رسالة شكر من وفد معهد التحكيم السويدي

 تاريخ النشر: 22/2/2009م

22 February 2008

Dr. Mohamed A. Almulhim

Dear Dr. Almulhim,
We wish to thank you very much indeed for the most interesting and enjoyable visit in Saudi Arabia. From the very first minute we arrived in your beautiful country we felt at home and among friends. We found all our meetings most interesting. We very much appreciated to meet arbitration colleagues the first night and discuss arbitration in Saudi Arabia and Sweden. Such discussions will no doubt be important for our future co-operation in the field of arbitration. It was also extremely interesting the meet the new head of the Council d’Etat and hear his thoughts of arbitration in Saudi Arabia. The meeting with the governor of the Central Bank of Saudi Arabia provided another perspective and we very much appreciated to learn more of critical economic issues in Saudi Arabia and internationally. The gathering in the desert was not only a great pleasure but also very interesting as it gave us an opportunity for informal talks and discussion with the many interesting and most kind participants. We also wish to thank you that you arranged that we could attend the wedding. It was a wonderful occasion, which we will never forget.
However, despite the many interesting meeting and activities, what we most of all appreciated was meeting you. Your wisdom, your broad outlook, your experience and your great kindness made every minute in your company most interesting and pleasant, and for this we wish, again, to thank you very much.
Please convey our very best greeting to all those that contributed to make our visit valuable and so nice.
We look forward to seeing you soon again.
Yours sincerely

Johan Gernandt Ulf Franke Chairman Secretary General

——————————————-

تاريخ النشر: 22/2/2009م

22 February 2008

السكرتير العام السويدي ورئيس البنك المركزي السويدي في ضيافة الدكتور محمد الملحم

 

الناشر: جريدة الإقتصادية

– العدد:5613تاريخ

النشر: 22/2/2009 م

الرابط: http://www.aleqt.com/2009/02/22/article_198380.html

رئيس “المركزي السويدي” يقلب أفكاره عن الأزمة العالمية على ظهور الإبل في رماح
جوهان جورنانديت ود. محمد الهوشان ود. سعد بن غنيم في المخيم.رامي العتيبي من رماحلو غافلت أي محافظ بنك مركزي حول العالم هذه الأيام وسألته فيم يفكر، فلن يتردد وستدور إجابته في فلك الأزمة المالية العالمية بالقطع، بالنظر إلى ما تشكله من هاجس ليس على أذهان المسؤولين بل على عامة سكان المعمورة.
لكن يبدو أن رئيس البنك المركزي السويدي وجد في صحراء رماح بيئة مناسبة لتقليب أفكاره في الأزمة بعيدا عن مؤشرات البورصات وخسائر البنوك الإسكندنافية.

الضيفان يتحدثان مع الدكتور محمد آل ملحم وزير الدولة عضو مجلس الوزراء سابقا.
الخميس الماضي، اصطحب الدكتور محمد بن عبد اللطيف آل ملحم وزير الدولة عضو مجلس الوزراء سابقاً، جوهان جيرناندت رئيس مجلس معهد التحكيم السويدي ورئيس مجلس البنك المركزي السويدي، وأولف فرانك السكرتير العام لمعهد التحكيم السويدي، في رحلة برية لزيارة مخيم الشيخ سعد بن غنيم رئيس فرع التحكيم التجاري لمنطقة الخليج في الرياض، حيث يقع المخيم في منطقة رماح (180 كيلومترا شمال شرق الرياض).
لم يكن وجود جيرناندت ورئيس مجلس البنك المركزي السويدي، وأولف فرانك واطلاعهما عن قرب على شكل الحياة القديمة في المملكة المرتبطة بالإبل والصحراء والغذاء المختلف عادياً بالنسبة لمن عاش جل حياته في المنطقة الإسكندنافية التي يغطيها الثلج 11 شهراً في العام، وبدرجات حرارة 25 تحت الصفر في معظم أيام السنة، فإحساسهما بدفء الشمس والمنظر الربيعي الخلاب خلق جواً من المتعة لدى المحكمين الدوليين أثناء لقائهما مع عدد من المحكمين والقضاة والمحامين السعوديين.
انطلقنا يوم الخميس صباحاً من الرياض باتجاه منطقة رماح، وما إن وطئت إحدى السيارات أرض الرمال في رماح حتى غاصت الإطارات، الأمر الذي دفعنا للتوقف لدفع العربة، وقد أصرا على المشاركة في الدفع نظراً لخبرتهما الواسعة في ذات المجال ولكن مع التكتلات الثلجية التي تغطي شوارع بلادهم معظم شهور العام “حسب ما ذكرا”، فوصلنا إلى المخيم الربيعي قبيل صلاة الظهر، ومن ثم بدأت مجريات الرحلة التي تفاوتت بين التراجيديا تارة، والكوميديا تارة أخرى.

جوهان جورنانديت و أولف فرانك السكرتير العام لمعهد استكهولم للتحكيم.
أصر جوهان جيرناندت رئيس مجلس معهد التحكيم السويدي ورئيس مجلس البنك المركزي السويدي على أن يركب على ظهر الذلول، كونه يرى الأمر مجرد مغامرةً تستحق عناء خوضها، وما إن ركب على ظهر الذلول حتى هرب بالضيف ذي الحجم الاقتصادي الثقيل إلى مسافات وصلت إلى عدة كيلومترات، حتى أن الحضور عجزوا عن إيقافه نظراً لسرعته العالية، وبدأنا نرقب الموقف التراجيدي خوفاً عليه من السقوط، ولكن فوجئنا جميعاً بأن لديه قدرة عالية على التشبث بالحبل وعنق الذلول محاولاً تهدئته، وما هي إلا دقائق معدودة حتى هدأ الجمل الهائج واضطر للوقوف، لعلمه أن الضيف أقوى منه، ولا سيما وأن دولته تعول عليه الشيء الكثير في إدارة دفة اقتصادهم الذي ما زال بعيداً عن آثار الأزمة العالمية. وبسؤالنا له عن كيفية تهدئته الجمل، ضحك وقال إنه شغوف بركوب الخيل منذ صغره، والأمر لم يختلف كثيراً عن ركوب الجمل وغن طالت المسافة عن الأرض.
عاد الضيفان إلى المجلس والضحكة تملأ محياهما، حيث إن رفيقه بدأ بمساومته بإخبار الزملاء في السويد عن القصة التي لن ينساها جوهان ما حيي، وبعدها جلس الضيفان على مائدة غداء دسم مع نخبة من المثقفين والمفكرين السعوديين، تخللتها أحاديث عن الفروقات الثقافية بين الأوروبيين والعرب من ناحية الأكل والعادات الأخرى. وانقضت فترة العصر في التجول في البراري الربيعية والصيد، ومن ثم حلب الإبل لشرب حليبها، ومن ثم أتت فترة المغرب، وأسعرت النار، وجلس الجميع في حلقة واحدة يتحدثون عن قضايا التحكيم والمشكلات التي تواجه التجارة وغير ذلك من الأحاديث ذات العلاقة، وكان للأزمة المالية العالمية حصتها من الحديث.

*لمشاهدة الصور إرجع إلى الرابط أعلاه

الرعيل الأول يقيم اللقاء السنوي السادس لخريجي مدرسة الهفوف اليوم

عقد الرعيل الأول من خريجي مدرسة الهفوف الثانوية الأولى لقاءهم السنوي السادس بفندق ا لأحساء انتركونتننتال ظهر أمس الخميس باستضافة رجل الأعمال المعروف وأحد خريجي المدرسة إبراهيم بن عبد العزيز الطوق وكان في استقبال الحضور وسط حضور متميز من طلاب الرعيل الأول ، حيث تبادلوا ذكرياتهم ومواقفهم خلال الدراسة في السابق ونشاطاتهم المختلفة مع الزملاء والأصدقاء آباء وأبناء. وكان اللقاء قد بدأ بآيات من الذكر الحكيم تلاها عبد المحسن النعيم،بعد ذلك قدم راعي الحفل إبراهيم بن عبد العزيز الطوق كلمة قال فيها يسعدني أن أرحب بكم وأشكركم جميعاً على اتاحة الفرصة لأتشرف بكم في هذا اللقاء واحب أن يستمر سنوات كثيرة لكي يشاهد فيها الأحفاد والأبناء ونلتقي لسنوات قادمة أشكركم وأتمنى لكم يوماً سعيداً.ثم بعد ذلك ألقى الدكتور عبد الله بن محمد العمران كلمة أكد من خلالها على أهمية اللقاء مستعيداً ذكرياته في المدرسة الأولى والصعوبات التي واجهت الطلاب مشيراً الى أن الوضع حالياً قد تغير بشكل جذري وكبير فجميع ومقومات الدراسة متاحة للطلاب وفي متناول أيديهم وطالب في نهاية كلمته بإعادة مثل هذا اللقاء دائما وأبداً.
المربي الفاضل حمد بن عبد المحسن العمر رحب من خلال كلمته بالحضور ودعا للجميع بالتوفيق وقال في العام الماضي لقد تطرقت من خلال كلمتي إلى خريجي المدرسة الأولى والذين تتلمذوا على يد الشيخ محمد النحاس وأن الرعيل الأول لا ينسى الجهود الجبارة التي بذلها حيث تعلم على يديه رجال نذروا أنفسهم لخدمة جيلهم ووطنهم وهذا الجيل تخرج.
وأضاف العمر بعد ذلك تولى قيادة المدرسة الشيخ عبدالله الخيال لكنه لم يدم طويلاً حيث انتقل إلى الحجاز وقام بواجبه هناك.بعدها تولى قيادة المدرسة الشيخ عبد العزيز بن منصور التركي وكان مهتماً بنشر العلم وتثقيف الشباب ولا يخفى على الجميع ما قام به هذا الرجل الذي كان ذا نظرة ثاقبة وكان يسعى لتمليك وزارة المعارف الأراضي وطلب عروضاً من البلدية لتحقيق هذا الهدف وأتذكر أنه قد أخذنا يوماً إلى أرض كانت بحيرة ماء وسرعان ما تحولت إلى المعهد الصناعي بجهوده ونظرته الثاقبة فتقديراً له ولجهوده وجب علينا أن نذكرها والتنويه بها. بعدها القى عبدالعزيز بودي كلمة بهذه المناسبة حيث شكر من خلالها ممن قاموا بهذه الفكرة في الاجتماع السنوي والشكر موصول لرجل الاعمال عبدالعزيز الطوق بعدها توالت القصائد بهذه المناسبة حيث القى الشاعر نادرالنادر قصيدة في الحضور ثم قصيدة للشاعر عبداللطيف بن حمد السليم وقصيدة للشاعر سعد البراهيم ثم كلمة للاستاذ حمد بوعئشة قدم من خلالها المقترحات والآراء ثم للاستاذ خالد بوعنقية القاها بالإنابة ابنه فهيم بوعنقية قدم اقتحا يتمثل في رفع التماس لخادم الحرمين الشريفين بان يخص موقع المدرسة للاشراف التربوي للطلاب الموهوبين بعدها تقدم الجميع لتناول وجبة الغداء بهذه المناسبة
لقطات من اللقاء
 استقبل رجل الأعمال المعروف وأحد خريجي المدرسة إبراهيم بن عبد العزيز الطوق الحضور بحفاوة حيث لم يجلس طوال الحفل وقد تجول بين رفقائه هنا وهناك مرحبا بهم وسط ابتسامات وأحاديث سريعة وكان التنظيم والإعداد متميزا بإشراف منسق الحفل فهد بن محمد السلطان.
رجل الاعمال عبدالعزيز العفالق ( بوسليمان ) ساهم كثيرا في اعداد البرنامج من خلال الاشراف عليه والتنويه على الاختصار بقدر الامكان.
 حرص جميع الزملاء الإعلاميين على تغطية هذا الحدث الذي كان متميزا في روح الإخاء والمحبة من قبل طلاب الرعيل الأول.
 اتفق الجميع على أن يكون اللقاء السابع في السنة القادمة 2009 م بإذن الله .
 سيتولى الضيافة في السنة القادمة رجل الأعمال والوجه المعروف عبد الرحمن بن سعد الراشد. تمت طباعة كتاب (المدرسة الثانوية بالأحساء) بطباعة متميزة، وتقديم ألوان من النشاط المدرسي في عامها الدراسي 1375هـ وتم إهداء نسخ من هذا الكتاب لجميع الحضور حيث حرص الجميع على تصفح الكتاب.
 حرص الكثير من المشاركين على مشاركة أبنائهم في الحفل.
 الشيخ عبد الرحمن الحواس شارك في اللقاء على عربة متحركة حيث حرص الجميع على السلام عليه وتبادل الأحاديث الودية معه.
 من خلال اللقاء تم توزيع ورقة استبانة ومشاركة جاء فيهاالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..نود الإحاطة انه على ضوء ما تقدم به المجتمعون التالية أسماؤهم :فهد الحواس ، احمد الماجد، عبد العزيز الجندان، محمد ابوعائشة ،حمد الحواس ، احمد راضي، خليفة السيد ، احمد ابوالسعود.حول اللقاء السنوي للرعيل الأول من خريجي مدرسة الهفوف الأولى بالأحساء في اجتماعهم الأول حيث أبدى معظم الأعضاء رغبتهم في إقامة اللقاء السنوي بالمشاركة الجماعية وليس بشكل فردي لكي يشعر كل فرد بانه شارك فعليا في هذا اللقاء وعليه فقد تم توجيه خطابات لجميع المتواجدين في منطقة الدمام والمدن المجاورة لها طالبين منهم المشاركة بدفع اشتراك سنوي وقدره خمسمائة ريال ابتداء من 2007م وقد ساهم معظم المشاركين بدفع المبلغ الذي تم إيداعه بحساب رقم ( 3032541429940 ) ببنك الرياض فرع شارع الأمير محمد بالدمام وكنا آملين أن يحذوا بقية الأعضاء في المناطق الأخرى حذو هذه الخطوة إلا أن بعض الزملاء أبدو رغبتهم بأن يوجه خطاب المشاركة للأعضاء في جميع مناطق المملكة وعليه يود المجتمعون السابق ذكرهم استطلاع رأي الزملاء حول الاستبيان المرفق مع هذا الخطاب:
1-هل تفضل أن تكون استضافة الزملاء في اللقاء السنوي على شكل فردي أو على شكل جماعي بالمشاركة.
2- في حال رغبتك في المشاركة ما مقدار مبلغ الاشتراك الذي تقترح ان يدفع سنويا من قبل كل مشارك في اللقاء.
3- هل تفضل أن يكون اللقاء سنويا في الأحساء فقط او بالتناوب في المناطق الأخرى.
4- هل ترى أن موعد اللقاء مناسب من خلال شهر مارس من كل عام وان كنت تقترح موعدا آخر غير ذلك فما الموعد المقترح .
وللإحاطة فإن هذه اللجنة الحالية مؤقتة ومن خلال هذا الخطاب نأمل ترشيح من ترونه لعضوية اللجنة الدائمة لكي تضطلع هذه اللجنة مستقبلا بتنسيق اللقاء السنوي للجنة المؤقتة.

المقالة | الرعيل الأول يقيم اللقاء السنوي السادس لخريجي مدرسة الهفوف اليوم
الكاتب: عبداللطيف المحيسن،أحمد الهبدان-الأحساء
الناشر: جريدة اليوم، العدد 12691
تاريخ النشر: 6/ربيع الأول/1429هـ
الرابط: http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=12691&P=1&G=2

و مات أبو هشام

 

 

قبل وفاته بأيام كنت في زيارته في المستشفى التخصصي، وكان، وهو يقاوم المرض، كالطود الشامخ في علو همته، وارتفاع معنويته، ورباطة جأشه، وكان كما لو كان صحيح الجسم، قوي الإرادة، يسأل عن الحال والأحوال، ومتابعاً لما يجري في حيوية ونشاط متناهيين، بل ولا يبخل بالنصيحة.
وكما عهدته كان يأنس بوجودي بجانبه، وأنا كذلك. لقد زرته، وكان وحده، فتبادلت معه أحاديث محببة إليه، وكانت أحاديث تدخل السرور على نفسه لدرجة أنها كادت تنسيه ما يعانيه، كان مبتسماً، وفي الوقت نفسه صابراً محتسباً.
ولم أكن أعلم أن تلك الزيارة كانت الزيارة الأخيرة لصديق من أعز الأصدقاء عندي. وعلمت بوفاته وأنا في مدينة (لكنو) بجمهورية الهند؛ فبادرت بالتعزية هاتفياً من هناك، وأنا في حالة يرثى لها من الكآبة والحزن الشديد لهذا الفراق الذي خلف في القلب لوعة، وفي الخاطر أشجاناً.
مرض مفاجئ، ومن ثم موت مفاجئ خلال فترة قصيرة من الزمن.
يا لهول الفاجعة، إنها صدمة! ولكن لا راد لقضاء الله وقدره.
صداقتي مع (أبو هشام) تمتد لأكثر من ثلث قرن، وكانت صداقة ملؤها الحب، والوفاء، والصفاء.
والحديث عن مشوار هذه الصداقة يطول، ولولا ضيق المكان لكشفت الغطاء عن مخزون من الذكريات معه التي معينها لن ينضب، ومع ذلك فمن هذه الذكريات سأنقل مجرد صور أو نماذج من تلك الذكريات القريبة من أرض الواقع، ودون الخوض في مديح عام لا يسمن ولا يغني من جوع.
كان الذي عرفني بالفقيد، ولأول مرة، محب الجميع صاحب الفضيلة معالي الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ وزير المعارف يرحمه الله. وكانت مناسبة التعرف أمراً متعلقاً بخلل أكاديمي بلوائح نظام جامعة الرياض (جامعة الملك سعود حالياً)، وكان ذلك الخلل متعلقاً بالدرجات العلمية التي كانت تمنح مجاناً، وبدون جهد علمي يذكر، بغرض الترقية من درجة (أستاذ مساعد) إلى درجة (أستاذ) لمن يحتل مناصب إدارية عليا بالجامعة المذكورة، وانتقل ذلك الخلل إلى جامعة الإمام محمد بن سعود التي تبنت نظام جامعة الملك سعود ولوائحه آنذاك. وكان (أبو هشام) يحتل منصب (الأمين العام) لجامعة الإمام.
كانت لوائح نظام جامعة الملك سعود تقرر، آنذاك، أن من يعين في منصب (الأمين العام للجامعة) أو (وكيل الجامعة) أو (مدير الجامعة)، وهي مناصب إدارية محضة مع الدكتوراة بالطبع، ويبقى في المنصب لمدة سنتين، يحصل مباشرة على لقب (أستاذ). وكان الترتيب لهذا الوضع من فعل الأستاذ (حسين السيد) الذي كان عميداً لكلية التجارة والذي كان صاحب الأمر والنهي لعشرات السنين في جامعة الملك سعود ولدرجة أنه هو قد حصل على درجة (أستاذ) وكان يحمل درجة الماجستير في الضرائب مستفيداً من الخلل الأكاديمي المشار إليه في لوائح الجامعة.
وحينما عُيّن (أبو هشام) في منصب (الأمين العام) لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في عام 1394هـ، والجامعة آنذاك حديثة النشأة، كنت قد كلفت حينما كنت عميداً لكلية التجارة من قبل وكيل الجامعة آنذاك الصديق العزيز الأستاذ الدكتور (عبدالله النافع) بدراسة أوضاع من يحصلون على درجة الدكتوراة بغرض تعيينهم، حيث كان هناك تفاوت في تحديد التاريخ الذي يعينون فيه. وكان التعيين يتم بقرار من مجلس الوزراء. ولقد أعددت دراسة آنذاك من خلال النظر في ملفات بعض الإخوة العائدين من الخارج الحاملين للدكتوراة. وكان الغرض من الدراسة تحديد تاريخ التعيين في درجة (أستاذ مساعد) بالجامعة؛ وذلك حتى لا يظلم أحد في إطار التعيين وفي حساب التقاعد. وعلم عن هذه الدراسة معالي الشيخ (حسن).
في ضوء هذه الخلفية كان (أبو هشام) يرغب في تعديل وضعه الأكاديمي ليحصل على درجة الأستاذية أسوة بزميل يحتل منصب (الأمين العام) بجامعة الملك سعود.
زارني (أبو هشام)، وبتوجيه من معالي الشيخ (حسن)، في شقتي التي أسكن فيها بحي الملز للنظر في وضعه العلمي، من الناحية القانونية، وحتى لا يحرم من فرصة متاحة استفاد منها آخرون بحكم اللوائح.
كان اللقاء مريحاً مع (أبو هشام)، وحميماً في الوقت نفسه. تبادلت معه الرأي في الوضع مستعرضاً معه الخلل العلمي الذي كانت لوائح نظام جامعة الملك سعود تتضمنه، وهو خلل الاستفادة منه ليست في صالح التعليم الجامعي؛ إذ كيف يحصل حامل الدكتوراة حديث العهد بها لو عين في أحد المناصب الثلاثة التي أشرت إليها سلفاً، وبقي بها لمدة سنتين، ليكون في درجة (أستاذ) دون المرور على الدرجات العلمية المتعارف عليها من حيث الترقية الأكاديمية – أستاذ مساعد، أستاذ مشارك، ثم أستاذ -؟ هذا وضع علمي غريب يلزم النظر فيه، والإبقاء عليه من شأنه تجهيل التعليم الجامعي. وبالفعل تم تعديل لوائح النظام، وأزيل الخلل منها فيما بعد.
غادر (أبو هشام) شقتي متفهماً الوضع، ولم أجد عنده أي امتعاض أو مضض أو تأفف وقتها مما تم بيني وبينه من حديث أحطت معالي الشيخ حسن علماً به. هكذا خُيّل لي وقتها، وما خيل لي كان حقيقة ودلل ذلك على رجاحة عقل (أبو هشام)، وحسن تبصره، بل وتفهمه للأمور لما فيه مصلحة التعليم العالي. ومنذ ذلك اللقاء الذي كان أخوياً وعلاقتي ب(أبو هشام) تتوثق وتتوطد يوماً بعد يوم. وهي علاقة استمرت عبر السنين على أحسن ما يرام حتى علمي بنبأ وفاته بتاريخ 21-5- 1429ه وأنا في الهند.
عُين (أبو هشام) وكيلاً لوزارة الشؤون البلدية والقروية للشؤون التنفيذية في عهد صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبدالعزيز وزير الشؤون البلدية والقروية في عام 1396هـ، وكان من شأن ذلك التعيين وضع نهاية للمشكلة التي حاول (أبو هشام) معالجتها حينما كان (أميناً عاماً) لجامعة الإمام.
وكان أثناء عمله بالبلديات – حسب علمي، ولا أزكي على الله أحداً – مثال الموظف القوي الأمين، ناهيك عن الإخلاص والنزاهة التي اتصف بهما. كان محيطاً بمداخل الأعمال المنوط بها يؤديها دون طيش بَيِّن أو هوى جامح يسعفه في ذلك تخصصه الأكاديمي العالي المتعلق بالجانب الاجتماعي الحضري للمدن. ول(أبو هشام) مواقف حازمة في إدارته لدفة الأعمال المنوطة به. ولعلي، على سبيل المثال، أسوق في هذا السياق قصة طريفة عن موظف كان (أبو هشام) صاحب الفضل في ترشيحه لمنصب أحد المرافق التابعة للوزارة؛ وذلك توخياً منه أنه الرجل المناسب للمنصب المرشح له. وبالفعل عُين الموظف في المنصب المرشح له، وتصادف أن كان لدى هذا الموظف معاملة لأحد المواطنين. ولما راجعه صاحب المعاملة تلكأ هذا الموظف في تنفيذ ما هو واجب عليه تنفيذه لدرجة أنه أخذ يساوم صاحب المعاملة لكي يحصل على ترقية؛ وذلك لأن صاحب المعاملة ذو نفوذ. صار صاحب المعاملة في حيرة من أمره. ولما وصل العلم إلى (أبو هشام) اشتاط غضباً لدرجة أنه كاد يخرج عما عرف عنه من هدوء في الطبع، وحلم وأناة. تناول (أبو هشام) الهاتف، وصبَّ جام غضبه على صنيعه في صوت متجشم، وفي زئير كزئير الأسد، وكان ذلك بألفاظ كلها أدب، ولكنها كانت تحمل ما تحمل من تأنيب وازدجار. وبعد حين من الزمن أبعد ذلك الموظف من المرفق الذي كان يحتله.
وكان هناك لجنة هي لجنة (التكليف المباشر)، أو لجنة (السيادة)، أو بالأحرى لجنة كانت بمثابة (مجلس وزراء مصغر) في فترة الطفرة الأولى، وكان أعضاء هذه اللجنة أربعة وزراء هم مع الاحتفاظ بألقابهم: محمد العلي أبا الخيل، ومحمد إبراهيم مسعود، وأنا، والوزير المختص، وكان خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز – يرحمه الله – يصادق على قرارات اللجنة حينما كان ولياً للعهد ونائب رئيس مجلس الوزراء، وكانت هذه اللجنة تنظر في المعاملات المالية المتعلقة بكل وزارة أو مؤسسة حكومية مما يدخل في إطار التكليف المباشر بأكثر من مليون ريال فما فوق وحتى المليار. وكان من صلاحية اللجنة استدعاء الوزير المختص أو من يمثله إذا كانت الحاجة تستدعي ذلك. وتشاء الصدف في أكثر من مرة أن تستفسر اللجنة في بعض المعاملات المحالة إليها من وزارة الشؤون البلدية والقروية. كان سمو الأمير ماجد يرسل (أبو هشام)؛ لأنه محل ثقته للمثول أمام اللجنة. ويشهد الله – سبحانه وتعالى – أن اللجنة كانت ترتاح حينما يَمْثُلُ (أبو هشام) أمامها. كان في بدء لقائه باللجنة يقول لها بدون تردد إنه لم يأت للجنة باعتباره وكيلاً لوزارة البلديات مدافعاً أو مترافعاً عنها أمام اللجنة، إنما جاء باحثاً عن الحقيقة، وهدفه الصالح العام مع استعداده للإجابة عن أي استفسار يعنُّ للجنة. وكان (أبو هشام) يتحدث أمام اللجنة في تواضع وأدب جمّ. كان من القلة الذين يمثلون أمام اللجنة بمثل تلك الروح الشفافة التي تنمّ عن رجاحة عقل، وبُعد نظر، وأمانة لا حدود لها في نطاق عمله كوكيل وزارة. وكثيراً ما كان يحصل على ما يريد لصالح وزارته.
وترجل (أبو هشام) من منصبه كوكيل وزارة برغبته، ثم عمل في القطاع الخاص. وفي كليهما كانت له مواقف شجاعة عانى أحياناً فيهما. ولكنه كان المنتصر في نهاية المطاف، ثم أنشأ مركزاً للبحوث والدراسات الاجتماعية أجرى من خلاله بحوثاً ذات نفع.
وكانت صلتي ب(أبو هشام) مستمرة. وحدثني بعد تخليه عن عمله الحكومي بما معناه أنه حينما كان على رأس العمل كان يصل مثقلاً بهموم العمل ظهراً إلى منزله لتناول طعام الغذاء. كان الطعام يسخن له أكثر من مرة لكثرة رنين الهاتف بمنزله من أصحاب المصالح الذين كانوا يهاتفونه. ولكنه اكتشف في الأسبوع الأول من بعد تركه للوظيفة أن هاتفه صار صامتاً كالجثة الهامدة يعلوه الغبار. ذهب أصحاب المنصب مع المنصب، ولم يبق مع (أبو هشام) إلا أصدقاؤه الخلص يلتقي بهم، ويأنس بهم، وكان (أبو هشام) يحمد الله – سبحانه وتعالى – على ذلك، وكان يردد: تجربة! تجربة!
وذات مرة، وحينما كان (أبو هشام) في وزارة الشؤون البلدية والقروية وُجِّهت لي دعوة لزيارة (الرس) من قبل وجيه (الرس) الشهم الشيخ (حمد المالك)، يرحمه الله، وكان رفقاء السفر (أبو هشام)، وشقيقه (أبو أسامة) أحمد، وابن عمهما (أبو بشار) خالد. كان (أبو هشام) محورياً في إضفاء الأنس والسرور والبهجة في هذه الرحلة. أما بالنسبة لي فكانت زيارة (الرس) زيارة مفيدة وممتعة، وقد نوهت عنها صحيفة (الجزيرة) في حينها بأنها (زيارة تفقدية) أو (زيارة تاريخية) على ما أتذكر. وكان التنويه محل تعليق لطيف فيه شيء من المداعبة آنذاك من صاحب السمو الملكي الأمير (ماجد بن عبدالعزيز). كان الزيارة لحاضرة (الرس) زيارة ناجحة بكل المقاييس، وكان (أبو هشام) خلال الرحلة وأثناءها وخلال العودة من منطقة القصيم، بما فيها حاضرة (الرس)، يحدثني عن تاريخ القصيم بصفة عامة، وعن تاريخ (الرس) مسقط رأسه بصفة خاصة. وكان حديثه حديث المؤرخ الواثق بنفسه.
وكان ينطبق على هذه الرحلة التي لا تنسى ذكرياتها قول الشاعر: (وسافر ففي الأسفار خمس فوائد: تعلم فن، واكتساب معيشة، وعلم، وآداب، وصحبة ماجد).
كان أسُّ رابطة الصداقة بيني وبين (أبو هشام) الود، والمحبة، وتبادل الآراء، ولم تكن بيني وبينه روابط من طبيعة مادية، وهي روابط ربما يكون من شأنها في بعض الأحيان تكدير صفو، أو جلب جفوة.
ورغم تقلده وكذا تقلدي لوظائف عامة إلا أنّا كنا بعيدين في إطار العمل الرسمي عن بعض، وأعني بذلك أنني لم أرأسه، كما أنه لم يرأسني، كما أننا لم نشترك معاً حتى في لجنة واحدة. وهذه نعمة من نعم الله – سبحانه وتعالى – علينا، بل وهذه دالة كبرى على توثق العلاقة ودوامها فيما بيننا. أقول هذا ضد خلفية لا تخفى على من تقلد وظيفة ما؛ إذ إن من شأن تقلدها، ومن ثم ممارستها إلا ما ندر، أن تترك في النفس بعد التخلي عن الوظيفة مما يعكر الصفو، وذلك حينما تتصادم المصالح والمشارب والاتجاهات أثناء ممارسة أعمال الوظيفة.
ومما أعرفه عن (أبو هشام) محبته لتخصصه وهو علم الاجتماع، ناهيك عن مدى تمكنه من اللغة العربية ومعرفة مداخلها ومخارجها، وله بحوث في مجال تخصصه مطبوعة، و(أبو هشام) لو لم تختطفه الوظيفة العامة (مثلي) لكان له شأن كبير في إثراء العلم في أي جامعة يتولى التدريس بها. وإن العوض مع ذلك عنده أن له في كل ما تولاه من عمل إسهامات وبصمات يشهد له بها كل من عرفوه..
ومما أعلمه عن (أبو هشام) عن قرب أنه يحب البحث، وكان من اهتماماته الكبرى، كما أخبرني، أنه حينما يشترك في أية لجنة كان يبدي في نهاية اجتماعاتها تطوعه بإعداد مسودة محضر الاجتماع نيابة عن أعضائها، وكان لا يترك شاردة ولا واردة مما ورد في الاجتماع إلا وهي في صميم المسودة. وإعداد محاضر الاجتماعات، كما خبرت ذلك شخصياً في ممارسة أعمالي الرسمية، يحتاج إلى صاحب يراع ذي مهارة، ناهيك عن أن (أبو هشام) ذو قلم سيال لا يشق له غبار، أما اللغة العربية فهو مالك لناصيتها إن لم يكن ابن بجدتها.
كان (أبو هشام) هادئ الطبع، ذا أخلاق نبيلة، وسجايا حميدة، يحب الاستماع، ويتكلم عند الحاجة، قادراً على مقارعة الحجة بالحجة في هدوء، يستسلم في الحال للرأي السديد، حتى لو كان مخالفاً لرأيه. يحب المداعبة، وأشهد أني كثيرا ما أستمع له، وآخذ بما يراه؛ لأنه حينما يتكلم يزن الأمور. وكان يستشيرني فيما يعن له، وأدلي له بما أراه، لأنه لا يستبد برأيه. كانت الاستشارة ديدنه ولا سيما في أمور الشورى وكان يطلبها مني وذلك باعتباري كنت عضواً باللجنة العليا لوضع (النظام الأساسي للحكم، ونظام الشورى، ونظام المناطق).
حينما علمت بمرضه المفاجئ حزنت كثيراً، ولكنني في الوقت نفسه استسلمت لقضاء الله – سبحانه وتعالى – وقدره.
وكنت في الولايات المتحدة الأمريكية في ولاية (كنكتكت) حيث جامعة ييل Yale الأمريكية التي تخرجت فيها. وعلمت أنه نزيل مصح (مايو كلنك) في (مانشستر) في ولاية (منيسوتا) لتلقي العلاج فيه. قمت بزيارته رغم بُعد المسافة؛ إذ استغرقت رحلتي للوصول إليه يومين عبر ولاية (فيلاديفيا) وولاية (ألينويز) الأمريكيتين. كان ذلك في فصل الشتاء حيث الثلوج الكثيفة التي عطلت الكثير من الرحلات في المطارات. زرته لمدة يومين. رحب بزيارتي له كعادته حينما أزوره في منزله العامر بالرياض. وبالرغم من المرض الذي كان يعاني منه والذي كان بادياً على هيئته ومعالم وجهه إلا أنه كان قوياً بإرادته، متحملاً الآلام بابتسامة لا تفارق شفتيه، شجاعاً، كبير الأمل في الله، لم يقعده المرض عن القيام بواجب الضيافة، وحسن الاستقبال.
وأثناء زيارتي ل(أبو هشام) كان الملحق الصحي بالسفارة في واشنطن الأستاذ (صالح بن محمد القاضي) في زيارة تفقدية للمرضى السعوديين بمصح (مايو كلنك). أخبرني (أبو هشام) عن قدوم الزائر. وكانت المفاجأة أنه قد أعد لزيارة الملحق الصحي إعداداً جيداً حيث جمع غالبية المرضى من بني الوطن بالمستشفى في قاعة من قاعاته، ودعاني (أبو هشام) لحضور الاجتماع؛ وذلك للاحتفاء بالملحق الصحي. تحدث الأستاذ (القاضي) أثناء الاجتماع عن سبب زيارته، وعن أنه يرغب الوقوف على أحوال الحاضرين من المرضى عن قرب. وفي بداية الاجتماع تحدث (أبو هشام) حديث الرجل الواثق بنفسه مرحباً بالملحق الصحي، كما قام في حديثه بشرح بعض المواد من (النظام الأساسي للحكم) المتعلقة بالعناية الصحية التي توليها حكومة خادم الحرمين الشريفين للمواطنين في داخل المملكة وخارجها. كان حديث (أبو هشام) من القلب للقلب. وأثناء الاجتماع عقبت على حديثه وشكرته على مسعاه. وهو رغم مرضه إلا أن حسه الوطني أكبر مما يعانيه. ما أرويه ليس إلا لمسة من لمسات (أبو هشام) ذات الشفافية. كان بمثابة خادم القوم. كانت عنايته بزملائه المرضى من أولى اهتماماته. نسي نفسه في سبيل تحقيق مطالبهم التي نقلها بالنيابة عنهم إلى الموظف المسؤول.
هذه هو شأن أو ديدن (أبو هشام) في صحته ومرضه.
وينتمي أبو هشام إلى أسرة كريمة شَرُفْتُ بالتعرف على العدد الأكبر من أفرادها. وفي مقدمتهم الصديق العزيز شقيق (أبو هشام) معالي الدكتور (أحمد) وكذا الكثير من أبناء عمه وفي مقدمتهم الشاعر الفحل (صالح)، وفضيلة الشيخ (منصور)، وكذا الصديق الحميم (أبو بشار) أحد رموز الصحافة الكبار في بلادنا والصديق العزيز (محمد). واعتاد (أبو هشام)، وفي بعض الأحيان برفقة (أبو بشار)، المرور عليّ بمنزلي مساء لأذهب معه، إما إلى مجلس أحد أقاربه حيث تجمع الكثير من أفراد الأسرة، أو إلى مجلس (المالك) الأسبوعي العامر لألتقي بصحب كرام من أبناء الأسرة. كانوا يسعدون بمن يزورهم، وتعلو على وجوههم علامات البشر والسرور.
أما صولات معالي الدكتور صالح بن عبدالله المالك أمين عام مجلس الشورى في مجلس الشورى فأنا أترك ذلك لمن عاصروه بالمجلس، ولقد حدثني الكثير منهم ممن أعرفهم عن دقة إدارته لدفة مجلس الشورى المكون من مشارب مختلفة، وذلك فيما يخصه (كأمين). يقول عنه فضيلة معالي الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد رئيس مجلس الشورى، ولا ينبئك عنه مثل خبير: (واكب (أبو هشام) العمل في مجلس الشورى منذ بداية تكوينه الجديد فأكمل فيه ثلاث دورات متتالية عضواً من بين أعضائه؛ فأظهرت تجربة الشورى فيه إنساناً معطاءً منتجاً باذلاً؛ فكان بحق من أهل الشورى والرأي، يثري الموضوعات طرحاً؛ فتدرك منه حسن طرحه، وقوة فكره، وحسن فهمه، وعمق تجربته، يقدم ذلك كله بلغة عربية يتجلى فيها جمال الفصحى. كان أهلاً للثقة حين اختير أميناً عاماً لمجلس الشورى؛ فواصل مسيرة العطاء وأدى الأمانة، وقد حباه الله قلماً سيالاً في النثر والشعر وخطاً جميلاً، وذائقة أدبية رفيعة، وله جلد وصبر على القراءة؛ فكان في بعض أسفاره يمضي معظم ساعات يومه في القراءة والمطالعة، حتى أنه ليصل ساعات نهاره بليله إلى أن يقترب الفجر).
ولكي أختم لا بدَّ لي من القول إن الزيارات لم تنقطع بيني وبين (أبو هشام)، أحياناً بمنزلي وأحياناً بمنزله. وكنت محل ترحاب حتى من والدته – يرحمها الله – حينما تعلم بوجودي معه، وهي والدة حنون رؤوم تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه. ويكفي أنها الأم، وما أدراك ما حنان الأم. كان يستشيرها، ويأخذ برأيها، وكم كان حزيناً لفقدها وهو في سفر. وكنت أغبطه لما هو فيه من سعادة في أحضان أمه، كنت أغبطه لأنني فقدت والدتي وأنا طفل صغير.
كان لدى (أبو هشام) حس وطني من ملامحه شغفه بالمنتج الوطني، وعلى سبيل المثال حينما يزوره زائر بمنزله كان يقدم له أحسن منتجات القصيم من التمور ومشتقاتها بدلاً من تقديم علب الشيكولاتة وأصناف الحلويات المقرطسة مما تكتظ به أسواق العولمة الغربية الاستهلاكية، العدو اللدود للمنتجات الوطنية. وكان (أبو هشام) يفتخر بتمور منطقته أمام زائريه وأنا منهم. كانت تمور القصيم، وأشهرها (السكري)، معروضة في سلات وأطباق بمجلسه. وكنت، من باب المداعبة، أتحداه في بعض المناسبات قائلاً: إن تمر (هجر) أو محافظة الأحساء، وعلى رأسه تمر (الخلاص)، أحلى وأغلى. كان عندما يستمع لقولي يضحك، ويضحك، ويضحك دون أن يتفوه ببنت شفة، وكان يخيل لي، مع ذلك، أنه كان يقول داخل نفسه – رغم الصمت – إن تمر (القصيم) أحلى وأغلى. ولقد أهداني في آخر زيارة له بمنزله قبل مرضه (تنكة) مملوءة بالتمر من تمور القصيم. وكانت هدية عزيزة غالية عندي.
كم كنت أتمنى لو أن الموت لم يغيّب (أبو هشام) لأزوره بمنزله مرات ومرات، ولكن الموت حق. وإن عزائي الآن في بيتين للشاعر الأمير (أسامة بن مرشد الكناني) أرددهما كلما مررت على منزل هذا الصديق العزيز الفقيد:
إذا أنا شارفت الديار تحدثت **** بمكنون أسراري الدموع الذوارف
وما ذا انتفاعي بالديار وقربها **** إذا أقفرت من كل ما أنا آلف
وتبقى لي وقفة مع (أبو بشار):
لقد بكيتَ، وأبكيتَ. وما سطره يراعك بعنوان (والرجال يبكون أيضاً)، وبعنوان (حزن لا ينتهي) في (أبو هشام) ليس إلا أحاسيس ذات شفافية لم تعبر بها عما يدور في نفسك وحدك من خلجات حزينة. لقد عبرت بالنيابة عما تجيش به نفس كل محب للفقيد.
عباراتك الحزينة ذات النبع الفياض واللوعة المتأججة ضربت على أوتار حساسة فأجَّجت الخواطر، وألهبت المشاعر، وجعلت في القلب ناراً ذات لهيب لن ينطفي.
نشاركك في مصابك الجلل، في ابن عمك، والحبيب إلى قلبك وقلبي، بالدعاء له بأن يتغمده الله برحمته.
ذكرى (أبو هشام) يا (خالد) ستتجدد عبر الزمن كلما ألتقي بك، وسيكون (أبو هشام) بيننا، كما كان بيننا فيما مضى من أمسيات جميلة، وذلك بما تركه لنا من أحاديث عذبة، ورؤى صائبة، وتعليقات خفيفة رشيقة سنعيدها ونعيدها؛ لأنها معين لن ينضب.
أسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، ويلهم أهله: أم هشام وأم سلطان، وأبناءه: هشام وعبدالله وسلطان، وبناته: جميلة وسلوى وأميرة وليالي وفرح، الصبر والسلوان. كما أخص بالعزاء شقيق الفقيد (أبو أسامة)، وكافة أبناء عمه وعلى رأسهم: صالح ومنصور ومحمد وخالد.
(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
———————————————

الناشر: جريدة الجزيرة

– العدد 13046

تاريخ النشر: 17-6-2008 م

الرابط للمصدر
ومات أبو هشام بقلم الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم (*)

رسالة شكر من وفد معهد التحكيم السويدي

22 February 2008

Dr. Mohamed A. Almulhim

Dear Dr. Almulhim,

We wish to thank you very much indeed for the most interesting and enjoyable visit in Saudi Arabia. From the very first minute we arrived in your beautiful country we felt at home and among friends. We found all our meetings most interesting. We very much appreciated to meet arbitration colleagues the first night and discuss arbitration in Saudi Arabia and Sweden. Such discussions will no doubt be important for our future co-operation in the field of arbitration. It was also extremely interesting the meet the new head of the Council d’Etat and hear his thoughts of arbitration in Saudi Arabia. The meeting with the governor of the Central Bank of Saudi Arabia provided another perspective and we very much appreciated to learn more of critical economic issues in Saudi Arabia and internationally. The gathering in the desert was not only a great pleasure but also very interesting as it gave us an opportunity for informal talks and discussion with the many interesting and most kind participants. We also wish to thank you that you arranged that we could attend the wedding. It was a wonderful occasion, which we will never forget.

However, despite the many interesting meeting and activities, what we most of all appreciated was meeting you. Your wisdom, your broad outlook, your experience and your great kindness made every minute in your company most interesting and pleasant, and for this we wish, again, to thank you very much.

Please convey our very best greeting to all those that contributed to make our visit valuable and so nice.

We look forward to seeing you soon again.

Yours sincerely

Johan Gernandt Ulf Franke Chairman Secretary General

الملحم عضوا بلجنة قيد المحامين

صدرت موافقة معالي وزير العدل الدكتور عبدالله بن محمد بن ابراهيم ال الشيخ بموجب قراره رقم 1095 وتاريخ 25/1/1429هـ على تعيين معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم عضوًا في لجنة قيد وقبول المحامين في وزارة العدل لمدة ثـلاث سنـوات. ويـأتي ذلك وفقـًا لما نصـت عليـه المادة الخامسة من نظـام المحـاماة بأن تكون العضوية في هـذه اللجنة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة فقط..

المصدر

وصف المحيسن حنين اول دفعة لخريجي الثانوية الأولى بالأحساء لذكرياتهم الخالدة

يعقد بعد ظهر اليوم بفندق انتركونتننتال الاحساء اللقاء السنوي السادس للرعيل الأول من خريجي المدرسة الثانوية الاولى بالاحساء باستضافة رجل الأعمال المعروف وأحد خريجي المدرسة ابرهيم بن عبدالعزيز الطوق . ويشهد اللقاء حضورا متميزا من طلاب الرعيل الأول يتبادلون خلاله ذكرياتهم ومواقفهم خلال الدراسة في السابق وانشطتهم المختلفة مع الزملاء والأصدقاء. ومن جانبه رحب الطوق بكافة الزملاء وأثنى على تلك الخطوة التي جاءت بمبادرة السابقين . واوضح أن اللقاء يهدف لاستعادة ذكريات الماضي والعودة الى الحنين مشيرا الى أن تجمع الرعيل الأول يعنى تجمعا للحنين والذكريات الجميلة . وأشار المنسق العام للقاءات فهد بن محمد السلطان الى ان اللقاء سيشهد عدداً من الكلمات الخطابية بهذه المناسبةالسعيدة وكلمة لأحد طلاب الرعيل الأول وعدد من القصائد وتوزيع كتيب يحمل اللقاءات السابقة والتي أقيمت بهذه المناسبة ثم يتناول الجميع طعام الغذاء .
لقاءات ثقافية
واكد عبداللطيف بن حمد السليم احد طلاب المدرسة ان اللقاء يعد من اللقاءت الثقافية الهامة حيث يحرص على الحضور في وجود الاصدقاء السابقين من اجل استعادة الذكريات . فيما وصف الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم مدرسة الهفوف الاولى بأنها بمثابة الأم بالنسبة لأبناء بررة. واذا كان حنان الأم على طفلها تبدأ معالمه قبل ولادته وتظهر هذه المعالم في وجدان الأم حال ولادة الطفل, وبعد ان يستقبل اول نفس له في الحياة خارج بطن امه, فانها اي هذه المعالم تتزايد في ذهن الأم حالما يكون في حضنها أكثر من مرة في اليوم والليلة عند رضاعه لرحيق الحياة وعيناه شاخصتان الى أعلى تحاولان تدريجيا ابصار وجه المخلوق الذي يغذيه باللبن المصفى وتدريجيا ومع مرور الزمن ترتسم معالم صورة هذا المخلوق في ذاكرة الطفل لدرجة انه وبعد ان يقوى بصره ويعرف من حوله يجد ان تلك الصورة مرسومة في ذاكرته لانها مصدر الحنان الذي يحس به ويبتسم له ويجد فيه دفء الحياة فضلا عن حلاوة الأمن والأمان وتبقى معه هذه الصورة الى ان يشب عن الطوق والى أن يبلغ الشيخوخة, وحتى يفارق الحياة. حال الأم بكل عواطفها وأحاسيسها ومشاعرها نحو طفلها هو حال طلاب دخلوا مدرسة بعد ان شبوا عن الطوق لتلقي مبادىء العلم الاساسية بمختلف اطيافه.
مدرسة فريدة
ويضيف الملحم بأن حنان هؤلاء الطلاب نحو مدرستهم ظل عالقا بذاكرتهم, وبخلدهم طيلة حياتهم ومع مرور الزمن ظل هؤلاء الطلبة يرددون مقولة من علمني حرفا صرت له عبدا وتنصرف مقولتهم لكوكبة من مدرسي المدرسة قل ان يوجد مثلهم وقت تـأسيس المدرسة والمدرسة التي اعنيها هي كما سبق القول مدرسة فريدة في وقتها تأسست في بلدة «هجر», وتختلف عن كل المدارس بل ولا تتكافأ من حيث المستوى التعليمي مع مدارس أيامنا المعاصرة كانت هذه المدرسة هي الوحيدة في بيئة كانت الأمية فيها هي صاحبة السيادة مدرسة كانت في أيامها ذات شأن يذكر, وهذا الشأن لعظمته لا يزال يقاوم النسيان لانه يجسم في وجوده واثره وتأثيره ذكرى خالدة في فم التاريخ وخلد هذا الشأن سجلا موثقا رفع فيه المدرسة وهي مدرسة ابتدائية متواضعة تقتات على حد الكفاف وفي مستوى خط الفقر الى مستوى الجامعة فكانت المدرسة اشبه بالجامعة. وبالفعل كانت كذلك .
معلم حضاري
ويشير الملحم الى أن الرعيل الاول من خريجي المدرسة يأبى الا ان يبقوا هذه المدرسة معلما حضاريا في بلدة «هجر». البلدة التي تضم الآن مئات المدارس, وكثيرا من ابناء هذه المدرسة العتيدة واعني بهم من بقي منهم على قيد الحياة قد آلوا على انفسهم ان تبقى المدرسة موطن ذكرى متجددة مهما تغيرت الاحوال وكيف لا والمدرسة بالنسبة لهم موطن ذكريات, ومطامح انظار, ومسارح افكار, ومعارج همم, ومصدر اشعاع, ومنتدى سمار. وكأني بهذا الرعيل ينشد معي ابيات «ابن الرومي» في ذكرى مدرستهم التي يعتبرونها في مستوى الوطن ان لم يكن اكبر:
ولي وطن آليت ألا أبيعه …… وألا أرى غيري له الدهر مالكا
فقد ألفته النفس حتى كأنه ….. له جسدٌ إن بان غودرت هالكا
وحبب أوطان الرجال إليهم ….. مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكِّروا أوطانهم ذكَّرتهم ….. عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا.

صرح شامخ
وتم تجديد المدرسة على شكل ونحو ينبىء عن ماضيها التليد وعن احوال البيئة التي تأسست فيها منذ اكثر من سبعة عقود من الزمن. ويشير احد طلاب المدرسة آنذاك رجل الأعمال المعروف عبدالله بن سعد الراشد بقوله انه إذا كان هذا الصرح الشامخ (مدرسة الهفوف الأولى) قد أسس كنواة للتعليم الحكومي في الاحساء بل في المنطقة الشرقية بأسرها ليحتوي أول مدرسة ابتدائية عام 1360هـ وهذا هو غاية الأمل في ذلك الوقت إلا أنه بعد مضى ما يقارب سبع سنوات تطلع خريجو المدرسة الابتدائية الى مواصلة الدراسة للمرحلة الثانوية إذ أنه في عام 1377هـ أحدث فصل أولى ثانوي وهو ما يعادل أولى متوسط في الوقت الحاضر ملحقا بالمدرسة الابتدائية والتحق به عدد محدود من الطلاب احضر لهم معلما مصريا يقوم بتدريس جميع المواد الا ان سير الدراسة قد تعثر في ذلك العام وقد يكون تسرب بعض الطلاب سببا في ذلك.
رحلة التطور
وفي العام الثاني 1378هـ تمكن المتبقون من الطلاب وهم واحد أو اثنان من مواصلة الدراسة مع زملائهم الجدد في ذلك العام وأحضر لهم معلمين مصريين هما احمد الأزهري ومصطفى عمايمي وكانا يكلفان بالتدريس للصفين الخامس والسادس الابتدائي إضافة الى عملهما بالصف الأول الثانوي. وتطورت المدرسة الثانوية وشيدت لها فصول على سطوح المدرسة الابتدائية كان عددها اربعة ثم تمت زيادتها إلى أن أصبحت أكثر من 10 فصول وتطور عدد الطلاب حتى أصبح في العام 1371هـ 35 طالبا يقوم بتدريسهم نخبة من المعلمين المصريين الأوائل الذين حضروا عن طرق الإعارة من الحكومة المصرية بينما تعاقب الأساتذة السعوديون محمد الجنيدل وعبدالرحمن الحقيل وعبدالله بن علي المبارك وعبدالله الباز وعثمان الاحمد على القيام بالأعمال الإدارية إضافة الى تدريس المواد الدينية وكان بالمدرسة قسم داخلي لإيواء الطلاب الوافدين من الدمام والخبر والقطيف ولتشجيع الشباب على الالتحاق بالمدرسة الثانوية كانت تصرف للطالب مكافأة شهرية بدأت من 60 ريالا في العام 1370هـ ثم 100 ثم 150 ريالا في العام 1374هـ ومن وسائل تشجيع الطلاب على مواصلة الدراسة سعى عبدالعزيز منصور التركي معتمد وزارة المعارف آنذاك وقائد مسيرة التعليم في المنطقة الشرقية – رحمه الله – الى توظيف بعض الطلاب في فرع وزارة المالية بالاحساء حيث يداومون اكثر من ساعتين يوميا وفي العطلة الصيفية دوام كامل و بلغ عدد الملتحقين بالعمل لدى المالية من الطلاب 20 طالبا كما نجح فوج حل محله فوج آخر مقابل راتب قدره 250 ريالا شهريا فكان مجموع ما يتقاضاه الطالب الموظف لدى المالية 400 ريال وهذا مبلغ يفوق راتب بعض موظفي الدولة آنذاك إذ كانوا معينين على وظائف رسمية استفادوا منها حين التقاعد بعد مواصلة دراستهم وعملهم لدى الدولة بعد تخرجهم في الجامعة وتجلى حرص عبدالعزيز التركي – رحمه الله – على مواصلة الطلاب دراستهم ان يقوم بمتابعة من ينقطع عن الدراسة بنفسه ويقوم بإقناع والده الذي قد يكون بحاجته للعمل بجانبه إلى ضرورة عودته للدراسة.
الدفعة الأولى
وفي عام 1372هـ أنهت الدفعة الأولى دراستها للمرحلة الرابعة الثانوية ما يعادل أولى ثانوي في وقتنا الحاضر ولم يكن هناك امكانية لفتح فصل خامس ثانوي فابتعثوا لاكمال الدراسة بمدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة وهم: عبدالله البخيت و سعود أحمد الضويحي و إبراهيم ناصر المنقور و فهد عبدالله الحواس و محمد عبدالرحمن الباز و وبعد ان أنهوا دراستهم الثانوية في مكة المكرمة تم ابتعاثهم الى مصر لمواصلة الدراسة الجامعية وكانوا أول فوج من مدرسة الأحساء الثانوية يبتعث الى مصر وفي عام 1374هـ بذل مدير المدرسة آنذاك عبدالمحسن حمد المنقور جهودا طيبة أثمرت عن افتتاح فصل خامس ثانوي وكان عدد الملتحقين به 7 طلاب هم عبدالله محمد العمران و عبدالله المهاوش و علي ابراهيم السلمان و عبدالرحمن المشاري و خالد العجاجي « رحمه الله « واحمد الماجد وسليمان الغنيم.وبعد بداية الدراسة بفترة وجيزة خير الطلاب في التخصص الذي يرغبون في دراسة علمي أو أدبي فاختار المشاري والعجاجي والغنيم القسم العلمي وطلب منهم التوجه الى مكة المكرمة لإكمال الدراسة هناك أما الذين اختاروا القسم الأدبي فواصلوا دراستهم بالاحساء.
الفصل التوجيهي
وفي عام 1375هـ تم افتتاح الفصل السادس الثانوية (التوجيهي) والتحق الناجحون من الفصل الخامس واكملوا دراستهم الثانوية واصبحوا أول فوج يكمل الدراسة الثانوية بالاحساء بعد ان أدوا الامتحان النهائي في مدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة بعد 4 أيام من المعاناة في مدينة الظهران لعدم وجود أماكن على الطائرة الوحيدة التي تسافر الى جدة حيث شهر شعبان موسم عمرة ولم يتمكن الطلاب من الحصول على مقاعد بالطائرة الا بعد ان طلب عبدالعزيز التركي « رحمه الله» من سمو الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي أمير المنطقة الشرقية آنذاك « رحمه الله» أن يصدر أمره لمطار الظهران لإيجاد أماكن للطلاب حيث لم يتبق على الامتحان سوى يومين واستغرقت الرحلة 7 ساعات من الظهران الى جدة حيث هبطت الطائرة في عدة مطارات داخلية وكان عدد الناجحين في ذلك العام 1375هـ في امتحان الشهادة التوجيهية 60 طالبا على مستوى المملكة القسم الأدبي منهم 5 طلاب من مدرسة الاحساء الثانوية وكانوا يمثلون اول دفعة تكمل دراستها الثانوية بالاحساء وتعتبر المدرسة الثانوية بالاحساء رابع مدرسة بعد مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة يشترك طلابها في الامتحان النهائي للثانوية العامة في ذلك العام 1375هـ. وكان عدد خريجي الدفعة الأولى من مدرسة الأحساء الثانوية 5 طلاب تم ابتعاثهم الى مصر لاكمال دراستهم هناك وهم عبدالله محمد العمران وعبدالله المهاوش وعلي السليمان تخصص تاريخ واحمد على الماجد تخصص جغرافيا وناصر محمد بونهية منازل . والان ونحن بعد مرور اكثر من نصف قرن نرى ما انعم الله به على هذه البلاد وانتشار التعليم تحت قيادة حكومتنا الرشيدة – أعزها الله – حيث اصبحت المدارس بجميع مراحلها منتشرة في المدن والقرى والهجر كما ان الجامعات عمت جميع ارجاء المملكة وأصبح الطلاب بالملايين .

الكاتب: الاحساء – عبداللطيف المحيسن
الناشر: جريدة اليومتاريخ النشر: 5/ربيع الأول/1429هـ
الرابط: http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=12690&P=1&G=5

وكان التعليم هاجسه

وكان التعليم هاجسه – ناصر بن حمد المنقور
الناشر: جريدة الجزيرة – العدد:12766تاريخ النشر: 11/09/2007م

الرابط: http://archive.al-jazirah.com.sa/2007jaz/sep/11/fe9.htm
وكان التعليم هاجسه – ناصر بن حمد المنقور بقلم الدكتور : محمد بن عبد اللطيف آل ملحم

*****
انطلق الاخوة الثلاثة خارج مسقط رأسهم: اتجه (الأول) و (الثاني) إلى (مقاطعة الأحساء) للاستقرار بها، أما (الثالث) فقد انطلق إلى (منطقة الحجاز) ومن ثم إلى (المملكة المصرية) لمواصة تعليمه بهما، ومن ثم توجه إلى (منطقة نجد) لبدء نشاطه التعليمي.
وترك الاخوة الثلاثة في البلدان التي استقروا بها بالمملكة بصمات يعتد بها وبقيت أثراً يذكر لهم.
والإخوة الثلاثة بحكم السن: هم (عبدالمحسن)، وسعد، وناصر، أبناء حمد المنقور، وكانت ولادتهم في (حوطة سدير).
غادر (عبدالمحسن) (حوطة سدير) إلى الأحساء حيث استقر بها، وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرستها الابتدائية، وتخرج فيها في عام 1362هـ، ومن ثم زاول التعليم بها حتى أصبح مديراً للمدرسة نفسها، وهي المدرسة التي (كانت أشبه بالجامعة)، (راجع كتابي كانت أشبه بالجامعة)، ومن ثم صار مديراً لمدرستها الثانوية في عام 1373هـ. وكان للأستاذ (عبدالمحسن) أيادي بيضاء في العملية التعليمية في (الأحساء) نوهت عنها بعد وفاته في 2- 3-1427هـ في مقالة تأبين بعنوان: (ورحل رمز من رموز مدرسة الأحساء الابتدائية التاريخية) نشرتها في جريدة (اليوم)، في العدد رقم 12044 وتاريخ 9-4-1427هـ.
ولقد اقتفى (سعد) أثر أخيه إذ (بعد أن غادر مسقط رأسه متنقلاً هنا وهناك في أنحاء المملكة) توجه (إلى الأحساء) في عام 1368هـ، واستقر بها ولم يبرحها لدرجة أنه أصبح، حقيقة، أحد أبنائها الأوفياء. مارس الأعمال الحرة في الأحساء، إلى الآن، حتى أصبح أحد رموزها. وللأخ الصديق (سعد) صداقات واسعة مع رجالات الأحساء بما فيهم الكثير من أبناء أسرتي وهو من وجهاء الأحساء المعتبرين. وكان ولا يزال كريم النفس طيب المعشر، محدثاً لبقاً لا تمل الاستماع إليه.
أما الأخ الأصغر (ناصر) وهنا بيت القصيد، فقد تلقى مبادئ التعليم في مسقط رأسه بما في ذلك قراءة القرآن الكريم على يد معلمين بها. وبعد أن شب عن الطوق توجه إلى (منطقة الحجاز) لمواصلة تعليمه الحديث هناك إذ كما هو معروف آنذاك كان التعليم الحديث في بدايات تأسيس الدولة السعودية الثالثة مقصورا على منطقة الحجاز، ومقاطعة الأحساء. أما منطقة نجد فلقد جاء التعليم الحديث فيها متأخراً لأسباب تاريخية معروفة.
عين ناصر بعد تخرجه من كلية آداب جامعة فؤاد الأول (بالمملكة المصرية) وعودته للمملكة في وزارة الخارجية لفترة قصيرة في وظيفة (ملحق) ومن ثم تقلد عدة مناصب رئيسة بوزارة المعارف بدأها معتمداً للتعليم في نجد في عام 1373هـ، وانتهى به المطاف بالوزارة نفسها ليكون مديراً عاماً للتعليم بها في عام 1376هـ، ومن ثم مديراً عاماً للوزارة في عام 1377هـ وذلك بالإضافة إلى تقلده إدارة جامعة الملك (سعود) في عام 1378هـ بمسمى (مدير الجامعة بالنيابة) بعد وفاة مديرها الأول الدكتور عبدالوهاب عزام. ومن ثم ترك أبو أحمد وزارة المعارف ليعين وزير دولة لرئاسة شؤون مجلس الوزراء في عام 1380هـ، وبعدها وزيراً للعمل والشؤون الاجتماعية.
وترك (أبو أحمد) الوطن ممارساً للعمل الدبلوماسي حيث كان سفيراً للمملكة في بلدان وممالك من أهمها (اليابان)، و (السويد)، و (المملكة المتحدة) و (أسبانيا) لمدة تزيد على ثلاثين عاماً.
يعتبر معالي الأستاذ ناصر، كما ذكر عنه محبوه ومعاصروه من الأعلام الذين لهم بصمات واضحة في مسيرة التعليم الحديث، ناهيك عن الدبلوماسية التي كان ابن بجدتها. ولم تكن لي علاقة رسمية حينما كان في المجال الدبلوماسي الذي خاض غماره في الفترة التي كنت فيها (وزيراً) ما عدى لقاءات مجاملة لا تتعدى المرتين أو الثلاث مرات خلال المدة التي قضاها في العمل الدبلوماسي.
ولكي أكون بعيداً عن عبارات المجاملات التي تقتضيها أحوال التأبين، ولكي أكون قريباً من أرض الواقع في شأن معرفتي بهذا الرجل الذي أكن له كل محبة وتقدير، وهي معرفة ذات فضل كان لها الأثر الكبير في شأن مسار حياتي التعليمية المبكرة، وهو فضل كذلك لا يداخلني الشك أنه قد أزجاه للعشرات إن لم يكن للمئات من الطلبة أمثالي الذين كانوا في رياض التربية والتعليم الناضرة آنذاك.
وكان أبو أحمد كما سأروي فيما يلي من سطور، متعاطفاً مع الأحساء، ناهيك عن معرفته لأحوالها، لدرجة أنني تصورت أنه كما لو كان مولوداً بها، ومن أبنائها البررة. والسبب معروف وهو استقرار أخويه الذين يكبراه سنا في أرض (هجر)، أرض الخير والعطاء، إذا كانا يزودان أخيهما بأخبار البلدة التي قررا، عن رغبة صادقة، الاستقرار بها منذ أن وطأت أقدامهما أرضها.. ولهذا سيكون تعاطف (أبو أحمد) مع الأحساء الذي نوهت عنه سلفا هو المظلة الأساس التي ستتخلل هذا التأبين بظلها ذي الوقفات المختصرة.
الوقفة الأولى:
اضطرتني ظروف نوهت عنها في كلمتي في اللقاء الخامس للرعيل الأول من خريجي مدرسة الأحساء الأولى المنشورة بجريدة (اليوم) (العدد رقم 12320 وتاريخ 19-2-1428هـ) أن أترك مسقط رأسي (الأحساء) لمواصلة دراستي. ومن هذه الظروف أنه لم يكن بالمدرسة الثانوية (الوحيدة) بالأحساء في عام 1376هـ (قسماً دبياً لعدم توفر النصاب، وكان النصاب أن يكون طلبة القسم بحد أدنى ثلاثة طلاب كما اشترط معتمد المعارف بالمنطقة الشرقية آنذاك أستاذنا (عبدالعزيز بن منصور التركي) يرحمه الله لكي يفتح القسم، فالتحقت بمدرسة الرياض الثانوية الوحيدة بمدينة الرياض وذلك لوجود قسم أدبي بها بحد أدنى ثلاثة طلاب كنت ثالثهم عند افتتاح القسم، والطالبان هما: (محمد المبيريك) و(سليمان الجاسر). وبدون فتح القسم كان الخيار للطالبين التوجه لمنطقة الحجاز لمواصلة تعليمهما بها. وكانت المدرسة تحتل غرفاً كانت في الدور الأول بالضفة الشرقية بشارع الوزير، وكانت تلك الغرف في حقيقة الأمر، بمثابة مخازن لمتاجر الشارع نفسه، وكانت الغرف تطل على (صيدلية تمر) في الضفة الغربية للشارع نفسه، وهي صيدلية كبيرة ربما كانت الوحيدة بالرياض آنذاك. وكان مدير المدرسة الذي قابلته طالباً الالتحاق بالمدرسة هو أبو عادل الأستاذ (أحمد الجبير) خريج دار التوحيد بمكة المكرمة. ولقد استقبلني (أبو عادل) أيما استقبال. وقصة مقابلته لي تحتاج إلى تأريخ وليس هنا محلها. وأتذكر أننا عند نزول الأمطار كنا نحن الطلبة أثناء الفسح نبقى في غرف الدراسة نفسها. وبعد التحاقي بالمدرسة أجرت لي وزارة المعارف ولغير من الطلبة مكافأة كانت تسمى آنذاك مكافأة (طالب مغترب) وكان مقدارها مائة وخمسون (150) ريالاً في الشهر. وكانت المفاجأة، إلى حد ما عند حدود الكفاف. وعلمت أن معالي الأستاذ (ناصر) الذي كان وقتها (مديراً عاماً للتعليم بالوزارة) هو الذي قرر إجرائها أو شارك في إجرائها.
ولقد زرته في مكتبه بالوزارة التي كانت تشغل أحد القصور المبنية بالطين لأشكره بعد تعريف نفسي له بأنني من الطلبة المغتربين القادمين من ثانوية الأحساء، وكان معه بالمكتب الفسيح على ما أتذكر الأخ الصديق (عبدالله العبدالعزيز النعيم) الذي كان في عنوان شبابه، وكان يشغل آنذاك وظيفة (المدير العام للتحريرات) بالوزارة، وكان يعرض على معاليه، عند دخولي للمكتب بعض الأوراق.
الوقفة الثانية: انتقلت (مدرسة الرياض الثانوية) الوحيدة من غرف أو مخازن شارع الوزير إلى بيت بحي (شلقة) مقابل لمقبرة الحي نفسه. ويقع الحي خلف شارع الوزير من جهته الغربية. وكان البيت مقر المدرسة الجديد مملوكاً (لابن جبر) والبيت مبني من الطين، وذو غرف متعددة، وبه فناء (أي حوي) واسع. وكانت تقام بوسطه حفلات نادي المدرسة الأسبوعية، وكان معالي الأستاذ ناصر قد حضر أحد هذه الحفلات، كما كان يحضرها الأستاذ المربي (عثمان بن ناصر الصالح) مدير معهد الأنجال يرحمه الله. وكان البيت أشبه ما يكون بالقصر وكنت رئيساً لمجلس طلبة المدرسة بالانتخاب بتاريخ 11-7- 1376هـ ولا أزال أحتفظ عندي إلى الآن بسجلات هذا المجلس وكذا لائحته التنفيذية الداخلية. وكان أعضاء المجلس الممثلون لفصولهم وقت رئاستي للمجلس الزملاء التالية أسماؤهم: (عبدالعزيز بن فهد الدوس، وعبدالله السليمان السعيد، وعبدالعزيز بن حسن العيار، وناصر الرجعان، ومقبل الخلف، وعبدالعزيز البديع، وصالح الزيد، وعبدالعزيز بن حماد، وإبراهيم الجربوع، ودخيل علي الدخيل، وسعود محمد غيث) وفي أحد اجتماعات المجلس كان على جدول أعماله قضية خلاف بين طالب وأحد المدرسين، وتطور الخلاف حيث انحاز بعض الطلبة إلى زميلهم. رأى المجلس أن يحلا الخلاف حلاً سلمياً، وشكل لجنة من خمسة طلاب من داخل المجلس وخارجه كان الغرض منها تهدئة الطلاب لكي يعودوا إلى مقاعد الدرس للدراسة. لم يحل الخلاف، وأضرب طلاب الفصل الذي كان مقيداً به الطالب الطرف في الخلاف. تناهت أخبار الإضراب إلى معالي الأستاذ (ناصر) الذي توجه في الحال إلى المدرسة. التقى بمدير المدرسة وبي باعتباري رئيساً لمجلس الطلبة. وبعد أن تعرف على المشكلة توجه، وكلانا معه، إلى الفصل حيث كان الطلبة به. وحينما دخل معالي الأستاذ ناصر الفصل حل وجوم على الطلبة عند رؤيته، وكان يرحمه الله متجشماً، كما كان في حيوية ونشاط متناهيين. ألقى على الطلبة كلمة كم أتمنى الآن لو كانت مسجلة آنذاك.
كلمة أب لأبنائه تحفها عاطفة جياشة، وتتخللها في الوقت نفسه قسوة وتحذيرات. وختم كلمته ببيت شعر حفظته آنذاك في الحال. ويقرأ البيت كالتالي:
وقسى ليزدجروا ومن يك راحماً
فليقسو أحياناً على من يرحمُ
هدت الأحوال بالمدرسة بعد مغادرة معاليه لها، وحقق ما كان الطلبة يطالبون به آنذاك، وكنت كلما أتذكر أو أردد، هذا البيت، أو أسمعه من آخر أتذكر مناسبة حفظي له، والذكريات صدى السنين الحاكي.
الوقفة الثالثة: تخرجت في (مدرسة الرياض الثانوية) في عام 1377هـ وتسلمت شهادة التخرج في 25 محرم 1378هـ وكان ترتيبي الثاني – شعبة الآداب، على مستوى المملكة، وكان عدد الطلاب الناجحين خمسة وتسعون (95) طالباً. (راجع الوثيقة المنشورة في هذا التأبين). وبعد تخرجي من الثانوية كتبت في استمارة الالتحاق بالجامعة رغبتي في دراسة الحقوق في كلية حقوق جامعة القاهرة. وقبل تخرجي من المدرسة الثانوية بشهور تأسست جامعة الملك سعود بموجب المرسوم الملكي رقم 17 بتاريخ 21 ربيع الثاني 1377هـ، كما صدر مرسومان آخران بإنشاء كلية (للآداب) وأخرى (للعلوم) وكان قراري وقتها إما دراسة (الحقوق)، فإن لم أمكن، فالالتحاق بإحدى الوظائف العامة التي كانت متاحة بكثرة آنذاك. وبالمناسبة كنت وقتها إلى جانب كوني طالباً بمدرسة الرياض الثانوية، موظفاً (ببلدية الرياض) أشغل وظيفة وقت العصر بمرتب قدره أربعمائة (400) ريال بقسم المحاسبة وهو قسم كان يرأسه رجل فاضل أمين هو (سالم الخريجي) يرحمه الله، وكان معي زميلا آخر يعمل معي بالبلدية عصراً. وكانت مهام الوظيفة بالبلدية متعددة وكنت أتنقل بين أقسام البلدية, ولقد استفدت كثيراً من العمل بها. كان الدوام بالبلدية على فترتين: فترة صباحية حتى صلاة الظهر، وفترة مسائية تبدأ من صلاة العصر إلى وقت الغروب. وقبل تخرجي في المدرسة كنت أداوم عصراً فقط. وبعد تخرجي واصلت مزاولة عملي (ببلدية الرياض) في فترتي الدوام صباحا وعصراً. وكنت وقتها أتجسس الأخبار عن أية معلومة عن شأن الابتعاث للخارج. لقد كنت وكما يقول المثل على أحر من الجمر عن شأن مستقبلي علمت فيما بعد أن (وزارة المعارف) قد شكلت لجنة بالوزارة، وكان الغرض من هذه اللجنة مقابلة خريجي الثانوية من شتى أنحاء المملكة الذين يرغبون الدراسة بخارج المملكة. لم أسر بالخبر وساورني الشك حول تحقيق رغبتي للخارج حيث لا حول لي ولا قوة، وليس لدي من الإمكانيات المادية الذاتية ما يعينني على مواصلة الدراسة (بمصر) محققاً رغبتي رغم تفوقي الدراسي. تركت الأمور تجري في أعنتها ما دمت لا أزال موظفاً ببلدية الرياض، إذ ربما أبقى بها موظفاً إذا لم ابتعث، واستسلمت لقضاء الله وقدره. وبعد أن تحددت مواعيد المقابلات لدى اللجنة التي كان مقرها الوزارة ذهبت لإجراء المقابلة. وكان أعضاء اللجنة (علمت عن ذلك فيما بعد) ثلاثة هم: معالي الأستاذ عبدالوهاب عبدالواسع، الذي كان وقتها مديراً للشؤون المالية بالوزارة، والأستاذ عبدالله بن ناصر الوهيبي الذي كان مديراً للتعليم وقتها بالوزارة، والدكتور أحمد علي الذي لا أتذكر المسؤولية الوظيفية المناطة به بالوزارة آنذاك. وكان مقر اللجنة بالدور الثاني بمبنى الوزارة بالقرب من مكتب مدير عام الوزارة. دخلت على (اللجنة) دون معرفة سابقة بأي من أعضائها، وأجريت المقابلة لي دون أن أتذكر الآن محتوى الأسئلة التي طرحت علي أثناءها، ومن ثم خرجت وأنا مشدود الذهن، وفي حيرة من أمري، لأن اللجنة، بعد مقابلتي، طلبت مني أن أنصرف دون أن أعرف ماذا قررت؟ وفي ردهة مبنى الوزارة بالدور الثاني، وهو ممر ضيق منحني يطل على فناء الوزارة الفسيح من جهة الشرق قابلت أو قابلني بمحض الصدفة معالي الأستاذ ناصر الذي أخبرني في الحال، وبدون مقدمات أنه سبق أن أتخذ قرار بالوزارة بابتعاثي إلى (الجمهورية العربية المتحدة) لدراسة الحقوق. أدخل هذا الخبر السرور علي، وأعاد الطمأنينة إلى نفسي وحمدت الله سبحانه وتعالى على ذلك. ولا أتذكر الآن أين توجهت وقتها، أو ماذا بعد سماع الخبر السار؟ وكل ما أتذكره أنني تقدمت بطلب استقالتي من (بلدية الرياض) لمديرها العام صاحب السمو الأمير عبدالله بن فهد الفيصل الفرحان آل سعود. سلمت لسموه بمكتبه طلب الاستقالة ولما علم بحالي قال لي سموه بالحرف الواحد: أنه يستغرب جداً أن يكون موظف عنده بالبلدية حاصلاً على الشهادة الثانوية! وقد أكد له ذلك موظف بمكتبه طويل القامة من أسرة (المشعل) لا أتذكر الاسم الكامل لهذا الموظف الآن. قال (المشعل) لسموه: إنه سمع عن خبر تخرجي مع آخرين في إذاعة مكة المكرمة ليلة أمس. وافق سموه على قبول استقالتي. ومنحني مرتب شهرين كمكفأة لي. وكان قراره بمنح المكافأة لمسة تقدير كان لها الأثر العميق في نفسي! وقد سلم لي خطاباً رغب مني تسليمه لأخيه (محمد) الذي كان بمصر، ولقد سلمته لسموه في مقر سكنه بالقاهرة برفقة معالي الدكتور (حمود بن عبدالعزيز البدر) وسمو الأمير المهندس (محمد) هو الآن بدرجة فريق وكان يرأس (المؤسسة العامة للصناعات الحربية) بالخرج حتى عهد قريب.
الوقفة الرابعة: كان معالي الأستاذ ناصر باعتباره مديراً عاماً لوزارة المعارف، ومن ثم مديراً لجامعة الملك سعود بالنيابة، يتردد على القاهرة لقضاء شؤون تتعلق بعمله وكان منها التعاقد مع أساتذة للجامعة، وأتذكر أنه كان عند زيارته لمصر، يتابع أوضاع مكتب الملحقية الثقافية التي كان يديرها الأستاذ المربي (أحمد بن محمد المانع)، كما كان يسهل أية عقبة تواجه الملحقية، ولكنه كان صارماً في شأن معين وهو عدم سماحة لأي طالب بأن يغير تخصصه الذي بعث أساساً من أجله، أو أن ينتقل من كلية إلى كلية أخرى. أقول هذا الكلام لأنني أعرف حالة رفض فيها مثل هذه الطلبات. وحل ذات مرة فضيلة الشيخ الجليل المحب لي محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف المبارك (فقيه المذهب المالكي في الأحساء) في وقته والذي كنت على معرفة تامة به منذ الصغر، ضيفاً علي وعلى زميل السكن (حمود بن عبدالعزيز البدر) الطالب بقسم صحافة آداب جامعة القاهرة، وكنا نسكن بشقة بشارع الخطيب بالدقي، كان فضيلة الشيخ (محمد) ذا أخلاق دمثة متواضعاً، وقد قدم للقاهرة مرافقاً لابنه (عبداللطيف) في رحلة علاج بحلوان بجنوب القاهرة. طلب مني فضيلته في أحد الأيام لما علم عن وجود معالي الأستاذ ناصر بالقاهرة أن أرافقه لزيارته، وكان معاليه يسكن في (فيلا) بحي الدقي قريبة من ملحقية البعثات بحي الأورمان بالدقي. رافقت فضيلته إلى مقر معالي الأستاذ (ناصر) الذي احتفى بالشيخ محمد المبارك حفاوة بالغة، ورحب به أيما ترحيب. وكان الحديث الذي جرى بينهما ذا طابع ديني وإن كانت أحوال الأحساء وأهلها قد استحوذت على جزء كبير من الحديث، وكنت وقتها مستمعاً ملتزماً جانب الصمت، ولم أتفوه ببنت شفه حتى غادر فضيلته المقر وهو يثني ثناءً من قلبه عن اللطف وحسن اللقاء الذي حظي بهما من معاليه.
ولم ألتق بمعالي الأستاذ ناصر بعد تخرجي في (كلية الحقوق) في عام 1382هـ والتحاقي بكلية التجارة بجامعة الملك سعود في وظيفة (معيد).
الوقفة الخامسة:
وبعد أن التحقت بكلية التجارة لم ألتق بمعالي الشيخ (ناصر) إلا ثلاث مرات وذلك بعدما ترك العمل التربوي، ودخل في مهامه الحياة الدبلوماسية. كانت المرة الأولى في (جنيف) بسويسرا حينما كان جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز -يرحمه الله- هناك في فترة استجمام. وكان اللقاء في فندق برسدانس Presidence كانت مناسبة اللقاء توجهي مساءً إلى الفندق لزيارة أستاذنا (عبدالعزيز بن منصور التركي) الملحق الثقافي بلندن القاطن بالفندق آنذاك. ومن باب الصدفة كان الأستاذ التركي بمعية معالي الأستاذ ناصر الذي استقبلني بحفاوة وترحاب بالغين كما هي عادته. تحدثت مع (أبو أحمد) في أمور عامة لها علاقة بأحداث الساعة آنذاك. وكان من ضمن الحديث أحوال (الأحساء) وأخبارها. كان يرحمه الله في حديثه على علم بأحوال الأحساء آنذاك ربما أكثر مني، وكرر لي أن (الأحساء) تحتاج إلى لفتة حانية من الحكومة. أقول هذا للحقيقة والتاريخ. ثمنت لمعاليه اهتماماته وحسه الوطني (ذو) الشفافية. وكانت المرة الثانية لقاءً عابراً به بالديوان الملكي بالرياض لم يتعد تبادل التحيات. وكانت (المرة الثالثة) لقاء بقصر أو فندق الكندرة بجدة حيث أخبرني أنه كلف من قبل سمو الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية للقيام بمهمام وزير الدولة للشؤون الخارجية. لم يبق طويلاً بهذا المنصب حيث عاد إلى مقر عمله (بالمملكة المتحدة).
بين معالي الأستاذ ناصر وبين الأستاذ عبدالعزيز بن منصور التركي صداقة عميقة إن لم تكن حميمة وكان من ثمرات هذه الصداقة تطوير التعليم بمقاطعة الأحساء حينما كان التركي معتمداً للمعارف بمقاطعة الأحساء ومن ثم مديراً للتعليم بالمنطقة الشرقية وحتى انتقاله ملحقاً ثقافياً بلندن. كان الأستاذ التركي يتصيد الفرص لأخذ موافقة معالي الشيخ ناصر في كل ما تلبية احتياجات مدارس الأحساء وقرها لدرجة أن الشيخ (التركي) حينما يعلم على سبيل المثال عن توقف معالي الأستاذ ناصر بمطار الظهران للسفر لخارج المملكة كان الأستاذ التركي يتوجه للمطار بمعاملاته لأخذ موافقة معاليه عليها إذا كانت من اختصاصاته كمدير عام للوزارة وذلك رغبة من الأستاذ التركي في تخطي الروتين الحكومي واختصار الوقت.
وبالغرم مما ذكرته عن تعاطف معالي الأستاذ ناصر مع الأحساء ومحبته لأهلها إلا أنه لم يكن منحازا لها وحدها. وأنا متأكد أنه كان يعامل مناطق المملكة وقراها في مجال التعليم على حد سواء. وشواهد الحال تثبت أن كل من أثنى عليه، بعد رحيله يؤكد تفانيه وبأمانة في هذا المجال.
وقبل أن أختم أود أن اقتطف فقرات من رثاء صديق حميم (لأبي أحمد) وعمل هذا الصديق تحت قيادة (أبو أحمد) في جامعة الملك سعود، كما أنه قد خلفه في إدارة دفة الجامعة بمسمى وكيل الجامعة، ولعله أبلغ من غيره، حسب علمي، في تشخيص شخصية الفقيد هذا الصديق هو معالي الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر الذي عاصر الفقيد، وربما يكون الوحيد الذي يعرف الكثير عن توجهات (أبو أحمد) في حقل التربية والتعليم: يقول (أبو محمد) عن رئيسه (أبو أحمد): جاء نبأ وفاة معالي الأستاذ ناصر مؤلماً لأصدقائه وأحبائه ولعارفيه، لما يعرفونه عنه من خلق كريم تميز به فكان نموذجاً فيما يأتي وما يدع، عرف عنه اهتمامه الجاد بما يوكل إليه من عمل، مع لباقة متناهية، وحسن تصرف، ومع مقدرة متناهية في التغلب على المشاكل، وإرجاء الأمور إلى ما يريح ويفرح. كان – رحمه الله- إدارياً بارزاً ومنظماً متفوقاً لا يتولى عملاً إلا وترك بصماته الدائمة على أسس السير الإداري فيه، كل ذلك بإتقان وإبداع. كان مريحاً لمن يعمل معه لحسن تعامله مع من يعمل معه، ومن يراجعه، ومن يستشيره، ومن يستنجده. لديه ذكاء فطري صقله بالتجارب والحنكة النادرة، عرف عنه بالصبر، وشدة التحمل وسعة البال، لا يكاد أحد يذكر وجهه إلا مبتسماً، ويده إلا ممدودة بالخير). انتهى.
توفى الله (أبو أحمد) في 10-7-1428هـ ودفن بلندن تنفيذاً لوصيته كما أخبرني بذلك أخاه سعد وذلك حينما زرته معزياً في منزله الكائن في محافظة الأحساء – الهفوف – المثلث الذي كان يتقبل فيه العزاء.
رحم الله معالي الشيخ ناصر، وأسكنه فسيح جناته، وألهم ابنيه أحمد وهاني وابنته نورة وأخيه سعد وآل منقور بما فيهم الأخ الصديق المربي المحب عبدالعزيز بن محمد العبدالكريم المنقور الصبر والسلوان. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}

 

(*)وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق

وكنت من طلبته

حينما وصلتُ إلى القاهرة في عام 1377هـ الموافق عام 1958م توجَّهت بعد يوم أو يومين من وصولي إلى مكتب الملحق الثقافي الكائن في 17 شارع واصف بالأورمان بحي الدقي.
وبدون سابق معرفة بموظفيه بما فيهم الملحق الثقافي نفسه عرَّفت بنفسي بأنني طالبُ مبتعثُ من قبل وزارة المعارف، شأني في ذلك شأن سائر أترابي الطلاب من بعثة ذلك العام.
اسْتُقْبِلتُ بالمكتب استقبالاً طيباً. كما حصلتُ، مثل ما حصل سائر زملائي، على معاملة حسنة بمكتب الملحقية، كان من شأنها تسهيل مهمة التحاقي بالجامعة بكل يسر…..
وبعد إعلان نتائج امتحان الفصل الأول بكلية الحقوق – جامعة القاهرة وجدتُ نفسي (الأول) بكلية تضم أكثر من ألفي طالب. نُشِرَ عن ذلك في الصحافة المحلية. وعلى إثرها استقبلني الملحق الأستاذ (أحمد المانع)، وتعرَّفت عليه، ولقيتُ منه ومن موظفي مكتبه من الاحترامِ والتقديرِ والرعايةِ والتشجيعِ مَا أعجزُ عن وصفه لدرجة أن العلاقة بيني وبين الملحق أخذت تتوطَّد من حسنٍ إلى أحسن. وكان من بين موظفي المكتب مِمَّن تعرفت عليهم آنذاك، على ما أتذكَّر، الأساتذة: محمد الفريح، وعلي القرعاوي، وإبراهيم القدهي، والعم لطفي المسؤول عن المصاريف الدراسية.
وكما سبق أن ذكرتُ كانت بعثتي لدراسة الحقوق على حساب وزارة المعارف. وكانت مصاريفُ الدراسة الجامعية على حساب الوزارة نفسها، وكانت المصاريف تصرف للجامعة عن طريق الملحقية مباشرةً.
في يوم من الأيام استدعاني مكتب المصاريف الدراسية بجامعة القاهرة الواقع آنذاك في شمال الجامعة بين السَّرايات ومساكن طلبة الجامعة. تقدَّمت لشبَّاك المكتب، وعرَّفت بنفسي، وسلَّمته بطاقة (كارنيه) الجامعة. بحث الموظف عن اسمي بسجلات كلية الحقوق، وبعد دقائق رفع رأسه وقال لي مبتسماً: أنتَ من الطلبة المتفوقين، وحصلتَ على الدراسة المجانية بالجامعة على حساب (الجمهورية العربية المتحدة)، وأنَّ ذلك بموجب توجيهات من فخامة الرئيس (جمال عبدالناصر) رئيس الجمهورية الذي اعتمدّ منحاً مجانية للطلبة العرب الذين يتفوَّقون بجامعات مصر انطلاقاً من توجهات (مصر) العربية في مجال (القومية العربية).
توجَّهت في الحال إلى العم (لطفي)، وأخبرتُه بما قيل لي، وسلَّمت له الشيك المحرر باسمي من قبل الجامعة مقابل إعادة المصاريف الدراسية المرسلة من الملحقية للجامعة، وتم تسليم الشيك بموجب خطاب منِّي مؤرخ في 29-4- 1379هـ. ومن ثُمَّ انصرفتُ إلى شقتي التي كانت تقع آنذاك بحي العجوزة معتبراً أَنَّ ما تَمَّ شيء عادي. هكذا كان تصوري وقتها، ولكن كانت المفاجأة لي أنني ما كنتُ على عِلْمٍ بما اتخذه الملحق الثقافي الأستاذ (أحمد المانع) من إجراء حينما أحاطه العم (لطفي) بخبر إعادتي للشيك له. لم يهملْ الأستاذ (أحمد) هذا الأمر بل تفاعل معه، واعتبره سابقةً في عهده باعتباره ملحقًا ثقافياً أن يحصل طالبُ على (المجانية) لتفوقه الدراسي. لقد اهتم بالأمر، وصعَّده إلى أعلى المستويات بوزارة المعارف حيث عُرِضَ أمرُ الشيك على سعادة وكيل وزارة المعارف آنذاك معالي الشيخ (عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ) أمر معاليه بإعادة الشيك لي.
كان أستاذنا (أحمد) يعامل الطلاب كما لو كانوا أولاده، وما ذكرتُه مجرد طيفٍ من أطياف تعامله مع طلبته، وبالرغم من أن ما أجراه يخصني وحدي وقد تردَّدت في الحديث عنه إلاَّ أن أبلغ ما فيه هو أنه ذو دلالةٍ واضحةٍ على لطف معاملة الملحق الثقافي لي، كما لو كنتُ أحد أبنائه، ولقد رأيتُ، وبكل تجردٍ عن ذاتي، نشر هذه الحقيقة عن تصرف هذا الرجل ذي الخلق النبيل، وليس ذلك بكثير عليه لأن له من عراقة أسرته وطيب محتده وسعة مداركه ما يؤهله لفعلِ ما يفعل.
بعد حينٍ من الزَّمن تسلَّمت من مكتب الملحق الثقافي الرسالة رقم 1-1 683- 2974 وتاريخ 6-7- 1379هـ الموافق تاريخ 5- 1-1960م الموقعة من الملحق الثقافي، والمذيلة بتأشيرة من الأستاذ (إبراهيم القدهي). والرسالة منشورة بهذا التأبين برقم الوثيقة (2). ويقرأ نص الرسالة كالتالي:
المكرم/ الطالب محمد بن عبداللطيف الملحم
بعد التحية:
إشارة إلى خطابكم إلينا المؤرخ في 29-4-1379هـ والذي أعدتم إلينا برفقه الشيك المسلم إليكم من كلية الحقوق جامعة القاهرة والمسحوب على بنك مصر برقم – غ 219511 في 17- 10-1959م الممثل لمبلغ (18.500) التي أُعْفِيتُمْ منها نتيجةً لنجاحك بتفوق.. ونود الإحاطة أننا قد كتبنا عن ذلك لسعادة وكيل وزارة المعارف بخطابنا رقم 1-1-683- 884 في 7-5-79هـ، وتبلَّغنا إجابة سعادته بالمذكرة رقم 32-1-8-813 في 28-6-79هـ بمنح قيمة الشيك المذكور كمكافأة تشجيعية لك لنجاحكم بتفوق، وتقديراً لجهودكم التي بذلتموها، والمراقبة العامة للبعثات العلمية السعودية بمصر إذ تعيد إليكم الشيك – مدار البحث – برفق خطابنا هذا لترجو أن يكون في ذلك حافز لكم وعلى موالاة هذا التفوق والنجاح، متمنيةً لكم مستقبلاً سعيداً باهراً.. ولكم أَخْلَصُ تحياتنا لاطراد التقدم والتوفيق ودمتم.
ماذا كان يعني هذا التصرف الذي أجراه (أحمد المانع)؟ وبدون علمي. إنه علامة تشجيع، ولمسة أبوية من مربٍ هو في الموقع الذي كان فيه الرجل المناسب في المكان المناسب، وأكادُ أقطعُ بأن هذا التصرف ليس التصرف الوحيد الذي أجراه، وإنما هناك تصرفات نبيلة أجراها لصالح الكثير من زملائي ممن يستحقون الدعم والتشجيع والمساعدة آنذاك.
وأتذكر أن الأستاذ (أحمد) أقام حفلاً للطلاب على شرف صاحب السمو الملكي الأمير (فهد بن عبدالعزيز آل سعود) حينما كان خارج الحكم بمقر الملحقية بشارع 17 واصف بحي الأرومان بالدقي. وكان حفلا بهيجا، وقد قدمني الأستاذ (أحمد) لسموه باعتباري من الطلبة المتفوقين، وهذه لفتةٌ كريمةٌ أخرى من هذا الملحق النبيل الذي لا يستغرب منه ما يجريه ما دام ذا خلق كريم.
وبالنظر لعدم وجود ناد للطلاب بالقاهرة آنذاك يجتمعون فيه، ويتعرفون على بعضهم بعضا، كان من أوجه نشاط مكتب الملحقية في عهده قيام الطلاب برحلات إما في (نهر النيل) أو في (القناطر الخيرية). وهي رحلات لم تكتب عنها صحافتنا إلا نادرا وأعني بذلك جريدة (قريش) التي كانت تصدر (بمكة المكرمة) آنذاك حيث كانت تنوه عن هذه الرحلات من حين لآخر بواسطة الزميل أسامة السباعي الطالب بقسم الصحافة بكلية آداب جامعة القاهرة.
وخلال دراستي اعتادت شركة (أرامكو) حينما كانت (أمريكية الأصل والمحتد) إيفادَ فريق كل عام للقاهرة، وكان الفريق يتخذ له مكتباً بمقر الملحقية لمقابلة الطلاب بغرض تشغيل بعضهم في الشركة خلال فترة الصيف، وخلال فترة الصيف وقبل انتقالي للسنة الثانية بالكلية تقدمت بطلبٍ للفريق مبدياً رغبتي للعمل خلال فترة الصيف. بعثت الشركةُ لي بخطاب مؤرخ في 17 مارس 1959م الموافق 8 رمضان 1378هـ (صورة الخطاب مرفق بهذا التأبين، الوثيقة رقم 2) تعتذرُ فيه وتفيدُ بأنها توظف الطلبة الذين أنهوا دراسة السنة الثانية بالكليات فصاعداً. ومن باب الصدف أنني كنتُ بمكتب الملحق فأطلعته على صورة الخطاب، فوجدته ممتعضاً مما كان الفريق يجريه بمكتبه نتيجة معلومات كان تصله، ومنْ أن الفريق كان يحاولُ الحصول من الطلبة على معلومات من طبيعة أمنية وشخصية لا علاقة لها بموضوع التوظيف. طلب الأستاذ (أحمد) مني أن أعد له تقريراً عن ملاحظاتي. أعددت التقريرَ بخط يدي، وسلمته له دون أن أعلم عن مصيره، وما اتخذه حياله. وليس لدي صورة من التقرير، ولعله ضمنَ أوراق الأستاذ (أحمد) الشخصية، أو بأرشيف الملحقية، أو بإضبارات وزارة المعارف. وعند انتهاء آخر فصل دراسي لي بالكلية، وكان ذلك في أواخر عام 1382هـ الموافق وسط عام 1962م اتصل فريق الشركة بي حيث أجرى مقابلةً لي بالملحقية، وأبدى لي موافقة الشركة على تشغيلي ضمن البرنامج الصيفي لمدة ثلاثة أشهر في الصيف. التحقت بالبرنامج، وكان عملي بقسم القانون والأمن بمنطقة بقيق، ولم أمكث بالشركة إلا شهرا واحدا بعد إعلان نتائج التخرج في كلية الحقوق في شهر يونية عام 1962م الموافق شهر محرم عام 1382هـ لأسباب ليس هنا مكان شرحها.
وأعلنتْ نتائج الكلية، وكنتُ من الأوائل، وسلم الملحق الثقافي (بو عبدالله) لي نسخة من بيان بتوقيعه يتضمن قائمة بمن تخرج معي من كليتي حقوق القاهرة وعين شمس وهم الزملاء: عبدالله بن عبدالعزيز المنيفي- رحمه الله-، شفيق عبدالحكيم عثمان، مطلب بن عبدالله النفيسة، طارق عبدالرحمن مراد، وصلاح الحجيلان، وقبل تخرجنا، وباعتبارنا آنذاك بمثابة العملات النادرة تلقيت رسالة من الأستاذ (أحمد) برقم 1-9-1- 5108-2 وتاريخ 21-8- 1381هـ الموافق 27-1- 1962م. (صورة من الرسالة مرفق بهذا التأبين الوثيقة رقم 3). ويقرأ نص الرسالة كالتالي:
المكرم الطالب محمد بن عبداللطيف الملحم
بعد التحية:
كتب إلينا سعادة وكيل وزارة المعارف بخطابه رقم 21-1-23-552-1 وتاريخ 10-8-1381هـ مشيرا إلى صورة خطاب معالي وزير المعارف الموجه لسمو وزير الداخلية رقم 2- 6-21-2229 في 23-7- 1381هـ حول موافقة معاليه على طلب سموه تزويد وزارته بسبعة من خريجي كلية الحقوق هذا العام.. ورغب سعادته إبلاغكم بمراجعة وزارة الداخلية بعد تخرجكم المنتظر هذا العام- إن شاء الله-. نرجو ملاحظة ذلك مع تمنياتنا لكم بالتوفيق ودمتم.
ويبقى بعد ما استعرضته من حقائق أعلاه أن أتحدث الآن، وبإيجاز عن أستاذنا (أحمد المانع) لما تعرفتُ عليه شخصياً عن قرب.
تقلد أستاذنا (أحمد بن محمد بن عبدالعزيز المانع) قيادة الملحقية الثقافية بقاهرة المعز في نهايات السبعينيات وما تلاها من القرن الهجري الماضي، وذلك حينما كنت طالبا بكلية حقوق القاهرة. عرفته عن قرب، فوجدت فيه صفات ومناقب من أهمها الشهامة، والأريحية، وإنكار الذات، والتفاني في خدمة الطلاب الذين كانوا تحت ولايته.
أخجلني تواضعه، وطوق عنقي بفضله، وغمرني بمعروفه، وكيف لا! كان يعاملني. كما أثبت ذلك فيما سلف كما لو كنت أحد أبنائه. كان ذلك هو ديدنه. ولم يكن يفعل ذلك لي لوحدي، لقد كان يعتبر طلبته كما لو كانوا أولاده وإخوته.
يسعد لسعادتهم، ويتألم لو أخفق بعض منهم في دراسته. كان يحث على مواصلة العطاء العلمي، كما كان يمد العون بالجاه والشفاعة لمن يحتاج إليها منهم. ومن عاصروه يشهدون على ذلك.
كان أستاذنا (أحمد) بالإضافة إلى عمله كملحق يمارسُ أعمالاً يفوق ما يمارسه أي سفير. كان الوجه المشرق والواجهة المشرفة لبلاده في قاهرة المعز يَشْهَدُ على ذلك كُل من عاصره من طلبته أو من زار مصر من أصدقائه. وكان كل من يقابله لأول مرة يرتاح لرؤيته، ويتصور أنه يعرفه منذ عشرات السنين.
لقد كان، وللحقيقة والتاريخ، ملحقاً ثقافياً بامتياز. كما كان في تلك الأيام الخوالي الرجل المناسب في المكان المناسب.
والسؤال الذي يطرح نفسه لمن كانت هذه صفاته ومناقبه هو: لماذا لا نتعرف على خلفية هذا الرجل النبيل؟ أين عاش. وكيف تربى. وفي كَنَفِ مَنْ تعلمَ؟ حتى وصل إلى ما وصل إليه، وبحيث كان مشوار حياته مليئاً بالعطاء، وبأطياف الشفاعة، وبحيث كان الرجل الشهم، ذا المهمات الصعبة، يفعل كل ما يفعله برحابة صدرٍ، ومحيًا مشرقٍ، وتواضع جم، وسماحة خلق، ونبل عواطف، وابتسامة خفيفة لا تفارق ثغره. إن ما ذكرته بعضاً من سماتٍ لصيقة به، وحدِّث عن الكثير منها ولا حرج.
تربى أستاذنا (أحمد) في بيت علم فاكتسب من هذا البيت صفات النبل والشهامة والأريحية. وكان كما يقول المثل: (ابن الوز عوام). كان أبوه من عمالقة رجال التعليم في المملكة الذين ساهموا وأسهموا في بناء الجذور الأساسية للتعليم الحديث. تقلَّد والده رئاسة المديرية العامة للمعارف فأبلى فيها بلاءً حسناً. وأتذكرُ زيارته في أوائل السبعينيات من القرن الهجري الماضي لمدرسة الإحساء الثانوية الوحيدة التي كانت تحتل الطابق العلوي من (مدرسة الإحساء الابتدائية) التي كانت آنذاك أشبه بالجامعة (راجع كتابي كانت أشبه بالجامعة) وكان مدير المدرسة الثانوية الشيخ (محمد بن جنيدل) يرحمه الله بالوكالة عن أستاذنا (عبد المحسن بن حمد المنقور) الذي كان آنذاك في رحلة علاجية (بلبنان).. دخل الشيخ (محمد المانع) علينا في الفصل، وراجع معنا بعضاً من المسائل في الفقه والتوحيد. كان يرحمه الله يطرح الكثير من الأسئلة، كما كان يناقشنا في أدق المسائل مدعومة بالأدلة وبالحجج المقنعة.
مشى أستاذنا (أحمد) على خطى أبيه في حقل التربية والتعليم حتى أصبح مرجعاً يعتدُّ به في العلوم الدينية والعربية.
ولقد توج جهاده في سبيل التربية والتعليم واكتساب العلم والمعرفة بقيادة الملحقية الثقافية بالقاهرة، في زمن، أقول في زمن، كانت توجُّهات البعثات العلمية السعودية للتعليم العالي فيه إلى القاهرة، فأدَّى (بوعبدالله) الأمانة فكان في عمله القوي الأمين.
وكنتُ خلال توقفي بالقاهرة أثناء دراستي بالولايات المتحدة الأمريكية وبعدها أزوره بمنْزله بحي الأورمان بالدقي فأجدُ عنده من حسن الوفادة والكرم ما أعجز عن وصفه.
كان أستاذنا من رجال العلم الذين يحرصون على اقتناء الكتب وقراءتها، كما كان يوزع الكثير من كتب العلم الديني التي كانت تطبع في دولة (قطر) آنذاك.
وبعد عودته مع أسرته للمملكة، واستقراره بالرياض حاولتُ ذات مرة زيارته إلاَّ أنه قيل لي من بعض عارفيه إن زيارته صعبة بعد أن أقعده المرض.
وقبل أن أختم هذا التأبين من المهم التنويه عن تأبين حبَّره قلم أخينا الكبير الأستاذ (إبراهيم القدهي) الذي عاصر الأستاذ (أحمد) عن قرب. عمل الأستاذ (القدهي) بمكتب الملحقية الثقافية حيث كان أكثر العارفين بأحوالها. كما كان عمله داخل كواليس الملحقية حيث كان محل ثقة رئيسها، ولا ينبئك مثل خبير:
يقول الأستاذ (القدهي) عن أستاذنا (أحمد):
(ماذا أقول، وبم أصفه يرحمه الله.. فقد وُصِفَ بأنه سفير الابتعاث.. وصاحب القلم الكبير، والعاطفة النبيلة، والثقافة الواسعة.. الفقيد الغالي.. معلم عاقل وعقل عالم.. كبيرٌ غاب، وعاش عفيفاً، ومات شريفاً.. موسوعة ثقافية.. (كان) الملحق الثقافي المثالي، وعميد الملحقين الثقافيين.. الفقيد الغالي لم يكن بالنسبة لي مجرد رئيس سَعِدْتُ بالعمل معه عشرات السنوات كسكرتير للمكتب.. لم أسمعه يوماً يغتاب أحداً، أو يعيب على أحد أو يعتب.. حتى من قصرَّ بزيارته أثناء مرضه الذي امتد لسنوات، فمن أتى لزيارته رحَّب به، ومن غاب عذره. كان يرحمه الله موسوعة علمية ثقافية لا يمل جليسه من الاستفادة والاستمتاع، وكان تاريخاً متنقلاً.. لا يمكن أن تحس في مجلسه بالتعالي أو الغرور.. فكان متواضعاً، كريم النفس واليد واللسان، سمح الخلق، ونبيل العواطف، طيَّب السجايا، كريم الشمائل). انتهى.
وفي الختام إنني لأتمنَّى على أبنائه أن يتأملوا أوراقه التي خلَّفها وراءه ليسجِّلوها في كتاب سيرةٍ لهذا الرجل الطيب الذكر وذلك لكي يتذكَّره مَنْ بقيَ على قيد الحياة من الطلاب الذين أشرف على دراساتهم، وليستفيد من سيرته أبناء هؤلاء الطلاب من جيلنا المعاصر.
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أبناءه وأهل بيته الصبر والسلوان، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.


الناشر: جريدة الجزيرة

– العدد: 12675

تاريخ النشر: 12/06/2007م

الرابط للمصدر

الذكر الله يعلق على اللقاء الاول لخريجي مدرسة الأحساء الاولى بكونه تاريخا حافلا بالعلم

لقاء الرعيل الأول لخريجي مدرسة الأحساءالأولى يعيد للذاكرة تاريخا حافلا بالعلم والأدب والمعرفة
الملحم : الماضي والحاضر والمستقبل حلقات ثلاث تتداخل ولا تنفصل
عادل الذكرالله -عبداللطيف المحيسن – الاحساء( تصوير يوسف نجاد- ابرهيم السقوفي)
الاجتماع السنوي للمتخرجين من مدرسة الاحساء الاولى
عقد الرعيل الأول من خريجي مدرسة الهفوف الثانوية الأولى لقاءهم السنوي الخامس بفندق انتركونتننتال الاحساء ظهر امس الخميس باستضافة رجل الاعمال المعروف واحد خريجي المدرسة عمران بن محمد العمران وكان في استقبال الحضور وسط حضور متميز من طلاب الرعيل الاول ، حيث تبادلوا ذكرياتهم ومواقفهم خلال الدراسة في السابق ونشاطاتهم المختلفة مع الزملاء والاصدقاء اباء وابناء. وكان اللقاء قد بدأ بآيات من الذكر الحكيم تلاها الطالب راغب عبدالله السعد ثم القى معالي وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق الدكتور محمد بن عبداللطيف ال ملحم كلمة قال فيها : « وصل الماضي ايها الرعيل الاول بالحاضر مهمة صعبة واصعب منها وصل الماضي بالمستقبل وهل من الممكن ان يتم ذلك الوصل عبر الحاضر بما يمثله من زخم وحيوية ومتاهات لاحدود لها ، الماضي والحاضر والمستقبل ، حلقات ثلاث بعضها يكمل البعض الاخر ونحن الرعيل الاول جيل الحاضر , ما هو الدور المطلوب منا عمله حتى نفعل عملية الوصل والتواصل بين جيل مضى وجيل ابائنا بكل مايمثله من ايجابيات وسلبيات ، والجيل الحاضر هو جيلنا الذي نمثله وما يزخر به من زخم وحيويه ومتاهات لاحدود لها ، وجيل المستقبل وهو جيل ابنائنا واحفادنا وهو الجيل الذي يحتاج الى رؤية مستندة على تجارب الماضي وتفاعلات الحاضر ، أليس من واجبنا ونحن نمثل جيل الحاضر ومن باب الوفاء لجيل الماضي ان ننقل لجيل المستقبل احوال الحياة وقيمها التي عاشها وتعايش معها جيل الماضي جيل الاباء والاجداد ، فاستمرارية التواصل تقتضي من الجيل الحاضر ان ينخرط في عملية من طبيعة تأسيسية تتسم بالثبات لربط الحلقات الثلاث _ الماضي والحاضر والمستقبل بعضها ببعض . وقلت بمناسبة اللقاء الرابع لهذا الرعيل في العام الماضي ويلتقي الصحب من جديد انهم طلبة الامس ورجال اليوم والغد في جو بهيج ملؤه الحب والسرور في بلدة هجر ( الواحة الخضراء ذات الخير والعطاء ) في البلدة ذات التاريخ المجيد التي عاصرت حضارات وثقافات قبل الاسلام وبعده ، وقلت لكن لماذا هذا التجمع انه لتجديد ذكريات الامس العقبه التي ظلت ولا تزال عالقة بأذهانهم مهما تغيرت الاحوال وتعاقب الليل والنهار تجديد ذكرى مدرسة يحنو عليها وهو اشبه بحنان الام على طفلها وحتى لا اكون في سفن الهوى تجري بي في عالم من الخيالات والمتاهات والمعوقات ومملوءا من جهة اخرى بالتفاعل والحيوية واطياف النشاط رأيت انه من المهم ان اتحدث من امام هذا الرعيل عن حقيقة ذات وجهين الوجه الاول ايجابي ويتمثل هذا الوجه في هذا التجمع الذي لايزال صامدا سنة بعد اخرى منذ ان اعلن عن تجمعه الأول لأول مرة في مزرعة الطالب سعد الحسين منذ اربع سنوات ، والوجه السلبي ويتمثل في الاعلان بعد حين وان كنت آمل ان لايحدث ذلك عن اقامة محفل اخير يتم فيه تأبين هذا التجمع ووضع نهاية له وذلك لاسباب منها ولعل من اهمها ان هذا التجمع قد ابتعد عن اساس وجوده فهو يلتقي الان في مكان بعيد عن المكان الذي وضع فيه العلم وهو مبنى مدرسة الهفوف الاولى الذي كان من المفروض من هذا التجمع ان يكون حاضرا بين جدرانها وفي قاعاتها يرصد احوالها ذات الماضي العريق ويضيف اليها امجادا جديدة ، كنت دعوت منذ سنتين عن تأسيس لجنة تسمى ( رابطة خريجي مدرسة الهفوف الاولى ابتدائي متوسط ثانوي واعلنت ميثاقها امام تجمع الرعيل في لقائه الرابع في هذه القاعة لتتحمل هذه الرابطة مسؤولية التواصل ونشر ميثاق الرابطة بجريدة اليوم العدد رقم 11662 وتاريخ 12/ ربيع الاول/1426هـ ماكنت اتصور ان مجرد الحديث عن هذه اللجنة وميثاقها ليس الا حلما عابرا او كان بمثابة كلام الليل يمحوه النهار والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لاتفعل هذه الرابطة اذا كان هدف الوصل والتواصل قائما في اذهان هذا الرعيل لماذا يكتفي هذا الرعيل عند تجمعه بلقاء عابر خلال ساعات تتبادل فيه التحيات ويتناول فيه الطعام والمرطبات وما اقترحته بخصوص هذه الرابطة ليس بالجديد فلها مثيل في الفترة التي كانت فيها مدرسة الهفوف الاولى منذ مايزيد على نصف قرن كان هناك بالرياض مدرسة الامراء التي تحولت فيما بعد لتكون معهد انجال بقيادة الاستاذ المربي عثمان بن ناصر الصالح وقد عاصرت المعهد شخصيا حينما كنت طالبا بمدرسة الرياض الثانويةالوحيدة انذاك كما نوهت عن ذلك في كتابي ( كانت اشبه بالجامعة ) ومن ثم ليتحول معهدالانجال الى معهد العاصمة النموذجي هذا المعهد له الآن رابطة موثقة كما اخبرني سعادة الاستاذ الدكتور ابراهيم محمد القريشي ويرأس الرابطة خريج المعهد الطالب صاحب السمو الملكي الأمير احمد بن عبدالعزيز نائب وزير الداخلية ورئيس مجلس ادارة خريجي معهد العاصمة النموذجي ، وبالمناسبة فإن للمعهد مناسبة هامة بالامس حضرها سمو الامير احمد رئيس الرابطة ، دعوني احدثكم وفي عجالة عن طيف من اطياف الماضي الذي عشنا فيه حينما كنا فيه في عمر الزهور نتلقى العلم وهي احوال عاشها وتعايش معها اباؤنا جيل الماضي الجيل الذي تعايش مع احوال الفقر الغرض من هذا الطيف تذكير ابنائنا جيل الطفرات المعاصرة بما كنا عليه في الايام الخوالي ، زار مدرسة الاحساء الثانوية الوحيدة المنبثقة من مدرسة الاحساء الابتدائية التاريخية التي كانت اشبه بالجامعه في عام 1375هـ أي منذ ثلاث وخمسين عاما أي اكثر من نصف قرن سعادة وكيل وزارة المعارف انذاك معالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله ال الشيخ ، واقيم له في ساحة المدرسة الابتدائية التاريخية حفل بهيج مشهود حضره اعيان الاحساء واباء الطلاب والطلاب وباسم المدرسة التي لم تكن ثانوية بل كانت مدرسة متوسطة وحيدة القيت كلمة تناولت فيها احوال مدرستنا وهي في حقيقة الامر احوالنا حينما كنا على مقاعد الدرس وتعتبر هذه الكلمة وثيقة تاريخية تكشف تلك الاحوال على حقيقتها وكان مما جاء في الكلمة ما يلي : « ياصاحب الفضيلة الان سأتحدث لفضيلتكم عن ثلاثة مطالب ارجو منكم تحقيقها لنا فأولها الكتب الدراسية التي لاتزال مشكلتنا المستمرة المشكلة التي لاقينا منها المشاق ولا يخفى على فضيلتكم ما للكتب من اثر فهى تشجعنا على مواصلة الجهود في الدراسة والمذاكرة والتحصيل ، لكن الحصول على هذه الكتب مشكلة صعبة بالنسبة لنا نحن الطلاب وتأمينها سهل بالنسبة لكم ، فاننا بانتطارها بفارغ الصبر في مطلع عامنا الدراسي الجديد ، وان أملنا وطيد في اجابة طلبنا ياصاحب الفضيلة ان تجهيز المعمل مطلبنا الثاني وهو لايقل اهمية عن الكتب ولقد شق طريقه وبرهن على وجوده في شكله ومظهره فقط في هذا العام اما مخبره فلا وانه يحتاج الى مواد خام والى وقود وان ذلك يعتبر بالنسبة له غذاءه اللازم الذي لايستطيع ان يؤدي رسالته الا به ، وان اخواني طلاب المدرسة الثانوية اعني المدرسة المتوسطة ليرفعون الى فضيلتكم شكواهم من المتاعب التي يلاقونها لعدم وجود معمل كامل في مظهره ومخبره يتمشى مع الدروس جنبا الى جنب في الدراسة العلمية ، ياصاحب الفضيلة لاحدثكم بعد عن وسيلة تافهة وحتى الان لو تأخذ مجراها الطبيعي انها مشكلة المكافأة انها عرجاء مريضة انهاتتعثر في طريقها حقا انها وسيله امام الحياة وغايتها وانني ارجو ان تأخذ طريقها حتى لاتصبح عند اصحابها غاية ولكي لاتؤثر في مصيرهم ولاتعرقل همهم وما دامت المكافأة وسيلة وهذا عملها في الحياة فلم لا تكون وسيلة حقا حتى لا يدرج الطلاب بناة المستقبل الى اهدافهم وغايتهم هذا مانوهت عنه من بين امور اخرى امام سعادة وكيل الوزارة انذاك وارغب ان يعلم ابناؤنا واحفادنا جيل المستقبل كيف كنا في مدرسة نتلقى العلم بها وهي مدرسة كانت تفتقر الى الكتب المدرسية مع وجود معمل بها ولكنه كان بمثابة هيكل خشبي كان في شكل معمل ولكنه كان مفرغا من كل شيئ ومدرستنا التي كانت سبب تجمعنا في أيامنا المعاصرة وفي هذا اليوم بالذات قلت عنها بأنها مشهد ملذات وموطن ذكريات ومطامع انظار ومسارح افكار ومعارج همم ومصدر ازعاج ومنتدى سمار وبالفعل كانت كذلك وتبقى نقطتان هامتان لابد من الاشارة اليهما في هذه الكلمة النقطة الاولى وتتعلق برجل رحل عنا في العام الماضي كان رمزا من رموز مدرسة الهفوف الاولى التاريخية الا وهو الاستاذ عبدالمحسن بن حمد المنقور . والمنقور غني عن التعريف عندكم عرفت هذا المعلم عن قرب كما عرفتموه كان ذا طلعة بهية وكان طلق اللسان ومحدثا لبقا يأسر سامعيه اذا تكلم بل ويشدهم اليه كان وقورا بشوشا مهابا وكان ذا بصر لماح كنت الاحظ ذلك فيه رغم صغر سني اما طلبة المدرسة وانا منهم فكانوا يحترمونه بل يهابونه وينفذون توجيهاته كان يبتسم له في حاله الرضا وكان يتجهم بوجهه امامهم عند اللزوم كان قويا ولكنه لايعرف القسوة وكان متواضعا ولكن دون ضعف كان يستعمل العصا للتأديب عند اللزوم كان انيقا في لبسه وكان احيانا يستعمل معطفا اخضر فوق ثوبه وتميز به انذاك عند اللزوم احب الاحساء واهلها حبا جما منذ ان غادر حوطة سدير مسقط رأسه شابا في مقتبل عمره وكيف لا وقد عاش فيها ووضع العلم على ترابها واكتفى بمقتطفات تحدث بها بعض اترابه واولهم استاذي عبدالله عبدالرحمن الباز الذي قال لي عنه انه كان متفانيا في خدمة التعليم وانه كان محبا للاحساء واهلها وانه كان كريما كما كان وفيا مع اصدقائه ومحبيه اما استاذي محمد عبدالهادي العبدالهادي احد طلبة المنقور فقال عنه كنت التقي به يوميا تقريبا عندما كنت متواجدا في لبنان في مهمات معمل للمدارس التي بنتها ارامكو في المنطقة أو خلال تدريبي في الجامعة الامريكية ببيروت ولا أغالي إذا قلت أنني لا أجد مقعدا في المكتبة المكتظة بالزائرين وأصحاب الحاجات أحيانا لقد كان رحمه الله والقول للاستاذ العبدالهادي لا يملك شيئا من وقته لنفسه فهو إما مستقبلا او مودعا او مضيفا او مشغولا بقضاء حاجات المحتاجين الذين لا يجدبعضهم غضاضة في الاستعانة به بعدالله في قضائها دون معونة سعادته اضافة الى مهمات عمله الرسمي فلقد كان مرهقا وبشكل يدعو للشفقة واجدني صادقا إذا قلت ان شخصيته اكثر بريقا لدى السعوديين واللبنانيين من بعض السفراء العرب هناك .مواقف طريفةوالنقطة الثانية تتعلق براعي هذا اللقاء زميل الدرب الطالب الصديق ورجل الاعمال الناجح الاخ عمران بن محمد بن عبدالرحمن العمران . وشهادتي في بو محمد مجروحة ومع ذلك فانني ساترك لخواطري عنها لتتحدث عن هذا الزميل فهو منذ عرفتة وهو دمث الاخلاق ترتاح لحديثة واذا تعرفت عليه لاول مرة يتخيل لك انك تعرفه منذ مدة طويلة ويحب مداعبة اصحابه لايحمل في نفسة حقدا وصاحب فزعة ، ولي مع عمران مواقف طريفة حينما كنا زملاء في ثانوية الاحساء ، ومن هذه المواقف اني كنت في صراع محتدم معه فيما يتعلق بانشاء قسم ادبي في السنة الرابعة الثانوية نظام قديم فانتصر علي وبموعونة بعض الزملاء الذين انحازوا الى جانبه ولم يفتتح القسم الادبي الذي كان يتكون في البداية انذاك من ثلاثة طلاب انا واحد منهم ورغم انتصاره وانضمامه للقسم العلمي لم تكن الدراسة العلمية سبيلا له في مشوار حياته والسر انه كان ذا مواهب ادبية ولكنه لم يوظفها ومن يطلع على الوان النشاط المدرسي لمدرستنا الاعدادية الصادر عام 1375 هجرية يجد له دراسة ادبية جادة تحت مسمى رسالة الغفران لابي العلاء المعري واعتبره استاذنا عبدالله الباز في مقالته الحياة الفكرية والادبية في الاحساء المنشور في الوان من النشاط المدرسي من الطلبة الموهوبين ادبيا قال استاذنا عبدالله الباز ما نصه « ومن طلاب المدرسة الثانوية الذين سيكون لهم مستقبل ادبي لامع ان شاء الله راشد بن عبدالعزيز المبارك ومحمد بن عبداللطيف الملحم وعمران العمران وبدلا من ان يصبح الزميل العمران اديبا لامعا او طبيبا ناجحا او كيميا ئيا لامعا اصبح من كبار رجال المال والاعمال وفي المحصلة النهائية من انتصر في ذلك الصراع واخيرا اشكر الزميل العمران في رعاية هذا الحفل الذي جمع فيه الصحب والأحبابدعوات جماعيةبعد ذلك جاءت كلمة محمد بن عبدالله ابوعائشة طالب من خلاها بالحاح على استضافة اللقاء القادم لعام 2008 من قبل مجموعة الدمام بدلا من الاستاذ ابراهيم الطوق وقال في كلمته اننا نجل الدعوات الفردية الا اننا نرى ان تكون الدعوة جماعية لكي يشعر كل عضو بانه مساهم في اللقاء وانه الداعي وليس المدعو مقدما عددا من الاقتراحات ومن بينها تفعيل الرابطة والتي قدمها الدكتور محمد الملحم بعقد اجتماع سنوي وتكريم رجال التعليم ممن لهم بصمات راسخة على مسيرة التعليم في المنطقة بحيث يشمل التكريم ممن رحلوا عنا الى الدار الاخرة ورفع توصيات الى مدير تعليم الاحساء للبنين احمد بالغنيم باطلاق اسماء رجال التعليم بعد تجديد مبانيها تخليدا لذكراهم ومنهم حمد محمد النعيم مؤسس مدرسة النجاح والاستاذ محمد النحاس والمرحوم عبدالعزيز منصور التركي واستحداث صندوق لدعم اللقاءات السنوية يتكفل بتمويله للدارسين والخريجين عن طريق اشتركات سنوية وتبرعات تساهم في مساعدة المحتاجين من الزملاء حيث تم في الدمام انشاء صندوق لهذا الغرض ثم كلمة للدكتور على العبدالقادر قدم من خلاها الشكر لمستضيف اللقاء رجل الاعمال عمران العمران وللحضور .تاريخ التعليمثم كلمة للاستاذ محمد العمر اشاد من خلالها بتاريخ التعليم في الاحساء والدور الكبير الذي قام به محمد النحاس رحمه الله وجهوده في هذا الاطار وادخاله التعليم النظامي في عام 1356 هجرية ثم قصيدة للشاعر عامر بن عبدالله العامر وقصيدة للشاعر المعروف عبداللطيف السليم ثم قصيدة للشاعر عبدالله بن نادر النادر وقصيدة للشاعر ابراهيم بن هاشم السالم ثم اختتم اللقاء بتناول الجميع طعام الغذاء بهذه المناسبة .
لقطات من اللقاءاستقبل رجل الاعمال عمران العمران الحضور بحفاوة حيث لم يجلس طوال الحفل وقد تجول بين رفاقة هنا وهناك مرحبا بهم وسط ابتسامات واحاديث سريعة وسط تنظيم واعداد متميز باشراف منسق الحفل فهد بن محمد السلطان.حرص جميع الزملاء الاعلاميين على تغطية هذا الحدث الذي كان متميزا في روح الاخاء والمحبة من قبل طلاب الرعيل الأول.الزميل رئيس التحرير محمد الوعيل حرص على حضور اللقاء.ا تفق الجميع على ان يكون اللقاء السادس في السنة القادمة 2008 م باذن الله مستضيفا الاستاذ ابراهيم بن عبدالله الطوق.تمت طباعة كتاب (المدرسة الثانوية بالاحساء) بطباعة متميزة وتقدم الوانا من النشاط المدرسي في عامها الدراسي 1375هـ وتم اهداء نسخ من هذا الكتاب لجميع الحضور حيث حرص الجميع على تصفح الكتاب.حرص الكثير من المشاركين على مشاركة ابنائهم في الحفل.الشيخ عبدالرحمن الحواس شارك في اللقاء على عربة متحركة حيث حرص الجميع على السلام عليه وتبادل الاحاديث الودية.تعتبر كلمة معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم اطول كلمة في اللقاء حيث استغرقت 25 دقيقة وقد تفاعل الحضور معها

 

الكلمة التي ألقاها معالي وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق الدكتور/محمد بن عبداللطيف آل ملحم في اللقاء الخامس للرعيل الأول من خريجي مدرسة الأحساء الأولى [ابتدائي ـ إعدادي ـ ثانوني] في فندق الأحساء انتركونتننتال بتاريخ 18/2/1428هـ الموافق 8/مارس/2007م
وصلُ الماضي، أيها الرعيل الأول، بالحاضر مهمةٌ صعبةٌ، وأصعبُ منها وصلُ الماضي بالمستقبل. وهل من الممكن أن يتم ذلك الوصل عبر الحاضر بما يمثله من زخم وحيوية ومتاهات لا حدود لها؟الماضي والحاضر والمستقبل حلقات ثلاث بعضها يكمل البعض الآخر. ونحن الرعيل الأول جيل الحاضر، ما هو الدور المطلوب منا عمله حتى نُفَعِّلَ عملية الوصل والتواصل بين جيل مضى وهو جيل آبائنا بكل ما يمثله من إيجابيات وسلبيات، والجيل الحاضر وهو جيلنا الذي نمثله وما يزخر به من زخم وحيوية ومتاهات لا حدود لها، وجيل المستقبل وهو جيل أبنائنا وأحفادنا، وهو الجيل الذي يحتاج إلى رؤية مستندة على تجارب الماضي وتفاعلات الحاضر. أليس من واجبنا ونحن نمثل جيل الحاضر، ومن باب الوفاء لجيل الماضي، أن ننقل لجيل المستقبل أحوال الحياة وقيمها التي عاشها وتعايش معها جيل الماضي جيل الآباء والأجداد.استمرارية التواصل تقتضي من الجيل الحاضر أن ينخرط في عمليةٍ من طبيعيةٍ تأسيسيةٍ تتسم بالثبات لربط الحلقات الثلاث ـ الماضي والحاضر والمستقبل ـ بعضها ببعض.وقلتُ بمناسبة اللقاء الرابع لهذا الرعيل في العام الماضي: ويلتقي الصحب من جديد. إنهم طلبة الأمس، ورجال اليوم والغد، في جو بهيجٍ ملؤهُ الحبور والسرور في بلدة “هجر” الواحة الخضراء ذات الخير والعطاء. في البلدة ذات التاريخ المجيد التي عاصرت حضارات وثقافات قبل الإسلام وبعده. وقلت: لكن لماذا هذا التجمع؟ إنه لتجديد ذكريات الأمس العبقة التي ظلت ولاتزال عالقةً بأذهانهم مهما تغيرت الأحوال، وتعاقب الليل والنهار. تجديدُ ذكرى مدرسة يحنُون عليها وهو أشبه بحنان الأم على طفلها. وحتى لا أكون في سفن الهوى تجري بي في عالمٍ من الخيالات والمتاهات، ولكي أكون برقماتيًا عائشًا في عالمٍ مملوءٍ، من جهةٍ، بالشوك والعقبات والمعوقات، ومملوء، من جهةٍ أخرى، بالتفاعل والحيوية وأطياف النشاط رأيتُ أنه من المهم أن أتحدث هنا أمام هذا الرعيل عن حقيقةٍ ذات وجهين: الوجه الأول إيجابي، ويتثمل هذا الوجه في هذا التجمع الذي لا يزال صامدًا سنة بعد أخرى منذ أن أُعْلِنَ عن تجمعه الأول ـ لأول مرة ـ في مزرعة الطالب “سعد الحسين” منذ أربع سنوات. والوجه السلبي، ويتمثلُ في الإعلان بعد حين، وإن كنتُ آمل أن لا يحدث ذلك، عن إقامةِ محفلٍ أخير يَتِمُّ فيه تأبين هذا التجمع، ووضع نهاية له، وذلك لأسباب منها، ولعل من أهمها، أن هذا التجمع قد ابتعد عن أساس وجوده. فهو يلتقي الآن في مكانٍ بعيدٍ عن المكان الذي رَضَعَ فيه العلم. وهو المكان ـ مبنى مدرسة الهفوف الأولى ـ الذي كان من المفروض من هذا التجمع أن يكون حاضرًا بين جدرانها وفي قاعاتها يرصد أحوالها ذات الماضي العريق، ويُضيفُ إليها أمجادًا جديدة من عنديَّاته. كنتُ دعوتُ منذ سَنتَين عن تأسيس لجنة تسمى (رابطة خريجي مدرسة الهفوف الأولى ـ ابتدائي، متوسط، ثانوني ـ، وأعلنتُ ميثاقها أمام تجمع الرعيل في لقائه الرابع في هذه القاعة، لتتحمل هذه الرابطة مسئولية التواصل، وَنُشِرَ ميثاق الرابطة بجريدة “اليوم”، العدد رقم 11662 وتاريخ 12 ربيع الآخر 1426هـ. ما كنتُ أتصورُ أن مجرد الحديث عن هذه اللجنة وميثاقها ليس إلاَّ حلمًا عابرًا، أو كان بمثابة كلام الليل يمحوه النهار. والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لا تُفَعَّلُ هذه الرابطة إذا كان هدف الوصل والتواصل قائمًا في أذهان هذا الرعيل؟ لماذا يكتفِي هذا الرعيل عند تجمعه بلقاء عابر خلال ساعات تُتَبَادَلُ فيه التحيات، ويُتناولُ فيه الطعام والمرطبات.وما اقترحته بخصوص هذه الرابطة ليس بالجديد فلها مثيل. في الفترة التي كانت فيها “مدرسة الهفوف الأولى” متألقةً منذ ما يزيد على نصف قرن كان هناك بالرياض “مدرسة الأمراء” التي تحوَّلت فيما بعد لتكون “معهد أنجال” بقيادة الأستاذ المربي “عثمان بن ناصر الصالح”، وقد عاصرتُ المعهد شخصيًا حينما كنتُ طالبًا “بمدرسة الرياض الثانوية” الوحيدة آنذاك كما نوَّهتُ عن ذلك في كتابي “كانت أشبه بالجامعة”، ومن ثم ليتحوَّل معهد الأنجال” إلى “معهد العاصمة النموذجي”. هذا المعهد له الآن رابطةٌ موثقةٌ كما أخبرني سعادة الأستاذ الدكتور”ابراهيم بن محمد القريشي”. ويرأس الرابطة خريج المعهد الطالب صاحب السمو الملكي الأمير “أحمد بن عبدالعزيز” نائب وزير الداخلية ورئيس مجلس إدارة خريجي “معهد العاصمة النموذجي”. ومن باب الصدف أن للمعهد مناسبة هامة بالأمس حَضَرَهَا سمو الأمير “أحمد” رئيس الرابطة.(1) دعوني أحدثكم، وفي عجالة، عن طيفٍ من أطيافِ أحوال الماضي الذي عشنا فيه حينما كنا فيه في عمر الزهور نتلقى العلم، وهي أحوالٌ عاشها وتعايش معها آباؤنا جيل الماضي، الجيل الذي تعايش مع أحوال الفقر والعوز. والغرض من هذا الطَّيف تذكيرُ أبنائنا جيلُ الطفرات المعاصرة بما كُنَّا عليه في الأيَّام الخوالي حيث لا طفرات ولا يحزنون!زار مدرسة الأحساء الثانوية الوحيدة المنبثقة من مدرسة الأحساء الابتدائية التاريخية التي كانت أشبه بالجامعة في عام 1375هـ أي منذ ثلاثة وخمسون عامًا أي أكثر من نصف قرن سعادة وكيل وزارة المعارف آنذاك معالي الشيخ “عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ”، وأُقيمَ له في ساحة المدرسة الابتدائية التاريخية حفلاً بهيجًا مشهودًا حضره أعيان الأحساء، وآباء الطلاب، والطلاب. وباسم طلاب المدرسة التي لم تكن ثانوية بل كانت مدرسةً متوسطة وحيدة ألقيتُ كلمةً تناولتُ فيها أحوال مدرستنا، وهي في حقيقة الأمر أحوالنا حينما كنا على مقاعد الدرس، وتعتبر هذه الكلمة وثيقةً تاريخيةً تكشف تلك الأحوال على حقيقتها: وكان مما جاء في الكلمة بالحرف الواحد ما يلي:يا صاحب الفضيلة: والآن سأتحدثُ لفضيلتكم عن ثلاث مطالب أرجو منكم تحقيقها لنا. فأولها الكتب الدراسية التي لا تزال مشكلتنا المستمرة. المشكلة التي لاقينا منها المشاق. ولا يخفى على فضيلتكم ما للكتب من أثر فإنها تشجعنا على مواصلة الجهود في الدراسة والمذاكرة والتحصيل. إن الكتب مشكلةٌ صعبةٌ بالنسبة لنا نحن الطلاب. وتأمينها سهل بالنسبة لكم. فإننا في انتظارها بفارق الصبر في مطلع عامنا الدراسي الجديد، وإن أملنا وطيد في إجابة طلبنا.يا صاحب الفضيلة. إن تجهيز المعمل هو مطلبنا الثاني، وهو لا يقل أهمية عن الكتب، ولقد شق طريقه وبرهن على وجوده في شكله ومظهره فقط في هذا العام. أما مخبره فلا. وإنه يحتاج إلى مواد خام، وإلى وقود، وإن ذلك يعتبر بالنسبة له غذاءه اللازم الذي لا بيستطيع أن يؤدي رسالته إلاَّ به، وإن إخواني طلاب المدرسة الثانوية [أعني المدرسة المتوسطة]ليرفعو إلى فضيلتكم شكواهم من المتاعب التي يلاقونها لعدم وجود معمل كامل في مظهره ومخبره يتمشى مع الدروس جنبًا إلى جنب في الدراسة العلمية.يا صاحب الفضيلة. لأحدثك بَعْدُ عن وسيلةٍ تافهةٍ وحتى الآن لم تأخذ مجراها الطبيعي. إنها مشكلة المكآفأة. إنها عرجاء، إنها مريضة, إنها تتعثر في طريقها. حقًا أنها وسيلة أمام الحياة وغاياتها، وإنني أرجو أن تأخذ طريقها حتى لا تصبح عند أصحابها غاية، ولكي لا تؤثر في مصيرهم ولا تعرقل هممهم. وما دامت المكآفأة وسيلة وهذا عملها في الحياة، فلم لا تكون وسيلة حقًا حتى يَدْرُجَ الطلاب ـ بناة المستقبل ـ إلى أهدافهم وغاياتهم.هذا ما نوَّهت عنه، من بين أمور أخرى، أمام سعادة وكيل الوزارة آنذاك، وأرغبُ أن يعلم أبناءها وأحفادنا جيل المستقبل كيف كنا في مدرسة نتلقى العلم بها، وهي مدرسة كانت تفتقر إلى الكتب المدرسية مع وجود معمل بها ولكنه كان بمثابة هيكل خشبي، كان في شكل معمل ولكنه كان مفرغًا من كل شيء، ناهيك عن طلاب المدرسة الذين كان أغلب آبائهم في حالة عوز.ومدرستنا التي كانت سبب تجمعنا في أيامنا المعاصرة وفي هذا اليوم بالذت قلت عنها: بأنها مشهدُ ملذات، وموطنُ ذكريات، ومطامحُ أنظار، ومسارحُ أفكار، ومعارجُ همم، ومصدرُ إشعاع، ومنتدى سمار. وبالفعل كانت كذلك.وتبقى نقطتان هامتان لا بد من الإشارة إليهما في هذه الكلمة:النقطة الأولى، وتتعلق برجل رَحَلَ عنَّا في العام الماضي. كان رمزًا من رموز مدرسة الهفوف الأولى التاريخية، أَلاَ وهو الأستاذ “عبدالمحسن بن حمد المنقور”. والمنقور غنيٌ عن التعريف عندكم. عرفتُ هذا المعلم عن قرب كما عرفتموه. كان ذا طلعة بهية، وكان طلق اللسان، ومحدثًا لبقًا يأسر سامعيه إذا تكلم، بل ويشدهم إليه. كان وقورًا، بشوشًا، مهابًا، وكان ذا بصر لماح، كنت أُلاحظُ ذلك فيه رغم صغر سني. أما طلبة المدرسة، وأنا منهم، فكانوا يحترمونه، بل يهابونه وينفذون توجيهاته. كان يبتسم لهم في حالة الرضا، وكان يتجهم بوجهه أمامهم عند اللزوم. كان قويًّا ولكنه لا يعرف القسوة، وكان متواضعًا ولكن دون ضعف، كان يستعمل العصا للتأديب عند اللزوم، كان أنيقًا في لباسه، وكان يستعمل أحيانًا معطفًا أخضر فوق ثوبه، وتميز به آنذاك عند اللزوم. أحبَّ الأحساء وأهلها حبًا جمًا منذ أن غادر “حوطة سدير” مسقط رأسه شابًا في مقتبل عمره. وكف لا؟ وقد عاش فيها، ورضع العلم على ترابها. وأكتفي بمقتطفات تحدث بها عنه بعض أترابه. وأولهما أستاذي “عبدالله بن عبدالرحمن الباز” الذي قال لي عنه: أنه كان متفانيًا في خدمة التعليم، وأنه كان محبًا للأحساء وأهلها، وأنه كان كريما، كما كان وفيًا مع أصدقائه ومحبيه. أما أستاذي “محمد بن عبدالهادي العبدالهادي” أحد طلبة “المنقور” فقال عنه: كنتُ ألتقي به يوميًا تقريبًا عندما كنت متواجدًا في لبنان في مهمات عمل للمدارس التي بنتها أرامكو في المنطقة، أو خلال تدريبي في الجامعة الأمريكية ببيروت، أو سائحًا، ولا أغالي إذا قلت أنني لا أجد مقعدًا في مكتبه المكتظ بالزائرين وأصحاب الحاجات أحيانًا. لقد كان، رحمه الله، والقول للأستاذ “العبدالهادي”، لا يملك شيئًا من وقته لنفسه، فهو إما مستقبلاً أو مودعًا أو مُضَيِّفًا أو مشغولاً بقضاء حاجات المحتاجين الذين لا يجد بعضهم غضاضة في الاستعانة به ـ بعد لله ـ في أمور يمكن قضاءها دون معونة سعادته، إضافةً إلى مهمات عمله الرسمي، فلقد كان مُرهقًا وبشكل يدعو للشفقة. وأجدني صادقًا ـ إنشاء الله ـ إذا قلت أن شخصيته أكثر بريقًا لدى السعوديين واللبنانيين من بعض السفراء العرب هناك.والنقطة الثانية تتعلق براعي هذا اللقاء زميل الدرب، الطالب، الصديق، ورجل الأعمال الناجح الأخ “عمران بن محمد بن عبدالرحمن العمران”.شهادتي في “بومحمد” ربما تكون مجروحة. ومع ذلك فإنني سأترك لخواطري عنانها لتتحدَّث عن هذا الزميل. الأخ عمران منذ عرفته وهو دمث الأخلاق، ترتاح لحديثه، وإذا تعرَّفتَ عليه لأول مرة يتخيل لك أنك تعرفه منذ مدة طويلة، مرحًا، ويحب مداعبة أصحابه، لا يحمل في نفسه حقدًا، وصاحب فزعة.لي مع “عمران” مواقف طريفة حينما كنا زملاء في ثانوية الأحساء، وهي مواقفٌ سأتحدَّث عنها في مؤلف تحت الإعداد، وتعهد لي بطبع الكتاب على حسابه. وكنتُ في صراع محتدم معه فيما يتعلق بإنشاء قسم أدبي في السنة الرابعة الثانوية [نظام قديم]، فانتصر عليَّ وبمعونة بعض من الزملاء الذين انحازوا إلى جانبه، ولم يفتح القسم الأدبي، وانخرط هو في القسم العلمي، وتوجهتُ أنا لمدينة الرياض لمتابعة دراستي في القسم الأدبي الذي كان يتكون في البداية آنذاك من ثلاثة طلابٍ أنا واحد منهم. ورغم انتصاره، وانضمامه للقسم العلمي لم تكن الدراسة العلمية سبيلاً له في مشوار حياته, والسر أنه كان ذا مواهب أدبية ولكنه لم يوظفها. ومن يطلع على “ألوان من النشاط المدرسي” لمدرستنا الإعدادية الصادر عام 1375هـ يجد له دراسةً أدبيةً جادةً تحت مُسمَّى “رسالة الغفران” لأبي العلا المعري. واعتبره أستاذنا الفاضل “عبدالله الباز” في مقالته “قصة الحياة الفكرية والأدبية في الأحساء” المنشورة في “ألوان من النشاط المدرسي” مـن الطلبة الموهوبين أدبيًا. قال أستاذنا “عبدالله الباز” ما نصه: “ومن طلاب المدرسة الثانوية الذين سيكون لهم مستقبل أدبيٌّ لامعٌ إن شاء الله: راشد بن عبدالعزيز المبارك، ومحمد بن عبداللطيف الملحم، وعمران العمران.وبدلاً من أن يصبح الزميل “العمـران” أديبًا لامعًا، أو طبيبًا ناجحًا، أو كيميائيًا لامعًا أصبح من كبار رجال المال والأعمال. وفي المحصلة النهائية من انتصر في ذلك الصراع؟وأخيرًا أشكر للزميل “العمران” أريحيته وشهامته في رعاية هذا الحفل الذي جمع فيه الصحب والأحباب.

المقالة: اللقاء السنوي الخامس يجمع زملاء الدراسة بمدرسة الأحساء الأولى
الكاتب: عادل الذكرالله -عبداللطيف المحيسن
الناشر: جريدة اليوم
– العدد: 12320
تاريخ النشر: 09/03/2007م
الرابط: http://www.alyaum.com/issue/article.php?IN=12320&I=470891