رأي في كتاب : للقاضي اليحي

شَعْبِي انْتَبِهْ مِنْ سَائِرِ الْغَفَلاَتِ ….. وَأَفِقْ فَيَوْمُكَ مُشْرِقُ الصَّفَحَاتِوَلَّى الظَّلاَمُ وَأَدْبَرَتْ أَيَّامُهُ ….. وَبَدَا الضِّيَاءُ فَمَرْحَباً بِالآتِي قُمْ وَانْطَلِقْ بِعَزِيمَةٍ جَبَّارَةٍ ….. فِي مَوْكِبٍ لِلْعِلْمِ ذِي جَنَبَاتِ يَا شَعْبُ قُمْ نَحْوَ الْحَيَاةِ بِهِمَّةٍ ….. قَعْسَاءَ تَسْبِقُ سَائِرَ الْهِمَّاتِ وَاعْدُدْ لِنَيْلِ الْمَكْرُمَاتِ مَوَاقِفاً ….. وَاعْمُرْ بِهَا مُسْتَقْبَلاً لِحَيَاةِ وَدَعِ التَّأَخُّرَ وَالتَّقَهْقُرَ بَلْ وَكُنْ ….. يَوْمَ الْقُدُومِ مُبَاعِدَ الْخُطُوَاتِ وَاْنَهَضْ وَلاَ تَرْضَ الْهُبُوطَ فَتَنْطَويِ ….. بِالذُّلِّ فِي غَسَقٍ مِنَ الْحَسَرَاتِوَاسْتَوْفِ فِي طُرُقِ النَّجَاحِ أَبَرَّهَا ….. بِتَأَمُّلٍ وَتَدَبُّرٍ وَثَبَاتِ وَانْهَجْ وِكُنْ مَهْمَا اسْتَطَعْتَ مُبَادِراً ….. نَحْــوَ الْعُـلاَ مُتًمَيِّزاً بِسمَاتِ
إلتقيتُ بمحبِّر هذه الأبيات حينما كنت شاباً يافعاً. وهو يتذكر هذا اللقاء. والتقيتُ به مرة أخرى حينما كان في “كلية الشريعة” بالرياض وكنتُ وقتها بمدرسة الرياض الثانوية طالباً، وكان اللقاء في عام 1377هـ.ومن يلتقي به كانوا يقولون لي حينما ألتقي بهم: أنه دائماً يذكرني بخير.وشاءت إرادة الله أن لا التقي به خلال عقود من الزمن مع أن جل وقته قد قضاه بأرض “هجر”. ولقد كنت مقصراً في حق نفسي إذ لم أزره ولو فعلتُ لتزودت من فضله وعلمه. وكانت حياة “شيخنا” حافلة بالنشاط، وفعل الخير، وإقامة العدل بين الناس.وزرتُه منذ حين في منزله العامر فاستقبلني مرحباً، وكان ترحيباً استعدت به شبابي، كما ذكَّرني بأمور فيها طرافة، والذكر للإنسان، كما يقول الشاعر، “عمر ثاني”. وكان مجلسه وقت زيارتي له عامراً برجال الأدب والقضاء. ولدى مغادرتي لمنزله أهداني “تحفة”، وستكون “الأثر” بعده، إنها مصباح مضئ كله نور، وما أروع هذا النور. وعنوان “التحفة” “القطوف الندية من حقول العلوم الشرعية والأدبية”، وهي إسم على مسمى.ولدى تأمل هذه “التحفة” قلت لنفسي: يحبني هذا الرجل كثيراً وأنا أحبه كذلك، وفي هذا الشأن تذكرتُ مقولة الخليفة “علي بن أبي طالب” كرم الله وجهه: “إذا أحببتم الرجل من غير خير سبق منه إليكم فارجوه”. أهداني “تحفته”، إنها أثر جليل فيه علم وتبصرة وهداية، وهو خير ما ألفه هذا الرجل الفاضل في حياته، وهو لا يزال بحمد الله على قيد الحياة، غير شاحٍ بعلمه، أو ضان بنصائحه. يقول مقدمُ “التحفة” الشيخ “عبدالله بن حواس الحواس” عن “شيخنا”:ـكانت حياة الشيخ حافلة بالعلم والعمل والسعي في الدعوة إلى الله عز وجل والتعليم والنصح للعامة والخاصة، وكان الشيخ أحياناً يحتفظ ببعض المقالات والفتاوى والأشعار في دفاتر وقصاصات من الورق. ولقد ظل الشيخ زمناً طويلاً لا يُخرجُ من هذه الدرر شيئاً، ولكن بإشارة بعض المحبين لفضيلته وبعد محاولات إرتأى الشيخ إخراج ما أنتجه في هذه السنين وكأنه كان يرى أن ما عنده شئ قليل ولا يؤبه به كعادته في إخفاء نفسه وعدم إظهار العمل الصالح، ومن يعرف سيرة الشيخ لا يستغرب ذلك لشدة تواضعه حفظه الله تعالى، وليعلم القارئ في هذا الكتاب أن ما يراه في هذه السطور لا يساوي شيئاً بالنسبة لما عند الشيخ من علم وحفظ وفهم، وأن العلماء الجهابذة على قسمين: قسم يُعرفُ تبحره وسعة علمه من كتبه ومؤلفاته، والقسم الثاني لا يعرف علمه من كتبه حيث لم يتيسر له أن يؤلف في شتى العلوم فلا يعرفه إلا تلامذته والمعاصرون له، وصاحب هذا الكتاب من القسم الثاني” أهـ.وتضمنت هذه “التحفة” أمهات المسائل في عقيدة التوحيد وفي أركان الاسلام، ناهيك عما اشتملت عليه من فوائد وقلائد عن أخلاق الإسلام وآدابه.ولما تأملت أمهات المسائل هذه وجدتها تُذَكِّرُ بالعقيدة السلفية في موضوعية وتجرد وبلغة مبسطة من السهل الممتنع.وإلى جانب ما ذكرتُ وهو قليل، كشفت هذه “التحفة” لي عن أن صاحبها شاعر متوقد الذهن، وهو في شعره ينهج منهج السلف الصالح، ومنهج حماة التراث الاسلامي مع تطرق خفيف لبعض فنون الشعر العربي الفصيح “كالمطارحات الشعرية” وغيرها. و”المطارحات الشعرية ” من فنون الشعر الجميلة التي تحث على الترابط والتآخي وتوثيق عرى الود والوئام، كما أنها، دون غيرها من فنون الشعر، أقدر على تسجيل الذكريات العطرة بين الأحباب والخلان بما فيها تمجيد، أو على الأصح، تأريخ مواطن التجمع والأنس والمسرات.وعلى سبيل المثال، وفي التحفة كثير، لقد أعجبتني “مطارحة شعرية” بين “شيخنا” والمربي الأديب الشيخ “عثمان بن ناصر الصالح” بدأها الشيخ “عثمان” بقصيدة اشتياق حبرها وأرسلها “لشيخنا” ومن أبياتها:ــ
عَرَفْتُ وَمَنْ عَرَفْتُ فَلَيْسَ وَحْياً ….. وَلَكِـــــنْ ذَا لَعَمْرُ اللهِ لُقْيَاإِلىَ “عَبدِالْعَزِيزِ” الشَّهْمِ سِرْنَا ….. عَلَى شَوْقٍ إِلَى الشَّيْخِ “ابْنِ يَحْىَ” نُلَبِّي دَعْوَةً كَرُمَتْ عَلَيْنَا ….. إِلَى “الأَحْسَاءِ” وَاحَاتٍ وَأَفْيَاء فَأَوَّلُ مَنْبَعٍ لِلْخَيْرِ كَانَتْ ….. وَمَا زَالَتْ بِها تَنْمُو وَتَحْيَا وَفِي “هَجَرٍ” سَلاَئِلُ مِنْ كِرَامٍ …..كَأَنَّهُمُوا غَدَاةَ الْجُودِ طَيَّا دَعَونَا فِي بُيُوتِهُمُوا فَكَانُوا ….. بِنَيْلِهُمُوا إِذَا اتَّخَذُوهُ زَيَّا وَلْو أَنَّـا أَطَعْــنَا لَوْ بَقِيـنَا ….. لَكُنَّا فِـي نَوَادِيهِمْ سِنِـيَّاوَلاَ تَنْسَوْا “بِعَاصِمَةٍ” إِخَاءٌ ….. “رِيَاَضِكُـمُ” بِكُــمْ أَضْحَى غَنِيَّاوَ”عَاصِمَةُ الْبِلاَدِ” لَنَا جَمِيعاً ….. لَنَا دِرْعٌ نَصُــــدُّ بِهَا الْكَمِيَّاهُنَا نُجَبَاءُ فِي “هَجْرٍ” تَبَارَوْا ….. تَعَالَوْا فَاعْرِفُوهُمْ يَا بَنِيَّاتَــرَوْا فِيهَـا عَنَاصِرَ طَيِّبَاتٍ ….. وَقَوْمـاً فِـي “الْحَسَا” شَعْبًا رَضِيَّا
وحبَّر “شيخنا” قصيدة جوابية من أبياتها:ــ
أَيَا شَيْخَ الْمَكَارِمِ َوالسَّجَايَا ….. وَيَا شَيْخَ الْفَضَائِلَ وَالْمَزَايَا وَيَا شَيْخَ الْقَرِيضِ وَكُلِّ نَثْرٍ ….. حَوَى مَا يُسْتَطَابُ مِنَ الْحَكَايَا أَتَتْنِي غَادَةٌ مِنْكُمْ تَهَادَى ….. كَأَحْسَنِ مَا تَكُونُ مِنَ الصَّبَايَا أَتَتْ فِي دِلِّهَا تَمْشِي الْهُوَيْنَا ….. فَوَافَقَ حُسْنُهَا مِنِّي هَوَايَا لَقَدْ أَتْحَفَتْنَا “عُثْمَانُ” شِعْراً ….. وَوَصْلاً بِالزِّيَارَةِ وَالتَّحَايَا فَحَلَّ الْبِشْرُ فِي “الأَحْسا” بِهَجْرٍ ….. بِلاَدُ الْجُودِ مِدْهَالِ النَّضَايَا بِـلاَدُ الْعِلْــمِ وَالإِحْسَانِ دَوْماً ….. بِلاَدُ الْمَجْدِ عُنْوَانُ الشَّذَايَــا
وفي “التحفة” الكثير مما لا يتسع المقام لذكره من عظات وعبر وأدبيات إسلامية. ولقد أورد “شيخنا” “بالتحفة” قليلاً من محفوظاته الشعرية، وهي محفوظات تتضمن ـ بحق ـ فوائد وحكم وطرائف ومنها بيتان من الشعر أوردهما “شيخنا”، وياليتني كنت أعرفهما منذ زمن بعيد إذن لاعتذرتُ عن نوع من “الإعارة” مع أن “الاعارة للشئ” في حد ذاتها من الأفعال الحميدة. ولكن ما مضى فات، وَمَنْ مِنَّا [ممن يحرص على اقتناء الكتاب والمحافظة عليه] لم يندم على هذا النوع من الاعارة. والمثل العامي يقول:ـ”إذا وقعت يا فصيح فلا تصيح”. والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. والبيتان هما:ـ
أَلاَ يَا مُسْتَعِيَر الْكُتْبِ أَقْصِرْ ….. فَإِنَّ إِعَارِتِي لِلْكُتْبِ عَارُ فَمَحْبُوبِي مِــنَ الدُّنْيَا كِتَابِـي….. وَهَــلْ أَبْصَرْتَ مَحْبُوباً يُعَارُ
وتوقفتُ كذلك عند بيتين من محفوظات “شيخنا” وفيهما طرافة وهما:ــ
فَصَاحَةُ “حَسَّانٍ” وَخَطُّ “ابْنِ مُقْلَةٍ” ….. وَحِكْمَةُ “لُقْمَانٍ” وَزُهْدُ “ابْنِ أَدْهَمِ”إِذَا اجْتَمَعَتْ فِي الْمَرْأِ وَالْمَرْأُ مُفْلِسٌ ….. وَنُــودِي عَلَيْهَ لاَ يُبَاعُ بِدِرْهَـمِ
إن كل ما بهذه “التحفة” من قطوف تعبرُ عن عقل ناضج، وذهن صافٍ، وحضور واع، وتكشفُ عن شخصية متأثرة بالبيئة التي عاشت فيها وهي بيئة علم وملتقى حضارات.وصاحب هذه “التحفة” هو العالم والأديب والقاضي رئيس محاكم “محافظة الأحساء” السابق الشيخ “عبدالعزيز بن يحى اليحى” متعه الله بالصحة والعافية.لقد جمع فيها ما عنَّ له من قواعد شرعية وعلوم أدبية، وفي الجانب الأدبي منها عكس ما درج كتاب التراث عليه من محبة التراث والحرص عليه وحفظه بعد صيده، وهو عمل جليل وفعل محمود. والشيخ “آل يحى” كأنه فيما فعل يردد قول الشاعر:ـ
الْعِلْمُ صيْدٌ وَالْكِتَابَـةُ قَيْدُهُ ….. قَيِّدْ صُيُودَكَ بِالْحبَال الْوَاِثَقةْفَمِنَ الْحَمَاقَةِ أَنْ تَصِيدَ غَزَالَةً ….. وَتَسِيبَهَا بَيْنَ الْخَلاَئِقِ طَالِقَـةْ
ولأن “شيخنا” قد طلبَ في خاتمة “التحفة” أن من رأى خطأ أو سبق قلم أن ينبهه عليه فأود ، إتماماً للفائدة، التنبيه على أمور لعلها تجد لها مكاناً في الطبعة الثانية من “التحفة”. من هذه الأمور أنه لم يُذكر “بالتحفة” البلدة التي ولد بها الشيخ، وعبارة أن “أكل لحم الابل دون بقية أجزائه” من نواقض الوضوء تحتاج إلى إيضاح لما شاب العبارة من لبس إذ بالمثال يتضح المقال، ووردت “بالتحفة” آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية بها عبارات يصعب فهمها إن لم تشرح بهوامش الصفحات التي وردت بها، كذلك من المهم أن يُحددُ المذهبُ الذي اعتمد عليه الشيح فيما يتعلق بفقه الطهارة والصلاة وغيرها، وكذلك لو أمكن تشكيل “اللآلئ المنظومة في إعتقاد أهل السنة والجماعة” حتى تسهل قراءتها وتفهم معانيها، كذلك أرى ضرورة الترقيم واستعمال النقط والفواصل بين الجمل ليزول اللبس ويتضح المعنى، وحبَّذا لو وُضِعَ فهرس “للأعلام” و”المصطلحات الشرعية المهمة” حتى يسهل الرجوع إلى محتويات “التحفة”.
—————هوامش—————
(1) لمزيد من التفاصيل عن “المطارحات الشعرية” لدى “شعراء الأحساء” راجع كتاب “كانت أشبه الجامعة: قصة التعليم في مقاطعة الأحساء في عهد الملك عبدالعزيز، دراسة في علم التاريخ الاجتماعي، ص/ 365 وما بعدها، ط/1419هــ، إصدار دارة الدكتور آل ملحم للنشر والتوزيع، الرياض.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9724

تاريخ النشر: 29/01/2000م

رئيس دارة الدكتور آل ملحمللتحكيم والاستشارات القانونيةد/محمد بن عبداللطيف آل ملحم

رأي في كتاب : لمع الشهاب

تفضَّل معالي الدكتور محمد الملحم وزير الدولة، وعضو مجلس الوزراء بقراءة كتاب “لمع الشهاب”، وكانت له وجهة نظر وملاحظات على الكتاب، فأرسل مشكورًا إلى المجلة بوجهة نظره، والمجلة إذ تشكر معاليه على ثقته بدارة الملك عبد العزيز، واهتمامه بكل ما ينشر عنها تضع وجهة نظره في المكان اللائق بها من الاجلال والتقدير فتنشرها بنصها، ثم تعقب عليها.
كتاب لمع الشهاب
قرأت بمزيدٍ من الاهتمام كتاب ( لمع الشهاب) في سيرة الشيخ / محمد ابن عبد الوهاب وهو كتابٌ ممتعٌ وجديرٌ بالقراءة.يتناول الكتاب سيرة الشيخ / محمد بن عبد الوهاب ضمن إطار حقبة هامة من الزمن في تاريخ الجزيرة العربية، وهي حقبةٌ رغم كل الذي كتب عنها، إلاَّ أن الكثير من أحداثها لا تزال في ذمة التاريخ.. وتحتاج إلى جهد مكثف للكشف عنها.لقد بذل محقق كتاب (لمع الشهاب) جهدًا في تصحيح ما وقع فيه مؤلف الكتاب من أغلاط، وبالأخص تلك التي تتعلق بسيرة مجدد الدعوة السلفية،
وإن كان لي بعض العتاب على المحقق فهو يتعلق بالأسلوب الذي استعمله في تفنيد مزاعم المؤلف. وهو أسلوب لا يتفق والأساليب التي اعتاد عليها محققو كتب التاريخ، فمثلاً كان من المفروض أن يبدأ المحقق في مقدمات الكتاب بالحديث عن مؤلف الكتاب وكشف نواياه السيئة، ثم ينتقل في عرض تحقيقاته حيثما وردت في ثنايا الكتاب مفتتحًا إيَّاها بعبارات منها “والصواب هو كذا وكذا، والصحة هي كذا وكذا”.الكتاب في عمومه وثيقةٌ تاريخيةٌ هامةٌ لحقبة من الزمن في تاريخ البلاد السعودية، ولعله لهذا السبب كان هذا الكتاب رغم ما فيه من تشويه للحقائق محل عناية دارة الملك عبد العزيز. وهي الدارة التي أُنشئِت بغرض الاهتمام بتراث وتاريخ الجزيرة العربية بصفةٍ عامةٍ، وبتراث وتاريخ المملكة العربية السعودية بصفةٍ خاصةٍ، وفي تصوري أن كل ما صدر عن هذه الدارة، وما سيصدرُ سيكون محل حجية مطلقة لدى محبي البحث والمعرفة سواء في داخل المملكة العربية السعودية أو خارجها.من هذا المنطلق لقد عنَّت لي أثناء قراءتي لهذا الكتاب ملاحظات منها:أولا: تم التركيز في تحقيق هذا الكتاب على تصحيح معظم الأخطاء التي وقع فيها مؤلف الكتاب بخصوص سيرة مجدد الدعوة السلفية الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب، وهو تركيزٌ كشف عن مواطن الخطأ حيثما كانت فاجتثها من أصولها.ثانيا: لم يتعرض محقق الكتاب للوقائع والأحداث والمعلومات التي أشار إليها مؤلف الكتاب إلاَّ عرضًا، وهي وقائعٌ وأحداثٌ ومعلوماتٌ ذات طابع تاريخي واجتماعي وجغرافي مهم. ولقد نوه المحقق عن ذلك في مقدمته.
والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن القارئ لاسيما وأن الكتاب من مطبوعات الداره هو معرفة عما إذا كانت هذه الوقائع والأحداث والمعلومات صحيحة؟ وهل من الممكن أن يعتمد الباحث عن تاريخ هذه الحقبة على كل المعلومات التي أوردها المؤلف على أساس أنها حقائق مسلم بها ولا غبار عليها، ليس في الكتاب بعد تحقيقه أي إجابة على مثل هذا التساؤل.ثالثا: لا ينم الكتاب عن أي جهد بذلته الداره رغم إمكانياتها نحو التعرف على شخصية المؤلف، وهل هو فعلاً مجهول الهوية؟ كان من المفروض، إشباعا لرغبة القارئ، أن يتضمن الكتاب وفي مقدماته تحقيقًا مطولاً عن الغرض من وضع الكتاب، وتقويمًا موضوعيًا عن ذات مؤلفه ونحلته، وعن كيفية إيداع مخطوطته في دار المتحف البريطاني بلندن، وتحديد هوية المستشرقين الذين اعتمدوا على هذا الكتاب قبل تحقيقه.رابعا: تضمَّن الكتاب في نهايته فهارس ممتازة ولم يشر بالكتاب عما إذا كانت من صنع المؤلف أو المحقق رغم ما تدل عليه أنها من صنع المحقق.خامسا: ولي كلمة أخيرةٌ وهي أن إصدار الكتاب في شكله الحالي غير ملائم لأسباب منها : أن أصل الكتاب جعل متنًا وتصحيح الأخطاء جعلت هامشًا، والقارئ في كثير من الأحيان سيقرأ المتن ولن يكترث بمراجعة الهوامش. ولهذا ربما لا يحقق الكتاب الغاية من إصداره.. لذلك فإنني أقترح أن يعاد إصـدار الكتاب موثـقًا في جزئين، الجزء الأول ويتضمن إعادة كتابة الكتاب بعد تحقيقه بنفس أسلوب المؤلف ما أمكن من قبل متخصصين في الدعوة السلفية وفي تاريخ البلاد السعودية، ويتضمن الجزء الثاني نفس متن الكتاب قبل تحقيقه، وبهذه الطريقة ستسهل على القارئ مهمة المقارنة ليس بالنسبة للأخطاء التي وقع فيها المؤلف بشأن سيرة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب فحسب، بل وبالنسبة للأخطاء التي وقع فيها المؤلف بالنسبة للأحداث التي عاصرها صاحب السيرة، وكذلك بالنسبة للمعلومات التي أوردها المؤلف عن أقاليم وقبائل الجزيرة العربية.كل الذي أخشاه إذا لم يتم شئ من هذا هو أن لا يحقق الكتاب الغرض من إصداره، وينشر الأخطاء التي يتضمنها، وأن يعتمد عليه الباحثون في تراث وتاريخ البلاد السعودية على أساس أن كل ما ورد فيه من معلومات صحيحة.د. محمد عبد اللطيف الملحم
مجلة الدارةربيع أول 1397هـفبراير 1977 م
التعقيب
لقد تفضَّل صاحب المعالي الدكتور محمد الملحم وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء بإبداء بعض الملاحظات على طريقة نشر كتاب (لمع الشهاب في سيرة
محمد بن عبد الوهاب) التي قامت دارة الملك عبدالعزيز بطبعه، وحققه فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، ونحن نتقبَّل وجهة نظر معاليه بكل التقدير والاعتبار، ونود أن نحيي في معاليه اهتمامه بما تنشره الدارة، ولنا بعد هذا مجرد وقفة مع ملاحظات معاليه:1. بالنسبة للملاحظة الثانية: فإن مؤلف الكتاب قد أتى ببعض الوقائع والأحداث التاريخية الصحيحة وخلطها بكثير من الشوائب والأباطيل ليوهم القارئ بصحة جميع ما بين دفتي الكتاب، وفضيلة المحقق تعرض للوقائع التاريخية الباطلة وفنَّدها، وأثبت بطلانها ثم سكت عن الوقائع الصحيحة، وهذا منهجٌ علمي سليم في مجال تحقيق المخطوطات.2. وبالنسبة للملاحظة الثالثة فإن المحقق أشار إلى جواز أن يكون اسم ناسخ الكتاب هو نفسه اسم كاتبه ومؤلفه، وذلك بقوله في المقدمة (.. ومن الجائز أن يكون الكاتب هو المؤلف). ولقد نشرت مجلة الدارة في العدد الثاني للسنة الثانية بتاريخ رجب 1396هـ مقالةً عن الكتاب ظهر فيه أن الناسخ هو المؤلف وذلك عن طريق الاستقراء والاستنتاج لما ورد في الكتاب من دلائل وشواهد تدل على هذا، وفيها تقييم دقيق للكتاب. وعن الجهود التي بذلتها الدارة رغم إمكاناتها كما يشير معاليه، فإن الدارة قد بذلت بعض الإجراءات لتظهر هذه الطبعة المحققة بصورة علمية سليمة، فحصلت على صورة للمخطوطـة الوحيدة للكتاب من المتحف البريطاني، وتم مطابقـتها على النسخة المطبوعة في بيروت، واتضح أن طبعة بيروت كان بها الكثير من العبارات والجمل الساقطة فأثبتنا كل ذلك.وما أبداه معاليه من أن يتضمن الكتاب في مقدماته تحقيقًا مطولاً عن الغرض من وضع الكتاب..الخ، فقد أوضحت المقدمتان ما يكفي لشرح الغرض من نشر الكتاب وليس (وضعه) لأن الذي وضعه هو مؤلفه. أما عن هوية المستشرقين الذين اعتمدوا على هذا الكتاب قبل تحقيقه، فان الأمر يكاد يكون شائعًا وشاملاً بين أولئك الذين كتبوا عن الدعوة، وعن تاريخ الدولة، حتى أن عددًا من الكتاب والمؤرخين العرب اعتمدوا عليه، ونقلوا عنه دون تحري الصدق في الوقائع والأحداث، وهذا أحد الأسباب الجوهرية لنشر الكتاب محققا.3. أما بالنسبة للفهارس، وهل هي من عمل المؤلف أو المحقق؟ فالأمر واضح أنها وضعت بعد التحقيق، وأنها جزء متمم لعملية التحقيق إذ أن الكتب المصنفة في تلك الفترة وما قبلها لا تحمل هذه الفهارس المنوعة.4 . أما بالنسبة لاقتراح معاليه إعادة إصدار الكتاب موثقا في جزءين ـ أحدهما يتضمن إعادة كتابة الكتاب بعد تحقيقه بنفس أسلوب المؤلف ما أمكن، وثانيهما يتضمن نفس متن الكتاب قبل تحقيقه ليطلع القارئ على مدى خطأ المؤلف بالمقارنة بين الجزءين، فإنه يخشى في هذه الحالة أن يقع في يد القارئ الجزء الثاني فقط فيظن أن كل ما ورد به صحيح وسليم، فنكون بذلك قد قدَّمنا للقارئ عملاً مشوهًا ومبتورًا. وفضلاً عن ذلك فإنه قد جرى العرف بين محققي المخطوطات أن يترك أسلوب المؤلف كما هو دون أدنى تدخل، مهما يكن غرضه أو هدفه أو الغاية التي يرمي اليها وينشدها، وتلك أمانة علمية وضعوها على عاتقهم، ونهجوا عند تحقيقهم للمخطوطات طريقتين: أ ـ بعضهم ترك عبارات المؤلف وألفاظه وأخطاءه كما هي في الاصل وعلقوا عليها في الهامش بما يفيد الصواب ويوضح الرأي السليم أو الرأي المخالف. الخب ـ وبعضهم تدخل في نفس الاصل، وعدل في عبارات المؤلف بالزيادة أو النقصان لتصحيح الخطأ، واستقامة الأسلوب، لكن كل ذلك يضعه بين قوسين، ثم يعلق على ذلك في الهامش بما يوضح مدى تدخله، كمًا وكيفًا، ليكون القارئ على بينة من كل ذلك، وكلا الفريقين يوضح طريقته في التحقيق، والمنهج الذي سلكه وذلك عندما يهم بكتابة مقدمة التحقيق.وأما القول بأن القارئ في كثير من الأحيان سيقرأ المتن ولن يكترث بمراجعة الهوامش! فالأمر لا يمكن تصوره في شأن قارئ يبحث عن معرفة الحقيقة، وخاصةً في الكتب المحققة.. ثم إنه اصطلاح علمي، اتفق عليه المحققون وتعارف عليه القراء، وأصبح معمولاً به في مجالات البحث العلمي والهيئات والدوائر العلمية والجامعات.. ثم إن القارئ الذي لم يكترث بالهوامش، ويقرأ المتن فقط، هو قارئ عابر لا ينبغي أن يقام له وزن، لأن هدفنا هو القارئ الذي يبحث عن المعرفة الحقيقية الصادقة، ومن هذا النوع من القراء المتخصصين ممن وقعت المخطوطة في أيديهم قبل تحقيقها، وكانوا هدفا لتضليل المؤلف في بعض الوقائع.ولعلنا نذكر أن المؤلفات قديما كانت تشتمل على متن، وشرح للمتن ثم حاشية لهذا الشرح، ثم تعليق أحيانًا على تلك الحاشية، ومع ذلك فإن القارئ كان يقرأها جميعها لأنه يريد أن يستوعب الموضوع كله.وبعد، فإن أي عمل مهما بلغت درجة إتقانه ومهما بذل فيه لا يصل إلى درجة الكمال ـ فالكمال لله وحده ـ وإذا كان هناك بعض قصور فإنا نَعِدُ بتلافي ذلك في الطبعة الثانية بمشيئة الله تعالى مع تقديرنا الكبير لاهتمام معاليه وتجاوبه وفقه الله.


الناشر: مجلة الدارة

تاريخ النشر: فبراير/1999 م

كتاب كانت أشبه بالجامعة

كتاب : كانت أشبه بالجامعة تاريخ الاصدار : 1419هـ الموافق 1999موصف الكتاب : قصة التعليم في مقاطعة الأحساء في عهد الملك عبد العزيز (دراسة في علم التاريخ الاجتماعي

متوفر في :

1- الدار الوطنية الجديدة للنشر والتوزيع, الدمام – الأحساء

2-مكتبة جرير

3-مكتبة التعاون الثقافي , الأحساء

كتاب كانت أشبه بالجامعة لمعالي د. محمد عبداللطيف الملحم

 نظرات في مشروع ديوان:”في ربوع الأحساء ومغانيها”

نظرات في مشروع ديوان:”في ربوع الأحساء ومغانيها”كلمة لا بد منهامكتوبة ومؤرخة في 1/محرم/1417هـ
1 ـــ تمهيد
استهدفتُ من الإسراع في نشرِ ديوان “في ربوع الأحساء ومغانيها” “لابن العم “الشاعر “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم” تحقيق أمنية عزيزة لديه، ومن ثُمَّ الاستجابةُ لرغبةِ الكثيرِ من “محبِّيه” الذين ما فَتِـئُوا يُلِحُّونَ عليَّ كلما التقيتُ ببعضهم لأفعل “المستحيل” من أجل نشر شعره، لاسيَّما وأنه قد مضى على وفاته حينًا من الدهر.وكان شعرُ “ابن العم” مجهولاً لغير المحيطين به من “محبيه” الْخُلَّصِ في “الأحساء”، وأتوقعُ أن هؤلاء الأحباب يدركون أن نشر شعر “حبيبهم” لكثرته، وتنوع موضوعاته، وأغراضه يحتاج إلى جهد ووقت ومال.وتأكَّد لي ـ بعد التأمُّل الشخصي والتحري الخاص من قبل بعض “محبيه” ـ أن عزوف “شاعرنا” عن نشر شعره للكافة أثناء حياته يرجع إلى أسبابٍ عديدة منها:ـعدم رغبته في حبِّ الظهور،ولعلمه لِمَا سيعانيه “شخصيًا” من عملية النشر، لاسيَّما وأن ما كان يرغب نشره من شعر ـ وفقًا لمعاييره الشخصية والموضوعية ـ لم يكن قابلاً للنشر،وضيق ذات اليد، وهي ظاهرة “عادة” ما يعاني منها الكثير من الشعراء من أمثاله،ناهيك عن ضعف بصره الذي انتابه وهو في سنٍ مبكرةٍ من حياته،ولعل السبب الأخير ـ ناهيك عن السبب السابق عليه ـ هو الذي قد حال بينه وبين نشر شعره أثناء حياته.
2 ـــ كيف تسلمتُ تراث الشاعر
بعد أن توفَّى الله “ابن العم” سَلَّمَ لي ورثته كل ما خلَّفه من “تراثٍ” شعريٍ دوَّنه بخط اليد “بمعرفته” في عشرات “الدفاتر” ذات الشكل المدرسي. أمَّا كيف تسلمتُ هذا “التراث” فله قصة يحسن بي شخصيًا ذكرها لأهميتها وذلك للحقيقة والتاريخ ليس إِلاَّ.علمتُ بوفاة الشاعر وأنا في مدينة “الرِّياض” حيث أقيم.وكانت الوفاة في يوم الخميس “السابع” من شهر “ذي الحجة” عام 1408هـ.وفي اليوم التالي ـ أي يوم الجمعة ـ توجهتُ من مدينة “الرياض” عبْر الطريق البري إلى مدينة “الهفوف” ـ حاضرة “الأحساء” لتعزية ذويه وأسرتي وسائر محبيه وأصدقائه.وحال وصولي مدينة “الهفوف” عصر ذلك اليوم عزَّيتُ أخوةَ “المتوفَّى” وَمَنْ كان معهم مِنْ أفراد الأسرة وغيرهم.وشاءت إرادة الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يجلس بجاني (في بيت الأسرة الذي كان به العزاء) أحد إخوة “المتوفَّى”: وهو الأستاذ “عبدالعزيز بن عبدالله بن حمد آل ملحم”، وتحدثتُ مع الأستاذ “عبدالعزيز” باستفاضة عن مناقبِ أخيه (وَيَتَّصِفُ الأخ “عبدالعزيز” بدماثة الخلق، كما أنه محدث لبق، وذو عقل نير، ولسان حذق، وصاحب نكتة)، ومن خلال حديثي معه هَمَسَ في أُذُنِي قائلاً ما مؤداه: أن لأخيه ـ يرحمه الله ـ مكتبة خاصة بها أوراقه وكتبه، ورغب مِنِّي شخصيًا نظرًا لما يربطني بأخيه من علاقة حميمة أن أزورَ هذه المكتبة في أقرب فرصة بغرض التحفظ ـ إن أمكن ـ على ما بها من محتويات إذ وَصَلَ إلى علمه يوم وفاة “أخيه” أن “شخصًا” رغب زيارة المكتبة يوم الوفاة، وخشي الأخ “عبدالعزيز” أن يكون هذا “الشخص” مدفوعًا بحسن نية ممـن كانوا على عِلْمٍ ( أكثر من أخوة “المتوفَّى” وأولاده لأنهم قصر) بما بالمكتبة من “أوراق”، لاسِيَّما وأن “أخيه” يرحمه الله كان يستقبلُ بعض أصدقائه بمكتبته، كما كان يختلي بمكتبته مع أصدقاء له يساعـدونه ـ بِطَلَبٍ شخصيٍّ مِنهُ ـ في “كتابة” ما يَعِنُّ له من أفكار لرداءة خطه، أو في “إعادة” كتابة ما كتبه “هو” في “دفاتره” ـ بخط يده ـ من قبلهم، ومِنْ أصدقائه مَنْ هم ذَوُوْ علم وأدب ومعرفة بفنون الخط العربي، ومنهم مدرسون ومثقفون من “الأحساء” و”نجد” و”الحجاز” و”القصيم” و”البحرين” و”مصر” و”السودان” و”فلسطين” و”سوريا” و”العراق” و”عمان”. ومن ثم أردفَ “عبدالعزيز” قائلاً لي: أن هذا “الشخص” لم يزر المكتبة بعد، ويخشي الأخ “عبدالعزيز” أن يَتَمَكَّنَ هذا “الشخص” من زيارة المكتبة، ويكون من شأن زيارته الاستيلاء على ما بالمكتبة من “أوراق”، ومن ثم تعريضها للإهمال أو العبث أو الضَّياع أو السَّرقة. (1)وفي ختام حديثه ذكر الأخ “عبدالعزيز” لي ـ وهذا هو الْمُهِمُّ ـ أنه نظرًا لِضَعْفِ بصره فهو غير قادر على قراءة وتقويم ما بالمكتبة من أوراق، كما أن “أولاد” أخيه قُصرٌ، وأنه من منطلق محبته لـ “أخيه” رغب في التعبير لي عما يدور في خَلَدِهِ من شجون وهموم منذ أن حَلَّ “أخيه” ـ يرحمه الله ـ في مثواه المؤقت يوم أمس …ما هَمَسَ الأستاذُ “عبدالعزيز” بِهِ لي أثناء “العزاء” وإن كان قد هزَّني من الأعماق، بل وأثارَ شجوني ـ ناهيك عن علاقته بِمَا لَدَيَّ من اهتمامات أدبية ـ إلاَّ أنه كان محل شك لديَّ إذ كنتُ ـ في حقيقة الأمر ـ غير متأكدٍ “شخصيًا” من صحة ما أَدْلَى لِيَ به. وفَكَّرْتُ ـ وأنا أستقبلُ تعازي بعض أفراد الأسرة وغيرهم ـ في الأمر مليًا، ومن ثم عقدتُ العزمَ على اتخاذ ما من شأنه تنفيذ “رغبة” الأخ “عبدالعزيز” التي ـ بعد تداعي خواطري وتأمُّلاتي الفورية ـ سرعان ما تأكَّدتْ لِيَ مصداقيتها لأنها “رغبة” جاءت عفو الخاطر، وبدون تردد، وفي سلامة نية فـور لقائي به، هذا مع العلم أنني ـ رغم مرافقتي “لابن عمي” يرحمه الله ـ لم يسبق لي شخصيًا زيارة مكتبته، أو العلم بما بها من محتويات !!! وفي مغرب اليوم نفسه توجَّهتُ إلى بيت “المتوفَّى”، وكان يقع في حي “المزروعية” بغرب مدينة الهفوف القديمة، وكان معـي الأستاذ “عبدالعزيز” والأستاذ “خالد بن عبدالله بن ابراهيم آل ملحم” أحـد كبار موظفي جامعة الملك فيصل بـ “الهفوف” آنذاك.وعلى الفور قابلتُ والـدة “المتوفَّى” التي كانت فـي صبرٍ واحتسابٍ، وهي ـ أطال الله في عمرها وحفظها من كل سوء ـ في منْزلة “والدتي” يرحمها الله، وكان لها شأن تربوي في حياتي المبكرة، وقدَّمتُ لها تعازيَّ الشخصية لوفاة ابنها، ومن ثم عرضتُ عليها ـ على انفراد ـ رغبتي الشخصية في زيارة مكتبة ابنها في الوقت المناسب بغرض التحفظ على ما بها من “أوراق” حتى لا تكون عرضةً للضَّياع أو الإهمال أو العبث أو السرقة. لاقت هذه الرغبة الاستحسان من “الوالدة”، ولكنها رأت ـ مع ذلك ـ التشاور بشأنها مع “زوجة” ابنها ومن ثم “بناته”، واستحسن الجميع ما استهدفْتُهُ، ومن ثم منحتني “الوالدة” موافقة الأسرة بدخول المكتبة، والتصرف بمحتوياتها كما أرغبُ. وعلى الفور توجَّهنا ـ نحن الثلاثـة: عبدالعزيز وخالد وأنا ـ إلى المكتبة التي كانت تقع في غرفةٍ صغيرةٍ متواضعةٍ جدًا بسطح المنْزل، وقمنا بمسح محتوياتها في الفترة ما بين العشاءين وحتى أذآن الفجر الأول، وخلال هذا المسح جمعتُ كل ما خلَّفه “ابن العم” من “أوراق”، وكانت تتكوَّنُ من “أشعار” في “دفاتر” مدرسية مجلدة تجليدًا عاديًا وأخذتُها معي. أمَّا محتويات المكتبة من كتب أدبية ودينية وتربوية واجتماعية فلم تُمَسْ، وَبَقِيَتْ بمظانِّها في المكتبة لورثته.وبعد صلاة الفجر ـ أي في صبيحة يوم السبت ـ توجَّهتُ إلى “الرِّياض” عن طريق البَرِّ، ومعي كل ما خلَّفة الشَّاعر من “أوراق” مهمة.وحال وصولي لمدينة ـ “الرِّياض” توجَّهتُ لغرفة نومي حيث استسلمتُ ـ بعدَ تعبٍ وسهرٍ ومشقةِ سفرٍ ـ لنوم عميق، وفي المنام رأيتُ “ابـن العم” وكأنَّـه يتحدثُ معي ـ كما لو كنتُ معه حال اليقضة ـ بينما هـو جالسٌ على سريرِ نومٍ يشبه سرير نومي وهو يتصفحُ “دفترًا” ـ شبيهًا بـ “دفاتره” التي بها أشـعاره ـ على عجلٍ، وعلى وجهه علامات السرور والإبتهاج.لقد تأكَّد لي من هذه الرُّؤْيَا أن الْمَيِّتَ يَحُسُّ، كما تأكَّد لي أن “ابن العم” ـ كما رأيتُه في الحلم ـ قد عبَّر لي عن فرحته لَمَّا أَحَسَّ أن ما خلَّفه من “تراث” سيكون بيدٍ أمينة. ما رأيته في المنام جعلني أفكِّرُ ـ فيما بعد ـ في حقيقة ما رأيته ومغزاه !!!وسيطرتْ هذه الرؤيا على مشاعري لعدة أيام.وبعد شهر ونصف من هذه “الرؤيا” أَبَّـنْتُ شاعرنا في “كلمة رثاء” نشرتُها في صحيفةٍ “الجزيرة” تحت عنوان “ومات شاعرٌ موهوب”، وختمتُ هذه “الكلمة” بالعبارات التالية:ـ يرحمك الله يا أبا عبدالله ، وكما كنتُ محبًا لك أثناء حياتكَ، فإنه من حقِّكَ عليَّ أن أواصل محبَّتِي لكَ بعد وفاتكَ، وأرجو من الله أن يساعدنـي على احتضان “تـراثك”َ الذي خلَّفته وراءكَ، وهو “تراثٌ” سأتولاَّهُ ـ إنشاء الله ـ بما هو جديرٌ به من عناية وذلك لكي يقرأه أقاربك وأصدقاؤك ومحبوك ومن لا يعرفوكَ! (2)وزرتُ مكتبة “ابن العم” مرة أخرى ـ وكان معي الأخوة “عبدالعزيز وخالد” الَّذين كانا معي في الزيارة الأولى ـ للتأكُّد بنفسي من أنني قد أخذتُ معي كل ما خلَّفه “شاعرنا” ـ يرحمه الله ـ من “تراثٍ” شعريٍ وغيره، ولم أجدْ في هذه الزيارة ما يستحق الذكر.
3 ــ كيفية التصرف في تراث الشاعر
وعلى الفور من حيازتي لتراث “ابن العم” بدأتُ في تَأَمُّلِ ما به من “شعر” فوجدتُ أنه جديرٌ بأن يحتلَّ المكان اللائق به في مكتبتنا العربية، وهذا “التراث” هو ـ الآن ـ محل دراسة ومراجعة وتصنيف مِنْ قِبَلِي وَقِبَلِ بعض المختصين في اللغة والأدب، وستستغرقُ هذه “العمليات” بضعَ سنين.وبدلاً من الانتظار لاستكمال “عمليات” الدراسة والمراجعة والتصنيف حسب الموضوعات لكل ما تركه الشَّاعر من “أشعار” ـ وهـي عملياتٌ مكلفة ومضنيةٌ ـ رأيتُ من الأفضل إلقاء نظرة عامة على موضوعات هذه “الأشعار” وذلك بغرض إنجاز هدفين:ـ الأول، وكان التعريف بالشاعر في الأوساط الأدبية نظرًا لعدم معرفة هذه الأوساط به أو بشعره، وَتَحَقَّقَ هذا الهدف عن طريق ما قمتُ به من نشر أشعار له وكذلك نشر “دراسات” و”أبحاث” عن هذه الأشعار في وسائط الإعلام المختلفة. وكان الهدف الثاني الإسراع في نشر أول ديـوان “لشاعرنا” ـ يرحمه الله ـ تلبية لرغبة “محبيه” التي سبق التنويه عنها مع إرجاء نشر الدواوين الأخرى إلى فترات لاحقة..ولما وجدثُ “أشعاًرً” كثيرةً للشاعر عـن “الأحساء”، وعـن ربـوعها، ارتأيتُ ـ تلبيةً لهوىً جامحٍ في نفس شاعرنا أثناء حياته ـ أن يكون أولُ ديوان ينشرُ له عنوانه “في ربوع الأحساء ومغانيها”، و”الأحساءُ” ـ كما هو معروفٌ ـ مسقطُ رأس الشاعر، وقد هام في حبِّها كثيرًا، وتحدَّث ـ من خلال أشعاره ـ عن تاريخها، وأمجادها، وخيراتها، ومياهها، ونخيلها.
4 ـــ تأملات أولية عن الشاعر وشعره
والشاعر “محمد بن عبدالله آل ملحم” من طلبةِ العلم، وجعلت تعاليمُ الاسلام منه نموذجًـا للرجل المسلم في سمو الخلق، والزهد، والتعفف، وصفاء النَّفس، وعزة النفس، والدعوة إلى الجهاد في سبيل الله. ومن هذا المنطلق جَعَلَ “العقيدة الاسلامية” وهو يعبِّرُ عن آرائه ـ من خلال ما حبَّره من شعر حتى عن “الأحساء” ـ المرجع الحاكم.والشاعر “محمد بن عبدالله آل ملحم” شخصيةٌ متعددةُ المواهب، فهو:ـ وآعٍ لما يجري حوله من وقائعَ وأحداث، وتمكَّن من تأريخها شعرًا؛قادرٌ على تصوير بيئته بإسلوبٍ لم يسبقه إليه أحدٌ من معاصريه في مسقط رأسه؛غيرٌ ناسٍ نفسه إذ تحدَّثَ عن طفولته وشبابه وتعليمه وأسرته؛شاعرٌ مطبوعٌ، وطويلُ النفس.وكان الشاعر يرحمه الله:ـيفرطُ في مدح شعره؛ لا تجد في شعره القول الفاحش، ويمقت الهجاء إلاَّ ما ندر؛يستنكرُ الخداع والكذب، وما يدعو إلى الباطل، وكان من الدعاة في سبيل الله.
5 ــــ أمنية تحققت للشاعر اثناء حياته
وكانت أهمُّ أمنية للفقيد ـ يرحمه الله ـ في حياتـه هي الصلاة داخل “الكعبة المشرفة” بمكة المكرمة، والصلاة “بروضة الجنة” بالمسجد النبوي بالمدينة المنورة، ومن ثم السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل “الحجرة الشريفة”، ولقد تَمَكَّنْتُ من تحقيق هذه الأمنية “لشاعرنا” قبل سنتين من وفاته أي في جمادى الأولى عام 1406هـ، وكان ذلك أثناء زيارة فخامة الرئيس “عبده ضيوف” رئيس “جمهورية السنغال” “للمملكة العربية السعودية”.وسجَّل الشاعرُ لهذه المناسبة “ملحمة” ذات طابع قصصي من (169) تسعة وستين ومائة بيتً تحت عنوان “الرحلة المقدسة”، وفي “الملحمة” بلاغةٌ وتاريخٌ وآدابٌ، وقد شملني ـ يرحمه الله ـ بأبيات شعرٍ في “الملحمة” نفسها عبَّر فيها عن امتنانه من وفائي بما وعدتـُه به. وجاء في مطلع الملحمة :ـ (3)
شَوْقِي إِلَى تِلْكَ الرَّبُوعِ يَطولُ …… أَنَّى بِـهَا أَحْظَى وَكَيْفَ وُصُولُ!هَبَّتْ عَلَىجَـدِّيْ نُسَيْمَاتُ الرِّضَا…… فَتَحَقَّقَ الْمَطْلُـوبُ وَالْمَأْمُولُلَبَّىَ فُـؤَادِي عِنْدَمَا نَادَى الْهـَوَى…… سَيِّر حُمُولَكَ أَيُّـهَا الْمَوْصُولُقَرُبِ الْوِصَالُ وَحَـانَ أُبَّـانُ اللِّقَا…… مِمَّنْ تُحِـبُّ وَجَـاءَكَ التَّنْوِيلُفَشَدَدْتُ رَحْلِي فِي الرِّحَالِ مُسَارِعًا…… وَالشَّوْقُ رَكْبِي وَالْغَرَامُ دَلِيلُمِنْ بَعْدِ مَا وَدَّعْتُ وَآحَاتَ” الْحَسَا”…… وَمُرُوجَهَا الْفَيْحَاءَ وَهْيَ تَمِيلُوَمَطَارُ “خَالِدَ” يَزْدَهِي مِـنْ فَرْحَةٍ…… يَهْفُوْ “لِجِـدَّةَ” قَلْبُهُ مَتْبُولُيَا مَرْحَبًا بِالْبَيْتِ شَعْشَعَ نُـورُهُ…… وَزَهَا عَلَى أَرْكَانِهِ التَّنْزِيلُحَفَّتْ بِهِ الأَنْوَارُ زَائِـدَةَ السَّنَا…… وَسَمَتْ لَهُ الأَرْوَاحُ وَهْيَ خَجُولُطَافَتْ بِهِ الأَجْسَامُ وَهْيَ قَرِيرَةٌ…… وَالدَّمْعُ مِنْ فَوْقِ الْخُـدُودِ يَسِيلُوَإِلَيْهِ رَفْرَفَتِ الْقُلُوبُ بِعَيْنِهَا…… وَذُنُوبُهَا فَوْقَ الْمُتُونِ ثَقِيلُتَسْتِمْطِرُ الرَّحَمَاتِ مِنْ بَارِي الْوَرَى…… وَذُنُوبُهَا فَوْقَ الْمُتُونِ ثَقِيلُتَرْجُـوْ مِنَ الرَّحْمَنِ جَلَّ جَلاَلُهُ…… غُفْرَانُـهُ عَـلَّ الإِلَهُ يُنِيلُفَهُوَ الَّذِي يِمْحُوْ الذَّنُوبَ بِفَضْلِـهِ…… وَمِنَ الذُّنُوبِ الْمُوبِقَاتِ يُقِيلُفَيَعُودُ جَـْذلاَنًَا بِتَوْبَةِ ربَـِّهِ…… وَكِيَانُهُ مِنْ ذَنْبِهِ مَغْسُولُ
وجاءت الأبيات التي أثنى ـ ابن العم ـ فيها “عَلَـيَّ” (على إِثْرِ تحقيق أمنيته) تعبيرًا عن مشاعر وأحاسيس أَثَّرَتْ في نفسه تأتيرًا صَعُبَ عليه أخفاءها، كما جعلته في حالة ذهول تام إذ كان غير متأكد البتة أن “أمنيته” التي طلب مني أن أحققها له ـ وكانت في ذهنه مجرد “خيال” ـ ستتحوَّلُ إلى حقيقة. وهذه الأبيات ـ التي أثنى فيها عَلَيَّ ـ عبَّرت عن “موقف خاص” ذا طبيعة دينية للشاعر خَصَّنِي بِهِ “شخصيًا” أكثرُ منها تعبيرًا عن “ثناء” على “قريب” أي قريب!!يقول الشاعر في هذه “الملحمة” ما يلي:ـ
إِنِّي أُوَدِّعُ وَالْحَنِينُ يَشُدُّنِّي ….. وَالدَّمْعُ ذَلِكَ شَاهِدِي وَدَلِيلُوَأَقُولُ مِنْ قَلْبِي وَدَمْعِي دَافِقُ ….. يَا لَيْتَ أَيَّـامَ الْوِصَالِ تَطُولُمَرْحَى وَمَرْحَى “بِالْوَزِيرِ” وَمَرْحَبًا….. شِفْعًا وَوِتْـرًا وَالثَّنَاءُ يَطُولُأَسْدَى الْجَمِيلَ مُقَدَّمًا وِمُؤَخَّرًا ….. وَكَذَا الْجَمِيلُ عَلَى الدَّوَامِ جَمِيلُفَإِذَا رَدَدْتُ جَمِيلَهُ أَوْ بَعْضَهُ ….. بِالشِّعْرِ فَالشِّعْرُ الْجَمِيلُ جَمِيلُ وَعَدَ “الْوَزِيرُ” وَإِنَّهُ فِي وَعْدِهِ ….. لهَوَ الْوَفِيُّ الصَّادِقُ الْمَأْمُولُبَلْ تَوَّجَ الْمِيعَادَ “أَمْرًا” ثَانِيًا ….. إِنَّ الْكَرِيمَ نَوَالُهُ لَجَزِيلُلاَ غَرْوَ يَا “ابْنَ العَمِّ” أَنْتَ صَدِيقُنَا….. وَ”زَمِيلُنَا” نِعْمَ “الزَّمِيلُ نَقُولُ:زُرْنَا بِفَضْلِ اللهِ ثُمَّ بِفَضْلِكُمْ….. وَقَدِ اعْتَمَرْنَا وَالرَّجَـاءُ قُبُولُإِنِّي لِفِعْلِكُمُ الْجَمِيلُ لَشَاكِـرٌ ….. وَمُقَدِّرٌّ قـَدْ تَمَّ لِي الْمَأْمُولُ”حُلْمٌ” تَحَقَّقَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُـنْ….. يَجَرِي “بِبَالِي” فِي الْكَرَى فَأَطُولُفَلَقَدْ حَظَيْنَا بِالدُّخُولِ “لِكَعْبَةٍ”….. فَلْيَهْنَنَا شَرَفٌ بِهَا وَدُخُولُوَلَقَدْ حَظِينَا بِالدُّخُولِ “لِحِجْرَةٍ” ….. فِيهَا “إِمَامُ” الْمُرْسَلِيِن نَزِيلُفَجَزَاكَ مَوْلاَيَ الْكَرِيمَ جَزَاءَهُ….. وَأَتَمَّ نُعْمَاهُ عَلَيكَ يُنِيـلُوَأَمَدَّ فيِ أَيَّامِ عُمْرِكَ فِي رِضًا….. وَلَكَمْ تَحَقَّقَ حُلْمُكُمْ وَالسَّولُوَأَرَاكَ فِي دُنْيَاكَ أَسْعَدَ مَا تَرَى….. وَلِمَنْ لِبَيْتِكَ يَنْتَـمِي وَيَؤُولُوَأَنَالَكَ الأُخْرَى وَلَـم يَكُ بَيْنَنَا….. رَبَّـي يُفَرِّقُ وَالإِلَهُ مُنِيلُتِلْكَ السَّعّادَةُ وَالْمُرَامُ جَمِيعُهُ ….. فَاللهُ يُكْرِمُنَا هُوَ الْمَسْئُولُبِالْمَقْعَدِ الصِّدْقِ الْمُكَرَّمُ فِي غَدٍ….. مَعَ مَنْ نُحِبُّ وَذَلِكَ الْمَأْمُولُوَعَلَى الْحَبِيبِ “مُحَمَّدٍ” بَاهِي السَّنَا….. مَا إِنْ لَهُ فِي الْعَالَمِينَ مَثِيلُصَلَّى عَلَيْهِ اللهُ سَلَّمَ دَائِـمَاً….. أَبَدًا وَبَارَكَ مَا قَرَى التَّنْزِيلُ
وأودُ ـ وأنا أضعُ هـذا الديوانَ بين يديْ القارئ ـ أن أهمسَ في أُذُنِهِ أنني بحكم قرابتي للشاعر فَكَّرْتُ في وزن مصداقية شهادتي لصالحه، وهي شهادةٌ قد تحتمل الجرح والتعديل. ورغبةً منَّي في تَجَنُّبِ “الْحَرَجِ” فلقد التزمتُ الاعتدال في تقويم شعر “ابن عمي” تاركاً أَمْرَ نَقْدِ هذا الشعر للقراء من محبِّي الشعر العربي، ومتذوقيه.وحينما عَهِدَ إليَّ “ورثة”ُ الشاعر بما خلَّفه من “تراث” أدبي سألتُ نفسي عن مدى مسئوليتي الأدبية أمام “الجيل” المعاصر ـ وبالأخص أمام “مُحِبِّي” الشاعر الخلص في “الأحساء” ـ وكذلك “الأجيال” القادمة فيما لو أهملتُ هذا “التراث” إمَّا لأسبابٍ ماديةٍ، أو لانشغالي ببعض الشئون العامة المناطة بي رسميًا ووظيفيًا، لاسيما وأن “التراثَ” الذي خلَّفه الشَّاعر يُشَكِّلُ في حدِّ ذاتهِ “موسوعةً” أدبيةً كبرى.وإذا استثنيتُ “الأحساءَ” مسقط رأس “الشاعر” التي حبَّر فيها الكثير من الأشعار، قد لا أكونُ مبالغًا إذا قلتُ بأن “شاعرنا” قد جنى على الحركة الأدبية في مسقط رأسه “الأحساء” لعدم نشره شعره أثناء حياته إذ هو شاعرٌ غير مقل، طويلُ النفس، وذُو شاعريةٍ متألقةٍ، وتمكَّنَ من تطويعِ الشعر في مجال تأريخ ما كان يدورُ في بيئته، وهي بيئةٌ كانت في حاجةٍ لتأريخ آدابِها، وعاداتِها، وتقاليدِها.وإنني إذ أقدمُ هذا الديوانَ للساحة الأدبية:ـ في “الأحساء” أولاً؛ وفي سائر مناطق “المملكة العربية السعودية” ثانيًا؛ وفي “العالم العربي” ثالثًا؛ فإنَّنِي أُنْجزُ ـ في حقيقة الأمر ـ وعدًا قطعته على نفسي حالما تسلمتُ “تراثَ” الشاعر بأن أبادر إلى نشره … وسيكونُ منهجُ الديوان ـ كما يستفادُ من عنوانه ـ محتويًا على:ـ قصائدَ في ربوعِ “الأحساءِ ومغانيها” و”مرثيات” في بعض رجالات “الأحساء”، و”مطارحات” شعرية مع بعض شعراء “الأحساء” المعاصرين له.كما سَتَتَخَلَّلُ هذا الديوان قصائدٌ ـ من باب التنويع ـ ولا علاقة لها بـ “الأحساء” البتة ومنها قصائد: مثل “رثاء الأندلس”، و”رحلة مقدسة”، و”مرثية الملك فيصل”، و”شعاع من الماضي”، و”المسجد الأقصى يناديك”، و”مرحبًا بالأم”، و”مرحبًا بالأب”، و”الجدال”، والرد على “مهيار الديلمي”، ورأي الشاعر في “القوانين الوضعية”، وموقف الشاعر من “الشعر الحر”، والترحيب بجلالة الملك “سعود”.وستخلل قصائد الديوان كذلك “مقتطفات” من “ملحمة الدر المكنون في شتى الفنون” التي جاءت في أكثر من “ثلاثة عشرألف بيت، وهذه “المقتطفات” ذات أغراض وموضوعات متنوعة. هذا مع العلم أن هذه الملحمة ستخضع لدراسات مستفيضة.كذلك سوف أُذَيِّلُ كل “مقطوعة” شعرية منشورة في هذا الديوان بما تمكَّنتُ من صيده من حكم، وأمثال، أثناء مطالعاتي لأشعار شاعرنا التي لم يتيسر مراجعتها بغرض نشرها حتى الآن. واستهدفتُ من تضمين ديوان في ربوع الأحساء ومغانيها قصائد ذات موضوعات مختلفة (بما فيها “ملحمة الاسلام”) عنصر التشويق والتويع كما سبق القول، وعدم قصر الديوان علـى أشعارٍ خاصةٍ بـ “الأحساء”، وربوعها فقط.وتبقى ملاحظة أخيرة ذات أهمية قصوى، وتتعلق هذه الملاحظة بمشكلة وآجهتني وأنا أُعِدُّ هذا الديوان، وفحوى هذه المشكلة هو أن الشاعر لم يشر في الكثير من أشعاره:ـإلى تاريخ تحبير كل قصيدة؛ أو إلى المدة التي قضاها في تحبيرها؛أو إلى مناسبة تحبيرها؛ أو إلى شرح ما غمض من معاني بعض أبياتها؛ أو إلى وضع هوامش تُذَيَّلُ بها أسماء بعض “الشخصيات” التي وردت في الكثير من هذه الأشعار يستوي في ذلك مَنْ كانوا من أصدقائه، أو مِمَّنْ أبلوا بلاءً حسنًا في سبيل الإسلام، ناهيك عن صعوبة قرآءة بعض الخطوط الرديئة التي كُتِبَتْ بها بعض أشعاره مما جعل “للتخمين” و”محاولة فهم” ما يقصدة الشاعر الأثر الكبير في معرفة مقاصد الشاعر، ودوافعه، من تحبير الكثير من هذه الأشعار.ورغبة في تذليل هذه الصعاب فسوف أشرحُ ما رأى أنه ضروري لتوضيحِ بعض الأمور الْمُعِينَةِ لِي فهم المراد من تحبير أية قصيدة شعرية، أو ما ورد في بعض أبياتها من معاني قد تخفى على القارئ، وسيكون الشرح إمَّا في صدر القصيدة أو في الهوامش المتعلقة بها، وباعتباري صاحب الشرح فسوف أرمز إلى إسمي بعبارة “الناشر” أمام أي شرح سوف أدونُه.وحال بيني وبين الإسراع في نشر الديوان آنذاك إنشغالي بأعمال رسمية متعلقة بأوضاع وأحداث الخليج ـ إيران، العراق، الكويت ـ استغرقت معظم أوقاتي، وبدلاً من الانتظار رأيت التمهيد بالتعريف بالديوان قبل نشره، وكذلك التعريف بالشاعر في الأوساط الأدبية المحلية والعربية نظرًا لعدم معرفة هذه الأوساط به أو بشعره، وَتَحَقَّقَ هذا الهدف عن طريق ما قمتُ به من نشر أشعارٍ له في الصحف المحلية، وكذلك نشر “دراسات” و”أبحاث” عن هذه الأشعار في وسائط الأعلام المختلفة.(4)وعلى سبيل المثال ـ مجرد مثال ـ قمتُ بنشر دراسةٍ أدبيةٍ من حلقتين تحت عنوان: قراءة في ديوان: في ربوع الأحساء ومغانيها” تحت الطبع .. بجريدة “اليوم”، العدد رقم 6553/، ص/11، وتاريخ 11/11/1411هـ الموافق 25/5/1991م، والعدد رقم 6554، ص/6، وتاريخ 27/11/1411هـ الموافق 10/6/1991م.وعلى إِثْرِ نشرِ الحلقتين سارع أديب من أدباء الأحساء هو الأستاذ “عبدالله بن ناصر بن علي العويد” بالتعليق عليهما بمقالة عنوانها: رحلة “ابن عويد” القلمية عبْر كتابات معالي الدكتور “ابن ملحم” الأدبية.. والأستاذ العويد مربي، ومطلعٌ، وذو قلمٍ رشيقٍ مرهف. يقول “ابن عويد” في رحلته:مقالتا أديبنا الكبير معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم في جريدة اليوم، صفحة اليوم الثقافي في العددين (6553/6554) بتاريخ 11و12/11/1411هـ أمستا حديث الناس في المجالس والمزارع … وبالذات في عاصمةِ الشعر والنخل “واحة الأحساء” كما يسميها الأديب عبدالعزيز الرفاعي عبْر مقالاته في (جريدة الجزيرة) بالرياض. لا أجامل إذا قلتُ: أن المقالتين صارتا مفاجأة للسَّادة القراء، لاسيما وأن أستاذنا “الملحم” لم نتعود أن نقرأ أدبياته إلاَّ في جهات أخرى غير مؤسسة اليوم، وبالذات في “المجلة العربية” عام 1410هـ إذ أَثْرَاهَا “وفقه الله” بعدة حلقات مهمة عن حياة شاعر الأحساء الراحل الشيخ محمد بن عبدالله الملحم المتوفى ليلة الجمعة 8/12/1408هـ (عليه رحمة الله) عندما تناول قصيدته النونية من بحر “المتقارب” البحر الذي يرغم القارئ والسامع على التراقص كما يتراقص السائق في شوارغ فارغة فاها المطبات، أليس كذلك؟! منها قوله:
فَيَا جَنَّةَ اللهِ فِي أَرْضِهِ ….. جَمَالِكِ فَوّقَ الذِي يِصِفُونِمِثَالِكِ عَزَّ بِكُلِّ الدُّنَا ….. فَمَا مِنْ جَمَالٍ يَرَى النَّاظِرُونْأَأَنْسَاكِ “أَحْسَاءُ” هَذَا مُحَالْ …… وَأَنْسَى جَمَالِكِ ذَاكَ الْفَتُونْأَأَنْسَـى (نَخِيلِكِ) بَيْنَ النَّخِــيلِ ….. وَأَنْسَى (عُيُونِـكِ) بَيْنَ الْعُـيُونْ
طبعًا : كلا.وهي ملحمة طويلة يندر نظمها في (الشعر الحديث) بلغت ثلاثة عشر ألف بيت عنوانها: “الدر المكنون في شتى الفنون”، وما الوصف إلاَّ غرض من أغراضها الكثيرة. يا لها من فصيدةٍ بلغ عدد أبياتها عداد النبق (الكنار) الذي تحتضنه إحدى شجر السدر الشامخة في نخل الأحساء.ويضيف الأستاذ “العويد” قائلاً:حقًا، كان لوفاء كاتبنا السخي عن ابن عمه ـ مكانة كبيرة، وصدى مؤثر فهو ـ شكر الله سعيه ـ كشف لنا عن شخصيةٍ يفتقر إلى معرفتها الكثير، فقلم معاليه أضحى مفتاحًا لكثير من الدارسين ممن يدرس (الآداب المنسية) كالأدب الأحسائي، وهو من أرقى الآداب وأسماها وأعرقها. … ويعجبني في كتابات معالي الدكتور “محمد” (أثابه الله) الدقة، والتركيز، والاختصار، واصطياد ما ينفع حتى أنه يرجع إلى أشياء من الصعب اقتنائها أو تذكرها كتنويهه في مقالته عن (رسالة الماجستير) المقدمة من الطالب/خالد بن سعود الحليبي/ المحاضر بجامعة الإمام ـ فرع الأحساء، فهي من الرسائل المتألقة التي خدمت (الأدب الأحسائي في القرن الماض) فهنيئًا لمعالي أستاذنا الفاضل “محمد” على هذا القلم الممشوق السَّيال عبر الصحف والمجلات والكتب المخطوطة. …ويختم الأستاذ الأديب “العويد” تعليقاته الواعية بقوله:أرجو من الله العلي القدير أن يوفق ويساعد معالي أديبنا “محمد بن عبداللطيف آل ملحم” في إخراج دواوين هذا الشاعر الفحل وما يتبعها من دراسات في غضون الأيام المقبلة، وأن يجمعنا بشاعرنا الفقيد في جنات النعيم .. وبالله التوفيق. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والله أعلم، وصلى الله على سبدنا محمد وآله وصحبه وسلم.كلمة الأستاذ “العويد” جامعةٌ شاملةٌ، وأقتطفتُ الكثيرَ منها لأنها عبرت أيما تعبير عن حقيقة ما عنيتُه من التعريف بالشاعر وكذلك بديوان: في ربوع الأحساء ومغانيهاوذلك على اعتبار أنّ هذا الديوان هو الديوان الأول الذي لا يزال تحت الطبع وذلك من ضمن دوواين أخرى كنتُ أعزمُ على نشرها تباعًا. لم أوفق في إصدار ديوان في ربوع الأحساء ومغانيها رغم الجهد الذي بذلته , والمال الذي أنفقته, والوقت الذي ضاع مني سدى. لقد حال بيني وبين إصدار الديوان ونشره “ثالوثٌُ بغيض” هو الجهل والظلم والطمع. والله المستعان. وصلى الله وسلم على سيدنا ورسولنا محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه أجمعين.
———هوامش:———(1) ولقد طلبت من الأخ “عبدالعزيز” أن لا يذكر اسم هذا الشخص لكائن من كان فيما بعد ما دام العلم وصلني، وقد تعهَّد الأخ “عبدالعزيز” لي رذلك. (2) راجع “ومات شاعر موهوب” في جريدة الجزيرة، ص/8، العدد رقم 5814 وتاريخ 17 محرم عام 1409هـ.(3) القصيدة منشورة بالكامل في مشروع ديوان “ربوع الأحساء ومغانيها”. (4) راجع قصيدة “مالي وللأحلام” في جريدة “الجزيرة”، ص/6، العدد رقم 5883 وتاريخ 27 ربيع الأول عام 1409هــ؛ وقصيدة “الجار” في جريدة “الجزيرة”، ص/11، العدد رقم 5924 وتاريخ 8 جمادى الأولى عام 1409هـ؛ وقصيدة “يقول لي” في جريدة “الجزيرة”، ص/10، العدد رقم 5949 وتاريخ 4 جمادى الثانية عام 1409هـ؛ وقصيدة “رحلة بين أفياء الوطن” في “المجلة العربية”، ص/30، العدد رقم 146 وتاريخ ربيع الأول عام 1410هـ؛ وملحمة “عين البحرية” المنشورة في اليوم “الثقافي” في جريدة “اليوم” في حلقات:ـ وكانت الحلقة الأولى مع مقدمة ِمنِّي عن “العين” في ص/8، العدد رقم 6169 وتاريخ 11 شوال عام 1410هـ؛ والحلقة الثانية في العدد رقم 6173 وتاريخ 13 شوال عام 1410هـ؛ والحلقة الثالثة في العدد رقم 6187 وتاريخ 15 شوال عام 1410هـ وأعيد نشر هذه الحلقة (لورود أخطاء في نشرها) في العدد رقم 6173 وتاريخ 29 شوال عام 1410هـ؛ والحلقة الرابعة في العدد رقم 6176 وتاريخ 18 شوال عام 1410هـ؛ والحلقة الخامسة في العدد رقم 6176 وتاريخ 20 شوال عام 1410هـ؛ والحلقة السادسة في العدد رقم 6180 وتاريخ 22 شوال عام 1410هـ؛ والحلقة السابعة في العدد رقم 6183 وتاريخ 25 شوال عام 1410هـ؛ وعلى إثر نشر هذه الحلقات علق عليها الأستاذ المربي “عثمان الصالح” في جريدة “اليوم” تحت عنوان “عبارات .. ملاحظات” في العدد رقم 6210 وتاريخ 23 ذي القعدة عام 1410هـ؛ وراجع “دراسة أدبية بعنوان “وقفة مع أطول محلمة شعرية” من “خمس” حلقات نشرتُها في “المجلة العربية”، الحلقة الأولى في العدد رقم 148 وتاريخ جمادى الأولى عام 1410هـ؛ والحلقة الثانية في العدد رقم 149 وتاريخ جمادى الأخرة عام 1410هـ؛ والحلقة الثالثة في العدد رقم 150 وتاريخ رجب عام 1410هـ؛ والحلقة الرابعة في العدد رقم 152 وتاريخ رمضان عام 1410هـ؛ والحلقة الخامسة والأخيرة في العدد رقم 153 وتاريخ شوال عام 1410هـ؛ وراجع المحاضرة التي ألقيتُها في “نادي مكة الثقافي” مساء يوم الثلاثا 27/5/1415هـ؛ بعنوان “لمحات من الحركة التعليمية في مقاطعة الأحساء”، وقد نَشَرَتْهَا مجلة “الفيصل” في ثلاث حلقات، وفي الحلقة الثالثة المنشورة في المجلة، العدد رقم 219 وتاريخ رمضان عام 1415هـ قصيدة “هجر وربع القوت” لشاعرنا التي ختمتتُ بها محاضرتي، وراجع قصيدة “رثاء الأندلس” (التي ألقيتها في “ندوة الأندلس” التي نظمتها مكتبة الملك “عبدالعزير” بالرياض مساء السبت 15/5/عام 1414هـ) المنشورة في “ملحق الأربعاء الأدبي” لصحيفة “المدينة”، ص/10 ـ 11 الصادرة في 4 جمادى الأخرة عام 1414هـ؛ كذلك راجع قصيدة “رثاء الأندلس” في جريدة “اليوم”، ص/23، العدد رقم 7449 وتاريخ 22 جمادى الأولى عام 1414هـ؛ وَنُشِرَتْ القصيدة نفسها في مجلة “المهل” مع مقدمة لي بعنوان “إضاءة” في الصفحات من 47 إلى 53، العدد رقم 511 وتاريخ رجب عام 1414هـ؛ ص/47، وراجع “بساتين هجر” في جريدة “اليوم”، ص/7، العدد رقم 6962 وتاريخ 7 محرم عام 1413هـ؛ وقصيدة “الأحساء” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6570 وتاريخ 28 ذي القعدة عام 1411هـ؛ وقصيدة “تنوع الصناعات في الأحساء” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6578 وتاريخ 7 ذي الحجة عام 1411هـ؛ وقصيدة “القدس السليب” في جريدة “اليوم”/ ص/6، العدد رقم 6584 وتاريخ 13 ذي الحجة عام 1411هــ؛ وقصيدة “حدائق البحرية” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6591 وتاريخ 20 ذي الحجة عام 1411هـ؛ وقصيدة “الوصايا الخمس” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6605 وتاريخ 5 محرم عام 1412هـ؛ وقصيدة “ملكة الحسن” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6612 وتاريخ 12 محرم عام 1412هـ؛ وقصيدة “عتاب مهذب” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6632 وتاريخ 2 صفر عام 1412هـ؛ وقصيدة “أيها العاذل” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6639 وتاريخ 9 صفر عام 1991هــ؛ وقصيدة “نشيد المسلمين” في جريدة “اليوم” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6646 وتاريخ 16 صفر عام 1412هـ؛ وقصيدة “يا ليالي” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6667 وتاريخ 8 ربيع الأول عام 1412هـ؛ وقصيدة “نصيحة” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6653 وتاريخ 23 صفر عام 1412هـ؛ وقصيدة “بلقيس” في جريدة “اليوم”، ص/6، العدد رقم 6660 وتاريخ 1 ربيع الأول عام 1412هـ؛ وراجع سلسلة مقالات “عيون الأحساء” المنشورة في جريدة “اليوم” التي كانت “في حقيقة الأمر” شرحاً لقصائد الشعر التي حبرها “شاعرنا” عن هذه العيون، وكانت المقالة الأولى بعنوان “عين الجوهرية” في العدد رقم 6612 وتاريخ 12 محرم عام 1412هـ؛ والمقالة الثانية بعنوان “عين الحقل” في العدد رقم 6619 وتاريخ 19 محرم عام 1412هـ؛ والمقالة الثالثة بعنوان “عين نجم” في العدد رقم 6626 وتاريخ 26 محرم عام 1412هـ؛ والمقالة الرابعة “عين البحير” في العدد رقم 6633 وتاريخ 3 صفر 1412هـ، والمقالة الخامسة “أم سبعة” في العدد رقم 6640 وتاريخ 10 صفر 1412هـ؛ والمقالة السادسة “عين الخدود” في العدد رقم 6647 وتاريخ 17 صفر عام 1412هـ؛ والمقالة السابعة “لغز النهرين” في العدد رقم 6654 وتاريخ 24 صفر عام 1412هـ، والمقالة الثامنة “عيون الأحساء المغمورة” في العدد رقم 6661 وتاريخ 2 ربيع الأول عام 1412هـ؛ والمقالة التاسعة “الأحساء هي عيونها” في العدد رقم 6669 وتاريخ 10 ربيع الأول عام 1412هـ؛ وراجع قصيدة “أسماء” في مجلة “الشبل”، ص/37، العددين 33/34 وتاريخ غرة شوال عام 1409هـ؛ وقصيدة “عبدالله” في مجلة “الشبل”، ص/33، العددين 35 و36، وتاريخ 15 شوال عام 1409هـ؛ وَعَقَّبَ على ما نشرتُه عن “شاعرنا” أدباء ومنهم:ـ الأستاذ “عبدالرحمن بن عوض الحربي” الذي أذاع في برنامجه الأسبوعي “شاعر من بلادي” في إذاعة الرياض” مساء يوم الخميس 24 جمادى الأولى عام 1411هـ حلقة عن “شاعرنا” دامت لنصف ساعة، وذكر لي الأستاذ “الحربي في رسالة شخصية أن مادة البرنامج عن “شاعرنا” ستنشر في مؤلف سوف يطبعه تحت عنوان “شعراء من بلادي”؛ والأستاذ الدكتور “علي بن عبدالعزيز العبدالقادر” الذي نشر مقالة بعنوان “الوطن في شعر .. محمد بن عبدالله آل ملحم” في جريدة “اليوم”، ص/8، العدد رقم 5857 وتاريخ 25 ذي القعدة عام 1409هـ، والأستاذ “عبدالله العويد” الذي ألقى محاضرة في “دولة الأمارات العربية” نَشَرَتْ جريدة “اليوم” مقتطفات منها في ص/6، العدد رقم 6830 وتاريخ 23 شعبان عام 1412هـ


الناشر: لم تنشر

تاريخ النشر: 01/01/1417هــ

 ميناء العقير أول ميناء سعودي في عهد الملك عبدالعزيز 

كنتُ على متن إحدى طائرات “الخطوط الجوية العربية السعودية” المتجهة من لندن إلى الرياض مساء يوم الجمعة الموافق 21 من شهر محرم الحرام عام 1417هــ، وكان الطيران بحق ممتعاً ومريحاً للغاية، وتناولتُ أثناء الطيران بعض المجلات والصحف لقراءتها بما في ذلك مجلة “أهلاً وسهلاً” العدد 6 ــ محرم /صفر 1417هــ التي تصدرها “السعودية” كل شهرين. ولدى تصفحي للمجلة وقع نظري على مقالة ذات طابع تاريخي تحت عنوان “تاريخ المواصلات: المواصلات البحرية في المملكة ومراحل تطورها في عهد الملك عبدالعزيز” بقلم الدكتور “محمد بن عبدالله السلمان”.وقرأت المقالة التي استهلها الكاتب بقوله:”كان عهد البلاد السعودية بالمواصلات البحرية قديما ومنذ مئات السنين وذلك نتيجة لوقوع المملكة العربية السعودية على جهتين من البحار، فمن الجهة الشرقية تطل على الخليج العربي، وبالغرب تطل على البحر الأحمر بساحله الطويل، فنشأت لذلك العديد من المواني التي استخدمت لغرض النقل البحري. والساحل الشرقي للمملكة يتألف مــن شاطئ أكثره رملي وتقع عليه عـدة موانئ منها: القطيف والجبيل ورأس تنورة وكذلك الدمام والخبر، أما الساحل الغربي للمملكة فهو أكثر استقامة من الساحل الشرقي وأطول منه، غير أن فيه بعض الشعاب المرجانية التي قد تعيق سير الملاحة وتهددها، ومع ذلك فإن موانئ هذا الساحل كثيرة: مثل جيزان والقنفذة والليث ورابغ وأملج وينبع والوجه لكن ميناء جدة يعتبر أهم تلك الموانئ على الاطلاق”.وبعد الانتهاء من قراءة المقالة وجدتُ أنها غير شاملة للموضوع الذي تَطَرَّقَتْ إليه، وبها بعض القصور إذا ما قورنت بعنوانها الشامل “المواصلات البحرية في المملكة ومراحل تطورها في عهد الملك عبدالعزيز”.أغفل الكاتب حتى الإشارة ــ مجرد الإشارة ــ إلى أول ميناء سعودي على الإطلاق في عهد الملك “عبدالعزيز” أَلاَ وهو “ميناء العقير” ذو الصيت المعروف والشهرة التاريخية. ويقع ميناء العقير على ضفاف “الخليج العربي” الغربية. ولميناء العقير تاريخ يعرفه “ياقوت الحموي” و”الأزهري” و”الصاغاتي” والكثير من جغرافي العرب ومؤرخيها منذ العهد الجاهلي وحتى عصورنا الحديثة. وبالعقير كساحل آثار مطمورة تشهد على عظمة ماضيه وإن كان لم يكشف النقاب عنها بعد. وبه ميناء كانت له أهمية بالغة على مر العصور لكل من الأحساء ونجد. إذ هو منذ القدم ثغرهما، وعن طريقه كانت البضائع والخدمات تنقل إليهما من البلدان العربية الواقعة بشرق جزيرة العرب وبلدان “فارس” و”الهند” و”سرنديب” و”سومطرة”. وتكفي الإشارة إلى ما أورده علامة الجزيرة الشيخ “حمد الجاسر” من وصف “ابن الزجاج” في رسالة له إلى ديوان “الخلافة العباسية” من أن “العقير”: دهليز “الأحساء”، ومصب الخيرات منه إليها، وكثرة الإنتفاعات التي جل الإعتماد عليها”. ومنذ استرداد جلالة الملك “عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود” “الأحساء” في عام 1331 هـ وحتى بدايات السبعينيات من القرن الهجري الماضي كان ميناء “العقير” هو الثغر المهم إن لم يكن “الوحيد” من حيث الأهمية “للمملكة العربية السعودية” على شواطئها الشرقية. وعاصر هذا الميناء أمجاداً إذ على ضفافه في العهد السعودي حط الرواد الأوائل الباحثون عن البترول رحالهم فيه. واتخذ اسمه (أي اسم ميناء العقير) مسمى لإتفاقية سعودية بريطانية شهيرة لصالح المملكة وُقِّعَتْ على ضفافه في بداية الأربعينيات من القرن الهجري الماضي. وبالأمس كان ميناء العقير هو بوابة الأحساء ونجد البحرية. وفي هذا الخصوص يروي الأستاذ المربي “عثمان الصالح” أن للملك “عبدالعزيز” رحمه الله ــ بعد استرداده الأحساء ــ عن ميناء “العقير” مقولة مشهورة هي: “الآن عرفتُ أن لي دولة وملكا، وقد ملكتُ منفذاً بحرياً على العالم”. ويضيف الأستاذ “الصالح” بأن ميناء “العقير” هو ميناء المنطقة الوسطى (أي منطقتي نجد والقصيم).وللبحر، كما يعلم أهل الأحساء، سمارُهُ، ونواخذتُه، وشعراؤُه، وصيادُوا سمكه. يقول أديب الأحساء الأستاذ “عبدالله الشباط” عن أسماك “العقير” ما مؤداه أنها تعتبر من أجود الأنواع .. فطعمها لذيذ ونكهتها طيبة .. ويعود سبب ذلك إلى زيادة الملوحة في مياه البحر ونظافة المراعي البحرية لبعد الساحل عن المناطق السكنية وخلوه من التلوث.. ومن أشهر أسماك هذه المنطقة (ولا يزال القول للأستاذ الشباط) الكنعد والتونة والحاقول والدويلمي والهامور.والعقير اليوم أرض سياحية بكر. وهو بالنسبة لأهالي الأحساء من أهم المنتجعات السياحية، والكثير منهم، لا سيما ساكني القرى القريبة منه، يرتادونه ــ رغم بساطته ــ في المناسبات وأيام الأنس والمسرات.وتغنَّي السمار بالعقير، وضفافه الجميلة، وبحره الهاديء، وهوائه اللطيف، ونسيمه العليل، ولياليه المقمرة. وفي قصيدة طويلة بعنوان “منظر رائع” يقول الشاعر “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم” في مطلعها:
بَيْنَ عَيْنَيَّ رُوَاً ….. مُسْتَمِرٌ وَضِيَاءوَدُنَاً عَائِمَةٌ ….. فِي شُمُوعٍ وَسَنَاوَعَلَى الشَّطِّ بَدَتْ ….. صُوَرٌ تَسْبِي النُّهَاجَلَّ مَنْ أَبْدَعَهَا …… تَمْلأُ النَّفْسَ هَنَا
وكان الشاعر “آل ملحم” يقصد بـ “منظر رائع” منظر شواطىء ورمال “العقير” الجميلة حيث يقول عنها:
يَا لَيَالِي وَصْلُنَا ….. فِي “الْعُقَيْرِ” وَالصَّفَاأَتْحِفِينَا مَرَّةً ….. بَلْ مِرَارَاً بِاللِّقَاإِنَّ فِيكَ سَلْوَةٌ ….. مِنْ ضَنَانَا وَالْعَنَانَتَلاَقَى عُصْبَةٌ ….. فِي شَواطِيكِ مَعَاحَيِّ يَا شِعْرُ مَعِي ….. شَطَّهُ وَالْمَلْعَبَاوَرِمَالاً عِنْدَهُ ….. مَائِسَاتٍ طَرَبَاحَيِّ يَا شِعْرُ مَعِي …… فِي “الْعُقَيْرِ” سَلَفَاهَذِهِ آثَارُهُمْ …… بَيْنَ عَيْنِي تُجْتَلَىيَا “عُقَيْرَ” الأَمْسِ فِي ….. خَلَدِي مِنْكَ سُدَىلَمْ أَزَلْ أَذْكُرُهُ …… لَكَ وَالذِّكْرَى كَفَىمَرْحَباً يَا شَاطِئاً ….. ضَمَّ أَلْوَانَ الْهَنَاحَسْبُكَ الْفَخْرُ بِأَنْ ….. قَالَ فِيكَ الْقُدُمَاكُلَّ قَوْلٍ طَيِّبٍ ….. وَتَغَنَّى الشُّعَرَا
وعن العقير وتاريخه كميناء قال الشاعر:
يـَـا “عُقَيْراً” لَــمْ يَـــزَلْ ….. فِيـــهِ آثَــارُ الْبِنَـــاقَائِمَاتٌ لَمْ تَزَلْ ….. شَاهِدَاتٌ لِلْعُلاَكُنْتَ دَوْماً لَمْ تَزَلْ ….. أَقْدَمُ الْبَحْرِ هُنَاهَمْزَةُ الْوَصْلِ الَّتِي ….. وَصَلَتْنَا الأَزْمُنَا
وعن الغوص وصيد اللؤلؤ بالعقير يقول الشاعر:
يَا زَمَانَ الْغَوْصِ فِي ….. لُجَج الْبَحْرِ مَضَىذَاكُمُ عَهْدٌ لَهُ ….. صِيتُ مَجْدٍ قَدَ جَرَىهَلْ تَرَى أَزْمَانُهُ ….. رَاجِعَاتٍ هَلْ تَرَى؟أَيُّهَا الْبَحْرُ الَّذِي ….. بِهِ غَاصَتْ أَهْلُنَاوَاجْتَلُوْا مَحَّاَرَهُ …… كَالْعَذَارَى فِي السَّنَامِنْهُ صَادُوا لُؤْلُؤاً ….. قَدْ كَفَاهُمْ مُؤَنَا
ومن المأمول أن تمتد يد الإصلاح الحكومية إلى العقير كمنتجع وإلى مينائه ذي الأهمية التاريخية، وفي هذا الخصوص حبر شيخ الشباب صديقي الأديب “محمد بن الشيخ عبدالله المبارك” إمام جامع الإمام “فيصل بن تركي” بحي “النعاثل بمدينة “الهفوف” حاضرة “محافظة لأحساء” قصيدة جميلة من أبياتها:ــ
إِنَّ الْعُقَيْرَ جَمِيلَةٌ ….. مَيْنَاؤُهَا عَبْرَ الأَثَرْفَمَتَى يُعَادُ بِنَاؤُهُ ….. وَمَتَى سَيُعْلَنُ ذَا الْخَبَرْ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــوزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق، ورئيس دارة الدكتور آل ملحم للمحاماة والتحكيم والإستشارت القانونية
09/1996م03/1417م

الناشر: مجلة أهلاً وسهلاً

,السنة:20,

العدد:9

تاريخ النشر: 09/1996م

حوار حول الشعر الحر (2): شمس وظل

شمس وظلبقلم عبد الرحيم نصاردرس في التعامل: منشر في مجلة اليمامة، العدد رقم 293، تاريخ 28/2/1394 هـ
نشرنا في الأسبوع الماضي ردًا للدكتور محمد الملحم عميد كلية التجارة بعنوان”درس في الاعلام”، وليسمح لي الصديق الدكتور محمد الملحم بأن أفيد سعادته بأن الدرس الإعلامي لم يكن للأسف “مفيدا” لأنه أغفل الموضوع الأساسي “موضوع الرد على الشعر الحر” .. وراح يحوم حول مسألة بعيدة عن صلب الموضوع.. وأعني بها الأمساك بحلق زميله الدكتور غازي القصيبي.. وهو ما عجبتُ له وَعَجَبَ لهُ القراء.. حيث استشف الجميع من كلام الدكتور الملحم بأن الدكتور غازي القصيبي هو الذي يكتب الأخبار عن الدكتور الملحم ويتحرَّش به.. وهذا لعمري فيه الكثير من التجنِّي..يقول الدكتور الملحم “وليسمح لي الدكتور القصيبي إذا كان في هذه التسمية “أي سياسة التحرش” شئ من الإنحراف الأكاديمي”، وهذه السياسة معروفة، وليست بالأمر الجديد في حقل الإعلام.. ثم يضيف لكن هذه السياسة غير قانونية ولكي تكون منتجة وفعالة فيجب وهنا موطن الشرعية.. أن يكون استخدامها بريئًا، وتخدم الصالح العام”. وقد حيَّرتني كلمة “بريئًا”!! فهل يتصور الدكتور الملحم أننا بملاحقتنا إياه واستحثاثنا له للكتابة حول الشعر الحر الذي يهاجمه ويسفهه هل يتصور أن في ذلك تحرشًا به وإساءةً إليه أو حتى خطأ إعلاميًا؟نحب أن نؤكد للدكتور الملحم أولاً أن “اليمامة” هي التي كتبت جميع الأخبار عن رد سعادته على “الشعر الحر” أولاً وثانيًا وثالثًا.. وأننا نعتقد أن الدكتور الملحم هو الذي وقع في فخ “سياسة التحرش!!” كما سماها، ونرجو أن تكون النوايا الطيبة هي رائدنا إلى الحق والثبات عليه.والدكتور الملحم الذي يهاجم “الشعر الحر” لم نسأله أن يلقي علينا درسًا في الإعلام وإنما طالبناه بأن يحاول البحث في “الشعر الحر”، ويقول رأيه فيه ولو بطريقة قانونية إن عز غيرها!! لكن الدكتور الملحم تهرب من ذلك كله.. ليخلص بسرعة إلى دعابة لطيفة وهو أن هدفه من الهجوم على “الشعر الحر” كان من أجل المساهمة في حل “أزمة الورق” التي تعاني منها الصحف عن طريق توفير الأعمدة التي تخصص لهذا الكلام المنثور للأمور الأكثر أهمية!!”ثم يطالبنا الدكتور بأن تهدي “اليمامة” إليه أحسن ديوان أو ديوانين يتضمنان هذا اللون من الكلام.. وعندئذ سيكتب رأيه في الوقت الذي يراه مناسبًا!!وأخيرا يصف الدكتور الملحم “الشعر الحر” بأنه كالزبد الذي “سيذهب جفاء” وهكذا يضع القضية على الرف ويستريح.هناك ثلاث نقاط نرجو من الدكتور أن يفتح صدره لها.. الشعر الحر “موجود” وكسب الجولة في محاكم المثقفين في العالم العربي.. وما زال يقوى ويشتد ويرسخ في الميدان وليس أدل على ذلك من أنه موضوع عشرات الأطروحات التي تقدم بها الأدباء والمثقفون لنيل الدكتوراه، وربما تأتت أزمة الورق التي يتحدث عنها الدكتور من هذه الطروحات، والبحوث الأدبية!! اليمامة تعد الدكتور الملحم بأن تهدي إليه ديوانا من “الشعر الحر” على شرط أن يكتب عنه نقدًا وبسرعةٍ وأن يثبت خلال بحثه أن “الشعر الحر” خال من الموسيقى “الوزن” وخال من المضامين الثقافية والفكرية والإنسانية..إن وصف الشعر الحر وبمنتهى البساطة بأنه زبد وسيذهب جفاء فيه كثير من التلقائية و الإرتجالية واليأس والعجز!!أخيرًا أود أن أهمس في إذن الدكتور بأنه لم يقرأ ديوانًا واحدًا من الشعر الحر” بتروٍ ولو فعل لما خفي عليه الوزن فيه بصفته أحد الذين ينظمون الشعر.المسألة في اعتقادي هي مسألة إعراض كامل عن هذا اللون من الأدب.. دون محاولة للبحث الفاحص.. ولكن هذه السلبية في “كره” الشعر الحر لأنه شعر بدون قافية مستمرة.. لا يمكن أن تطمس حقيقة واضحة كالشمس وهي أن “الشعر الحر” موجود.. موجوووود..!!


الناشر: مجلة اليمامة

– العدد:293ت

اريخ النشر: 28/2/1394 هـ

تعليق على مقالة: ضربة معلم (2)

 

تعليقات على مقالة ضربة معلمهذا النوع من الطرح .. لماذا نفتقدهبقلم الأستاذ محمد بن عبدالله الوعيل
عندما تستوقفنا في الآداب العالمية الكتابات الذَّاتيه كالاعترافات أو أن يكتب الأديب عن نفسه أو يضع بطلاً لرواية تحكي قصة حياته .. فإننا نجد زخمًا من المعلومات الخاصة عن هذا الأديب أو الشاعر. أيضًا هناك في العالم وخصوصًا الغربي من نجدهم يكتبون عن أديب أو شاعر التصقوا به أو صاحبوه في مرحلة من حياته. مثل هذا الطرح لا نجده “رائجًا” في عالمنا العربي وخصوصًا المملكة لأن الأديب أو الشاعر نادرًا ما يحب أن يتحدث عن نفسه أو أن يتحدث الآخرون عنه .. وقد يجد العاملون بالصحافة الكثير من المشقة عندما يرغبون في تقديم دراسة عن أديب أو شاعر سعودي .. ولذلك استوقفني ما كتبه ذات مرة الدكتور محمد الملحم والذي نادرًا ما يكتب رغم ريادته في الكتابات الأدبية الرصينة .. وقد يكون عزوفه عن الكتابة الكثيفة بسبب مشاغل المنصب الذي يشغله .. ولكن تبقى هذه اللماحية والعمق الذي يتناول به الموضوعات التي يتطرق إليها .. أقول استوقفني ما كتبه الدكتور محمد الملحم عن الدكتور حمود البدر عن طفولته وعن حياته الدراسية عند تعيينه أمينًا عامًا لمجلس الشورى، وهي وظيفة عامة جعلت “الملحم” يلامس شيئًا من حياة البدر عندما كان طالبًا في “القاهرة” والتي اتسمت بالمداعبة الأدبية التي تشد القارئ. هذا النوع من الطرح أجزم أن صحافتنا في غياب عنه بينما ذلك يدخل في حيز الأدب عندما يرتقي الكاتب بعيدًا عن النواحي الشخصية ليلمس الجوانب التي تهم القارئ.ولعلني أيضًا أطرح للنقاش أهمية وجود مثل هذا النوع من الأدب لأنه يدخل في باب التاريخ للأدب باعتبار أن الشخصية الأدبية أو الشعرية دائمًا ما تكون محصلة “إنسان” .. ويتعلق الإنتاج الأدبي أو الشعري بذلك الإنسان .. فالكثيرون يعرفون الانفصال بين الشخص وما يكتب وهو فيما بعد ـ أي هذا النوع من أدب السيرة ـ يتحول إلى “طرح مثالي” يمكن أن يحتذى من قبل الشباب والقراء.وإذا كان الدكتور الملحم قد جعلنا بما كتبه عن الدكتور حمود البدر نتذكر هذا اللون من كتاباته الأدبية في السنوات الماضية عن النفط والتعليم .. وله باع في الشعر .. فإن السؤال الذي يثار هو .. هل “كرسي الوظيفة” عامل من عوامل الإقلال في الإنتاج الأدبي، وإنه وإن كان لدينا في الأدب العربي نماذج قليلة من “الحديث الذاتي” أو “السيرة” الذاتية كما فعل طه حسين في “الأيام”، والعقاد في أحد كتبه حيث سرد الكثير عن حياته وآخرون .. ولم يقف المنصب الذي احتله طه حسين كوزير للمعارف ـ له آثاره البعيدة على التعليم في مصر ـ لم يقف المنصب دون النتاج الأدبي لطه حسين.هذه المداخلات جعلتني أتوقف عند أكثر من فكرة إعلامية في هذا الإطار في كتاب الدكتور عبدالرحمن الشبيلي “نحو إعلام أفضل” حيث لم يشغله المنصب عن صيانة أفكاره وتجاربه العلمية والإعلامية قي هذا المؤلف والتي كان أروعها هذه القفزات التاريخية التي صاحبت البدايات في الإذاعة والتلفزيون.وهناك نماذج أخرى ولو أنها قليلة إلا أنا تمزج عملية التجربة الذاتيه بالتجربة العامة خصوصًا إذا كان الكاتب قد عايش التجربة .. لأن الكتابة في مثل هذا اللَّون تصبح مصدرًا للتاريخ.
المصدر: جريدة اليوم، العدد رقم 7793،وتاريخ 18/8/1414هـ الموافق 29/1/1994م.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:7793

تاريخ النشر: 29/1/1994م

ضربة معلم (1)

(1) ضربة معلم بقلم معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آلملحم
مضى على صداقتنا أكثر من ستة وثلاثين عامًا.تعرَّف بعضنا على بعضٍ بمدينة الرياض في صيف عام 1378هـ.كان رفيق الدرب وقتها طالبًا في المرحلة النهائية بالمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة في عام 1378هـ.وكنت وقتها طالبًا في المرحلة النهائية بمدرسة الرياض الثانوية حينما كان مقرها بيت “ابن جبر” بحي “شلقة” في عام 1378هـ.قرَّرت الحكومة في ذلك العام، بعد نجاحنا، أن نواصل الدراسة بمصر، فاتفقنا على السفر سويةً.وفي مصر التحق صاحبي بقسم الصحافة بكلية الآداب ـ جامعة القاهرة، أمَّا أنا فقد التحقتُ بكلية الحقوق في الجامعة نفسها.وقرَّرنا أن نسكن معًا.وكانت رغبتنا الجامحة أن نسكن بالقرب من الجامعة، وأن نذهب اليها مشيًا على الأقدام. وبصعوبةٍ بالغة تحقق أملنا حيث وجدنا السكن المريح في شقة “بشارع الخطيب” بحي “الدقي” في ا”لجيزة”.وكما هو معروفٌ، تحتاج الدراسة في الغربة إلى استقرار نفسي، وإلى رفيق درب تشاطره ويشاطرك أحوال المسرة والألم.كنا نتفق وكنا نختلف، وهذه ظاهرةٌ صحية، وكان من شأن اتفاقنا على بعض الأمور، واختلافنا على أمور أخرى تقوية أواصر الصداقة بيننا.لعب الاستقرار النفسي، والرفقة القائمة على التفاهم والمحبة والتسامح دورًا هامًا في نجاحنا الدراسي.كان صاحبي هاويًا للصحافة متعلقًا بها، كانت في روحه ودمه حتى قبل أن يلتحق “بقسم الصحافة”، وحينما كان طالبًا في القسم كان يراسل بعض صحفنا السعودية من “القاهرة” لغاية نبيلة في نفسه تمكَّن من تحقيقها بسهولة، وكنت أتصور أن ما يرغب تحقيقه، عن طريق مهنة المتاعب، معجزة في حد ذاتها، وهي غاية نجح في الوصول اليها، وحينما أمسك بناصيتها وجد فيها خيرا وبركة.كان رفيقي يحدد وقت المذاكرة، كما يعرف وقت الراحة.وكان صاحب رأي،وكان يحاور، ولكن في أناةٍ، وصبرٍ، وبأدبٍ جم.وكان يستمع للرأي الآخر، وحتى إن لم يقبله فهو يحترمه.وكان مرنًا.وكان يتصرف دونما هوى جامح أو طيش بين.وهو خجول، ويطاطيء الرأس إذا سمع ما يكرهه…….وعدنا إلى الرياض، ومن ثم افترقنا إلى حين…….التحقتُ بكلية التجارة، جامعة الملك سعود معيدًا بقسم القانون بها. والتحق زميلي بوزارة العمل والشئون الاجتماعية، وابتعث من قبل وزارته إلى أمريكا للدراسة العالية حيث حصل من هناك على شهادتي الماجستير والدكتوراة في حقل “العلاقات العامة”، وهو حقلٌ تشكل الصحافة، أو على الأصح “الإعلام”، خلفيته الأساسية. ومكث بوزارة العمل والشئون الاجتماعية فترةً قصيرةً انتقل بعدها إلى جامعة الملك سعود أستاذا مساعدًا “بكلية التربية”. وفي فترة قصيرة تدرج في مناصب مختلفة بالجامعة كان آخرها وكيلاً بالجامعة حيث بقي بالوكالة لمدة اثني عشر عامًا، (أي من عام 1396هـ إلى عام 1408هـ)، وهي مدة قياسية بالنسبة لقرنائه في جامعته أو الجامعات الأخرى لأنه جدِّد له من قبل مجلس الوزراء في وكالة الجامعة أربع مرات. كما كان وحتى الآن رئيسا للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية.وحينما كان بالجامعة لم يتخل عن محبوبته “الصحافة”.كان يكتب بين الحين والآخر.وكان ما يكتبه مقروءًا.تميَّز قلمه بالرشاقة، خفيف الظل، يتجنب التعقيدات، يخاطب أصحاب العقول المختلفة، يقود القارئ معه إلى حيث يرغب هو بسهولة.وللمربي علي أمين، وهو أحد أساتذته، تأثيرٌ بالغ عليه.صدر له كتاب في حقل العلاقات العامة تحت عنوان “أسس العلاقات العامة وتطبيقاتها”،وفي جريدة “اليوم” الغرَّاء قوَّمت هذا الكتاب، وكان من مرئياتي عنه ما يلي:”كتاب “أسس العلاقات العامة وتطبيقاتها” مهمٌ في خصوص الموضوع الذي تطرق له، وخرجتُ من مطالعتي للكتاب بثلاثة أفكار أساسية..تتعلق الفكرة الأولى بالنهج الذي سلكه المؤلف في عرض عملية العلاقات العامة من الناحية التاريخية والعلمية.وتتعلق الفكرة الثانية بمحاولات المؤلف الناجحة في بلورة معالم ما يمكن أن يسمى بعملية العلاقات العامة من منظار إسلامي.وتتعلق الفكرة الثالثة بحيوية العلاقات العامة وقدرتها على استيعاب كل جديد.وأشبع المؤلف الفكرة الأولى بحثًا وتدقيقًا .. وهذا ليس بمستغرب عليه لتمكنه من عملية العرض والطرح من الناحية العلمية . واكتسبَ المؤلف هذه المهارة من خلال ممارسته للعملية الصحفية منذ كان طالبًا بقسم الصحافة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وكذلك بعد تخرجه منها. ولمسات هذه الممارسة جلية في أسلوبه الشيق، وهو الأسلوب الذي استخدمه في تأليف “أسس العلاقات العامة وتطبيقاتها”.والكتاب معد أساسًا لطلاب العلاقات العامة بالجامعة. ولهذا الغرض العلمي استخدم المؤلف في طرح أفكاره أسلوب العرض الموضوعي دون أن يفرض على الطالب توجهات معينة ذات طابع شخصي، أي أن المؤلف اعتمد تقديم أفكاره عن الموضوع الذي يعالجه بكل أمانةٍ وتجردٍ تاركًا له ـ أي للطالب ـ وعن عمد، حرية التفكير، وتكوين الرأي الملائم. وهذا نهج طيب تقتضيه الحرية الأكاديمية، والأمثلة المعبرة عن هذا الأسلوب المحايد ملموسة في أكثر من فصل من فصول الكتاب.ومنذ أيام استقبلتُ، وبارتياح عظيم وسعادة بالغة، نبا تعيين زميل الدراسة، ورفيق الدرب، القوي، الأمين، الدكتور حمود بن عبدالعزيز بن عبدالمحسن البدر أمينًا عامًا لمجلس الشورى. ولم يكن الخبر مفاجأةً لي لما أعرفه عن كفاءة هذا الرجل.النبأ الذي سمعته كان “ضربة معلم”، ويعرف هذا المعلم، وفق الله خطاه، لمن يعطي القوس.وليس لديَّ لأختتم هذه الكلمات أفضل مما تحدث به أبو بدر نفسه لجريدة “الرياض” الغراء عن شعوره لما عَلِمَ هو الآخر بنبأ اختياره، وهو حديث مختصر، ومعبر، وشامل.يقول معالي أمين عام مجلس الشورى:”لقد شرَّفني خادم الحرمين الشريفين بهذه المهمة وهو بذلك يتوقع مني أن أكون أمينًا في عملي، أمينًا في تعاملي، أمينًا على ما عهد به إليَّ، ومن ثم إنني وجل أن لا أكون كذلك، لكن ثقتي بالله، ثم ثقتي بدعم رؤسائي الذين سأعمل معهم بتوجيه من قائد المسيرة سيجعل النجاح في متناول اليد بإذن الله. إن التجربة جديدة فيما يتوقع منها، فهي مهمة لها طعم ولون يختلفان عما يمارسه الآخرون، إذ أن لنا ظروفنَا الخاصة وعادات وتقاليد أصيلة مستمدة في مجملها من ديننا الإسلامي، ومن ثم فان الأمر يتطلب الدأب للوصول إلى التوقعات.ليس الأمر سهلاً عندما يوضع الإنسان في المحك، إذ أن التنظير في الرخاء يختلف عن الممارسة الفعلية، وهذا ما يجعلني أحسب ألف حساب لهذا التكليف الذي أعتز به، بل أنه تشريف لي أن يظن بي هذا الظن الحسن مما يضاعف الإحساس بالمسئولية.”
المصدر: صحيفة الرياض، العدد رقم 9197، ص/5، وتاريخ 12/3/1414هـ الموافق 29/8/1993م.


ضربة معلم(1)
الناشر: جريدة الرياض

– العدد:9197

تاريخ النشر: 29/08/1993م

وتكفي قصيدة واحدة …(5)

وليس ما جاء في الحلقات السابقة التي استعرضت فيها بعضا من فكر ابن الوردي كما كتبه نثؤا وحبره شعرا إلا تأكيدا لمقولة أبي هلال العسكري لا نعرف أنساب العرب وتواريخها وأيامها ووقائعها إلا من جملة أشعارها فالشعر ديوان العرب وخزانة حكمتها ومستنبط آدابها ومستودع علومها وقد قيل كذلك لا شيء أسبق إلى الأسماع وأوقع في القلوب وأبقى على الليالي من مثل سائر وشعر نادر.ومن يتتبع شعر ابن الوردي يجد فيه ملحا نادرة وقصصا ظريفة وأمثلة سائرة وغزلا عذريا وامتاعا وتندرا ومؤانسة واقتباسات جيدة من القرآن الكريم ومن شعر العرب ومن سائر علوم الفقه والنحو اللغة.ومن أظرف شعر ابن الوردي قصيدته التي حبرها متندرا وساخرا وذاما لعبد له اسمه بهادر من أبيات هذه القصيدة:
بهادر عبدي لا بهاء ولا در …. فما أنا حر يوم قولي له حررقيق غليظ القلب فظ مقطب ….. كثير الأذى بادي البذا جبل وعرنموم نمؤوم ماكر غير شاكر ….. حقود نقود مائع خائن غمرذكي دقيق الفكر منتبه لما …. عناه ولكن عند مصلحتي غرلئيم متى أحسن إليه يكافني …. بسيئة لم ينكتم عنده سرثقيل خفيف الكف فيما ائتمنته …. وثوب على مالي كما يثب النمرله كل يوم فتنة أو شكاية …. وقال وقيل هكذا ينسل الكفرإذا حضرت أعيان قومي بمجلسي …. له حركات ضمنها النقص والصغرإذا قلت قم برد لنا الماء قال لي …. أترغب في فاني النعيم وتغتروإن قلت توبل خبزنا قال لا تكن …. مخالف ما يعتاده السلف الصدروإن قلت جمل بيتنا قال كل ذا …. فضول وفي أشباهه لم يلق فكروإن قلت قدم شربة الماء هزها …. بغيظ رجاء أن يكدرها العكروإن أقل امسح لي مداسي يقل صه …. أتنصر إبليسا عليك وما النصروإن قلت فانظر في الطعام هل استوى …. يقول افتقدت الملح فانكبت القدرأقول فهل من أمس عندك فضلة …. يقول أضعت الحزم فاجتره الهروإن قلت من بالباب قال مفولا …. على الباب عزرائيل وانفصل الأمروإن قلت ما الأخبار قال رديئة …. سعوا فيك أو مات امرؤ أو غلا السعروإن قلت لا تسرق ففي المال ضيقة …. يقول أحرصا بعدما ذهب العمروإن قلت لا تسأل من الناس نفتضح …. يقول فموسى استطعم الناس والخضروإن قلت لا تفعل أو أفعل يقول قد …. بليت بكم حتى متى النهي والأمروكم ضحوة كلفته رد لهفة …. فغاب ووافاني وقد أذن العصرلقيت نقيض القصد يوم اشتريته …. رجوت به نفعا فمسني الضروقلت أسير استريح برقه ….. فأتعبني والله وأنقلب الأسرولو أنني عاملته برذيلة ….. لقلت بعصياني يعاقبني الدهرفيا ليت شعري ذلك الثمن الذي ….. به ابتعته هل أصله النرد أم الخمرإذا بعته ردوه بالعيب سرعة ….. علي وللمبتاع في رده العذرولو كان في إعتاقه لي راحة ….. فعلت ولكن خيفتي يعظم الشربعيد خلاصي منه إلا بموته ….. فقد سرني أن لا يطول له عمر
ومدح ابن الوردي القاضي كمال الدين الزملكاني لما حول كنيسا يهوديا إلى مدرسة للحديث في قصيدة طويلة من أبياتها:
علا لك ذكر لا يشابهه ذكر ….. وحزت فخارا ليس يدركه الفخرهنئيا بنعمى خلد الله ذكرها ….. وطال بها بشر وطاب لها نشرنصرت بفتح الناصرية ديننا ….. ألا في سبيل الله ذا الفتح والنصروسميتها دار الحديث لأنها ….. حديثة عهد جاء في نزعها الأمروأحييتها بالدرس بعد اندراسها ….. وصار لذكر الله في ربعها جهروضاعفت أمراض اليهود بنزعها ….. فأوجههم تحكي عمامئهم صفرتعم المثاني السبع ست جهاتها ….. وخصص بالتوحيد كلماتها العشرومن غاضه هذا فليس بمسلم ….. وهل مسلم يختار أن ينصر الكفرأبا حاتم الإسلام ودوا خلاصها ….. بما ملكوا فليخسؤوا قضي الأمروقد علم الأقوام لو أن حاتما ….. أراد ثراء المال كان له وفرأينس أذاهم للنبي وبغضهم ….. وتكذيبهم والسم في الشاة والسحرلقد فعلت أقلامك الحمر فيهم ….. من الحق ما لا تفعل البيض والسمرولست بمداح ولا الشعر حرفتي ….. بلى لكمال النفس نظمي النثرولو عقل الإنسان لم يهد مدحه ….. إليك وهل يهدى إلى هجر تمربقيت بقاء المكرمات ونلت ما ….. تؤمله ما لاح في الظلم البدر
وبجانب لاميته وما حبر من قصائد طويلة فلا يزال ابن الوردي شاعر المقطوعات الشعرية التي لا تزيد أبياتها على بيتين ومن هذه المقطوعات:
إذا ما هجاني ناقص لا أجيبه ….. فإني إن جاوبته فلي الذنبأنزه نفسي عن مساواة سفله ….. ومن ذا يعض الكلب إن عضه الكلب
وقوله:
ودعتها ويدي اليمين لأدمعي ….. ويدي اليسار لضمة وعناققالت: ألا تخشى الفضيحة قلت لا ….. يوم الوداع فضيحة العشاق
وقوله في بخيل اقتباسا:
أحل الضيوف على سطحه ….. وفرجهم في نجوم السماوقطع بالجوع أكبادهم ….. وإن يستغيثوا يغاثوا بما
وقوله:
قلت يا هند طببيني بوصل ….. تنعشيني فليس كالوصل شيءفكوت بالصدود قلبي وقالت ….. هاك طبي وآخر الطب كي
وقوله:
لفاتنتي خيل عتاق سوابق ….. إناث أطابت حملها وفحولوقد لقلبي فيه ألف بثينة ….. فكل رداء يرتديه جميل
وقوله وهو في صباه:
جربت أهل زماني وأختبرت فلم ….. أجد كريما ولا عونا على الحرجولا محبا لذي فضل ولا ثقة ….. ولا أمينا ولا عدلا عن العوجمن أجل ذلك قد جانبت أكثرهم ….. وقلت يا أزمة اشتدي لتنفرجيفإنهم عن سبيل الصدق قد عرجوا ….. فاعذر فليس على العرجان من حرجزيادة الفضل عين النقص عندهم ….. وكثر المال فيهم ارفع الدرجفصاف أعدلهم قولا وأصدقهم ….. في الود وافتح له باب الهوى يلجما شاقني في زماني قرب غائبة ….. رنت ولا راقني ذو منظر بهجولا سباني سنا هيفاء مقبلة ….. عجزاء مدبرة بالجعد والدعجوليس ذاك لجهلي بالجمال إذن ….. لكنني من بحار الهم في لججيا نفس صبرا فعقبى الصبر صالحة ….. لابد أن يأتي الرحمن بالفرج


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 7294

تاريخ النشر: 04/06/1993م