من أوراقي المبعثرة – تأملات في الرحلة المقدسة (3)

وبعد انتهاء شعائر “العمرة” عاد موكب الرئيس “عبده ضيوف” من “مكة المكرمة” إلى مدينة “جدة” مساءً حيث “قصر الضيافة” المعد لفخامته. وفي “قصر الضيافة” توجه “الضيف” إلى مقره المعد، كما كان من نصيب الشاعر “محمد بن عبدالله آل ملحم” غرفة خاصة توجه، بعد الاستراحة فيها، إلى تناول طعام العشاء. وعن هذه المناسبة في قصيدته حبر أبياتاً لا تخلو من الطرافة:ـ
عُدْنَا إِلى قَصْرِ “الضِّيَافَةِ” دُفْعَــةً ….. فَإِذَا الْعَشَاءَ يِقُولُ: أَيْنَ أَكُـولُ؟أُنْظُرْ إِلَى الأَطْبَاقِ كَيْفَ تَشَكَّلَتْ ….. وَتَشَاكَلَتْ فَاسْتَشْكَلَ الْمَأْكُـولُمِنْ أَيْنَ نَبْدَأُ؟ حَارَتِ الأَيْدِي فَمَا ….. تَدْرِي الْبِدَايَةَ إِنَّهَا لَخَجُولُ!أَخَذَتْ مِنَ الأَطْبَاقِ مَا هِيَ تَشْتَهِي ….. وَمِنَ الْمَشَارِبِ مَا إِلَيْهِ تَمِيلُ!وَتَسَامَرَ الأَحْبَابُ فِيمَا بِيْنَهُمْ ….. وَحَدِيْثُهُمْ ذَاكَ الْجَمِيلُ فُصُولُمِنْ كُلِّ لَونٍ فِي الْحَدِيثِ مُهَذَّبٌ ….. مَا شَابَهُ وَلَوِ اسْتَطَالَ فُضُــولُوَتَوَجَّهَتْ لِلنَّومِ بَعْدُ “جُمُوعُنَا” ….. كُلُّ أُعِدَّ سَرِيرُهُ الْمَنْزُولُفِي غُرْفَةٍ مَخْصوصُةٍ لَهُ وَحْــدَهُ ….. فَلِكُلِّ فَـرْدٍ فِـي الْحَيَاةِ سَبِيـلُ
ومن ثم تحرك موكب “الرئيس” إلى “المدينة المنورة” على متن إحدى طائرات “الخطوط الجوية العربية السعودية” عبر رحلة جوية مريحة. والشاعر من بين المرافقين الذي تحدث في قصيدته عن دخول “المسجد النبوي”، والصلاة في “الروضة الشريفة”، ومن ثم السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبَيْهِ “أبوبكر” و “عمر” رضي الله عنهما قائلاً:ـ
حَتَّى إِذَا مَا الْفَجْــرُ لاَحَ سَنَاؤُهُ ….. أَدَّيْتُ فَرْضَ الْفَجْرِ حَيثُ حُلُولُحَىِّ “الْمَدَيِنَةَ” وَالْجَلاَلُ يَحُفُّهَا ….. وَالنَّورُ مِنْ جَنَبَاتِهَا مَوْصُــولُوَ”الْقُبَّةُ” الْخَضْرَاءُ شَعْشَعَ نورُهَـا ….. وَمَآذِنٌ نَحْـــوَ السَّمَاءِ تَطُولُيَا أُنْسَ رُوحِي حِينَمَا جِئْتُ الْحِمَى ….. إِنِّي السَّعِيدُ وَإِنَّنِي الْمَشْــمُولُيَا فَرْحَةَ الْقَلْبِ الْمَشُوقِ وَقَد أَتَى ….. “بَـابَ السَّلامِ” “بِحِبِّهِ” مَشْغُولُأَدَّيْتُ فَرْضَ “الظُّهُرِ” فِي “الْحَرَمِ الذِي….. فِيهِ تَرَدَّدَ بِالْهُدَى “جِبرِيــــلُ”وَرَكَعْتُ فِي رَوْضِ الْحَبِيبِ “مُحَمَّدٍ” ….. فِي “الْجَنَّةِ” الْفَيْحَا فَطَابَ نُزُولُأَجْنِي قُطُوفَ الأُنْسِ فِي سَاحَاتِهَـا ….. قَد حَفَّنِي فِيهَا رِضًا وَقُبُـولُوَدَخَلْتُ فِي بَيْتِ “الرَّسُولِ” وَفَرْحَتِي ….. عَنْهَا يُعَبِّرُ دَمْعِيَ الْمَرْسُولُذَاكُمْ هُوَ “الْحُلْمُ” الذِي أَنَا أَرْتَجِي ….. وَأَقُولُ فِي نَفْسِي إِلَيْهِ سَبِيلُيَا ذَلِكَ الْجَوُّ الَّذِي هَامَتْ بِهِ ….. رُوحِي وَرَاحَتْ فِي الْعَلاَءِ تَجُولُأَنَا عِنْدَ خَيْرِ الْعَالَمِينَ “مُحَمَّــدٍ” ….. فِي حَيِّهِ الْعَالِي يَطِيبُ حُــلُولُأَعْلَى “الأَمَانِي” نُلْتُهَا فِي قُرْبِهِ ….. فَلْيَهْنِنِي التَّنْوِيلُ وَالتَّحْصِيلُمِنِّي السَّلامُ عَلَيْكَ يَا عَلَمَ الْهُدَى ….. طُولَ الزَّمَانِ مِنَ الْفُؤَادِ أَقُولُوَعَلى”أَبِي بَكْرٍ” مُصَدِّقِ رِحْلَةِ الإِسْـ ….. ــرَا وَفِي الْغَارِ الْعَتِيقِ “خَلِيـلُ”وَعَلى “أَبِـي حَفْصٍ” مُعَزِّزِ دِينِنِا ….. وَلِرَأْيهِ قَـدَ وَافَـــقَ التَّنْزِيلُوَبُعَيْدَ تَودِيعِ الْحَبِيــبِ “مُحَمَّدٍ” ….. سِرْنَا وَإِنَّ دُمُوعَنَا لَسُيُـــولُ حَكَمَ الْفِرَاقُ بِأَنَّ نُغَادِرَ “تُرْبَــةً” ….. طَابَتْ بِهَـا وُدْيَانُهَــا وَتُلُولُ

وعلى إثر مغادرة الرئيس “عبده ضيوف” “للمدينة المنورة” متوجهاً إلى بلاده “جمهورية السنغال” طلب مني معالي الفريق “عبدالعزيزمسعود” رئيس المباحث العامة السابق أن نتوجه إلى فندق شراتون “بالمدينة المنورة” لتناول طعام الغداء قبل مغادرتنا مع الوفد الرسمي السعودي المرافق لفخامة الرئيس إلى “الرياض”، فلبيتُ الدعوة حيث اتجه الجميع إلى فندق “شراتون”، وفي رحابه طاب المقام والحديث والسمر وتناول طعام العشاء. وعن هذه المناسبة قال الشاعر في قصيدته:ـ
سِرْنَا قُبَيْلَ الْعَصْرِ نَبْغِي “فُنْدُقاً” ….. حَيْثُ الطَّعامُ مُهَيَّأٌ وَجَمِيلُوَفُوَيْقَ مَائِدَةِ الطَّعَامِ تَدُورُ أَطْعِمَةُ ….. الْكَلاَمِ وَمَدُّهَا مَوْصُـولُحَيْثُ “الْوَزِيرُ” يُدِيْرُهَا بِسُـؤَالِه ….. إِثْرَ السُّؤالِ فَطَعْمُهَا مَعْسُـولُ أعْنِي “ابنَ عَمِّي” فَرْعَ دَوْحة “مُلْحِمٍ” ….. طَابَتْ فُروُعٌ مِنْهُمُ وَأُصُولُقَدْ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مُعْذِقٍ ….. مِثْلَ “الْوَزَيرِ” فِي الرِّجَالِ تُنيِلُوَتَعَرَّفَ “الإِخْوانُ” بَعْضَاً بِالأُولَى ….. لاَ يَعِرفُونَ فَحَصَّل التَّأهِيلُفَعَرَفَتُ “إِخْوَانَاً” لإِولِّ مَرَّةٍ ….. وَتَواَفقَتْ أَهْوَاؤُنَا وَمُيُـولُمِنْهُمْ “ضُوَيَّانٌ” تَضَوَّأَ رَأْيُهُ ….. مِنْ نُورِ “طَيْبَةَ” عَقْلُهُ مَصْقُولُوَأَخِي الْفَتَى “عَبْدِ الْحَمِيدِ” مِنَوِّرٌ ….. عِندَ الْحَدِيثِ فَرَأْيُهُ مَقْبُولُوَأَخِي “اللُّحَيدَانَ” الْهُمَـامُ فَإِنَّهُ ….. نِعْمَ الصَّدِيقُ الصَّادِقُ الْمَأْمُولُوَأَخِي “الطَّبيشِيُّ” الذِي لَـمْ تَذْهَبَنْ ….. عَنْهُ الْبَشَاشَةُ سَـــاعَةً وَتَزُولُوَكَذَا الْفَتَى “عَبْدُالْعَزِيزِ” الشَّـامِرُ ….. الأَخْلاَقِ طَـابَ فُرُوعُهُ وَأُصُولُ”إِلياسُ” قَدَّمَ دَعْوَةً شَخْصِيَّةً ….. لَكَنْ ظُرُوفٌ لِلْجَوَابِ تَحُولُوَمُرَافِقِي فِي رِحْلَتِي الأَخُ “صَالِحٌ” ….. إِبْنُ “الْمُحَارِبِ” بَيْتُهُ وَقَبِيلُلَمْ يَأْلُ جُهْدَاً فِــي مَواقِفِ رِحْلَتيِ ….. مُنْذَ ارْتَحَلْنَا أَوْ يَحِينُ قُفُــولُ!
وعلى إثر انتهاء “الرحلة المقدسة” اختلى الشاعر إلى نفسه متأملاً ما حدث له وهو في غاية البهجة والسرور حيث أطلق لشاعريته العنان يحدث نفسه من خلالها عما رأى وشاهد، وعما في مخيلته من معلومات تاريخية عن “المدينة المنورة”، وما بها من مواقع ومشاهـد ومساجد ذات تاريخ مجيد، وما عاصرته “المدينة المنورة” نفسها من أحداث تعتبر مجيدة في تاريخ الاسلام والمسلمين. تناول كل ذلك في خشوع يعطي الطمأنينة، وبيان يهب الرضا والراحة النفسية في الأبيات الشعرية التالية:ـ
يَا عَيْنُ مِـنْ هَذَا الْجَمَالِ تَمَتَّعِي ….. فَلَقَـــدْ دَنَا إِيَابُنَا وَرَحِيـلُهَذِى “الْمَدِيْنَةُ” وَالْجِنَانُ تُحِيطُهَا ….. أَلَهَا يُرَى فِي “الْعَالَمِينَ” مَثِيـلُ!”الرَّوْضَةُ” الْفَيْحَاءُ يُشْرِقُ نُورُهَا ….. فَسَنَاؤُهَا الْمَمْدُودُ والْمَوْصُولُوَمُرُوجُ “أُحْدٍ” عَابِقَاتٌ بِالشَّـذَا ….. ضَاءَتْ “بِحَمْزَةَ” وَالْفَرِيقُ حُلُولُوَهُنَا “الْبَقِيعُ” تَمَايَلَتْ رَوْضَاتُهُ ….. طَابَتْ مَنَازِلُهُ وَطَابَ نَزِيلُوُهَنَاكَ “بُطْحَانٌ” رِيَاضٌ تَزْدَهِي ….. أَوْرَاقُهَا فَكَأَنَّهَا الإِكْلِيلُهَذَا “قُبَاءٌ” وَالصَّلاةُ بِعُمْرَةٍ ….. فِيِهِ حَدِيثُ الصَّادِقِ الْمَقْبُولُ”وَالْقِبْلَتَيْنِ” هُنَالِكُـمْ “وَغُمَامَـةٌ” ….. لاَ كَالْغَمَائمِ غَيْثُهَـــا مَبْذُولُوَ”الْعَنْبَريَّــــةُ” عَنْبَرٌ مُتَكَرِّرٌ ….. فِيهَـا تَغَنَّى بِالْحُـرُوفِ “جَمِيلُ”هَذَا “الْعَقِيقُ” وَذَاكَ وَادِيهِ الذِي ….. فِيهِ تَغَــزَّلَ “قَيْسُنَا” وَ”جَمِيلُ”هَذِى هِىَ “الزَّرقَا” تَسِيلُ عَلَىَ الثَّرَى ….. يُشْفَى بِمَنْظَرِهَا الْجَمِيلُ عَليلُتَجْرِي إِلى تِلكَ الْعُيُونِ بَدِيعَةً ….. مِنْ دُونِهِــنَّ “فُرَاتُنَا” و”النِّيلُ”وَمشَاهِدُ الْحُسْنِ التِى فِي “طَيْبَةٍ” ….. عَنْ مُقْلَتِيْ لَيْسَ الزَّمانُ تَزُولُيَهْفُوْ لَهَا قَلْبِي عَلَى طُولِ الْمَـدَى ….. إِنِّي بِهَـــا لَمُتَيَّمٌ مَشْـغُول


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 9781

تاريخ النشر: 26/03/2000م

من أوراقي المبعثرة – تأملات في الرحلة المقدسة (2)

وبينما كان الشاعر في الطريق إلى مطار الملك “خالد” أخذه الشوق والحنين إلى الديار المقدسة قبل وصوله إليها، وهو شوق وحنين إلى ديار يشعشع نورها، وتحف بها الأنوار، وترفرف إلى رؤيتها القلوب التي في الصدور: ـ
يَا مَرْحَبَاً بِالْبَيْتِ شَعْشَعَ نُــورُهُ ….. وَزَهَا عَلَى أَرْكَانِــهِ التَّنْزِيلُحَفَّتْ بِهِ الأَنْــوَارُ زَائِدَةَ السَّنَا ….. وَتَأَلَّقَ النُّوَّارُ وَهْـوَ خَضِيلُ طَافَتْ بِهِ الأَجْسَامُ وَهْيَ قَرِيرَةٌ ….. وَسَمَتْ لَهُ الأَرْوَاحُ وَهْيَ خَجُولُوَإِلَيْهِ رَفْرَفَتِ الْقُلُوبُ بِعَيْنِهَا ….. وَالدَّمْعُ مِنْ فَوْقِ الْخُدُودِ يَسِيلُتَسْتَمْطِرُ الرَّحَمَاتِ مِنْ بَارِي الْوَرَى ….. غُفْرَانَــهُ عَـلَّ الإِلَـــهُ يُنِيلُتَرْجُــو مِنَ الرَّحْمَنِ جَلَّ جَلاَلُـهُ ….. غُفْرَانَــهُ عَـلَّ الإِلَـــهُ يُنِيلُفَهُوَ الَّذِي يِمْحُو الذَّنُوبَ بِفَضْلِهِ ….. وَمِنَ الذُّنُوبِ الْمُوبِقَاتِ يُقِيلُفَيَعُودُ جَـْذلاَنَاً بِتَوْبَــةِ ربَـِّهِ ….. وَكَيَانُهُ مـــنْ ذَنْبِهِ مَغْسُوليَا رَبَّنَا يَا مَالِكاً هَــذا الْوَرَى ….. يَا مَنْ عَلَيهِ وَحْدَهُ التَّعْــوِيلإِغْفِـرْ لِضَيْفِكَ قَـدْ أَتَاكَ لِذَنْبِهِـه ….. مُسْتَغْفِراً يَدْعُوكَ وَهْــوَ ذَلِيل
وتوجه الشاعر من مطار الملك “خالد” بمدينة “الرياض” إلى مطار الملك “عبدالعزيز” بمدينة “جدة”، ومن ثم إلى “قصر الضيافة” الذي سيحل فيه فخامة الرئيس “عبده ضيوف”. وعن هذه الأماكن قال الشاعر “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم” الخواطر التالية:ـ
وَمَشَتْ مَواكُبِنَا لِقَصْرِ “ضِيَافِـةٍ” ….. فِي “جِدَةٍ” فِيهِ الْمَقَامُ جَميلُفَإِذاَ الْغَدَاءُ أُعِدَّ مِمَّا نَشْتَهِي، ….. مَشْرُوبُهُ قَدْ طَابَ والْمَأْكُولُوَبِهِ قَضَيْنَا بَعْضَ وَقْتٍ طَيِّــبٍ ….. إِذْ رَاقَ مِنْهُ ظِـــلاَلُهُ وَمَقِيِلحَتَّى إِذَا وَصَلَ الرَّئِيسُ عَشِــيَّةً ….. “عَبْدُو ضُيُوفُ” وَوَفْدُهُ الْمَسْئُولُ وَاسْتَقْبَلَتْـــه ُ”مَرَاسِمٌ مَلَكِيَّةٌ” ….. فِي طَبْعهِا الْخُلُقُ الْكَرِيمُ أَصِيلُإِسْتَقْبَلَتُهُ بِــمَا يَليِقُ حَفَــــاوَةً ….. وَأَجَلُّ مَــا فِــي ذَلِكَ التَّسْهِيلُ
ومن ثم تحرك موكب “الرئيس” بعد استقباله الاستقبال الذي يليق بفخامته من الحكومة إلى “البيت العتيق” والشاعر مع المرافقين. لم يتمالك الشاعر نفسه إذ تحدث عن “طوافه” و”سعيه” في “البيت العتيق قائلاً:ــ
فَلْنَمْشِ فِي رَكْبِ “الرَّئِيسِ” لِنَلْتَقِي ….. بِالطَّائِفِينَ وَإِنَّهُــــمْ لَسُيُولُسِرْنَا إِلَى “الْبَيْتِ الْكَرِيـمِ” يَحُثُّنَا ….. شَوْقٌ إِلَى تِلْكَ الرُّبُوعِ جَزِيـلُإِذْ طُفْتُ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ مُلَبِّياً ….. وَالْقَلْبُ يَذْرِفُ دَمْعَهُ وَيُسِيلُوَرَكَعْتُ مِـنْ خَلْفِ “الْمَقَـامِ” مُصَلِّيَاً ….. وَالْقَلْبُ فِيهِ بِرَبِّــهِ مَوْصُــولُ
وعندما فتح باب “البيت العتيق” وجد الشاعر نفسه في عالم مهيب. يريد أن يتكلم فلا يستطيع. يصعد درجات السلم فلا يحس بخطواته كما لو كان في ملكوت آخر:ـ
يَــا فَرْحَتِي وَالْبَيْتُ يُفْتَحُ بَابُــهُ ….. فَكَأَنَّنِي مِــنْ فَرْحَتِي مَذْهُولُ!أَمْضِي فَـلاَ أَدْرِي أَرِجْلِي تَرْتَقِـي ….. دَرَجَاً أَمِ الرِّجْلُ السَّمَاءَ تَطُولُ!وَدَخَلْتُ فِيهِ أَجْتَلِي مَا أَجْتَلِي ….. مِنْ مَنَظَرٍ فِيهِ تَحَارُ عُقُولُرَوْضٌ تَكَامَلَ حُسْنُهُ وَرُوَاؤُهُ ….. فَوْقَ النُّعُّوتِ جَمَالُهُ الْمَوْصُولُذَهَبَ الْحِجَى فِي لُجِّ بَحْرٍ غَامِـرٍ ….. فِي عَالَمٍ فِيهِ الْقُلُوبُ تَصُـولُتَطْوِي السَّمَواتِ التِي مَا إنْ لَهَا وَأَعُبُّ ….. حَدٌ تَرَاهُ أَعْيُنٌ وَعُقُولُمِنْ فَيْضِ الْمَعَانِـي مَا أَشَا ….. فِي حَانِهَا الْحَانِي تَطِيبُ شَمُولُصَلَّيْتُ فِيهِ وَالصَّلاةُ وَسِيلَتِي ….. صِلَتِي إِذَنْ وَأَنَا بِهِا الْمَوْصُولُإِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا أَتَاهُ ضَيْفُهُ ….. فِي بَيْتِهِ إِنَّ الْقِرىَ مَبْذُولُوَسَعَيْتُ بَيْنَ “الْمَرْوَتَيْنِ” مُهَـرْوِلاً ….. وَأَنَا “لآيِ الْمَرْوَتَــينِ” أَقُولُوَجَعَلْتُ أَشْرَبُ مِنْ مَنَاهِلَ زَمْـزَمٍ ….. كَيْفَ اشْتَهَيْتُ وَذَلِكَ الْمَأْمُـولُوَهُــوَ الشِّفَاءُ لِكُلِّ دَاءٍ جَـاءَنَا ….. عَـنْ “أَحْمَدٍ” صَحَّتْ بِذَاكَ نُقُـولُقَصَّرْتُ منْ شَعْرِي وَتَمَّتْ عُمْرَتِــي ….. وَرَجَايَ مِـنْ رَبَّـــي الْغَفُورِ قُبُولُ
وبعد أن أكمل الشاعر “عمرته” أخذ يلتقط أنفاسه مستعيداً مشاعره نحوها، ومستلهماً ذكريات تاريخية لدين الحنفية السمحاء، دين الخليل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وهما يرفعان قواعد البيت العتيق: حول هذه الأحوال النبيلة والذكريات المبهجة قال:ـ
يَا “عُمْرَةً” فِي الْعُمْرَ لَمْ أَرَ مِثْلَهَـا ….. حُلْمُ الْكَرَىَ ذَاكَ الْجَمِيلُ أَقُـولُطَابَ الْمُقَامُ عَلَى “مَقَامٍ” أَشْـرَقَتْ ….. أَنْوَارُهُ إِذْ قَامَ فِيهِ “خَلِيــلُ”يُعْلِي الْقَوَاعِدَ وَالذَّبِيحُ “مُسَاعِدٌ” ….. وِفْقَاً لِمَا قَدْ أَخْبَرَ التَّنْزِيلُيَدْعُوْ وَ”اسْمَاعِيلُ” رَبَّهُمَا مَعَاً فَيُجِيبُ ….. وَالْقَلْبُ يَخْفِقُ وَالدُّمُوعُ تَسِيلُمَوْلاَنَا الرَّحِيمُ دُعَاهُمَا ….. فَإِذَا الْحَجِيجُ أَتَتْهُ وَهْيَ سُيُولُمُتَضَرِّعِينَ لِرَبِّهِم ســبْحَانَهُ ….. مُتَبَتِّلِينَ هَنَاهُمُ التَّبْتِيلُشُكْراً لَكَ اللَّهُمَّ إِذْ نَادَيْتَنَا ….. لِزِيَارَةِ “الْبَيْتِ” الْكَرِيمِ تُنِيلُوَاكُتبْ لَنَا الرَّجْعَى لبِيْتِكَ خَالِقِي ….. وَافْسِحْ لَنَا فِي الْعُمْرِ حَيْثُ يَطُولُ لِنَؤُمَّ بَيْتَكَ يَا إِلَهِــي مَــرَّةً ….. فِـي إِثْــرِ مَـرَّةِ حاَلُنَا مَشْمُولُ


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 9774

تاريخ النشر: 19/03/2000م

من أوراقي المبعثرة – تأملات في الرحلة المقدسة (1)

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، ويقول سبحانه وتعالى (وأتموا الحج والعمرة لله). ومن مقتضى الآيتين الكريمتين وجوب إداء الحج والعمرة مرة واحدة في العمر إذا توفرت شروطها في من تجب عليه. وَحَجَّ وَاعْتَمَرَ صاحب الرحلة المقدسة العطرة أكثر من مرة. وكانت تراوده أمنية عزيزة إلى نفسه يتوق إلى تحقيقها في “العمرة” لا في “الحج” وذلك إدراكاً منه أنها في “الحج” مستحيلة التحقيق. وكان يدعو الله سبحانه وتعالي أن يحقق له هذه الأمنية. وهي الصلاة داخل “الكعبة المشرفة” بمكـة المكرمة، ومن ثم الصلاة “بروضة الجنة” بالمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، ومن ثم السلام علــى رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل “الحجرة الشريفة”.وتصادف ذات مرة أن حدَّثته بأنني قد شرَّفني الله وتكرَّم عليَّ بالصلاة في داخل “الكعبة المشرفة” وكذا في “الروضة الشريفة” فطلب مني لو أمكنني تمكينه من الصلاة في المكانين الطاهرين، وكذا السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل “الحجرة الشريفة” إذا سنحت لي الفرصة، فوعدته إن استطعت إلى ذلك سبيلا. وشاء الله سبحانه وتعالى أن تتحقق أمنية هذا الرجل الصالح على يدي [قبل وفاته بسنتين] وكان ذلك في جمادى الأولى من عام 1406هـ.وبدون توقع أو طلب مني فوجئتُ ذات صباح بصدور “الأمر الملكي” بأن أكون “الوزير” المرافق لفخامة الرئيس “عبده ضيوف” رئيس “جمهورية السنغال” الذي سيحل ضيفاً على المملكة العربية السعودية”، وكان الضيف وقتها رئيساً لمنظمة المؤتمر الاسلامي. وتضمن الأمر الموافقة أن يفتح لفخامته باب “الكعبة المشرفة” ليصلي بداخلها، وأن يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم داخل “الحجرة الشريفة”..لقد سررتُ بهذا التكليف غاية السرور، ولم يكن أول تكليف لي في مثل هذه المناسبة. وكان من دواعي هذا السرور هو أنني سوف أَحْظَى بالصلاة داخل “الكعبة” وفي “الروضة” والسلام على رسول الله وصاحبَيْهِ داخل “الحجرة الشريفة”. كذلك أنني سأفي بوعد قطعته على نفسي “لابن عمي” الشاعر الشيخ “محمد بن عبدالله ين حمد آل ملحم” الذى، كما سبق القول، تمنى علي أن أحقق له هذه الأمنية الغالية في حياته.هاتفته في الحال من مدينة “الرياض” وهو في “الأحساء” مخبره أن أمنيته ستتحقق بمشيئة الله، وأن عليه أن يستعد لبدء الرحلة والقدوم إلى مدينة “الرياض” لمقابلتي، ومن ثم التوجه معي إلى مطار الملك “خالد بن عبدالعزيز” يرحمه الله، فكان في غاية السرور لسماعه هذا الخبر السار المبهج.وفوجئت، بعد أن وفقه الله إلى تحقيق أمنيته، بقصيدة حبَّرها ذات طابع قصصي، وفيها طرافة، وبلاغة، وتاريخ، وذكر عطر للمشاعر المقدسة في كل من “مكة المكرمة” و”المدينة المنورة”. وفي هذه القصيدة [التي تنشر لأول مرة] تناول الشاعر سَيْرَ رحلته منذ أن بدأها بمدينة “الهفوف” حاضرة محافظة “الأحساء” وحتى مغادرته للأراضي الحجازية آيباً إلى مسقط رأسه.. وشملني ـ يرحمه الله ـ بأبيات شعر عبَّر فيها عـن امتنانه لوفائـي بما وعدتُه بــه. وسأذكرها في مكانها المناسب.ولا أعلم متى حبر “ابن عمي” هذه القصيدة، هل كان ذلك أثناء الرحلة، أو في نهايتها، أو بعد عودته إلى “الأحساء”؟وفي بدايــة القصيدة التي وَسَمَهَا “بالرحلة المقدسة” والتي تتكون أكثر مـن مائةوخمسين (150) بيتاً ما يدل على أنه قد بدأ في تحبيرها حال سماعه بخبر بدء هذه الرحلة، ومن أنه سيكون ضمن الرفاق فيها. بدأ القصيدة بأربعة بأبيات جامعة مانعة عبر فيها عن أشواق تداعب خياله وآمال ستتحقق له في هذه الرحلة، وكيف لا؟ وقد تحقق له المطلوب والمأمول. وهذه الأبيات الأربعة آية في الجمال والجلال:ــ
شَوْقِي إِلَى تِلْكَ الرَّبُـوعِ يَطُولُ ….. أَنَّى بِـهَا أَحْظَى وَكَيْفَ وُصُولُ!هَبَّتْ عَلَى جَدِّيْ نُسَيْمَاتُ الرِّضَا ….. فَتَحَقَّقَ الْمَطْلُوبُ وَالْمَأْمُـولُلَبَّىَ فُـؤَادِي عِنْدَمَا نَادَى الْهَوَى ….. سَيِّر حُمُولَكَ أَيُّـهَا الْمَوْصُولُقَرُبِ الْوِصَالُ وَحَـانَ أُبَّانُ اللِّقَا ….. مِمَّنْ تُحِــبُّ وَجَاءَكَ التَّنْوِيلُ
ومن “الأحساء” مسقط رأسه شدَّ الرحال في همة وعزيمة وهو لا يصدق قائلاً:ـ
فَشَدَدْتُ رَحْلِي فِي الرِّفَاقِِ مُسَارِعَاً ….. وَالشَّـوْقُ رَكْبِي وَالْغَرَامُ دَلِيلُمِنْ بَعْدِ مَا وَدَّعْتُ وَاحَاتِ” الْحَسَا” ….. وَمُرُوجَهَا الْفَيْحَاءَ وَهْـيَ تَمِيلُوَمَطَارُ “خَالِدَ” يَزْدَهِي مِـنْ فَرْحَةٍ ….. يَهْفُوْ “لِجـِدَّةَ” قَلْبُــهُ مَتْبُولُ


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 9760

تاريخ النشر: 05/03/2000م

أيهما أهم: النخلة أم البترول ؟ 2-2

كرم الله سبحانه وتعالى “النخلة” حيث ذكرها في محكم كتابه الكريم في أكثر من سورة.كما كانت النخلة بسبب المنزلة التي حباها الله سبحانه وتعالى بـها وما لثمرها من قيمة غذائية كبيرة محـل اعتبار في “السنة النبوية “حيث وردت بخصوصـها وخصوص “تمرها” أحاديث صحيحة .أما الشعراء فقد كانت “النخلة” مصدر الهام لهم منذ العهود الجاهلية وحتى العصور الحديثة . النخلة عالم قائم بذاته. لها مصطلحاتها، وأيامها، ومناسباتها.كانت للنخلة قبل اكتشاف البترول مكانة خاصة لدى علية القوم وعامة الناس. أما بعد عصر البترول فوضع النخلة أصبح، كما يصوره الأستاذ الأديب “خليل الفزيع” بقلمه الرشيق، أثراً بعد عين. يقول الأستاذ “الفزيع”:ـ “وكلما ذكر النخل تداعت إلى الذهن ذكريات جميلة، وفاضت في الخاطر صور أليمة، واختالت في البال آلام مقيمة، عن حقول النخيل التي تركها أهلها . . إلى حقول النفط الأقل جهداً والأوفر أجرا، فزحفت الرقعة العمرانية على مساحات زراعية . . كانت تزينها أشجار النخيل الباسقة، بعذوقها المثقلة بأطايب التمور، وسعفاتها الموحية بالحبور، والبهجة والسرور، فإذا هي أثر بعد عين بعد أن ماتت وهي واقفة . . تتحدى الظروف، وتندب حظها المعروف، وهو بالمخاطر محفوف . . . ” ويقول عن “النخلة” كذلك الأستاذ الدكتور الأديب “علي بن عبدالعزيز العبدالقادر”:ــ”والنخلة التي ارتبطت بأرض الجزيرة العربية والخليج العربي بعلاقة أزلية قديمة وأبدية أثرت في وجدانه وكيانه الاقتصادي والاجتماعي تَقِفُ في الواحات المتباعدة رمزاً للعطاء والوفاء والشمم …”وعلى الوتر نفسه قال [قبل الأخوين] الشاعر “محمد بن عبدالله آل ملحم” أبياتاً منها :
وَقَالُوا الزِّرَاعَةَ فِي عَصْرِنَا …. تُكَلِّفُنًا مَعْشَرَ الزَّارِعِينْوَأَنَّ النَّخِيلَ بِوَجْهِ الْخُصُوصِ ….. تُكَلِّفُ فَوقَ الذِي تَحْسِبُونْأَنُنْفِقُ فِيهِنَّ أَمْوَالَنَا ….. أَهُنَّ بَنَاتٌ لَنَا أَمْ بَنِونْفَقُلْتُ نَعَمْ عَلَّهُنَّ لَكُمْ ….. إِلَى النَّفْعِ أََقْرَبُ مِنْهُمْ تَكُونْوَإِنَّ النَّخِيلَ لَتُطْعِمُنَا ….. بِفَاكِهَةٍ خَيْرَ مَا تُطْعِمُونْوَلاَ سِيَّمَا التَّمْرُ مِنْ بَيْنِهَا ….. فَلَيْسَتْ تُكَافِئُ مَا تُنْفِقُونْوَإِنَّ الزِّرَاعَةَ مَضْمُونَةٌ ….. مَنَافِعُهًا أَيُّهَا الزَّارِعُونْوَإِنَّ النّخِيلَ لأَفْضَلُهَـــــا ….. فَبُشْرَى لِمَنْ هُمْ بِهَا يَعْتَنُــــونْالنخلة مادة استراتيجية !والبترول مادة استراتيجية هي الأخرى !نتاج النخلة قابل للاستهلاك المباشر والفوري !ونتاج البترول قابل للاستهلاك ولكن على نحو غير مباشر.ونتاج كل من النخلة والبترول “مادة” حيوية لعمليات تصنيع متعددة.نتاج النخلة في عالمنا المعاصر مصدر عملة صعبة وكذلك نتاج البترول.ونتاج البترول، كما هو الحال بالنسبة لنتاج النخلة، سلعة قابلة للتصدير وكلاهما مصدر ثروة وسلطة.وَهَجَرَ الناس النخلة لأن العناية بها مكلفة وتحيط بها مشقة. وبسبب هذا الهجر اندثرت أراض زراعية وتوارت عن الأنظار بيوت معروفة ذات اهتمامات زراعية.وتعلق الناس بالبترول لأن العمل به أوفر وأيسر. النخلة والبترول في خصوص منطقتنا بالذات في عالمنا المعاصر صنوان مهمان. كلا البترول والنخلة من مخلوقات الله. النخلة ظاهرة للعيان ودور الإنسان في عمرانها وصيانتها مهم، والبترول مادة مختبئة في مصائد أو مكامن “طبيعية” بباطن الأرض، وتمكن الإنسان، بهدي من الله سبحانه وتعالى، من العثور على مكامنها. وهناك دول تطيل من عمر هذه المادة عن طريق التحفظ عليها بمكامنها. وهناك دول تحاول استنزاف مخزون هذه المادة من مصائدها “الطبيعية” لتحويلها عن طريق البيع الفوري للحصول على عملات صعبة من أجل الاحتفاظ بِهذه العملات [كما يقال] لصالح الأجيال القادمة … وهناك دول لديها “الدولار” وتحاول استبداله بذلك السائل الأسود لتودعه في مصائد “اصطناعية” دائمة ببلدانها لصالح أجيالها القادمة. والبترول مادة حيوية وقت السلم والحرب، والحديث عنه في عالمنا المعاصر ملء السمع والبصر. ومن أجل الحصول عليه تبذل هذه الأمم الغالي والنفيس، وإذا تعذر الحصول على هذه المادة سلماً، فلتشتعل الحرب، وليكن ما يكن. النخلة مادة استراتيجية دائمة، وإن كان عطاؤها قليل، وقليل دائم خير من كثير منقطع.والبترول،كما تقول الحقائق العلمية المتاحة للإنسان حالياً، مادة استراتيجية مؤقتة. وفي ظل ما أوردته من حقائق، أطرح للنخبة من قراء جريدة ” اليوم ” وكذا غيرهم ـ من منطلق أدبيات البترول ـ سؤالي الذي عنونتُ بـه هاتين الحلقتين وهو : أيهما أهم، من الناحية الإستراتيجية لحاضرنا ومستقبلنا، البترول أو النخلة ؟

ــــــــــ

الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9753

تاريخ النشر: 27/02/2000م

*رئيس دارة الدكتور آل ملحمللتحكيم والاستشارات القانونية

من أوراقي المبعثرة : وتكفي قصيدة واحدة 5-5

النظر إلى العمل الأدبي يختلف من شخص إلى شخص، وحتى بالنسبة للشخص الواحد من وقت لآخر. وهناك مجموعة من العوامل من شأنها التأثير على الشخص نفسه عند النظر إلى العمل من أجل الحكم له أو عليه.لقد ترتب على قراءتي المتكررة لقصيدة “ابن دريد” محاولة الكشف عن الجوانب التى تراءت لي من تلك القراءة مما حاولت التعبير عنه فيما سبق من حلقات، وربما يوجد من يختلف أو يتفق معي فيما نحيته. والنظر الذي سلَّطته على القصيدة من طبيعة تأملية وللإجتهاد دور كبير فيه. ولقد استعنتُ خلال مطالعتي، وإلى جانب كبير، ببعض كتب التراث التي تناولت القصيدة نفسها رغبةً مني أن يشاركني الغير ولو مشاركة وجدانية فيما وجدت أنه رائع وممتع.ومسك الختام، وحتى تكتمل الصورة على الأقل لدي، رأيت ضرورة تقديم نبذة مختصرة عن محبر القصيدة لا سيما أنني وسمت هذا البحث بعنوان:ـ وتكفي قصيدة واحدة، وقصدتُ من ذلك أنه تكفي قصيدة واحدة لتخلع على قائلها لقب شاعر ، بل وأن يعدَّ من فحول الشعراء. والمقياس في التجربة الشعرية ليس في كثرة الشعر وإنما في جودته حتى ولو كان قليلاً، بل وحتى لو تمحور هذا الشعر حول قصيدة واحدة . وقصيدة “ابن دريد” من هذا الضرب.فمن هو هذا الشاعر؟يقول “ابن خلكان ” هو:ـ أبوبكر بن الحسن بن دُريد الأزدي. ولد بالبصرة في عام 223هـ، وشب عن الطوق بها، ثم رحل إلى “عمان”، رجع بعدها إلى “البصرة”، ومن ثم رحل إلى “الأهواز” من بلاد “فارس ” حينما كانت تحت إمرة الشاه “عبدالله بن محمد بن ميكال” وابنه “أبي العباس اسماعيل بن عبدالله”. وتروي كتب التاريخ التي تناولت حياة “ابن دريد” أنه تمكن بفطنته وذكائه وسعة اطلاعه على علوم اللغة العربية وآدابها أن يكون قريباً من الأميرين لدرجة أنه حاز ثقتهما، وألَّف لهما كتاب “الجمهرة”، وهو معجم كانت له شهرة فائقة، وبسبب هذا الكتاب، وأعمال أخرى قام بها، قلَّداه “ديوان فارس”، فأثبت لهما أنه ذا مقدرة وكفاءة. ولم يبخلا عليه بشئ، بل أجزلا له العطاء. وليَرد الجميل تفتقت ذهنيته عن تحبير قصيدته “المقصوره” في مدحمها، فنالا من الشهرة بسببها بقدر ما نالته القصيدة نفسها. وعن ما أولياه إياه من تقدير بعد أن أَخَذ منه اليأس مأخذه، وعن المكانة التي حظي بها عندهما، وما تمتع به من نعم في كنفهما قال:ـ
حَاشَا الأَمِيريْنِ اللَّذيْنِ أَوْفَدَا ….. عَلَيَّ ظِلاً مِنْ نَعِيمٍ قَدْ ضَفَاهُمَا اللَّذانِ أثْبَتَا لي أَمَلاً ….. قَدْ وَقَفَ الْيَأْسُ بِهِ عَلَى شَفَاتَلاَفَيَا الْعَيْشَ الّذي رَنَّقَهُ ….. صَرْفُ الزَّمانِ فَاسْتَسَاغَ وَصَفاوَأَجْرَيَا مَاءَ الحيا لِي رَغَداً ….. فَاهْتزَّ غُصْني بَعد مَا كَانَ ذَوىهُمَا اللَّذَانِ سَمَوَا بِنَاظري ….. مِنْ بَعْدِ إِغْضائي عَلَى لذْعِ الْقَذىهُمَا اللَّذانِ عَمَرَا لي جَانِباً ….. بِشُكْرِ أهْلِ الأَرْضِ عنّي مَا وَفَىوَقَلَّدَاني مِنَّةً لَوْ قُرِنَتْ ….. حُسْوَةٍ فِي آذِيّ بَحْــرٍ قَدْ طَمَا
وبعد أن أفاض في الرعاية والحفاوة التي تمتع بهما في ظلهما، والمنة التي قلداه بها وهي مِنَّةٌ لو قرنت، على حد تعبيره، بشكر أهل الأرض بالنيابة عنه ما كان ذلك كافياً. يقول “بن دريد” عن الأمير وابنه:ـ.
إِنَّ ابْنَ مِيكَالَ الأَمِيرَ انْتَاشَنِي ….. مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ كُنْتُ كَالشَّيء اللّقَىوَمَدَّ ضَبْعِيَّ أبُوالْعَبَّاسِ مِنْ ….. بَعْدِ انْقِباضِ الذَّرْعِ وَالْبَاعِ الْوَزَىذَاكَ الَّذِي مَا زَالَ يَسْمُو لِلْعُلاَ ….. بِفِعْلِهِ حَتَّى عَلاَ فَوْقَ الْعُلالَوْ كَانَ يَرْقَى أحَـدٌ بِجُــودِهِ ….. وَمَجْـدِهِ إِلى السَّمَاءِ لاَرْتَقَــىمَا إِنْ أَتَى بَحْرَ نَدَاهُ مُعْتفٍ ….. عَلَى أُوَارِ عَيْمَةٍ إِلاَّ ارْتَوَىنَفْسي الْفِدَاءُ لأَمِيرِي وَمَنْ ….. تَحْتَ السَّماءِ لأَمِيرِيّ الُفِدَىلاَ زَالَ شُكْري لَهُمَـا مُوَاصِلاً ….. لَفْظِــي أَوْ يعْتَاقَنِي صَرْفُ اَلْمُنَا
قال “ابن خلكان” في “الوفيات”:ـ كان “بن دريد” أمام عصره في اللغة والآداب والشعر الفائق.أما “ابن مسعود في كتابه “مروج الذهب” فقد قال عنه:ـ وكان “ابن دريد” ببغداد ممن برع في زماننا هذا في الشعر، وانتهى في اللغة ، وقام مقام “الخليل بن أحمد” فيها، وأورد أشياء في اللغة لم توجد في كتب المتقدمين، وكان يذهب بالشعر كل مذهب، فطوراً يجزل، وطوراً يرِق، وشعره أكثر من أن نحصيه أو نأتي على أكثره.وله قصيدة غزلية أورد “ابن خلكان” خمسة أبيات منها وهي:ـ
غَرَّاءُ لَوْ جَلَتِ الْخُدُودُ شُعَاعَهَا ….. لِلشَّمْسِ عِنْدَ طُلُوعِهَا لِمْ تُشْرِقِغُصْنٌ عَلَى دِعْصٍ تَأَوَّدَ فَوْقَهُ ….. قَمَرٌ تَأَلَّقَ تَحْتَ لَيْلٍ مُطْبِقَلَوْ قِيلَ لِلْحُسنِ احْتَكِمْ لَمْ يَعْدَهَا ….. أَوْ قِيلَ خَاِطُب غَيْرِهَا لَمْ يَنْطِقَوَكَأَنَّنَا مِنْ فَرْعِهَا فِي مَغْرِبٍ …… وَكَأَّنَّنَا مِنْ وَجْهِهَا فِي مَشْرِقِتَبْدُو فَيَهْتِفُِ لِلْعُيُونِ ضِيَاؤُهَـــا ….. الْوَيْــلُ حَـلَّ بِمُقْلَـةٍ لَـمْ تُطْبِقَ
وبجانب الشعر يعتبر “بن دريد” من المؤلفين بالجملة. له مؤلفات وتصانيف في اللغة وعلوم القران والحيوان. ومن أشهر مؤلفاته “الجمهرة” التي قال عنها “ابن عطار”:ـإن “ابن دريد” أملى “الجمهرة” دون الاستعانة بالنظر في شئ من الكتب إلا في الهمزة واللفيف، وبهذا ينفرد بين كل مؤلفي المعجمات قديماً وحديثاً وفي كل لغات العالم، ويمتاز عليهم بهذه الموهبة النادرة الفذة، فإملاء عالم معجماً يضمُّ عشرات الآلاف من المواد اللغوية من حفظه وعقله وعلمه دون الاستعانة بكتب حدثٌ عظيمٌ جديرٌ بالإعجاب، وعملٌ قمينٌ بأن يقدر صاحبة أعظم تقدير، وإن عمله ـ هذا ـ معجز لا يستطيعه أي عالم من العلماء الأئمة الراسخين، فما سمع قط عن مؤلف معجم صنع ما صنع هذه المعجزة النادرة إلا: ابن دريد.وتوفي “ابن دريد” في بغداد في عام 321هـ بعد أن خلف وراءه نفائس في لغة الضاد.

ــــــــــــــــــــــــــــ

الناشر: جريدة اليوم

– العدد:101147

تاريخ النشر: 22/02/2001م

* رئيس دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستششارات القانونية

أيهما أهم: النخلة أم البترول ؟ 1ـ 2 

ورد بمحاضرتي الموسومة بـ ” أدبيات البترول ” التي ألقيتها “بنادي المنطقة الشـرقية الأدبي” فـي 19/3/1413هـ أن مجـال هـذه “الأدبيات” يكمن في تلك التحولات الاجتماعية التي كانت محل رصد الكثير من رواد الثقافة والأدب من مواطنين وأجانب. ومن هذه التحولات تلك التغيرات التي طرأت على أوضاع الزراعة حيث كان التعلق بها قبل عصر “البترول” أقوى منه بعد عصر البترول. وكانت “الزراعة” بما تمثله من بيئة خضراء ومياه جارية تشد أصحاب الأحاسيس المرهفة من أدباء وعلماء، وبالأخص مـلاك المزارع والبساتين الذين تعـوَّدوا على التجمع في ساحـات مزارعهم وبساتينهم فَيَحْلُوا لهم السمر والأحاديث الجميلة. وبعد تفجر البترول أصبحت هذه التجمعات، كما يقول المثل، في خبر كان، وأخذت المشقة تحل محل البساطة، وابتعد الناس عن الزراعة بقدر اقترابهم من مظاهر المدنية التي كانت وليدة تدفق فجائي لثروات ما كانت في الأصل متوقعة.وعلى ضوء ما سبق تبادر إلى ذهني سؤال ربما تبدو الإجابة عليه بديهية للغاية . والسؤال هو: أيهما أهم النخلة أم البترول؟الكل [ما عدا كاتب هذه السطور] سيجيب :ـ البترول، البترول، البترول. وواقع الحال يؤيد الكل. مع أن دوام الحال من المحال؟ ولله في خلقه شؤون.المفاضلة في أيامنا المعاصرة بين “النخلة” و”البترول” صعبة، وتجد الصعوبة مكانها في التأثير الفجائي [الخارج على مقاييس “العقلانية”] للبترول كمادة استراتيجية.والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ما حدث خلال “قرن واحد” [بدأ اكتشاف البترول في منطقتنا في السنوات الأولى من القرن العشرين ] هو المعيار المرجح لأهمية البترول وذلك بالنظر لما له ـ وحتى الآن ـ من تأثيرات مفاجئة على حياة البشر؟والنخلة باعتبارها رمز الزراعة [وهنا بيت القصيد،] هل توارى تأثيرها عن الأنظار خلال “قرن” البترول المنصرم. والله سبحانه وتعالى قال مخاطباً الصديقة “مريم بنت عمران” قبل عشرين قرناً: ( وهـزي إليك بجـذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا ). سورة “مريم”، الآيه 25النخلة أهم شجرة فاكهة في عالم الزراعة على الإطلاق. وظلَّت النخلة ولا تزال في عالم الاقتصاد الزراعي المحافظ مصدر غنى ووجاهة وسلطة.ونتاج النخلة في المصطلح الاقتصادي الحديث “مادة” إستراتيجية في وقت السلم والحرب على حد سواء، وهو مخزون أمني سهل الإنتاج والتناول بلا منازع. ولم تحظ مادة استراتيجية في شبه الجزيرة العربية على مر العصور بمثل ما حظيت به النخلة باعتبارها سيدة الأشجار، أو أم الأشجار، أو أميرة الصحراء، على حد رأي بعض الكتاب … وكانت النخلة ـ من حيث نتاجها ـ أهم مصدر تمويلي لعمليات تكوين المملكة العربية السعودية.والنخلة مصدر غذاء دائم ومتجدد.ونتاج “النخلة” وهو “التمر” كان ولا يزال أفضل ما يقدمه “العربي” في خيمته أو في بيته لضيوفه، كما أن التمر من خير ما يحمله معه في رَحْلِهِ وحله. وللنخلة مشتقات من طبيعة صناعية وتحويلية ليس هذا المقال مكان حصرها.وبالفعل قبل تفجر البترول كانت النخلة محل الصدارة لدى سراة القوم.أما بعد تفجر البترول فالصدارة أصبحت لهذا المعدن الأسود السائل.وتوارت النخلة عن الأنظار بسبب “البترول” لتحتل المكان الثاني، إن لم يكن المثوى الأخير في عالم الاقتصاد الزراعي.

ـــــــــــ

أيهما أهم: النخلة أم البترول ؟ 1ـ 2
الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9746

تاريخ النشر: 20/02/2000م

*رئيس دارة الدكتور آل ملحمللتحكيم والاستشارات القانونية

من أوراقي المبعثرةمنتجع سمحة 2 ــ 2

 

وكان منتجع “سمحة” محل إعجاب من زاره أو سكن فيه. سكن فيه جلالة الملك “سعود بن عبدالعزيز” يرحمه الله.وزاره كثير من رجالات الدولة.وزاره السيد “ف. ش. فيدال” أحد كبار موظفي “شركة الزيت العربية الأمريكية” وهو مؤلف كتاب “واحة الأحساء”، ومما ذكره السيد “فيدال” عن بستان “سمحة” ما يلي:ــ (1) وعلاوة على ذلك هناك معالم أخرى خارج أسوار المدينة [مدينة الهفوف] تستحق الإشارة. ففي الغرب والشمال والحنوب من المدينة توجد بساتين نخيل قليلة يملكها أشخاص أثرياء تستخدم للراحة والاستجمام أكثر من جدواها الاقتصادية . ومن بين تلك البساتين بستان الكبينية والبحيرية وبنوع متميز بستان “سمحة”, وكان البستان الأخير يدار لوقت طويل من قبل أسرة “النافع” التجارية” . ويستخدم القصر الكبير الموجود في بستان “سمحة” كقصر إضافي لضيوف الحكومة في حال اكتظاظ بيت “السراي” بنزلائه. وقد عين حديثاً “حسين بدوي” مديراً للبستان و القصر. وقد أمر بهدم القصر القديم وبناء قصر جديد سوف يزود بأنابيب مياه حديثة ووسائل تبريد. والمدير الجديد خبير زراعي مصري. وقد بدأ بالفعل في إعادة تنظيم الحديقة والتي من قبل كانت في حالة سيئة. وقد كان لقصر “سمحة” القديم سلم خارجي كان عبارة عن درج مقنطر متعرج الدائر ، ويعد واحداً من أكثر التصاميم المعمارية إثارة وفخامة في شرق شبه الجزيرة العربية. أهـ.وفي كتابه “المملكة العربية السعودية وتطورات مصادرها الطبيعية” تحدث السيد ك. س. تويتشل” الأمريكي الجنسية [الذي انتدبته حكومة المملكة للبحث عن المياه في الحجاز وجزيرة العرب عموما قبل اكتشاف البترول] عن منتجع “سمحة” فقال:ــ(2) وأما قصر وزير المالية الشيخ “عبدالله السليمان” فهو قصر منيف حقاً ويسمى (سمحا) ويتوسط حديقة من النخل الباسق، وحين تدخل من بابها يعجبك أنك تسير في ممشى عريض، وشجر النخيل عن يمينك ويسارك في صفين منظمين طويلين … وأينما تَلَفَّتْ اسْتَبَقَتْ إلى أنفك رائحة الأزهار الشذية الفواحة العطرة، ثم إذ تمشي يواجهك القصر، وإذا ما تَلَفَّتْ عند وصولك إلى باب القصر إلى يمينك هلَّت إليك بركة رحبة من الماء العذب الفرات تتلألأ فيها متموجة، وترى فيها ظلال هذه الأشجار وهاتيك الفواكه وهذه الأزهار. وإذا ما دخلت القصر أدهشك تنسيقه وسُرَّ ناظريك. فأينما توجهت ببصرك في الجدر والسقف وجدت آيات من الفن معلقة أو مصورة ناطقة؛ بل رأيت أنواع السجاد والطنافس والأرائك والمتكآت والأثاث والرياش الفاخر، بل هناك أَسٍرَّةٌ لراحة الضيوف مفروشة بكل فراش ناعم وثير، وهنالك آنية وصحاف يقدم فيها الطعام، وتدل على الثراء والترف والأناقة والكرم الحاتمي، وهنالك شرفة تعلو الطابق الثالث من القصر وتتجه منها ببصرك إلى الجهات الأربعة في المدينة فترى هذه الواحات وهذه الحدائق من النخيل التي تقصر العين عن إدراك مداها، ويرف النسيم العليل المنعش فيمتع الضيف بنوم هادئ لذيذ. هذه (سمحا). ولعمري لقد وصف المتنبئ مغاني “الشِّعب” أبدع ما وصف لنذكرها هنا في هذا المقام:ــ
مَغَانِي الشَّعْبِ طِيباً فِـي الْمَغَانَي ….. بِمَنْزِلَةِ الرَّبِـيعِ مِــنَ الزَّمَانِمَلاَعِبُ جَنَّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا ….. “سُلَيْمَانُ” لَسَارَ بِتَرْجُمَانِغَـدَوْنَا نَنْفُضَ الأَغْصَانَ فِيهَـا …… عَلَى أَعْرَافِهَا مِثْلَ الْجَمَــانِفَسِرْتُ وَقَدْ حَجَبْنَ الشَّمْسَ عَنِّي ….. وَجُنَّ مِنَ الضِّيَاءِ بِمَا كَفَانَيوَأَلْقَى الشْرْقُ مِنْهَا فيِ ثِيَابِي ….. دَنَانِيراً تَفُرُّ مِنَ الْبَنَانِلهَاَ ثَمَرٌ تُشِيرُ إِلَيْكَ مِنْهَا ….. بِأَشْرِبَةٍ وَقَفْنَ بِلاَ أَوَانِوَأَمْـوَاهُ تَصِلُّ بِهَـا حَصَاهَـا ….. صَلِيلَ الْحِلْيِ فيِ أَيْدِي الْغَوَانِي
وعن منتجع “سمحة” ورد في جريدة “أم القرى” تقرير الوفد الصحفي ــ الذي رافق معالي الشيخ “السليمان” في زيارة له “للأحساء” في 24 من المحرم عام 1371هــ. ومما قاله الوفد عن منتجع “سمحة” ما يلي:ــ(3) وبعد ذلك توجه معالي الوزير ــ وبمعيته رجال مكتبه والوفد الصحفي السعودي ـ إلى (سمحا) وهي مزرعة عظيمة تابعة لمعالي زير المالية الشيخ “عبدالله السليمان” محاطة بسور عال، ويقع في وسطها قصر فخم جميل جَمَعَ في ترتيبه وتنظيمه بين القديم والحديث فبدا آية من آيات الجمال تحيط به الأشجار من جميع جوانبه الأربعة، وبالقرب منه بركة كبيرة يرتفع الماء فيها من يئر مركب عليه “ماتور” خاص لدفع الماء، وعلى طرف هذه البركة صفت الأرائك والمقاعد التي أعدت للجلوس يشكل مرتب منسق، وتنتج (سمحا) أنواع الفواكه والتمور وغيرها من المزروعات، وقد أمضينا بها وقتاً طيباً تحدَّث فيه معالي مزير المالية إلى الحاضرين حديثاً عاماً شاملاً عن الزراعة في البلاد، وعن نخيل “الأحساء”، وما يمتاز به من الجودة، علاوةً على شهرته. أهـ.وظل منتجع “سمحة” لحين من الزمن “منتدى” لأهالي “الأحساء” حينما تولى السيد “عبدالعزيز النافع الاشراف المباشر عليه. وكان “لهزار الأحساء وبلبلها الغريد الشيخ “عبدالله بن فهد أبوشبيب” صولات وجولات فيه مستجمًا ومنشدا. وفي بدايات السبعينيات من القرن الرابع عشر الهجري الماضي أخذ معالي وزير المالية يتخلى عن هذا “المنتجع” بالتدريج، وتولى السيد “عبدالعزيز النافع” الولاية عليه.وحبر الشاعر “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم أشعارًا عن منتجعات “الأحساء” بما فيها “سمحة”. وعن “سمحة” وغيرها من المنتجعات يقول :ــ
أُحِبُّ النَّخِيلَ وَأَنْسَـامَهَا ….. تَبُـثَّ عَلَيْنَـا الشَّـذَى فِيبِعَيْنِـي “ْقُوَيْعِيَّةٌ” مَرْبَـعٌ ….. سُُونْ بِسَاحَاتِهَا يَسْمُرُ السَّامِرُونْوَ”سَمْحَا” وَجَارَتَهَا جَنَّةٌ ….. وَحَمَّامُهَا الْفَذُّ لَوْ تَذْكُرُونْوَقَصْرٌ تَوَسَّطَ أَشْجَارَهَا ….. تَحُـفُّ بِهِ أَزْهُرٌ وَغُصُونْأَأَنْسَـى “الْبُدُوعَ” وَأَيَّامَـهُ ….. أَأَنْسَى “الْبُطَيْحَاءَ” ذَاتَ الْفُتُونْوَلاَ أَغْفُــلُ “الْقَصْرَ” ذَلِكُــمُ …… وَ”مَسْبَحَه” وَ”الْعَرِيشَ” الْحَـنُونْوأخبرني من أثق به أنه على إثر فض المشاركة بين الإخوة “عبدالله السليمان” وأخيه “حمد” كان منتجع “سمحة” من نصيب “حمد” الذي قدَّمه فيما بعد هدية لإسرة “النافع”.وفي عام 1373هــ استأجرت “شركة الزيت العربية الأمريكية” “المنتجع” ليكون بمثابة مدرسة في عُطَلِ الأسبوع لبعض كبار موظفي الشركة الأمريكيين الذين كانوا يقضون أياماً “بالأحساء” بغرض التعرف على معالمها، وللإستجمام “بالمنتجع”, وكذلك لتعلم اللغة العربية.وأتذكر أن رئيس هذه المجموعة من الموظفين [حينما كنت في الصف الثاني “بمدرسة الأحساء الثانوية” نظام قديم] قد طلب [عن طريق منسق لهذه المجموعة هو معالي الدكتور عبدالله العمران الذي كان هو نفسه طالباً بالمدرسة نفسها] من إدارة المدرسة أن يتعرف بعض طلبة المدرسة على الأمريكيين “بمدرسة سمحة” بغرض أن يتعلم الأمريكان اللغة العربية منهم وفي المقابل يقوموا هم بتعليم اللغة الانجليزية لهؤلاء الطلاب. وأشار الأستاذ “حمد الجاسر” في معجمه الجغرافي إشارة عابرة إلى “سمحة ذاكراً أنها من قرى “الأحساء”، والأمر ليس كذلك، كما ذكر الشيخ “حمد” أن “شركة الزيت العربية الأمريكية قد أنشأت بها مركزاً لتعلم اللغة الإنجليزية وهذا صحيح.(4) وبعد تخلِّي معالي الشيخ “السليمان” عن وزارة المالية تخلَّى معاليه عن “منتجعه”، وتولت أسرة “النافع” العناية بهذا “المنتجع” وصيانته لحين من الزمن . ولكن ارتفاع تكاليف الصيانة قلَّلت من اهتمام أسرة “النافع” به مما ترتب عليه عودة أصل “المنتجع” إلى مالكيه الذين أزالوا هذا “المنتجع” فيما بعد من الوجود ليعود موقعه أرض جرداء بيعت بعد تقسيمها إلى قطع لأغراض السكن.ولم يكن هذا المصير هو المصير الذي آل إليه هذا “المنتجع” وحده فحسب ولكنه كان المصير نفسه الذي آلت إليه الكثير من معالم “الأحساء” الشهيرة. وبقي هذا “المنتجع” مجرد اسم في كل صك من صكوك ملكية المنازل المقامة في موقعه.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9738

تاريخ النشر: 12/02/2000م

رئيس دارة الدكتور آل ملحمللتحكيم والاستشارات القانونية

من أوراقي المبعثرةمنتجع سمحة 1 ــ 2

يعتبر منتجع “سمحة” من أهم المنتجعات التي عرفتها “الأحساء” في فترة الستينيات والسعينيات من القرن الرابع عشر الهجري.عاصر هذا المنتجع أحداثاً وزاره رجال سياسة وأدب وعلم.والذي عاصورا هذا المنتجع ممن هم على قيد الحياة يدركون مدى أهميته. وحاولتُ البحث في الكتب التي تناولت تاريخ “الأحساء”، وبالأخص تاريخ الفترة المشار إليها، لعلِّي أجد ما يفيدني عن هذا “المنتجع” فلم أجدْ شيئاً يذكر عنه ما عدى ما ذكرتْه صحافة “الحجاز أو بعض إشارات عابرة عن “المنتجع” نفسه في بعض كتب المستشرقين الغربيين الذين عاصروا هذا “المنجع، وشاهدوا معالمه عن كثب.. فما هو هذا المنتجع؟ وما ماذا آل إليه؟ وهل تم الاحتفاظ به باعتباره معلماً من معالم “الأحساء”؟للتعرف على هذا المنتجع ومدى أهميته في حقبة مهمة من تاريخ “الأحساء” يلزم بادئ ذي بدء التمهيد لذلك بمعلومات ضرورية حتَّى تكون الصورة على الأقل متكاملة لمن لم يعرف هذا المنتجع.بعد ثلاثة عقود من استرداد الملك “عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود” يرحمه الله “للأحساء” ظلت هذه “البلدة” محل اهتمام جلالته لأنها كانت سلة الغذاء لسائر بلدان المملكة. وتنبَّه لهذه الحقيقة وزير المالية الوحيد في عهد جلالة الملك لدرجة أنه اتخذ في “الأحساء” مقراً له يسكن فيه. وَمَنْ مِنَّا لا يعتني بسكنه لا سيما إذا كان في هذا السكن حدائق ومنتزهات أو إذا كان هذا السكن قابل لأن يكون به حدائق ومنتزهات وبالأخص إذا كانت تربته صالحة وتوفر فيه الماء.وبالفعل كانت التربة صالحة وكان الماء وفيراً في المقر المشار إليه.كان معالي وزير المالية “عبدالله بن حمد السليمان” يتردَّد على “الأحساء” زائراً ومتنزهاً ومستجماً حتى ولو كانت أعباء العمل تلاحقه إذ كان يُصَرِّفُ، وهو في “الأحساء”، أعباء هذا العمل مع معاونيه المرافقين له في أسفاره. حقيقة يدركها مَنْ عَرَفَ هذا الرجل عن قرب.وكان من أهم العوامل التي كانت تحدوه لزيارة “الأحساء” علو شأن “ماليتها” التي كانت لحقبة من الزمن أشبه ما تكون بالوزارة.وكان من أسباب إنشاء “منتجع سمحة” احتلال مالية “الأحساء” [في أول مراحل حياتها] “الدور الأول” من قصر “السراج” [أي السراي] الكائن في حي “الكوت” أحد أحياء مدينة الهفوف القديمة. وكانت القواعد السنوية وكذلك عوائد البادية تصرف من هذا القصر حتى عام 1359هــ حيث نُقِلَتْ أصول هذه القواعد والعوائد إلى إدارة مالية “الرياض” مع احتفاظ مالية “الأحساء” بتلك القواعد والعوائد الداخلة في اختصاص “مقاطعة الأحساء”، وكان مقر أمارة “مقاطعة الأحساء” في “الدور الأول” من قصر “السراج”، كما أُعِدَّ جزء من هذا القصر وهو دوره الأرضي ــ إلى جانب عمارتي “القصيبي” و”العجاجي” بسوق “الأحساء” المواجه لبوابة “العليمي” ــ لضيوف الحكومة القادمين إلى “الاحساء” من “الرياض” أو “الحجاز” لأداء مهام رسمية بها مثل التفتيش على إدارة مالية “الأحساء” أو “مدرسة الأحساء الابتدائية” أو “قيادة قوة الدفاع”.(1) كذلك استُخدمت عمارتي “القصيبي” و”العجاجي” لسكن كبار موظفي شركة الزيت العربية الأمريكية “أرامكو” وكذلك الأطباء الذين اعتادوا القدوم من محمية “البحرين” لزيارة “الأحساء” أمثال الدكتور “ديم” والدكتور هاريسون” لإجراء عمليات طبية بها أو للإستجمام. وكان هؤلاء الأطباء أعضاء، كما هو معروف، في البعثة الطبية التبشيرية التي كان مقرها في المحمية المذكورة.وكان بحي “الكوت” كذلك دور سكن لضيوف الحكومة، وكانت هذه البيوت تابعة لأملاك الدولة وتحت إشراف إدارة “المالية”، وكان يسكن بها بعض أمراء “الخليج العربي” الذين يتوجهون “للأحساء” إما للإستجمام أو لزيارة أمير “الأحساء”.وكما سبق القول كان لتردد معالي وزير المالية المتكرر على “الأحساء” ما يبرره. “منطقة زراعية” وبعد ذلك “منطقة بترولية”. وكان إذا زار “الأحساء” يسكن إما في خيام تنصب له بصفة مؤقتة بالقرب من “عين نجم” الشهيرة أو في “عمارة القصيبي” الواقعة أمام بوابة “العليمي” المؤدية إلى قصر “السراج”. ومن باب المصادفة تعرف السيد “عبدالله السليمان” على السادة “صالح النافع” وولديه “عبدالعزيز” و”عبدالله” يرحمهم الله. ونظراً لأن “السيد “عبدالله السليمان” لم يكن له مقر معين إذا زار “الأحساء”، وحيث كان لدى السيد “صالح النافع” بستان “سمحة” متولياً عليه عن طرق “العرق” أما “الأصل” فهو لعائلة “آل حسين” فقد اقترح السيد “صالح” على “بن سليمان” أن يتولاه بغرض السكن والتنزه فيه. و”سمحة” وقتها بستان عادي كسائر بساتين “الأحساء”. صادفت هذه الفكرة هوى في نفس الوزير الذي اتخذ ما يلزم نحو الولاية على هذا البستان وإن كان قد ترك الإشراف عليه لعائلة “النافع” في حال حضوره وحال غيابه، أما أصل هذا البستان فبقي، كما سبق القول، على ذمة مالكيه. أدخل “بن سليمان” تحسينات على هذا البستان، بل طوَّره حتى أصبح من أهم المنتحعات. وشارك في عملية التشييد والتطوير معندسوا البناء وقتها في “الأحساء” ومنهم “عبداللطيف العرادي وسعد السلطان وبن جيبان”. كذلك عُيِّنَ مديراً له وهو الخبير الزراعي المصري السيد”محمد حسين بدوي” الذي كان في الأساس منتدباً على رأس بعثة زراعية مصرية للنظر في الوضع الزراعي في المملكة في الستينيات من القرن الرابع عشر الهجري. وقد أعدَّ العديد من التقارير عن الأحوال الزراعية في نواحي المملكة مع التركيز على أحوال الزراعة في بلدتي “الأحساء” و”القطيف”.(2) وقام برعاية هذا البستان السيد “عبدالعزير النافع” طيلة حياته بعد وفاة والده. وكان أهم ما يميز هذا البستان إنشاء قصر وبركة فيه. ظل “ابن سليمان” يسكن في “سمحة” كلما زار “الأحساء”. كما كان “بن سليمان يستخدم هذا “المنتجع” في تصريف المعاملات المالية. وكان مكانه المفضل للإلتقاء بكبار موظفي شركة الزيت العربية الأمريمية (ارامكو)، كما كان موظفي مالية “الأحساء” يعرضون على معاليه الشئون المالية “لمقاطعة الأحساء” وغيرها فيه. كما كان كبار موظفي المالية في غيبة معالية يذهبون “لسمحة” للاستحمام ببركتها.ويقع منتجع “سمحة” في الجانب الشرقي من مسطح “السيفة الأخضر” الذي كان يحيط بمدينة “الهفوف” القديمة من شمالها وغربها. وبشرق “المنتجع” يقع مسجد العيد الذي يصلي فيه سكان أحياء الرقية والنعاثل وما جاورها.وتحدث عن هذا “المنتجع” رجال صحافة ومستشرقون ممن كانت لهم علاقة إما بوزارة المالية أو بشركة الزيت العربية الأمريكية.ولقد عاصرتُ هذا “المنتجع” بنفسي، وسبحتُ في بركته مراراً عديدةً لا سيما في السنوات الأخيرة من مجده. وليس مَنْ رَأَى كَمَنْ سَمِعْ. كان المنتجع وارف الظل، جميل في تنسيقه، نسيمه عليل، شجره مثمر، ونخيله باسقة الطلع، وماؤه صاف زولال. وكان هذا “المنتجع” بقصره، وبركته، وحدائقه، وتنسيق طرقاته، وتدلِّي أنواع الفواكه والثمار على جانبي طرفاته، من المفاتن المعروفة في عهده في “الأحساء”.

——-هوامش——-(1) راجع د. آل ملحم، كانت أشبه بالجامعة: قصة التعليم في عهد الملك عبدالعزير، دراسة في علم التاريخ الاجتماعي، ص/61، ط/1419هـ الموافق 1999م، إصدار دارة الدكتور آل ملحم للنشر والتوزيع، الرياض.
(2) راجع حسين محمد بدوي، كتاب الزراعة الحديثة بالمملكة العربية السعودية، مطبعة مصر شركة مساهمة مصرية، 1950م.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9731

تاريخ النشر: 05/02/2000م

رئيس دارة الدكتور آل ملحمللتحكيم والاستشارات القانونيةد/محمد بن عبداللطيف آل ملحم

رأي في كتاب : للقاضي اليحي

شَعْبِي انْتَبِهْ مِنْ سَائِرِ الْغَفَلاَتِ ….. وَأَفِقْ فَيَوْمُكَ مُشْرِقُ الصَّفَحَاتِوَلَّى الظَّلاَمُ وَأَدْبَرَتْ أَيَّامُهُ ….. وَبَدَا الضِّيَاءُ فَمَرْحَباً بِالآتِي قُمْ وَانْطَلِقْ بِعَزِيمَةٍ جَبَّارَةٍ ….. فِي مَوْكِبٍ لِلْعِلْمِ ذِي جَنَبَاتِ يَا شَعْبُ قُمْ نَحْوَ الْحَيَاةِ بِهِمَّةٍ ….. قَعْسَاءَ تَسْبِقُ سَائِرَ الْهِمَّاتِ وَاعْدُدْ لِنَيْلِ الْمَكْرُمَاتِ مَوَاقِفاً ….. وَاعْمُرْ بِهَا مُسْتَقْبَلاً لِحَيَاةِ وَدَعِ التَّأَخُّرَ وَالتَّقَهْقُرَ بَلْ وَكُنْ ….. يَوْمَ الْقُدُومِ مُبَاعِدَ الْخُطُوَاتِ وَاْنَهَضْ وَلاَ تَرْضَ الْهُبُوطَ فَتَنْطَويِ ….. بِالذُّلِّ فِي غَسَقٍ مِنَ الْحَسَرَاتِوَاسْتَوْفِ فِي طُرُقِ النَّجَاحِ أَبَرَّهَا ….. بِتَأَمُّلٍ وَتَدَبُّرٍ وَثَبَاتِ وَانْهَجْ وِكُنْ مَهْمَا اسْتَطَعْتَ مُبَادِراً ….. نَحْــوَ الْعُـلاَ مُتًمَيِّزاً بِسمَاتِ
إلتقيتُ بمحبِّر هذه الأبيات حينما كنت شاباً يافعاً. وهو يتذكر هذا اللقاء. والتقيتُ به مرة أخرى حينما كان في “كلية الشريعة” بالرياض وكنتُ وقتها بمدرسة الرياض الثانوية طالباً، وكان اللقاء في عام 1377هـ.ومن يلتقي به كانوا يقولون لي حينما ألتقي بهم: أنه دائماً يذكرني بخير.وشاءت إرادة الله أن لا التقي به خلال عقود من الزمن مع أن جل وقته قد قضاه بأرض “هجر”. ولقد كنت مقصراً في حق نفسي إذ لم أزره ولو فعلتُ لتزودت من فضله وعلمه. وكانت حياة “شيخنا” حافلة بالنشاط، وفعل الخير، وإقامة العدل بين الناس.وزرتُه منذ حين في منزله العامر فاستقبلني مرحباً، وكان ترحيباً استعدت به شبابي، كما ذكَّرني بأمور فيها طرافة، والذكر للإنسان، كما يقول الشاعر، “عمر ثاني”. وكان مجلسه وقت زيارتي له عامراً برجال الأدب والقضاء. ولدى مغادرتي لمنزله أهداني “تحفة”، وستكون “الأثر” بعده، إنها مصباح مضئ كله نور، وما أروع هذا النور. وعنوان “التحفة” “القطوف الندية من حقول العلوم الشرعية والأدبية”، وهي إسم على مسمى.ولدى تأمل هذه “التحفة” قلت لنفسي: يحبني هذا الرجل كثيراً وأنا أحبه كذلك، وفي هذا الشأن تذكرتُ مقولة الخليفة “علي بن أبي طالب” كرم الله وجهه: “إذا أحببتم الرجل من غير خير سبق منه إليكم فارجوه”. أهداني “تحفته”، إنها أثر جليل فيه علم وتبصرة وهداية، وهو خير ما ألفه هذا الرجل الفاضل في حياته، وهو لا يزال بحمد الله على قيد الحياة، غير شاحٍ بعلمه، أو ضان بنصائحه. يقول مقدمُ “التحفة” الشيخ “عبدالله بن حواس الحواس” عن “شيخنا”:ـكانت حياة الشيخ حافلة بالعلم والعمل والسعي في الدعوة إلى الله عز وجل والتعليم والنصح للعامة والخاصة، وكان الشيخ أحياناً يحتفظ ببعض المقالات والفتاوى والأشعار في دفاتر وقصاصات من الورق. ولقد ظل الشيخ زمناً طويلاً لا يُخرجُ من هذه الدرر شيئاً، ولكن بإشارة بعض المحبين لفضيلته وبعد محاولات إرتأى الشيخ إخراج ما أنتجه في هذه السنين وكأنه كان يرى أن ما عنده شئ قليل ولا يؤبه به كعادته في إخفاء نفسه وعدم إظهار العمل الصالح، ومن يعرف سيرة الشيخ لا يستغرب ذلك لشدة تواضعه حفظه الله تعالى، وليعلم القارئ في هذا الكتاب أن ما يراه في هذه السطور لا يساوي شيئاً بالنسبة لما عند الشيخ من علم وحفظ وفهم، وأن العلماء الجهابذة على قسمين: قسم يُعرفُ تبحره وسعة علمه من كتبه ومؤلفاته، والقسم الثاني لا يعرف علمه من كتبه حيث لم يتيسر له أن يؤلف في شتى العلوم فلا يعرفه إلا تلامذته والمعاصرون له، وصاحب هذا الكتاب من القسم الثاني” أهـ.وتضمنت هذه “التحفة” أمهات المسائل في عقيدة التوحيد وفي أركان الاسلام، ناهيك عما اشتملت عليه من فوائد وقلائد عن أخلاق الإسلام وآدابه.ولما تأملت أمهات المسائل هذه وجدتها تُذَكِّرُ بالعقيدة السلفية في موضوعية وتجرد وبلغة مبسطة من السهل الممتنع.وإلى جانب ما ذكرتُ وهو قليل، كشفت هذه “التحفة” لي عن أن صاحبها شاعر متوقد الذهن، وهو في شعره ينهج منهج السلف الصالح، ومنهج حماة التراث الاسلامي مع تطرق خفيف لبعض فنون الشعر العربي الفصيح “كالمطارحات الشعرية” وغيرها. و”المطارحات الشعرية ” من فنون الشعر الجميلة التي تحث على الترابط والتآخي وتوثيق عرى الود والوئام، كما أنها، دون غيرها من فنون الشعر، أقدر على تسجيل الذكريات العطرة بين الأحباب والخلان بما فيها تمجيد، أو على الأصح، تأريخ مواطن التجمع والأنس والمسرات.وعلى سبيل المثال، وفي التحفة كثير، لقد أعجبتني “مطارحة شعرية” بين “شيخنا” والمربي الأديب الشيخ “عثمان بن ناصر الصالح” بدأها الشيخ “عثمان” بقصيدة اشتياق حبرها وأرسلها “لشيخنا” ومن أبياتها:ــ
عَرَفْتُ وَمَنْ عَرَفْتُ فَلَيْسَ وَحْياً ….. وَلَكِـــــنْ ذَا لَعَمْرُ اللهِ لُقْيَاإِلىَ “عَبدِالْعَزِيزِ” الشَّهْمِ سِرْنَا ….. عَلَى شَوْقٍ إِلَى الشَّيْخِ “ابْنِ يَحْىَ” نُلَبِّي دَعْوَةً كَرُمَتْ عَلَيْنَا ….. إِلَى “الأَحْسَاءِ” وَاحَاتٍ وَأَفْيَاء فَأَوَّلُ مَنْبَعٍ لِلْخَيْرِ كَانَتْ ….. وَمَا زَالَتْ بِها تَنْمُو وَتَحْيَا وَفِي “هَجَرٍ” سَلاَئِلُ مِنْ كِرَامٍ …..كَأَنَّهُمُوا غَدَاةَ الْجُودِ طَيَّا دَعَونَا فِي بُيُوتِهُمُوا فَكَانُوا ….. بِنَيْلِهُمُوا إِذَا اتَّخَذُوهُ زَيَّا وَلْو أَنَّـا أَطَعْــنَا لَوْ بَقِيـنَا ….. لَكُنَّا فِـي نَوَادِيهِمْ سِنِـيَّاوَلاَ تَنْسَوْا “بِعَاصِمَةٍ” إِخَاءٌ ….. “رِيَاَضِكُـمُ” بِكُــمْ أَضْحَى غَنِيَّاوَ”عَاصِمَةُ الْبِلاَدِ” لَنَا جَمِيعاً ….. لَنَا دِرْعٌ نَصُــــدُّ بِهَا الْكَمِيَّاهُنَا نُجَبَاءُ فِي “هَجْرٍ” تَبَارَوْا ….. تَعَالَوْا فَاعْرِفُوهُمْ يَا بَنِيَّاتَــرَوْا فِيهَـا عَنَاصِرَ طَيِّبَاتٍ ….. وَقَوْمـاً فِـي “الْحَسَا” شَعْبًا رَضِيَّا
وحبَّر “شيخنا” قصيدة جوابية من أبياتها:ــ
أَيَا شَيْخَ الْمَكَارِمِ َوالسَّجَايَا ….. وَيَا شَيْخَ الْفَضَائِلَ وَالْمَزَايَا وَيَا شَيْخَ الْقَرِيضِ وَكُلِّ نَثْرٍ ….. حَوَى مَا يُسْتَطَابُ مِنَ الْحَكَايَا أَتَتْنِي غَادَةٌ مِنْكُمْ تَهَادَى ….. كَأَحْسَنِ مَا تَكُونُ مِنَ الصَّبَايَا أَتَتْ فِي دِلِّهَا تَمْشِي الْهُوَيْنَا ….. فَوَافَقَ حُسْنُهَا مِنِّي هَوَايَا لَقَدْ أَتْحَفَتْنَا “عُثْمَانُ” شِعْراً ….. وَوَصْلاً بِالزِّيَارَةِ وَالتَّحَايَا فَحَلَّ الْبِشْرُ فِي “الأَحْسا” بِهَجْرٍ ….. بِلاَدُ الْجُودِ مِدْهَالِ النَّضَايَا بِـلاَدُ الْعِلْــمِ وَالإِحْسَانِ دَوْماً ….. بِلاَدُ الْمَجْدِ عُنْوَانُ الشَّذَايَــا
وفي “التحفة” الكثير مما لا يتسع المقام لذكره من عظات وعبر وأدبيات إسلامية. ولقد أورد “شيخنا” “بالتحفة” قليلاً من محفوظاته الشعرية، وهي محفوظات تتضمن ـ بحق ـ فوائد وحكم وطرائف ومنها بيتان من الشعر أوردهما “شيخنا”، وياليتني كنت أعرفهما منذ زمن بعيد إذن لاعتذرتُ عن نوع من “الإعارة” مع أن “الاعارة للشئ” في حد ذاتها من الأفعال الحميدة. ولكن ما مضى فات، وَمَنْ مِنَّا [ممن يحرص على اقتناء الكتاب والمحافظة عليه] لم يندم على هذا النوع من الاعارة. والمثل العامي يقول:ـ”إذا وقعت يا فصيح فلا تصيح”. والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. والبيتان هما:ـ
أَلاَ يَا مُسْتَعِيَر الْكُتْبِ أَقْصِرْ ….. فَإِنَّ إِعَارِتِي لِلْكُتْبِ عَارُ فَمَحْبُوبِي مِــنَ الدُّنْيَا كِتَابِـي….. وَهَــلْ أَبْصَرْتَ مَحْبُوباً يُعَارُ
وتوقفتُ كذلك عند بيتين من محفوظات “شيخنا” وفيهما طرافة وهما:ــ
فَصَاحَةُ “حَسَّانٍ” وَخَطُّ “ابْنِ مُقْلَةٍ” ….. وَحِكْمَةُ “لُقْمَانٍ” وَزُهْدُ “ابْنِ أَدْهَمِ”إِذَا اجْتَمَعَتْ فِي الْمَرْأِ وَالْمَرْأُ مُفْلِسٌ ….. وَنُــودِي عَلَيْهَ لاَ يُبَاعُ بِدِرْهَـمِ
إن كل ما بهذه “التحفة” من قطوف تعبرُ عن عقل ناضج، وذهن صافٍ، وحضور واع، وتكشفُ عن شخصية متأثرة بالبيئة التي عاشت فيها وهي بيئة علم وملتقى حضارات.وصاحب هذه “التحفة” هو العالم والأديب والقاضي رئيس محاكم “محافظة الأحساء” السابق الشيخ “عبدالعزيز بن يحى اليحى” متعه الله بالصحة والعافية.لقد جمع فيها ما عنَّ له من قواعد شرعية وعلوم أدبية، وفي الجانب الأدبي منها عكس ما درج كتاب التراث عليه من محبة التراث والحرص عليه وحفظه بعد صيده، وهو عمل جليل وفعل محمود. والشيخ “آل يحى” كأنه فيما فعل يردد قول الشاعر:ـ
الْعِلْمُ صيْدٌ وَالْكِتَابَـةُ قَيْدُهُ ….. قَيِّدْ صُيُودَكَ بِالْحبَال الْوَاِثَقةْفَمِنَ الْحَمَاقَةِ أَنْ تَصِيدَ غَزَالَةً ….. وَتَسِيبَهَا بَيْنَ الْخَلاَئِقِ طَالِقَـةْ
ولأن “شيخنا” قد طلبَ في خاتمة “التحفة” أن من رأى خطأ أو سبق قلم أن ينبهه عليه فأود ، إتماماً للفائدة، التنبيه على أمور لعلها تجد لها مكاناً في الطبعة الثانية من “التحفة”. من هذه الأمور أنه لم يُذكر “بالتحفة” البلدة التي ولد بها الشيخ، وعبارة أن “أكل لحم الابل دون بقية أجزائه” من نواقض الوضوء تحتاج إلى إيضاح لما شاب العبارة من لبس إذ بالمثال يتضح المقال، ووردت “بالتحفة” آيات من القرآن الكريم وأحاديث نبوية بها عبارات يصعب فهمها إن لم تشرح بهوامش الصفحات التي وردت بها، كذلك من المهم أن يُحددُ المذهبُ الذي اعتمد عليه الشيح فيما يتعلق بفقه الطهارة والصلاة وغيرها، وكذلك لو أمكن تشكيل “اللآلئ المنظومة في إعتقاد أهل السنة والجماعة” حتى تسهل قراءتها وتفهم معانيها، كذلك أرى ضرورة الترقيم واستعمال النقط والفواصل بين الجمل ليزول اللبس ويتضح المعنى، وحبَّذا لو وُضِعَ فهرس “للأعلام” و”المصطلحات الشرعية المهمة” حتى يسهل الرجوع إلى محتويات “التحفة”.
—————هوامش—————
(1) لمزيد من التفاصيل عن “المطارحات الشعرية” لدى “شعراء الأحساء” راجع كتاب “كانت أشبه الجامعة: قصة التعليم في مقاطعة الأحساء في عهد الملك عبدالعزيز، دراسة في علم التاريخ الاجتماعي، ص/ 365 وما بعدها، ط/1419هــ، إصدار دارة الدكتور آل ملحم للنشر والتوزيع، الرياض.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9724

تاريخ النشر: 29/01/2000م

رئيس دارة الدكتور آل ملحمللتحكيم والاستشارات القانونيةد/محمد بن عبداللطيف آل ملحم

Myres Smith McDougal EulogyMyres

الناشر: Appreciations of an Extraordinary Man, p. 72-73. Yale law school, Yale Universityتاريخ النشر: 1999
In memory of my professor Myres Smith McDougal of Yale Law Schoolwho passed away on May 7, 1998 I wrote the following eulogy.*
Myres Smith McDougal ByMohamed Almulhim, ’65 LL.M., ’70 J.S.DMinister of State of the Kingdom of Saudi Arabia

As a world class institution,Yale Law School is the host to many first-class scholars and educators.However, Myres Smith McDougal, a pioneering, ground-breaking leader oflegal scholarship, had a major share in this institution’s renown beyond American borders. Without Myres Smith McDougal, this institution would not be the same. Mac is a popular name, and Myres Smith McDougal liked and loved very much that hiscolleagues and students should call him “Mac” whenever they desired to speak to him.As a human being, Mac was friendly, considerate, gentle, and appreciative.He had a great sense of humor and a good heart; he loved his students,foreign and national alike, and was extremely eager to help them with all the meansavailable to him. As an academician, Mac was a great, omni-competent teacher in his classroom.He dispersed knowledge tirelessly, and did not mind repeating his thoughts andexplanations in getting his ideas across, and more than occasionally using hishumor as a means of persuasion in holding his students’ attention.As an American, Mac was a deep scholar in the eyes of all non-Americans who knew him well.Mac, in fact, symbolized the true image of America in his dignified, courtly demeanor,in his openness, loyalty, honesty, and warm feelings. He was, to say the least,larger than life.When he joined the Yale Law School faculty and became the chairman of the Graduate program,Mac strived from the very beginning to make Yale Law School available to potentialapplicants world wide. He encouraged foreign students, regardless of their nationalities,race, religion, color, or loyalties, to attend Yale Law School. Most of such studentsafter studying went on to become leaders, judges, and law teachers in their respectivecountries, having been endowed with Yale values and excellence.Mac’s accomplishments are too numerous to outline here, but his legal imprint is mostvisible in the legacy of the cherished establishment known as: The new Haven School ofJurisprudence.” His inclusive-exclusive precise eight values namely, power, well-being,wealth, skill, respect, enlightenment, affection, and rectitude, have been engraved inthe memories of his devoted students.Based upon these values, Mac was the first among his associates to initiate,make and strongly advocate through his writings, the International Law of Human Dignity.Mac’s devoted students, including me, will never forget the question “What does the terminternational law of human dignity mean?” Mac defined the term al follows: “By aninternational law of human dignity, I mean the processes of authoritative decision ofa world public order in which values are shaped and shared more by persuasion than coercion,and which seeks to promote the greatest production and widest possible sharing, without discrimination irrelevant to merit, of all values among all human beings.”The notion of “international law of human dignity” had evolved and developed in Mac’s mind,legally and politically so to speak, as a result of the aftermath of the Second World War.However, Mac, after six decades was more than happy to witness in his lifetime that hisgenuine thoughts, taught within Yale Law School classrooms about the law of human dignity,had been already materialized through the total collapse of the Soviet Union.Even though Mac is no longer living among us to advise and teach, his legacy carries onnot only in his small island which is Yale Law School, but in all places around the worldwhere Mac’s ideals are being advocated and enhanced.On a personal level, I would like to show my sincere gratitude to my beloved teacher MyresSmith McDougal, for exposing me to deep scholarship and in widening my horizon to legalknowledge and proper methods of research.As devoted friends from Saudi Arabia, my wife Naeemah Alqadhi and I feel his lossand are grieved by his absence.

*Myres Smith McDougal, Appreciations of an Extraordinary Man, p. 72-73. Yale law school,Yale University, 1999.