من السكة الحديدية، وأصعب من وزارة الصناعة والكهرباء، وأصعب من وزارة الصحة، وأصعب من السفارة في البحرين، وأصعب من السفارة في لندن».

ما رأيك فيما قاله زميلك؟
وما رواه «معالي الدكتور غازي» ….. رحمه الله ….. هو بيت القصيد في كل كتابه المسمَّى «حياة في الإدارة». ذكر «غازي» في «روايته» أن قصة العمادة قصة شوقة، وهي قصة تستحق أن تُروى بشيء من التفصيل. أشار إلى هذه القصة المشوقة دون ذكر تفاصيلها. وهكذا تركك يا «خالد» في حيرة من أمرك، وترك قارئ كتابه كذلك!!!. ولو لم يذكر الدكتور «غازي» أن هناك قصة لم يروِ تفاصيلها لكان أفضل. لم يبق في هذه الحياة من أبطال هذه القصة إلا «القلة» وأنا واحد منهم . ولعلِّي أُوفَّق في يوم مَّا في مشروع كتابي «مشوار حياتي» في تفكيك طلاسم هذه القصة التي تركها الصديق «غازي» محتويةً على «عُقَدٍ» أكثر من «عقدة أوديب» كما يُقال….

سيرة ذاتية:
الاسم: معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم
تاريخ ومكان الميلاد: من مواليد الهفوف 1938م
المهنة: وزير دولة وعضو مجلس وزراء سابق.

مؤهلاته العلمية:
ليسانس الحقوق من كلية الحقوق جامعة القاهرة، جمهورية مصر العربية,
ماجستير الحقوق من جامعة ييل Yale  الأمريكية.
دكتوراه في علم القانون من جامعة ييل  Yale  الأمريكية

مناصبه:
معيد بكلية التجارة جامعة الملك سعود
أستاذ مساعد بكلية التجارة قسم القانون، جامعة الملك سعود (جامعة الرياض سابقًا).
عميد كلية التجارة
رئيس اللجنة العليا للتظلمات الجمركية
وزير دولة وعضو مجلس وزراء سابق،
من أبرز أعماله التي تولاها إلى جانب عمله وزير دولة وعضو مجلس وزراء سابق.
مستشار خاص للأمير سلطان ابن عبدالعزيز آل سعود النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام
عضو اللجنة العليا للإصلاح الإداري.
رئيس الديوان العام للخدمة المدنية بالنيابة لعدة فترات، وعضو مجلس إدارتها.
عضو السيادة في اللجنة الوزارية المسؤولة عن مشتريات الحكومة.
عضو المجلس الأعلى لجامعة الملك فيصل في الأحساء.
عضو مجلس إدارة الخطوط الجوية العربية السعودية.
عضو مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع في القاهرة.
كما تولى لعدة مرات مهام وزير التخطيط نيابة عن معالي الأستاذ «هشام محي الدين ناظر» بعد تعيينه وزيرًا في وزارة البترول والثروة المعدنية
وللدكتور «آل ملحم» كتب وبحوث ومقالات ومقابلات صحفية في العديد من المجلات والصحف ومن هذه الكتب: «كانت أشبه بالجامعة»، كتاب «هزار الأحساء وبلبلها الغريدـ، كتاب «أيام في حياتي»، كتاب «قانون الثروة الناضبة»، كتاب «ابن مقرب: سقوط دولة وصعود شاعر، وكتاب باللغة الإنجليزية بمسمى:  Middle East Oil

————————————–

– حوار خالد القحطاني – رئيس التحرير
الناشر: مجلة الغرفة التجارية – الأحساء

تاريخ النشر: 22/03/2017 م

رابط المصدر

مقابلة معالي د. محمد الملحم مع غرفة الأحساء

أسئلة خاصة وُجهت لمعالي د. الملحم حول التقاعد، وتاريخ حياته، وكيف كان يقود من خلف الكواليس كجندي مجهول. وهو نفس المقال الذي فجر قضية البند 77 من نظام العمل والذي يشير إليه معاليه بأنه يضر الدولة وأنه ينبغي تغييره. وكان للمدرسة الأميرية نصيبا في الأحساء من اللقاء، ومما فيها، أسعار الأراضي، ووظيفة المحاماة إن كانت مربحة، ونصائح للتجار، وعلاقته مع وزراء آخرين من بينهم معالي د. غازي القصيبي!

وصلة مباشرة PDF للمقابلة من مجلة الغرفة التجارية، وللتصفح في الأسفل

مقابلة معالي د. محمد الملحم مع غرفة الأحساء

 

 

وفد سويدي: فوجئنا بالمستوى العالي للمحكمين في الخليج والمملكة خاصة

وفد سويدي يزور الرياض ويناقش قضايا التحكيم والنزاعات
التجارية

معالي د. محمد عبداللطيف الملحم مع وفد سويدي للتحكيم

د. محمد آل ملحم في لقطة جماعية مع وفد التحكيم السويدي. تصوير: مسفر الدوسري – “الاقتصادية”رامي العتيبي من الرياضناقش جوهان جيرناندت رئيس مجلس معهد التحكيم السويدي ورئيس مجلس البنك المركزي السويدي، وأولف فرانك السكرتير العام لمعهد التحكيم السويدي مع مسؤولين سعوديين عدداً من القضايا المتعلقة بإجراءات التحكيم والنزاعات التجارية، وذلك خلال زيارتهما للمملكة والتي استمرت عدة أيام.
وكان في استقبالهما في مطار الملك خالد الدولي الدكتور محمد بن عبد اللطيف آل ملحم وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق، والتقى الضيفان نخبة من المحكمين والمحامين في الرياض، وبالأخص مع من حضر المؤتمر الدولي العربي الأوروبي للتحكيم والمنازعات التجارية في شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 2008 في العاصمة السويدية ستوكهولم، كما قام الضيفان خلال إقامتهما بجولة تعريفية على معالم التطوير الحديثة التي تشهدها مدينة الرياض.
من جهته، قال الدكتور محمد آل ملحم إن هنالك اهتماما أوروبيا كبيرا للتعرف إلى الأنظمة التحكيمية في الشريعة الإسلامية، ولا سيما أن هناك تخوفا أوروبيا في نفس الجانب، ليس من مبادئ الشريعة كعقيدة عالمية، ولكن من بعض من الأشخاص الذين يحكمون بالشريعة الإسلامية، والمقصد من حيث تأهيلهم وكفاءتهم، وهو الجانب الوحيد الذي كان موضع إشكال، وتم توضيح بعض النقاط في ورقة عمل تم تقديمها خلال جلسات المؤتمر.
ويضيف آل ملحم أن فكرة زيارتهما للمملكة أتت قبل أسبوعين عندما قررا القدوم إلى دبي لحضور مؤتمر دولي للتحكيم لمدة يوم واحد، وقام من جانبه بترتيب متطلباتهم بالحصول على التأشيرة من وزارة الخارجية، وقاما بزيارة بعض الجهات الحكومية ذات الارتباط بمجالهم، مثل مؤسسة النقد، وديوان المظالم، حيث تم طرح فكرة إرسال قضاة ومحكمين سعوديين للتدرب لمدة عام كامل في السويد على قضايا التحكيم التجاري بحكم أن السويد رائدة في هذا المجال.
وذكر الدكتور ناصر غنيم الزيد الأمين العام لمركز التحكيم التجاري أن غالبية المؤتمرات الدولية المتخصصة في مجال التحكيم لا يحضرها إلا قلة من المحكمين الذين لا يمثلون الوجه الحضاري لهذا القطاع الحساس، فبعضهم يفتقد الخبرة والتمرس في المجال، بينما تحتضن السعودية الكثير من المحكمين ذوي الخبرات والكفاءة العالية، لكنهم متوارون عن الساحة لظروف خاصة.
وقال الزيد إن هذه النوعية من الزيارات الثقافية تحمل بعداً كبيراً داخل أنفسهم، ففي المؤتمرات العالمية تتم المناقشة وطرح أوراق العمل ومن ثم يذهب كل إلى بلده، ولكن هذه الزيارة تريهم الوجه الحقيقي للبلد، حيث يجتمعون حول مائدة واحدة ويتناقشون حول الثقافات، وبالتالي تنشأ الثقة بين المحكمين، وهي العامل الرئيس لنجاح هذا العمل، وعملية الثقة لا تكتمل إلا إذا عرف الطرفان عادات وتقاليد وأخلاق بعضهما الآخر.
ويضيف الزيد بقوله “لقد تفاجأ أعضاء الوفد بالمستوى العالي للمحكمين الخليجيين وبالأخص السعوديين، وقد طلبوا مني شخصياً أن أقد لهم 15 اسم لكي يتم التعامل معهم بشكل مباشر، في حال وصلتهم أي قضية تتعلق بالقانون العربي، فالمشكلة في أوروبا أن بعض القضايا تتطلب معالجتها بالقانون العربي والإسلامي، ولكن لا يوجد خيار لديهم إلا بمعالجته عن طريق شخص أجنبي، ولذلك يسعى المركز إلى تكوين مثل هذه الصداقات والزيارات، لكي يتم في المرحلة التالية اختيار هؤلاء المحكمين في القضايا التي يكون فيها أطراف عربية أو غير ذلك على مستوى العالم، لأن أحد الأعضاء هو أولف فراك وهو يرأس الاتحاد العالمي للتحكيم، إلى جانب كونه السكرتير العام لمعهد ستكهولم للتحكيم، حيث طلبت منه شخصياً أن يقوم بتعيين محكمين عرب وخليجيين داخل غرفة السويد، إضافة إلى وجود خليجيين أيضاً في الاتحاد العالمي للتحكيم وأن يزكيهم عالمياً”.
*لمشاهدة الصور إضغط على الرابط أعلاه.


العدد: 5613

تاريخ النشر: 22/2/2009

الناشر: جريدة الإقتصادية رابط الخبر
أعضاؤه فوجئوا بالمستوى العالي للمحكمين في الخليج
والمملكة خاصة

رسالة شكر من وفد معهد التحكيم السويدي

 تاريخ النشر: 22/2/2009م

22 February 2008

Dr. Mohamed A. Almulhim

Dear Dr. Almulhim,
We wish to thank you very much indeed for the most interesting and enjoyable visit in Saudi Arabia. From the very first minute we arrived in your beautiful country we felt at home and among friends. We found all our meetings most interesting. We very much appreciated to meet arbitration colleagues the first night and discuss arbitration in Saudi Arabia and Sweden. Such discussions will no doubt be important for our future co-operation in the field of arbitration. It was also extremely interesting the meet the new head of the Council d’Etat and hear his thoughts of arbitration in Saudi Arabia. The meeting with the governor of the Central Bank of Saudi Arabia provided another perspective and we very much appreciated to learn more of critical economic issues in Saudi Arabia and internationally. The gathering in the desert was not only a great pleasure but also very interesting as it gave us an opportunity for informal talks and discussion with the many interesting and most kind participants. We also wish to thank you that you arranged that we could attend the wedding. It was a wonderful occasion, which we will never forget.
However, despite the many interesting meeting and activities, what we most of all appreciated was meeting you. Your wisdom, your broad outlook, your experience and your great kindness made every minute in your company most interesting and pleasant, and for this we wish, again, to thank you very much.
Please convey our very best greeting to all those that contributed to make our visit valuable and so nice.
We look forward to seeing you soon again.
Yours sincerely

Johan Gernandt Ulf Franke Chairman Secretary General

——————————————-

تاريخ النشر: 22/2/2009م

22 February 2008

السكرتير العام السويدي ورئيس البنك المركزي السويدي في ضيافة الدكتور محمد الملحم

 

الناشر: جريدة الإقتصادية

– العدد:5613تاريخ

النشر: 22/2/2009 م

الرابط: http://www.aleqt.com/2009/02/22/article_198380.html

رئيس “المركزي السويدي” يقلب أفكاره عن الأزمة العالمية على ظهور الإبل في رماح
جوهان جورنانديت ود. محمد الهوشان ود. سعد بن غنيم في المخيم.رامي العتيبي من رماحلو غافلت أي محافظ بنك مركزي حول العالم هذه الأيام وسألته فيم يفكر، فلن يتردد وستدور إجابته في فلك الأزمة المالية العالمية بالقطع، بالنظر إلى ما تشكله من هاجس ليس على أذهان المسؤولين بل على عامة سكان المعمورة.
لكن يبدو أن رئيس البنك المركزي السويدي وجد في صحراء رماح بيئة مناسبة لتقليب أفكاره في الأزمة بعيدا عن مؤشرات البورصات وخسائر البنوك الإسكندنافية.

الضيفان يتحدثان مع الدكتور محمد آل ملحم وزير الدولة عضو مجلس الوزراء سابقا.
الخميس الماضي، اصطحب الدكتور محمد بن عبد اللطيف آل ملحم وزير الدولة عضو مجلس الوزراء سابقاً، جوهان جيرناندت رئيس مجلس معهد التحكيم السويدي ورئيس مجلس البنك المركزي السويدي، وأولف فرانك السكرتير العام لمعهد التحكيم السويدي، في رحلة برية لزيارة مخيم الشيخ سعد بن غنيم رئيس فرع التحكيم التجاري لمنطقة الخليج في الرياض، حيث يقع المخيم في منطقة رماح (180 كيلومترا شمال شرق الرياض).
لم يكن وجود جيرناندت ورئيس مجلس البنك المركزي السويدي، وأولف فرانك واطلاعهما عن قرب على شكل الحياة القديمة في المملكة المرتبطة بالإبل والصحراء والغذاء المختلف عادياً بالنسبة لمن عاش جل حياته في المنطقة الإسكندنافية التي يغطيها الثلج 11 شهراً في العام، وبدرجات حرارة 25 تحت الصفر في معظم أيام السنة، فإحساسهما بدفء الشمس والمنظر الربيعي الخلاب خلق جواً من المتعة لدى المحكمين الدوليين أثناء لقائهما مع عدد من المحكمين والقضاة والمحامين السعوديين.
انطلقنا يوم الخميس صباحاً من الرياض باتجاه منطقة رماح، وما إن وطئت إحدى السيارات أرض الرمال في رماح حتى غاصت الإطارات، الأمر الذي دفعنا للتوقف لدفع العربة، وقد أصرا على المشاركة في الدفع نظراً لخبرتهما الواسعة في ذات المجال ولكن مع التكتلات الثلجية التي تغطي شوارع بلادهم معظم شهور العام “حسب ما ذكرا”، فوصلنا إلى المخيم الربيعي قبيل صلاة الظهر، ومن ثم بدأت مجريات الرحلة التي تفاوتت بين التراجيديا تارة، والكوميديا تارة أخرى.

جوهان جورنانديت و أولف فرانك السكرتير العام لمعهد استكهولم للتحكيم.
أصر جوهان جيرناندت رئيس مجلس معهد التحكيم السويدي ورئيس مجلس البنك المركزي السويدي على أن يركب على ظهر الذلول، كونه يرى الأمر مجرد مغامرةً تستحق عناء خوضها، وما إن ركب على ظهر الذلول حتى هرب بالضيف ذي الحجم الاقتصادي الثقيل إلى مسافات وصلت إلى عدة كيلومترات، حتى أن الحضور عجزوا عن إيقافه نظراً لسرعته العالية، وبدأنا نرقب الموقف التراجيدي خوفاً عليه من السقوط، ولكن فوجئنا جميعاً بأن لديه قدرة عالية على التشبث بالحبل وعنق الذلول محاولاً تهدئته، وما هي إلا دقائق معدودة حتى هدأ الجمل الهائج واضطر للوقوف، لعلمه أن الضيف أقوى منه، ولا سيما وأن دولته تعول عليه الشيء الكثير في إدارة دفة اقتصادهم الذي ما زال بعيداً عن آثار الأزمة العالمية. وبسؤالنا له عن كيفية تهدئته الجمل، ضحك وقال إنه شغوف بركوب الخيل منذ صغره، والأمر لم يختلف كثيراً عن ركوب الجمل وغن طالت المسافة عن الأرض.
عاد الضيفان إلى المجلس والضحكة تملأ محياهما، حيث إن رفيقه بدأ بمساومته بإخبار الزملاء في السويد عن القصة التي لن ينساها جوهان ما حيي، وبعدها جلس الضيفان على مائدة غداء دسم مع نخبة من المثقفين والمفكرين السعوديين، تخللتها أحاديث عن الفروقات الثقافية بين الأوروبيين والعرب من ناحية الأكل والعادات الأخرى. وانقضت فترة العصر في التجول في البراري الربيعية والصيد، ومن ثم حلب الإبل لشرب حليبها، ومن ثم أتت فترة المغرب، وأسعرت النار، وجلس الجميع في حلقة واحدة يتحدثون عن قضايا التحكيم والمشكلات التي تواجه التجارة وغير ذلك من الأحاديث ذات العلاقة، وكان للأزمة المالية العالمية حصتها من الحديث.

*لمشاهدة الصور إرجع إلى الرابط أعلاه