من أوراقي المبعثرة :الثابت والمتغير في الشعر (4) 

وفي العهد الاسلامي، كما كان الوضع في العهد الجاهلي، كان للتجربة الشعرية باعتبارها أداة استراتيجة عملاقة الدور الحيوي في حياة الأمة العربية وقتي السلم والحرب.ويكفي للتدليل على فعالية هذه الاستراتيجية ما ورد بصحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “استاذن حسان النبي صلى الله عليه وسلم في هجاء المشركين، قال كيف بنسبي فقال حسان “لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين”. وما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:- كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – أو ينافح- ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح – أو ما فاخر” عن رسول الله لى الله عليه وسلم. وكذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أصدق كلمة قالها شاعر “كلمة لبيد “ألا كل شيء ما خلا الله باطل”. وفي رواية قال “أشعر كلمة تكلمت بها العرب” كلمة لبيد “الا كل شيء ما خلا الله باطل”.وباستقراء التجربة الشعرية شكلا وموضوعا نجد أن مصادرها قد انحصرت عبر عصورها الأدبية بما فيها عصرنا في (1) وقائع الزمان بما تشتمل عليه من أفراح وأحزان و(2) تجارب الشعراء الشخصية و(3) أصول العقيدة الإسلامية و(|4) روافد التراث العربي و(5) تأثيرات البيئة و(6) الإنفتاح على ثقافات الأمم الحية عبر العصور.وقواعد الثابت في التجربة الشعرية هي القافية والمعنى واللفظ. وقواعد المتغير في التجربة نفسها هي التجديد والتكيف. وما بين هذه القواعد وتلك توجد أجواء لا يمكن أن تعيش التجربة الشعرية بدونها، ومن أهمها الموسيقى والخيال والدفء والمبالغة والإيحاءات والبلاغة والإثارة.والوزن، باعتباره أحد قواعد الثابت، عبارة عن كلمات ذات حركات وسكنات متتابعة على وضع معروف يمكن بواسطتها تحديد كل بحر من بحور الشعر المعتبرة. وينتظم الوزن علم مستقل بذاته هو علم العروض. وواضع هذا العلم الخليل بن أحمد الفراهيدي. وعرف محبروا الشعر العربي أصول هذا العلم عن طريق الممارسة الشعرية وذلك قبل أن يكتشف الفراهيدي هذه الأصول عن طريق الإستقراء وذلك بالنظر لما فطر عليه العرب من قوة السليقة والبديهة والموهبة والإستعداد الفطري وصفاء القريحة وملاءمة البيئة العربية للخيال وقدرة اللغة العربية على العطاء الفني باعتبارها لغة شاعرة. يقول ابن رشيق “والمطبوع مستغن بطبعه عن معرفة الأوزان وأسمائها وعللها لنبو ذوقة عن المواحف والمستكره”.(1) والقافية قاعدة أخرى من قواعد الثابت وهي عبارة عن دوي واحد ذي جرس متكرر في نهايات كل بيت. وسميت القافية بهذا الإسم لأنها، كما يقول ابن رشيق، تقفو إثر كل بيت.(2) وأجمع محبروا ونقاد ومتذوقوا الشعر العربي على تعريف الشعر بأنه هو “الكلام الموزون المقفى”. ويقول عبدالله الطيب إن هذا التعريف ارتضاه الذوق العربي. ويرد على من قد يقول بأنه تعريف تحكمي بأنه ليس كذلك “ولكنه مذهب وأسلوب تفرد به ذوق العرب، وقد استوحوه من بيئتهم وسجية لغتهم ذلك أنهم كانوا أول أمرهم قوما بدوا لا يحسنون من الصناعات كبير شيء، وكانت لغتهم في صناعاتهم فأقبلوا عليها كل الإقبال، وافتتنوا في صوغها أشد الإفتننان، وجعلوا شعرها ذروة تجتمع عندها غايات ما يستطيعون من المملكة والإتقان والأبداع”.(3) واللفظ والمعنى عليهما المدار في تقويم صحة أو فساد التجربة الشعرية. وبمقدار ما يكون اللفظ جزلا سهلا جميلا والمعنى لطيفا صحيحا يكون بناء القصيدة مستقيما متقنا محكما. وبمقدار ما يحصل من اختلال بين اللفظ والمعنى كما لو كان اللفظ مستهجنا مبتذلا والمعنى قويا رائعا أو العكس يكون بناء القصيدة مفككا ركيكا مضطرب التكوين ومفرغا من الروح وذلك حتى — وهنا بيت القصيد — لو قام هذا البناء على قواعد الثابت الأخرى وهي الوزن والقافية. وللبعض، مع هذا آراء متباينة في خصوص اللفظ والمعنى حيث يوجد من آثر اللفظ على المعنى أو العكس.(4) والقدر المتيقن في مجال التجربة الشعرية هو أن للفظ الجميل الرصين المتين والمعنى القوي الصحيح الهادف الأثر الحاسم في تماسك بنية القصيدة، وفي إبراز وحدتها المعنوية، وفي جعلها، في كل الأحوال وحسب الغرض الذي وضعت له، قادرة على إثارة المشاعر وتحريك الطباع وهز النفوس وتبليغ الرسالة.قواعد الثابت في التجربة الشعرية معالم بارزة في بنية القصيدة العربية. وكان ولا يزال للمناج الشعرية المحبرة وفقا لتلك القواعد الأصداء الخالدة في وجدان وروح الإنسان العربي عبر العصور. وهذه النماذج قد أثبتت قدرة التجربة الشعرية على استيعاب كل طموحات أي شاعر عربي مطبوع مهما كانت قدراته الشعرية كالمتنبي وشوقي. ولقد كان من شأن الإلتزام بقواعد الثابت إعتبار التجربة الشعرية ذات خصوصيات معينة دفعت ابن خلدون ليقول عنها في مقدمته “وأعلم أن من الشعر من بين الكلام كان شريفا عند العرب ولذلك جعلوه ديوان علومهم وحكمهم وكانت ملكته مستحكمة فيهم شأن الملكات الأخرى” وأنه أي الشعر في لسان العرب “غريب النزعة عزيز المنحى”(5) والثابت في التجربة الشعرية العربية هو علم قائم بذاته وقادر على الصمود ضد: تيارات الأعاصير الوقتية، ورياح المذاهب والتخيلات التي تظهر على السطح ثم تختفي، وتأثيرات توالي الملوين وذلك منذ أن وضع الخليل بن أحمد قواعد هذا العلم الذي بسببه اكتسبت التجربة الشعرية العربية أصالتها. وهي أصالة يجب الحرص على توضيح معالمها وآفاقها في إطار من الموضوعية التامة.والثابت في التجربة العرية العربية هو شريان حياة هذا الشعر على مر العصور وتوالي الملوين. بل وبسبب هذا الثابت الذي كان قادرا على التكيف مع كل المستجدات على المستويات الشخصية والموضوعية والتاريخية تمكن الشعر العربي أن يصمد في شموخ وتألق. وأكثر من ذلك كان الثابت قادرا كذلك على استيعاب كل أغراض الشعر. وهي أغراض تلاءمت مع أفاق القدرات الشاعرية للشاعر العربي المطبوع. وبل وكانت كافية لتحقيق آماله وطموحاته.والمتغير في التجربة الشعرية العربية بما يحتويه من مقومات هو المعيار الذي بمقتضاه يمكن التفريق بين شاعر فحل آخر . ولكن هناك في مجال العمل الشعري الذي طرقاه فوارق بينهما لا تحصى. وتندرج هذه الفوارق في “المتغير” الذي صال وجال فيه كلاهما ولكن على مستويات ذات فروق متفاوتة. وهو متغير لعب فارق العصر وتقلباته أثره الواضح فيه. وهنا بيت القصيد حينما نتحدث عن دور المتغير في العملية أو التجربة الشعرية. وهو دور تلعب فيه كذلك قدرات الشاعر وأصالة خواطره وأحاسيسه في مجال استخدام اللغة، ومدى إنفتاحه على ثقافات الأمم الأخرى دون أن يغرق فيها أو تستوعبه، وكذلك فيما يحس به من ألم ولذة في مجال الخاطرة الشعرية التي كرس وقته وجهده وقت تحبيرها من أجل إبرازها في وضع خارجي متألق يسمح لمحبي الإبجاع الشعري تذوقها، ناهيك عن رواته ونقاده.ان المتغير في التجربة الشعرية العربية شأن عظيم من الصعب الإحاطة به أو تقصي شموليته. وهذا هو موطن الاعجاز في إبداعه.المتغير في التجربة الشعرية العربية عالم لاحدود له. وهو عالم ثر ومعطاء.وفي مجال الثابت والتغير في التجربة الشعرية العربية يقول الشاعر محمد بن عبدالله بن حمد آلملحم:
انما الشعر لو علمتم شعور ….. جاء فينا فصنفوه صنوفانظموه عقود در فحلوا ….. للعذارى نحورها والكفوفاوجلوه للناس روضا أريضا …… منه يجنون ما أرادوا قطوفاهو خير مما تقولون عنه …… مرة “مرسلا” و”حرا” شريفافلماذا ضرب من النثر يدعى ….. بقريض ان سطروه صفوفاهو نوع من الكلام هجين ….. وحروف قد ألفت تأليفاليس شعرا وليس نثرا ولكن …… ظل في هامش الكلام حروفا
——-هوامش :——-(1) ابن رشيق: العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، الجزء الأول/ ص/134، ط/4، تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد، دار الجيل للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان/1972م.(2) المرجع السابق، ص/154.(3) عبدالله الطيب، المرشد الى فهم أشعار العرب وصناعتها، الجزء الثالث، ص/808، ط/1، بيروت، لبنان، بواسطة الدار السودانية بالخرطوم.(4) راجع الهامش رقم (1) سابقا، ص/124-128هـ.(5) مقدمة ابن خلدون، الفصل السادس والاربعين، ص/569-570، مطبعة مصطفى محمد حامد، المكتبة التجارية بشارع محمد علي بمصر.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:7004

تاريخ النشر: 18/08/1992م

 من أوراقي المبعثرة :الثابت والمتغير في الشعر (3)

ولأن الشعر العربي الموزون فهو الشعر الذي ما زال ولا يزال حيا في ضميرهم ووجدانهم ومشاعرهم، وله تأثيره ورنينه في أسماعهم وقلوبهم. وعلى سبيل المثال، لولا شعر ابن مقرب لظلت صفحة مشرقة من تاريخ الأحساء بصفة خاصة وتاريخ الجزء الشرقي من بلاد العرب بصفة عامة ي ذمة الاريخ. ويقول الأستاذ الأديب عمران محمد العمران في دراسة قيمة له عن الشاعر ابن مقرب: لديوان ابن مقرب أهمية أخرى لا تقل عن أهميته الشعرية. فالقارئ لهذا الديوان يخرج منه بفكرة شاملة للحياة السياسية بالبحرين في زمنه، كما أنه يمكن للباحث في شعر هذا الشاعر أن يتلمس من خلاله بعض صور الحياة العامة المعاصرة له. إن شعر ابن مقرب يكاد يكون وحده – بالنسبة لتاريخ الدولة العيونية خاصة وتاريخ الجزء الشرقي من بلاد العرب عامة – هو أحد المصادر المباشرة التي تمدنا بوصف كامل للصراع على السلطة والحكم في تلك الحقبة من الزمن مما نجزم معه أ،ه لولا شعر ابن مقرب لضاع ذلك التاريخ أو معظمه.(1)وفي نفس المعنى يقول الدكتور علي بن عبدالعزيز الخضيري عن ابن مقرب ما يلي: إن الحركة الأدبية في نجد وشرق الجزيرة العربية كادت أن تكون نسيا منسيا طوال الف عام على وجه الريب لولا ظهور شاعر ينتمي الى الأسرة العيونية، وهو علي بن المقرب العيوني (572هـ – 630هـ) الذي كان له الفضل ي تدوين تاريخها، وتسجيل أحداثها في شعره الغزير الذي يعد مرجعا هاما في التاريخ السياسي لهذه البلاد ، وبعطي صورة واضحة مميزة عن الشعر العربي في قلب الجزيرة العربية آنذاك.(2) والأدباء الرواد العرب في عصورنا الحديثة عاشوا على موائد زهير بن أبي سلمى، والنابغة الذبياني، وحسان بن ثابت، والبحتري، والمتنبي، وبشار بن برد، وأبونواس، وابن الرومي، وأبو تمام، والفرزدق، وشوقي، ومعروف الرصافي، وحافظ ابراهيم، وعمر أبوريشة، وغيرهم.وكلنا لانردد في مجالسنا ومحافلنا وأنديتنا الا أشعار هؤلاء العمالقة، ومن سار على نهجهم من الشعراء المعاصرين. الثابت في الشعر العربي هو ثابت منذ عهد الخليل وقبله. والمتغير في الشعر العربي له شواهد تدل على أصالة هذا الشعر وحيويته وشفاية جرسه ورقة موسيقاه وعمق تأثيره، ومن هذه الشواهد كل ما طرأ على هذا الشعر من تحولات في مذاهبه وفنونه عبر العصور التي مرت عليه والتي تزيد على ستة عشر قرنا.والثابت والمتغير في التجربة الشعرية معروف بداهة لدى المشاركين في مسيرة التجربة وهم محبروا الشعر ونقاده ومتذوقوه وذلك منذ أن تبلورت معالم هذا الشعر في العصور الأخيرة من العهد الجاهلي، بل وحتى قبل أن تعرف ثوابت هذا الشعر على نحو منهجي ذي أصول وقواعد معلومة.(3) وكان من نماذج هذا الشعر المعبرة عن معالم تطوره في العهد الجاهلي مثلا قول لبيد بن ربيعة:-
ألا كل شيء ما خلا الله باطلا ….. وكل نعيم لا محالة زائلوكل أناس سوف تدخل تدخل بينهم ….. دويهية تصفر منها الأناملوكل امريء يوما سيعلم غيبه ….. إذا حصلت عند الإله الحصائل
وقول صلاءة بن عمر (الأفوه الأودي):-
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ….. ولا سراة إذا جهلهم سادواتهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحت ….. فإن تولت فبالأشرار تنقادواإذا تولى سراة الناس أمرهم …… نما على ذلك أمر الناس فازدادوا
وقول زهير بن أبي سلم:-
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ….. تمته ومن تخطيء يعمر فيهرمومن لم يصانع في أمور كثيرة ….. يضرس بأنياب ويوطأ بمنسمومن يجعل المعروف من دون عرضه ….. يفره، ومن لا يتق الشتم يشتمومن يك ذا فضل فيبخل بفضله …… على قومه يستغن عنه ويذممومن هاب أسباب المنايا ينلنه ….. ولو نال أسباب السماء بسلمومن يجعل المعروف في غير أهله ….. يعد حمده ذما عليه ويندمومهما تكن عند أمريء من خليقة ….. وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وقول طرفة بن العبد البكري:-
فما لي أراني وابن عمي مالكا ….. متى أدن منه ينأ عني ويبعدوظلم ذوي القربى أشد مضاضة ….. على النفس من وقع الحسام المهندستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ….. ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وقول المثقب العبدي:-
فأما أن تكون أخي بصدق ….. فأعرف منك غثي من سمينيوالإ فاطرحني واتخذني ….. عدوا أتقيك وتتقيني
وقول لبيد بن ربيعة يرثي أخاه :
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع …… وتبقى الديار بعدنا والمصانعفلا جزع إن فرق الدهر بيننا ….. فكل امرئ يوما به الدهر فاجعوما الناس الا كالديار وأهلها …… بها يوم خلوها وراحوا بلاقعوما المرأ إلا كالشهاب وضوئه …… يحور رمادا بعد إذ هو ساطعوما المال والأهلون إلا ودائع …… ولا بد يوما أن ترد الودائعوما الناس إلا عاملان فعامل …… يتبر ما يبني وآخر رافعفمنهم سعيد آخذ بنصيبه …… ومنهم شقي بالمعيشة قانعلعمرك ما تجري الضوارب بالحصى …… ولا زاجرات الطير ما الله صانع
وقول عمرو بن كلثوم:
أبا هند فلا تعجل علينا ….. وأنظرنا نخبرك اليقينابأنا نورد الرايات بيضا ….. ونصدرهن حمرا قد رويناورثنا المجد عن عليا معد ….. نطاعن دونه حتى يبيناكان سيوفنا منا ومنهم …… مخاريق بأيدي لاعبيناألا لا يجهلن أحد علينا …… فنجهل فوق جهل الجاهلينابأي مشيئة عمر بن هند …… تطيع بنا الوشاة وتزدريناوقد علم القبائل من معد …… إذا قبب بأبطحها بنينابأنا المطعمون إذا قدرنا …… وأنا المهلكون إذا ابتليناونشرب إن وردنا الماء صفوا …… ويشرب غيرنا كدرا وطينالنا الدنيا ومن أمسى عليها …… ونبطش حين نبطش قادريناملأنا البر حتى ضاق عنا …… وماء البحر نملأه سفيناإذا بلغ الرضيع لنا فطاما ….. تخر له الجبابر ساجدينا

هذه النماذج وغيرها كثير، ويقول عنا الدكتور/ طه حسين في “حديث الأربعاء” : نحن نحب لأدبنا القديم أن يظل قواما للثقافة وغذاء للعقول لأنه أساس الثقافة العربية فهو إذن مقوم لشخيتنا، محقق لقوميتنا، عاسم لنا من الفناء في الأجنبي، معين لنا على أن نفرف أنفسنا”.(4)
يتبــع
———هوامش:———(1) راجع عمران بن محمد العمران، ابن مقرب: حياته وشعره، ص/153، مطابع الرياض، 1388هـ الموافق 1968م.(2) راجع دكتور علي بن عبدالعزيز الخضيري، علي بن مقرب العيوني، حياته وشعره، رسالة دكتوراه، ص/4، ط/1، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان 1401هـ الموافق 1981هـ.(3) وضع الخيل بن أحمد الفراهيدي ثوابت الشعر على نحو منهجي ذي أصول وقواعد في القرن الثاني من الهجرة. راجع في هذا الخصوص السيد/احمد الهاشمي: ميزان الذهب في صناعة شعر العرب، ص/3، دار الكتب العالمية/بيروت، لبنان، 1399هـ الموافق 1979م.(4) الدكتور طه حسين، حديث الأربعاء، الجزء الأول، ص/13، دار المعارف بمصر، 17 يناير 1925م.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:6997

تاريخ النشر: 11/08/1992م

من أوراقي المبعثرة :الثابت والمتغير في الشعر (1)

 

أهداني الأستاذ الأديب الشاعر أحمد فرح عقيلان كتابه “جناية الشعر الحر” في عام 1403 هـ. وقرأت الكتاب في حينه وعنت لي أفكار بعد قراءته، وظلت هذه الأفكار حبيسة في ملف أوراقي.وكانت معركة “الشعر الحر” وقت نشر الكتاب على أشدها إن لم تكن في ذروة مجدها حتى خيل لها أنها اكتسحت الساحة الأدبية في العالم العربي وآذنت بإقامة حفل لتأبين الشعر العربي.تعرفت على الأستاذ أحمد فرح عقيلان في عام 1377 هـ الموافق عام 1957 م حيث كان آنذاك مدرسا للغة العربية وآدابها بمعهد الأنجال بالرياض، وكنت وقت تعرفي به طالبا بالتوجيهية بالمدرسة الثانوية الوحيدة بالرياض والكائن مقرها في بيت ابن جبر بحي شلقه. وكان يجمعنا سكن واحد، وهو فندق الإقتصاد الكائن آنذاك بالحلة بشرق أمانة مدينة الرياض. واستفدت من تعرفي على الأستاذ عقيلان حيث وجدته ذا باع طويل في علوم اللغة العربية وآدابها، وفي معرفة مداخل الشعر العربي ومخارجه.وكنت ألتقي بالأستاذ عقيلان في بعض المناسبات. وكنت أستفسر منه عن أحوال الشعر الذي كانت لي محاولات فيه آنذاك. وكنت أجد منه عندما أعرض عليه أية محاولة شعرية تشجيعا منقطع النظير. وعرضت عليه ذات مرة قصيدة طويلة من تحبيري بعنوان “يوم الجزائر” فاستحسنها بعد أن أدخل عليها بعض التعديلات. وألقيت هذه القصيدة في الحفل الذي أقامته مدينة الرياض في قاعة حديقة أمانة المدينة بتاريخ 14/8/1377 هـ. ومن أبيات هذه القصيدة:
أهلا بشعب لا تلين قناته ….. حتى الممات أو الحياة لعزتهيوم الجزائر في الجزيرة دعوة ….. للبذل فابذل يا جواد لنصرتهيوم الجزائر منحة ملكية ….. دوى “سعود” بها العظيم كعادتهيوم الجزائر يا “رياض” تقدمي …… عزي الجزائر بالنوال وكثرتهيوم الجزائر يا “حسا” تقدمي …… سري الجزائر بالعطاء ووفرتهوكذا “القصيم” و”للحجاز” مناقب ….. أما “عسير” فما السباق بفائتهأهلا بمعط لا يمن ولا يني ….. يعطي الكثير مجاريا لسجيته
وتصفحت أوراقي فوقع بصري على كتاب الأستاذ عقيلان، وعلى الملاحظات التي سجلتها عنه بعد الفراغ من قراءته.وفي ظل حرية الرأي مناط العقل السليم رغب الأستاذ أحمد عقيلان من خلال كتابه أن يعد مرافعة أدبية. وهذه المرافعة لصالح الشعر العربي الذي أجمع الثقاة على أنه ديوان العرب ومستودع خزائنهم وحكمتهم وتراثهم الأدبي.وتستحق مرافعة الأستاذ عقيلان القراءة. وهي مرافعة بليغة ساقت الأدلة المقنعة من جيد النثر والشعر. وشاب هذه المرافعة، مع ذلك، ظاهرتان: وهما تأجج العاطفة وأثر الإنفعال. وهما ظاهرتان من الوضوح بثنايا الكتاب بحيث لا تكاد تتوارى عن عين القارىء. ولم يخف المترافع تينك الظاهرتين.ومن سيفرغ من قراءة هذه المرافعة المثيرة للجدل سيتذكر المثل القائل “لعل لصاحبها عذرا وأنت تلوم”. وكان لهذه المرافعة خصوم وأنصار، وكان من شأنها إثراء الساحة الأدبية بالنقاش الجاد والحيوي.وفي المرافعة دفاع عن الشعر العربي قوي وموثق بالأمثلة والأدلة وهو دفاع يتسم بهوى جامح. كذلك في المرافعة نقد لاذع لما يسمى بـ “الشعر الحر”. وهو نقد تتخلل جوانبه أمثلة من إنتاج رموزه من أمثال أودينيس والماغوط ويوسف الخال ومحمد عفيفي مطر. واستخدم المترافع في دفاعه مصطلحات من طبيعة شرعية أو قانونية مثل الجناية. وتقع الجناية في تقسيم قانون الجرائم في المرتبة الأعلى. وعدد المترافع حوالي أربع عشرة جناية. وسأكتفي باستعراض جنايتين منها وهما: الجناية التاسعة والرابعة عشرة.وعن الجناية التاسعة قال المترافع: الشعر الحر لا يعلق بالذاكرة، ولا يمكن أن تستعيده إلا وكتابه بين يديك، بينما الشعر الأصيل يمكنك أن تحفظه، ثم تنشده في خلواتك. وتدندن به في تهويمك، وتتمثل به في مجالسك وإنشائك ورسائلك لأن القوافي هي التي تسهل الحفظ. ولأمر ما أنزل الله جل وعلا القرآن الكريم بفواصل مقفاة لكي يسهل حفظه، وتلاوته، ويتيسر به الذكر في الخلوة والحضور.ويدلل المترافع على صدق مقولته قائلا: قرأنا أن أبا نواس كان يحفظ من غير شعره أكثر من عشرة آلاف أرجوزة، واعترف هو (أي أبو نواس) أن ذلك الحفظ أحكم فيه الموهبة وصقلها. وهنا يتساءل المترافع: هل كان يستطيع أبو نواس أن يحفظ شيئا لو ابتلي كما ابتلينا بالشعر الحر؟ومن تجارب المترافع حيث كان مدرسا لآداب اللغة العربية ما مفاده أنه حاول أثناء عمله في تدريس الأدب الحديث فرض حفظ بعض النماذج من الشعر الحر على طلبته وعلى أن تكون من ضمن أسئلة الإمتحانات، فأفاد بأن الطلبة وجدوا في ذلك مشقة كبيرة مع أنهم حفظوا برغبة وشوق عشرات القصائد من الشعر الأصيل.ويواصل الأستاذ أحمد عقيلان توضيح ما يقصد من محاربة دعاة الشعر الحر للقافية قائلا: لقد اتهموا القوافي بأنها كلمات متكلفة يحضرها الشاعر من بعيد ليضعها في أواخر الأبيات فتظل قلقة توحي بالتكلف، وتنال من صفاء التجربة، ونسوا أن الشاعر الفاهم للغة يمكن أن يجد مائة لفظ أو أكثر تليق بالقافية في جزالة أصيلة طبيعية لا يبدو معها أي تكلف..وليدلل على فساد هذا الإتهام أورد المرافع في نهاية تناوله للجناية التاسعة نموذجين قدمهما بقوله: وإني مورد هنا مقطعين أحدهما من قصيدة للبحتري والآخر لعروة بن أذينة .. وأتحدى أن تستبدل أية لفظة من القافية بأجزل منها ولو قلبنا كل لسان العرب:يقول البحتري:
إن قومي هم الكرام قديما …… وحديثا أبوة وجدودايحسن الذكر عنهم والأحاديث ….. إذا حدث الحديد الحديدافي مقام تخر من ضنكه البيض ….. على البيض ركعا وسجودافإذا المحل جاء، جاؤوا سيولا ….. وإذا النقع ثار، ثاروا أسودا
ويوقل عروة بن أذينة الشاعر الفقيه:
إن التي زعمت فؤادك ملها ….. خلقت هواك كما خلقت هوى لهابيضاء باكرها النعيم فصاغها …… بلباقة فأدقها وأجلهاحجبت تحيتها فقلت لصاحبي: ….. ما كان أكثرها لنا وأقلهافدنا وقال: لعلها معذورة ….. من أجل عاذلها، فقلت: لعلها
وعلق الأستاذ عقيلان على هاتين المقطوعتين قائلا: ولعل القارىء قد لاحظ أن القافية ليست قيدا أبدا لدى الشاعر المبدع المطلع الذي يجمع الأصالة والإطلاع اللغوي، بل هي موسيقى حلوة لو حذفت لفقد الشعر الشيء الكثير.وعن الجناية الرابعة عشرة أفاد المترافع بأن الدعابات الأدبية وقصص الأدباء والمناسبات الطريفة والنكت البلاغية الممتعة قد عصف بها الشعر الحر حيث من رأي المترافع أنه لم ير في الشعر الحديث مناسبة يمكن أن ترسم على الثغور إبتسامة لطيفة، أو تبعث في القلوب تفكهة نشطة. وساق المترافع نماذج شعرية لحكايات وقصص ظريفة مثل قصة المليحة في الخمار الأسود، وقصة ابن سكرة الهاشمي مع حبيبته العرجاء وقصة عمر بن أبي ربيعة مع أخيه الحارث بن أبي ربيعة، وقصة تغزل شاعر من ثقيف اسمه محمد النميري في زينب أخت الحجاج بن يوسف وهي تؤدي مناسك الحج، وقصة الشاب الظريف مع صديقه. وسأورد القصتين الأخيرتين لظرافتهما:تغزل شاعر من ثقيف اسمه محمد النميري في زينب أخت الحجاج بن يوسف فقال يصفها وزميلاتها وهن يؤدين مناسك الحج:
تضوع مسكا بطن نعمان إذ بدت ….. به زينب في نسوة عطراتتهادين ما بين المحصب من منى ….. وأقبلن لا شعثا ولا غبراتيخبئن أطراف البنان من التقى ….. ويقتلن بالألحاظ مقتدراتولما رأت ركب النميري أعرضت …… وكم من أن يلقنه حذرات
ويروى أن الحجاج ألقى عليه القبض، وقال له: لقد شفع لك قولك “يخبئن أطراف البنان من التقى”، ثم سأله كم كان ركب النميري من إبل وخيل في الموسم، فقال والله ما كان إلا حمارا أتعاقب ركوبه أنا وولدي.
ورأى الشاب الظريف صديقا له يكتم الجوى، وقد أثر فيه الهجر والفراق فكتب له هذه الوصفة الطبية:
لا تخف ما فعلت بك الأشواق ….. واشرح هواك فكلنا عشاققد كان يخفى الحب لولا دمعك ….. الهامي ولولا قلبك الخفاقلا تجزعن فلست أول مغرم ….. لعبت به الوجنات والأحداقواصبر على هجر الحبيب فربما ….. عاد الوصال وللهوى أخلاقفعسى يعينك من شكوت له الهوى ….. في حمله فالعاشقون رفاق
ويعلق المترافع على هذه النماذج قائلا: إن هذه النماذج وأمثالها مما يملأ بطون أمهات الكتب الأدبية لا تساوي في مقاييس دعاة التجديد شيئا لأنها على حد قولهم ليست من صف الكلام؟ ويتساءل المترافع عن فائدة الأدب إذا لم يحمل مع أفكاره إمتاعا وإثارة وطرافة؟


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:6983

تاريخ النشر: 28/07/1992م

من أوراقي المبعثرة :الثابت والمتغير في الشعر (1)

أهداني الأستاذ الأديب الشاعر أحمد فرح عقيلان كتابه “جناية الشعر الحر” في عام 1403 هـ. وقرأت الكتاب في حينه وعنت لي أفكار بعد قراءته، وظلت هذه الأفكار حبيسة في ملف أوراقي.وكانت معركة “الشعر الحر” وقت نشر الكتاب على أشدها إن لم تكن في ذروة مجدها حتى خيل لها أنها اكتسحت الساحة الأدبية في العالم العربي وآذنت بإقامة حفل لتأبين الشعر العربي.تعرفت على الأستاذ أحمد فرح عقيلان في عام 1377 هـ الموافق عام 1957 م حيث كان آنذاك مدرسا للغة العربية وآدابها بمعهد الأنجال بالرياض، وكنت وقت تعرفي به طالبا بالتوجيهية بالمدرسة الثانوية الوحيدة بالرياض والكائن مقرها في بيت ابن جبر بحي شلقه. وكان يجمعنا سكن واحد، وهو فندق الإقتصاد الكائن آنذاك بالحلة بشرق أمانة مدينة الرياض. واستفدت من تعرفي على الأستاذ عقيلان حيث وجدته ذا باع طويل في علوم اللغة العربية وآدابها، وفي معرفة مداخل الشعر العربي ومخارجه.وكنت ألتقي بالأستاذ عقيلان في بعض المناسبات. وكنت أستفسر منه عن أحوال الشعر الذي كانت لي محاولات فيه آنذاك. وكنت أجد منه عندما أعرض عليه أية محاولة شعرية تشجيعا منقطع النظير. وعرضت عليه ذات مرة قصيدة طويلة من تحبيري بعنوان “يوم الجزائر” فاستحسنها بعد أن أدخل عليها بعض التعديلات. وألقيت هذه القصيدة في الحفل الذي أقامته مدينة الرياض في قاعة حديقة أمانة المدينة بتاريخ 14/8/1377 هـ. ومن أبيات هذه القصيدة:
أهلا بشعب لا تلين قناته ….. حتى الممات أو الحياة لعزتهيوم الجزائر في الجزيرة دعوة ….. للبذل فابذل يا جواد لنصرتهيوم الجزائر منحة ملكية ….. دوى “سعود” بها العظيم كعادتهيوم الجزائر يا “رياض” تقدمي …… عزي الجزائر بالنوال وكثرتهيوم الجزائر يا “حسا” تقدمي …… سري الجزائر بالعطاء ووفرتهوكذا “القصيم” و”للحجاز” مناقب ….. أما “عسير” فما السباق بفائتهأهلا بمعط لا يمن ولا يني ….. يعطي الكثير مجاريا لسجيته
وتصفحت أوراقي فوقع بصري على كتاب الأستاذ عقيلان، وعلى الملاحظات التي سجلتها عنه بعد الفراغ من قراءته.وفي ظل حرية الرأي مناط العقل السليم رغب الأستاذ أحمد عقيلان من خلال كتابه أن يعد مرافعة أدبية. وهذه المرافعة لصالح الشعر العربي الذي أجمع الثقاة على أنه ديوان العرب ومستودع خزائنهم وحكمتهم وتراثهم الأدبي.وتستحق مرافعة الأستاذ عقيلان القراءة. وهي مرافعة بليغة ساقت الأدلة المقنعة من جيد النثر والشعر. وشاب هذه المرافعة، مع ذلك، ظاهرتان: وهما تأجج العاطفة وأثر الإنفعال. وهما ظاهرتان من الوضوح بثنايا الكتاب بحيث لا تكاد تتوارى عن عين القارىء. ولم يخف المترافع تينك الظاهرتين.ومن سيفرغ من قراءة هذه المرافعة المثيرة للجدل سيتذكر المثل القائل “لعل لصاحبها عذرا وأنت تلوم”. وكان لهذه المرافعة خصوم وأنصار، وكان من شأنها إثراء الساحة الأدبية بالنقاش الجاد والحيوي.وفي المرافعة دفاع عن الشعر العربي قوي وموثق بالأمثلة والأدلة وهو دفاع يتسم بهوى جامح. كذلك في المرافعة نقد لاذع لما يسمى بـ “الشعر الحر”. وهو نقد تتخلل جوانبه أمثلة من إنتاج رموزه من أمثال أودينيس والماغوط ويوسف الخال ومحمد عفيفي مطر. واستخدم المترافع في دفاعه مصطلحات من طبيعة شرعية أو قانونية مثل الجناية. وتقع الجناية في تقسيم قانون الجرائم في المرتبة الأعلى. وعدد المترافع حوالي أربع عشرة جناية. وسأكتفي باستعراض جنايتين منها وهما: الجناية التاسعة والرابعة عشرة.وعن الجناية التاسعة قال المترافع: الشعر الحر لا يعلق بالذاكرة، ولا يمكن أن تستعيده إلا وكتابه بين يديك، بينما الشعر الأصيل يمكنك أن تحفظه، ثم تنشده في خلواتك. وتدندن به في تهويمك، وتتمثل به في مجالسك وإنشائك ورسائلك لأن القوافي هي التي تسهل الحفظ. ولأمر ما أنزل الله جل وعلا القرآن الكريم بفواصل مقفاة لكي يسهل حفظه، وتلاوته، ويتيسر به الذكر في الخلوة والحضور.ويدلل المترافع على صدق مقولته قائلا: قرأنا أن أبا نواس كان يحفظ من غير شعره أكثر من عشرة آلاف أرجوزة، واعترف هو (أي أبو نواس) أن ذلك الحفظ أحكم فيه الموهبة وصقلها. وهنا يتساءل المترافع: هل كان يستطيع أبو نواس أن يحفظ شيئا لو ابتلي كما ابتلينا بالشعر الحر؟ومن تجارب المترافع حيث كان مدرسا لآداب اللغة العربية ما مفاده أنه حاول أثناء عمله في تدريس الأدب الحديث فرض حفظ بعض النماذج من الشعر الحر على طلبته وعلى أن تكون من ضمن أسئلة الإمتحانات، فأفاد بأن الطلبة وجدوا في ذلك مشقة كبيرة مع أنهم حفظوا برغبة وشوق عشرات القصائد من الشعر الأصيل.ويواصل الأستاذ أحمد عقيلان توضيح ما يقصد من محاربة دعاة الشعر الحر للقافية قائلا: لقد اتهموا القوافي بأنها كلمات متكلفة يحضرها الشاعر من بعيد ليضعها في أواخر الأبيات فتظل قلقة توحي بالتكلف، وتنال من صفاء التجربة، ونسوا أن الشاعر الفاهم للغة يمكن أن يجد مائة لفظ أو أكثر تليق بالقافية في جزالة أصيلة طبيعية لا يبدو معها أي تكلف..وليدلل على فساد هذا الإتهام أورد المرافع في نهاية تناوله للجناية التاسعة نموذجين قدمهما بقوله: وإني مورد هنا مقطعين أحدهما من قصيدة للبحتري والآخر لعروة بن أذينة .. وأتحدى أن تستبدل أية لفظة من القافية بأجزل منها ولو قلبنا كل لسان العرب:يقول البحتري:
إن قومي هم الكرام قديما …… وحديثا أبوة وجدودايحسن الذكر عنهم والأحاديث ….. إذا حدث الحديد الحديدافي مقام تخر من ضنكه البيض ….. على البيض ركعا وسجودافإذا المحل جاء، جاؤوا سيولا ….. وإذا النقع ثار، ثاروا أسودا
ويوقل عروة بن أذينة الشاعر الفقيه:
إن التي زعمت فؤادك ملها ….. خلقت هواك كما خلقت هوى لهابيضاء باكرها النعيم فصاغها …… بلباقة فأدقها وأجلهاحجبت تحيتها فقلت لصاحبي: ….. ما كان أكثرها لنا وأقلهافدنا وقال: لعلها معذورة ….. من أجل عاذلها، فقلت: لعلها
وعلق الأستاذ عقيلان على هاتين المقطوعتين قائلا: ولعل القارىء قد لاحظ أن القافية ليست قيدا أبدا لدى الشاعر المبدع المطلع الذي يجمع الأصالة والإطلاع اللغوي، بل هي موسيقى حلوة لو حذفت لفقد الشعر الشيء الكثير.وعن الجناية الرابعة عشرة أفاد المترافع بأن الدعابات الأدبية وقصص الأدباء والمناسبات الطريفة والنكت البلاغية الممتعة قد عصف بها الشعر الحر حيث من رأي المترافع أنه لم ير في الشعر الحديث مناسبة يمكن أن ترسم على الثغور إبتسامة لطيفة، أو تبعث في القلوب تفكهة نشطة. وساق المترافع نماذج شعرية لحكايات وقصص ظريفة مثل قصة المليحة في الخمار الأسود، وقصة ابن سكرة الهاشمي مع حبيبته العرجاء وقصة عمر بن أبي ربيعة مع أخيه الحارث بن أبي ربيعة، وقصة تغزل شاعر من ثقيف اسمه محمد النميري في زينب أخت الحجاج بن يوسف وهي تؤدي مناسك الحج، وقصة الشاب الظريف مع صديقه. وسأورد القصتين الأخيرتين لظرافتهما:تغزل شاعر من ثقيف اسمه محمد النميري في زينب أخت الحجاج بن يوسف فقال يصفها وزميلاتها وهن يؤدين مناسك الحج:
تضوع مسكا بطن نعمان إذ بدت ….. به زينب في نسوة عطراتتهادين ما بين المحصب من منى ….. وأقبلن لا شعثا ولا غبراتيخبئن أطراف البنان من التقى ….. ويقتلن بالألحاظ مقتدراتولما رأت ركب النميري أعرضت …… وكم من أن يلقنه حذرات
ويروى أن الحجاج ألقى عليه القبض، وقال له: لقد شفع لك قولك “يخبئن أطراف البنان من التقى”، ثم سأله كم كان ركب النميري من إبل وخيل في الموسم، فقال والله ما كان إلا حمارا أتعاقب ركوبه أنا وولدي.
ورأى الشاب الظريف صديقا له يكتم الجوى، وقد أثر فيه الهجر والفراق فكتب له هذه الوصفة الطبية:
لا تخف ما فعلت بك الأشواق ….. واشرح هواك فكلنا عشاققد كان يخفى الحب لولا دمعك ….. الهامي ولولا قلبك الخفاقلا تجزعن فلست أول مغرم ….. لعبت به الوجنات والأحداقواصبر على هجر الحبيب فربما ….. عاد الوصال وللهوى أخلاقفعسى يعينك من شكوت له الهوى ….. في حمله فالعاشقون رفاق
ويعلق المترافع على هذه النماذج قائلا: إن هذه النماذج وأمثالها مما يملأ بطون أمهات الكتب الأدبية لا تساوي في مقاييس دعاة التجديد شيئا لأنها على حد قولهم ليست من صف الكلام؟ ويتساءل المترافع عن فائدة الأدب إذا لم يحمل مع أفكاره إمتاعا وإثارة وطرافة؟


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:6983

تاريخ النشر: 28/07/1992م

جواثا 2-2

وتغنى الشاعر محمد بن عبدالله بن حمد آلملحم بأمجاد مدينة “جواثا” في أكثر من قصيدة. وهي أمجاد ظلت على مر الزمن منسجمة مع ما تتمتع به “الأحساء” هذا البلد الغالي من مملكتنا الحبيبة من خيرات. والشاعر الملحم في تغنيه بهذه الأمجاد لم يخرج بعيدا عما سبق أن حكاه المؤرخون، وكتب عنه الجغرافيون، وتحدث به الأدباء، وتغنى به الشعراء، عن “جواثا” ومسجدها في بلد “الأحساء” على مر العصور.ففي قصيدة بعنوان “واحة الخير” للشاعر آلملحم (ويعني بها واحة الأحساء) قال عن “منتجع جواثا”:
يا واحة الخير عشت الدهر سالمة …. قد كنت للخير عبر الدهر عنواناإذا سار وفدك للهادي طواعية ….. يحث شوقا إلى الاسلام ركباناحتى إذا بلغوا رحاب طيبته ….. إستقبلتهم زرافات ووحداناورحب المصطفى بالوفد إذا قدموا ….. يا مرحبا بكم، بالخير قد جانافإنكم خير أهل الشرق كلهم ….. ومثل وفدكم في الناس ما كاناأسلمتموا بكتاب جاءكم وكفى ….. على قبولكم للحق برهانوبارك المصطفى في زادكم ودعا ….. وسر دعوة خير الخلق قد باناوفي “جواثاي” ثاني جمعة جمعت ….. بعد المدينة من واديك “أحسانا”فيا لها روضة تسري مناسمها ….. تعم كل الدنا روحا وريحاناطابت بأنفاس عبدالقيس ريحتها ….. من توجوها من الاسلام تيجاناوفي قصيدة أخرى بعنوان “قصة دخول أهل الأحساء في الاسلام” كرر الشاعر الملحم نفس المعنى عن “جواثا” ومسجدها حيث قال:
يا بلادي ومؤئل الفن أصلا ….. قد سلكت نهج الصلاح السديدإذ مضى وفدك المطهر طوعا ….. مسلما وجهه لرب العبيدفحباه خير البرية كثرا ….. من تحيا تفيض بالتمجيدوارتضيت الاسلام أفضل دين …… لك دينا تحمينه بصمودفكفاك هذا المقام فخارا …… شاهدا بالثنا ليوم الوعيدوكفاك من قبل ذلك ثاني …… جمعة فيك جمعت في الصعيدومغانيك تزدهي من قديم …… مثمرات ووافرات البنود
ويقول الشاعر الملحم عن الأحساء موطن “جواثا”:
الخير أغدق في أرجاء وادينا …… والنور يغمر شعشاعا نواديناحيوا “جواثا” وأمجادا بها عبقت …… فواحة تملأ الدنيا رياحينابلابل المجد تشدو في مرابعنا …… بكل لحن شجي الوقع تشجيناوموكب الخلد يسري في مسيرتنا …… يحثنا الأمل السامي ويحدوناحفت بنا ملحمات المجد عابقة …… والذكريات اللواتي ظللن تحييبعبقريات عبدالقيس خالدة …… ظلت على مسرح الأيام تعلينا
وعن قصة رحلة وفد بني عبدالقيس إلى مدينة رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة قال الشاعر آلملحم:
لله موكبهم يمضي بهم زمرا ….. نحو المدينة عبادا مصلمضوا لطيبة والايمان يملؤهم ….. أكرم بهم معشرا غرا ميامينايمضون نحو رسلو الله في فرح ….. يبغون من ربهم فضلا ويرجونافكان وفدهم خير الوفود كما …… جاءت به السنة الغراء تنبيناإذ بشر المصطفى الهادي بمقدمهم ….. فيا لها منة من فضل باريناوقال للوفد أهلا مرحبا بكم …… لستم خزايا فقروا العين هانيناولا ندامى، وهذا فضل خالقنا …… يؤتيه من شا فيا بشرى المحبيناوشرف الوفد تشريفا وكمله …… أن الوصول الذي قد كان ميموناقد صادف الجمعة الغراء برحلتهم …… فجمعوا حينما عادوا لنادينافكان في يثرب الأولى وفي هجر ….. صلى بها الجمعة الأخرى المصلوناهذا الذي تعرف الدنيا وتعلمه …… عنا وذلك يكفينا ويرضينا
وفي قصيدة بعنوان “أرض الحسا” قال الشاعر آلملحم عن جواثا”:
وكل المنى في جواثا التي ….. لها في الحنايا وفي المهجةرمكان فريد أقدره ….. وتعرف مقداره أمتي
وأول جمعة فوق الثر ….. بعيد المدينة أزكى الثرىتصلى بتربتها تلكم ….. فيغبطها ذا المقام الورى
وحسبك يا هجر ذاك الفخار ….. إذا افتخر الناس يوما، ودارحديث العلى وتعالى الحوار …… فما بعد تلك الثلاث الديار
لك من مثيل ولا من قرين ….. بشمألها كلها ويمينفتلك الديار لها قدسها …… بأفئدة المسلمين مكين
عنيت بها ربا طيبة ….. ومكة تلك بها قبلتيوقدس القداسة في روضها ….. لمسرى المشفع في الأمة
وفي ملحمة “الدر المكنون في شتى الفنون” لم ينس الشاعر آلملحم “جواثا” ومسجدها حيث فيهما قال:
وعمق في مجدها أنها ….. بها أول الجمعات يقينبعيد المدينة قد صليت ….. بنص الحديث الصحيح المتينومسجد حي “جواثا” ….. ومنبره الفذ في العالمينوفصل الخطاب به فاصل …… وقاض على الخصم في أي حينوحسبك إن رمت تبيانهم …… وأنهم أهل ذاك المعينبلاغة “قس ابن ساعدة” ….. وأوزان “طرفة” في الشاعرينومدح الرسول لوفدهم …… ملاك الفخار لهم أجمعين
واهتم الشيخ حمد الجاسر بـ “جواثا” أكثر من غيره، وتحدث عنها كثيرا بمعجمه، كما زار معالمها بنفسه. وعن زيارته لـ “جواثا” منذ أكثر من نصف قرن قال الشيخ الجاسر أن بها آثارا: منها فوهة العين، وأطلال المسجد، وأساسات بعض الجدران، وقد تراكمت الرمال هناك حتى أخفت معالم تلك البلدة. كما ذكر أن المسجد يقع في وسط مكان البلدة، ولم يبق منه سوى شرذمة من جداره القبلي، وخمس أساطين من رواقيه الثاني والثالث في الجهة الجنوبية، وقد أخفى الرمل الباقي من آثاره. وعن “عين” المسجد قال الشيخ الجاسر بأنها تقع في الجهة الشرقية من المسجد، وأن فوتها مملوءة بالماء، وقد شرب هو ومن معه منها ماء عذبا.(1) وفي عام 1385هـ (أي منذ حوالي سبعة وثلاثين عاما) دعاني مع ثلاثة من الأصدقاء الشاعر الأديب محمد بن عبدالله بن حمد آلملحم رحمه الله على حفل غداء في جواثا. وكانت جواثا في ذلك الزمان على وضعها كما وصفها الشيخ حمد الجاسر منذ أكثر من نصف قرن ما عدى “عين” المسجد التي اندثرت وأخفتها الرمال. وفي عام 1398هـ أو عام 1399هـ (على ما أتذكر) كنت في المجلس الخاص لصاحب الجلالة الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله بقصره بالدمام المطل على ضفاف الخليج العربي الغربية حيث ذكر لي جلالته ما مفاده بأنه وصله “علم” بأن بمسجد “جواثا” بالأحساء بعض المحظورات الشرعية. وعلى الفور قمت بزيارة المسجد مع بعض من الأصدقاء فلم أجد شيئا مما ذكر لجلالته. وتبين لي أن ما وصل إلى “علم” جلالته عن حال هذا المسجد إنما هو “نبا” فاسق.وفي أواخر شهر شوال من عام 1412هـ قمت بزيارة لـ “منتجع جواثا” التاريخي ومعي الأخ الأستاذ خالد بن عبدالله بن ابراهيم آلملحم فوجدت ما سرني وأثلج صدري حيث هذه المنطقة الآن، باعتبارها قلعة اسلامية عظيمة ناهيك عن كونها منتجعا سياحيا جميلا، هي محل عناية الجهات المسئولة بمنطقة الأحساء مثل فرع وزارة الزراعة والمياه وقسم الآثار التابع لادارة التعليم بالأحساء حيث امتدت اليها يد الاصلاح. كما وجدت هذا المنتجع، رغم تواضع إمكانياته وعظمة ماضيه الاسلامي ورقة نسيمه العليل، يكتظ بالمصطافين من أهالي القرى المحيطة به ومن غيرها. وأصبح الوصول الى ذا المنتجع سهلا ميسرا وذلك بواسطة طريق مزدوج ممهد ومريح. وبفضل هذا الطريق يمكن مشاهدة هذا المنتجع قبل الوول اليه عن بعد وكأنه على مرتفع أشبه بالهضبة. وبداخل هذا المنتجع حدائق متواضعة جدا ولكن في إمكان أية أسرة الاستراحة بها. وحول هذه الحدائق ملعب أو ملعبين للأطفال. أما المسجد فهو يرمم الآن. وسيهيا للصلاة فيه بعد الانتهاء من ترميمه. وألتقيت بأحد العاملين بهذا المنتجع بالصدفة، وهو من سكان قرية الحليلة، وسألته عن “عين” المسجد التاريخية، فأفادني بأن هذه العين قد طواها الزمن بعد أن نضب ماؤها، وأن وزارة الزراعة قد حفرت بئرا ارتوازيا بالقرب منها، ويستفاد من هذه البئر في ري حدائق المنتجع.انتهى
———هوامش———(1) راجع حمد الجاسر، المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية، المنطقة الشرقية (البحرين قديما) القسم الأول أ ـ ج، ص/423هـ.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:6976

تاريخ النشر: 21/07/1992م

 جواثا 1-2 

جواثا، من الناحية التاريخية، هي قاعدة الأحساء ومناط عظمتها وموئل مجدها.وجواثا، من الناحية الأثرية، رمز تاريخ وحضارة. وحضارة “جواثا” لم يكشف النقاب عنها بعد ذلك منذ العهد الجاهلي القديم وحتى الآن. وبالرمال للمحب دليل.وجواثا اسم محبب الى نفس كل مسلم حيث كانت في العهد الاسلامي الأول قلعة اسلامية مجيدة. وكفاها من الدنيا أن كان حظها أن أول جمعة في تاريخ الاسلام خارج المدينة المنورة قد صليت بها.وفي عهد الردة قال عبدالله بن حذف عن طائفة من المسلمين محاصرين بقلعة جواثا أبياتا من الشعر سرت، في عالم الشعر العربي الاسلامي، مسرى البرق إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم:ألا أبلغ أبا بكر رسولا ….. وفتيان المدينة أجمعينافهل لكم إلى وم كرام ….. قعود في “جواثا” محصريناكأن دماءهم في كل فج ….. شعاع الشمس يعشي الناظريناكلنا على الرحمن إنا ….. وجدنا النصر للمتوكلينا
وكانت “جواثا” في العهد الجاهلي مدينة عامرة بالتجارة والزراعة والسياحة، وكانت تمر بها القوافل للتبضع والاستجمام. ويقول عن “جواثا” مؤرخ الأحساء الأستاذ عبدالرحمن الملا بأنها كانت مركزا هاما لأجود أنواع التمور وأطيب النخيل. وكانت القوافل تقصد جواثا بأنواع السلع من كل مكان، وتعود منها محملة بأنواع البضائع وأطيب التمور. وسكن بهذه المدينة بنو عبدالقيس إحدى قبائل العرب المعروفة آنذاك. وذكر امروء القيس “تجواثا” في أكثر من قصيدة. وفي قصيدة بائية له قال عنها:
ورحنا كأنا من “جواثا” عشية ….. نعالي النعاج بين عدل ومحقبنمش بأعراف الجياد أكفنا ….. إذا نحن قمنا عن شواء مضهبإلى أن تروحنا بلا متعتب ….. عليه كسيد الردهة المتاوبوراح كتيس الربل ينغص رأسه ….. أذاة به من صائك متحلبحبيب إلى الأصحاف غير ملعن ….. يقدونه بالأمهات وبالأبفيوما على بقع دقاق صدوره ….. ويوما على سفع المدافع ربربكأن دماء الهاديات بنحره ….. عصارة حناء بشيب مخضب
وقال أمرؤ القيس عن “منتجع جواثا” في قصيدة أخرى:
وظل صحابييشتوون بنعمة …. يصفون غارا باللكيك الموشقورحنا كأنا من “جواثا” عشية ….. نعالي النعاج بين عدل ومشنقورحنا بكابن الماء يجنب وسطنا ….. تصوب فيه العين طورا وترتقيوأصبح زهلولا يزل غلامنا ….. كقدح النضي باليدين المفوقكأن دماء الهاديات بنحره ….. عصارة حناء بشيب مفرق
وقال أبو تمام عن “جواثا” في قصيدة مديح ذات صور شاعرية:
قف بالطلول الدارسات علاثا ….. أمست حبال قطينهن رثاثاقسم الزمان ربوعها بين الصبا ….. وقبولها ودبورها أثلاثافتأبدت من كل مخطفة الحشا ….. غيداء تكسى يارقا ورعاثاكالظبية الأدماء صافت فارتعت ….. زهر العرار الغض والجثجاثاحتى إذا ضرب الخريف رواقه ….. سافت برير أراكة وكباثاسيافة اللحظات يغدو طرفها …… بالسحر في عقد النها نفاثازالت بعينيك الحمول كأنها …… نخل مواقر من نخيل “جواثا”

وتقع “جواثا” حاليا في شمال الأحساء واحة المملكة العربية السعودية الأولى. وتحيط بـ “جواثا” قرى المقدام والحليلة والكلابية. وتزايدت شهرة مدينة “جواثا” على سائر المدن العربية (فيما عدا مكة المكرمة والمدينة المنورة) عند ظهور الاسلام. وكان أهل “جواثا” من أسبق الناس في بلاد العرب من خارج مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى اعتناق الاسلام حيث تشرف وفد من أهلها، وهو وفد بني عبدالقيس، بزيارة الرسول صلى الله عليه وسلم في عاصمة دولة الاسلام الأولى، المدينة المنورة. وعاد وفد بني عبدالقيس أدراجه بعد تشرفه بلقاء رسول الحق والهداية الى بلاد هجر (الأحساء حاليا) حيث أسسوا بمدينتهم “جواثا” مسجدا لهم وصلوا فيه صلاة الجمعة. وكان أول مسجد في تاريخ الاسلام تصلي به صلاة جمعة خارج المدينة المنورة. ويكفي هذا فخرا لـ “الأحساء” بلاد “هجر” أو “البحرين” كما كانت تسمى آنذاك. وقال شاعر بني عبدالقيس الأعور الثريني مفتخرا بدخول قومه الاسلام. ويا له من فخر:
والمسجد الشرقي كان لنا ….. والمنبران وفصل القول في الخطبأيام لا مسجد للناس نعرفه ….. إلا بطيبة والمحجوج ذو الحجب
وشهدت مدينة “جواثا” بعد اعتناق أهلها الاسلام أحداثا ومعارك، ودخلت هذه القلعة العظيمة بسبب تلك الحوادث والمعارك التاريخ من أوسع أبوابه، وهو تاريخ في خصوص مدينة “جواثا” جليل عظيم. وتحدث المؤرخون وكتاب السير والأدباء عنها وعن مسجدها على مر العصور بما فيه الكفاية. ولن أكرر هنا ما أورده هؤلاء عن مدينة “جواثا” ومسجدها لعدم لزومه بيد أن مقتضى الحال يتطلب مني هنا مجرد نقل نصوص ثلاثة أحاديث، من بين أحاديث أخرى، ورد الأول في صحيح البخاري، كما ورد الثاني والثالث في مسند الامام أحمد بن حنبل وذلك لما لها (أي لهذه الأحاديث) من انعكاسات حيوية لما سأورده من أشعار عن “منتجع جواثا”.قال الامام البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا أبوعامر العقدي، حدثنا ابراهيم بن طهمان، عن أبي جمره الضبعي، عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: أول جمعة جمعت، بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مسجد عبدالقيس بـ”جواثا” من البحرين.وقال الامام أحمد بن حنبل رحمه الله في مسنده: حدثنا يحي عن شعبة، حدثني أبو جمرة وابن جعفر قال: حدثنا شعبة عن أبي جمرة، قال: سمعت ابن عباس يقول: أن وفد عبدالقيس لما قدموا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ممن الوفد؟ أو قال: القوم؟ قالوا: ربيعة، قال: مرحبا بالوفد، أو قال: القوم غير خزايا ولا ندامى، قالوا: يا رسول الله، أتيناك من شقة بعيدة، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، ولسنا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام، فأخبرنا بأمر ندخل به الجنة ونخبر به من وراءنا، وسألوه عن أشربة؟ فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع، أمرهم بالايمان بالله، قال: أتدرون ما الايمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول اله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تعطوا الخمس من المغنم، ونهاهم عن الدباء، والحنتم، والنقير، والمزفت، قال: وربما قال: والمقير، قال: إحفظوهن، وأخبروا بهن من وراءكم. وورد بمسند الامام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لعبدالقيس فقال “اللهم اغفر لعبدالقيس” وقال: “يا معشر الأنصار أكرموا إخوانكم فهم أشبه الناس بكم في الاسلام، أسلوا طائعين، غير مكرهين، ولا موتورين”.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:6969

تاريخ النشر: 14/07/1992م

جبل القارة

يقع جبل “القارة” في شرق مدينة الهفوف، حاضرة الأحساء على بعد ثلاثة عشر كيلو مترا تقريبا. ويعتبر هذا الجبل من أشهر المعالم الأثرية في الأحساء ان لم يكن أشهرها على الاطلاق. واتخذ هذا الجبل اسمه من اسم أكبر قرية مجاورة له وهي قرية “القارة” ان لم يكن العكس، كما كان يسمى قديما بأنه جبل بالبحرين يتبرد بكهوفه. وقال عنه صاحب كتاب تحفة المستفيد حديثا بأنه الجبل المعروف الآن بالأحساء بجبل القارة. وحظي هذا الجبل كأثر تاريخي في الأحساء بالذكر والاشادة في كتب التاريخ والجغرافيا والأدب. وحيكت حول هذا الجبل قصص بعضها خرافية. ولقد تميز هذا الجبل بميزتين كان بسببهما، كما يقال، من عجائب الدنيا. الأولى كون كهوفه ومقاراته وممراته ذات دفء في الشتاء وبرودة في الصيف مما جعله من أهم المنتجعات التي يؤمها أهالي الأحساء ومن أقام أو عبر بها طوال فصول السنة. والميزة الثانية أنه لا يعيش بداخل هذا الجبل أي من الزواحف أو الهوام أو الحشرات. وهو كبير ذو تعرجات وتحيط به وحوله ومن فوقه وعلى جوانبه كتل من الصخور ذات أشكال هندسية صمدت في وجه الأعاصير وتوالي الملوين.ويقع هذا الجبل وسط غابة من النخيل والبساتين والمزارع بحيث في امكان من يصعد الى قمته أن يستمتع، في سكون وهدوء تأمين، بجمال منظر واحة الأحساء الكبرى المترامية الأطراف.ويسمى جبل “القارة” عند الأقدمين بجبل “الشبعان” أو “الريان”. وعاصر أحداثا على مر الأزمان. وباعتباره منتجعا حيويا لأهالي الأحساء طوال السنة فكثيرا ما تردد عليه فيما مضى بعض الصائمين حينما يكون شهر رمضان في فل الصيف وذلك قبل استخدام وسائل التكييف الحديثة بالمنازل. وجاء في نشرة لبلدية منطقة الأحساء ما مفاده أن جبل “القارة” يتميز باعتدال جوه حيث يكون باردا معتدلا صيفا وداافئا شتاء. وأنه يزدحم بالمصطافين على مدار السنة من داخل وخارج منطقة الأحساء. كما تم تزويده في الآونة الأخيرة بالتيار الكهربائي، وأضيئت منطقته، وأنشئت مواقف للسيارات بساحته، وسوي الطريق المؤدي اليه.ومن أحسن الكتب التي وقعت في يدي متناولا جبل “القارة” وقراه هو كتاب “واحة الأحساء” تأليف السيد ف. ش. فيدال.وقد تغنى بهذا الجبل العملاق الشاعر محمد بن عبدالله بن حمد آلملحم الذي يقول عنه في احدى قصائده:
قر في “القارة” العريقة معنى ….. عند مغنى النخيل وافي العهودهو مصطافنا الفريد المعاني ….. وهو مشتى إن زاد لسع الجليدأعجب السبع في العجائب طرا ….. فاق في سره العجيب الوحيدصنعة الله لم تكن نحتته ….. يد هذا الورى بطول العهود ومعظم من تعرض لجبل “القارة” وقراه من باحثين أفاد بأن الجبل محاط بأربع قرى وهي “القارة” و”الدالوة” و”التيمية” و”التوثير”، وكان من أقدمهم السيد فيدال الذي يرى بأنها أربع قرى حيث ذكر في كتابه بأن القرى الأربع ذات ميزات مشتركة مما مكنه (أي السيد فيدال) من وصفها كمجموعة. وفي هذا المجال أفاد السيد فيدال أن كل هذه القرى قد بنيت عند قاعدة منحدر الهضبة اذ تقع قرية “القارة” قبالة هضبة كثيرة الصخور والأطراف المنحدرة المنفصلة قليلا عن الكتلة الرئيسية للجبل، أما القرى الثلاث الأخرى فقد بنيت عند منحدر الكتلة الرئيسية للجبل. وأضاف السيد فيدال بأن جميع القرى مسورة رغم أن أسوارها لم تبن خصيصا لهذا الغرض مما جعلها توصف أحيانا بأنها غير مسورة. أما الشاعر محمد بن عبدالله بن حمد آلملحم فيفيد في بيت واحد من قصيدته عن جبل “القارة”، وهي القصيدة التي ذكرت أبياتا منها أعلاه، بأن قرى الجبل سبع دون أن يذكر أسماءها في القصيدة. وبعد البحث والتقصي تبين لي أن الشاعر كان محقا في قوله حيث أن قرى جبل “القارة” سبع وهي “القارة” و”الدالوة” و”التويثير” و”التيمية” و”الوسيلة” و”الرميلة” و”غمسي”. وفي بيت واحد وصف الشاعر محمد بن عبدالله آلملحم قرى الجبل بالغيد الفواتن:ومعظم من تعرض لجبل “القارة” وقراه من باحثين أفاد بأن الجبل محاط بأربع قرى وهي “القارة” و”الدالوة” و”التيمية” و”التوثير”، وكان من أقدمهم السيد فيدال الذي يرى بأنها أربع قرى حيث ذكر في كتابه بأن القرى الأربع ذات ميزات مشتركة مما مكنه (أي السيد فيدال) من وصفها كمجموعة. وفي هذا المجال أفاد السيد فيدال أن كل هذه القرى قد بنيت عند قاعدة منحدر الهضبة اذ تقع قرية “القارة” قبالة هضبة كثيرة الصخور والأطراف المنحدرة المنفصلة قليلا عن الكتلة الرئيسية للجبل، أما القرى الثلاث الأخرى فقد بنيت عند منحدر الكتلة الرئيسية للجبل. وأضاف السيد فيدال بأن جميع القرى مسورة رغم أن أسوارها لم تبن خصيصا لهذا الغرض مما جعلها توصف أحيانا بأنها غير مسورة. أما الشاعر محمد بن عبدالله بن حمد آلملحم فيفيد في بيت واحد من قصيدته عن جبل “القارة”، وهي القصيدة التي ذكرت أبياتا منها أعلاه، بأن قرى الجبل سبع دون أن يذكر أسماءها في القصيدة. وبعد البحث والتقصي تبين لي أن الشاعر كان محقا في قوله حيث أن قرى جبل “القارة” سبع وهي “القارة” و”الدالوة” و”التويثير” و”التيمية” و”الوسيلة” و”الرميلة” و”غمسي”. وفي بيت واحد وصف الشاعر محمد بن عبدالله آلملحم قرى الجبل بالغيد الفواتن:طوق الطود بالقرى السبع طوقا بســروب من الفواتــن غيـــدوفي وصف فني دقيق لجبل “القارة” يقول السيد فيدال بأن الجبل يعد “أعلى مرتفع داخل المنطقة الزراعية في الأحساء، اذ يبلغ ارتفاعه حوالي 680 قدما فوق مستوى البحر. يمكن الوصول الى قمة الجبل المسطحة بسهولة من نقاط قليلة ويستحيل الوصول اليها من أي مكان آخر … توجد ظواهر مختلفة على طول حافات جبل القارة سببتها عوامل التعرية، اذ توجد فتحات وأخادير عميقة. وقد تركت العوامل هنا وهناك بلورات مستدقة الرؤوس مستقيمة ودقيقة، كالتي بقيت من معالم السطح في وادي جبال أرزونا، رغم أنها أقل جمالا واثارة مما هو موجود في جبل القارة. وقد أدت عوامل التعرية المختلفة في أماكن عدة الى قطع مغارات طبيعية قليلة مختلفة العمق داخل الطبقة السفلى لجوانب الجبل. يزداد عمق هذه المغارات أحيانا عندما تسقط كتلة صخرية كبيرة من الطبقة العليا الأقل تآكلا أمام الكهف تاركة مدخلا ضيقا للعبور فقط. وأحيانا تسقط عدة صخور أمام كهف من الكهوف تؤدي، وبسبب عمق هذه المغارات ودوران الهواء خلال المغارة، الى جعلها باردة جدا في الصيف. ولهذا السبب كانت مغارات جبل القارة من زمن قديم منطقة مفضلة للراحة من قبل سكان الأحساء. ولكون هذه المغارات تعد أيضا واحدة من أكبر المعالم الجغرافية المتميزة في الأحساء، فقد أصبحت أماكن مفضلة لاطلاع الزوار والسياح عليها.”وفي وصف جميل لكهوف ومغارات الجبل يقول الشاعر الملحم:
فاذا ما به توغلت تلقى ….. من بديع الفنون كل عتيدغرفا زخرفت بشكل جميل ….. سلبت عين ناظر بالخلودمن قديم الزمان ظل رؤاها ….. صامدا للقرون ما من محيدتتعالى بها السقوف العوالي ….. كلما رحت في مسير مزيد
ويختتم الشاعر الملحم قصيدته مشيرا الى ما يذكر من أن قصة الكهف كانت بهذا الجبل:
ذكروا أن فتية الكهف فيه ….. ربما للمناخ فيه الفريدأي سر وأي حسن بذاك ….. الجبـل الساحر الغريب العتيد
وتحدث الشاعر الملحم عن جبل القارة في قصيدة جاء فيها:”
فلو كنت يوما بظل الجبل ….. وحولك بحر النخيل اتصللكنت ترى منظرا معجبا …… يسر النفوس ويسبي المقل
فيا حسنه الحسن ذاك العجيب ….. ويا سره السر ذاك الغريبتوالى الزمان ولما يزل ….. بثوبه ذاك الجليل القشيب
وهب نسيم صباه العليل ….. فأشفى الحزانى وداوى العليلفيا له من كنف ومقيل ….. أبى أن يكون له من مثيل
بجو تكيف مثل الزمن ….. يريح النفوس يريح البدناذا ما قسا الصيف في نفحه ….. وزاد الجليد بحكم السنن
وقالوا بكهفك عين الحياه ….. وعين كأعذب ما في المياهودوحة رمان مغروسة ….. لمن ضل فيه أوانا وتاه
وليس تعيش به الحشرات ….. ولا يسمع الصوت والذبذباتوصخره ذو ملمس ناعم ….. رقيق كمثل أديم النبات
وقد ذكروا بقديم الزمن ….. ثلاث بهن ذهاب الحزنوجلب المسرة في خضرة …… وماء يسيل ووجه حسن
وذلكم كله بالجبل …… بجمع الأحبه فيه اتصلوتلك الخمائل صفت بنا ….. وماء تدفق ينفي الملل

وفي قصيدة بعنوان “قرارة” أحد بساتين الأحساء المشهورة أشار الشاعر الملحم الى جبل “القارة” تحت مسماه القديم “الشبعان” قائلا:
أي بحر لا تشبع العين منه ….. من نخيل ثمارهن تدلىتحت ظل “الشبعان” أجمل ظل ….. سيما في الأصيل والمزن هلا
ويروي الشاعر الملحم واقعة حدثت في عهد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله مفادها أن الجراد هدد منطقة الأحساء، وأحيط جلالة الملك عبدالعزيز علما بذلك في حينه، فاستفسر جلالته عن وضع المزارع المحيطة بجبل “الشبعان” (أي جبل القارة)، فقيل له أنها سليمة، فقال جلالته ما معناه بأن الأحساء لم تصب إذن بسوء. وحبر الشاعر قصيدة طويلة جاء في ضمنها هذه الواقعة:
يا وادي النخل بالأحساء يذكره ….. عبدالعزيز ولا ينساه نسيانااذ قيل أن الحسا أضحت مهددة ….. من الجراد الذي قد جاء طوفانافقال في أذن الدنيا مقالته ….. تلك التي حفظ التاريخ إتقاناهل ما وراء جبل “الشبعان” سالمة ….. من القرى فأجابوا أن نعم كانافقال لم تجرد الأحساء إذن أبدا ….. فان شبعانها ما زال شبعانا


الناشر: جريدة الرياض

– العدد:8674

تاريخ النشر: 24/03/1992م

منتجع العقير

يقع العقير على ضفاف الخليج العربي الغربية. وللعقير تاريخ يعرفه ياقوت الحموي والأزهري والصاغاتي والكثير من جغرافي العرب ومؤرخيها منذ العهد الجاهلي وحتى عصورنا الحديثة. وبالعقير آثار مطمورة تشهد على عظمة ماضيه وإن كان لم يكشف النقاب عنها بعد. وبه ميناء كانت له أهمية بالغة على مر العصور لكل من الأحساء ونجد. إذ هو منذ القدم ثغرهما، وعن طريقه كانت البضائع والخدمات تنقل إليهما فيما بين البلدان العربية الواقعة بشرق جزيرة العرب وبلدان فارس والهند وسرنديب وسومطرة. وتكفي الإشارة إلى ما أورده علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر من وصف ابن الزجاج في رسالة له إلى ديوان الخلافة العباسية من أن العقير: “دهليز الأحساء، ومصب الخيرات منه إليها، وكثرة الإنتفاعات التي جل الإعتماد عليها”. ومنذ استرداد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الأحساء في عام 1331 هـ وحتى أواخر الستينات من القرن الهجري الماضي كان ميناء العقير هو الثغر الوحيد للمملكة على شواطئها الشرقية. وعاصر هذا الميناء أمجادا إذ على ضفافه في العهد السعودي حط الرواد الأوائل الباحثون عن البترول رحالهم فيه. واتخذ اسمه مسمى لإتفاقية سعودية بريطانية شهيرة لصالح المملكة وقعت على ضفافه في بداية الأربعينيات من القرن الهجري الماضي. وبالأمس كان ميناء العقير هو بوابة الأحساء ونجد البحرية. وفي هذا الخصوص يروي الأستاذ المربي الشيخ عثمان الصالح أن للملك عبالعزيز رحمه الله عن ميناء العقير مقولة مشهورة هي: “الآن عرفت أن لي دولة وملكا، وقد ملكت منفذا بحريا على العالم”. ويضيف الأستاذ الصالح بأن ميناء العقير هو ميناء المنطقة الوسطى. وللبحر، كما يعلم أهل الأحساء، سماره “ونواخذته” وشعراؤه وصيادوا سمكه. يقول أديب الأحساء الكبير الأستاذ عبدالله الشباط عن أسماك العقير ما مؤداه أنها تعتبر من أجود الأنواع .. فطعمها لذيذ ونكهتها طيبة .. ويعود سبب ذلك إلى زيادة الملوحة في مياه البحر ونظافة المراعي البحرية لبعد الساحل عن المناطق السكنية وخلوه من التلوث.. ومن اشهر أسماك هذه المنطقة (ولا يزال القول للأستاذ الشباط) الكنعد والتونة والحاقول والدويلمي والهامور. والعقير اليوم أرض سياحية بكر. وهو بالنسبة لأهالي الأحساء من أهم المنتجعات السياحية، والكثير منهم، لا سيما ساكني القرى القريبة منه، يرتادنوه رغم بساطته على الدوام في المناسبات وأيام الأنس والمسرات.
وتغىي السمار بالعقير، وضفافه الجميلة، وبحره الهاديء، وهوائه اللطيف، ونسيمه العليل، ولياليه المقمرة. وفي قصيدة طويلة بعنوان “منظر رائع” يقول الشاعر محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم في مطلعها:
بين عيني روا…. مستمر وضياءودنا عائمة ….. في شموع وسناوعلى الشط بدت ….. صور تسبي النهاجل من أبدعها ….. تملأ النفس هنا

وكان الشاعر الملحم يقصد بـ “منظر رائع” منظر شواطىء ورمال “العقير” الجميلة حيث يقول عنها:
يا ليالي وصلنا ….. في “العقير” والصفاأتحفينا مرة ….. بل مرارا باللقاإن فيك سلوة ….. من ضنانا والعنانتلاقى عصبة ….. في شواطيك معاحي يا شعر معي ….. شطه والملعباحي “زهمولا” به ….. ونخيلا باسقاورمالا عنده …… مائسات طرباحي يا شعر مسعى ….. في “العقير” سلفاهذه آثارهم …… بين عيني تجتلييا “عقير” الأمس في …… خلدي منك سدىلم أزل أذكره …… لك والذكرى كفىمرحبا يا شاطئا ….. ضم ألوان الهناحسبك الفخر بأن …… قال فيك القدماكل قول طيب …… وتغنى الشعراء
وعن العقير وتاريخه كميناء قال الشاعر:
يا “عقيرا” لم يزل ….. فيه آثار البناقائمات لم تزل ….. شاهدات للعلاكنت لم تزل ….. أقدم البحر هناهمزة الوصل التي …. وصلتنا الأزمنا
وعن الغوص وصيد اللؤلؤ بالعقير يقول الشاعر:
يا زمان الغوص في ….. لجج البحر مضىذاكم عهد له ….. صيت مجد قد جرىهل ترى أزمانه ….. راجعات هل ترىأيها البحر الذي ….. به غاصت أهلناواجتلوا محاره ….. كالعذارى في السنامنه صادوا لؤلؤا ….. قد كفاهم مؤنا
وحبر الشاعر الملحم قصيدة عن اجتماع له مع لفيف من الأصدقاء على ضفاف العقير. وكانت مناسبة هذا الإجتماع تحية وتهنئة لزميل الصبا الشاعر عبداللطيف أبو سعد بعد أن شفاه الله من مرض ألم به. جاء في القصيدة.
تلألأ وجه الشمس بعد شحوب ….. وضاء محيا البدر بعد لغوبوفاض محيط النثر بعد توقف ….. وسالت بحور الشعر بعد نضوبوطابت لنا الدنيا بطلعة يوسف ….. بشمالها عم الهنا وجنوبفشكرا لك اللهم عافيت حبنا ….. فزال الأسى عن قلب كل حبيب

وعن مكان الإجتماع قال الشاعر بنفس القصيدة:
على شط بحر الصفو بحر “عقيرنا” ….. ضربنا قباب الأنس عند غروبوطافت علينا بنت صنعاء نجتلي ….. لها طلعة تغري فؤاد لبيبغدا الكون منها عبهريا جميعه ….. وقد ملكت منا شغاف قلوبومن فوقه هذا الرمل صورة شاعر ….. مشاعره مشبوبة بلعوبلخولة فيها من أعاريض طرفة …… طرائف في كف أبر خضيبتباهت به حسنا على كل غادة ….. وهل لجمال العرب أي ضريب
ولأن شاعرنا ومن معه من الأصحاب من أهل الصلاح والتقوى فقد أردف واصفا حالهم ومتذكرا في الوقت نفسه قصة امرىء القيس مع عنيزته:
ولم نك عاقرنا بنية كرمة …. ولم نك سامرنا خيال لعوبتقول له في غنجها ودلالها ….. وقد فاح بالأردان نفح طيوبعقرت بعيري يا امرىء القيس فانزلن ….. وقد فاح بالأردان نفح طيوبفيدخل ذاك الخدر خدر عنيزة ….. بجنح الدجى مأمون عين رقيبويقطف زهر الحب في روضة الهنا …… على نبعه الرقراق أي رقيب


الناشر: جريدة الرياض

– العدد:8632

تاريخ النشر: 11/02/1992م

تعليقات أولية على كتاب Middle East Oil لمعالي د. محمد عبداللطيف الملحم

تعليقات مميزة لكتاب وأساتذة في القانون على كتاب Middle East Oil a Redistribtion of Values لمعالي د. محمد عبداللطيف الملحم

التعليقات
تعليق : جريدة اليوم الثقافية  البريد : لايوجد التاريخ : 11/05/1411
الكاتب: جريدة اليوم الثقافية
الناشر: جريدة اليوم- العدد:6547
تاريخ النشر: 19/ 5/1991م
الرابط:
أحدث كتاب عن بترول الشرق الاوسطصدر مؤخرًا أحدث كتاب عن بترول الشرق الاوسط عام 1991م ..باللغة الإنجليزية. والكتاب من تأليف معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم.. أما ترجمة عنوان الكتاب فهو: (بترول الشرق الاوسط.. اعادة توزيع القيم الناتجة من صناعة الزيت).
ويستمد الكتاب أهميته من المعلومات القانونية والاقتصادية والدراسات التحليلية الخاصة بهذا المصدر الاستراتيجي للطاقة والدخل في منطقة الشرق الاوسط، ويقع الكتاب في 350 صفحة من الحجم المتوسط والمجلد تجليدًا فاخرًا.
ومجال هذا الكتاب مجال قانوني ذو طابع إقتصادي وسياسي، والمجال القانوني هو القانون الدولي العام، والقانون الدستوري، والقانون المدني المنظم لعلاقات التعاقد. أما الطابع الاقتصادي والسياسي فهو ينصب في المحل الاول على البترول في الشرق الاوسط باعتباره، مادة استراتيجية.
يتكون الكتاب من أربعة أجزاء:
ـ الجزء الاول: ويشتمل على دراسة تفصيلية لنظام الامتيازات ومدى التحولات القانونية التي طرأت عليه.
ـ الجزء الثاني: ويوضح سياسات المجتمع الدولي في مجال نمو وتطور الثروات البترولية ومدى هيمنتها العالمية والاقليمية.
ـ لجزء الثالث: يشتمل على مناقشة موضوعية للقرارات والاحكام القضائية والمشاكل القانونية التي صاحبت نمو وتطور صناعة البترول في الشرق الاوسط منذ عام 1908م وحتى عام 1970م وبالأخص مناقشة فكرة مبدأ سيادة الامم والشعوب على ثرواتها الطبيعية والمعدنية وكذلك فكرة تملك الدولة لمصادر الثروة الطبيعية والمعدنية.ـ الجزء الرابع: على تقييم شامل لكل أوضاع البترول وصناعته في الشرق الأوسط ومع تقديم التوصيات والتوجيهات في صالح رفاهية صناعة البترول نفسها.
كما تطرق الكتاب إلى بعض الفرضيات القانونية وبالذات فكرتي شرعية العقود ونظرية تغير الظروف الدوليتين، ومدى هيمنتها على أممية عالم البترول كما تعرض الكتاب كذلك لدور المملكة العربية السعودية في المجال البترولي وخاصة في مجال العلاقة مع شركات الامتياز والاثآر الايجابية للدخول البترولية في مجال التنمية السعودية من الناحية الصحية والتعليمية والعمرانية والصناعية.
والكتاب من الأهمية لدرجة أنه لا غنى للمكتبات ومراكز المعلومات عن اقتنائه وخاصة أنه يعتبر كتابًا مميزًا وفريدًا في موضوعاته.
وتوزع الكتاب عن دار المريخ للنشر بالرياض وجدة والدمام.المصدر: جريدة اليوم، اليوم الثقافي، ص/9،
العدد رقم 6547 وتاريخ 5/11/1411هـ الموافق 19/ 5/1991م

تعليق : OPEC Bulletin  البريد : لايوجد التاريخ : 03/23/1412
الكاتب: OPEC Bulletin
الناشر: OPEC Bulletin, p. 21
تاريخ النشر: October 1991م
الرابط :
Book Review: Middle East Oil – A Redistribution Of Values Arising From The Oil Industry by Dr. Mohamed A. Almulhim. University Press of America, Inc.
4501 Forbes Boulevard, Suite 200
Lanham, MD 20706, U.S.A.A new book on the effects of the concession system on the Middle East oil industry is reviewed by Dr Mohammed A Al-Sahlawi, Head, Department of OPECNA & Information. OPEC Bulletin, p. 21, October 1991In this book, Dr Almulhim addresses the legal and political aspects of natural resources exploitation under the system of concessions. His aim is to analyze the effectiveness of this system in developing the Middle Eastern oil industry, and determine to what extent the system has affected values distribution among the grantors and the concessionaires.
He believes that the great human values derived from the exploitation of oil—such as wealth, power, well-being, skill, enlightenment, respect, affection and rectitude—should be redistributed among all the participants in the oil business. Accordingly, Dr Almulhim tries to assess how this objective might be realized in the practical, political world.
In the authors own words, “the necessary redistribution of values arising from the oil industry in the Middle East can best be legally, politically and economically achieved through co-operation, mutual respect, and a genuine desire for justice”. Most interestingly, the author has managed to draw together the diverse threads of Middle Eastern mining law as they have emerged this century, comparing these to the traditional tenets of Islamic Law.
The study is divided into four parts with subchapters. The first part deals with the problems of the oil business generally: the major players, their motives, power-bases and decision-making apparatus. The second part examines the interests of the wider world community in the development of oil resources, alongside a portrayal of the more exclusive interests of the oil exporting countries. The system of concessions and joint ventures is investigated in the third part of the book, which proceeds to examine the background and present status of the principle of state participation in national oil industry operation in the region, albeit concentrating on Saudi Arabian jurisdiction.
Halfway through an analysis of applicable treaty law, the author takes time to assess the provisions and objectives of the Organization of the Arab Petroleum Exporting Countries (OAPEC) along side those of OPEC. Some little known facts come to light. For example, relations between the two organizations are provided for in part by Article 3 of the OAPEC Statute, which stipulates that OAPEC members shall be bound by the ratified resolutions of OPEC, even if they are not also members of OPEC. Among the conditioning factors emphasized are the efforts of the United Nations in the field of natural resources, the labour situation in the grantor countries and new trends of economic and legal commitments, recently introduced into the Middle Eastern oil industry.Arguably the most instructive section of the treatise compares the law of mineral ownership under three separate legal systems: the Anglo-American Common Law system, the European Civil Law model and four schools of Islamic law.
The fourth part makes a final appraisal of the effectiveness of the system of concessions in the early development of the Middle East petroleum industry and examines the consequences for the distribution of the technical skills, the wealth and power arising from the extraction and sale of oil. Dr Almulhim concludes with some recommendations, where by he hopes to encourage the regional establishment of legal regimes which share out the benefits more equitably.
The study includes a full name and subject index, together with a table of cases and references.

تعليق : Yale Law School Alumni,Faculty,Staff,and Students  البريد : لايوجد التاريخ : 06/15/1411
الكاتب: Yale Law School Alumni,Faculty,Staff,and Students
الناشر: http://www.law.yale.edu
تاريخ النشر:
الرابط: http://www.law.yale.edu/YLR/pdfs/v53-1/531books.pdf
Makes an important contribution to the clarafication of the policies of the larger comunity
of humankind about an extraordinarily impotant set of problems;and explores, recommends,
and foretells imminent changes in both national and internationallaw

تعليق : Myres S. McDougal  البريد : لايوجد التاريخ : 06/15/1411
الكاتب: Myres S. McDougal
الناشر: Middle East Oil
تاريخ النشر: 1991م
الرابط:
To Middle East Oil
BY
Myres S. McDougal
Sterling Professor of Law, Emeritus,
Yale Law SchoolIn his book, Middle East Oil, A Redistribution of Values Arising From the Oil Industry, Dr. Mohamed bin Abdul Latif Almulhim makes an important contribution to the clarification of the policies of the larger community of humankind about an extraordinarily important complex of problems; and explores, recommends, and foretells imminent changes in both national and international law.
Dr Almulhim defines the most general problem with which he is concerned in terms of facts: of events in community process about the distribution of control over, and benefits from, the production and exploitation of oil (an exhaustible, non-renewable, stock resource) as between the particular state in which the oil is first located and the other states, or the citizens of such states, in which the oil may be marketed and consumed. From this general problem there spins off a whole congeries of specific problems in both national and international policy and law, which Dr. Almulhim proceeds to delineate and explore.
The most general policies that Dr. Almulhim contraposes are those that derive, on the one hand, from the inclusive interests of the whole community of humankind and, on the other, from the exclusive interests of particular states. In appropriate balance, all these interests are equally common interests that law should respect and protect. The inclusive interests of the larger community relate to the stable, economic supply, through orderly and peaceful procedures, of a presently indispensable source of energy. The exclusive interests of particular states relate to a higher degree of control over, and enjoyment of, the potential values from a very unique type of resource located within their physical boundaries. It is in the accommodation of these contraposed policies in particular instances that law finds its greatest difficulties.
In his review of past trends in the making and application of national and international law, Dr. Almulhim takes us through a rapid kaleidoscopic history of changing systems of concession agreements, economic development agreements, joint ventures and servicing contracts, direct state participation, and state ownership and control. He expounds with clariy and high craftsmanship the details of these differing arrangements in control and exploitation, and in the distribution of benefits.
In reviewing the factors or conditions that have affected the rapid change in the balancing of policies and in institutional arrangements, Dr. Almulhim considers such items as economic backwardness, political domination, political immaturity, complexity of technology, demands for self-determination, rising demands and expectations with respect to all values, the creation of new international organizations for collaborative clarification and coordination of policies, the debates and resolutions in the United Nations relating to permanent sovereignty over natural resources and the human rights of peoples, and so on. The events are all too much with us to permit a comprehensive and systematic ordering of all the environmental and predispositional variables that are still affecting changes in policies and law.
In his recommendations of alternatives for the future Dr. Almulhim envisages a continued healthy balancing of the diverse interests of the particular state and the interests of the larger community. It is not surprising that he expresses a special sympathy for the interests of the exporting state, but it is to his credit that he is never narrowly parochial.
We are all in debt, whatever our particular loyalties, to Dr. Almulhim for a superb model of policy-oriented inquiry about a legal problem, or complex of problems, that is of great importance to all humankind

تعليق على مقالة : تكريم معلم (4)

 

إلى وزارة المعارف .. وجامعاتنا السبعهذا الشكل التكريمي .. واجب لتخليد المضيئين بقلم عبدالله صالح الرشيدإدارة التعليم ـ الرياض
في عددٍ مضى من جريدة الجزيرة كتب معالي الدكتور محمد الملحم في زاوية ـ مساحة للتفكير مقالاَ ضافيًا عن المربي الجليل عثمان الصالح ضمنه بعض ذكرياته عنه، وموجزًا عن الخطوات الخيرة لهذا المربي القدير في مجال التربية والتعليم .. وهذا الذي كتبه معالي الوزير الملحم أعادني إلى الماضي، وبالذات وإلى ما سبق وأن تطرقت إليه قبل عشرين عامًا في مجلة المنهل حيث كتبت موضوعًا تحت عنوان ـ عثمان الصالح الكاتب المثالي والمربي الناجح .. وذلك بمناسبة قرب تقاعده من عمله آنذاك كمدير لمعهد العاصمة النموذجي وذروة نشاطه في الكتابة بالصحف والمجلات في ذلك الوقت، وفي مختلف المواضيع التربوية والاجتماعية، وقد طلبت في الموضوع المشار إليه أن يتفرغ الشيخ عثمان بعد تقاعده إلى كتابة مذكراته وذكرياته عن بواكير نهضتنا التعليمية المباركة، والذي له المساهمة الفعالة والقدر الملموس في غرسها وتنميتها. ويكتب عن خبراته وتجاربه كواحد من الرواد الأفذاذ في هذا المجال لتكون هذه الكتابة المفعمة بالخبرة الناضجة والمضمخة بعاطر التجارب الحية الصادقة نبراسًا لأجيالنا الجديدة المتعطشة للتوجيهات، ولمن يأخذ بيدها إلى الأكمل والأجمل في معالي الأمور لتسير على هدى وبصيرة في حياتها العلمية، كما تكون درسًا ومثالاً لبعض العاملين في إدارة مدارسنا ومعاهدنا اليانعة. ولا أدري حتى كتابة هذه السطور هل تحقق شىء مما طلبناه من أستاذنا الفاضل قبل عشرين عامًا. ظني والله أعلم أن ظروف الحياة المتشابكة وعامل السن قد دخلت في الخط فلم تحقق مناشدتي ثمارها كلها. ولعل مناسبة التذكير هو ما كتبه الدكتور الملحم أولاً .. وثانيًا هو ما يتطرق إليه الحديث بين حين وآخر في أوساطنا التربوبة ومنابرنا الاجتماعية وهو حول إنصافنا لرجال التربية في بلادنا ممن عاصروا وساهموا خلال نصف قرن مضى وحتى الآن في نهضتنا التعليمية كرواد مبرزين أضاؤا معالم الطريق، وأناروا مشاعل الثقافة على قدر جهودهم واجتهادهم. وهل تم يا ترى تكريم هؤلاء بإعطائهم ما يستحقون من تقدير معنوي أو تاريخي على الأقل ممن هم على قيد الحياة أو انتقلوا إلى الرفيق الأعلى؟إن التكريم المعنوي مطلوب ومرغوب حتى تبقى صورهم وسيرة حياتهم ماثلة أمام الأجيال في الحاضر والمستقبل كأساتذة جيل ورواد نهضة تعليمية في بلادنا بمختلف مدنها وقراها.إن مبدأ عرفان الجميل وغرس القدوة الصالحة، كل هذه الأهداف تفرض وتحتم أن نطلق أسماء المبرزين منهم على بعض مدارسنا الابتدائية والمتوسطة والثانوية التي تنتشر بالآلاف في طول البلاد وعرضها. فكل رائد تعليم وجهد سباق في التربية والتعليم تسمى إحدى المدارس في منطقته بإسمه كرمز للوفاء، ومشعلاً باقيًا للقدوة الصالحة.لقد عاصرت تقريبًا وزارة المعارف منذ أن كانت مديرية كطالب ومعلم وإداري أخيرًا، وعرفت ولمحت إبداعات وجهود نخبة من رجالاتها، ولمست جهودهم في ترسيخ قواعد التعليم، وغرس التربية الصالحة الواعية في حياة أجيالنا الحاضرة ممن يضطلعون الآن بمهام خطط التنمية وتنفيذها، والتي أثمرت سبع جامعات عملاقة وآلاف المدارس والمعاهد بمختلف المراحل التعليمية وأنواعها.هؤلاء الرواد منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر بعد عمر مديد إنشاء الله.لذا رأيت من واجبي، ومن منطلق إنساني دافعه الغيرة الصادقة وتقدير الجميل لهؤلاء الأفذاذ إلى أن أشير إلى بعض الأسماء التي كان لأصحابها الأثر الملموس في حياتنا التعليمية والثقافية والاجتماعية .. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر المشائخ والأساتذة الآتية أسماءهم: محمد بن مانع، وأحمد العربي، وحامد دمنهوري، وناصر المنقور، وحسن آل الشيخ، وأحمد علي أسد الله وعبدالله الخزيم، وسعيد بوقري، وعبدالرحمن التونسي، وعبدالعزيز الربيع، وعبدالله خياط، وعبدالعزيز فطاني، وعمرعبدالجبار، وعثمان الصالح، وعبدالله العريفج، وهاشم النعمي، وسعيد بن عائض بن سرحان، ومحسن باروم، وعبدالله العلي النعيم، وعباس حدادي، وعبدالله بن سليم، وعبدالعزيز الخالد السليم، وعلي الصالح الضلعان، وعبدالرحمن العليان، وسليمان الشلاش، وإبراهيم الحجي، ومصطفى بديوي، وعثمان قاري، ومحمد الزنان، ومحمد العميل، وصالح العمري، والسناري والسكيت وغيرهم كثير. إن هؤلاء وأمثالهم وحتى لا يغيبوا عن الذاكرة يجب أن تبادر وزارة المعارف وجامعاتنا السبع فتطلق أسماءهم على بعض المدارس وبعض الصالات والمدرجات الثقافية والمكتبات مع وضع نبذة وافية عن مشوار حياتهم في ميدان التربية والتعليم في لوحة بارزة في مدخل كل مدرسة تسمى باسمه، وهذا هو أضعف ما يجب أن يعطى لهؤلاء الصفوة المختارة. فهل يا ترى نتدارك ذلك، ونعمل على تحقيقه؟ أم نمر عليه مرورًا عابرًا، ونسدل عليه ستار النسيان مع أن الأمر وتنفيذه لا يحتاج إلى أي جهد مادي، بل هو معنوي لا أكثر ولا أقل.فهل يا ترى تقوم وزارة المعارف بتحقيقه، وكذلك جامعاتنا السبع وهي تحتضن من مدرسيها من هم تلامذة لهؤلاء الرواد ـ هنا نقف، وننتظر، والله الموفق.
المصدر: صحيفة عكاظ، العدد رقم 9127، ص/11،التاريخ : 8/1/1412هـ الموافق 19/7/1991م.


الناشر: جريدة الجزيرة

– العدد:9127

تاريخ النشر: 19/7/1991م