من أوراقي المبعثرة من أوراقي المبعثرة : وتكفي قصيدة واحدة 1-5

 

وظلت “القصيدة الدُّريدية” من روائع الشعر العربي عبرعصوره لتأثيرها الحيوي المتجدد ومصداقية الأحاسيس التي عبَّرت عنها، وكذلك قدرتها على استيعاب أحوال الحياة والأشخاص والأشياء المحيطة بها .هناك من شرح مفرداتها.وهناك من حبَّر على نمطها.وهناك من خَمَّسها.وهناك من عارضها.وهناك من وشَّحها.وهناك من حقَّقها.وهناك من أعربها.بل وهناك من ترجمها إلى لغات أجنبية.تضمَّنت القصيدة تاريخاً، وبلاغةً، وأخلاقاً، وحكماً، وأمثالاً، وشئوناً دينيةً. وعلى سبيل المثال ذكر “ابن دريد” أسماء شخصيات عربية كان لهم شأن كبير في تاريخ العرب أمثال “امرئ القيس”، و”أبي الجبر” و”ابن الأشج”، و”جذيمة الأبرش”، و”يزيد بن المهلب بن أبي صفرة”، و”الزباء”، و”عمرو بن عدي اللَّخمي”، و”سيف بن ذي يزن الحِميري” وغيرهم. وهو إذ يذكرهم كان يشير في اقتضاب شديد إلى أهم ما تميزوا به أو ما قاموا به من أعمال.عن “امرئ القيس” يقول “ابن دريد”:ـ
إِنَّ “امْرُأُ الْقَيْسِ” جَرَى إِلَى مَدىً …… فَاعْتَاقَهُ حِمَامُهُ دُونَ الْمَدَى
ويعكس هذا البيت ما عُرِفَ به “الملك الضليل” من محاولة الحصول على الملك أو ملاقاة الردى، لا غيرهما. يقول “أمرؤ القيس” لصاحبه عن نفسه:ـ
بَكَى صَاحِبِي لَمَّا رَأَى الدَّرْبَ دَونَهُ ….. وَأَيْقَـنَ أَنَّـا لاَحِقِيْنَ بِقَيْصَـرَافَقُلْتُ لَهُ لاَ تَبْكِ عَيْنُكَ إِنَّمَـــا ….. نُحَاوِلُ مُلْكَاً أَوْ نَمُوتَ فَنُعْـذَرَا
وتروِي كتب التراث قصة “امرئ القيس”. وفيها شموخ وعظمة. وخلاصتها أن “حُجْراً” طرد ابنه “أمرئ القيس” لأنه كان يتعاطى الشعر، ويتشبب بالنساء، ويجالس صعاليك العرب. وكان “حُجْرُ” ملكاً على “بني أسد” يسومهم سوء العذاب فقتلوه، وبلغ “أمرئ القيس” خبر قتل أبيه في وقت كان يعاقر الخمرة مع نديمه. انزعج “أمرؤ القيس” من الخبر، فنطق بعبارة خلَّدها التاريخ، وكان فحواها:ـ ضيَّعني [أبي] صغيراً، وحمَّلني دعه كبيرا. لا صحو اليوم، ولا سكر غدا. “اليوم خمر، وغداً أمر”. وانطلق ليدرك ثأر أبيه حتى مات.ويقول “ابن دريد” عن “ابن الأشج”:ـ
وَ”ابْنُ الأَشَجِّّ” الْقَيْلُ سَاقَ نَفْسَهُ ….. إِلَى الرَّدى حِذَار إِشْمات الْعِدَى
و”الأشج” أحد الحكام العرب في العهد الأموي، حاول ملكاً ولكنه فشل، وبعد فشله ساق نفسه إلى الردى أي انتحر!لم يذكر “ابن دريد” أفعال هذا الحاكم، أو انتصاراته، أو خروجه على طاعة ولي الأمر. أشار “ابن دريد” إلى نهايته فقط، ألاَ وهي انتحاره، وذاكراً أن سبب الانتحار وهو “حِذار إشمات العدى”. وخلاصة قصة “ابن الأشج” [واسمه “عبدالرحمن بن الأشعث] أن “الحجاج بن يوسف” والي العراق قد عينه حاكماً على “سجستان” وما حولها في وسط “آسيا”، فحقَّق انتصارات على إثر نشوتها شق عصا الطاعة، فنصَّب نفسه حاكماً مستقلاَ، وقطـع صلته بكل من “والي العراق” والخليفة “عبدالملك بن مروان” في دمشق. حاربه “الحجاج” بأمر من “الخليفة”، وانتصر “الحجاج” عليه. وحاول “ابن الأشج” الاستغاثة بأحد الحكام “بالهند” فلم يُجب إلى طلبه، وَأُسِرَ، ومن ثم انتهى الأمر به أن قرر إنهاء حياته بنفسه إذ اعتلى سطح قصر وهو أسير فالقى نفسه منه فمات على الفور.أما عن “جُذيمة الأبرش” فيقول “ابن دريد”:ـ
وَاخْتَرَمَ “الْوَضَّاحَ” مِنْ دُونِ التِي ….. أَمَّلَهَا سَيْفُ الْحِمَامِ الْمُنْتَضَى
وبدون شرح أو تفسير أو سبر أغوار تراث العرب من الصعوبة بمكان تفهم المقصود من البيت من الشعر (أي بيت) لو قُرِأَ مجرد قراءة عابرة على استقلال. وهذا البيت من الأمثلة على ذلك.وكما تروِي لنا كتب التراث:ـ الوضاح هو “جُذيمة الأبرش”، وكان ملكاً على بلاد ما وراء النهرين (العراق)، وكان أبو “الزباء” ملكاً على نواحي من جزيرة العرب. وكان “جُذيمة” قد وَتَرَ “الزباء” بقتل أبيها. أضمرت “الزباء” أخذ الثأر في نفسها. وكانت ذات أدب وجمال، وخطبت “الزباءُ” “جُذيمةَ” لنفسها مغرية إياه باتصال ملكه بملكها. تردد “جُذيمة” في الجواب، واستشار من حوله فيما يفعل، فأجابوا بالموافقة إلاَّ “قصير بن سعد اللَّخمي” الذي كان له رأي مخالف. وكان “قصير” عاقلاً حكيماً وذا رأي سديد. فقال للملك:ـ لا تفعل، فإن الخِطبة خديعةٌ ومكر. وقال عن موافقة مستشاريه:ـ رأيٌ فاترٌ وغدرٌ حاضرٌ”. ولما لم يؤخذ برأيه قال:ـ “لا يطاع لقصيرٍ أمر”. وبرغم أن الملك “جُذيمة” لم يستمع لنصيحة “قصير” إلا أن “قصير” ظـل الناصح الأمين لسيده. وسار الملك إلى ديار “الزباء” في موكب فخم. استقبلته رُسُلُ “الزباء” فقال “لقصير” ما رأيك؟ قال: “خطبٌ يسيرٌ في خطبٍ كبير”. ولما رأى “قصير” ما رأى، قال “لِجُذيمة”:ـ أَيُّهَا الملك أَمَّا إذ عصيتني، فإذا رأيت جندها قد أقبلوا إليك، فإن أقبلوا وحيُّوك ثم ركبوا وتقدموا، فقد كذب ظني، وإن رأيتهم إذا حيوك طافوا بك، فإني مُعَرِّضٌ لك “العصا” [وهي فرس كانت “لِجُذيمة” لا تُسْبَقُ [ فاركبْها وانج. فلما أقبل جيشها طافوا به، فقرَّب إليه “قصير” “العصا”، فَشُغِلَ الملك عنها، فركبها “قصير” فنجا، فنظر “جُذيمةُ” “قصيرَ” على “العصا” قد حال دونه السراب، فقال:ـ “ما ضَلَّ من جرت به العصا”. وسار “جُذيمة” وقد أحاطت به الخيل حتى دخل على “الزباء”، فلما رأته قالت:ـ أَشَوَارُ (أي زينة) عروس تَرَى؟ فقال:ـ أم غدرٌ أرى. ثم دعت بالسف والنطع، وقالت:ـ إن دماء الملوك شِفاءٌ من الكلب. فأمرت بطشت من ذهب قد أعدته له وسقته الخمر حتى سكر، ولما أخذت منه الخمر مأخذها، أمرت بِرَاهِشَيْهِ [عرقان في باطن الذراعين] فقطِعا، وقدَّمت إليه الطشت، وكان قد قيل لها احتفظي بدمه، فإن أصاب الأرض قطرة من دمه طُلِبَ بدمه، فلما ضغطت يداه سقطتا، فَقَطَر من دمه شئ خارج الطشت. فقالت:ـ لا تضيعوا دم الملك. فقال جُذيمة:ـ دعوا دماً ضيعه أهله. وهلك “جُذيمة”. وعن “يزيد” يقول “ابن دريد”:ـ
فَقَدْ سَمَا قَبْلِي يَزيدُ طَالِباً ….. شَأْو الْعُلاَ فَمَا وَهَـى وَلاَ وَنَىفَاعْتَرَضَتْ دُونَ الذِي رَامَ وَقَدْ….. جَـدَّ بِـهِ الْجِدُّ اللَّهِيمُ الأَرَبىَ
و”يزيد” هذا هو “يزيد بن المهلب بن أبي صفرة”، سجنه الخليفة “عمر بن عبدالعزيز” لعدم رده مالاً في عهدته. هرب “يزيد” من سجن “عمر”، وحاول تأسيس “أمارة” له إلاَّ أن الخليفة “عمر” قد اتخذ ما يلزم لمواجهته بعد أن عظم أمره واشتدت شوكته في “البصرة” وما حولها. وكان أول عمل قام به الخليفة “يزيد بن عبدالملك” بعد وفاة الخليفة “عمر” مواصلة مقاومة ثورة “يزيد بن المهلب” حتى تمكن من التغلب عليه، وقد قُتِلَ في معركة حاسمة.


المقالة | من أوراقي المبعثرة : وتكفي قصيدة واحدة 1-5
الناشر: جريدة اليوم – العدد:10086
الناشر: جريدة اليوم – العدد:10093

تاريخ النشر: 01/02/2001م

* رئيس دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستششارات القانونية

من أوراقي المبعثرة : وتكفي قصيدة واحدة 1-5

الرائعة الشعرية عنوان العبقرية الشعرية،
والعبقرية الشعرية سمة قد تتوفر لأمة دون أخرى وذلك على الرغم من أن لكل أمة مهما كان حظها من الذكاء الفطري شعر تتميز به، وبه تتحدد هويتها وذاتها.والشعر من أدوات الاستمتاع الذهني وإشباع اللذة الفكرية، شأنه شأن المادة التي لا غنى عنها لبقاء الحياة لدى الكائن الحي بصرف النظر عن كنهه ونوعه وجنسه.تشدني المقولات السابقة إلى حقيقة أنني من المتذوقين للرائعة الشعرية حينما تجري بلفظها وجمالها ومعانيها وإيقاعها الموسيقي في مجالها عديم النهاية دون أن يعتريها زيادة أو نقص. وهي في جريانها تمنح من شعاعها على مدار الزمن أنماطا من الدفء الفكري من أجل الاستمتاع الذهني والاشباع الفكري.ونماذج الرائعة الشعرية في شعرنا العربي في مختلف عصوره تستعصي على الحصر. وسبق أن عرضتُ لبعض من هذه النماذج، (1) وهي نماذج من نتاج عصور مختلفة. ومن هذه النماذج قصيدة يُقْرَأُ البيت التالي منها:ـ
يَـا ظَبْيَةً أَشْبَهَ شَيْء بِالْمَهَـا ….. تَرْعَى الْخُزَامَى بَيْنَ أَشْجَارِ النَّقَا
هذا البيت حسب القدر المتيقن من الأقوال هو مطلع القصيدة. ومحبر هذه القصيدة ربما لم يكن ليتوقع أن يكون لقصيدته، عند تحبيرها وقبل نشرها، شأن كبير في عالم التجربة الشعرية. وبالرغم من هذا كان لهذه القصيدة شأن كبير بصرف النظر عما إذا كانت سابقة في فنها أو مسبوقة.والقصيدة من فن الشعر المقصور. ولم يتطرق كثيرٌ من الشعراء لهذا الفن كسائر فنون الشعر الأخرى. ولكن تقديمها لمتذوقي الشعر العربي في عهد محبرها كان بمثابة المنهج الجديد لمن يرغب أن ينسج على منوالها متجاوباً أو معارضاً.. ولذلك ما أن عُرِفَت هذه القصيدة حتى كانت، وبالفعل، علماً بارزاً في لغة الضاد. وقال عنها بعض الدارسين أنها:ـ هي إحدى القصائد المشهورة بين الشعراء والعلماء والأدباء والمثقفين، وما من أديب في القديم والحديث إلا مَرَّ بها واطلع عليها، ورأى بعض القدامى ضرورة استظهارها حتى تكتمل للأديب ثقافته الأدبية … واتفق علماء الأدب في القديم على الإعجاب بها واللهج بها، وسبب ذلك أن القصيدة متينةٌ في بنائها، قوية في نسجها، رائعة في أسلوبها، جميلة في معانيها، حافلة بألوان الثقافة والمعرفة والتجارب الشعورية، والمشاعر الإنسانية ، وحكم العرب وآدابها. (2)ومطلع القصيدة يعبر عن لوحة فنية متكاملة كما تعرفُها مقاييس الفن التشكيلي في عالمنا المعاصر! فما بالك بالعالم الذي ولدت فيه القصيدة.واحة خضراء ذات أشجار مختلفة الثمار، تتخللها كثبان رملية نقية متعددة الألوان، تعلوها سماء زرقاء من تحتها سحب خفيفة تتمايل الشمس من بينها ذات اليمين وذات الشمال. وفي وسط هذه الواحة المعشوشبة ظبية ترعى. هكذا تتداعى هذه التصورات في ذهن فنان عالمنا المعاصر لو حاول رسم معالم هذه الواحة وخطوطها العريضة في لوحته. وفي وسط هذه اللوحة، أو في أحد زواياها حسبما يترآى لهذا الفنان، تقف “ظبيته” ترعى الخزامى بين أشجار النقا. وبالرغم من تكامل هذه اللوحة يجد هذا الفنان أنه غير قادر على جعل “الظبية” في لوحته في حالة “حركة.” أي بمعنى آخر أن هذا الفنان مهما تمكَّن من فنه فإنه غير قادر على إبراز عملية الرعي في حالة “حركة” في لوحته حينما يقف المشاهد أمام اللوحة متأملاً ومستمتعاً وربما ناقداً .واللغة أقدر من عمل الفنان في مثل هذه الأحوال على تصور الحالة. الفنان يرسم اللوحة بكل أبعادها ولكنها تظل في حالة سكون. أما اللغة فترسم الحالة في حالة “حركة” في ذهن القارئ وكأنه يشاهدها ببصره أو يتصورها بحسه حسب الأحوال.وهكذا تكون الرائعة الشعرية باعتبارها نتاج العبقرية الشعرية ظاهرة للعيان ولو في بيت واحد.وبالنظر لما حظيت به هذه القصيدة من ترحيب لدى متذوقي الشعر على مر الجديدين ظلَّت ملء السمع والبصر في الأدب العربي، ونسج الكثير من الشعراء على منوالها.وهكذا تكفي “قصيدة واحدة” لشاعر ليعدُّ من فحول الشعراء لدرجة أن هذه القصيدة لتميُّزها قد سُمِّيَتْ في الأدب العربي بإسم قائلها. سميت أحياناً “بمقصورة ابن دريد” ، وأحياناً أخرى “بالدُّريدية” تخليداً لذكراه. وظل “ابن دريد” يخاطب “ظبيته” بعد أن رسم صورتها في ذهنه واصفاً أحواله التي أخذت في التردي مع مرور الزمن وتقدم السن. وهو في هذا الوصف قد أتى بالعجب العجاب. قدرة فائقة في التصوير عن طريق تذليل لغة طيعة أصيلة أسعفته مفرداتها العميقة المليئة وعباراتها السهلة الممتنعة للتعبير عن حاله.يقول “ابن دريد” متحدثاً عن حاله بعد أن تقدم به السن في لوحات معبرة:ـإِمَّا تَرَيْ رَأْسِيَ حَاكَي لَوْنُهُ ….. طُرَّةَ صُبْحٍ تَحْتَ أَذْيَالِ الدُّجَىوَاشْتَعَلَ الْمُبْيَضُّ فِي مُسْوَدِّهِ ….. مِثْلَ اشْتِعَالِ النَّارِ فِي جَـزْلِ الْغَضَافَكَانَ كَاللَّيْلِ الْبَهِيمِ حَلَّ فِي ….. أَرْجَائِهِ ضَوْءُ صَبَاحٍ فَانْجَلَىوَغَاضَ مَاءَ شِرَّتِي دَهْرٌ رَمَى ….. أَرْجَائِهِ ضَوْءُ صَبَاحٍ فَانْجَلَىوآضَ رَوْضُ اللَّهْوِ يَبْساً ذَاوياً ….. مِنْ بَعْدِ ما قَدْ كانَ مَجَّاجَ الثَّرىوضَرَّم النَّأْيُ الْمُشِتٌّ جَذْوَةً ….. مَا تَأْتلِي تَسْفَعُ أثْناءَ الْحَشَاواتَّخَـذَ التَّسْهيدُ عَيْنِي مَأْلَفَـاً …… لَمَّا جَفَا أَجْفانَهَـا طَيْفُ الْكَـَرى
ومن ثم أخذ يصور تعاسته أكثر فأكثر حيث قال:ـ
لَوْ لاَبَسَ الصَّخْرَ الأَصَمّ بَعْضُ مَـا ….. يَلْقَاهُ قَلْبي فَضَّ أصْلاَدَ الصَّفَاإذَا ذَوَىَ الغُصْنُ الرَّطِيبُ فَاْعَلَمَنْ ….. أَنّ قُصَاراهُ نَفَادٌ وَتَوَىإِنْ يَحْمِ عَنْ عَيْني الْبُكَا تَجُلُّدِي ….. فَالقَلْبُ مَوْقُوفٌ عَلَى سُبْلِ الْبُكَالَوْ كَانَتِ الأَحْلامُ نَاجَتْني بِمَا ….. أَلْقَاهُ يَقْظَانَ لأَصْمَانِي الرَّدى منْزِلَةٌ مَـا خِلْتُهـا يَرْضَى بِهَــا ….. لِنَفْسِـهِ ذُو أَرَبٍ وَلاَ حِجَـــاشَيْمُ سَحَابٍ خُلَّبٍ بَارِقُهُ ….. وَمَوْقِفٌ بَيْنَ ارْتِجاءٍ ومُنىفِي كُلّ يَوْمٍ مَنْزِلٌ مُسْتَوْبِلٌ ….. يَشْتَفُّ مَاءَ مُهْجَتي أَو مُجْتَوَىمَا خِلْتُ أَنَّ الدَّهْرَ يَثْنِيني عَلَى ….. ضَرَّاءَ لاَ يَرْضَى بِهَا ضَبُّ الكُدَىأُرَمِّقُ الْعَيْشَ عَلَى بَرْضٍ فَإِنْ ….. رُمْتُ ارْتِشَافاً رُمْتُ صَعْبَ الْمُنْتَسىأَرَاجِعٌ ِلي الدَّهْرُ حَوْلاً كَامِلاً ….. إِلَى الَّذِي عَوَّدَ أمْ لاَ يُرتَجَىيَا دَهْرُ إِنْ لَمْ تَكُ عُتْبَى فَاتَّئدْ ….. فَإِنَّ إِرْوَادَكَ وَالْعُتْبى سَوَارَفّهْ عَلَيّ طَالَما أَنْصَبْتَنِي …… وَاسْتَبْقِ بَعْضَ مَاءِ غُصْنٍ مُلْتَحَىلاَ تَحْسِبَنْ يا دَهْرُ أَنّي ضَارِعٌ ….. لِنَكْبةٍ تَعْرِقُني عِرْقَ الْـمُدَىرَضِيتُ قَسْراً وعَلى الْقَسْرِ رضِىً ….. مَـنْ كانَ ذَا سُخْطِ عَلَى صَرْفِ الْقَضَاإِنَّ الْجَديدِيْن إِذَا مَا اسْتَوْلَيَا …… عَلَى جَديدٍ أَدْنَيَاهُ لِلْبِلَىمَا كُنْتُ أَدْرِي والزَّمَانُ مُولَّعٌ …… بِشَتٍ مَلْمُومٍ وَتَنْكِيثِ قُوَىأَنَّ الْقَضَــاءَ قَاذِفِي فِي هُــوَّةٍ ….. لاَ تَسْتبِلُّ نَفْسُ مَـنْ فِيها هَــوَى
(1) راجع جريدة “اليوم” الأعداد رقم 7266 وتاريخ 16/11/1413هـ ورقم 7273 وتاريخ 23/11/1413هـ ورقم 7280 وتاريخ 30/11/1413هـ ورقم 7287 واريخ 7/12/1413هـ ورقم 7294 وتاريخ 14/12/141هـ.(2) وراجع الفوائد المحصورة في فوائد المقصورة، تخقيق أحمد عبدالغفور عطار، ص 25 وما بعدها، ط/1، 1400هـ.


تاريخ النشر: 25/01/2001م

* رئيس دارة الدكتور آل ملحم

من أوراقي المبعثرة قانون الغابة

كان القانون الدولي في الجانب المتعلق منه بالمحافظة على السلم والأمن الدوليين إسما على غير مسمى قبل نشأة الدولة القومية. وتبلور هذا المسمى في ظل قانون “عصبة الأمم” التي تكوَّن أعضاؤها من منظومة الدول القومية لدرجة كان هدفه الأسمى إبقاء الأحوال الأممية في عهده في حالة سكون دائم. وعلى النقيض من قانون “عصبة الأمم” تحولت معالم القانون الدولي في ظل قانون “الأمم المتحدة” الجديد وهو القانون الذي استهدف هو الآخر حماية مصالح المنتصرين الذين تجمعوا في مملكة “حق النقض”. وهي المملكة التي استهدفت هي الأخرى إبقاء الأحوال الأممية في عهدها في حالة سكون دائم. ولا تزال هذه المملكة تقاوم رياح التغيير.وفيما بين ذاك القانون ونقيضه لم تبق الأحوال الأممية على حالها كما أريد لها أن تكون. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وما ترتب على حربي “الخليج العربي” برز ما يُسمَّى بالنظام العالمي الجديد، ومن ثم نظام العولمة.وفي ظل حقائق الأحوال الدولية المعاصرة لا مناص من القول بأن عالم اليوم محكوم بقانون شبيه ” بقانون الغابة”. و”قانون الغابة” هو قانون اللاّ ـ شرعية أي القانون الذي يضفي الشرعية على أعمال الشر والظلم والعدوان دونما وازع من ضمير أو دين أو منطق أو عدل. وتتمركز معالم “قانون الغابة” على المقولات الخمس التالية:ـ1 ـ استخدام القوة من أجل المحافظة على وقائع غير شرعية. وهذا الاستخدام قانوني بموجب القانون الدولي. ومبنى هذه المقولة هو أن من شأن المحافظة على هذه الوقائع غير الشرعية المحافظة على الأمن والسلم الدوليين.2 ـ فعالية القانون الدولي تتأكد من الناحية الشرعية في الحالة التي يتجه فيها إلى تأييد موقف أو مواقف معينة غير شرعية. ومبنى هذه المقولة هـو اعتبار القانون الدولي كما هو مطبق حالياً هو قانون الغابة.3 ـ إعطاء قواعد القانون الدولي الداعية إلى استقرار السلم والأمن الدوليين أسبقية في التطبيق والتنفيذ حتى في الأحوال القائمة على أسس غير عادلة. ومبنى هذه المقولة هو اعتبار استمرار الأمن والسلم الدوليين من وجهة نظر قانون الغابة هي المظلة الواقية ضد ضربات شمس التغيير مع أن دوام الحال من المحال. 4 ـ تغليب استخدام القوة المجردة من الشرعية القانونية على استخدام القوة المستندة إلى الشرعية القانونية إذا كان من شأن ذلك حماية مصلحة غير مشروعة في نظر “قانون الغابة”. ومبنى هذه المقولة أن تكون القوة المجردة من الشرعية هي القانون النافذ في حسابات “قانون الغابة” في خصوص تلك المصلحة.5 ـ استخدام “حق النقض” في مجلس الأمن التابع لهيئة الأمم المتحدة باعتباره صمام الأمان وفقاً “لقانون الغابة” في خصوص حماية المصالح غير المشروعة كما ترتبت واستقرت بعد انتهاء الحرب الباردة. وهذا الاستخدام، من الناحية القانونية، سليم حتى ولو تعارض مع مبادئ الحق والعدل أو مبادئ حرية الأمم والشعوب في تقرير مصيرها أو مع مبادئ حقوق الإنسان. ومبنى هذه المقولة هو اعتبار “حق النقض” هو صمام الأمان الوحيد لاستمرارية “قانون الغابة” الحارس الأمين للهيمنة الدائمة للعولمة، وهي الهيمنة المعتمدة من حيث البقاء والفعالية والاستمرارية على “سلطان القوة” المجردة من الشرعية أكثر من اعتمادها على “سلطان العدالة”.هذه المقولات الخمس ثوابت من شأن ممارستها تعزيز “قانون الغابة”.ولعل الصـورة تتضح، في ظل المقولات الخمس المذكورة في الحلقة السابقة، عن المقصود من “قانون الغابة”.يقال في عالم الأساطير أن “قانون الغابة” هو القانون الذي يسيطر بموجبه القوي على الضعيف دونما شفقة أو رحمة أو حنان.و”قانون الغابة” هو قانون حقيقي له مبادئه وأحكامه وتطبيقاته سواء في عالم النبات أو عالم الحيوان أو عالم الانسان.من أراد أن يتعرف على “قانون الغابة ” في عالم النبات فليسأل عنه الفلاح.ومن أراد أن يتعرف على “قانون الغابة” في عالم الحيوان فليسأل عنه “علماء البيئة” هذا من جهة. كما عليه أن يبحث عنه، من جهة أخرى، في كتب قصص الحيوان. وهي كتب كنا، ومنذ الصغر وقبل أن نشب عن الطوق، نتسلى بقراءة الحكايات التي تحتوي عليها لأنها تصور لنا في إطار من الخيال وقائع ربما لا يصدقها العقل، ومع ذلك ففي هذه الحكايات الصحيح من الوقائع التي تتحدث عن الصراع بين القوة والضعف من خلال تصرفات الحيوان ممثلاً في أسوده ونموره وثعالبه وقططه وذئابه. إنها حكايات، برغم ما يتبقى منها من رواسب في الذهن مع تقدم السن، تظل مخزون عبر وذكريات.أما من أراد أن يتعرف على “قانون الغابة” في عالم الانسان فهذا القانون موجود، ومن السهل التعرف عليه لوجود تطبيقات له في كل زمان ومكان.ومن تطبيقاته “مجازر صابرا وشاتيلا”، وما يحصل في “أفغانستان”، واستخدام “حق النقض” غير المبرر، وما يحصل في “فلسطين”.”قانون الغابة” هو قانون اللاَّ ـ شرعية لأنـه القانون الذي يضفي الشرعية على أعمال الشر والظلم والعدوان . وقانون الغابة تتجلى تطبيقاته حينما يُفْرَضُ على القانون الدولي أن يستهدف عند تطبيق قواعده استقرار الأمن والسلم الدوليين حتى ولو كان ذلك على حساب العدالة الدولية.وعلى سبيل المثال، إن الإلتزام بأمن واستقرار ورفاهية “اسرائيل” [وهي واقع غير شرعي مزروع قي قلب الأمة العربية] من أولى أوليات “القانون الدولي” وفقاً لمفاهيم وتنظيرات “قانون الغابة” وذلك تأسيساً على أن من شأن حمايتها، ومن الناحية القانونية، استقرار الأمن والسلم الدوليين.وانطلاقاً من الأرضية السابقة ليس من المهم من الناحية الواقعية وفقاً “لقانون الغابة” أن يتشرد شعب فلسطين أو أن يقسم شعب لبنان أو أن تسود الفوضى في الصومال أو أن يفصل جنوب السودان عن شماله أو أن يمزق شعب الشيشان.القانون الدولي الذي تسعى الأمم والشعوب إلى تطبيق قواعده هو نقيض “قانون الغابة”. إنه القانون الذي يستمد جذوره من العدالة الدولية التي لا تجعل من القوة المجردة من الشرعية مصدر السلطة الدولية في حفظ الأمن والسلم الدوليين.القانون الدولي الذي نعنيه هو القانون الذي يتخذ من العدالة الدولية مقاييسه ومفاهيمه واستراتيجياته. ولكن أين هذا القانون في عالم حل محله “قانون الغابة” الذي يعتمد، من حيث الفاعلية والتأثير، على سلطان القوة المجردة من الشرعية.من المستحيل أن تبقى الحياة الدولية المعاصرة في كف قانون الغابة.ولعل هذا البقاء إلى حين.وكما تكونون يول عليكم.ولله سبحانه وتعالى في خلقه شئون.ــــــــــــــ* رئيس دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستشارات القانونية


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:10079

تاريخ النشر: 18/01/2001م

كانت أشبه بالجامعة(3)

كنت قد انتهيت في الحلقة الثانية من استعراضي كتاب (كانت أشبه بالجامعة) عند الوقفة السابعة من الوقفات التي تحدثت فيها عن الحركة الأدبية الواعدة في الاحساء, واتابع شرح بقية الوقفات فيهذه الحلقة
الوقفة الثامنة . وللحركة الأدبية والثقافية نصيب وافر في كتاب “كانت أشبه بالجامعة”. ومن رواد هذه الحركة أستاذ الجيل الشيخ الجليل “عبدالله بن عبدالرحمن الملا”. كان معلِّماً “بمدرسة الأحساء الابتدائية”، وكان ناشراً للثقافة والمعرفة “بمقاطعة الأحساء” بلا منازع. أسس “مكتبة التعاون الثقافي” وأدارها بنفسه، وكانت تدار من قبل زائري المكتبة معاركُ أدبية عصر كل يوم أمام دكان المكتبة الصغبر في حجمه، الشاهق والسامي في معناه ورسالته حينما كان موقعها في سوق القصيرية التاريخي. كان هذا وضع مكتبة هذا “الرائد” في جيل مضى، والسؤال هو ما هو وضع هذه المكتبة الفاتحة أبوابها حتى الآن في جيلنا المعاصر؟. ومن هم الذين يرتادونها؟ ألا تستحق هذه الظاهرة التنويه عنها في زمن تم فيه هجر الكتاب. يقول أحد خريجي “مدرسة الأحساء الابتدائية” أديب الأحساء الكبير الأستاذ “عبدالله بن أحمد الشباط” عن هذا الرائد:ـ هذا الرجل هو حامل مشعل الثقافة في الأحساء . . إذ نذر نفسه أكثر من نصف قرن من الزمن لخدمة المعرفة، فتجشم المتاعب، وعرَّض نفسه للخسارة المادية، وأضاع الكثير من وقته ليقدم للطلبة والمثقفين وأنصاف المتعلمين زادهم الثقافي من الكتب والمجلات والأدوات المدرسية منذ عام 1354هـ أي منذ كان التعليم يدور في حلقات الذكر، ولا يتعدى مدارس الحديث، ومجالس الوعظ والإرشاد في المساجد.وإضافة لما سبق، أود أن أحيي “جمعية الثقافة والفنون السعودية ـ فرع الأحساء” حينما كرمت هذا الرجل في “مهرجان هجر الثقافي الثاني” هذا العام باعتباره من رواد الحركة الثقافية في “محافظة الأحساء”. كذلك كان من رواد هذه الحركة رجل أحبَّ “الأحساء”، وله لمسات لا تنكر على تقويم العملية التعليمية في “الأحساء”. أنه فقيد العرب وعلامة الجزيرة العربية الشيخ “حمد بن محمد الجاسر” الذي غادرنا إلى مثواه المؤقت منذ شهر. ماذا في إمكاني أن أتحدث لكم عن هذا الرجل العملاق, يكفي أنه كان شاهداً على ما أحرزته المدرسة التي “كانت أشبه بالجامعة” من مجد حيث كان مدرساً بها، وكان له تطلعات فيها ولكن قصر إقامته في “الأحساء” أفقد هذه المدرسة “معلماً” كان في إمكانه إن يضيف لها الشئ الكثير. ويكفي هذا الرائد أنه كان ملء السمع البصر قبل وبعد وفاته. زرته ذات مرة في المستشفى وكان رغم مرضه يسألني عن “الأحساء” وعن بعض رجالاتها. علمت بوفاته وأنا في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان لنبأ وفاته وقع الصدمة بالنسبة لي. ويكفي ـ وأنا أفتخر الآن أمامكم ـ أنه احتل المكان اللائق به في فصل مستقل بكتاب “كانت أشبه بالجامعة”. الوقفة التاسعة . تحدَّثتُ في اقتضاب عن رواد التعليم الحديث في الأحساء فيما سبق ذاكراً أسماءهم. ويستحق هؤلاء الرواد أكثر من حديث عابر. وهذه مهمة طلاب البحث في الجامعة والكلية والمعهد والمدرسة لكي يعدوا دراسات عنهم وعن أسرهم وأحوالها. ما سبق من وقفات، هي وقفات عابرة، وبالكتاب لمن هم مولعون “بهجر” وقفات أخرى لا يتسع المجال لذكرها. ولكنها كلها تصب في معين واحد وهو أنها كلها معالم تدعو أبناء جيلنا المعاصر في “محافظة الأحساء” ليدركوا ما كان عليه جيلنا السابق. هذا مع العلم أن العملية التعليمية عملية متواصلة مع اختلاف الظروف والامكانيات والوسائل التعليمية.ولا يفوتني في هذا المجال أن أنوه عن جهود الأستاذ الدكتور عبدالرحمن بن ابراهيم المديرس التعليمية، وهي الجهود التي أتابعها عن كثب والتي تصب كلها في معين واحد وهو تطوير العملية التعليمية في محافظة الأحساء والأخذ بها إلى آفاق المستقبل الرحبة.وتبقى من هذه المحاضرة “كلمة” و”خاتمة”..أما “الكلمة” فهي استجابة لما طلبه الدكتور “المديرس” وهي التحدث عن أبرز طلاب المدرسة التي “كانت أشبه بالجامعة”. هؤلاء الطلاب كثيرون. وسأكتفي بذكر اثنين منهم. أما الأول فهو الطالب “يوسف بن عبداللطيف أوسعد” الذي برز فيما بعد
شاعراً متالقاً. وسأكتفي بكلمات الأستاذ “مبارك بوبشيت” في الذكرى الثانية لوفاة “أبوسعد”. يقـول الأستاذ “بوبشيت”:ـ وتمضي الذكرى الثانية لوفاة “بحتري الأحساء” “يوسف أبوسعد”. إن الشاعر “أبوسعد” يرحمه الله شاعرٌ له تجربته الفريدة والمتميزة في عالم الشعر والكلمة. فهو علاوة على كونه شاعراً إلا أن لغته العربية ومفرداته نقية من الشوائب والدخيل، وأسلوبه يمتاز بالجزالة والصياغة الصحيحة في تركيب جمله الشعرية. من بين قصائد الشاعر “أبوسعد” أخترت أبياتاً من قصيدة “نداء القدس”، وهي قصيدة تحكي حال “القدس” هذه الأيام:ـ
دَعِي الْقَيْثَارَةَ فُاتِنُ وَالرَّبَابَا ….. فَقَدْ عَظُمَتْ حَشَاشَتُنَا مُصَابَادَعِي الُقَيْثَارَ نَارُ الثَّأْرِ ضَجَّتْ ….. بِأَضْلاَعِي وَهَاتيِ لِي الْحِرَابَافَمَا طَرُبَتْ لِهَذَا الْعَزْفِ أُذْنِي ….. وَمَا اسْتَهْوَتْ مَسَامِعِيَ (الْعِتَابَا)وَمَا هَزَّ الْغِنَاءُ شِغَافَ قَلْبِيِ ….. وَهَذِي الْقُدْسً تُغْتَصَبُ اغْتِصَابَاتَقَولُ لأُمَّةِ الإِسْلاَمِ هُبُّوا ….. سِرَاعاَ، وَاثْأَرُوا أُسْداً غِضَابَا بَنُوصُهْيُونَ قَدْ شَدُّوا وِثَاقِي ….. وَكَالُوا لِي الرَّزَايَاْ وَالْعَذَابَاأَبَاحُوا حُرْمَتِي، وَعَثَوْا بِأَرْضِي ….. فَسَاداَ مَا اسْتَطْعْتُ لَهُ حِجَابَابُغَاثٌ إِنْ رَأَوْا وَجْهاً عَبُوساً ….. وَأَشْرَارٌ إِذَا أَمِنُوا الْعِقَابَاوَلَوْلاَ الْغَرْبُ يُسْعِفُهُمْ دَوَاماً ….. بِأَسْلِحَةٍ لَمَا نَبَحُوا كِلاَبَاأَنَطْلُبُ حَقَّنَا باِللِّينِ مِنْهُمْ ….. إِذَنْ فَالْحَقُّ قَدْ ضَلَّ الصَّوَابَابِغَيْرِ الْحَرب لَنْ نَحْظَى بِحَقٍ ….. وِيُصْبِحُ شَعْبُنَا شَعْباً مُهَابَاوَمَنْ رَامَ الْحَيَاةَ بِلاَ كِفَاحٍ ….. فَقَدْ خَسِرَ الْحَيَاةَ غَذاً وَخَابَا !أَقُولُ لَكُمْ وَفِي قَلْبِي ضِرَامٌ ….. وَرَأْسِي مِنْ صُرُوفِ الدَّهْرِ شَابَا!كَمَا قَالَ (الأَمِيَرُ) لَكُمْ قَدِيماً ….. وَلَكِنْ أَيْنَ مَنْ حَفِظَ الْخِطَابَا”وَمَا نَيْلُ الْمَطَالِبِ بِالتَّمّنِّي ….. وَلَكْن تُؤْخَذُ الدُّنْيَا غِلاَبَا”وَمَا اسْتَعْصَى عَلَى قَوْمٍ مُنَاهُمْ ….. إِذَا الإِقْدَامِ كَانَ لَهُمْ رِْكَابَا”بَكَى فِي قَبْرِهِ عُمَرٌ عَلَيْهَا ….. وَعَمْرٌو وَدَّ لَوْ شَدَّ الرِّكَابَالِيَجْلِيَ سَيْفَهُ الْمَسْلُولُ عَنْهَا ….. يَهُوداً دَنَّسُوا فِيهَا التُّرَابَاصَلاَحُ الدِّينَ أَفْزَعَهُ بُكَاهَا ….. وَرَامَ رُفَاتَهُ الْبَالِي إِيَابَالِمَاذَا لَمْ يَكُنْ فِينَا صَلاَحٌ ؟ ….. أَمَاتَ الْعَزْمُ، وَالإِقْدَامُ غَابَا؟أَعِدُّوا مَا اسْتَطْعُتمْ مِنْ سِلاَحٍ ….. لَهُمْ، وَدَعُوا التَّغَابِي وَالْعِتابَافَإِحْدَى الُحُسنَيَيْنِ لَكُمْ جَزَاءٌ ….. وَمَنْ أَمَّ الْجِهَادَ فَقَدْ أَصَابَافَلاَ لَذَّ الْكَرَى وَيَضِيعُ حَقٌ ….. ولاَ عَيْشٌ بِغَيْرِ الْقُدْسِ طَابَاوَلاَ عِــزٌ لَنَا نَرْجُـــوهُ إِلاَّ ….. إِذَا خُــذِلَ الْعِـدَا وَالْحَقُّ آبا
أما خريج “مدرسة الأحساء الابتدائية” رفيق دربي أبن عمي الشاعر “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم” فشهادتي في شعره مجروحة. ولذا أكتفي بإنشادكم قصيدة شعرية له بعنوان “ذِكْرِيَاتُ عَاشِقٍ”ـ:
رُوَيْدَكِ فِي هَجْرِهِ فَاقْصِرِي ….. فَلَيْسَ عَلَى الْهَجْرِ بِالْقَادِرِوَرُدِّي عَلَيْهِ الْفُؤَادَ الَّذِي ….. سَلَبْتِهِ ظُلْمَاً وَلاَ تُنْكِرِي!تَقُولِينَ: فِي الْحُبِّ أَخْطَا فَإِنْ ….. يَكُنْ مِنْهُ ذَاكَ جَرَى فَاغْفِرِيوَرِقِّي عَلَى عَاشِقٍ مُغْرَمٍ ….. تَحَمَّلَ فَوْقَ الْفَتَى “الْعَامِرِي”!وَلاَ تُسْرِفِي مِنْ مَلاَمِ الْفَتَى ….. وَلَكِنْ لِمَوْقِفِهِ قَدِّرِيكَتَمْتُ الُغَرَامَ فَلَمْ يَنْكَتِمْ ….. وَنَمَّ عَلَى بَاطِنِي ظَاهِرِيوَقَدْ ضُقْتُ ذَرْعَاً بِحُمْلاَنِهِ ….. فَإِنْ بُحْتُ بِالْحُبِّ فَلاَ تُنْكِرِيأُحِبُّكِ حُبَّاً يُعِلُّ الْفُؤَادَ ….. فَرُحمْاَكِ بِالْعَاشِقِ الصَّابِرِحَبِيبَةَ قَلْبِيَ لَوْ تَهْجِرِينَ ر أُحِبُّكِ فِي الْوَصْلِ وَالْمَهْجَرِفَإِنَّ الْهَوَى فِي فُؤَادِي ثَوَى ….. وَلَيْسَ لِغَيْرِكِ بِالصَّابِرِوَكَيْفَ أَعَافُ الْهَوَىَ بَعْدَ مَا ….. تَجَرَّعْتُ مِنْ نَبْعِهِ الطَّاهِرِ؟فَإِنْ تَـتْرِكِينِي وَإِنْ تَهْجُرِينِي ….. فَلَيْسَ مُحِبُّكِ بِالْهَاجِرِوَإِنْ تَغْدُرِينِي وَإِنْ تُسْرِفِي ر فَلَسْتُ مَدَى الْعُمْر بِالغَادِرِفَإِنَّ سَنَا الذِّكْريَاتِ الْحِسَانِ ….. هِـيَ النُّورُ مَا عِشْتُ لِلنَّاظِرِوَإِنَّ صَـدَاهَا الرَّنِينَ الْجَمِيلَ ….. يَعِيشُ بِنَفْسِي وَفِي خاَطِرِيحَبِيبَةَ قَلْبِيَ: هَلْ تَعْلَمِينَ ….. بِإِنَّ الْغَرَامَ مِنَ الأَكْثَرِخُدَاعٌ؟ وَأَنَّ الغَرَامَ الصَّحِيحَ ….. قَلِيلٌ وَأَنْدَرُ مِنْ النَّادِرِ!فَلاَ تَسْمَعِي لِلأُولَى زَيَّفُوْا ….. فَهُمْ “كَالمُعَيْدِيِّ “إِنْ تَشْعُرِيوَمَبْدءُ “عُرْقَوبَ” مِنْهَاجُهُمْ ….. فَبِئْسَ أُولَئِكَ مِنْ مَعْشَرِ فَلَيْسَفَسِيرِي بِنَهْجِ الْغَرَامِ الصَّحِيحِ ….. الْمُنَوَّرُ كَالْحَائِرِحَبِيبَةَ قَلْبِيَ: لِمَاذَا الْجَفَا ….. وَحَتَّى مَتَى الْهَجْرُ لِلصَّابِرِ؟أَحِبَّةَ قَلْبِي وَرَيْحَانَهُ ….. أَمَا تَذْكِرِينَ هَوَانَا الْبَرِي؟وَأَوْقَاتَ مَرَّتْ بِنَا حُلْوَةً ….. تَضَمَّخْنَ بِالطَّيَّبِ والْعَنْبَرِ بِظِلِّجَنَيْنَا بِهِنَّ قُطُوفَ الْمُنَى ….. الْبَسَاتِينِ وَالأَنْهُرِأَخِلاَّءُ: أَرْخَى عَلَيْنَا الدُّجَى ….. غِشَاءً مِنَ الْغَسَقِ الْعَبْقَرِيأَلاَ تَذْكُرُونَ الزُّروُعَ بِهَا ….. وَغَضَّ نَبَاتٍ بِهَا أَخْضَرِوَتِلْكَ الْفُرُوعُ التِي لَمْ تَزَلْ ….. تَمُدُّ يَدَيْهَا إِلَى الأَنْهُرِتَرَاءَى بِهِنَّ شُعَاعُ الْغُرُوبِ ….. مَرَايَا مِنَ الذَّهَبِ الأَصْفَرِ فَتِلْكَ الطَّبِيعَةُ نَلْهُوْ بِهَا ….. وَنَمْرَحُ فِي جَوِّهَا الْعَامِرِ مَعَاهِدُفَعَيْنُ “الْخَدُودِ” وَ”بَابُ الْهَوَى” ….. ذِكْرَى هَـوَانَا الُبَرِيأَجَلْ! فَالْمَعَايِشُ فِيهَا غَدَتْ ….. أَلَذُّ كَثِيَراً مِنَ الْحَاضِرِ أَلاَ فَاذْكُرُوْا الذِّكْرَيَاتَ الَّتِي ….. صَدَاهُنَّ مَا زَالَ فِي الْخَاطِرِ سَكَنَّ بِقَلْبِي وَسَمْعِي مَعَاً ….. وَمَا غِبْنَ يَوْمَاً عَنِ النَّاظِرِ تَقُولُونَ: أَيْنَ الْعَرِيشُ الْجَمِيلُ ….. وَأَيْنَ شَذَى نفحه العبهرِي؟وَتِلْكَ الْجَدَاوِلُ مِنْ تَحْتِهِ ….. أَشُدُّ صَفَاءً مِنَ الْجَوْهَرِوَأَيْنَ الضَّوَاحِي وَأَطْيَارُهَا ….. تُغَرِّدُ فِي الْحَقْلِ وَالْبَيْدَرِوَ”عَيْنُ الْخَدُودِ” بِهَا الْمُلْتَقَى ….. بِتِلْكَ الْجَدَاوِلِ وَالأَنْهُرِيُنَافِسُهَا “الْحَقْلُ” فِي مَدِّهَا ….. وَفِي شَكْلِهَا الْبَاهِرِ السَّاحِرِوَعَيْنُ “الْبُحَيْرَةِ” تِلْكَ الَّتِي ….. بِهَا ذِكْرَيَاتُ الصِّبَا الْعَامِرِوَتِلْكَ الْعُيُونُ تَرُوقُ الْعُيُـونَ ….. بِمَنْظِرِهَا السَّاحِرِ الشَّاعِرِيكَأَنَّ الضَّوَاحِي بِشُطْآنِهَا ….. بِسَاطٌ مِنَ السُّنْدِسِ الأَخْضَرِيَقُولُونَ: أَيْنَ الْعَرِيشُ الْجَمِيلُ ….. وَأَيْنَ شَذَى نَفْحِهِ الْوَافِرِ؟فَقُلْتُ: تَوَلَّى الْعَرِيشُ وَمَا ….. سَأَلْتُمُ عَنْهُ مَعَ الْمَعْشَرِتَوَلَّى الْقَدِيمُ الَّذِي تَعْهَدُونَ ….. وَجَاءَ الْجَدِيدُ بِلاَ مَخْبَرِوَسَوْفَ يَعُودُ الْقَدِيمُ وَمَا ….. عَلَى اللهِ شَئٌ بِمُسْتَنْكَرِفَمَا هِيَ إِلاَّ ظُرُوف تَمُرُّ ….. وَلَيْسَ عَلَيْهَا بِمُسْتَأْخِرِ

أما خاتمة المحاضرة فتتعلق باقتراح مني أرغب أن أطرحه لسائر المهتمين بالحركة العلمية والتعليمية والثقافية والأدبية والتاريخية في “محافظة الأحساء”. وهذا الاقتراح الذي سأرسم معالمه في عبارات مبسطة هو على النحو التالي:ـأن ينشأ مركز مستقل تحت عنوان “مركز الأحساء الثقافي”. وأن يكون من الأعضاء المؤسسين لهذا المركز:ـ كلية التربية بجامعة الملك فيصل, وكلية المعلمين التابعة لوزارة المعارف، وجمعية الثقافة والفنون السعودية ـ فرع الأحساء، والغرفة التجارية والصناعية في محافظة الأحساء، وكلية الشريعة بمحافظة الأحساء، ومعاهد التدريب الصناعي والفني بمحافظة الأحساء، ومن يهمهم الأمر من أدباء ورجال علم وأعمال وأصحاب حرف وحتى أميون بمحافظة الأحساء. وأنا مستعد أن أكون من المؤسسين. على أن يمول هذا المركز من قبل هؤلاء المؤسسين وتكون به قاعة كبرى للمحاضرات وكذلك قاعات للبحوث والدراسات . أما مهمة هذا المركز فتنحصر بالعناية بتاريخ “محافظة الأحساء” وتراثها بما في ذلك حركة التعليم والثقافة والأدب بها منذ العهد الجاهلي وحتى هذا العصر الزاهر. كما أن يقوم المركز خلال عملية تنفيذ مهمته بجمع كل ما أُلِّفَ عن “الأحساء” من الناحية التاريخية والأدبية والتراثية والجغرافية والاجتماعية والدينية سواء أكانت هذه المطبوعات باللغة العربية أو بلغات أخرى مع إخضاع سائر هذه المطبوعات للدراسة العلمية بغرض تصحيح ما بها من أخطاء مع الحرص على التوثيق بقدر الإمكان عن طريق التعاون مع المراكز المماثلة الأخرى بداخل المملكة وخارجها.وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه،،،والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 10058

 

تاريخ النشر: 28/12/2000م

كانت أشبه بالجامعة (2)

تحدثتُ عن زيارة الأستاذ عريف في كتاب “كانت أشبه بالجامعة” كما يلي:ـ كتب الأستاذ “عريف ـ وكان آنذاك رئيس جريدة “البلاد السعودية” ـ سلسلة من المقالات تحت عنوان “رحلتي إلى المنطقة الشرقية من المملكة ـ كنت في الأحساء ـ”، وكنتُ [أنا] وقت نشر الأستاذ “عبدالله عريف” لهذه المقالات طالباً في السنة “السادسة” بـ “مدرسة الأحساء الابتدائية”، وكانت تلك المقالات التي مضى عليها ما يقرب من نصف قرن ـ ذات طابع شخصي تحدث الأستاذ “عريف” فيها عن مشاهداته وانطباعاته الشخصية عن “الأحساء” التي يزورها لأول مرة. وكنت أتابع قراءة هذه المقالات بشغف شديد رغم صغر سني، وأكثر ما شدني لتلك المقالات أسلوب الإثارة الصحفية إذ خُيل للكاتب ـ في كل ما يكتبه عن الأحساء ـ أنه يكتشف أسراراً لأول مرة، ولعله كان محقاً في ذلك، وذلك لعدم وجود مصنفات تاريخية تتحدث عن جغرافية “الأحساء” وتاريخها وآثارها وعادات أهلها وتقاليدهم. ولهذا يبقى ما كتبه الأستاذ “عريف” على عجل ـ كمادة صحفية تنشر في صفحة يومية آنذاك ـ وثيقة حية تتحدث عن فترة مضت ـ وهي فترة لا يعلم عنها الجيل المعاصر في “محافظة الأحساء” كثيراً.أما السبب الثاني الذي دعاني مع مرور الزمن لوضع فكرة تأليف الكتاب موضع التنفيذ فهي أنني لم أجد بعد البحث والتقصي ـ في عالم الثقافة الثر في “واحة الأحساء” وحتى الآن ـ من أخذ زمام المبادرة ليتحدث عن تأريخ ـ أو قصة ـ الحركة التعليمية في عهد الملك “عبدالعزيز” يرحمه الله في موضوعية مجردة من خلال الدور الشامخ الذي لعبته “مدرسة الأحساء الابتدائية” العملاقة في تلك الحركة، يستوي في ذلك من رضع العلم بهذه المدرسة، أو حاول ـ مجتهداً ـ أن يتحدث عنها عن طريق السماع أو النقل، وكل ما قرأته مما كتب عنها لم أجد فيه لذة المعاصرة، بل كل ما قرأته مما كتب عنها كان ذا طابع عابر أو وصفٍ، ولم يوثق ـ بكل دقة ـ أوضاع هذه المدرسة “العملاقة” حينما كانت في ذروة مجدها، بل ويشوب ما كتب عنها وعن مسيرة التعليم في “مقاطعة الأحساء” وسائر مدنها وقراها وهجرها ـ بصفة عامة ـ بعض الأخطاء.ولدى تقديم هذا الكتاب للمطبعة رأيت إهداءه لأبنائي وحفدتي. أما أبنائي فهم الجيل المعاصر وأما حفدتي فهم الجيل القادم. وما جاء في الكتاب ليس إلا محاولة، مجرد محاولة، الغرض منها وضع العملية التعليمية وقت تأسيس المملكة العربية السعودية في إطارها السليم حيث وجدت وقتها أن كل المؤلفات التي تناولت العملية التعليمية وقت التأسيس كانت تقتصر على ما حصل في “منطقة الحجاز” دونما أية إشارة إلى ما تم في “مقاطعة الأحساء”. بلد الخير والأخيار.تألمت مما قرأته قبل تأليفي لكتابي. وكان الغرض من تأليفه هو مجرد لمسة وفاء لمسقط رأسي، ورغبة مني في استدراك ما أهمله التاريخ.وقبل طبع كتابي نشرتُ حلقات عن بدايات التعليم في “الأحساء” في فترة تأسيس “المملكة العربية السعودية” في جريدة “اليوم”. ولقد أعجبت بالخبر الذي نشره وقتها رئيس تحرير جريدة “اليوم” الأستاذ “خليل الفزيع” معرفاً بالحلقات قبل نشرها، وكان عنوانه:ـ “الدكتور آل ملحم يكتب في جريدة اليوم عن المدرسة المنسية”. وما ذكره الأستاذ “الفزيع” صحيح إذ على الرغم من أن المدرسة كانت ـ وفقاً لمقاييس العصر الذي أُسست فيه قلعة علم، ومنتدى سمار، ومحط أنظار كل من زار “الأحساء” آنذاك من ولاة أمر، وأدباء، ورجال صحافة، ورجال تربية وتعليم ـ إلاَّ أَنَّ الذين تعلموا بالمدرسة وتخرَّجوا منها فات عليهم من باب الوفاء لمدرستهم الحديث عن أوضاع هذه المدرسة ودورها الهام في العملية التعليمية باعتبارها جزأً مكملاً للعملية التعليمية الشاملة في فترة تأسيس المملكة العربية السعودية.ولم أتحدث عن المدرسة وحدها باعتبارها مجرد مدرسة في كتابي، بل استخدمت “مدرسة الأحساء الابتدائية” العملاقة بمثابة “نقطة ارتكاز”، أو “مركز اشعاع، أو “مدخل أساس” لموضوع أكبر في مجال الحركة التعليمية “المنسية” في “مقاطعة الأحساء” تاريخياً. ويدخل هذا الموضوع برمته في إطار “علم التاريخ الاجتماعي”. وهو العلم الذي يُعنى “بالعملية الاجتماعية” من جميع أبعادها وأهدافها واستراتيجيتها وتأثيراتها وأشخاصها مهما كانت مراكز هؤلاء “الأشخاص” في البنية الاجتماعية والثقافية المكونة للمجتمع أي مجتمع.وبدلاً من استعراض ما جاء في الكتاب كما طلب مني سعادة الأخ الأستاذ الدكتور “المديرس” فسوف أضعُ في هذه المحاضرة النقاط على الحروف بالنسبة لوقفات هامة لن يدركها إلاَّ من يقرأ بتأنٍ ما بين سطور الكتاب. الوقفة الأولى . بدايات التعليم في كل من “مقاطعة الأحساء” و”منطقة الحجاز” في عهد الملك “عبدالعزيز” يرحمه الله تكاد تكون ـ من الناحية الزمنية ـ متقاربٌ. ولو استمرت الأمور دونما عوائق من فعل بعض أهالي وعلماء “الأحساء” لكان من شأن ذلك تخرج “جيل مثقف أحسائي” يشارك جيل منطقة الحجاز المثقف في البناء التعليمي والاداري والتنموي في فترة تأسيس “المملكة العربية السعودية” وما تلاها. ولكن بسبب العوائق المشار إليها تأخر بدء التعليم في “الأحساء” لمدة ست سنوات مما ترتب عليه فوز جيل منطقة الحجاز المثقف بالمكانة الأولى مساهماً في البناء التعليمي والإداري والتنموي في تاريخ “المملكة الحجازية ونجد وملحقاتها” التي اصبح اسمها في الواحد والعشرين من شهر جمادى الأولى من عام 1351هـ “المملكة العربية السعودية”. والمدة التي ذكرتها أو أقل منها، بل وحتى ولو كانت يوماً واحداً، تعادل حياة جيل كامل. هذه الوقفة تحتاج إلى دراسات علمية جادة لبحث أسبابها عن طريق المقارنة بين معالم البيئة المتفتحة في “الحجاز” ومعالم البيئة المتقوقعة على نفسها في “الأحساء”، وهما البيئتان اللتان احتضنتا بدايات العملية التعليمية الأساسية باعتبارها ظاهرة عصرية في مرحلة تأسيس “المملكة العربية السعودية”.الوقفة الثانية . تميزت الأحساء بوجود أسر أطلق عليها ـ من باب المبالغة ـ “الأسر العلمية”. ليس هناك أسر من الممكن أن يطلق على كل فرد من أفرادها بلقب “العالم” لأن هذا غير معقول. وإذا كان هذا معقولاً فمعنى ذلك أن كل من يولد في هذه الأسرة أو تلك يلحقه هذا اللقب بمجرد ولادته. وكان من المفروض منذ حين وَلِوَضْعِ الأمور، من ناحية الأمانة العلمية، في نصابها أن يصحح الأمر. ولذا على سبيل المثال لو سميت أسرة ما “بالأسرة العلمية”، وكان عدد أفرادها يتراوح ما بين المائة أو المائتين نسمة. هل معنى ذلك أن كل هؤلاء المائة أو المائتين “علماء”. ولإزالة اللبس لعله من الملائم تاريخياً أن يقال، على سبيل المثال، أن الأسرة الفلانية فيها العالم والقاضي والواعظ وإمام مسجد وهكذا، مما يعني بالتالي أن هذه الأسرة من بين أفرادها من يمارس التجارة أو الزراعة أو الصناعة أو إحدى الحرف أو حتى فيها الجاهل والأمي. لذا من المهم دعوة المهتمين بالعملية التعليمية لبحث الأمر وتقويمه وتصحيحه حتى لا تظل “الأحساء” معروفة بأمور ذات مفاهيم غير دقيقة.الوقفة الثالثة . رغم ضيق ذات اليد لدى البعض من الأسر في بدايات التعليم في “الأحساء” إلا أن بعض أعيان هذه الأسر (وهؤلاء لا ينتمون لبيوت علم)كانت لهم اليد الطولى في دعم الحركة التعليمية عن طريق التبرعات “لمدرسة الأحساء الابتدائية” وطلابها. لماذا لا تسلط الأضواء الآن على هؤلاء الأعيان وكذا عن الأسباب التي دفعت بهم للتبرع طواعيةً من أجل العلم الحديث وتشجيع طلابه.الوقفة الرابعة . أثبتُ في كتابي (وشواهد الحال تثبت ذلك) أن معلمَ الأمس أحسن من معلمِ اليوم. معلمُ الأمس “عالمٌ” ومعلمٌُ اليوم “حاملُ شهادة” أهَّلته ليكون معلماً. هذه الظاهرة تستحق إعداد دراسات مقارنة عن أسبابها. وبكتابي أكثر من مؤشر لوضع مثل هذه الدراسات.الوقفة الخامسة . عن طريق استخدام “مدرسة الأحساء الابتدائية” بمثابة “مركز إشعاع” تناولتُ أحوالَ “الأحساء” من الناحية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والزراعية والأدبية. وما تحدثتُ عنه مجرد رؤوس أقلام يمكن لطلاب البحث والعلم في الجامعة والكلية والمعهد والمدرسة أن يستفيدوا منها بتوسع في دراساتهم وبحوثهم.الوقفة السادسة . تزامن التعليم الحديث في “مقاطعة الأحساء” مع التعليم الحديث في “منطقة الحجاز”. ولم أشر في كتابي عما إذا كان هناك تعليم مماثل متزامن في “منطقة نجد”. ما أسباب ذلك؟ مع أنني قد تحدثت في كتابي عن أن التعليم في “نجد” حينما بدأ في فترة لاحقة قد رُبط بالتعليم في “مقاطعة الأحساء” إن لم يكن إدارياً فعلى الأقل مالياً. هذه الحقائق التاريخية قد تناولتها في اقتضاب في كتابي. وتستحق المزيد من الدراسات بغرض إبراز مكانة “بلاد هجر” في العملية التعليمية إبان فترة التأسيس وما تلاها.الوقفة السابعة . المركزية واللاَّمركزية في التكوين الإداري والسياسي للمملكة العربية السعودية كانت من حيث التطبيق معضلة، لذا يثور التساؤل عن مدى انعكاساتها على العملية التعليمية من حيث وجود عمليتين تعليميتين متوازيتين متزامنتين في فترة التأسيس في شرق وغرب البلاد دون وسطها. وتعكس المركزية واللاَّمركزية صورة “وثيقة” أثبتها في كتابي. وهي “وثيقة” ذات أبعاد كلية سياسية يمكن أن تكون ذات مجال واسع للمهتمين بالدراسات الإدارية والسياسية من أصحاب المؤهلات العليا بالجامعات. وسوف أقرأ نص هذه “الوثيقة” دون التعرض لأبعادها ومضامينها تاركاً ذلك لحس المستمع. يقرأ نص الوثيقة كالتالي:ـحضرة صاحب السمو الملكي النائب العام لجلالة الملك المعظم أيده اللهبعد التحية والإجلال: أرفع لسموكم الكريم من طيه مذكرة معتمد المعارف بالأحساء رقم 1129 في 26/4/1370هـ بطلب تركيب تلفون بدار مدير مدرسة الهفوف بمناسبة إسناد استلام رواتب مدارس نجد إليه، وأرجو تعميد الجهة المختصة بتحقيق الطلب المشار إليه، أدام الله توفيقكم،،، مدير المعارف العام (محمد بن مانع). صورة لمعتمد المعارف بالأحساء وصورة لمدير مدرسة الهفوف المحترم.ماذا يعني هذا الطلب؟ ولماذا تم رفعه للمقام السامي؟ ومن هو صاحب الاختصاص في الإذن بتركيب تلفون، وما هو المبرر لرفع هذا الطلب؟ وثيقة، في رأيي، تفسح المجال لطالب العلم في الجيل المعاصر للبحث والتقصي عما كان عليه الجيل السابق في شأن الاتصالات السلكية واللاَّسلكية، وبمقارنة ما يتمتع به جيلنا المعاصر من حيث وجود الهاتف “الجوال” حتى في جيب الطالب في المدرسة الابتدائية فما بالك بتركيبه بالبيت, وإلى بقية الحلقات في الحلقة القادمة


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 10051

الناشر: جريدة اليوم

تاريخ النشر: 21/12/2000م

كانت أشبه بالجامعة(1) 

تلقيت دعوة كريمة من سعادة الأستاذ الدكتور “عبدالرحمن بن ابراهيم المديرس” مدير التعليم بمحافظة الأحساء جاء فيها:ـ أنه ابتهاجاً باختيار “الرياض” عاصمة للثقافة العربية لعام 2000م، وانطلاقاً من دور التعليم في دعم الحركة الثقافية والأدبية في المحافظة، ولما عرف عن “معاليكم” من اهتمام بتتبعِ وبحثِ للأحداث التعليمية والتاريخية وخاصة المتعلقة بمحافظة الأحساء، لذا يسرنا دعوتكم لألقاء محاضرة ثقافية عن التعليم في محافظة الأحساء من خلال استعراض ما جاء في كتابكم القيم (كانت أشبه بالجامعة ). من الصعوبة، أيها الأخ العزيز، بمكان تغطية موضوع الدعوة في محاضرة وذلك أن الوقت محدود ولايتسع لاستعراض شامل لمحتويات كتاب تتجاوز صفحاته أكثر من خمسمائة صفحة، وهو كتاب يتضمن بين دفتية قصة ملحمة متكاملة الوشائج والأجزاء عن فترة تاريخية حرجة.. ومع هذا فسوف أحاول تلبية هذه الدعوة في إيجاز. بادئ ذي بدء أود القول أن كتابي “كانت أشبه بالجامعة” مجرد محاولة متواضعة لإنصاف حركة التعليم الحديث في “الأحساء” التي أُهملت كلية من قبل المؤرخين لحركة التعليم الحديث في “المملكة العربية السعودية”. وعلى أبناء الجيل المعاصر من “محافظة الأحساء” وقد تهيأت لهم الوسائل التعليمية أن يعيدوا كتابة ما أهمله التاريخ.وحيث يصعب علي استعراض ما جاء في كتابي في وقت قصير فسوف أكتفي بإرهاصات أولية وفقاً لما يلي:ـيمكن النظر إلى تاريخ التعليم في “الأحساء” وفق المراحل التالية:ـ مرحلة ما قبل استرداد الملك “عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود” “للأحساء” حيث كان التعليم مقتصراً على الجانب الديني ونشر الثقافة التركية. ومرحلة ما بعد استرداد الملك “عبدالعزيز” يرحمه الله “للأحساء” حيث استمر التعليم الديني فيها مع تقلص نشر الثقافة التركية. وكان التعليم الديني فيما قبل وبعد استرداد “الأحساء” في عام 1331هـ في عهدة أسر قليلة أطلق عليها من باب المبالغة “الأسر العلمية”. وظل التعليم الديني منحصراً في نسبة قليلة جداً من السكان. أما الغالبية العظمى منهم فالأمية هي السائدة بينهم. وبعد استرداد “الأحساء” بإثني عشر عاماً بدأت مرحلة بوادر التعليم الحديث في “الأحساء” حينما أنشأ رائد التعليم الحديث الأول “حمد بن محمد النعيم” أول مدرسة للتعليم الحديث” تحت مسمى “مدرسة النجاح”، وآزرت أسرة “آل قصيبي” هذه المدرسة، وحظيت هذه المدرسة كذلك بمؤازرة معنوية حينما زارها الملك “عبدالعزيز” يرحمه الله في عام 1348هـ. وفي هذه المرحلة ظل المسئولون عن التعليم الديني في منآى عن التعليم الحديث. وفي عام 1350هـ قدم إلى “الأحساء” بتوجيه من الحكومة رائدان للتعليم الحديث هما “راغب القباني” و”عبدالجليل الأزهري” فأنشئَا “مدرسة للتعليم الحديث” في شارع الخباز المعروف في مدينة الهفوف القديمة. وأصيبت المدرسة بانتكاسة من طبيعة مأساوية بفعل بعض أهالي “الأحساء”. وفي عام 1356هـ قدم إلى “الأحساء” “رابع” رائد للتعليم الحديث وهو “محمد علي النحاس”. وهذا الرائد وإن كان من حيث الترتيب “الرابع” إلا أنه بكل المقاييس رمز التعليم الحديث على الإطلاق في “الأحساء” نظراً لما تمتع به من حصافة وكياسة في إرساء قواعد المهمة المكلف بها. وحتى في هذه المرحلة ظل المسئولون عن التعليم الديني بعيدين عن شئون التعليم الحديث. ولما توطدت أركان التعليم الحديث حمل الراية من بعد “النحاس” كل من “عبدالله بن عبدالعزيز الخيال، وعبدالعزيز بن منصور التركي، وعبدالمحسن بن حمد المنقور، ومن بعده الأستاذ عبدالله بن محمد بونهية”، ومن ثم من تلاه من مديرين.ما أسلفت بيانه حقائق تاريخية كلية تحتاج إلى دراسة وتقويم وتأصيل من قبل أبناء الجيل المعاصر في “محافظة الأحساء”. عاصرتُ شخصياً حركة التعليم الحديث في “الأحساء” وهي تتدرج إلى أوج مجدها. وحينما أسرحُ بخيالي عبر نصف قرن تقريباً أجد أن “الحياة” كطرفة عين أو كدقات قلب مهما طالت بها الأيام والسنون.من عاش مائة عام يتساوى تماماً مع من عاش لحظات مع فارق وحيد هو أن “الأول” يتميز عن “الثاني” أنه عاش زمنه، وكلما تقدَّم به الزمن تكوَّن له مخزون في عقله من الذكريات والعبر والتجارب. في إطار هذه الحقيقة أود التنويه أن ذكريات الطفولة والشباب تجول دائماً بخاطري، وتشدني إلى أرض “هجر” “مسقط رأسي” رغم أن الله سبحانه وتعالي هيَّأ لي في مسيرة حياتي ما لم أكن أحلم به. تحقق لي كل ما كنت أتمناه رغم أنني ولدت وشببت عن الطوق في بيت ـ من الناحية المادية ـ فقيراً. أنا مخضرم لأنني أنتمي إلى جيلين: الجيل الماضي والجيل المعاصر. ولي في هذين الجيلين ذكريات عطرة، والذكريات كما يقول شوقي:ـ صدى السنين الحاكي. كانت الأمية متفشية في الجيل الماضي وهو الجيل الذي عاصرته طفلاً وشاباً، وفي الجيل المعاصر تُحْتَضُرُ الأمية، وهذه من نعم الله سبحانه وتعالى. والفضل فيها، بعد الله، يعود لأصحاب الجلالة الملوك: عبدالعزيز وسعود وفيصل وخالد وفهد. كان الذي يكتب بالقلم في الجيل الماضي يسمى [بالكرَّاني]. و[الكرَّاني] كلمة دخيلة على لغة الضاد ولكنها كانت تعادل آنذاك ما يتفاخر به أبناء الجيل المعاصر من ألقاب علمية رفيعة مثل الدكتور أوالعلامة أو المهندس أو الفنان أو [الكمبيوترست].. كان الجيل الماضي ينام بعد صلاة العشاء الأخير في سطوح المنازل في أجواء ناعمة ذات نسيم عليل. أما الجيل المعاصر فيكاد يهجر النوم مستبدلاً عنه بنوم آخر مُسْتَغْرَقاً بما تحتوي عليه فضائيات عالمنا المعاصر من بث أكثرهُ غثٌ.كان الجيل الماضي ممن يسكن بعض أفراده في أطراف “مدينة الهفوف القديمة” تدغدغ آذانه في الهزيع الأخير مــن الليل [إلى جانب أصوات الديكة والأذان الأول والأخير لصلاة الفجر] صوت صبي السانية يتغنى في الحقل بأبيات:ـ
يا زارع المشموم فوق السطوحي ….. لا تزرعه يا شيخ عذبت روحيكل على سطحه يــدور البرادي ….. وانا علـى المحال يسحن فؤاديوكل في سطحـه في حضنه بنيه ….. وانا على المحال يصرصر علـي
أما الجيل المعاصر فلا يعرف السواني إلاَّ في كتب المعاجم وقد استُعيضَ عنها في سكون الليل بأصوات رافعات الماء ذات المحركات الذاتية الدفع المزعجة.كان الجيل الماضي يستخدم “الزرابيل” المصنوعة محلياً وقت الشتاء. أما الجيل المعاصر فلا يعرف “الزرابيل” لأنه استعاض عنها بأحسن ما تنتجه إيطاليا وغيرها من أحذية مصنعة مريحة. كان الجيل الماضي يصنع ما يحتاج إليه، ويأكل ما ينتج بيديه. وتنكَّر الجيل المعاصر لما يصنعه وينتجه الجيل الماضي. أصبح يحب الراحة والدعة ويستخدم ويأكل، وفي تفاخر، ما ينتجه الغير. ولم يتذكَّرْ أن “فقيد البيان” خريج “مدرسة الأحساء الابتدايية” الشاعر الملهم: محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم يقول في قصيدة له:ـ
ومعنى الحضارةِ يكمن في ….. نتاج المواطن لو تفهمون
كان معلم اللغة العربية بالمدرسة الابتدائية في الجيل الماضي مثل الشيخ “عبدالرحمن بن محمد القاضي العدساني” أو الأستاذ “عبداللطيف بن عبدالله بودي” يدرِّس اللغة العربية وبين يديه كتاب “شرح ابن عقيل” في النحو وغيره من أمهات كتب اللغة. ويصعب عليَّ التأكد عمَّا إذا كان معلم اللغة العربية في “المدرسة الابتدائية” في الجيل المعاصر قد قرأ الكتاب المشار إليه، أو على الأقل قد سمع عنه، أو اقتناه في مكتبته ببيته.وكان همُّ معلمِ المدرسة الابتدائية في الجيل الماضي قراءة الكتاب إذا وُفَّر له. أما معلم الجيل المعاصر فلدية من وسائل التسلية ما يصرفه عن القراءة والمطالعة.كانت وسائل التعليم لمعلم المدرسة الابتدائية في الجيل الماضي غير متاحة ورغم هذا فكان مستعداً لبذل ما يملك للحصول عليها. أما المعلم في الجيل المعاصر فكل شئ مهيأ له. ومن الصعوبة القول أنه يحاول الاستفادة من ذلك إلا ما ندر.!!الحديث يطول، والوقت لا يتسع لو تركتُ خيالي يسيح في عالم ذكريات الجيلين: جيل مضى، وجيل نعيشه، وسيترك مكانه لجيل آتٍ.حينما أكون في “مسقط رأسي” “الأحساء”، ولدي متسع من الوقت، أُمضي بعضاً منه ليلاً متجولاً في المرابع القديمة والأماكن الحالمة التي كنت أعهدها بعد ما شببت عن الطوق، منها ما كان موجوداً داخل “مدينة الهفوف القديمة”، ومنها ما هو خارجها في قرى “هجر” التي كانت تحتضن الحقول اليانعة والعيون الثرة الغنية بالماء الصافي الزلال الذي يقول الله سبحانه وتعالى فيه “وجعلنا من الماء كل شئ حي”.مخزون الذكريات يعرِّفني على تاريخ مضى لتلك المرابع والأماكن. وأجد في جولاتي أن المرابع والأماكن التي عهدتها بالأمس قد تغيرت معالمها اليوم، وأصبحت الآن أثراً بعد عين.
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ….. أنيس ولم يسمر بمكة سامــر
تغيرت هذه المرابع والأماكن كمجسمات ملموسة من حال إلى حال. بعض الحقول أصبحت مبانى، وبعض المبانى تحولت إلى أطلال، والعيون المتدفقة أصبحت قاعاً صفصفاً، والخندق العريض العميق حول “حي الكوت” تحوَّل إلى أسواق عامرة. كل هذا حدث ويحدث أمام ناظري في زمن قياسي لا يتجاوز أربعة عقود من الزمن أو نصف قرن. كل هذه التحولات أمام ناظري باعتباري إنساناً مخضرماً عاصر جيلين. والسؤال الذي دائماً ما أطرحه على نفسي محاولاً الحصول من نفسي لنفسي عن إجابة شافية شاملة له هو ما يلي:ـ أيهما أفضل، من حيث راحة البال، أحوال الجيل الماضي أم أحوال الجيل الحاضر؟ هذا السؤال الذي أطرحه ليس بالجديد. هو سؤال على كل لسان. وتحتار في الإجابة عليه العقول والأذهان. ولا يتسع الوقت لتقديم الإجابة الشافية عليه.كل ما تحدثتُ عنه من تصورات وتأملات كانت ولاتزال لها انعكاسات على ما استهدفته حينما قررت تأليف كتاب “كانت أشبه بالجامعة”. وكان تأليف الكتاب مجرد فكرة عالقة في ذهني منذ ذلك الوقت. وشرحتُ في الكتاب أسباب تبلور تلك الفكرة التي كانت تراود ذهني. ومن الملائم للتذكير أن من أهمهما زيارة الأستاذ “عبدالله عريف” رئيس تحرير جريدة “البلاد السعودية” للأحساء، وما ترتب على هذه الزيارة من شحذ همتي للشروع في وضع تصور للكتاب.


كانت أشبه بالجامعة(1)
الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 10044

تاريخ النشر: 14/12/2000م

ومتى أجد البديل!

ما أقرب الدنيا من الآخرة!!”الخدين” أقرب إلى القلب من القريب والصديق والرفيق.وأنت يا “أبا عبدالعزيز” الخل “الخدين”، “الخدين”.كلما أكون “بالأحساء” تعلم أسرتك أنني سأكون معك لأني أرتاح نفسياً أن تكون معي. وحينما تطأ قدمي “حي السلمانية” “بالأحساء” كنت أهاتف أسرتك الكريمة للسؤال عنك، وبمجرد سماع الأسرة الكريمة لصوتي تبادر بتحيتي قبل السؤال عَنْ مَنْ هُو على الهاتف.. تعلم الأسرة أنني أسأل عن “الحبيب”.يا أبا عبدالعزيز:ـ قبل وفاتك بثمان ساعات كنت معي ممتطياً سيارتي ذاهبين “لمهرجان هجر الثقافي الثاني”، وبالمهرجان كنت أيها “الفقيد” في الصدارة ــ لأنك تحب الصدارة ـ وبجانبك مدير شرطة محافظة الأحساء ” اللواء “عبدالله بن صالح السهيل” وسعادة الأستاذ “محمد القاسم” مدير مكتب سمو الأمير بدر محافظ الأحساء، والأخ الصديق الأديب “عبدالله الأحمد المغلوث”. وكنا نتبادل أطراف الحديث حول العرضة النجدية وغيرها وكنت “يا “أبا عبدالعزيز” متألقاً في الحديث كعادتك للغاية. وأتذكرُ وأنت تمتطي سيارتي للذهاب للمهرجان ومعنا بالسيارة الأستاذ الأديب “خالد بن عبدالله آل ملحم” مدير مكتب “وزارة الخدمة المدنية” بالأحساء، وابن أخي الأستاذ المدرس “عبدالله بن ناصر آل ملحم” أنكَ قلتَ لي أنَّكَ تحس بتعب، ولكنكَ قررتَ مرافقتنا. قاومتَ ما كنتَ تحسُّ به ممتطياً سيارتي، وبداخل السيارة حدَّثتني عن بعض الأمور، وذهبنا للمهرجان. ولما وصل سمو المحافظ للمهرجان بادرتَ كعادتك تحيي المحافظ. وبعد الحفل ودعتك أمام منزلك وكان ذلك حوالي الساعة العاشرة مساءاً رغم دعوتك لنا بدخول منزلك. وفي الصباح المبكر فوجئت بخبر وفاتك.وهكذا يا “أبا عبدالعزيز” كان قضاء الله وقدره.يا “أبا عبدالعزيز”:ـ بعد ثمان ساعات توفاك الله بعد مرافقتي لك. اعلم يا “أبا عبدالعزيز” أنني أحببتك وأنت تعلم أنني أحبك في الله حتى فارقت الحياة. أما وفاتك فلكل أجل كتاب. حينما أكون بالأحساء كنت أسعد بلقياك.ودعني أتحدث عن مآثرك.كنت تحب أسرتك “آل ملحم” مضحياً بالغالي والنفيس في سبيلها قبل العناية بأسرتك الصغيرة.كنت كريماً في خلقك.وكنت غنياً في نفسك ، والغنى غنى النفس، أما الكرم فمن طباعك، ومحبة كبار القوم من خصالك.يا “أبا عبدالعزيز”:ـ إذا كان للشهامة تاج فأنت تاجها.يا “أبا عبدالعزيز”:ـ وإذا كان للشهامة بيت فأنت رب البيت.يا “أبا عبدالعزيز”:ـ سأفتقد بعد فراقك ذلك الحديث من القلب إلى القلب الذي عودتني عليه.يا “أبا عبدالعزيز”:ـ أنا بعد فراقك في حالة ذهول. وأنا أعرف أن من أعز أصدقائك أخي “الحبيب” صديق الجميع الأستاذ “عبدالله بن ابراهيم الراشد”. ماذا أقول له لو هاتفني!! أنا أعلم أنه يحبك!يا “أبا عبدالعزيز” ستعلم أسرتك الكبيرة “آل ملحم” في سائر محافظات المنطقة الشرقية وفي الرياض وعيون الجواء وفي الكويت أنها فقدت أعز أبنائها.رحم الله الخل “الخدين” ابن العم الحميم “محمد بن عبدالعزيز الناصر آل ملحم”، وألهم أهله وأبناءه وبناته وحفدته الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 10002

تاريخ النشر: 02/11/2000

مهرجان هجر الثاني وتكريم معالي الدكتور الملحم فيه

أيام وليال عبد الله بن أحمد الشباط هجر والمهرجان
بادرةٌ طيبةٌ ومثريةٌ للعمق الثقافي بالاحساء أن تتبنى الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، إقامة مهرجان سنوي يتم من خلاله تعريف المواطنين والمقيمين بتراث هذه البلاد وما يحتويه ماضيها من ثقافات متعددة في كل ميدان من ميادين الحياة المختلفة ابتداء من عام 1420هـ حيث أقامت مهرجانها الأول مواكبًا للاحتفال بمرور 100 عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، وفي هذا العام 1421 هـ أقامت مهرجانها الثاني مواكبا للاحتفال بالرياض عاصمة للثقافة العربية.

ولا شك في أن هذا المهرجان الذي شرفت بأن أكون أحد ضيوفه قد أسهم في تنشيط ذاكرتي وحباني مكرمة الالتقاء بالعديد من رجال الثقافة والأدب والادارة وفي مقدمتهم صاحب السمو الأمير بدر بن محمد بن عبدالله بن جلوي محافظ الأحساء الذي أسعدني الالتقاء بسموه لأول مرة.لقد قامت الجمعية مشكورةً بتكريم شخصي الضعيف مع كوكبة من رجال الفكر والفن ممن أعتزُ بصداقة بعضهم، ويشرفني التعرف على بعضهم، ناهيك عن اللقاءات الجانبية التي حظيت بها من بعض تلك الوجوه النيرة التي تسهم بشكل أو بآخر في تثبيت ونشر الثقافة والأدب في هذا الجزء من وطننا الحبيب.ولقد كانت الكلمات الترحيبية التي نطق بها مسؤولو الجمعية غنية عن كل تعليق، أمَّا كلمة معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم التي القاها نيابةً عن المحتفى بهم فقد كانت إطلالة مشرقة على ماضي هذه البلاد البعيد والقريب، جمعت بين سلاسة النثر وحلاوة الشعر الذي تغنَّى به قائلوه غزلاً في هجر وربوعها بأنهارها ونخيلها وأفيائها الظليلة وينابيعها، وما تدره من مياه عذبة تروى بها تلك الجنان الوارفة الظلال الحاملة للعطاء في غير مَنٍ ولا أذى مما أثلج الصدور، وكأنها وقفة مع الإبداع المتغنى بمحاسن هجر النابعة بين ضفافي البحر والصحراء كقطعة من جنان الخلد اختار الله لها هذه البقعة المباركة.

وكم أثلجت صدري وصدور الضيوف تلك الإبداعات الفنية التي رسمتها أنامل الفنانين كلوحات معبرة عن مواقف وحالات تحكي عن الماضي والحاضر، والتي شارك في نقشها ثمانية من فناني الاحساء لتعطي تصورا عما تزخر به هذه البلاد من ذخائر فنية مخزونة ومواهب ظاهرة تشهد لمبدعيها بالتفوق.أما الفنون الشعبية وفي مقدمتها فرقة سيالة الشعبية بالطرف ومتحف الاستاذ عبد الله الذرمان والمحنط طاهر مبارك العركاء فإنها لا تقل شأنًا عن إبداعات الرسامين فإن كان أولئك رسموا بالريشة فإن هؤلاء قدموا إبداعاتهم بنماذج حية من واقع الحياة المعاصرة مع لفتة إلى الماضي الذي نفتخر ونعتز بالإنتساب إليه ولا يفوتني في هذا المقام التنويه بجهود الفنان ياسر البقشي الذي صمم (الديكورات) لتلك المعارض والساحات الفنية.ولا شك في أن التقاء الحرف الشعبية مع الصناعات الحديثة أوجد نوعًا من التمازج الحضاري عن طريق ربط الحاضر بالماضي لأن من ليس له قديم لا جديد له كما في المثل.ولا يفوتني في هذه العجالة أن أزجي الشكر والتقدير لسعادة رئيس مجلس ادارة الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون الأستاذ محمد بن أحمد الشدي ولسعادة الأستاذ عبد الرحمن المريخي نائب رئيس فرع الجمعية بالاحساء ولسعادة عمر العبيدي مستشار الفرع، ولكل من ساهم في إحياء هذا المهرجان المتميز. وإلى اللقاء.

المصدر : جريدة اليوم، العدد رقم 10002، ص/7
وتاريخ 6/8/1421 هـ الموافق 2/11/2000 مالكاتب: عبد الله بن أحمد الشباط
الناشر: جريدة اليوم – العدد:10002
تاريخ النشر: 02/11/2000 م

الأحساء تحضر مثقفيها لتكريم الرواد

يتضمن فعاليات ثقافية وفنية وتراثية متنوعة وثلاث مسرحيات، كما يتضمن تكريم رواد الثقافة والادب والفن في الاحساء وهم الشيخ عبدالله الملا والشيخ جواد الرمضان والاستاذ عبدالله الشباط والدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم والفنان التشكيلي أحمد المغلوث والفنان التشكيلي عبدالحميد البقشي.

وقد تقدم مدير الجمعية بالشكر والامتنان للرئيس العام لرعاية الشباب صاحب السمو الملكي الامير سلطان بن فهد ونائبه صاحب السمو الملكي الامير نواف بن فيصل على رعايتهما لرواد الثقافة والادب والفن في المملكة حيث يمثل هذا التكريم الاهتمام المتواصل للثقافة والمثقفين لجميع فئات المجتمع كذلك أثنى على المتابعة المستمرة واليومية للترتيبات والاستعدادات لمهرجان هجر الثقافي من قبل رئيس مجلس الادارة لجمعية الثقافة والفنون محمد بن أحمد الشدي و قال المريخي: فرع الاحساء يفخر ويتشرف بتكريم هذه الأسماء ذات التاريخ الحافل والانجازات الرائعة التي قدمتها لوطنها وقد أعدت اللجنة الإعلامية كتيبًا يحكي تاريخ وانجازات المكرمين سيوزع يوم افتتاح المهرجان.الشيخ “عبد الله الملا”، وهو أول رئيس للمجلس البلدي، وقد حقق المجلس أثناء فترة رئاسته عددًا من الانجازات والمشاريع … سافر إلى الهند حيث تلقى تعليمه الأول والثانوي، ثم التحق بجامعة دار العلوم بمدينة (ديوبند) لدراسة علم النحو والصرف والفقه والحديث والتفسير وعلوم البلاغة، ويعتبر من أوائل من حصل على شهادة جامعية في المملكة، وأوائل المدرسين الوطنيين في مدرسة الهفوف الأولى التي تأسست عام 1358 هـ.

يعد الشيخ عبد الله اول من أسس مكتبة في الاحساء عام 1367 هـ هي مكتبة التعاون الثقافي.أما الشيخ “جواد بن حسين الرمضان” فهو عضو مجلس الادارة في النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية. صدر له عام 1419 هـ كتاب (مطلع البدرين في تراجم علماء وأدباء الأحساء والقطيف والبحرين). أقبل على اقتناء الكتب وخصوصا كتب التراث بحثًا عن المخطوطات النادرة فحصل على مجموعة نفيسة منها لديه عدد من الكتب.أما “عبد الله الشباط” فقد عمل سكرتيرًا للمجلس البلدي بالدمام خلال عام 1373هـ 1953 م أصدر مجلة الخليج العربي بالأحساء في عام 1376هـ. ألقى عددًا من المحاضرات في “نادي القصيم الأدبي، النادي الثقافي، بمكة المكرمة، النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية، والجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بالاحساء والدمام وله عدة مؤلفات تصل إلى 18 مؤلفًا في الأدب والتاريخ والشعر، ومن أشهر كتبه أدباء وأديبات من الخليج العربي ـ صفحات من تاريخ الأحساء ـ هجر واحة الشعر والنخيل ـ أدباء من الخليج.والدكتور “محمد بن عبداللطيف الملحم” حصل على الدكتوراة في علم القانون بجامعة ييل Yaleالأمريكية، ثم عين أستاذًا مساعدًا بقسم القانون بكلية التجارة في جامعة الرياض ـ جامعة الملك سعود ـ كما تقلد عمادة كلية التجارة في الجامعة نفسها وفي عام 1395هـ أُختير ليكون وزير دولة وعضو مجلس الوزراء في حكومة جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ، وظل في المنصب حتى عام 1416هـ. نال وشاح الملك عبدالعزيز من الدرجة الثانية، وفي عام 1419هـ صدر له كتاب (كانت أشبه باجامعة)، وفي العام 1421هـ كتاب هزار الأحساء وبلبها الغريد ـ (حماد الراوية الثاني).والفنان التشكيلي “أحمد المغلوث” حاصل على بكالوريوس تاريخ دراسات خاصة في التكنيك اللوني والتصميم. شارك في أول معرض جماعي لفناني المملكة عام 1398هـ بالرياض، كما شارك في أول معرض للحرفيين، وأقام عدة معارض شخصية، وشارك في العديد من المعارض الدولية خارج المملكة: الكويت والسويد والجزائر والأمارات وعمان وفرنسا والعراق.

توجد بعض لوحاته في المتاحف في بعض الدول الاوروبية والعربية. قدم الرسم الكاريكاتوري للعديد من الصحف والمجلات. قام بتصميم العديد من شعارات كبرى الشركات بالمملكة والخليج.أما “عبد الحميد البقشي” فهو من الفنانين البارزين في المملكة، وقد شارك في المعارض الاولى لجمعية الثقافة والفنون بالاحساء وله مشاركات في معارض الرئاسة العامة لرعاية الشباب. أبتعث إلى أمريكا في الفترة 1400ـ1405 هـ لدراسة الفن التشكيلي في جامعة أفاين بكاليفورنيا التي فيها نال عددًا من جوائز المقتنيات والمعارض التي أقامتها رعاية الشباب.

الكاتب: جريدة اليوم الثقافية
الناشر: جريدة اليوم الثقافية- العدد:9992
تاريخ النشر: 23/10/2000م