من أوراقي المبعثرة قانون الغابة

كان القانون الدولي في الجانب المتعلق منه بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين إسما على غير مسمى قبل نشأة الدولة القومية. وتبلور هذا المسمى في ظل قانون “عصبة الأمم” التي تكوَّن أعضاؤها من منظومة الدول القومية لدرجة كان هدفه الأسمى إبقاء الأحوال الأممية في عهده في حالة سكون دائم. وعلى النقيض من قانون “عصبة الأمم” تحولت معالم القانون الدولي في ظل قانون “الأمم المتحدة” الجديد وهو القانون الذي استهدف هو الآخر حماية مصالح المنتصرين الذين تجمعوا في مملكة “حق النقض”. وهي المملكة التي استهدفت هي الأخرى إبقاء الأحوال الأممية في عهدها في حالة سكون دائم. ولا تزال هذه المملكة تقاوم رياح التغيير.وفيما بين ذاك القانون ونقيضه لم تبق الأحوال الأممية على حالها كما أريد لها أن تكون. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وما ترتب على حربي “الخليج العربي” برز ما يُسمَّى بالنظام العالمي الجديد، ومن ثم نظام العولمة.وفي ظل حقائق الأحوال الدولية المعاصرة لا مناص من القول بأن عالم اليوم محكوم بقانون شبيه ” بقانون الغابة”. و”قانون الغابة” هو قانون اللاّ ـ شرعية أي القانون الذي يضفي الشرعية على أعمال الشر والظلم والعدوان دونما وازع من ضمير أو دين أو منطق أو عدل. وتتمركز معالم “قانون الغابة” على المقولات الخمس التالية:ـ1 ـ استخدام القوة من أجل المحافظة على وقائع غير شرعية. وهذا الاستخدام قانوني بموجب القانون الدولي. ومبنى هذه المقولة هو أن من شأن المحافظة على هذه الوقائع غير الشرعية المحافظة على الأمن والسلم الدوليين.2 ـ فعالية القانون الدولي تتأكد من الناحية الشرعية في الحالة التي يتجه فيها إلى تأييد موقف أو مواقف معينة غير شرعية. ومبنى هذه المقولة هـو اعتبار القانون الدولي كما هو مطبق حالياً هو قانون الغابة.3 ـ إعطاء قواعد القانون الدولي الداعية إلى استقرار السلم والأمن الدوليين أسبقية في التطبيق والتنفيذ حتى في الأحوال القائمة على أسس غير عادلة. ومبنى هذه المقولة هو اعتبار استمرار الأمن والسلم الدوليين من وجهة نظر قانون الغابة هي المظلة الواقية ضد ضربات شمس التغيير مع أن دوام الحال من المحال. 4 ـ تغليب استخدام القوة المجردة من الشرعية القانونية على استخدام القوة المستندة إلى الشرعية القانونية إذا كان من شأن ذلك حماية مصلحة غير مشروعة في نظر “قانون الغابة”. ومبنى هذه المقولة أن تكون القوة المجردة من الشرعية هي القانون النافذ في حسابات “قانون الغابة” في خصوص تلك المصلحة.5 ـ استخدام “حق النقض” في مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة باعتباره صمام الأمان وفقاً “لقانون الغابة” في خصوص حماية المصالح غير المشروعة كما ترتبت واستقرت بعد انتهاء الحرب الباردة. وهذا الاستخدام، من الناحية القانونية، سليم حتى ولو تعارض مع مبادئ الحق والعدل أو مبادئ حرية الأمم والشعوب في تقرير مصيرها أو مع مبادئ حقوق الإنسان. ومبنى هذه المقولة هو اعتبار “حق النقض” هو صمام الأمان الوحيد لاستمرارية “قانون الغابة” الحارس الأمين للهيمنة الدائمة للعولمة، وهي الهيمنة المعتمدة من حيث البقاء والفعالية والاستمرارية على “سلطان القوة” المجردة من الشرعية أكثر من اعتمادها على “سلطان العدالة”.هذه المقولات الخمس ثوابت من شأن ممارستها تعزيز “قانون الغابة”.ولعل الصـورة تتضح، في ظل المقولات الخمس المذكورة في الحلقة السابقة، عن المقصود من “قانون الغابة”.يقال في عالم الأساطير أن “قانون الغابة” هو القانون الذي يسيطر بموجبه القوي على الضعيف دونما شفقة أو رحمة أو حنان.و”قانون الغابة” هو قانون حقيقي له مبادئه وأحكامه وتطبيقاته سواء في عالم النبات أو عالم الحيوان أو عالم الانسان.من أراد أن يتعرف على “قانون الغابة ” في عالم النبات فليسأل عنه الفلاح.ومن أراد أن يتعرف على “قانون الغابة” في عالم الحيوان فليسأل عنه “علماء البيئة” هذا من جهة. كما عليه أن يبحث عنه، من جهة أخرى، في كتب قصص الحيوان. وهي كتب كنا، ومنذ الصغر وقبل أن نشب عن الطوق، نتسلى بقراءة الحكايات التي تحتوي عليها لأنها تصور لنا في إطار من الخيال وقائع ربما لا يصدقها العقل، ومع ذلك ففي هذه الحكايات الصحيح من الوقائع التي تتحدث عن الصراع بين القوة والضعف من خلال تصرفات الحيوان ممثلاً في أسوده ونموره وثعالبه وقططه وذئابه. إنها حكايات، برغم ما يتبقى منها من رواسب في الذهن مع تقدم السن، تظل مخزون عبر وذكريات.أما من أراد أن يتعرف على “قانون الغابة” في عالم الانسان فهذا القانون موجود، ومن السهل التعرف عليه لوجود تطبيقات له في كل زمان ومكان.ومن تطبيقاته “مجازر صابرا وشاتيلا”، وما يحصل في “أفغانستان”، واستخدام “حق النقض” غير المبرر، وما يحصل في “فلسطين”.”قانون الغابة” هو قانون اللاَّ ـ شرعية لأنـه القانون الذي يضفي الشرعية على أعمال الشر والظلم والعدوان . وقانون الغابة تتجلى تطبيقاته حينما يُفْرَضُ على القانون الدولي أن يستهدف عند تطبيق قواعده استقرار الأمن والسلم الدوليين حتى ولو كان ذلك على حساب العدالة الدولية.وعلى سبيل المثال، إن الإلتزام بأمن واستقرار ورفاهية “اسرائيل” [وهي واقع غير شرعي مزروع قي قلب الأمة العربية] من أولى أوليات “القانون الدولي” وفقاً لمفاهيم وتنظيرات “قانون الغابة” وذلك تأسيساً على أن من شأن حمايتها، ومن الناحية القانونية، استقرار الأمن والسلم الدوليين.وانطلاقاً من الأرضية السابقة ليس من المهم من الناحية الواقعية وفقاً “لقانون الغابة” أن يتشرد شعب فلسطين أو أن يقسم شعب لبنان أو أن تسود الفوضى في الصومال أو أن يفصل جنوب السودان عن شماله أو أن يمزق شعب الشيشان.القانون الدولي الذي تسعى الأمم والشعوب إلى تطبيق قواعده هو نقيض “قانون الغابة”. إنه القانون الذي يستمد جذوره من العدالة الدولية التي لا تجعل من القوة المجردة من الشرعية مصدر السلطة الدولية في حفظ الأمن والسلم الدوليين.القانون الدولي الذي نعنيه هو القانون الذي يتخذ من العدالة الدولية مقاييسه ومفاهيمه واستراتيجياته. ولكن أين هذا القانون في عالم حل محله “قانون الغابة” الذي يعتمد، من حيث الفاعلية والتأثير، على سلطان القوة المجردة من الشرعية.من المستحيل أن تبقى الحياة الدولية المعاصرة في كف قانون الغابة.ولعل هذا البقاء إلى حين.وكما تكونون يول عليكم.ولله سبحانه وتعالى في خلقه شئون.ــــــــــــــ* رئيس دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستشارات القانونية


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:10079

تاريخ النشر: 18/01/2001م

كانت أشبه بالجامعة(3)

كنت قد انتهيت في الحلقة الثانية من استعراضي كتاب (كانت أشبه بالجامعة) عند الوقفة السابعة من الوقفات التي تحدثت فيها عن الحركة الأدبية الواعدة في الاحساء, واتابع شرح بقية الوقفات فيهذه الحلقة
الوقفة الثامنة . وللحركة الأدبية والثقافية نصيب وافر في كتاب “كانت أشبه بالجامعة”. ومن رواد هذه الحركة أستاذ الجيل الشيخ الجليل “عبدالله بن عبدالرحمن الملا”. كان معلِّماً “بمدرسة الأحساء الابتدائية”، وكان ناشراً للثقافة والمعرفة “بمقاطعة الأحساء” بلا منازع. أسس “مكتبة التعاون الثقافي” وأدارها بنفسه، وكانت تدار من قبل زائري المكتبة معاركُ أدبية عصر كل يوم أمام دكان المكتبة الصغبر في حجمه، الشاهق والسامي في معناه ورسالته حينما كان موقعها في سوق القصيرية التاريخي. كان هذا وضع مكتبة هذا “الرائد” في جيل مضى، والسؤال هو ما هو وضع هذه المكتبة الفاتحة أبوابها حتى الآن في جيلنا المعاصر؟. ومن هم الذين يرتادونها؟ ألا تستحق هذه الظاهرة التنويه عنها في زمن تم فيه هجر الكتاب. يقول أحد خريجي “مدرسة الأحساء الابتدائية” أديب الأحساء الكبير الأستاذ “عبدالله بن أحمد الشباط” عن هذا الرائد:ـ هذا الرجل هو حامل مشعل الثقافة في الأحساء . . إذ نذر نفسه أكثر من نصف قرن من الزمن لخدمة المعرفة، فتجشم المتاعب، وعرَّض نفسه للخسارة المادية، وأضاع الكثير من وقته ليقدم للطلبة والمثقفين وأنصاف المتعلمين زادهم الثقافي من الكتب والمجلات والأدوات المدرسية منذ عام 1354هـ أي منذ كان التعليم يدور في حلقات الذكر، ولا يتعدى مدارس الحديث، ومجالس الوعظ والإرشاد في المساجد.وإضافة لما سبق، أود أن أحيي “جمعية الثقافة والفنون السعودية ـ فرع الأحساء” حينما كرمت هذا الرجل في “مهرجان هجر الثقافي الثاني” هذا العام باعتباره من رواد الحركة الثقافية في “محافظة الأحساء”. كذلك كان من رواد هذه الحركة رجل أحبَّ “الأحساء”، وله لمسات لا تنكر على تقويم العملية التعليمية في “الأحساء”. أنه فقيد العرب وعلامة الجزيرة العربية الشيخ “حمد بن محمد الجاسر” الذي غادرنا إلى مثواه المؤقت منذ شهر. ماذا في إمكاني أن أتحدث لكم عن هذا الرجل العملاق, يكفي أنه كان شاهداً على ما أحرزته المدرسة التي “كانت أشبه بالجامعة” من مجد حيث كان مدرساً بها، وكان له تطلعات فيها ولكن قصر إقامته في “الأحساء” أفقد هذه المدرسة “معلماً” كان في إمكانه إن يضيف لها الشئ الكثير. ويكفي هذا الرائد أنه كان ملء السمع البصر قبل وبعد وفاته. زرته ذات مرة في المستشفى وكان رغم مرضه يسألني عن “الأحساء” وعن بعض رجالاتها. علمت بوفاته وأنا في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان لنبأ وفاته وقع الصدمة بالنسبة لي. ويكفي ـ وأنا أفتخر الآن أمامكم ـ أنه احتل المكان اللائق به في فصل مستقل بكتاب “كانت أشبه بالجامعة”. الوقفة التاسعة . تحدَّثتُ في اقتضاب عن رواد التعليم الحديث في الأحساء فيما سبق ذاكراً أسماءهم. ويستحق هؤلاء الرواد أكثر من حديث عابر. وهذه مهمة طلاب البحث في الجامعة والكلية والمعهد والمدرسة لكي يعدوا دراسات عنهم وعن أسرهم وأحوالها. ما سبق من وقفات، هي وقفات عابرة، وبالكتاب لمن هم مولعون “بهجر” وقفات أخرى لا يتسع المجال لذكرها. ولكنها كلها تصب في معين واحد وهو أنها كلها معالم تدعو أبناء جيلنا المعاصر في “محافظة الأحساء” ليدركوا ما كان عليه جيلنا السابق. هذا مع العلم أن العملية التعليمية عملية متواصلة مع اختلاف الظروف والامكانيات والوسائل التعليمية.ولا يفوتني في هذا المجال أن أنوه عن جهود الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن ابراهيم المديرس التعليمية، وهي الجهود التي أتابعها عن كثب والتي تصب كلها في معين واحد وهو تطوير العملية التعليمية في محافظة الأحساء والأخذ بها إلى آفاق المستقبل الرحبة.وتبقى من هذه المحاضرة “كلمة” و”خاتمة”..أما “الكلمة” فهي استجابة لما طلبه الدكتور “المديرس” وهي التحدث عن أبرز طلاب المدرسة التي “كانت أشبه بالجامعة”. هؤلاء الطلاب كثيرون. وسأكتفي بذكر اثنين منهم. أما الأول فهو الطالب “يوسف بن عبداللطيف أوسعد” الذي برز فيما بعد
شاعراً متالقاً. وسأكتفي بكلمات الأستاذ “مبارك بوبشيت” في الذكرى الثانية لوفاة “أبوسعد”. يقـول الأستاذ “بوبشيت”:ـ وتمضي الذكرى الثانية لوفاة “بحتري الأحساء” “يوسف أبوسعد”. إن الشاعر “أبوسعد” يرحمه الله شاعرٌ له تجربته الفريدة والمتميزة في عالم الشعر والكلمة. فهو علاوة على كونه شاعراً إلا أن لغته العربية ومفرداته نقية من الشوائب والدخيل، وأسلوبه يمتاز بالجزالة والصياغة الصحيحة في تركيب جمله الشعرية. من بين قصائد الشاعر “أبوسعد” أخترت أبياتاً من قصيدة “نداء القدس”، وهي قصيدة تحكي حال “القدس” هذه الأيام:ـ
دَعِي الْقَيْثَارَةَ فُاتِنُ وَالرَّبَابَا ….. فَقَدْ عَظُمَتْ حَشَاشَتُنَا مُصَابَادَعِي الُقَيْثَارَ نَارُ الثَّأْرِ ضَجَّتْ ….. بِأَضْلاَعِي وَهَاتيِ لِي الْحِرَابَافَمَا طَرُبَتْ لِهَذَا الْعَزْفِ أُذْنِي ….. وَمَا اسْتَهْوَتْ مَسَامِعِيَ (الْعِتَابَا)وَمَا هَزَّ الْغِنَاءُ شِغَافَ قَلْبِيِ ….. وَهَذِي الْقُدْسً تُغْتَصَبُ اغْتِصَابَاتَقَولُ لأُمَّةِ الإِسْلاَمِ هُبُّوا ….. سِرَاعاَ، وَاثْأَرُوا أُسْداً غِضَابَا بَنُوصُهْيُونَ قَدْ شَدُّوا وِثَاقِي ….. وَكَالُوا لِي الرَّزَايَاْ وَالْعَذَابَاأَبَاحُوا حُرْمَتِي، وَعَثَوْا بِأَرْضِي ….. فَسَاداَ مَا اسْتَطْعْتُ لَهُ حِجَابَابُغَاثٌ إِنْ رَأَوْا وَجْهاً عَبُوساً ….. وَأَشْرَارٌ إِذَا أَمِنُوا الْعِقَابَاوَلَوْلاَ الْغَرْبُ يُسْعِفُهُمْ دَوَاماً ….. بِأَسْلِحَةٍ لَمَا نَبَحُوا كِلاَبَاأَنَطْلُبُ حَقَّنَا باِللِّينِ مِنْهُمْ ….. إِذَنْ فَالْحَقُّ قَدْ ضَلَّ الصَّوَابَابِغَيْرِ الْحَرب لَنْ نَحْظَى بِحَقٍ ….. وِيُصْبِحُ شَعْبُنَا شَعْباً مُهَابَاوَمَنْ رَامَ الْحَيَاةَ بِلاَ كِفَاحٍ ….. فَقَدْ خَسِرَ الْحَيَاةَ غَذاً وَخَابَا !أَقُولُ لَكُمْ وَفِي قَلْبِي ضِرَامٌ ….. وَرَأْسِي مِنْ صُرُوفِ الدَّهْرِ شَابَا!كَمَا قَالَ (الأَمِيَرُ) لَكُمْ قَدِيماً ….. وَلَكِنْ أَيْنَ مَنْ حَفِظَ الْخِطَابَا”وَمَا نَيْلُ الْمَطَالِبِ بِالتَّمّنِّي ….. وَلَكْن تُؤْخَذُ الدُّنْيَا غِلاَبَا”وَمَا اسْتَعْصَى عَلَى قَوْمٍ مُنَاهُمْ ….. إِذَا الإِقْدَامِ كَانَ لَهُمْ رِْكَابَا”بَكَى فِي قَبْرِهِ عُمَرٌ عَلَيْهَا ….. وَعَمْرٌو وَدَّ لَوْ شَدَّ الرِّكَابَالِيَجْلِيَ سَيْفَهُ الْمَسْلُولُ عَنْهَا ….. يَهُوداً دَنَّسُوا فِيهَا التُّرَابَاصَلاَحُ الدِّينَ أَفْزَعَهُ بُكَاهَا ….. وَرَامَ رُفَاتَهُ الْبَالِي إِيَابَالِمَاذَا لَمْ يَكُنْ فِينَا صَلاَحٌ ؟ ….. أَمَاتَ الْعَزْمُ، وَالإِقْدَامُ غَابَا؟أَعِدُّوا مَا اسْتَطْعُتمْ مِنْ سِلاَحٍ ….. لَهُمْ، وَدَعُوا التَّغَابِي وَالْعِتابَافَإِحْدَى الُحُسنَيَيْنِ لَكُمْ جَزَاءٌ ….. وَمَنْ أَمَّ الْجِهَادَ فَقَدْ أَصَابَافَلاَ لَذَّ الْكَرَى وَيَضِيعُ حَقٌ ….. ولاَ عَيْشٌ بِغَيْرِ الْقُدْسِ طَابَاوَلاَ عِــزٌ لَنَا نَرْجُـــوهُ إِلاَّ ….. إِذَا خُــذِلَ الْعِـدَا وَالْحَقُّ آبا
أما خريج “مدرسة الأحساء الابتدائية” رفيق دربي أبن عمي الشاعر “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم” فشهادتي في شعره مجروحة. ولذا أكتفي بإنشادكم قصيدة شعرية له بعنوان “ذِكْرِيَاتُ عَاشِقٍ”ـ:
رُوَيْدَكِ فِي هَجْرِهِ فَاقْصِرِي ….. فَلَيْسَ عَلَى الْهَجْرِ بِالْقَادِرِوَرُدِّي عَلَيْهِ الْفُؤَادَ الَّذِي ….. سَلَبْتِهِ ظُلْمَاً وَلاَ تُنْكِرِي!تَقُولِينَ: فِي الْحُبِّ أَخْطَا فَإِنْ ….. يَكُنْ مِنْهُ ذَاكَ جَرَى فَاغْفِرِيوَرِقِّي عَلَى عَاشِقٍ مُغْرَمٍ ….. تَحَمَّلَ فَوْقَ الْفَتَى “الْعَامِرِي”!وَلاَ تُسْرِفِي مِنْ مَلاَمِ الْفَتَى ….. وَلَكِنْ لِمَوْقِفِهِ قَدِّرِيكَتَمْتُ الُغَرَامَ فَلَمْ يَنْكَتِمْ ….. وَنَمَّ عَلَى بَاطِنِي ظَاهِرِيوَقَدْ ضُقْتُ ذَرْعَاً بِحُمْلاَنِهِ ….. فَإِنْ بُحْتُ بِالْحُبِّ فَلاَ تُنْكِرِيأُحِبُّكِ حُبَّاً يُعِلُّ الْفُؤَادَ ….. فَرُحمْاَكِ بِالْعَاشِقِ الصَّابِرِحَبِيبَةَ قَلْبِيَ لَوْ تَهْجِرِينَ ر أُحِبُّكِ فِي الْوَصْلِ وَالْمَهْجَرِفَإِنَّ الْهَوَى فِي فُؤَادِي ثَوَى ….. وَلَيْسَ لِغَيْرِكِ بِالصَّابِرِوَكَيْفَ أَعَافُ الْهَوَىَ بَعْدَ مَا ….. تَجَرَّعْتُ مِنْ نَبْعِهِ الطَّاهِرِ؟فَإِنْ تَـتْرِكِينِي وَإِنْ تَهْجُرِينِي ….. فَلَيْسَ مُحِبُّكِ بِالْهَاجِرِوَإِنْ تَغْدُرِينِي وَإِنْ تُسْرِفِي ر فَلَسْتُ مَدَى الْعُمْر بِالغَادِرِفَإِنَّ سَنَا الذِّكْريَاتِ الْحِسَانِ ….. هِـيَ النُّورُ مَا عِشْتُ لِلنَّاظِرِوَإِنَّ صَـدَاهَا الرَّنِينَ الْجَمِيلَ ….. يَعِيشُ بِنَفْسِي وَفِي خاَطِرِيحَبِيبَةَ قَلْبِيَ: هَلْ تَعْلَمِينَ ….. بِإِنَّ الْغَرَامَ مِنَ الأَكْثَرِخُدَاعٌ؟ وَأَنَّ الغَرَامَ الصَّحِيحَ ….. قَلِيلٌ وَأَنْدَرُ مِنْ النَّادِرِ!فَلاَ تَسْمَعِي لِلأُولَى زَيَّفُوْا ….. فَهُمْ “كَالمُعَيْدِيِّ “إِنْ تَشْعُرِيوَمَبْدءُ “عُرْقَوبَ” مِنْهَاجُهُمْ ….. فَبِئْسَ أُولَئِكَ مِنْ مَعْشَرِ فَلَيْسَفَسِيرِي بِنَهْجِ الْغَرَامِ الصَّحِيحِ ….. الْمُنَوَّرُ كَالْحَائِرِحَبِيبَةَ قَلْبِيَ: لِمَاذَا الْجَفَا ….. وَحَتَّى مَتَى الْهَجْرُ لِلصَّابِرِ؟أَحِبَّةَ قَلْبِي وَرَيْحَانَهُ ….. أَمَا تَذْكِرِينَ هَوَانَا الْبَرِي؟وَأَوْقَاتَ مَرَّتْ بِنَا حُلْوَةً ….. تَضَمَّخْنَ بِالطَّيَّبِ والْعَنْبَرِ بِظِلِّجَنَيْنَا بِهِنَّ قُطُوفَ الْمُنَى ….. الْبَسَاتِينِ وَالأَنْهُرِأَخِلاَّءُ: أَرْخَى عَلَيْنَا الدُّجَى ….. غِشَاءً مِنَ الْغَسَقِ الْعَبْقَرِيأَلاَ تَذْكُرُونَ الزُّروُعَ بِهَا ….. وَغَضَّ نَبَاتٍ بِهَا أَخْضَرِوَتِلْكَ الْفُرُوعُ التِي لَمْ تَزَلْ ….. تَمُدُّ يَدَيْهَا إِلَى الأَنْهُرِتَرَاءَى بِهِنَّ شُعَاعُ الْغُرُوبِ ….. مَرَايَا مِنَ الذَّهَبِ الأَصْفَرِ فَتِلْكَ الطَّبِيعَةُ نَلْهُوْ بِهَا ….. وَنَمْرَحُ فِي جَوِّهَا الْعَامِرِ مَعَاهِدُفَعَيْنُ “الْخَدُودِ” وَ”بَابُ الْهَوَى” ….. ذِكْرَى هَـوَانَا الُبَرِيأَجَلْ! فَالْمَعَايِشُ فِيهَا غَدَتْ ….. أَلَذُّ كَثِيَراً مِنَ الْحَاضِرِ أَلاَ فَاذْكُرُوْا الذِّكْرَيَاتَ الَّتِي ….. صَدَاهُنَّ مَا زَالَ فِي الْخَاطِرِ سَكَنَّ بِقَلْبِي وَسَمْعِي مَعَاً ….. وَمَا غِبْنَ يَوْمَاً عَنِ النَّاظِرِ تَقُولُونَ: أَيْنَ الْعَرِيشُ الْجَمِيلُ ….. وَأَيْنَ شَذَى نفحه العبهرِي؟وَتِلْكَ الْجَدَاوِلُ مِنْ تَحْتِهِ ….. أَشُدُّ صَفَاءً مِنَ الْجَوْهَرِوَأَيْنَ الضَّوَاحِي وَأَطْيَارُهَا ….. تُغَرِّدُ فِي الْحَقْلِ وَالْبَيْدَرِوَ”عَيْنُ الْخَدُودِ” بِهَا الْمُلْتَقَى ….. بِتِلْكَ الْجَدَاوِلِ وَالأَنْهُرِيُنَافِسُهَا “الْحَقْلُ” فِي مَدِّهَا ….. وَفِي شَكْلِهَا الْبَاهِرِ السَّاحِرِوَعَيْنُ “الْبُحَيْرَةِ” تِلْكَ الَّتِي ….. بِهَا ذِكْرَيَاتُ الصِّبَا الْعَامِرِوَتِلْكَ الْعُيُونُ تَرُوقُ الْعُيُـونَ ….. بِمَنْظِرِهَا السَّاحِرِ الشَّاعِرِيكَأَنَّ الضَّوَاحِي بِشُطْآنِهَا ….. بِسَاطٌ مِنَ السُّنْدِسِ الأَخْضَرِيَقُولُونَ: أَيْنَ الْعَرِيشُ الْجَمِيلُ ….. وَأَيْنَ شَذَى نَفْحِهِ الْوَافِرِ؟فَقُلْتُ: تَوَلَّى الْعَرِيشُ وَمَا ….. سَأَلْتُمُ عَنْهُ مَعَ الْمَعْشَرِتَوَلَّى الْقَدِيمُ الَّذِي تَعْهَدُونَ ….. وَجَاءَ الْجَدِيدُ بِلاَ مَخْبَرِوَسَوْفَ يَعُودُ الْقَدِيمُ وَمَا ….. عَلَى اللهِ شَئٌ بِمُسْتَنْكَرِفَمَا هِيَ إِلاَّ ظُرُوف تَمُرُّ ….. وَلَيْسَ عَلَيْهَا بِمُسْتَأْخِرِ

أما خاتمة المحاضرة فتتعلق باقتراح مني أرغب أن أطرحه لسائر المهتمين بالحركة العلمية والتعليمية والثقافية والأدبية والتاريخية في “محافظة الأحساء”. وهذا الاقتراح الذي سأرسم معالمه في عبارات مبسطة هو على النحو التالي:ـأن ينشأ مركز مستقل تحت عنوان “مركز الأحساء الثقافي”. وأن يكون من الأعضاء المؤسسين لهذا المركز:ـ كلية التربية بجامعة الملك فيصل, وكلية المعلمين التابعة لوزارة المعارف، وجمعية الثقافة والفنون السعودية ـ فرع الأحساء، والغرفة التجارية والصناعية في محافظة الأحساء، وكلية الشريعة بمحافظة الأحساء، ومعاهد التدريب الصناعي والفني بمحافظة الأحساء، ومن يهمهم الأمر من أدباء ورجال علم وأعمال وأصحاب حرف وحتى أميون بمحافظة الأحساء. وأنا مستعد أن أكون من المؤسسين. على أن يمول هذا المركز من قبل هؤلاء المؤسسين وتكون به قاعة كبرى للمحاضرات وكذلك قاعات للبحوث والدراسات . أما مهمة هذا المركز فتنحصر بالعناية بتاريخ “محافظة الأحساء” وتراثها بما في ذلك حركة التعليم والثقافة والأدب بها منذ العهد الجاهلي وحتى هذا العصر الزاهر. كما أن يقوم المركز خلال عملية تنفيذ مهمته بجمع كل ما أُلِّفَ عن “الأحساء” من الناحية التاريخية والأدبية والتراثية والجغرافية والاجتماعية والدينية سواء أكانت هذه المطبوعات باللغة العربية أو بلغات أخرى مع إخضاع سائر هذه المطبوعات للدراسة العلمية بغرض تصحيح ما بها من أخطاء مع الحرص على التوثيق بقدر الإمكان عن طريق التعاون مع المراكز المماثلة الأخرى بداخل المملكة وخارجها.وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه،،،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 10058

 

تاريخ النشر: 28/12/2000م

كانت أشبه بالجامعة (2)

تحدثتُ عن زيارة الأستاذ عريف في كتاب “كانت أشبه بالجامعة” كما يلي:ـ كتب الأستاذ “عريف ـ وكان آنذاك رئيس جريدة “البلاد السعودية” ـ سلسلة من المقالات تحت عنوان “رحلتي إلى المنطقة الشرقية من المملكة ـ كنت في الأحساء ـ”، وكنتُ [أنا] وقت نشر الأستاذ “عبدالله عريف” لهذه المقالات طالباً في السنة “السادسة” بـ “مدرسة الأحساء الابتدائية”، وكانت تلك المقالات التي مضى عليها ما يقرب من نصف قرن ـ ذات طابع شخصي تحدث الأستاذ “عريف” فيها عن مشاهداته وانطباعاته الشخصية عن “الأحساء” التي يزورها لأول مرة. وكنت أتابع قراءة هذه المقالات بشغف شديد رغم صغر سني، وأكثر ما شدني لتلك المقالات أسلوب الإثارة الصحفية إذ خُيل للكاتب ـ في كل ما يكتبه عن الأحساء ـ أنه يكتشف أسراراً لأول مرة، ولعله كان محقاً في ذلك، وذلك لعدم وجود مصنفات تاريخية تتحدث عن جغرافية “الأحساء” وتاريخها وآثارها وعادات أهلها وتقاليدهم. ولهذا يبقى ما كتبه الأستاذ “عريف” على عجل ـ كمادة صحفية تنشر في صفحة يومية آنذاك ـ وثيقة حية تتحدث عن فترة مضت ـ وهي فترة لا يعلم عنها الجيل المعاصر في “محافظة الأحساء” كثيراً.أما السبب الثاني الذي دعاني مع مرور الزمن لوضع فكرة تأليف الكتاب موضع التنفيذ فهي أنني لم أجد بعد البحث والتقصي ـ في عالم الثقافة الثر في “واحة الأحساء” وحتى الآن ـ من أخذ زمام المبادرة ليتحدث عن تأريخ ـ أو قصة ـ الحركة التعليمية في عهد الملك “عبدالعزيز” يرحمه الله في موضوعية مجردة من خلال الدور الشامخ الذي لعبته “مدرسة الأحساء الابتدائية” العملاقة في تلك الحركة، يستوي في ذلك من رضع العلم بهذه المدرسة، أو حاول ـ مجتهداً ـ أن يتحدث عنها عن طريق السماع أو النقل، وكل ما قرأته مما كتب عنها لم أجد فيه لذة المعاصرة، بل كل ما قرأته مما كتب عنها كان ذا طابع عابر أو وصفٍ، ولم يوثق ـ بكل دقة ـ أوضاع هذه المدرسة “العملاقة” حينما كانت في ذروة مجدها، بل ويشوب ما كتب عنها وعن مسيرة التعليم في “مقاطعة الأحساء” وسائر مدنها وقراها وهجرها ـ بصفة عامة ـ بعض الأخطاء.ولدى تقديم هذا الكتاب للمطبعة رأيت إهداءه لأبنائي وحفدتي. أما أبنائي فهم الجيل المعاصر وأما حفدتي فهم الجيل القادم. وما جاء في الكتاب ليس إلا محاولة، مجرد محاولة، الغرض منها وضع العملية التعليمية وقت تأسيس المملكة العربية السعودية في إطارها السليم حيث وجدت وقتها أن كل المؤلفات التي تناولت العملية التعليمية وقت التأسيس كانت تقتصر على ما حصل في “منطقة الحجاز” دونما أية إشارة إلى ما تم في “مقاطعة الأحساء”. بلد الخير والأخيار.تألمت مما قرأته قبل تأليفي لكتابي. وكان الغرض من تأليفه هو مجرد لمسة وفاء لمسقط رأسي، ورغبة مني في استدراك ما أهمله التاريخ.وقبل طبع كتابي نشرتُ حلقات عن بدايات التعليم في “الأحساء” في فترة تأسيس “المملكة العربية السعودية” في جريدة “اليوم”. ولقد أعجبت بالخبر الذي نشره وقتها رئيس تحرير جريدة “اليوم” الأستاذ “خليل الفزيع” معرفاً بالحلقات قبل نشرها، وكان عنوانه:ـ “الدكتور آل ملحم يكتب في جريدة اليوم عن المدرسة المنسية”. وما ذكره الأستاذ “الفزيع” صحيح إذ على الرغم من أن المدرسة كانت ـ وفقاً لمقاييس العصر الذي أُسست فيه قلعة علم، ومنتدى سمار، ومحط أنظار كل من زار “الأحساء” آنذاك من ولاة أمر، وأدباء، ورجال صحافة، ورجال تربية وتعليم ـ إلاَّ أَنَّ الذين تعلموا بالمدرسة وتخرَّجوا منها فات عليهم من باب الوفاء لمدرستهم الحديث عن أوضاع هذه المدرسة ودورها الهام في العملية التعليمية باعتبارها جزأً مكملاً للعملية التعليمية الشاملة في فترة تأسيس المملكة العربية السعودية.ولم أتحدث عن المدرسة وحدها باعتبارها مجرد مدرسة في كتابي، بل استخدمت “مدرسة الأحساء الابتدائية” العملاقة بمثابة “نقطة ارتكاز”، أو “مركز اشعاع، أو “مدخل أساس” لموضوع أكبر في مجال الحركة التعليمية “المنسية” في “مقاطعة الأحساء” تاريخياً. ويدخل هذا الموضوع برمته في إطار “علم التاريخ الاجتماعي”. وهو العلم الذي يُعنى “بالعملية الاجتماعية” من جميع أبعادها وأهدافها واستراتيجيتها وتأثيراتها وأشخاصها مهما كانت مراكز هؤلاء “الأشخاص” في البنية الاجتماعية والثقافية المكونة للمجتمع أي مجتمع.وبدلاً من استعراض ما جاء في الكتاب كما طلب مني سعادة الأخ الأستاذ الدكتور “المديرس” فسوف أضعُ في هذه المحاضرة النقاط على الحروف بالنسبة لوقفات هامة لن يدركها إلاَّ من يقرأ بتأنٍ ما بين سطور الكتاب. الوقفة الأولى . بدايات التعليم في كل من “مقاطعة الأحساء” و”منطقة الحجاز” في عهد الملك “عبدالعزيز” يرحمه الله تكاد تكون ـ من الناحية الزمنية ـ متقاربٌ. ولو استمرت الأمور دونما عوائق من فعل بعض أهالي وعلماء “الأحساء” لكان من شأن ذلك تخرج “جيل مثقف أحسائي” يشارك جيل منطقة الحجاز المثقف في البناء التعليمي والاداري والتنموي في فترة تأسيس “المملكة العربية السعودية” وما تلاها. ولكن بسبب العوائق المشار إليها تأخر بدء التعليم في “الأحساء” لمدة ست سنوات مما ترتب عليه فوز جيل منطقة الحجاز المثقف بالمكانة الأولى مساهماً في البناء التعليمي والإداري والتنموي في تاريخ “المملكة الحجازية ونجد وملحقاتها” التي اصبح اسمها في الواحد والعشرين من شهر جمادى الأولى من عام 1351هـ “المملكة العربية السعودية”. والمدة التي ذكرتها أو أقل منها، بل وحتى ولو كانت يوماً واحداً، تعادل حياة جيل كامل. هذه الوقفة تحتاج إلى دراسات علمية جادة لبحث أسبابها عن طريق المقارنة بين معالم البيئة المتفتحة في “الحجاز” ومعالم البيئة المتقوقعة على نفسها في “الأحساء”، وهما البيئتان اللتان احتضنتا بدايات العملية التعليمية الأساسية باعتبارها ظاهرة عصرية في مرحلة تأسيس “المملكة العربية السعودية”.الوقفة الثانية . تميزت الأحساء بوجود أسر أطلق عليها ـ من باب المبالغة ـ “الأسر العلمية”. ليس هناك أسر من الممكن أن يطلق على كل فرد من أفرادها بلقب “العالم” لأن هذا غير معقول. وإذا كان هذا معقولاً فمعنى ذلك أن كل من يولد في هذه الأسرة أو تلك يلحقه هذا اللقب بمجرد ولادته. وكان من المفروض منذ حين وَلِوَضْعِ الأمور، من ناحية الأمانة العلمية، في نصابها أن يصحح الأمر. ولذا على سبيل المثال لو سميت أسرة ما “بالأسرة العلمية”، وكان عدد أفرادها يتراوح ما بين المائة أو المائتين نسمة. هل معنى ذلك أن كل هؤلاء المائة أو المائتين “علماء”. ولإزالة اللبس لعله من الملائم تاريخياً أن يقال، على سبيل المثال، أن الأسرة الفلانية فيها العالم والقاضي والواعظ وإمام مسجد وهكذا، مما يعني بالتالي أن هذه الأسرة من بين أفرادها من يمارس التجارة أو الزراعة أو الصناعة أو إحدى الحرف أو حتى فيها الجاهل والأمي. لذا من المهم دعوة المهتمين بالعملية التعليمية لبحث الأمر وتقويمه وتصحيحه حتى لا تظل “الأحساء” معروفة بأمور ذات مفاهيم غير دقيقة.الوقفة الثالثة . رغم ضيق ذات اليد لدى البعض من الأسر في بدايات التعليم في “الأحساء” إلا أن بعض أعيان هذه الأسر (وهؤلاء لا ينتمون لبيوت علم)كانت لهم اليد الطولى في دعم الحركة التعليمية عن طريق التبرعات “لمدرسة الأحساء الابتدائية” وطلابها. لماذا لا تسلط الأضواء الآن على هؤلاء الأعيان وكذا عن الأسباب التي دفعت بهم للتبرع طواعيةً من أجل العلم الحديث وتشجيع طلابه.الوقفة الرابعة . أثبتُ في كتابي (وشواهد الحال تثبت ذلك) أن معلمَ الأمس أحسن من معلمِ اليوم. معلمُ الأمس “عالمٌ” ومعلمٌُ اليوم “حاملُ شهادة” أهَّلته ليكون معلماً. هذه الظاهرة تستحق إعداد دراسات مقارنة عن أسبابها. وبكتابي أكثر من مؤشر لوضع مثل هذه الدراسات.الوقفة الخامسة . عن طريق استخدام “مدرسة الأحساء الابتدائية” بمثابة “مركز إشعاع” تناولتُ أحوالَ “الأحساء” من الناحية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والزراعية والأدبية. وما تحدثتُ عنه مجرد رؤوس أقلام يمكن لطلاب البحث والعلم في الجامعة والكلية والمعهد والمدرسة أن يستفيدوا منها بتوسع في دراساتهم وبحوثهم.الوقفة السادسة . تزامن التعليم الحديث في “مقاطعة الأحساء” مع التعليم الحديث في “منطقة الحجاز”. ولم أشر في كتابي عما إذا كان هناك تعليم مماثل متزامن في “منطقة نجد”. ما أسباب ذلك؟ مع أنني قد تحدثت في كتابي عن أن التعليم في “نجد” حينما بدأ في فترة لاحقة قد رُبط بالتعليم في “مقاطعة الأحساء” إن لم يكن إدارياً فعلى الأقل مالياً. هذه الحقائق التاريخية قد تناولتها في اقتضاب في كتابي. وتستحق المزيد من الدراسات بغرض إبراز مكانة “بلاد هجر” في العملية التعليمية إبان فترة التأسيس وما تلاها.الوقفة السابعة . المركزية واللاَّمركزية في التكوين الإداري والسياسي للمملكة العربية السعودية كانت من حيث التطبيق معضلة، لذا يثور التساؤل عن مدى انعكاساتها على العملية التعليمية من حيث وجود عمليتين تعليميتين متوازيتين متزامنتين في فترة التأسيس في شرق وغرب البلاد دون وسطها. وتعكس المركزية واللاَّمركزية صورة “وثيقة” أثبتها في كتابي. وهي “وثيقة” ذات أبعاد كلية سياسية يمكن أن تكون ذات مجال واسع للمهتمين بالدراسات الإدارية والسياسية من أصحاب المؤهلات العليا بالجامعات. وسوف أقرأ نص هذه “الوثيقة” دون التعرض لأبعادها ومضامينها تاركاً ذلك لحس المستمع. يقرأ نص الوثيقة كالتالي:ـحضرة صاحب السمو الملكي النائب العام لجلالة الملك المعظم أيده اللهبعد التحية والإجلال: أرفع لسموكم الكريم من طيه مذكرة معتمد المعارف بالأحساء رقم 1129 في 26/4/1370هـ بطلب تركيب تلفون بدار مدير مدرسة الهفوف بمناسبة إسناد استلام رواتب مدارس نجد إليه، وأرجو تعميد الجهة المختصة بتحقيق الطلب المشار إليه، أدام الله توفيقكم،،، مدير المعارف العام (محمد بن مانع). صورة لمعتمد المعارف بالأحساء وصورة لمدير مدرسة الهفوف المحترم.ماذا يعني هذا الطلب؟ ولماذا تم رفعه للمقام السامي؟ ومن هو صاحب الاختصاص في الإذن بتركيب تلفون، وما هو المبرر لرفع هذا الطلب؟ وثيقة، في رأيي، تفسح المجال لطالب العلم في الجيل المعاصر للبحث والتقصي عما كان عليه الجيل السابق في شأن الاتصالات السلكية واللاَّسلكية، وبمقارنة ما يتمتع به جيلنا المعاصر من حيث وجود الهاتف “الجوال” حتى في جيب الطالب في المدرسة الابتدائية فما بالك بتركيبه بالبيت, وإلى بقية الحلقات في الحلقة القادمة


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 10051

الناشر: جريدة اليوم

تاريخ النشر: 21/12/2000م

كانت أشبه بالجامعة(1) 

تلقيت دعوة كريمة من سعادة الأستاذ الدكتور “عبدالرحمن بن ابراهيم المديرس” مدير التعليم بمحافظة الأحساء جاء فيها:ـ أنه ابتهاجاً باختيار “الرياض” عاصمة للثقافة العربية لعام 2000م، وانطلاقاً من دور التعليم في دعم الحركة الثقافية والأدبية في المحافظة، ولما عرف عن “معاليكم” من اهتمام بتتبعِ وبحثِ للأحداث التعليمية والتاريخية وخاصة المتعلقة بمحافظة الأحساء، لذا يسرنا دعوتكم لألقاء محاضرة ثقافية عن التعليم في محافظة الأحساء من خلال استعراض ما جاء في كتابكم القيم (كانت أشبه بالجامعة ). من الصعوبة، أيها الأخ العزيز، بمكان تغطية موضوع الدعوة في محاضرة وذلك أن الوقت محدود ولايتسع لاستعراض شامل لمحتويات كتاب تتجاوز صفحاته أكثر من خمسمائة صفحة، وهو كتاب يتضمن بين دفتية قصة ملحمة متكاملة الوشائج والأجزاء عن فترة تاريخية حرجة.. ومع هذا فسوف أحاول تلبية هذه الدعوة في إيجاز. بادئ ذي بدء أود القول أن كتابي “كانت أشبه بالجامعة” مجرد محاولة متواضعة لإنصاف حركة التعليم الحديث في “الأحساء” التي أُهملت كلية من قبل المؤرخين لحركة التعليم الحديث في “المملكة العربية السعودية”. وعلى أبناء الجيل المعاصر من “محافظة الأحساء” وقد تهيأت لهم الوسائل التعليمية أن يعيدوا كتابة ما أهمله التاريخ.وحيث يصعب علي استعراض ما جاء في كتابي في وقت قصير فسوف أكتفي بإرهاصات أولية وفقاً لما يلي:ـيمكن النظر إلى تاريخ التعليم في “الأحساء” وفق المراحل التالية:ـ مرحلة ما قبل استرداد الملك “عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود” “للأحساء” حيث كان التعليم مقتصراً على الجانب الديني ونشر الثقافة التركية. ومرحلة ما بعد استرداد الملك “عبدالعزيز” يرحمه الله “للأحساء” حيث استمر التعليم الديني فيها مع تقلص نشر الثقافة التركية. وكان التعليم الديني فيما قبل وبعد استرداد “الأحساء” في عام 1331هـ في عهدة أسر قليلة أطلق عليها من باب المبالغة “الأسر العلمية”. وظل التعليم الديني منحصراً في نسبة قليلة جداً من السكان. أما الغالبية العظمى منهم فالأمية هي السائدة بينهم. وبعد استرداد “الأحساء” بإثني عشر عاماً بدأت مرحلة بوادر التعليم الحديث في “الأحساء” حينما أنشأ رائد التعليم الحديث الأول “حمد بن محمد النعيم” أول مدرسة للتعليم الحديث” تحت مسمى “مدرسة النجاح”، وآزرت أسرة “آل قصيبي” هذه المدرسة، وحظيت هذه المدرسة كذلك بمؤازرة معنوية حينما زارها الملك “عبدالعزيز” يرحمه الله في عام 1348هـ. وفي هذه المرحلة ظل المسئولون عن التعليم الديني في منآى عن التعليم الحديث. وفي عام 1350هـ قدم إلى “الأحساء” بتوجيه من الحكومة رائدان للتعليم الحديث هما “راغب القباني” و”عبدالجليل الأزهري” فأنشئَا “مدرسة للتعليم الحديث” في شارع الخباز المعروف في مدينة الهفوف القديمة. وأصيبت المدرسة بانتكاسة من طبيعة مأساوية بفعل بعض أهالي “الأحساء”. وفي عام 1356هـ قدم إلى “الأحساء” “رابع” رائد للتعليم الحديث وهو “محمد علي النحاس”. وهذا الرائد وإن كان من حيث الترتيب “الرابع” إلا أنه بكل المقاييس رمز التعليم الحديث على الإطلاق في “الأحساء” نظراً لما تمتع به من حصافة وكياسة في إرساء قواعد المهمة المكلف بها. وحتى في هذه المرحلة ظل المسئولون عن التعليم الديني بعيدين عن شئون التعليم الحديث. ولما توطدت أركان التعليم الحديث حمل الراية من بعد “النحاس” كل من “عبدالله بن عبدالعزيز الخيال، وعبدالعزيز بن منصور التركي، وعبدالمحسن بن حمد المنقور، ومن بعده الأستاذ عبدالله بن محمد بونهية”، ومن ثم من تلاه من مديرين.ما أسلفت بيانه حقائق تاريخية كلية تحتاج إلى دراسة وتقويم وتأصيل من قبل أبناء الجيل المعاصر في “محافظة الأحساء”. عاصرتُ شخصياً حركة التعليم الحديث في “الأحساء” وهي تتدرج إلى أوج مجدها. وحينما أسرحُ بخيالي عبر نصف قرن تقريباً أجد أن “الحياة” كطرفة عين أو كدقات قلب مهما طالت بها الأيام والسنون.من عاش مائة عام يتساوى تماماً مع من عاش لحظات مع فارق وحيد هو أن “الأول” يتميز عن “الثاني” أنه عاش زمنه، وكلما تقدَّم به الزمن تكوَّن له مخزون في عقله من الذكريات والعبر والتجارب. في إطار هذه الحقيقة أود التنويه أن ذكريات الطفولة والشباب تجول دائماً بخاطري، وتشدني إلى أرض “هجر” “مسقط رأسي” رغم أن الله سبحانه وتعالي هيَّأ لي في مسيرة حياتي ما لم أكن أحلم به. تحقق لي كل ما كنت أتمناه رغم أنني ولدت وشببت عن الطوق في بيت ـ من الناحية المادية ـ فقيراً. أنا مخضرم لأنني أنتمي إلى جيلين: الجيل الماضي والجيل المعاصر. ولي في هذين الجيلين ذكريات عطرة، والذكريات كما يقول شوقي:ـ صدى السنين الحاكي. كانت الأمية متفشية في الجيل الماضي وهو الجيل الذي عاصرته طفلاً وشاباً، وفي الجيل المعاصر تُحْتَضُرُ الأمية، وهذه من نعم الله سبحانه وتعالى. والفضل فيها، بعد الله، يعود لأصحاب الجلالة الملوك: عبدالعزيز وسعود وفيصل وخالد وفهد. كان الذي يكتب بالقلم في الجيل الماضي يسمى [بالكرَّاني]. و[الكرَّاني] كلمة دخيلة على لغة الضاد ولكنها كانت تعادل آنذاك ما يتفاخر به أبناء الجيل المعاصر من ألقاب علمية رفيعة مثل الدكتور أوالعلامة أو المهندس أو الفنان أو [الكمبيوترست].. كان الجيل الماضي ينام بعد صلاة العشاء الأخير في سطوح المنازل في أجواء ناعمة ذات نسيم عليل. أما الجيل المعاصر فيكاد يهجر النوم مستبدلاً عنه بنوم آخر مُسْتَغْرَقاً بما تحتوي عليه فضائيات عالمنا المعاصر من بث أكثرهُ غثٌ.كان الجيل الماضي ممن يسكن بعض أفراده في أطراف “مدينة الهفوف القديمة” تدغدغ آذانه في الهزيع الأخير مــن الليل [إلى جانب أصوات الديكة والأذان الأول والأخير لصلاة الفجر] صوت صبي السانية يتغنى في الحقل بأبيات:ـ
يا زارع المشموم فوق السطوحي ….. لا تزرعه يا شيخ عذبت روحيكل على سطحه يــدور البرادي ….. وانا علـى المحال يسحن فؤاديوكل في سطحـه في حضنه بنيه ….. وانا على المحال يصرصر علـي
أما الجيل المعاصر فلا يعرف السواني إلاَّ في كتب المعاجم وقد استُعيضَ عنها في سكون الليل بأصوات رافعات الماء ذات المحركات الذاتية الدفع المزعجة.كان الجيل الماضي يستخدم “الزرابيل” المصنوعة محلياً وقت الشتاء. أما الجيل المعاصر فلا يعرف “الزرابيل” لأنه استعاض عنها بأحسن ما تنتجه إيطاليا وغيرها من أحذية مصنعة مريحة. كان الجيل الماضي يصنع ما يحتاج إليه، ويأكل ما ينتج بيديه. وتنكَّر الجيل المعاصر لما يصنعه وينتجه الجيل الماضي. أصبح يحب الراحة والدعة ويستخدم ويأكل، وفي تفاخر، ما ينتجه الغير. ولم يتذكَّرْ أن “فقيد البيان” خريج “مدرسة الأحساء الابتدايية” الشاعر الملهم: محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم يقول في قصيدة له:ـ
ومعنى الحضارةِ يكمن في ….. نتاج المواطن لو تفهمون
كان معلم اللغة العربية بالمدرسة الابتدائية في الجيل الماضي مثل الشيخ “عبدالرحمن بن محمد القاضي العدساني” أو الأستاذ “عبداللطيف بن عبدالله بودي” يدرِّس اللغة العربية وبين يديه كتاب “شرح ابن عقيل” في النحو وغيره من أمهات كتب اللغة. ويصعب عليَّ التأكد عمَّا إذا كان معلم اللغة العربية في “المدرسة الابتدائية” في الجيل المعاصر قد قرأ الكتاب المشار إليه، أو على الأقل قد سمع عنه، أو اقتناه في مكتبته ببيته.وكان همُّ معلمِ المدرسة الابتدائية في الجيل الماضي قراءة الكتاب إذا وُفَّر له. أما معلم الجيل المعاصر فلدية من وسائل التسلية ما يصرفه عن القراءة والمطالعة.كانت وسائل التعليم لمعلم المدرسة الابتدائية في الجيل الماضي غير متاحة ورغم هذا فكان مستعداً لبذل ما يملك للحصول عليها. أما المعلم في الجيل المعاصر فكل شئ مهيأ له. ومن الصعوبة القول أنه يحاول الاستفادة من ذلك إلا ما ندر.!!الحديث يطول، والوقت لا يتسع لو تركتُ خيالي يسيح في عالم ذكريات الجيلين: جيل مضى، وجيل نعيشه، وسيترك مكانه لجيل آتٍ.حينما أكون في “مسقط رأسي” “الأحساء”، ولدي متسع من الوقت، أُمضي بعضاً منه ليلاً متجولاً في المرابع القديمة والأماكن الحالمة التي كنت أعهدها بعد ما شببت عن الطوق، منها ما كان موجوداً داخل “مدينة الهفوف القديمة”، ومنها ما هو خارجها في قرى “هجر” التي كانت تحتضن الحقول اليانعة والعيون الثرة الغنية بالماء الصافي الزلال الذي يقول الله سبحانه وتعالى فيه “وجعلنا من الماء كل شئ حي”.مخزون الذكريات يعرِّفني على تاريخ مضى لتلك المرابع والأماكن. وأجد في جولاتي أن المرابع والأماكن التي عهدتها بالأمس قد تغيرت معالمها اليوم، وأصبحت الآن أثراً بعد عين.
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ….. أنيس ولم يسمر بمكة سامــر
تغيرت هذه المرابع والأماكن كمجسمات ملموسة من حال إلى حال. بعض الحقول أصبحت مبانى، وبعض المبانى تحولت إلى أطلال، والعيون المتدفقة أصبحت قاعاً صفصفاً، والخندق العريض العميق حول “حي الكوت” تحوَّل إلى أسواق عامرة. كل هذا حدث ويحدث أمام ناظري في زمن قياسي لا يتجاوز أربعة عقود من الزمن أو نصف قرن. كل هذه التحولات أمام ناظري باعتباري إنساناً مخضرماً عاصر جيلين. والسؤال الذي دائماً ما أطرحه على نفسي محاولاً الحصول من نفسي لنفسي عن إجابة شافية شاملة له هو ما يلي:ـ أيهما أفضل، من حيث راحة البال، أحوال الجيل الماضي أم أحوال الجيل الحاضر؟ هذا السؤال الذي أطرحه ليس بالجديد. هو سؤال على كل لسان. وتحتار في الإجابة عليه العقول والأذهان. ولا يتسع الوقت لتقديم الإجابة الشافية عليه.كل ما تحدثتُ عنه من تصورات وتأملات كانت ولاتزال لها انعكاسات على ما استهدفته حينما قررت تأليف كتاب “كانت أشبه بالجامعة”. وكان تأليف الكتاب مجرد فكرة عالقة في ذهني منذ ذلك الوقت. وشرحتُ في الكتاب أسباب تبلور تلك الفكرة التي كانت تراود ذهني. ومن الملائم للتذكير أن من أهمهما زيارة الأستاذ “عبدالله عريف” رئيس تحرير جريدة “البلاد السعودية” للأحساء، وما ترتب على هذه الزيارة من شحذ همتي للشروع في وضع تصور للكتاب.


كانت أشبه بالجامعة(1)
الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 10044

تاريخ النشر: 14/12/2000م

الرد على مهيار (3)

من أوراقي المبعثرة الرد على مهيار 3 ـ 3بقلم معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم*
وكان “مهيار” يتفاخرُ وينافحُ في قصيدته عن قوميته، ولكن هذه المنافحة والتفاخر من أجل ماذا؟ هل هو من أجل قوميةٍ بائدةٍ مجردةٍ من القيم والأخلاق الإسلامية؟ لماذا لا يكون التفاخر بالدين الجديد الذي جاء به القرآن الكريم، وهو الدين الذي يدعو إلى نبذ شركيات الماضي، والتمسك بالأخوة الإسلامية، وبالتقوى والدعوة إلى الله. هل يلزم تذكِير “مهيار” بزلزال “الإسلام” الذي اجتثَّ “إيوان كسرى” من جذوره، وهو يعلمه علم اليقين؟ هل يلزم تذكِير “مهيار” بعقيدة التوحيد التي قضت على كل ألوان الشرك وعبادة الأوثان والطغيان ، وجمعت منسوبي الإسلام في نسبٍ واحدٍ مهما اختلفت جنسياتهم وقومياتهم، وتبلور هذا النسب في قيام أمة واحدة تلتوي بلواء “الإسلام”، وتتفيَّأُ في ظلاله عير القرون في محبةٍ وأخوةٍ لا نظير لهما.يقول الشاعر:ـ
لَيْسَ يَا “مِهْيَارُ” فَخْرًا لِلْفَتَى ….. فِي مَيَادِينِ الْعُلَى وَالرُّتَبِ غَيْرَ تَقْوَى اللهِ بُرْهَانُ الرِّضَى ….. وَدَلِيلُ النُّجْحِ فِي الْمَطْلَبِوَالْفَخَارُ الْحَقُّ بِالدِّينِ الذِي ….. يُوصِلُ الْمَرْءَ لِمَا لَمْ يِخّرُبِ أَيْنَ “كِسْرَاكُمُ” عَلَى إَيوَانِهِ ….. وَبِسَاطٌ نَسْجُهُ مِنْ ذَهَبِ وَكُنُوزِ الدُّرِّ فِي بَهْجَتِهَا ….. تَبْهَرُ الْعَيْنَ بِمَرْأًى عَجَبِ وَسَنَاءُ التَّاجِ فِي رَوْعَتِهِ ….. سَاطِعًا مِثْلَ سَنَاءِ اللَّهَبِمَزَّقَّ اللهُ “بِسَعْدٍ” مُلْكَهُ ….. وَبِجَيْشِ الْمُتَّقِينِ النُّجُبِ وَكَذَا الْعُقْبَى لأَرْبَابِ التُّقَى ….. فَالْتَزِمْهَا تَظْفَــرَنْ بِالْغَلَبِ
ويختم الشاعر “آل ملحم” قصيدتَه موجهًا النُّصح “لمهيار” [ومهيار ميت] ولكن النصح، في حقيقة الأمر، موجةٌ إلى كل من سَيَسْرِ على شاكلة “مهيار”: بأن الإسلام ينبذ العصب الأعمى، والتفاخر بالقوميات المجردة من أخلاقيات الإسلام وتسامحه. كما يذكِّر الشاعر بأخلاق الإسلام النبيلة التي جمعت ولم تفرق دونما نظر لعنصرٍ أو جنسٍ ما دام الكل يدين بدين الإسلام. وهو الدين الذي يدعو لعبادة إلهٍ واحد، والتمسك بكتابٍ واحد، والتوجه إلى قبلةٍ واحدة، والإيمان برسل خاتمهم “محمد” صلى الله عليه وعليهم وسلم. يقول الشاعر:ـ
لاَ تُثِرْهَا نَعْرَةً بَالِيَةً ….. دَرَسَتْ آثَارُهَا فِي التُّرَبِ وَلْنِدَعْهَا إِنَّهَا مُنْتِنَةٌ ….. قَدْ نَهَى عَنْهَا الْفَتَى “الْمُطَّلِبي” إِنَّنَا بِالدِّينِ صِرْنا إِخْوَةٌ ….. وَكَفَانَا دِينُنَا مِنْ نَسَبِ عَزَّنَا اللهُ بِهِ أَجْمَعََُا ….. وَتَسَاوَيْنَا بِهِ فِي الْحَسَبِ فَإِذَا “سَلْمَانُ” مِنْ بَيْتِ “النَّبِي ….. وَ”صَهَيْبٌ” وَ”بِلاَلٌ” “يَثْرُبِي” أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ أُمَّتُنَا ….. وَ”إِلَهٌ” وَاحِدٌ ثُمَّ “نَبِي” قُبْلَةٌ وَاحِدَةٌ قُبْلَتُنَا ….. ثَمَّ ذِكْرٌ وَاحِدٌ فَلْنُجِبِ: دَعْـوَةُ الْحَـقِّ إِذَا نُودِي بِهَا ….. وَلْنُجِدَّ السَّيْرَ فَـي الْمُطَّلَبِ
وَوَرَدَ تساؤلُ في “دراسة” أدبية تناولت قصيدة “أُعْجِبَتْ ِبي” فحواها عمَّا إذا كان “مهيار” قد أخلص للإسلام؟ فكان الجواب نعم. ذلك أن ديوانه قد تحدَّث بصفةٍ خاصةٍ عن حبه العميق للأهل البيت، ثم إن شعره يوضح اعتقاده الحار في الإسلام عن اقتناع، ورغبته بأن يدخل قومه في الإسلام، وكان الدليل ذلك تحبيره الأبيات التالية:ـ
وَبَلِّغْ أَخَا صُحْبَتِي عَنْ أَخِيكَ ….. عَشِيرَتَهُ نَائِيًا أَوْ قَرِيبَاتَبَدَّلْتُ مِنْ نَارِكُمْ رَبَّهَا ….. وَخُبْثَ مَوَاقِدِهَا الْخُلَدُ طِيبَا نَصَحْتُكُمُ لَوْ وَجَدْتُ الْمُصِيخُ ….. وَنَادَيْتُكُم لَوْ دَعَوْتُ الْمُجِيبَا أَفِيقُوا فَقَدْ وَعَدَ اللهُ فِي ….. ضَلاَلَةِ مِثْلِكُمُ أَنْ يَتُوبَا وَإِلاَّ هَلِــمُّوا أُبَاهِيكُــمُ ….. فَمَنْ قَامَ وَالْفَخْرُ قَامَ الْمُصِيبَا
وفي مقدمة “دراسة” أخرى عن شعره “مهيار” ورد ما يلي:ـ وشعر “مهيار” في محتواه يمثِّل ظاهرةً خاصةً في كونه صورة ناضجة لقصيدة التشيع، وتطورها في تاريخها الطويل، ولقصيدة الشعوبية في آخر مراحلها في العصر العباسي. وهو بعد ذلك النموذج الواضح للتلمذة الشعرية وتطورها في الشعر العربي.وبمقدمة الدراسة نفسها تقويم موضوعي “لمهيار” من حيث معتقده، تقول الدراسة”:ـولم يقدر لشاعر أن تتضارب حوله الآراء كما قدر “لمهيار الديلمي”، فقد ظلت أصابيع الاتِّهام تشير إليه مثيرةً الشكوك حول إسلامه وتشيعه، كما أشير إليه بالبنان من قبل آخرين وجدوا فيه مثالاً صادقاً للإيمان والثبات على الدين والمذهب. ولم يقف هذا التناقض عند حدود تاريخ الشاعر الشخصي، وفكره ومعتقده، وإنما امتد إلى الجوانب الفنية، وشمل شعره. فهناك من النقاد القدامى ومؤرخي الأدب من أنكر “مهيار” أشد الإنكار، وفضَّل أن لا يشير إليه، وأن لا يضعه مع أدباء العصر. وهناك أيضًا من نظر في شعر “مهيار” نظرة فاحصٍ مدققٍ ليستشهد به، ويبررعيوبه ونواقصه.ولم يكن هذا التناقض في الرأي عند عصرٍ بعينه، فما زالت الآراء المحدثة تتناول “مهيار” مختلفة حوله بين الإعجاب الواسع والإشارة الصريحة إلى الفراغ الفني الفكري في شعره.
*رئيس دارة الدكتورآل ملحم  للتحكيم والاستشارات القانونية.


الرد على مهيار (3)
الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9837

تاريخ النشر: 21/05/2000م

من أوراقي المبعثرة وعن النخلة أم البترول مرة أخرى 2 ـ 4

وتحدث السيد “تويتشل” باستفاضة عن الامكانيات المالية المتوقعة من “البترول” في “مقاطعة الأحساء”، كما تناول من وجهة نظره ما تم من مغامرات ومحادثات وملابسات انتهت بفوز شركة أمريكية ـ كان له دور فيها ـ بامتياز البحث عن البترول في البلاد السعودية. وهو امتياز تحقق له النجاح والبقاء المستمر إلى حين.وعن الماء والآبار يقول المؤلف: إن ما يعنينا من حالة الري في البلاد العربية السعودية أننا تجاه حقيقة واقعة، وهي أن “منطقة الأحساء” تتمتع بأعظم إمكانيات الري. وتوجد هنالك احتمالات بانبثاق آبار ارتوازية في منبسط الأرض يمتد إلى مسافة تبلغ فوق [مائة] 100 ميل مربع غربي الخليج [الفارسي] بموازاة ساحله. ويقول السيد “تويتشل”: وإن ما يحمل على هذا الاعتقاد هو تلك الآبار التي قامت شركة الزيت العربية الأمريكية بحفرها في مراكز أعمالها في “الخبر” و”بقيق” و”الجبيل” و”أبوحدرية” إلى الشمال والجنوب من “الظهران”، وما قامت بحفره كذلك الحكومة العربية السعودية في مواقع عديدة في “حوية” إلى الغرب من “بقيق” وفي “الهفوف”.وبالإضافة إلى ما يجري ـ والقول للسيد “تويتشل” ـ بهمة ونشاط من تحسينات للحصول على الماء، يوجد هنالك ينابيع عظيمة تتدفق بالماء العذب الزلال بكميات هائلة في واحات “الأحساء” و”القطيف” و”صفوة” و”تاروت”، وأعظم نبع جار في “الهفوف” وهو نبع “عين حقل” ويعطي (22500) جالون في الدقيقة الواحدة، ولا يزال جارياً متدفقاً، ويُرى أثره في في أراض كثيرة حيث عاش جماعات من الناس آلاف السنين وخلفوا وراءهم الحدائق والبساتين التي يستثمرها أبناؤهم جيلاً بعد جيل. وقد قُدِّرَ ما تعطي كل من الثلاث العيون الأخرى في واحة “الأحساء” بحوالي (20000) جالون في الدقيقة الواحدة، كما قدر ما تعطيه خمسة ينابيع أخرى بـ (800) إلى (4000) جالون في الدقيقة. وواحات “الهفوف” التي تعتبر أوسع الواحات في البلاد العربية السعودية ذات ارتفاع معدله (500) قدم، وقد قدر مهندسو شركة الزيت بأن مقدار تلك المساحة ـ التي تنمو فيها أكثر من مليوني “نخلة ” يبلغ حوالي (25000) فدان.ومن مليوني “النخلة” كانت “الزراعة” من اهتمامات السيد “تويتشل” وذلك من خلال تحريه وبحثه عن مصادر المياه. يقول السيد “تويتشل” عن الزراعة والمياه في “منطقة الأحساء”: أن هذه البلدة حتى قبل اكتشاف البترول فيها كانت تعتبر ذات أهمية في البلاد العربية السعودية، وعلى الأخص الواحات الشاسعة المعروفة في “الهفوف” التي تجري فيها سبعة ينابيع مياه هائلة، ويوجد فيها أكثر من ميليوني نخل، وهذه تعطي أعظم منتوج من تمر “الخلاص” الغالي الثمن.وعن التمور يقول السيد “تويتشل”: والتمر هو المنتوج الزراعي الرئيس في البلاد، وأصنافه لا عَدَّ لها … كما ذكر أن تمور المملكة متنوعة، ولكن ما يرسل للخارج، أو وراء البحار، حسب تعبير المؤلف، إنما هو من الصنف الصغير الحجم الحلو الغالي السعر وهو ما يدعى “بالخلاص”، ويُغَلُّ في “منطقة الأحساء” الذائعة الصيت.وفي موقع آخر من كتابه يقول السيد “تويتشل”: ويعدُّ الأرز من المنتوجات الهامة في واحات “الأحساء”، وكمية المياه المتدفقة من الينابيع السبعة العظيمة تجعل في الإمكان القيام بعملية غمر الماء اللازم لحقول الأرز، ومعظم الأرز غير المقشور يوجد في بساتين النخيل الواسعة الأطراف، ويستهلك محلياً.ويظل كتاب “الزراعة الحديثة بالمملكة العربية السعودية” من أهم الكتب الوثائقية في خصوص الموضوع الذي يتطرق إليه. كما وجدتُ أنه كتاب قد تحدث باستفاضة وشمولية عن أوضاع الزراعة بالمملكة، وكذا عن “النخلة”، ومؤلف الكتاب هو السيد “حسين محمد بدوي” الخبير الزراعي المصري وعضو “البعثة الزراعية المصرية” التي قدمت “للملكة العربية السعودية” للنظر في دراسة الأوضاع الزراعية في المملكة بموجب الأمر الملكي الصادر في 36/8/1362هـ. وتتكون البعثة المصرية من فريقين: فريق “وزارة الزراعة” وهم: الأستاذ “عمر بك خليل” رئيساً، وعضوية كل من:الأستاذ “حسين دويدار”، و”حسين بدوي”، و”إبراهيم سجيني”. أما فريق “وزارة الأشغال” فهم: الأستاذ “محمد بك عمر” رئيساً، وعضوية كل من:”صلاح الدين فطين” عضواً و”عبداللطيف فتوح” عضواً.وتضمَّن الأمر الملكي الموجه أصله لمعالي وزير المالية الفقرات التالية”: “بما أننا لم نأمر باحضار البعثة الزراعية إلا لتنظيم المزارع على الطريقة الفنية للوصول إلى أحسن الأصناف الممكنة، ولأجل تسهيل مهمة البعثة والحصول على النتيجة التي جاءت البعثة من أجلها نأمر بما يأتي. وأهم ما جاء في الأمر ما يلي:ـ (1) يقوم بالأعمال الزراعية في “الخرج” المهندسون الفنيون فيكون أحدهم “للسيح” و”سميح”، و”المحمدي”، “والآخر “لخفس”، والثالث لقسم البساتين والخضار والفواكه والأشجار. (2) تعطى السلطة الكاملة للمهندسين المذكورين في المراقبة والإشراف على الأعمال الزراعية، وفي طلب فصل المزارعين الذين لا يقومون بوجباتهم، ولا يمتثلون للتعليمات التي تعطى لهم بدقة. (3) يقوم مدير مصلحة الخرج بإنجاز اللوازم والطلبات من بذور وعمال ومحروقات وغيرها في أوقاتها اللازمة بحيث لا يحدث من جرائها أدنى تعطيل. (4) المسئولية في أعمال الزراعة الفنية على المهندسين الزراعيين، والمسئولية في تأميم الطلبات على إدارة الخرج فإن حصل قصور من أحد الجانبين يكون مسئولاً.وكانت مهمة رؤساء الفريقين لمدة ستة أشهر، ومهمة أعضاء الفريقين لمدة سنتين مبتدئة من 12 ذي القعدة عام 1361هـ. وخلال السنتين الأولى قامت “البعثة الزراعية المصرية” بأداء مهمتها المناطة بها في “الخرج” و”خفس دغرة”، وتقدمت بتقرير عن حالة المواشي “بالخرج” تضمَّن اقتراحات طالبت البعثة من المسؤولين بتنفيذها. وبعد أن انتهت مدة البعثة مددت مهمتها لمدة سنتين أخريتين للعمل بمنطقتي “الأحساء” و”القطيف”.وبموجب هذا التمديد قامت البعثة بأعمال تستحق الإشادة والذكر. وتضمَّن الكتاب معلومات مهمة عن هاتين المنطقتين تحتل الجزء الأكبر من محنويات الكتاب. وعن هاتين المنطقتين ورد بكتاب “وزارة الزراعة والمياه” المئوي معلومات من طبيعة توثيقية منها: وتتفوق واحة “الأحساء” على غيرها من مناطق المملكة في انتاج التمور بكميات وافرة ونوعيات عالية الجودة وكذلك الأرز الحساوي، كما أن واحتي “الهفوف” و”القطيف” تعدان من أهم مراكز انتاج الفاكهة خاصة الرمان والموالح والخوخ والتين والموز والخضار”.

ــــــــــــــ

الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9802

تاريخ النشر: 19/04/2000م

*رئيس دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستشارات القانونية

الرد على مهيار (2)

الرد على مهيار 2 ـ 3بقلم معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم*
وللرد على “مهيار” من منطلقاتٍ إسلاميةٍ بحتةٍ ترتكز على مبدء نبذ القومية والعنصرية رفع الشاعر “آل ملحم” شعار “الإسلام” وشعار “الأخوة الإسلامية”.يقول:ـ
لَكَ يَا “مِهْيَارُ” فِي الشِّعْرِ يَدٌ ….. وَلَنَا أَيْدٍ لَهَا لَمْ تُغْلَبِ لاَ تُفَاخِرْ “أُمَّةَ الضَّادِ” التِي ….. خَصَّهَا اللهُ بِذِكْرٍ عَرَبِي وَحَبَاهَا مِنْ لَدُنْهِ “الْمُصْطَفَى” ….. وَكَفَى الْعُرْبَ النَّبِيَّ الْيَعْرُبِي فَسَمُوا “بِالْمُصْطَفَى” فِي مَشْرِقٍ ….. وَسَمُوا “بِالْمُصْطَفَى” فِي مَغْرِبِ قَدْ أَضَاءَ الْكَوْنَ مِنْ أَنْوًارِهِ ….. وَانْجَلَتْ عَنَّا غُيُوبِ الْكُرَبِ لاَ تُفَاخَرْنـَـا فَإِنَّــا أُمَّــةٌ ….. شَمْسُهَا مِنْذُ بَــدَتْ لَمْ تَغْرُبِ
كما أخذ الشاعر “آل ملحم” يذكِّر “مهيار” بأثر الإسلام في “فارس”. يقول له:ـ
لاَ تُفَاخِرْ “أُمَّةَ الضَّادِ” التِي ….. خَصَّهَا اللهُ بِذِكْرٍ طَيِّبِ كُنْتُمُ مِنْ قَبْلَهُ فِي مِحْنَةٍ ….. وَالْوَرَى كُلُّهٍمْ فِي نُوَبِ تَعْبُدُونَ النَّارَ وَيْحَكُمُ ….. وَتَجُودنَ لَهَا بِالْقُرَبِ كَمْ شُعُوبٍ حَارَبَتْنَا فَانْتَهَتْ ….. وَاسْتَحَالَتْ فِي سَحِيقِ التُّرَبِ قَدْ مَضَتْ “فُارِسُ” وَ”الرُّومِ” مَعًا ….. وَكَذَا دَيَلَكُمُ عَنْ َكَثبِلاَ تُفَاخِرْ “أُمَّةَ الضَّادِ” التِي ….. خَصَّهَا اللهُ بِذِكْرٍ طَيِّبِ كُنْتُمُ مِنْ قَبْلَهُ فِي مِحْنَةٍ ….. وَالْوَرَى كُلُّهٍمْ فِي نُوَبِ تَعْبُدُونَ النَّارَ وَيْحَكُمُ ….. وَتَجُودنَ لَهَا بِالْقُرَبِ كَمْ شُعُوبٍ حَارَبَتْنَا فَانْتَهَتْ ….. وَاسْتَحَالَتْ فِي سَحِيقِ التُّرَبِ قَدْ مَضَتْ “فُارِسُ” وَ”الرُّومِ” مَعًا ….. وَكَذَا دَيَلَكُمُ عَــنْ َكَثبِ
وفي دَرْسٍ كلهُ أدبٌ جمٌّ أخذ الشاعر “آل ملحم” يحدث “مهيار” عن الإسلام ورسالته، وعن أثره في بناء أمة مسلمة متماسكة ذات بنيان مرصوص لدرجة أصبح لهذه الأمة في هذا الكون، بفضل الإسلام هذا الدين الخالد، الكلمة النافذة والذكر الحسن. يقول الشاعر:ـ
وَابْتَدَأْنَا كُلُّنَا تَارَيْخَنَا …… “أُمَّةَ الإِسْلاَمِ” مِنْ هَذَا “النَّبَي” قِصَّةُ الْمَجْدِ لَنَا قَدْ بَدَأَتْ …… بِظُهُورِ الدِّينِ فَافْهَمْ يَا “غَبِي” إِنَّهُ مَنْسِبُنَا أَجْمَعِنَا …… حَسْبُنُا ذَلِكُمْ مِنْ نَسَبِ حَيْثُ نُلْنَا ذُرْوَةَ الْمَجْـدِ هُنَا …… وَغَـدًا نَبْلُغُ أَعْلَـى الرُتَبِ
ومن ثم وجَّه الشاعر خطابه إلى “مهيار” يذكِّره ولعل الذكرى تنفع المؤمنين، بما يجب عليه أن يتفاخر به، وتمكن شاعرنا أن يستخدم أبياتًا من قصيدة “مهيار” لما فيه صالحه وصالح كل مسلم. والبيتان هما:ـ
“وَبِهِ اسْتَوْلُوا عَلَى الدَّهْرِ فَتًى” ….. “وَمَشُوا فَوْقَ رُؤُسِ الْحُقثبِ” “عَمَّمُوا بَالشَّمْسِ هَامَاتُهُـمُ” ….. وَبَنُوا أَبْيَاتُهُــمْ فِي الشُّهُبِ
يقول الشاعر “آل ملحم” في خطابه:ـ
لاَ تُفَاخِرْ بِتُرَاثٍ مَيِّتٍ ….. لَمْ يُقِمْ بُنْيَانُهُ هَدْيِ نَبِي وَافْتَخِرْ بِالدِّينِ لَوْلاَهُ لَمَا ….. بَلَغَ الإِنْسَانُ أَقْصَى مَأْرَبِ ذَلِكَ الدِّينُ الذِي سَادُوا بِهِ ….. مِـنْ أَقَاصِي الشَّرْقِ حَتَّى الْمَغْرِبِ”وَبِهِ اسْتَوْلُوا عَلَى الدَّهْرِ فَتًى” ….. “وَمَشُوا فَوْقَ رُؤُسِ الْحُقُبِ” “عَمَّمُوا بِالشَّمْسِ هَامَاتُهُـمُ” ….. وَبَنُوا أَبْيَاتُهُــــمْ فِي الشُّهُبِفَهَنِيئًا لَهُمُ فِي غَِدِِهِــمْ ….. بِنَعِيمٍ دَائِــمٍ مُرْتَقِــــبِ
كما أخذ الشاعر يوضح “لمهيار” ما جاء الإسلام به من حقائق مع اقتباس جميل لأبيات من قصيدة “مهيار” في غير ما خُصِّصَتْ له أصلاً فيقول:ـ
لاَ تُفَاخِرْ بِجُدُودٍ سَلَفُوا ….. لَيْسَ فِيهُمْ “مُسْلِمٌ” أَوْ “يَعْرُبِي” أَيْنَ يَا “مِهْيَارُ” آبَاؤُكُمُ ….. مِنْ نَبِيٍ “قُرَشْيٍ” “عَرَبِي”وَكَفَانِي شَرَفًا أَنِِّّيَ مَنْ ….. جَدُّهُ “عَدْنَانَ” مَنْ “مِثْلَ أَبِ”أَيْنَ يَا “مِهْيَارُ” إِيوَانُكُمُ ….. إِنْ تَنَازَلْنَا لِعَرْضِ النَّسَبِ وَنَسَبنَا إِرَمًا نِدًا لَهُ ….. هَلْ تُرَابٌ يَسْتَوِي مَعْ ذَهَبِ أَتَقُولُونَ فَخَارًا بَعْدَ ذَا ….. لِفَتَاةِ “الْعُرْبِ” عَبْرَ الْحُقُبِ “أُعْجِبَتْ بِي بَيْنَ نَادِي قَوْمِهَا” ….. “أُمَّ سَعْدٍ فَمَضَتْ تسْأَلُ بِي” يَا تُرَى هَلْ بَعْدَ هَذَا فِي الدُّنَا ….. “رُومُهَا أَوْ “فُرْسُهَا” فِي مَنْصَبِ مَنْ يُدَانِينَا عَلَى طُولِ الْمَدَى ….. فَلِتَسْلَمْ مُذْعِنًا “لِلْيُعَرُبِـــي”


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 9830

تاريخ النشر: 14/05/2000

*رئيس دارة الدكتورآل ملحم للتحكيم والاستشارات القانونية.

الرد على مهيار 1

من أوراقي المبعثرة الرد على مهيار 1 ـ 3بقلم معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم*
وُلِدَتْ قصيدة “أعجبت بي” في بغداد عاصمة الخليفة “المعتصم” التي كان وقتها تحت “الحكم البويهي” ذي النَّزعات الفكرية المتصارعة. وتتكوَّن هذه القصيدة من “تسعة” أبيات محبرة على بحر “الرمل” ذي الموسيقى الرشيقة الخفيفة المنسابة كما يقول أحد النقاد العرب. وتقرأ الأبيات التسعة كما يلي:ـ
أُعْجِبَتْ بِي بَيْنَ نَادِي قَوْمِهَا …… “أُمٌّ سَعْدٍ” فَمَضَتْ تَسْأَلُ بِي سَرَّهَا مَا عَلِمَتْ مِنْ خُلُقِي …… فَأَرَادَتْ عِلْمَهَا مِنْ حَسَبِي لاَ تَخَافِي نَسَبًا يُخْفُضُنِي …… أَنَا مَنْ يُرْضِيكَ عِنْدَ النَّسَبِ قَوْمِيَ اسْتَوْلُوا عَلَى الدَّهْرِ فَتًى …… وَمَشُوا فَوْقَ رُؤُوسِ الْحُقُبِ عَمَّمُوا بِالشَّمْسِ هَامَاتُهُمُ …… وَبَنُوا أَبْيَاتَهُمْ فِي الشُّهُبِ وَأَبِي “كْسْرَى” عَلَى إِيَوَانِهِ …… أَيْنَ فِي النَّاسِ أَبٌُّ مِثْلَ أَبِي سَوْرَةُ الْمُلْكِ الْقُدَامَى وَعَلَى …… شَرَفِ الإْسِلاَمِ لِي وَالأَدَبِ قَدْ قَبَسْتُ الْمَجْدَ مِنْ خَيْرِ أَبٍ …… وَقَبَسْتُ الدِّينَ مِنْ خَيْرِ نَبِي وَضَمَمْتُ الْفَخْرَ مِنْ أَطْرَافِــهِ …… سُؤْدَدَ الْفُرْسِ وَدِينَ الُعَــرَبِ
ومنذ أن تَمَّ تحبير هذه القصيدة وهي ذاتٍ تألقٍ متناهٍ في عالم التجربة الشعرية،والقصيدة من روائع الشعر العربي، وقد نالت ما تستحقه من شهرة، وهي من نتاجٍ فارسيٍ في شكل عربي، وكان الغرض منها التعبير بوضوحٍ عن تفوق “فارس” أصلاً ومحتدًا وباسم الإسلام، وضد كل ما هو عربي أصلاً ومحتدَا.والقصيدة معلم شامخ، وتدل على عظمة الفخر باعتباره أحد فنون التجربة الشعرية العربية، كما أنها أهم رمز ممثل لروح الفلسفة الشعوبية التي نشأت وترعرعت في ظل التسامح الإسلامي وأخلاقياته النبيلة.وتَمَّ تحبير القصيدة تحت سمع وبصر خليفة “بغداد” الذي لم يحوك ساكنًا لأنه كان حبيس القفص الشهير. وكانت القصيدة في حد ذاتها أهم رسالة إعلامية عبرت في عقر دار العربي عن عظمة الفرس، والتذكير بأمجادهم، كما يتخيلها “مهيار”..وقائل القصيدة رجل فارسي مجوسي حديث عهد بالإسلام. ولتمجيد الفرس استخدم “مهيار” سلاح من أمضى الأسلحة عند العرب أَلاَ وهو الشعر عندما رغب في التعبير عن آرائه.وَفَعَلَ “مهيار” ما فعل لإدراكه أنه يعيش في عصر كانت السيادة فيه “للفرس”، كما كانت القصيدة نذير انتكاسات تلت عصر “المعتصم”.وكان “مهيار” نسيج عصره، وهو عصر اختلط فيه الحابل بالنابل وذلك في ظل ضعف عربي، وسيطرة خليط من أجناس غير عربية، ومذاهب متعددة، وأفكار متباينة.وقيل عن “مهيار” في التراث العربي أنه له مذاقٌ خاصٌ في الشعر، مبغضٌ “للعرب”، فخورٌ “بكسراويته”، ومحبٌ “للآل البيت”.تسامح الإسلام جعل “مهيار” يقول ما قال، وهو تسامح تبدو مصداقيته في قول “الرسول” صلة الله عليه وسلم في خطبة الوداع “ليس لعربي فضل على عجمي إلاَّ بالتقوى”.ولم أعثر، وهذا مبلغ علمي، على اسم شاعر تصدى “لمهيار” غير الشاعر”محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم” الذي حبَّر قصيدة من بحر “الرمل”، وهو البحر نفسه الذي استخدمه “مهيار” في قصيدته. وهي قصيدةٌ، كما سنرى، تستحِق الذكر والإشاده.وتحدث الشاعر “آل ملحم” عن كيفية عثوره على قصيدة “أعجبت بي” في أبياتٍ قدَّم بها قصيدته قائلاً:
بَيَنَمَا كُنْتُ بِظِلّ مُعْجِبٍ ….. مِنْ ظِلاَلِ الأَدَبِ الْمُعْشَوْشِبِ وَأَنَا فِيهِ أُسَلِّي خَاطِرِي ….. مُسْتَريِحاً فِي رِيَاضِ الْكُتُبِ إِذْ بَدَتْ لِي قِطْعَةٌ شِعْرِيَّةٍ ….. لِفَتًى لاَحَ كَمِثْلِ الْكَوْكَبِ فَاخِرًا فِيهَا بِقَوْمِيَّتِهِ ….. يَتَبَاهَى مُظْهِرًا لِلْحَسَبِ يُرْسِلُ الشِّعْرَ كَمَا نَعْهَدُهُ ….. لَيْسَ بِالْمَصْنوعِ وَالْمُكَتسِبِ سَاحِرُ الإِيقَاعِ فِي نَغْمَتِهِ ….. نَفَثَاتُ الْحُبِّ فِي قَلْبِ صَبِي غَيْرَ أَنَّ الْمَرْأَ مَهْمَا يَعْتَلِي ….. لَيْسَ يَخْلُو أَبَدًا مِنْ ثُلَبِ وَلأَنَّا لَمْ نَجِدْ مَنْ يَنْبَرِي ….. قَدْ أَخَذْنَا قَوْسَنَا فِي اللَّعِبِ فَاسْمَعُوا آرَاءَنَا نَعْرُضَـهَا ….. دُرَرًا مِْن نَوْعِـهَا لَمْ تُجْلَبِ
وهكذا، وفي أدب جم، بدأ “آل ملحم” قصيدته التي وإن لم تخلو من مدح لشاعرية مهيار، ومن أنه شاعر مطبوع، إلاَّ أن استنكرتْ عليه التعصب لقوميته.يقول “مهيار”:
أُعْجِبَتْ بِي بَيْنَ نَادِي قَوْمَهَا ….. “أُمٌّ سَعْدٍ” فَمَضَتْ تَسْأَلُ بِي
مَنْ هي “أم سعد”؟ هل هي محبوبةٌ أم زوجهُ؟لقد سار “مهيار” على ما سار عليه الشعراء العرب منذ العهد الجاهلي وحتى عصر “مهيار” على اتخاذ اسم محبوبة لمناجاتها في أشعاره مثل “سلمى” و”بثينة” و”ليلبى” و”عنيزة”. ولكن “أم سعد” في مفهوم “مهيار” هي “العروبة المسلمة” وقوم “أم سعد” هم “الأمة العربية” قاطبةً. ولأن “العروبة” وقتها كانت في حالة ضعف واستكانة أخذت “أم سعد” تسأل “مهيار” مَنْ أنت؟ مَنْ أنت؟ وتمكن “مهيار” من التغلغل في أعماق “أم سعد” ليكشف عن سِرِّ سؤالها بكل وضوح. قال “مهيار”:
سَرَّهَا مَا عَلِمَتْ مِنْ خُلُقِـي ….. فَأَرَادَتْ عِلْمَــهَا بِحَسَبِي
وهنا أراد “مهيار” بجلاءٍ تبيانَ أخلاق “الفرس”، وأنه لولا علم “أم سعد” عن حسن أخلاقي باعتباري فارسيًا” لما كان لديها ما يبرر السؤال عن حسبي ونسبي.وللرد على “مهيار” من مطلقاتٍ إسلاميةٍ بحتةٍ ترتكز على نبذ “القومية” و”العنصرية” رفع الشاعر شعار “الإسلام”، وشعار “الأخوة الإسلامية”.يقول الشاعر “آل ملحم”:
لَكَ يَا “مِهْيَارُ” فِي الشِّعْرِ يَدٌ ….. وَلَنَا أَيْدٍ لَهَا لَمْ تُغْلَبِ لاَ تُفَاخِرْ “أُمَّةَ الضَّادِ” التِي ….. خَصَّهَا اللهُ بِذِكْرٍ عَرَبِي وَحَبَاهَا مِنْ لَدُنْهِ “الْمُصْطَفَى” ….. وَكَفَى الْعُرْبَ النَّبِيَّ الْيَعْرُبِي فَسَمُوا “بِالْمُصْطَفَى” فِي مَشْرِقٍ ….. وَسَمُوا “بِالْمُصْطَفَى” فِي مَغْرِبِ قَدْ أَضَاءَ الْكَوْنَ مِنْ أَنْوًارِهِ ….. وَانْجَلَتْ عَنَّا غُيُوبِ الْكُرَبِ لاَ تُفَاخَرْنـَـا فَإِنَّــا أُمَّــةٌ ….. شَمْسُهَا مِنْذُ بَــدَتْ لَمْ تَغْرُبِ
كما أخذ الشاعر “آل ملحم” يذكِّر “مهيار” بزلزال “الإسلام” الذي اجْتَثَّ “إيوان كسرى” من جذوره، كما قضى على كل ألوان الشرك والطغيان جامعًا منسوبيه مهما اختلفت جنسياتهم وقومياتهم في أمة واحدة تلتوي بلواء “الإسلام” وتتفيأُ في ظلاله في محبةٍ وأخوةٍ لاَ نظير لهما.يقول الشاعر “آل ملحم” مخاطباً “مهيار”:
لاَ تُفَاخِرْ “أُمَّةَ الضَّادِ” التِي ….. خَصَّهَا اللهُ بِذِكْرٍ طَيِّبِ كُنْتُمُ مِنْ قَبْلَهُ فِي مِحْنَةٍ ….. وَالْوَرَى كُلُّهٍمْ فِي نُوَبِ تَعْبُدُونَ النَّارَ وَيْحَكُمُ ….. وَتَجُودنَ لَهَا بِالْقُرَبِ كَمْ شُعُوبٍ حَارَبَتْنَا فَانْتَهَتْ ….. وَاسْتَحَالَتْ فِي سَحِيقِ التُّرَبِ قَدْ مَضَتْ “فُارِسُ” وَ”الرُّومِ” مَعًا ….. وَكَذَا دَيَلَكُمُ عَــنْ َكَثبِ


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 9823

تاريخ النشر: 07/05/2000م

رئيس دارة الدكتورآل ملحم للتحكيم والاستشارات القانونية

 من أوراقي المبعثرة وعن النخلة أم البترول مرة أخرى 4 ـ 4 

 

وأفرد السيد “حسين محمد بدوي” في كتابه “الزراعة الحديثة بالمملكة العربية السعودية” بحثاً خاصاً عن التمور بالمملكة. ومما قاله في هذا الشأن أن المملكة تعد من الممالك الأولى بعد “العراق” في الأهمية بأشجار “النخيل” حيث يبلغ ما فيها ما ينوف عن عشرة ملايين من الغريس المزروع في أنحائها، وأن العناية بها يجب أن تكون من الدرجة الأول ذلك أن جزيرة العرب تعتبر تاريخياً أصلاً لهذا المحصول، وتزرع بكثرة بكل الممالك المسكونة بجزيرة العرب خصوصاً الصحراوية ذات الجو الجاف. ويحبذ “المؤلف” لو وجهت دول الشرق نظرة لهذا المحصول الذي يعتبر الغذاء الأساسي للشعب علاوة على ما فيه من غذاء وقوة للأبدان، ذلك أنه ثبت أن الوحدة منه تحتوي على كمية من الحرارة تعادل ضعف الكمية الموجودة في وحدة من اللحم.ووزعت “البعثة الزراعية المصرية” منشوراً على كبار المزارعين بمنطقتي “الأحساء” و”القطيف”. ومما جاء في المنشور الذي يحمل رقم (1) وتاريخه 11/3/1364هـ ما يلي: لاحظنا بمنطقتي “الأحساء” و”القطيف” أصنافاً جيدةً من التمور مثل “الخلاص” و “الرزيز”، ورغم ذلك فأغلبية النخيل الموجود “مجهل” مزروع حيثما اتفق، وأن أغلب المزارع الحديثة تزرع على مسافات ضيقة، وجميعه أو الأغلبية منه يجف ولا ينجح، وذلك يرجع لأسباب عدَّدها المؤلف، ولا يتسع المقام لذكرها هنا..وتحدث المؤلف عن “النخلة” فوصفها، وتناول عالمها وذلك من حيث تكوينها، وغرسها، وأوان غرسها، وإسلوب ريها، والأراضي التي توافق زراعة النخيل، وما ينتابها من أمراض، وركز على مرض سمَّاه “مرض المجنونة”. وقد عرفت “البعثة الزراعية الأمريكية” هذا المرض كما يلي ـ”إن أعراض هذا المرض المسمى بهذا الاسم هي النمو بشكل أوراق منتصبة ومندفعة إلى أعلى ذات قمة مسطحة. وكلما استفحل أمره أخذ الموت يدبًّ إلى السعف الخارجي، في حين أن السعف الداخلي يبرز إلى الخارج على هيئة تدل على أنه قد ضغط فأصبح في أشكال ممسوخة مشوهة. الفسائل الكبيرة المعاد غرسها، وأشجار النخيل الصغيرة معرضة لهذا البلاء أكثر من تعرض الفسائل المتوسطة الحجم أو أشجار النخيل المتقدمة في السن له. وهذا البلاء لا يسببه المرض بل إنما ينجم عن إيقاف جميع النمو ــ لهذا السبب أو ذاك ــ مدة من الوقت تسمح للألياف الموصلة إلى قواعد السعف أن يكتمل نموها فتتصلب. وهذا التصلب المبكر للألياف يؤدي إلى اختناق السعف الخارجي من جراء بروز السعف الجديد ضارباً إلى أعلى في الوسط. ومع أن طريقة الإحراق وهي الطريقة الشائعة الاستعمال في المعالجة من شأنها أن توهن الألياف فتؤدي بذلك إلى شفائها شفاءً واضحاً إلاَّ أن هناك طريقة للمعالجة أكبر كفاية، وهي قطع الألياف بأزميل من تحت أشد قواعد السعف انخفاضاً، وتمديد القطع إلى أعلى لمسافة بين 16 و 20 بوصة”. انتهى. ويرى “المؤلف” أن مرض “المجنونة” المعروف في “منطقة الأحساء” يعرف في “مصر” باسم “مرض “اللفحة السوداء”، وهو مرض يصيب السعف، ويكون واضحاً كما هو مشاهد في “الأحساء” في السعف الطري الجديد، ويُرَى على امتداد جانب السعفة في مساحات كبيرة أو صغيرة غير منتظمة أو متصلة لونها أسمر ضارب إلى السواد . وقد لاحظ “المؤلف” كذلك أن السعف في بعض الأحيان خشناً أو مضرساً، كما أن السعف الذي يبزغ حديثاً يبدو في بعض الأحيان ملتوياً مشوهاً. وعدَّد “المؤلف” أسماء التمور الممتازة في “المملكة العربية السعودية” مما لا يتسع المقام لذكرها هنا إلاَّ أنه في خصوص تمور “الأحساء” و”القطيف” و”نجد” فقد ذكر ما يلي:ـ تمور الأحساء أربعة أصناف:ــ ـ الأصناف الممتازة ذات المحصول وسط الموسم وهي:ـ رزيز، خلاص، شيشي، شبيبي، برحي.ـ ـ أصناف محصولها وسط الموسم أيضاً خلاف الأولى وهي: الغرَّا، خنيزي، حاتمي، دعالج، وصيلي.ـ ـ الأصناف ذات المحصول المبكر: طيار، ومجناز، كابسي.ـ ـ أصناف يتأخر محصولها إلى آخر العام وهي: شهل، تناجيب، أم رحيم، خصاب.أما تمور “القطيف” فهي: مواجي بكيرة، غرَّا، خنيزي، خصيب رزيزي، خصيب عصفور.وأشهر التمور “بنجد” هي:ـ ـ ـ الأصناف الجيدة التي تنضج مبكرة هي: المقفزي، الدحيني، القطار الأبيض، القطار الأسود، المسكاني، أنبوت سيف، الخلاص.ـ ـ الأصناف الجيدة التي تنضج في الوقت الوسط، وتدخر عند أهل نجد قوتاً لهم وهي: الخضري، الصقعي، السلج، السكري.ـ ـ الأصياف الجيدة التي تنضج متأخرة، وهي تؤكل عادة في أخر أيام الثمرة وهي: الخصاب، الذاوي، الحقاقي، المنيفي.كما وضع المؤلف قوائم طويلة بالنخيل المعمور وغير المعمور في “منطقة القطيف”. ومسك الختام للمقالة ذات الحلقتين بعنوان “أيهما أهم النخلة أم البترول” “مقتطفات” من مقالة قصيرة أعجبتني كثيراً للكاتب “فالح الشراخ” نشرها بجريدة “الرياض”، العدد رقم (11578) وتاريخ 29 ذو القعدة عام 1420هـ تحت عنوان “النخلة … رمز العطاء وشموخ في قوافي الشعراء”.يقول الأستاذ “الشراخ” في مقالته المعبرة:ـالنخلة هذه الشجرة الجميلة والتي أصبحت رمزاً من رموز العطاء والشموخ.كان لها مكان عظيم في ثنايا القوافي. والبعض الآخر تغزل بجمالها وأوصافها، فظلالها وارفة، وثمارها زاد الضيف والمسافر، وسعفها وجريدها رزق للعاملين في مجال الْحِصِرْ وأعمال السعف، وجذعها أسقف لمباني، وهي من الأشجار النظيفة فأوراقها لا تسقط، وكل ما فيها مفيد بما في ذلك ليفها. يقول الشاعر “غالب بن منصور”:ـيا زينها لاَ نظفوها من الليف مثل الهنوف اللي تهنصر تهنصاروالعشق بين النخلة وإنسان الجزيرة العربية [ولايزال القول للأستاذ الشراخ] عشق أزلي تأكدت روابطه المتينة من خلال عنايته بها وزراعتها في كل مكان يتوفرفيه الماء. [والماء بيت القصيد، وهنا يتوقف قلمي؟].
ــــــــــــــ  * رئيس دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستشارات


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9816

تاريخ النشر: 30/04/2000م

من أوراقي المبعثرة وعن النخلة أم البترول مرة أخرى 3 ـ 4 

من ضمن ما ورد “بكتاب الزراعة الحديثة بالمملكة العربية السعودية” مجموعة تقارير كانت تعدها “البعثة الزراعية المصرية” بين الحين والآخر عن منطقتي “الأحساء” و”القطيف”. ولن أتناول من هذه التقارير إلا كل ما له علاقة “بالنخلة” باعتبارها رمز الزراعة. وقبل الحديث عن “النخلة” تلزم الاشارة إلى بعض الأمور التي في ذكرها فائدة لمن لا يعرفون عن عالم الزراعة من أمثالي إلا القليل.أدخلت “البعثة الزراعية المصرية” أصناف تمور المملكة بجميع أنواعها بكمية أوسع إلى المملكة المصرية. وكان هذا في مقابل ما أرسلته الحكومة المصرية من مواد زراعية للملكة مثل الحبوب، والبذور، والخضروات، وأشجار، وموالح، وفواكه. وورد بالكتاب أن “المملكة العربية السعودية” تعتبر الرابعة من بلاد العالم في محصول النخيل ….. وأن بها أصناف جيدة كثيرة تربو على (150) صنفاً من أحسن أصناف التمور في العالم. كما أن الأصناف الممتازة من التمور قد أدخلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق البعثة الزراعية الأمريكية لزراعتها بأمريكا. وكرر المؤلف السيد “بدري محمد حسين” في أكثر من مكان بالكتاب أن أحسن أنواع التمور “بالأحساء” هي “الخلاص”، و”الرزيز”، و”الشيشي”.ونبَّه المؤلف المسؤولين عن الزراعة في المملكة من الإكثار من زراعة “الخلاص”، و”الرزيز”، و”الشيشي” بالجهات المجاورة “لمنطقة الأحساء”. وَعَنَى المؤلف بهذه الجهات “القطيف” و”الدمام” و”الخبر” و”الخرج” مما يعني أن هذه الجهات المذكورة لا تعرف هذه الأصناف من التمور من قبل. كما أفاد المؤلف أن كلا من “البعثة الزراعية المصرية” و”البعثة الزراعية الأمريكية” تقوم من جهتها بالإكثار من زراعة “الخلاص”، و”الرزيز”، و”الشيشي” في الجهات المذكورة. كما ينقل المؤلف من تقرير لأحد أعضاء “البعثة الزراعية المصرية” أن من أسباب اهتمام الحكومة بالزراعة هو رغبتها بانهاض البلاد زراعياً حتى لا يتعرض الأهالي للجوع في وقت الحرب العالمية التي قد لا تصل إليهم بسببها أقوات ومؤن من الخارج فتصبح الحياة عسيرة وأي عسر.وبالكتاب مقارنة بين زراعة الفاكهة بكل من المملكة وبمصر. وبخصوص هذه المقارنة يذكر المؤلف أن نهضة الفاكهة بالمملكة العربية السعودية شبيهة بنهضتها في مصر أيام “إسماعيل باشا” حيث تقدمت زراعة البساتين تقدماً سريعا،ً وأتت أحسن الثمرات. وعزا المؤلف ذلك إلى جهود من أتى بهم “إسماعيل باشا” من مهرة البستانيين الفرنسيين والإيطاليين الذين عملوا على إدخال كثير من الأشجار والفواكه المختلفة وعملوا على توسيعها وتعميمها.وذكر المؤلف معلومة لم أكن أعرفها من قبل [ولعل غيري يعرفها] وهي أنه في عهد “محمد علي باشا” كانت الصين تصدر برتقالاً من نوع خاص إلى “فرنسا”. ولأن بين فرنسا ومصر تواصل ثقافي في العهد الخديوي كان من وسائله تبادل البعثات الثقافية. ومن باب المصادفة كان أحد طلبة البعثة المصرية التي أرسلها “محمد علي باشا” إلى “فرنسا” طالب أسمه “يوسف أفندي” لتعلم الزراعة عناك . أدخل هذا الطالب بعد عودته إلى “مصر”هذا النوع من البرتقال وزرعه بها، فعرف هذا البرتقال باسم هذا الطالب مصر وفي المملكة وسائر البلدان العربية.وذكر المؤلف أن جلالة الملك “عبدالعزيز” أمر بإحضار أستاذ من قسم البساتين المصرية لتعليم أهل “المدينة المنورة” تعبئة التمور في العلب والصناديق بعد تهيئتها لذلك حسب الأصول الفنية حتى أنهم وصلوا إلى حشو التمور قبل التعبئة باللوز (ناتج الطائف). وترتب على هذا قيام جلالة الملك “عبدالعزيز” بتوزيع هدايا كثيرة منها لجلالة الملك “فاروق الأول” ملك مصر، وجلالة الامام “يحيى” ملك اليمن، وغيرهما من الأمراء والضيوف.وانتقد المؤلف ما أَلِفَ عليه الأهالي في خصوص زراعة الأشجار وتجهيز المشاتل حيث وجدهم على غير علم بزراعتها وتجهيزها، إذ في منطقة “القطيف” و”الدمام” و”الأحساء” لا تجد بستاناً قائماً على زراعة فنية، أو مشتل مجهز بأدواته، ومنظم بمغروساته، إنما تجد أشجار النخيل وبداخلها ما يتيسر من زراعته حيثما اتفق من موالح وخوخ ورمان وعنب وتين كل شجرة بمفردها، وكلها داخل أشجار النخيل. وهذه الظاهرة كما شاهدتها بنفسي لا تزال موجودة حتى الآن.ويصف المؤلف “الحديقة” بأنها “كل أرض أحيطت بسور أو حائط أو سياج مانع يحيط بها وأعدت لزراعة الفاكهة أو الخضروات أو الأزهار. كما يتحدث عن نوع الأرض الموافقة للحديقة، وخدمتها، وأساليب الزراعة بها. وتحدث المؤلف بلغة زراعية مبسطة عن “المشتل” من حيث التكوين، وما يزرع به، وكذا عن “البستان” بإسهاب من حيث إنشائه، وشكله، وما يغرس به، وكيفية تسميده، وريه. ولا يتردد المؤلف من انتقاد الأساليب الزراعية المستعملة في مزارع “الأحساء” و”القطيف” و”الدمام”. ففي هذا الخصوص يقول: ومما يؤسف له كما شاهدنا بمزارع “الدمام” و”الأحساء” و”القطيف” الاهتمام بالمحصولات الداخلية وعدم الالتفات للأشجار بتاتا، بل ويستغلون الأرض بمحصولات مجهدة غير ملتفتين لمصلحة الأشجار من جهة الري والخدمة والغذاء الذي تطلبه أشجار الفاكهة. كذلك لا يهتم الزراع بتسميد الأشجار إلا متى بدأت في الإثمار فيضيع الوقت الذي كانت فيه الأشجار في أشد الحاجة لتربيتها وتقويتها، وتصير هزيلة ذات ساق رفيعة لا تقوى على حمل فروع الشجرة بما عليها من ثمار، وتكون معرضة للكسر إذا هبت رياح أو كثر حملها، ولا يعوض ذلك زيادة التسميد في المستقبل لأن المهم هو تقوية الجسم قبل الإثمار ، ويتحمل أصحابها خسائر فادحة كانوا في غنى عنها لو أنهم اهتموا بتربية الأشجار وهي صغيرة.وركز المؤلف على زراعة “الموالح” في “الأحساء” و”القطيف”. وفي هذا الخصوص يقول: الأنواع الجاري زراعتها محلياً “بالمملكة العربية السعودية” تشمل الليمون والبنزهير والترنج والليمون الحلو، وتوجد بعض أشجار معدودة من البرتقال الحلو “بالأحساء” و”القطيف” ولكنها مظللة جداً بأشجار النخيل وهذا يجعلها لا تنتج نتاجاً حسناً وينقطع الاثمار حيث لا تصلها الشمس وقد أرشدنا كثيراً من كبار المزارعين بضرورة إزالتها إذا وصلت إلى هذا الحد.وتضمن الكتاب بحث عام عن الخضروات من حيث تربتها، وتسميدها، وريها، والآفات التي يتعرض لها، وأساليب مقاومتها، كذلك تحدث المؤلف بتوسع عن زراعة كل من العنب البطيخ (الحبحب) والشمام، والقرع، والخيار، والباذنجان، والفلفل، والطماطم، البطاطس، والكرنب، والقرنبيط، والخس، والسلق، والسبانخ، والجزر، والبنجر، والشلغم، والفجل، والملوخية، والباميا، والبطاطا، واللوبيا” والفاصوليا، والبسلة، وبالكتاب تقرير عام عن أملاك الدولة بمنطقة القطيف وكذلك عن أحوال مياهها.

ــــــــــــــــــ

الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9809

تاريخ النشر: 23/04/2000م

*رئيس دارة الدكتورآل ملحم للتحكيم والاستشارات القانونية