من جهل شيئا انكره

 

اطلعت على مقالة المدعو محمد بن حامد الغامدي بعنوان (الاحتفالات بتحنيط مدرسة بوسط الهفوف) بجريدة (اليوم) بتاريخ 28 ربيع الآخر 1426هـ الموافق 5 يونيه 2005م. ولذا اود الافادة بالتالي:
روي لي اولا (والعهدة على الراوي) ان والد كاتب المقال من مواليد الاحساء, وهذا يعني ان والده اذا كان على قيد الحياة (اطال الله في عمره واذا كان قد توفاه الله فيرحمه الله) ربما كان من الرعيل الاول من خريجي مدرسة الهفوف الاولى المؤسسة عام 1356هـ. وروي لي ثانيا (والعهدة على الراوي) ان كاتب المقال نفسه من مواليد الاحساء, وهذا الوضع يفترض انه ـ اي كاتب المقال ـ ربما قد تلقى العلم في مدرسة الهفوف الاولى.
اذا ثبتت الروايتان (وكاتب المقال) هو المعني باثباتهما او نفيهما بالطبع فالامر لن يخرج من وضعين قانونيين في حالة الاثبات او في حالة النفي. في حالة الاثبات يعتبر كاتب المقال في الرواية الاولى عديم الوفاء لابيه وللمدرسة التي تلقى ابوه العلم بها, ناهيك عن العقوق منه لمدرسة هو نفسه تلقى العلم بها! وفي حالة النفي يعتبر كاتب المقال في الرواية الثانية (وهنا المصيبة الاعظم) متدخلا في شأن عزيز لدى اهل الاحساء لا يعنيه ابدا, وهو يعيش الآن – مع الاسف – في كنف الاحساء وبين اهلها الذين جرح مشاعرهم! رب كلمة قالت لصاحبها دعني. لماذا يتدخل كاتب المقال بين الظفر واللحم في شأن هو الآن محل تقدير رواد بعضهم لا يزال على قيد الحياة في شأن مدرسة لا ناقة له فيها ولا جمل, ولا يمكن ان يدعي كاتب المقال انه ينشد المصلحة العامة فيما كتبه ذلك ان المصلحة العامة منتفية هنا. وما هو موقف كاتب المقال امام بعض ابناء وحفدة بعض خريجي مدرسة الهفوف الاولى وهم طلابه الآن في قاعة الدرس بالجامعة التي يقال انه مدرس بها بينما هو يتنكر لمدرسة تخرج فيها اجدادهم ان لم يكن ابناؤهم. وهل سيثق الحفدة, ناهيك عن الابناء, فيما يرد في محاضراته لهم! ماذا يلاقي من يتدخل فيما لا يعنيه؟ مدرسة الهفوف الاولى, باسم خريجيها الرواد, حال لسانها يقول: واذا اتتك مذمتي..


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 11687

تاريخ النشر: 14/06/2005م

الرابط للمصدر

خطاب د. الملحم في اللقاء الثالث للرعيل الاول من خريجي مدرسة الهفوف الأولى

الكاتب: د. محمد بن عبداللطيف الملحم
الناشر: جريدة اليوم – العدد: 11660
تاريخ النشر: 18/05/2005م الرابط هنا

كانت اشبه بالجامعة
التاريخ يعيد نفسه مجددا عبق التعليم في هجر
معلم حضاري وسط مدينة تتوسد التاريخ
د. محمد عبد اللطيف الملحم

التعليم هاجس يرى كل مواطن عربي مسلم وكأنه مسئوليته الشخصية في عالم معاصر لم يعبأ الكثير فيه بأهمية عبارة “اقرأ” وانا احد الذين اولعوا بالعملية التعليمية لمعاصرته لها منذ بدايتها.منذ عهد “الكتاتيب” والواحد منا يتفاخر بانه من الصبية الذين هداهم الله عز وجل لكي يبدأ بتعلم قراءة القرآن الكريم ومن ثم البدء بتعلم مبادئ الكتابة واتذكر ولا ازال انني كنت ألطخ ثيابي بالحبر الازرق دلالة على انني قادر على الكتابة في وسط مجتمع امي اغلبه لا يعرف القراءة والكتابة والجود من الماجود كما يقول المثل آنذاك.هكذا كانت بدايات التعليم في الخمسينيات والستينيات من القرن الهجري الماضي وفي ذلك العهد كان خريج مدرسة الهفوف الابتدائية الاولى اشبه ما يكون في مستوى خريج الجامعة في ايامنا المعاصرة.كان خريج المدرسة الابتدائية مثل العروسة – آنذاك – كثير خطابها من الحكومة او القطاع الخاص على حد سواء.
اللقاء الثالث للرعيل الاول من خريجي مدرسة الهفوف الاولى في قـلب مــــدينة الهـفـوف في 11/ 4/ 1426هـذكريات التعليم تمر على الدوام بخاطري والذكريات صدى السنين الحاكي ومن اجل الاحتفاظ بهذه الذكريات وحتى لا يعفى عليها الزمن ولدت لدى فكرة الكتابة عنها منذ ان كنت طالبا في السنة الخامسة الابتدائية عام 1370هـ وتحققت هذه الفكرة ضمن دفتي كتاب تحت مسمى “كانت اشبه بالجامعة” الذي صدرت طبعته الاولى في الخامس من شوال عام 1419هـ صدرت الطبعة من الكتاب في التاريخ المشار اليه وتلقاه القراء. والقراء يختلفون في مشاربهم واذواقهم ومداركهم كما يختلفون في قدرتهم على التأمل والفهم والاستيعاب.وبالرغم مما قيل اننا نعيش في زمن هجر فيه الكتاب البتة واستغني عنه ببدائل له: هذا القول مردود من وجهة نظري اذ سيظل الكتاب حتى في زمن ثورة الاتصالات الحديثة كالطود الشامخ وسيبقى للابد الصديق المخلص لنوع خاص من القراء وهم الذين يجدون في القراءة متعة ذهنية يستحيل وجود بديل لها لديهم.وهناك طائفة من القراء يقرؤون في تأمل ومن يتأمل يستطيع ان ينتج اثرا ويبدع فكرا.ورغم مرور حين من الزمن على صدور كتابي “كانت اشبه بالجامعة” الا ان هذا الكتاب قد وجد من يقرؤه ومن قرأه وجد نفسه مدفوعا ومتفاعلا مع متعة القراءة حيث لم تهدأ له عاطفة حتى يسجل انطباعاته اما نثرا او شعرا.(1) من هؤلاء معالي الاستاذ الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر الذي جعل من التعليم هاجسا له يتلقف ما يكتب عنه في تلهف قال معاليه عن كتاب “كانت اشبه بالجامعة”:-“كتاب الدكتور الملحم روضة من الرياض المزهرة سوف يجد من يتنزه فيه متعة وسيعرف جزءا من بلده غاليا وعزيز ا معرفة تجعله يشعر بالعزة والفخر ويعرف الفضل لاناس مضوا الى ربهم واناس لا يزالون يؤدون واجبهم. شكرا للدكتور محمد الملحم فقد انست بكتابه واستفدت مما فيه وسوف يجد غيري انه وثيقة لا غنى عنها لمن اراد ان يعرف عن التعليم في الاحساء خصوصا وفي المملكة عموما”.(2) ومن هؤلاء امام جامع الامام فيصل بن تركي الشيخ الاديب محمد بن عبدالله بن عبداللطيف المبارك تغمده الله برحمته – الذي لم يتمالك بعد فراغه من قراءة الكتاب حتى حبر في الحال قصيدة شعرية جميلة نشرها في جريدة (اليوم) وتقرأ كالتالي:-
قرأت لاشبه بالجامعة …. لمدسة هيأت جامعه لمدرسة كان مجموعها….. نواة لجامعة جامعه فها نحن في “هجر” نحظى بأن ….. اقام بها “الفيصل” الجامعه(محمد) يا ابن الاولى أنشؤوا ….. صروحا لامجادنا ساطعهويا “ابن ملحم” شكرا على ….. اياديكم البرة الواسعه كتابك هذا كتاب نفيس ….. حوى ثروة ثرة ضائعه كتاب يوثق تاريخنا….. اساليبه حلوة رائعه وينساب للقارىء المستنير….. بالفاظه السهلة المانعهحوى حقبة كاد فيها الزمان ….. ليستر اخبارها الناصعهوانت بحق كشفت القناع ….. وابرزتها درة بارعه تحدثت كيف يكون الرجال ….. اشادوا وانفسهم وادعه جزاك الإله بخير الجزاء ….. لقولك: (اشبه بالجامعه)

(3) ومنهم خريج مدرسة الهفوف الابتدائية الاولى الاستاذ الشاعر الاديب “سعد بن عبدالرحمن البراهيم” الذي لم يتمالك بعد قراءته الكتاب الا ان يثني لا على الكتاب فحسب وانما على معالي الاستاذ الدكتور “عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر” الذي اثنى فيه على “الاحساء” واهلها عند تقويم معاليه لكتاب “كانت اشبه بالجامعة”. كان ذلك في قصيدة بعنوان “ومع اشبه بالجامعة” نشرها بجريدة الجزيرة ومن ابيات القصيدة:
اقيلي عثاري ربة الخز والورد ….. اذا لم اجد عونا اقول الذي عندي وطوفي بي الدنيا جمالا وبهجة ….. وداوي هيامي فالمدى شاهد وجدي فمن ذاق طعم الشهد من ثغرك انحنى ….. خشوعا له قلب يعب من الشهد تناهت لك الابصار حسنا ومتعة ….. فيا ويح من لا يبصر الحسن في القد ومن يثن جيد الود عما تريننا ….. فهذا وأيم الله ناء عن الرشد اذا هبت الانسام بالعطر والندى ….. نقول نفحت العطر مع هبة البرد وان شاغل السمار في الليل مؤنس ….. لأنت مجال الانس في بهجت السهد حنانا بنا يا خود يكفي صبابة ….. فما كان في الوجدان اعصى على العد فما طرفت عين تزهت بنظرة ….. الى مرجك الفينان والسلسل الفرد كاني بها اصفتك ودا احسه ….. على باسقات النخل من اندر الود الا يا ربى “الاحساء” يا مجتلى الرؤى ….. ومرقى غطاريف تخطوا الى المجد اعيرى بياني مكنة من فصاحة ….. فاخشى اذا بينت عن فضلهم اكدي لانى وجدت السفر وفي فعالهم ….. بما هم له اهل فما ذا عسى ابدي رجال اذا ما انشق صبح عن الوفا….. وجدت لهم صبحا يدوم بلا فقد واذ ما قرأت الشعر في الكتب تلقه ….. مضيئا على “الاحساء” كالبدر في وقد فهذا كتاب “لابن ملحم” ناشر….. به ذلك الدكتور اشيا من المجد فأنبا عن التعليم في سالف مضى ….. ووفى عن العلام ما كان من جهد ففي “دارة الهفوف” مرفى انتهاضه ….. كما الجامعات استرسل العلم في جد وجال بنا “ابن الخويطر” جولة ….. فطاف بنا “الاحساء” في موكب الحمد نعم يا “معالي الشيخ” يا من به زهت ….. صروح من التعليم للامس والبعد تثني بخير للذي قال آنفا ….. واسردت ما يزهو به الطرس في السرد ابنتم عن الرواد والسادة الاولى ….. بنوا نهضة التعليم في سالف العهد فكان انبهارا نرفع الرأس عنده ….. وكان افتخارا واصل البعد بالبعد وكم من رباط في “الحسا” قام ناشرا ….. صنوفا من التعليم للمقتدي تهدي تمشوا بها “ال المبارك” مثلما ….. مشوا “ال ملا” و”العمير” بلا حد ورودا لها الطلاب من كل بلدة ….. فكانت لهم اذ ذاك من افضل الورد ذكرتم كثيرا فاستطبنا لذكره …. وفاء وقل اليوم من بالوفا يهدي سوى فاضل قد قال يا موطن الهنا ….. ففي عطاءاتي نامي على زندي الا يا “هجير” العلم والحلم والوفا ….. فانت بما تبغين فوق الذي عندي عديني امني بالوصال تلهفي ….. فهذا بريق الشوق مسترسل الوقد كفى الحرف تشتيتا ويكفي تغاضيا ….. عن المنهل الفياض والخير والسعد

ما سبق مجرد مقتطفات اقتضتها ضرورة المناسبة عن مدرسة الهفوف الاولى التي كانت ولا تزال (في ذاكرة من رضع العلم بها) معهد علم, ومصدر اشعاع ومخزن ذكريات. وهي مناسبة تعبر عن لمسة وفاء لمدرسة لا تزال حسا ومعنى محفورة في ذاكرتي. فمبناها, واروقتها, وحجراتها, ومداخلها لا تزال في حضور تام عندي. اما اساتذتها وطلابها فهم الذين يمثلون دم الحياة بالنسبة لها. ومع توالي السنين ظل مبناها شامخا, وكان بمثابة معلم حضاري في وسط مدينة الهفوف العريقة. وبسبب كتاب “كانت اشبه بالجامعة” قيض الله لهذه المدرسة احد احفاد الملك المؤسس صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز فتبنت مؤسسته “مؤسسة التراث”, وبدعم من بعض خريجي المدرسة, العناية بالمدرسة.والمدرسة بعد العناية بها الان طود شامخ. والتاريخ يعيد نفسه مجددا عبق تاريخ التعليم في بلاد “هجر”, البلاد التي كانت ملتقى حضارات ومصدرا من مصادر الوقود للانسان والحيوان والجماد.ولم يقف التاريخ عند هذا الحد.خريجو المدرسة في عصرها الزاهر ما زالوا على العهد, وحسبك بهم.شرفت بهم المدرسة حينما كانوا في اروقتها وحجراتها في عمر الزهور.وكم شرفا ازدادت به المدرسة حينما تقدمت السن بخريجها، فكان منهم في ذاكرة التاريخ وزراء، ووكلاء وزارات، ورجال علم وادب وشعراء، ورجال مال يشار اليهم بالبنان.وحان موعد الوفاء، وفاء الخريجين لمدرستهم يجددون ذكراها لأنها كانت المدرسة الام، الأم الحنون التي قدمت ما تملك من حنان وعاطفة ممثلة في ثدييها لأبنها، والابناء اليوم بررة.وحان موعد الوفاء وحان موعد اللقاء.وكان اللقاء الاول لمن بقي على قيد الحياة من خريجي المدرسة وبمبادرة من احد خريجي المدرسة الطالب (رجل الاعمال) الزميل “سعد بن عبدالعزيز الحسين” في مزرعته الواقعة في قلب الواحة بتاريخ 5 ربيع الاخر 1424هـ، وكان لقاء تعارف لزملاء تفرقوا بعد تخرجهم لحين من الزمن، وكان اهم مكسب ظفروا به في هذا اللقاء تجديد الذكريات التي كاد يعفو عليها الزمن: والذكريات صدى السنين الحاكي، وكان اللقاء الثاني، وهو بمبادرة من الطلاب الزملاء: عبدالعزيز بن محمد الجندان، وحمد بن صالح الحواس، ومحمد بن عبدالله بوعائشة، بتاريخ 22 ربيع الاخر 1425هـ، في فندق “كارلتون المعيبد” الكائن بطريق الدمام وكان لقاء فيه من الحرارة والحيوية انه عاد بالخريجين الى ايام الهوى والصبا، لم يقتصر الامر على تجديد الذكريات فحسب، وانما تجلى في هذا اللقاء اهم رمز من رموز الوفاء: تجلى في هذا اللقاء ما عناه الشاعر حين قال: “قم للعلم وفه التبجيلا” حضر في هذا اللقاء ثلة او كوكبة من مدرسي المدرسة الذين لا يزالون على قيد الحياة.وكان اللقاء في اروع صوره لقاء طلاب بمدرسيهم، كما كان وضع هؤلاء الطلاب حينما كانوا في عمر الزهور امام مدرسيهم بالامس وما هو وضعهم الآن بعد ان بلغ بهم العمر مبلغه وهم يصافحون مدرسي الامس؟ كان التواضع والاحترام، كما شاهدته، السمة الغالبة لدى هؤلاء الخريجين حينما كانوا في مواجهة معلميهم، وكم كان الموقف رائعا، بل وربما كان مؤثرا، حينما قدم الخريجون لمعلميهم هدايا رمزية عبروا بها عما كانوا ولا يزالون يكنون لهم من احترام، والمثل يقول: من علمني حرفا كنت له عبدا.وعبر خريج المدرسة الزميل “محمد بوعائشة” في اللقاء الثاني في كلمات، عن تقديرنا لناقلي العلم لنا نحن الطلبة، وهي كلمات تنم عن مصداقية وعفوية، من ضمن ما جاء فيها مخاطبا معلمي المدرسة ما يلي:لقد عهدنا فيكم الجد والاخلاص في تأدية الواجب، والحرص الشديد على تربية ابنائهم الطلاب التربية الصالحة، فكان نهجهم السوي وسيرتهم العطرة نبراسا يضيء الطريق للاجيال على ممر السنين، ونحن على يقين بأنهم يشعرون بالفخر والاعتزاز وهم يرون النبت الذي غرسوه قد اينع وآتى اكله، فها هم ابناؤكم طلاب الامس ورجال اليوم وقد حصلوا الدرجات العلمية، وتقلدوا المراكز في الدولة والمؤسسات والشركات العامة والخاصة في المجالات المختلفة يساهمون بما وهب الله لهم من علم غزير وخبرات راسخة – كل في مجال تخصصه – في مسيرة التنمية والبناء بهذا الوطن العزيز.ويأبى خريج المدرسة الطالب (رجل الاعمال) الزميل عبدالعزيز بن سليمان العفالق الا ان يواصل المسيرة فيصر على تجديد اللقاء وسيكون اللقاء الثالث في اشهر وارقى فندق بمدينة الهفوف القريب من المدرسة التي كان اشبه بالجامعة يوم الخميس الموافق 11 من شهر ربيع الاخر 1426هـ وفي نهاية هذا اللقاء سيتوجه الجميع الى مدرستهم الابتدائية الاولى لمشاهدتها بعد تجدد عمرها، وبعد ان اصبحت في ابهى حللها.والمسيرة ستتواصل – ان شاء الله – ليتنسم الجميع عبق تاريخ هجر ولكن المسيرة لكي تبقى فهي، في تصوري بمثابة سفينة تشق عباب البحر، ولكي لا تتعرض هذه السفينة للعواصف، ناهيك عن الكوارث، فالسفينة تحتاج الى تنظي

وجهة نظر الدكتور الملحم في “عبدالله الشباط”

وجهة نظر الدكتور الملحم:
وأنا لا أتفق – في واقع الأمر- مع بعض ما ذكره الأستاذ »الشباط» عن نفسه، وإن كان فيما قاله طرافة، ويكفي من وجهة نظري أن أقول: إن «أديب الأحساء» أو «ابن الأحساء البار» لا يزال ملء السمع والبصر في «المنطقة الشرقية» خاصة وفي سائر مناطق المملكة الأخرى بصفة عامة، ناهيك عن مكانته الأدبية في الأوساط الخليجية والعربية.والأستاذ «الشباط» – من منظار علمي مجرد- أديب مبدع ومفكر اجتماعي. ويكفي «أديبنا» ما يعلمه شخصياً من أن هناك من القراء- وهم كثيرون- من يتحفونه بين آونة وأخرى بكلمات تكريم ووفاء، وأخص بالذكر منهم:الأخ الأستاذ «عبدالله بن حمد المطلق» من قرية «الطرف» من قرى «محافظة الأحساء» الذي قال عن الأستاذ «الشباط» ما يلي:«وهذا الأديب لم يزل يجاهد بقلمه من أجل أداء رسالته على أكمل وجه.. فهو صادق الوعد، وَفِيُّ العهد، وقلب يفيض بالمحبة، والوفاء، والإخلاص..» وقال الأستاذ عبداللطيف الملا أحد رجال التعليم ب «الأحساء» عن «أديبنا»: «نعم أيها الأديب القدير ستجد لديَّ تقديراً وتنويهاً بمكانتك الأدبية التي وصلت إليها بجهدك الذاتي بعد أن اجتزت طريقاً، شاقاً وطويلاً، ومررت بدروب شائكة، وكافحت كثيراً في ميدان الثقافة والفكر، فحققت إنجازات أدبية تدعو إلى الاعتزاز، فتأكد أيها الأديب بأن الكثير الكثير ممن استفادوا من تلك الإنجازات القيمة، ومن نتاجك الأدبي الزاخر بالإبداعات، تأكد بأنهم يرجون لك الخير، ويتمنون أن تنال ما تستحقه من تقدير».وتلقيت في 29 جمادى الآخرة عام 1414ه رسالة «شخصية» من الأستاذ المربي «عبداللطيف بن سعد العقيل» نوَّه فيها عن سروره لنشر حلقات كانت أشبه بالجامعة عن «مدرسة الأحساء الابتدائية» التي وسمها الأخ العقيل بالمدرسة «الحبيبة» وعبر في رسالته عن أمله بأن تنشر تلك الحلقات في شكل كتاب حتى تكون في متناول المهتمين برصد تاريخ التعليم في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية منذ بدايتها.ولما نشرت حلقات بحث كانت أشبه بالجامعة في جريدة «اليوم» علق الأستاذ العقيل على هذه الحلقات في مقالة نشرها في جريدة «اليوم» تحت عنوان «الشباط.. وألقاب التكريم» وهي مقالة معبرة فيما تناولته من أفكار وتستحق أن يقطف منها ما من شأنه إعطاء تصور كامل عن اثر الحلقات في الكاتب نفسه، وعن مكانة الأستاذ «الشباط» الأدبية التي تحدث عنها الأستاذ «العقيل» باستفاضة:يقول الأستاذ العقيل في «مقالته»: كنت أتابع باهتمام بالغ ما كتبه معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم عن مدرسة الهفوف الأولى التي أحبها الكاتب فكرمها بالكتابة عنها ولقّبها بأنها «كانت أشبه بالجامعةش ولا زلت أتابع ما يكتبه – الآن- تحت عنوان «هوامش تعليمية»..وفي الحلقة الأولى في يوم الثلاثاء 12 من رجب «من عام» 1413ه سررت كثيراً بالألقاب التي وصف بها الأستاذ الفاضل الأديب «عبدالله بن أحمد الشباط»، فمرة وصفه بأنه «ابن الأحساء البار»، ومرة أخرى وصفه بأنه «أديب الأحساء الكبير». هذا ويسعدني أن أقول شكراً للدكتور «آل ملحم»، وشكراً لأديب الأحساء الكبير وابنها البار «الشباط»…وفي الحقيقة ان الأستاذ «الشباط» أجاد وأبدع في إصدار مجلة «الخليج العربي» وقدم للقراء مادة ممتازة يختارها وينقيها، وكم كان يسعدني أنني شاركت بالكتابة في بعض أعدادها ، والشاهد على بعض المتاعب التي واجهها «الشباط» بالنسبة للمجلة مما أشار إليه معالي الدكتور «آل ملحم» في مقالته المشار إليها حينما كانت جريدة «الخليج العربي» تطبع العدد الممتاز الأسبوعي منها بالقاهرة فقال «وكان الأستاذ «الشباط» خلال إقامته بشقتنا شعلة نشاط، بل أكثر من هذا كان خلال إقامته بشقتنا يتنقل بين مكتبي الدراسي ومكتب الأخ حمود البدر منهمكاً في إعداد وتجهيز العدد الممتاز من جريدة الخليج العربي الأسبوعية للطبع..»محمد عبدالرزاق القشعميشهادة رئيس تحرير صحيفة الخليج العربي عبدالله أحمد الشباطأخي العزيز أبا يعرب…السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:لقد أركبتني بهذا المركب الصعب لأن طلبك جاء في وقت كادت فيه الذاكرة أن تنوء بثقل ما حملت لما تراكم عليها من غبار الزمن فرانت عليها ظلال النسيان وهي ظلال محببة إلى نفسي حتى تمنيت ألا تزول ولا تحول.أما وقد أصررت وشفعت الخطاب بالمقال فدعني أنقب في ظل الزوايا علّي اهتدي إلى بعض ما ترغب معرفته.في عام 1369ه نلت الشهادة الابتدائية من مدرسة الهفوف الأميرية فداخلني شعور بالزهو والاستعلاء ظناً أنني بلغت من العلم غايته وهذا ما دفعني لقبول العمل في سلك التدريس لأتمتع بلقب أستاذ!! وكان ذلك بسعي المغفور له بإذن الله الشيخ عبدالعزيز التركي معتمد المعارف بالأحساء آنذاك وأمضيت الأعوام من 70 – 1373ه متنقلاً في مهنة التدريس بين الدمام والقطيف حيث التقيت خلال هذه الفترة بكثير من زموز الثقافة والأدب في القطيف والدمام وشهدت بداية نهضة المنطقة الشرقية. وخلال هذه الفترة 73 – 1375ه صدرت عدة جرائد ومجلات في المنطقة الشرقية: أخبار الظهران والفجر الجديد ومجلة قافلة الزيت ومجلة الإشعاع. وفي البحرين : جريدة البحرين والقافلة والوطن، ومجلة صوت البحرين. وكنت اكتب في بعض هذه الصحف والمجلات مقالات أدخلت في روعي أنني اصبحت بحق أستاذاً في الأدب والفكر وفي عام 1373ه عدت للدراسة بالقسم الثانوي بالمعهد العلمي الذي كان يقوم على إدارته الشيخ عبدالله بن محمد بن خميس الذي شهد المعهد خلال فترة إدارته نشاطاً ثقافياً ملحوظاً، محاضرات وأشعاراً وصحف حائط وكان من ثمار تلك الأنشطة مجلة هجر التي كان لي شرف سكرتارية تحريرها. فلماذا لا أمد بصري إلى خارج أسوار المجلةلاتصل بمجلات الهدف في بغداد والعلم الجديد في عمان والسمير في نيويورك.في نهاية عام 1375ه تقدمت بطلب الترخيص بإصدار مجلة ثقافية في الأحساء تحت مسمى «الخليج العربي» وصدرت الموافقة برقياً من الديوان الملكي وبكل غرور الشباب وحماسه أصدرت مجلة الخليج العربي مجلة ثقافية تصدر بالأحساء، مدير تحريرها الشيخ إبراهيم بن عبدالمحسن العبد القادر وسكرتير التحرير: عبدالعزيز بن سليمان العفالق)1(. وكان ذلك أسوأ مقلب شربته في حياتي حيث توقفت المجلة بعد ستة أعداد صدرت غير منتظمة. لأسباب مادية ومهنية لنقص الخبرة وعدم التخطيط للمستقبل وعدم الإلمام أساساً بمهنة الصحافة وكانت المجلة تطبع في المطبعة السعودية التي أسسها المرحوم خالد العرفج بالدمام، توقفت المجلة فذهبت إلى الدمام للبحث عن عمل، فالتقيت بالأستاذ محمد أحمد فقي رئيس المرور بالمنطقة الشرقية آنذاك فعرض علي معاودة إصدار الخليج العربي جريدة أسبوعية تصدر من الخبرعلى أن يتولى رئاسة التحرير مقابل التمويل فقبلت على الفور وحيث كانت مطابع الخط بالدمام مشغولة بطباعة أخبار الظهران توجهت إلى الشيخ حمد الجاسر يرحمه الله طالباً منه العون لطباعة الجريدة في مطابع الرياض بشارع المرقب فمد لي يد العون وأعلن عن استعداده لطباعة الجريدة حيث لا تكلف سوى أجور العمال وقيمة الورق، على أن أوكل شخصاً يشرف عليها ويتولى استلامها بعد الطبع. وكانت لي علاقة بالأخ حمود عبدالعزيز البدر)2( وكان يدرس في الرياض فطلبت منه القيام بهذه المهمة فلم يتأخر فكان يستلم المقالات إما مناولة مني شخصياً عندما أحضر إلى الرياض أو أن أرسلها بواسطة أحد المسافرين في القطار وبعد الطبع يشحنها بالقطار بعد أن يستبقي السنخ المخصصة للرياض ويشحن النسخ المخصصة إلى جدة.وبعد ان ابتعث للدراسة في مصر قام مقامه الكاتب السوداني عثمان شوقي يرحمه الله وفي هذه الفترة بدأت الإعلانات تسلك طريقها إلى الجريدة حيث لم يعد المردود من التوزيع يشغل تفكيرنا.كانت مطابع الرياض تقوم بطباعة الخليج العربي طوال عام 1377 – 1378ه وفي عام 1378ه كان لابد من تحديث الجريدة وإدخال بعض الألوان بناء على طلب بعض المعلمين. وهو أمر لم يكن متوفراً لدى مطابع الرياض لأنها مشغولة بطباعة جريدة اليمامة الأسبوعية فنقلت طباعتها إلى مطابع الأستاذ محمد حسين أصفهاني ابتداءً من أول عام 1379ه تحت إشراف الأستاذ عبدالعزيز فرشوطي واستمر هذا الوضع إلى نهاية العام حيث استطعت توفير بعض المال لشراء مطبعة قديمة طراز 1945م من البحرين واستأجرت القبو الذي تحت بناية البلدية مقراً للمطبعة التي قامت بطباعة الجريدة من بداية عام 1380ه وفي نهاية هذا العام نقل امتياز الجريدة إلى علي أبو خمسين لأسباب شرحتها لك هاتفياً وأهمها اختلافي مع الشيخ عبدالله بلخير مدير عام الإذاعة والصحافة والنشر حول بعض القضايا. وبذلك أفلست. فبعت المطبعة إلى أبو خمسين بمبلغ سددت به ما عليّ من ديون.في أول عام 1381ه رشحت لوظيفة مساعد رئيس بلدية الخبر إلى نهاية عام 1383ه وفي 1/1/1384ه رشح لرئاسة بلديات المنطقة المحايدة «ميناء سعود».
أخوكم عبدالله بن أحمد الشباط13/10/1421ه(1) رئيس الغرفة التجارية بالأحساء حاليا.(2) أمين عام مجلس الشورى حالياً


صحيفة الخليج العربي ـ وجهة نظر الدكتور الملحم في “عبدالله الشباط”صحيفة الخليج العربي ـ وجهة نظر الدكتور الملحم في “عبدالله الشباط”
الناشر: محمد عبدالرزاق القشعمي

تاريخ النشر: 16 صفر 1422هــ

الرابط للمصدر

تعليق على:من أوراقي المبعثرة وتكفي قصيدة واحدة 6ـ 6

الدكتور محمد آل ملحم …. بين الظبية والمها تعليقات على مقصورة ابن دريدبقلم محمد بن عبدالرجمن آل اسماعيل
قرأتُ ما كتبه الدكتور “محمد بن عبداللطيف آل ملحم” عن مقصورة (ابن دريد) تحت عنوان (من أوراقي المبعثرة : لمحات عابرة) في جريدة “اليوم” يوم الخميس 14/11/1421هـ والتي مطلعها يبدأ بقوله:
يَـا ظَبْيَةً أَشْبَهَ شَيْءٍ بِالْمَهَـا ….. تَرْعَى الْخُزَامَى بَيْنَ أَشْجَارِ النَّقَا
وهي قصيدةٌ عصماءُ تضمنت أمثالاً وحكمًا ومواعظ. من أجل ذلك اعتنى بها العلماء، والمربون، وأهل الأدب، وقرَّروا حفظها في المدارس والمعاهد الأزهرية، وفي المعاهد العلمية في المملكة،. وحفظها مشائخنا ومشائخ مشائخنا. وقد كانت مقررةً علينا في المعهد العلمي، وحفظناها وأنسنا بها، وهي كما رأيت شَرَحَهَا عددٌ ليس بالقليل من فحول العلماء والأدباء، وقد ذكر المحقق منهم خمسة وأربعين شارحًا. من هؤلاء الشُّراح العالم العلامة “محمد بن خليل الأحسائي” القاضى المتوفى سنة 1044هـ، وترجمته في خلاصة المحبي، وإسم شرحه ( الوسيلة الأحمدية في شرح المقصورة الدرديرية) في مكتبة “سوهاج” تحت رقم 268، وهي كما قال شارحها “ابن هشام” رحمه الله (فإنني لما رأيت كثيرًا من أهل الأدب الناسلين إليه من كل صوب من أدباء زماننا، والمنتحلين هذه الصناعة في أواننا قد صَرَفُوا إلى مقصورة “أبي بكر بن دريد” رحمه الله عنايتهم، واهتمامهم، وجعلوها أمامَهم في اللغة وأمامهم لسهولة ألفاظها، ونبل أغراضها، وثقة منشئها، واستفادة قارئها، واشتمالها على نحو الثلث من المقصور، واحتوائها على جزء من اللغة كبير، ولما ضمَّنها من المثل السائر، والخبر النادر، والمواعظ الحسنة، والحكم البالغة البينة، وقد عارضه فيها جماعةٌ من الشعراء فما شقوا غباره، ولا بلغوا مضماره، وهو رحمه الله عند أهل الآداب والراسخين في هذا الباب أشعر العلماء وأعلم الشعراء ألخ …فمن الحكم:
إِنَّ الْجَدِيدَيْنِ إِذَا مَا اسْتَوْلَيَا …. عَلَى جَدِيـدٍ أَدْنَيَاهُ لِلْبَلَـى
والجديدان: الليل والنهار.
مَا كُنْتُ أَدْرِي والزَّمَانُ مُوَلَّعٌ …… لِشَتٍ مَلْمُومٍ وَتَنْكِيثِ قُوَى هَلْ أَنَا بِدْعٌ مِنْ عَرَانِينَ عُـلاَ …… جَارَ عَلَيهِمْ حَرْفُ دَهْرٍ وَاعْتَدَىوَصَوْنُ عَرْضِ الْمَرْءِ أَنْ يَبْذُلَ مَا ….. ضُنَّ بِهِ مِمَّا حَوَاهُ وانْتَصَى. وَالنَّاسُ كَالنَّبْتِ فَمِنْهُ رَائِقٌ …… غَضٌّ نَضِيرٌ عُودُهُ مُرُّ الْجَنَىوَالشَّيْخُ إِنْ قَوَّمْتَهُ مِنْ زَيْغِهِ …… فَيَسْتَوي مَا انْعاجَ مِنْهُ وانْحَنَىكَذَلِكَ الغُصْنُ يَسِيرٌ عَطْفُهُ …… لَدْنًا شَدِيدٌ غَمْزُهُ إذَا عَسَاوَمَنْ ظَلَمَ النَّاسَ تحَاشُو ظُلْمَهُ …… وَعَزَّ فِيهِمْ جَانِبَاهُ، وَاحْتَمَىوَالنَّاسُ كُلاً إِنْ فَحَصْتَ عَنْهُمُ …… جَمِيعَ أَقْطارِ الْبِلاَدِ وَالْقُرَىعَبيدُ ذِي الْمَالِِ وَإِنْ لَمْ يَطْمَعُوا …… مِنْ غمْرِهِ في جُرْعَةٍ تُشْفِي الصَّدَىلاَ يَنْفَعُ اللُّبُّ بِلاَ جِدٍّ، وَلاَ …… يَحُطُّكَ الْجَهْلُ إِذَا الْجَدُّ عَلاَمَنْ عَارَضَ الأَطْمَاعَ بِالْيَأَسِ رَنَتْ …… إِلَيْهِ عَيْنُ الْعِزّ مِنْ حَيْثُ رَنَامَنْ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ انْتِهَاءِ قَدْرِهِ …… تَقَاصَرَتْ عَنْهُ فُسَيْحَاتِ الْخُطَىمَنْ ضَيَّعَ الْحَزْمَ جَنَى لِنَفْسِهِ …… نَدَامَةً أَلْذَعَ مِنْ سَفْعِ الذَّكَاوَالنَّاسُ أَلْفٌ مِنْهُمُ كَوَاحِدٍ …… وَواحِدٌ كَالأَلْفِ إِنْ أَمْرٌ عَنَاوَلِلْفَتَى مِنْ مَالِهِ مَا قَدَّمَتْ …… يَدَاهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لاَ مَا اقْتَنَىوَاللَّوْمُ لِلْحُرِّ مُقِيمٌ رَادِعٌ …… وَالْعَبْدُ لاَ تَرْدَعُهُ إِلاَّ الْعَصَاوَآفةُ الْعَقْلِ الْهَوَى فَمَنْ عَلاَ …… عَلَى هَوَاهُ عَقْلُهُ فَقَدْ نَجَاعَوِّلْ عَلَى الصَّبْرِ الْجَمِيلِ إِنَّهُ …… أَمْتَعُ مَا لاَذَ بِهِ أُولُو الْحِجَافَالدَّهْرُ يَكْبُو بِالْفَتَى وَتَارَةً …… يُنْهِضُهُ مِنْ عَثْرَةٍ إِذَا كَبَالاَ تَعْجَبَنْ مِنْ هَالِكٍ كَيْفَ هَوَى …… بَلْ فَاعْجَبَنْ مِنْ سَالِمٍ كَيْفَ نَجَامِنْ كُلِّ مَا نَالَ الْفَتَى قَدْ نِلْتُهُ …… وَالْمَرْءُ يَبْقَى بَعْدَهُ حُسْنُ الثَّنَافَإِنْ أَمُتْ فَقَـدْ تَنَاهَـتْ لَذَّتِـي …… وَكُلُّ شَيءٍ بَلَـغَ الْحَـدَّ انْتَهَى
وهي كما ترى مليئة بالحكم، فالذي يقرأها بتأنٍ وتمعنٍ وتأملٍ يخرج بثروةٍ لغويةٍ تمكِّنه من فهم أي نصٍ يمر به. كما نظم الطغرائي “لامية العجم” و”الحريري” أنشأ مقاماته هذه كلها حكم وعبر، وكذلك تكون ثروة لغوية وبلاغية لدى طالب العلم. فالأدب كتبوه لأغراضٍ شريفةٍ ساميةٍ، وليس الأدب للأدب كما روَّج له من رَوَّجَ.
المصدر: جريدة اليوم، العدد رقم 10148، وتاريخ 3 محرم 1422هـ.ِ


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:10148

تاريخ النشر: 03/01/1422هـ

ما قاله آل اسماعيل ردا على قصيدة (وتكفي قصيدة واحدة) لمعالي د.محمد الملحم

الدكتور محمد آل ملحم …. بين الظبية والمها تعليقات على مقصورة ابن دريدبقلم محمد بن عبدالرجمن آل اسماعيل.

قرأتُ ما كتبه الدكتور “محمد بن عبداللطيف آل ملحم” عن مقصورة (ابن دريد) تحت عنوان (من أوراقي المبعثرة : لمحات عابرة) في جريدة “اليوم” يوم الخميس 14/11/1421هـ والتي مطلعها يبدأ بقوله:
يَـا ظَبْيَةً أَشْبَهَ شَيْءٍ بِالْمَهَـا ….. تَرْعَى الْخُزَامَى بَيْنَ أَشْجَارِ النَّقَا
وهي قصيدةٌ عصماءُ تضمنت أمثالاً وحكمًا ومواعظ. من أجل ذلك اعتنى بها العلماء، والمربون، وأهل الأدب، وقرَّروا حفظها في المدارس والمعاهد الأزهرية، وفي المعاهد العلمية في المملكة،. وحفظها مشائخنا ومشائخ مشائخنا. وقد كانت مقررةً علينا في المعهد العلمي، وحفظناها وأنسنا بها، وهي كما رأيت شَرَحَهَا عددٌ ليس بالقليل من فحول العلماء والأدباء، وقد ذكر المحقق منهم خمسة وأربعين شارحًا. من هؤلاء الشُّراح العالم العلامة “محمد بن خليل الأحسائي” القاضى المتوفى سنة 1044هـ، وترجمته في خلاصة المحبي، وإسم شرحه ( الوسيلة الأحمدية في شرح المقصورة الدرديرية) في مكتبة “سوهاج” تحت رقم 268، وهي كما قال شارحها “ابن هشام” رحمه الله (فإنني لما رأيت كثيرًا من أهل الأدب الناسلين إليه من كل صوب من أدباء زماننا، والمنتحلين هذه الصناعة في أواننا قد صَرَفُوا إلى مقصورة “أبي بكر بن دريد” رحمه الله عنايتهم، واهتمامهم، وجعلوها أمامَهم في اللغة وأمامهم لسهولة ألفاظها، ونبل أغراضها، وثقة منشئها، واستفادة قارئها، واشتمالها على نحو الثلث من المقصور، واحتوائها على جزء من اللغة كبير، ولما ضمَّنها من المثل السائر، والخبر النادر، والمواعظ الحسنة، والحكم البالغة البينة، وقد عارضه فيها جماعةٌ من الشعراء فما شقوا غباره، ولا بلغوا مضماره، وهو رحمه الله عند أهل الآداب والراسخين في هذا الباب أشعر العلماء وأعلم الشعراء ألخ …فمن الحكم:
إِنَّ الْجَدِيدَيْنِ إِذَا مَا اسْتَوْلَيَا …. عَلَى جَدِيـدٍ أَدْنَيَاهُ لِلْبَلَـى
والجديدان: الليل والنهار.
مَا كُنْتُ أَدْرِي والزَّمَانُ مُوَلَّعٌ …… لِشَتٍ مَلْمُومٍ وَتَنْكِيثِ قُوَى هَلْ أَنَا بِدْعٌ مِنْ عَرَانِينَ عُـلاَ …… جَارَ عَلَيهِمْ حَرْفُ دَهْرٍ وَاعْتَدَىوَصَوْنُ عَرْضِ الْمَرْءِ أَنْ يَبْذُلَ مَا ….. ضُنَّ بِهِ مِمَّا حَوَاهُ وانْتَصَى. وَالنَّاسُ كَالنَّبْتِ فَمِنْهُ رَائِقٌ …… غَضٌّ نَضِيرٌ عُودُهُ مُرُّ الْجَنَىوَالشَّيْخُ إِنْ قَوَّمْتَهُ مِنْ زَيْغِهِ …… فَيَسْتَوي مَا انْعاجَ مِنْهُ وانْحَنَىكَذَلِكَ الغُصْنُ يَسِيرٌ عَطْفُهُ …… لَدْنًا شَدِيدٌ غَمْزُهُ إذَا عَسَاوَمَنْ ظَلَمَ النَّاسَ تحَاشُو ظُلْمَهُ …… وَعَزَّ فِيهِمْ جَانِبَاهُ، وَاحْتَمَىوَالنَّاسُ كُلاً إِنْ فَحَصْتَ عَنْهُمُ …… جَمِيعَ أَقْطارِ الْبِلاَدِ وَالْقُرَىعَبيدُ ذِي الْمَالِِ وَإِنْ لَمْ يَطْمَعُوا …… مِنْ غمْرِهِ في جُرْعَةٍ تُشْفِي الصَّدَىلاَ يَنْفَعُ اللُّبُّ بِلاَ جِدٍّ، وَلاَ …… يَحُطُّكَ الْجَهْلُ إِذَا الْجَدُّ عَلاَمَنْ عَارَضَ الأَطْمَاعَ بِالْيَأَسِ رَنَتْ …… إِلَيْهِ عَيْنُ الْعِزّ مِنْ حَيْثُ رَنَامَنْ لَمْ يَقِفْ عِنْدَ انْتِهَاءِ قَدْرِهِ …… تَقَاصَرَتْ عَنْهُ فُسَيْحَاتِ الْخُطَىمَنْ ضَيَّعَ الْحَزْمَ جَنَى لِنَفْسِهِ …… نَدَامَةً أَلْذَعَ مِنْ سَفْعِ الذَّكَاوَالنَّاسُ أَلْفٌ مِنْهُمُ كَوَاحِدٍ …… وَواحِدٌ كَالأَلْفِ إِنْ أَمْرٌ عَنَاوَلِلْفَتَى مِنْ مَالِهِ مَا قَدَّمَتْ …… يَدَاهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لاَ مَا اقْتَنَىوَاللَّوْمُ لِلْحُرِّ مُقِيمٌ رَادِعٌ …… وَالْعَبْدُ لاَ تَرْدَعُهُ إِلاَّ الْعَصَاوَآفةُ الْعَقْلِ الْهَوَى فَمَنْ عَلاَ …… عَلَى هَوَاهُ عَقْلُهُ فَقَدْ نَجَاعَوِّلْ عَلَى الصَّبْرِ الْجَمِيلِ إِنَّهُ …… أَمْتَعُ مَا لاَذَ بِهِ أُولُو الْحِجَافَالدَّهْرُ يَكْبُو بِالْفَتَى وَتَارَةً …… يُنْهِضُهُ مِنْ عَثْرَةٍ إِذَا كَبَالاَ تَعْجَبَنْ مِنْ هَالِكٍ كَيْفَ هَوَى …… بَلْ فَاعْجَبَنْ مِنْ سَالِمٍ كَيْفَ نَجَامِنْ كُلِّ مَا نَالَ الْفَتَى قَدْ نِلْتُهُ …… وَالْمَرْءُ يَبْقَى بَعْدَهُ حُسْنُ الثَّنَافَإِنْ أَمُتْ فَقَـدْ تَنَاهَـتْ لَذَّتِـي …… وَكُلُّ شَيءٍ بَلَـغَ الْحَـدَّ انْتَهَى
وهي كما ترى مليئة بالحكم، فالذي يقرأها بتأنٍ وتمعنٍ وتأملٍ يخرج بثروةٍ لغويةٍ تمكِّنه من فهم أي نصٍ يمر به. كما نظم الطغرائي “لامية العجم” و”الحريري” أنشأ مقاماته هذه كلها حكم وعبر، وكذلك تكون ثروة لغوية وبلاغية لدى طالب العلم. فالأدب كتبوه لأغراضٍ شريفةٍ ساميةٍ، وليس الأدب للأدب كما روَّج له من رَوَّجَ.
المصدر: جريدة اليوم، العدد رقم 10148، وتاريخ 3 محرم 1422هـ.

المقالة | من أوراقي المبعثرة وتكفي قصيدة واحدة المقالة | من أوراقي المبعثرة وتكفي قصيدة واحدة
الكاتب: محمد بن عبدالرجمن آل اسماعيل
الناشر: جريدة اليوم
– العدد:10148
تاريخ النشر: 03/01/1422هـ 27/3/2001م

من أوراقي المبعثرة : وتكفي قصيدة واحدة 4-5

 

وإذا كانت “مقصورة بن دريد” ذات أهمية بالغة في علوم اللغة العربية مثل النحو والصرف البلاغة، فإنها في الوقت نفسه ذات أهمية بالغة في الحِكم .والحِكم جزء حيوي لأية لغة، ولا تخلو أية لغة حيوية من الحِكم.والحِكم قنوات اتصال للفهم وإدراك الأمور بين أفراد الأمة.والحِكم معاني مختصرة للغاية في عبارات معبر عنها شعراً أو نثرا. وبالرغم من هذا التميز الذي تعرف به إلاَّ أنها ذات محتويات شمولية كلية لأفكار وتصرفات وحوادث ووقائع لا تعد ولا تحصى. والحِكم مخزن معارف وعلوم وأخبار وحوادث للأمة تتميز بالدقة في الدلالة. إذا استخدمت في مجال مَّا أو مناسبة مَّا، فالمستخدم يعرف تماماً لماذا استخدمها. كما أن المخاطب بها يعرف هو الآخر المراد منها. الحِكم أداة اتصال وتفاهم . قد تستخدم لإيصال معلومة اختصاراً للوقت.وقد تستخدم لجلب منفعة أو دفع مضرة.وقد تستخدم لتنشيط همة أو تهبيط همة.وقد تستخدم للتأسي أو للسلوى أوللتعزية عن خيبة أمل أو للتمني.وقد تستخدم للتذكير بحادثة ماضية أو عابرة أو حالية.و”ابن دريد” شأنه شأن الكثير من الشعراء لم يشذ عن القاعدة. والقاعدة ما تعارف عليه الشعراء في اعتبار استخدام الحِكم بمثابة القواعد الراسية المتينة التي تجعل لشعرهم طعم. وبتعبيرآخر، مفعول الحكم في شعرهم مثل مفعول التوابل في الطعام. و”الدريدية” بيت كبير. وتحتل الحِكم في هذا البيت أفضل أمكنته.ومن هذه الحِكم المصاغة شعراً:ـ
ذكاء بدون حظ لا قيمة له، والعكس صحيح يقول ابن دريد:ـ
لاَ يَنْفَعُ اللُّبُّ بلاَ جَدٍ وَلاَ ….. يَحُطُّكَ الْجَهْلُ إِذَا الْجَدُّ عَلاَ
من لم يعظه دهره لن ينفعه واعظٌ في يومه أو في غده.يقول ابن دريد:ـ
مَنْ لَمْ يَعِظْهُ الدَّهْرُ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا ….. رَاحَ بِهِ الْوَاعِظُ يَوْماً أَوْ غَدا
أذل الحرص أعناق الرجاليقول ابن دريد:ـ
مَن مَلَّكَ الْحِرْصَ الْقَيَادَ لَمْ يَزَلْ ….. يَكْرَعُ فيِ مَاءٍ مِنَ الذِّلِّ صَرَى
القناعة كنز لا ينفد.يقول ابن دريد:ـ
مَنْ عَطَفَ النَّفْسَ عَلَى مَكْرُوهِهَا ….. كَانَ الْغِنَى قَرِيِنَهُ حَيْثُ انْتَوَى
الطمع طبعيقول ابن دريد:ـ
مَنْ عَارَضَ الأَطْمَاعَ بِاْليَأْسِ رَنَتْ ….. إلَيْهِ عَيْنُ الْعِزِّ مِنْ حَيْثُ رَنَا
رحم الله امرأً عرف قدر نفسه.يقول ابن دريد:ـ
مَنْ لَمْ يَقِفُ عِنْدَ انْتِهَاءِ قدَرِهِ ….. تَقَاصَرَتْ عَنْهُ فَسِيحَاتُ الْخُطَا
الحزم عزم.يقول ابن دريد:ـ
مَنْ ضّيَعَ الْحَزْمِ جَنَى لِنَفْسِهِ ….. نَدَامَةً أَلْذَعُ مِنْ لَسْعِ الذَّكَا
يقول الرسول عليه السلام:ـ ليس لك من مالك إلاَّ ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت.يقول ابن دريد:ـوَلِلْفَتَى مِنْ مَالِهِ مَا قَدَّمَتْ ….. يَدَاهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لاَ مَا اقْتَنَى
أحسن ما يخلفه الإنسان الذكر الحسن.يقول ابن دريد:ـ
وَإِنَّمَا الْمَرْأُ حَدِيثٌ بَعْدَهُ …. فَكُنْ حَدِيثاً حَسَناً لِمَنْ وَعَى
يوم لك ويوم عليك.يقول ابن دريد:ـ
إِنِّي حَلَبْتُ الدَّهْرَ شَطْرَيْهِ فَقَدْ ….. أَمَرَّ لِي حِيناً وَأَحْيَاناً حَلاَ
آفة العقل الهوى.
وَآفَةُ الْعَقْلِ الْهَوَى فَمَنْ عَلاَ….. عَلَى هَوَاهُ عَقْلُهُ فَقَدْ نَجَا
الكمال لله.يقول ابن دريد:ـ
إِذَا تَصَفَّحْتَ أُمُورَ النَّاسِ لَمْ ….. تُلْفِ أُمْرأً حَازَ الْكَمَالَ فَاكْتَفَى
الصبر مفتاح الفرج.يقول ابن دريد:ـ
عَوِّلْ عَلَى الصَّبْرِ الْجَمِيلِ إِنَّهُ ….. أَمْتَعُ مَا لاَذ بِهِ أُولِي الْحِجَا
الدنيا دواليك يوم لك ويوم عليك.يقول ابن دريد:ـ
فَالدَّهْرُ يَكْبُو بِالْفَتَى وَتَارَةً ….. يُنْهِضُهُ مِنْ عَثْرَةٍ إذَا كَبَا
القضاء والقدر بيد الله.يقول ابن دريد:ـ
قُلْتُ الْقَضَاءُ مَاِلكٌ أَمْرَ الْفْتَىَ ….. مِنْ حَيْثُ لاَ يَدْرِي وَمِنْ حَيْثُ دَرَى
ولابن دريد الكثير من الحكم ومنها قوله:ـ
لاَ بُدَّ أَنْ يَلْقَى امْرُئٌ مَا خَطَّهُ ….. ذُو الْعَرْْشِ مِمَّا هَوَ لاقٍ وَوَحَىلاَ غَرْوَ إِنْ لَجَّ زَمَانُ جَائِرٌ ….. فَاعْتَرَقَ الْعَظْمَ الْمُمِخَّ وَانْتَقَىفَقَدْ تَرَى الُقَاحِلَ مُخْضَراً وَقَـدْ ….. تَلْقَى أَخَا الإِقْتَارَ يَوْماً قَدْ نَمَـا


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:10107

تاريخ النشر: 15/02/2001م

رئيس دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستششارات القانونية

من أوراقي المبعثرة : وتكفي قصيدة واحدة 4-5

وإذا كانت “مقصورة بن دريد” ذات أهمية بالغة في علوم اللغة العربية مثل النحو والصرف البلاغة، فإنها في الوقت نفسه ذات أهمية بالغة في الحِكم .والحِكم جزء حيوي لأية لغة، ولا تخلو أية لغة حيوية من الحِكم.والحِكم قنوات اتصال للفهم وإدراك الأمور بين أفراد الأمة.والحِكم معاني مختصرة للغاية في عبارات معبر عنها شعراً أو نثرا. وبالرغم من هذا التميز الذي تعرف به إلاَّ أنها ذات محتويات شمولية كلية لأفكار وتصرفات وحوادث ووقائع لا تعد ولا تحصى. والحِكم مخزن معارف وعلوم وأخبار وحوادث للأمة تتميز بالدقة في الدلالة. إذا استخدمت في مجال مَّا أو مناسبة مَّا، فالمستخدم يعرف تماماً لماذا استخدمها. كما أن المخاطب بها يعرف هو الآخر المراد منها. الحِكم أداة اتصال وتفاهم . قد تستخدم لإيصال معلومة اختصاراً للوقت.وقد تستخدم لجلب منفعة أو دفع مضرة.وقد تستخدم لتنشيط همة أو تهبيط همة.وقد تستخدم للتأسي أو للسلوى أوللتعزية عن خيبة أمل أو للتمني.وقد تستخدم للتذكير بحادثة ماضية أو عابرة أو حالية.و”ابن دريد” شأنه شأن الكثير من الشعراء لم يشذ عن القاعدة. والقاعدة ما تعارف عليه الشعراء في اعتبار استخدام الحِكم بمثابة القواعد الراسية المتينة التي تجعل لشعرهم طعم. وبتعبيرآخر، مفعول الحكم في شعرهم مثل مفعول التوابل في الطعام. و”الدريدية” بيت كبير. وتحتل الحِكم في هذا البيت أفضل أمكنته.ومن هذه الحِكم المصاغة شعراً:ـ
ذكاء بدون حظ لا قيمة له، والعكس صحيح يقول ابن دريد:ـ
لاَ يَنْفَعُ اللُّبُّ بلاَ جَدٍ وَلاَ ….. يَحُطُّكَ الْجَهْلُ إِذَا الْجَدُّ عَلاَ
من لم يعظه دهره لن ينفعه واعظٌ في يومه أو في غده.يقول ابن دريد:ـ
مَنْ لَمْ يَعِظْهُ الدَّهْرُ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا ….. رَاحَ بِهِ الْوَاعِظُ يَوْماً أَوْ غَدا
أذل الحرص أعناق الرجاليقول ابن دريد:ـ
مَن مَلَّكَ الْحِرْصَ الْقَيَادَ لَمْ يَزَلْ ….. يَكْرَعُ فيِ مَاءٍ مِنَ الذِّلِّ صَرَى
القناعة كنز لا ينفد.يقول ابن دريد:ـ
مَنْ عَطَفَ النَّفْسَ عَلَى مَكْرُوهِهَا ….. كَانَ الْغِنَى قَرِيِنَهُ حَيْثُ انْتَوَى
الطمع طبعيقول ابن دريد:ـ
مَنْ عَارَضَ الأَطْمَاعَ بِاْليَأْسِ رَنَتْ ….. إلَيْهِ عَيْنُ الْعِزِّ مِنْ حَيْثُ رَنَا
رحم الله امرأً عرف قدر نفسه.يقول ابن دريد:ـ
مَنْ لَمْ يَقِفُ عِنْدَ انْتِهَاءِ قدَرِهِ ….. تَقَاصَرَتْ عَنْهُ فَسِيحَاتُ الْخُطَا
الحزم عزم.يقول ابن دريد:ـ
مَنْ ضّيَعَ الْحَزْمِ جَنَى لِنَفْسِهِ ….. نَدَامَةً أَلْذَعُ مِنْ لَسْعِ الذَّكَا
يقول الرسول عليه السلام:ـ ليس لك من مالك إلاَّ ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت.يقول ابن دريد:ـوَلِلْفَتَى مِنْ مَالِهِ مَا قَدَّمَتْ ….. يَدَاهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لاَ مَا اقْتَنَى
أحسن ما يخلفه الإنسان الذكر الحسن.يقول ابن دريد:ـ
وَإِنَّمَا الْمَرْأُ حَدِيثٌ بَعْدَهُ …. فَكُنْ حَدِيثاً حَسَناً لِمَنْ وَعَى
يوم لك ويوم عليك.يقول ابن دريد:ـ
إِنِّي حَلَبْتُ الدَّهْرَ شَطْرَيْهِ فَقَدْ ….. أَمَرَّ لِي حِيناً وَأَحْيَاناً حَلاَ
آفة العقل الهوى.
وَآفَةُ الْعَقْلِ الْهَوَى فَمَنْ عَلاَ….. عَلَى هَوَاهُ عَقْلُهُ فَقَدْ نَجَا
الكمال لله.يقول ابن دريد:ـ
إِذَا تَصَفَّحْتَ أُمُورَ النَّاسِ لَمْ ….. تُلْفِ أُمْرأً حَازَ الْكَمَالَ فَاكْتَفَى
الصبر مفتاح الفرج.يقول ابن دريد:ـ
عَوِّلْ عَلَى الصَّبْرِ الْجَمِيلِ إِنَّهُ ….. أَمْتَعُ مَا لاَذ بِهِ أُولِي الْحِجَا
الدنيا دواليك يوم لك ويوم عليك.يقول ابن دريد:ـ
فَالدَّهْرُ يَكْبُو بِالْفَتَى وَتَارَةً ….. يُنْهِضُهُ مِنْ عَثْرَةٍ إذَا كَبَا
القضاء والقدر بيد الله.يقول ابن دريد:ـ
قُلْتُ الْقَضَاءُ مَاِلكٌ أَمْرَ الْفْتَىَ ….. مِنْ حَيْثُ لاَ يَدْرِي وَمِنْ حَيْثُ دَرَى
ولابن دريد الكثير من الحكم ومنها قوله:ـ
لاَ بُدَّ أَنْ يَلْقَى امْرُئٌ مَا خَطَّهُ ….. ذُو الْعَرْْشِ مِمَّا هَوَ لاقٍ وَوَحَىلاَ غَرْوَ إِنْ لَجَّ زَمَانُ جَائِرٌ ….. فَاعْتَرَقَ الْعَظْمَ الْمُمِخَّ وَانْتَقَىفَقَدْ تَرَى الُقَاحِلَ مُخْضَراً وَقَـدْ ….. تَلْقَى أَخَا الإِقْتَارَ يَوْماً قَدْ نَمَـا

ــــــــــــــــــــــــــــ* رئيس دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستششارات القانونية


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:10107

تاريخ النشر: 15/02/2001م

من أوراقي المبعثرة : وتكفي قصيدة واحدة 3-5

ويواصل “ابن دريد” في ذكر بعض الشخصيات العربية في قصيدته ومنهم “عمرو بن عدى اللَّخمي” و”الملكة “نائلة” الملقبة “بالزَّباء”.يقول “ابن دريد”:ـ
وَقَدْ سَمَا عَمْرُو إِلَى أَوْتَارِهِ ….. فَاحْتطَ مِنْهَا كُلَّ عَالِي الْمُسْتَمَىفَاسْتَنْزَلَ الزَّبَاءِ قَسْرَاً وَهْـيَ مِـنْ ….. فَاحْتطَ مِنْهَا كُلَّ عَالِي الْمُسْتَمَى
وكما ذكرتُ في الحلقة السابقة تمكنت “الزباء” من الفتك “ِبجُذيمة الأبرش” قاتل أبيها. وكان “لِجُذيمة” ابن أخت هو “عمرو بن عدي اللَّخمي” وقد تولى الملك فيما بعد حيث كان أول ملوك اللَّخميين بعد قتل خاله. وبعد قتل “جُذيمة” أخذت الشكوك تساور “الزباء” من الثأر منها، فيُقال أنها سألت “كاهنة” عن مستقبلها، فأخبرتها “الكاهنة” أنها ستموت أمام رجل أوصافه مثل أوصاف “عمرو بن عدي” ابن أخت الملك المقتول، وأن حتفها على يدها. لذلك استعلمت “الزَّباء” عن كل حركات وسكنات “عمرو” وما يفعله ليلاً ونهاراً تصويراً ورواية. وكان من درجة حرصها على حياتها أنها اتخذت لها نفقاً أجرت عليه الماء من “الفرات” وذلك من قصرها إلى قصر أختها للهرب من خلاله عند الضرورة. هذا ما كان من شأن “الزباء”. اما ابن أخت الملك المقتول فقد قال “قصير بن سعد اللَّخمي” له بعد أن أحاطه علماً بكل ما كانت “الزَّباء” قد فعلته:ـ ألا تطلب بثأر خالك؟ فقال:ـ وكيف أقدر على “الزَّباء” وهي أمنع من عقاب الجو. وكان يقال عنها:ـ أعز من “الزَّباء”. فقال له قصير:ـ أثائرٌ أنت؟ قال:ـ بل ثائرٌ سائرٌ. ثم قال “قصير” له:ـ اجدع أنفي، واقطع أذني، واضرب ظهري حتى تؤثِّر فيه، ودعني وإياها. رفض “عمرو” فعل ذلك على رواية. وفعل “قصير” بنفسه ذلك. لذا قيل في الأمثالـ “ِلأمر مَّا جدع قصير أنفه”. وتمكن “قصير” بما تمتع به من ذكاء ومكر أن يتقرب إلى “الزَّباء” مدعياً أن “عمرو” قد فعل به ما تَرَى. لذلك أصبح “قصير” محل ثقتها لدرجة أنه زَيَّنَ لها أن له أموالاً كثيرة في “العراق” ويرغب منها أن تساعده على نقلها إلى مملكتها. بعثته “الزَّباء” ليحمل ما له من مال في العراق. ذهب إلى “العراق” وأخبر “الملك “عمرو” بما كان من أمره، فجهزه “عمرو” بكل ما طلبه، وعاد إلى “الزَّباء” التي منحته ثقتها، فأخذ يتاجر باسمها أكثر من مرة. وفي المرة الأخيرة، ولكي يحقق مأرب الملك “عمرو”، جهز “قصير” قافلة محملة بأوعية تسمى “الجواليق” أو “الغرائر”. ولكنه هذه المرة بدلاً من وضع بضائع داخل هذه الجواليق خبَّأ فيها رجالاَ مسلحين، وأخذ معه “عمرو”. دخلت القافلة المدينة، واكتشف الحرس، على رواية، الرجال الذين كانوا بداخل الجواليق فتمكنوا من قتلهم. وفي رواية أخرى، أن “قصير” طلب من “الزَّباء” أن تخرج لتشاهد “القافلة”. فلما خرجت أبصرت الإبل تكاد قوائمها تنوخ في الأرض من ثقل أحمالها، فقالت يا “قصير”:ـ
مَا لِلْجِمَالِ مَشْيُهَا وَئِيداَ ….. أَجَنْدَلاً يَحْمِلْنِ أَمْ حَدِيدَا أَمْ صَرَفَاناً بَارِداً شَدِيـدأ ….. أَجَنْدَلاً يَحْمِلْنِ أَمْ حَدِيدَا
وفي رواية يقال أن “قصيراً” قال في نفسه:ـبَلِ الرِّجَالُ قُبَّضاً قُعُودُا
أما “عمرو” قد وصل إلى باب النفق فعرفته “الزَّباء”، عندها مصَّت “الزباء” فص خاتمها الماسي الذي كان مسموماً وهي تقول:ـ “بيدي لا بيد عمرو”. فأصبحت مقولتها مثلاً مشهوراً. وقتلها “عمرو” بالسيف، وأخذ من مدينة “الزباء” ما أخذ ومن ثم رجع إلى “العراق”. ما سبق مجرد لمحات عابرة عن ظواهر “مقصورة بن دريد” الحضارية في تاريخ العرب،. وهي ظواهر انتقائية الغرض منها إبراز بعض الممارسات العربية في الذود عن الكرامة في لغة أصيلة ذات شموخ دُرَرُهَا أمثالٌ عانقت الزمن في سريانه من عصر إلى عصر ومن جيل إلى جيل.أما علوم اللغة العربية من نحو وصرف وبيان وبلاغة في “المقصورة” فحدث ولا حرج. من يقرأها يجد نفسه أمام قاموس محيط الولوج في أعماقة ليس من السهل. مفردات المقصورة مجرد رموز تحتاج إلى تفكيك وشرح وتوضيح لمعرفة دلالات معانيها بغرض تحديد غرض الشاعر من استخدامها. ولعلي لا أبالغ إذا قلت أنه قل أن تجد قصيدة مثل “المقصورة” لم يتناولها الأدباء منذ زمان تحبيرها وحتى اليوم شرحاً وبحثاً الهدف منه تسهيل معرفة مفرداتها بمفردات أدنى إلى القصد وأقرب إلى المرام.وعلى سبيل المثال احتار محمد بن هشام اللَّخمي [أحد شراح المقصورة] في تحديد المقصود من “المها” التي وردت في مطلع القصيدة [يَا ظَبْيَةً أَشْبَهَ شَئٍ بِالْمَهَا]. يقول في هذا الخصوص:ـ(المها) جمع مهاة ـ وهي الشمس … قال الشاعر:ـ
ثُمَّ يَجْلُو الظَّلاَمَ رَبٌ رَحِيمٌ ….. بِمَهَاةٍ شُعَاعُهَا مَنْثُورُ
والعرب تشبِّه وجه المرأة بالشمس في الإشراق، قال أبوحية:ـ
فَأَلْقَتْ قِنَاعاً دُونَهُ الشَّمْسُ وَاتَّقَتْ ….. بِإَحْسَنِ سِرْبَالٍ وَكَفٍ وَمِعْصَمِ
و(المهاة) أيضاً ـ الدُّرة، والعرب تشبِّه المرأة بها في الضياء، قال الربيع بن ضبع الفزاري:ـ
كَأَنَّهَا دُرَّة مُنَعَّمَةُ ….. مِنْ نِسْوَةٍ كُنَّ قَبْلَهَا دُرَرَا
وقال النابغة:ـ
أَوْ دُرَّةٌ صَدَفِيَّةُ غَوَّاصُهَا….. بَهِجٌ مَتَى يَرَهَا يَهِلُّ وَيَسْجِدُ
و(المهاة) أيضاً من بقر الوحش، والعرب تشبِّه المرأة بها لحسن عينها ومشيتها. قال الشاعر:ـ
لهَاَ مِنْ مَهَاةِ الرُّسْلِ عَيْنٌ مَرِيضَةُ ….. وَمِنْ وَرَقِ الرَّيْحَانِ خُضْرَةُ شَارِبِو(المهاة) أيضاً البلورة، والعرب تشبه المرأة بها في البياض فيحتمل أن يكون أبوبكر [الدُّريدي] يرحمه الله شبَّه هذه المرأة التي نَسَبَ بها، وَجَعَلَهَا ظبية على الإتساع بالشمس في إشراقها، وبالدرة في ضيائها وبريقها، وببقرة الوحش في عينيها ومشيتها، أو بالبلورة في بياضها ونصاعتها، إذ لا دليل في البيت على واحدة مما وصفنا بعينها إلاَّ أن الأظهر ـ والله أعلم بمراده ـ أن يريد بالمها ـ بقر الوحش ـ شبَّه المرأة بها لحسن عيونها، وَجَعَلَهَا ظبيةً على الإتساع لطول جيدها. وأخذ هذا من قول زهير:ـ
تَنَازَعَهَا الْمَهَا شَبَهٌ وَدُرٌ …… النُّحُورُ وَشَاكَهَتْ فِيهَا الظِّبَاءُ
شاكهت: شابهت، قال الأصمعي:ـ قوله تنازعها المها أراد أن فيها من البقر شبهاً، ومن الدر شبهاً، ومن الظباء شبهاً، فالذي يشبهها من البقر العيون، ومن الدر صفاء اللمون، ومن الظباء طول الأعناق، وقد بين ذلك جرير بقوله:ـ
لَوْلاَ مُرَاقَبَةِ الْعُيُونِ أَرَيْنَنَا ….. مُقْلَ الْمَهَا وَسَوالِفِ الآرَامِ
وقال ذو الرمة:ـ
وَتَحْتَ الْعَوَالِي فيِ الْقَنَا مُسْتَظِلَّةٌ ….. ظِبَاءٌ أَعَارَتْهَا الْعُيُونُ الْجَاذِرُ
راجع (محمد بن هشام اللخمي، الفوائد المقصورة في شرح المقصورة، ص/110 ـ 113، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، ط/1400هـ.ـــــــــــــــــــــــــ * رئيس دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستششارات القانونية


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:10100

تاريخ النشر: 08/02/2001م

من أوراقي المبعثرة من أوراقي المبعثرة : وتكفي قصيدة واحدة 1-5

 

وظلت “القصيدة الدُّريدية” من روائع الشعر العربي عبرعصوره لتأثيرها الحيوي المتجدد ومصداقية الأحاسيس التي عبَّرت عنها، وكذلك قدرتها على استيعاب أحوال الحياة والأشخاص والأشياء المحيطة بها .هناك من شرح مفرداتها.وهناك من حبَّر على نمطها.وهناك من خَمَّسها.وهناك من عارضها.وهناك من وشَّحها.وهناك من حقَّقها.وهناك من أعربها.بل وهناك من ترجمها إلى لغات أجنبية.تضمَّنت القصيدة تاريخاً، وبلاغةً، وأخلاقاً، وحكماً، وأمثالاً، وشئوناً دينيةً. وعلى سبيل المثال ذكر “ابن دريد” أسماء شخصيات عربية كان لهم شأن كبير في تاريخ العرب أمثال “امرئ القيس”، و”أبي الجبر” و”ابن الأشج”، و”جذيمة الأبرش”، و”يزيد بن المهلب بن أبي صفرة”، و”الزباء”، و”عمرو بن عدي اللَّخمي”، و”سيف بن ذي يزن الحِميري” وغيرهم. وهو إذ يذكرهم كان يشير في اقتضاب شديد إلى أهم ما تميزوا به أو ما قاموا به من أعمال.عن “امرئ القيس” يقول “ابن دريد”:ـ
إِنَّ “امْرُأُ الْقَيْسِ” جَرَى إِلَى مَدىً …… فَاعْتَاقَهُ حِمَامُهُ دُونَ الْمَدَى
ويعكس هذا البيت ما عُرِفَ به “الملك الضليل” من محاولة الحصول على الملك أو ملاقاة الردى، لا غيرهما. يقول “أمرؤ القيس” لصاحبه عن نفسه:ـ
بَكَى صَاحِبِي لَمَّا رَأَى الدَّرْبَ دَونَهُ ….. وَأَيْقَـنَ أَنَّـا لاَحِقِيْنَ بِقَيْصَـرَافَقُلْتُ لَهُ لاَ تَبْكِ عَيْنُكَ إِنَّمَـــا ….. نُحَاوِلُ مُلْكَاً أَوْ نَمُوتَ فَنُعْـذَرَا
وتروِي كتب التراث قصة “امرئ القيس”. وفيها شموخ وعظمة. وخلاصتها أن “حُجْراً” طرد ابنه “أمرئ القيس” لأنه كان يتعاطى الشعر، ويتشبب بالنساء، ويجالس صعاليك العرب. وكان “حُجْرُ” ملكاً على “بني أسد” يسومهم سوء العذاب فقتلوه، وبلغ “أمرئ القيس” خبر قتل أبيه في وقت كان يعاقر الخمرة مع نديمه. انزعج “أمرؤ القيس” من الخبر، فنطق بعبارة خلَّدها التاريخ، وكان فحواها:ـ ضيَّعني [أبي] صغيراً، وحمَّلني دعه كبيرا. لا صحو اليوم، ولا سكر غدا. “اليوم خمر، وغداً أمر”. وانطلق ليدرك ثأر أبيه حتى مات.ويقول “ابن دريد” عن “ابن الأشج”:ـ
وَ”ابْنُ الأَشَجِّّ” الْقَيْلُ سَاقَ نَفْسَهُ ….. إِلَى الرَّدى حِذَار إِشْمات الْعِدَى
و”الأشج” أحد الحكام العرب في العهد الأموي، حاول ملكاً ولكنه فشل، وبعد فشله ساق نفسه إلى الردى أي انتحر!لم يذكر “ابن دريد” أفعال هذا الحاكم، أو انتصاراته، أو خروجه على طاعة ولي الأمر. أشار “ابن دريد” إلى نهايته فقط، ألاَ وهي انتحاره، وذاكراً أن سبب الانتحار وهو “حِذار إشمات العدى”. وخلاصة قصة “ابن الأشج” [واسمه “عبدالرحمن بن الأشعث] أن “الحجاج بن يوسف” والي العراق قد عينه حاكماً على “سجستان” وما حولها في وسط “آسيا”، فحقَّق انتصارات على إثر نشوتها شق عصا الطاعة، فنصَّب نفسه حاكماً مستقلاَ، وقطـع صلته بكل من “والي العراق” والخليفة “عبدالملك بن مروان” في دمشق. حاربه “الحجاج” بأمر من “الخليفة”، وانتصر “الحجاج” عليه. وحاول “ابن الأشج” الاستغاثة بأحد الحكام “بالهند” فلم يُجب إلى طلبه، وَأُسِرَ، ومن ثم انتهى الأمر به أن قرر إنهاء حياته بنفسه إذ اعتلى سطح قصر وهو أسير فالقى نفسه منه فمات على الفور.أما عن “جُذيمة الأبرش” فيقول “ابن دريد”:ـ
وَاخْتَرَمَ “الْوَضَّاحَ” مِنْ دُونِ التِي ….. أَمَّلَهَا سَيْفُ الْحِمَامِ الْمُنْتَضَى
وبدون شرح أو تفسير أو سبر أغوار تراث العرب من الصعوبة بمكان تفهم المقصود من البيت من الشعر (أي بيت) لو قُرِأَ مجرد قراءة عابرة على استقلال. وهذا البيت من الأمثلة على ذلك.وكما تروِي لنا كتب التراث:ـ الوضاح هو “جُذيمة الأبرش”، وكان ملكاً على بلاد ما وراء النهرين (العراق)، وكان أبو “الزباء” ملكاً على نواحي من جزيرة العرب. وكان “جُذيمة” قد وَتَرَ “الزباء” بقتل أبيها. أضمرت “الزباء” أخذ الثأر في نفسها. وكانت ذات أدب وجمال، وخطبت “الزباءُ” “جُذيمةَ” لنفسها مغرية إياه باتصال ملكه بملكها. تردد “جُذيمة” في الجواب، واستشار من حوله فيما يفعل، فأجابوا بالموافقة إلاَّ “قصير بن سعد اللَّخمي” الذي كان له رأي مخالف. وكان “قصير” عاقلاً حكيماً وذا رأي سديد. فقال للملك:ـ لا تفعل، فإن الخِطبة خديعةٌ ومكر. وقال عن موافقة مستشاريه:ـ رأيٌ فاترٌ وغدرٌ حاضرٌ”. ولما لم يؤخذ برأيه قال:ـ “لا يطاع لقصيرٍ أمر”. وبرغم أن الملك “جُذيمة” لم يستمع لنصيحة “قصير” إلا أن “قصير” ظـل الناصح الأمين لسيده. وسار الملك إلى ديار “الزباء” في موكب فخم. استقبلته رُسُلُ “الزباء” فقال “لقصير” ما رأيك؟ قال: “خطبٌ يسيرٌ في خطبٍ كبير”. ولما رأى “قصير” ما رأى، قال “لِجُذيمة”:ـ أَيُّهَا الملك أَمَّا إذ عصيتني، فإذا رأيت جندها قد أقبلوا إليك، فإن أقبلوا وحيُّوك ثم ركبوا وتقدموا، فقد كذب ظني، وإن رأيتهم إذا حيوك طافوا بك، فإني مُعَرِّضٌ لك “العصا” [وهي فرس كانت “لِجُذيمة” لا تُسْبَقُ [ فاركبْها وانج. فلما أقبل جيشها طافوا به، فقرَّب إليه “قصير” “العصا”، فَشُغِلَ الملك عنها، فركبها “قصير” فنجا، فنظر “جُذيمةُ” “قصيرَ” على “العصا” قد حال دونه السراب، فقال:ـ “ما ضَلَّ من جرت به العصا”. وسار “جُذيمة” وقد أحاطت به الخيل حتى دخل على “الزباء”، فلما رأته قالت:ـ أَشَوَارُ (أي زينة) عروس تَرَى؟ فقال:ـ أم غدرٌ أرى. ثم دعت بالسف والنطع، وقالت:ـ إن دماء الملوك شِفاءٌ من الكلب. فأمرت بطشت من ذهب قد أعدته له وسقته الخمر حتى سكر، ولما أخذت منه الخمر مأخذها، أمرت بِرَاهِشَيْهِ [عرقان في باطن الذراعين] فقطِعا، وقدَّمت إليه الطشت، وكان قد قيل لها احتفظي بدمه، فإن أصاب الأرض قطرة من دمه طُلِبَ بدمه، فلما ضغطت يداه سقطتا، فَقَطَر من دمه شئ خارج الطشت. فقالت:ـ لا تضيعوا دم الملك. فقال جُذيمة:ـ دعوا دماً ضيعه أهله. وهلك “جُذيمة”. وعن “يزيد” يقول “ابن دريد”:ـ
فَقَدْ سَمَا قَبْلِي يَزيدُ طَالِباً ….. شَأْو الْعُلاَ فَمَا وَهَـى وَلاَ وَنَىفَاعْتَرَضَتْ دُونَ الذِي رَامَ وَقَدْ….. جَـدَّ بِـهِ الْجِدُّ اللَّهِيمُ الأَرَبىَ
و”يزيد” هذا هو “يزيد بن المهلب بن أبي صفرة”، سجنه الخليفة “عمر بن عبدالعزيز” لعدم رده مالاً في عهدته. هرب “يزيد” من سجن “عمر”، وحاول تأسيس “أمارة” له إلاَّ أن الخليفة “عمر” قد اتخذ ما يلزم لمواجهته بعد أن عظم أمره واشتدت شوكته في “البصرة” وما حولها. وكان أول عمل قام به الخليفة “يزيد بن عبدالملك” بعد وفاة الخليفة “عمر” مواصلة مقاومة ثورة “يزيد بن المهلب” حتى تمكن من التغلب عليه، وقد قُتِلَ في معركة حاسمة.


المقالة | من أوراقي المبعثرة : وتكفي قصيدة واحدة 1-5
الناشر: جريدة اليوم – العدد:10086
الناشر: جريدة اليوم – العدد:10093

تاريخ النشر: 01/02/2001م

* رئيس دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستششارات القانونية

من أوراقي المبعثرة : وتكفي قصيدة واحدة 1-5

الرائعة الشعرية عنوان العبقرية الشعرية،
والعبقرية الشعرية سمة قد تتوفر لأمة دون أخرى وذلك على الرغم من أن لكل أمة مهما كان حظها من الذكاء الفطري شعر تتميز به، وبه تتحدد هويتها وذاتها.والشعر من أدوات الاستمتاع الذهني وإشباع اللذة الفكرية، شأنه شأن المادة التي لا غنى عنها لبقاء الحياة لدى الكائن الحي بصرف النظر عن كنهه ونوعه وجنسه.تشدني المقولات السابقة إلى حقيقة أنني من المتذوقين للرائعة الشعرية حينما تجري بلفظها وجمالها ومعانيها وإيقاعها الموسيقي في مجالها عديم النهاية دون أن يعتريها زيادة أو نقص. وهي في جريانها تمنح من شعاعها على مدار الزمن أنماطا من الدفء الفكري من أجل الاستمتاع الذهني والاشباع الفكري.ونماذج الرائعة الشعرية في شعرنا العربي في مختلف عصوره تستعصي على الحصر. وسبق أن عرضتُ لبعض من هذه النماذج، (1) وهي نماذج من نتاج عصور مختلفة. ومن هذه النماذج قصيدة يُقْرَأُ البيت التالي منها:ـ
يَـا ظَبْيَةً أَشْبَهَ شَيْء بِالْمَهَـا ….. تَرْعَى الْخُزَامَى بَيْنَ أَشْجَارِ النَّقَا
هذا البيت حسب القدر المتيقن من الأقوال هو مطلع القصيدة. ومحبر هذه القصيدة ربما لم يكن ليتوقع أن يكون لقصيدته، عند تحبيرها وقبل نشرها، شأن كبير في عالم التجربة الشعرية. وبالرغم من هذا كان لهذه القصيدة شأن كبير بصرف النظر عما إذا كانت سابقة في فنها أو مسبوقة.والقصيدة من فن الشعر المقصور. ولم يتطرق كثيرٌ من الشعراء لهذا الفن كسائر فنون الشعر الأخرى. ولكن تقديمها لمتذوقي الشعر العربي في عهد محبرها كان بمثابة المنهج الجديد لمن يرغب أن ينسج على منوالها متجاوباً أو معارضاً.. ولذلك ما أن عُرِفَت هذه القصيدة حتى كانت، وبالفعل، علماً بارزاً في لغة الضاد. وقال عنها بعض الدارسين أنها:ـ هي إحدى القصائد المشهورة بين الشعراء والعلماء والأدباء والمثقفين، وما من أديب في القديم والحديث إلا مَرَّ بها واطلع عليها، ورأى بعض القدامى ضرورة استظهارها حتى تكتمل للأديب ثقافته الأدبية … واتفق علماء الأدب في القديم على الإعجاب بها واللهج بها، وسبب ذلك أن القصيدة متينةٌ في بنائها، قوية في نسجها، رائعة في أسلوبها، جميلة في معانيها، حافلة بألوان الثقافة والمعرفة والتجارب الشعورية، والمشاعر الإنسانية ، وحكم العرب وآدابها. (2)ومطلع القصيدة يعبر عن لوحة فنية متكاملة كما تعرفُها مقاييس الفن التشكيلي في عالمنا المعاصر! فما بالك بالعالم الذي ولدت فيه القصيدة.واحة خضراء ذات أشجار مختلفة الثمار، تتخللها كثبان رملية نقية متعددة الألوان، تعلوها سماء زرقاء من تحتها سحب خفيفة تتمايل الشمس من بينها ذات اليمين وذات الشمال. وفي وسط هذه الواحة المعشوشبة ظبية ترعى. هكذا تتداعى هذه التصورات في ذهن فنان عالمنا المعاصر لو حاول رسم معالم هذه الواحة وخطوطها العريضة في لوحته. وفي وسط هذه اللوحة، أو في أحد زواياها حسبما يترآى لهذا الفنان، تقف “ظبيته” ترعى الخزامى بين أشجار النقا. وبالرغم من تكامل هذه اللوحة يجد هذا الفنان أنه غير قادر على جعل “الظبية” في لوحته في حالة “حركة.” أي بمعنى آخر أن هذا الفنان مهما تمكَّن من فنه فإنه غير قادر على إبراز عملية الرعي في حالة “حركة” في لوحته حينما يقف المشاهد أمام اللوحة متأملاً ومستمتعاً وربما ناقداً .واللغة أقدر من عمل الفنان في مثل هذه الأحوال على تصور الحالة. الفنان يرسم اللوحة بكل أبعادها ولكنها تظل في حالة سكون. أما اللغة فترسم الحالة في حالة “حركة” في ذهن القارئ وكأنه يشاهدها ببصره أو يتصورها بحسه حسب الأحوال.وهكذا تكون الرائعة الشعرية باعتبارها نتاج العبقرية الشعرية ظاهرة للعيان ولو في بيت واحد.وبالنظر لما حظيت به هذه القصيدة من ترحيب لدى متذوقي الشعر على مر الجديدين ظلَّت ملء السمع والبصر في الأدب العربي، ونسج الكثير من الشعراء على منوالها.وهكذا تكفي “قصيدة واحدة” لشاعر ليعدُّ من فحول الشعراء لدرجة أن هذه القصيدة لتميُّزها قد سُمِّيَتْ في الأدب العربي بإسم قائلها. سميت أحياناً “بمقصورة ابن دريد” ، وأحياناً أخرى “بالدُّريدية” تخليداً لذكراه. وظل “ابن دريد” يخاطب “ظبيته” بعد أن رسم صورتها في ذهنه واصفاً أحواله التي أخذت في التردي مع مرور الزمن وتقدم السن. وهو في هذا الوصف قد أتى بالعجب العجاب. قدرة فائقة في التصوير عن طريق تذليل لغة طيعة أصيلة أسعفته مفرداتها العميقة المليئة وعباراتها السهلة الممتنعة للتعبير عن حاله.يقول “ابن دريد” متحدثاً عن حاله بعد أن تقدم به السن في لوحات معبرة:ـإِمَّا تَرَيْ رَأْسِيَ حَاكَي لَوْنُهُ ….. طُرَّةَ صُبْحٍ تَحْتَ أَذْيَالِ الدُّجَىوَاشْتَعَلَ الْمُبْيَضُّ فِي مُسْوَدِّهِ ….. مِثْلَ اشْتِعَالِ النَّارِ فِي جَـزْلِ الْغَضَافَكَانَ كَاللَّيْلِ الْبَهِيمِ حَلَّ فِي ….. أَرْجَائِهِ ضَوْءُ صَبَاحٍ فَانْجَلَىوَغَاضَ مَاءَ شِرَّتِي دَهْرٌ رَمَى ….. أَرْجَائِهِ ضَوْءُ صَبَاحٍ فَانْجَلَىوآضَ رَوْضُ اللَّهْوِ يَبْساً ذَاوياً ….. مِنْ بَعْدِ ما قَدْ كانَ مَجَّاجَ الثَّرىوضَرَّم النَّأْيُ الْمُشِتٌّ جَذْوَةً ….. مَا تَأْتلِي تَسْفَعُ أثْناءَ الْحَشَاواتَّخَـذَ التَّسْهيدُ عَيْنِي مَأْلَفَـاً …… لَمَّا جَفَا أَجْفانَهَـا طَيْفُ الْكَـَرى
ومن ثم أخذ يصور تعاسته أكثر فأكثر حيث قال:ـ
لَوْ لاَبَسَ الصَّخْرَ الأَصَمّ بَعْضُ مَـا ….. يَلْقَاهُ قَلْبي فَضَّ أصْلاَدَ الصَّفَاإذَا ذَوَىَ الغُصْنُ الرَّطِيبُ فَاْعَلَمَنْ ….. أَنّ قُصَاراهُ نَفَادٌ وَتَوَىإِنْ يَحْمِ عَنْ عَيْني الْبُكَا تَجُلُّدِي ….. فَالقَلْبُ مَوْقُوفٌ عَلَى سُبْلِ الْبُكَالَوْ كَانَتِ الأَحْلامُ نَاجَتْني بِمَا ….. أَلْقَاهُ يَقْظَانَ لأَصْمَانِي الرَّدى منْزِلَةٌ مَـا خِلْتُهـا يَرْضَى بِهَــا ….. لِنَفْسِـهِ ذُو أَرَبٍ وَلاَ حِجَـــاشَيْمُ سَحَابٍ خُلَّبٍ بَارِقُهُ ….. وَمَوْقِفٌ بَيْنَ ارْتِجاءٍ ومُنىفِي كُلّ يَوْمٍ مَنْزِلٌ مُسْتَوْبِلٌ ….. يَشْتَفُّ مَاءَ مُهْجَتي أَو مُجْتَوَىمَا خِلْتُ أَنَّ الدَّهْرَ يَثْنِيني عَلَى ….. ضَرَّاءَ لاَ يَرْضَى بِهَا ضَبُّ الكُدَىأُرَمِّقُ الْعَيْشَ عَلَى بَرْضٍ فَإِنْ ….. رُمْتُ ارْتِشَافاً رُمْتُ صَعْبَ الْمُنْتَسىأَرَاجِعٌ ِلي الدَّهْرُ حَوْلاً كَامِلاً ….. إِلَى الَّذِي عَوَّدَ أمْ لاَ يُرتَجَىيَا دَهْرُ إِنْ لَمْ تَكُ عُتْبَى فَاتَّئدْ ….. فَإِنَّ إِرْوَادَكَ وَالْعُتْبى سَوَارَفّهْ عَلَيّ طَالَما أَنْصَبْتَنِي …… وَاسْتَبْقِ بَعْضَ مَاءِ غُصْنٍ مُلْتَحَىلاَ تَحْسِبَنْ يا دَهْرُ أَنّي ضَارِعٌ ….. لِنَكْبةٍ تَعْرِقُني عِرْقَ الْـمُدَىرَضِيتُ قَسْراً وعَلى الْقَسْرِ رضِىً ….. مَـنْ كانَ ذَا سُخْطِ عَلَى صَرْفِ الْقَضَاإِنَّ الْجَديدِيْن إِذَا مَا اسْتَوْلَيَا …… عَلَى جَديدٍ أَدْنَيَاهُ لِلْبِلَىمَا كُنْتُ أَدْرِي والزَّمَانُ مُولَّعٌ …… بِشَتٍ مَلْمُومٍ وَتَنْكِيثِ قُوَىأَنَّ الْقَضَــاءَ قَاذِفِي فِي هُــوَّةٍ ….. لاَ تَسْتبِلُّ نَفْسُ مَـنْ فِيها هَــوَى
(1) راجع جريدة “اليوم” الأعداد رقم 7266 وتاريخ 16/11/1413هـ ورقم 7273 وتاريخ 23/11/1413هـ ورقم 7280 وتاريخ 30/11/1413هـ ورقم 7287 واريخ 7/12/1413هـ ورقم 7294 وتاريخ 14/12/141هـ.(2) وراجع الفوائد المحصورة في فوائد المقصورة، تخقيق أحمد عبدالغفور عطار، ص 25 وما بعدها، ط/1، 1400هـ.


تاريخ النشر: 25/01/2001م

* رئيس دارة الدكتور آل ملحم