ورحل عملاق (5-9)

وأثارت رحلةُ الشيخ المربي (بوناصر) الميمونة إلى بلاد (هَجِر) شجونَ وتباريح فضيلة قاضي (الأحساء) الذي لم يسيطر على خياله فأطلق له العنان ليشكُر من لبَّوا دعوته وعلى رأسهم (بوناصر). وبدأ (بويحيى) قصيدته مثنياً على الشيخ (عثمان)، ومنوهاً عن مناقبه وعن استحسانه لقصيدته ذات الحكايا:

أيَا شيخَ المكارِمِ والسَّجايَا …. ويَا شيخَ الفضائلِ والمزاياويا شيخَ القريضِ وكلَّ نثرٍ ….. حوى ما يُستطابُ من الحكاياأتتني غادةٌ منكُم تهادَى ….. كأحسنِ ما يكُونُ من الصَّباياأتت في دلِّها تمشي الهُوينا….. فوافقَ حُسنُها منِّي هوايايُسابقُ خَطوَهَا نحوِي شذَاهَا….. جَلَبتُم لي بها أحلى الهدايا
ولم يكتف القاضي (اليحيى) بمدح قصيدة (بوناصر)، وإنما عنى بمدح القصيدة مدح (بوناصر) نفسه الذي كما قال القاضي، حوى في جعبته الكثير من الأشعار ولكنها مخفية:

فشُكراً يا أخَا العُرفانِ شُكرا ….. على ما صُغتُمُوا بينَ الحَنَايافأنتَ الشاعرُ الفذُّ المُجلَّى ….. وشِعرُكَ مَشمَخرٌ في العَلايَاقليلٌ من كثيرٍ ما بَدَا لي ….. ولكنَّ الخبَايَا في الزَّوايَا
ولأن أسرة (آل صالح) أسرة كريمة ذات أصول عربية معروفة رغب القاضي (اليحيى) أن ينوه عن ذلك مجرد تنويه:

(عُثمانَ بن ناصرَ) أنتَ شهمٌ ….. وذُو فضلٍ وطلاَّعُ الثَّناياأيا فَرعَ الأَكارمِ من سُراة ….. تَنَاهوا في المكارمِ والعطاياوفي أدَبٍ وإقدامٍ وعلم ….. ومعروفٍ وفي حلِّ القضاياأولئكَ عِترةٌ كرُمت وطَابَت ….. وَرَافت في السُّهُولِ وفي الثَّناياوأَنجَبتِ الرِّجالَ وقد تسامَوا ….. بها مِن (آلِ صالحَ) في العَلايَا
ولما للشعر من تأثير في البيان والتوثيق للزيارة رغب القاضي (اليحيى) أن لا يقتصر على ذكر (بوناصر) في هذه الزيارة فحسب، وإنما على ذكر رفيق دربه الشيخ (عُثمانُ بنُ حَمد الحقيل) كذلك مع الإشادة به وبأسرته وأسرة (الصالح) لِما بين الأسرتين من روابط. ولم ينس القاضي (اليحيى) (المجمعة) قاعدة منطقة (سدير) وأهلها حيث خصَّهم بالذكر الحسن:

لَقَد أَتحَفتَنَا (عُثمَانُ) شِعرا ….. وَوصلاً بالزِّيارةِ والتَّحايافكرَّسهَا وأَكَّدها كَريمٌ ….. وتابعَها بعزمٍ في المَضَاياأخُو العَليَاء (عُثمَانُ بنُ حمد)….. حَقيليُّ المَفاخرِ والمَزَايَا(أَبُوحَمد) له في كُل نادٍ ….. مقامٌ بارزٌ تحتَ المَرَايَاأخُو علمٍ وحلمٍ واتزان ….. ونُصحٍ في الظَّواهرِ والخَفَاياوتَوجيهٍ وتنبيهٍ ونُبل ….. وإخلاصٍ وزُهدٍ في الدَّنَايَافأَنعِم بالعَشيرةِ من (حُقيل)….. أُولي المَجدِ المُؤَثِّلِ وَالحَمَايَا هُمُ وَ(الصَّالحُ) ارتبطُوا جميعا ….. (بمجمعةِ السُّديرِ) حِمَى السَّرايَافأَكرم (بالسُّديرِ) وعَامريها….. رفيعٌ مُستواها في البَرَايَا
وأرَّخ القاضي (اليحيى) للزيارة التي كانت في الواحد والعشرين من شهر ذي القعدة عام 1413هـ.

ففي إحدَى وَعشرينٍ توَالَت ….. ومِن ذِي قِعدَةٍ عَبَرت خلاَيَاتحقَّقَتِ الزِّيارَةُ مِنهُما لي ….. مساءَ الأربِعا قَدِمَ المَطَايَا
وكما غمر (بوناصر) (الأحساء) بالثَّناء، ووسمها بمنبع الخير، أضاف القاضي إلى ذلك بأنَّ (الأحساء) بلدُ الجودِ والعلمِ والإحسانِ والمجدِ.و(الأحساءُ) مسقطُ رأس القاضي (اليحيى) وهو خبير بها وبأهلها:

فحلَّ البشر في (الأحسَا) (بهَجر) ….. بلادِ الجُودِ مِدهَالِ النَّضايَابلادِ العلمِ والإحسانِ دوما ….. بلادِ المَجدِ عُنوانِ الشَّذايا
وختم القاضي (اليحيى) قصيدته ناقلاً لضيوفه تحياته وتحيات من قابلوهم من أهل الأحساء بما فيهم الوجيه (سعد المنقور). لم يفت عليه في نهاية القصيدة ذكر مدينة (الرياض) التي وَسَمَها ببلاد العز:

فَحُبُّهمَا وَصحبُهُما جميعا ….. مدى الأزمانِ في كُلِّ الحَنَايامِنَ الزُّملا وأبنائي وصحبي ….. تحياتٌ لكُم دوماً تَهاياتحيَّاتُ (ابنُ مَنقُورٍ) إليكُم ….. تَوَالى في الضَّحايَا وَالعَشَايَاإِليكُم في (رِيَاض) العِزِّ منِّي ….. سَلاَماً شَامِلاً كُلَّ التَّحَايَا
ونظم (بوناصر) قصيدة أخرى أثنى فيها على القاضي (اليحيى)، وتناول في أبياتٍ منها فضل العلم والأدب حينما يتحلى بهما المرء:

(أبَا يَحيَى) إِلَيكَ اليَومَ مَنِّي ….. سَلاَماً نَفحُهُ عَبَقُ الخُزامَا(أَبَا يَحيَى) لَكُم في العلمِ فوزٌ ….. يُزيلُ لنا بدُنيَانَا الظَّلاَمَاوفي دُنّيَا القَضَاءِ نَصَرتَ عَدلاً ….. بِهِ المَظلُومُ قَد بَلَغَ المُرَاماأَشَيخي إنَّ للآدابِ ذَوقاً ….. وَذَوقُكَ فيه يا شَيخي تَسَامَايَحُسُّ بلَذَّةِ الآدَابِ شخصٌ ….. تَرَوَّاهَا وَنَسَّقَهَا نظَامَاولذَّةُ شاعرٍ في نَحتِ دُرٍّ ….. يَرَاهُ لهُ شَرَاباً بل طَعَاماًيفُوقُ جميعَ لذَّاتٍ بدُنيَا …… بلاَ أَدَبٍ بَدَتَ سُخفاً وذَامَا
أما عن دور القاضي (اليحيى) حينما تقلَّد منصب القضاء فقال عنه المربي الفاضل:

جَمَعتَ الفِقهَ والآدَابَ فَهما ….. بَقيتَ بهنَّ يا شيخي سَنَامَافأَنتَ بمنصبٍ كالغيثِ تهمِي ….. وغيرُكَ لَم يَزل فِينَا جَهَامَامَحَاكمُنَا بكُم تَزهُو بِعدل …… على العادي تُصيِّرُهُ رَغَامَا
ويظهر أن المربي الفاضل قد نظم هذه القصيدة معتذراً للقاضي (اليحيى) عن أمر ما لم يفصح عنه:

خُتَاماً جُد لَنَا بالعُذرِ إنِّي ….. لشُغلٍ ما وَفيتُ لَكَ الذِّمَامَاوَسَوفَ أَغِيبُ أيَّاماً وآتِي ….. فَجَنِّب خِلَّك الوَافي مَلاَمَاولاَ تحسب بأَنِّي يَا خليلي ….. أُخالفُ عندما أَعطي كَلاَماولكِنَّ المَشاغِلَ دُونَ رَيبٍ ….. ثَنَيْن لِمَا قَصَدتَ لهُ زِمَامَا
وبعد هذا الاعتذار المهذب توجه المربي الفاضل للقاضي (اليحيى) مادحاً ومُعرفاً بمكانته القضائية، وما يصدر من (بوناصر) فهو نابعٌ من القلب، أمَّا (الأحساء) وما أدراك ما (الأحساء) فاسمه محفورٌ، على الدوام، في ذاكرته عرفاناً واعترافاً بفضله:

وما (الأحساءُ) إلاَّ ذاتَ فَضلٍ ….. عَلَينَا كالسَّحابِ إذا تَهَامَابهَا الإخوَانُ مِثلُكُمو كرَامٌ ….. ومن لا يَرغبُ القومَ الكِرامَافدُم (عبدالعزيزِ) ضِياءَ قومٍ ….. فَبينَ قُضَاتِنا أَصبحتَ هَامَاأزُفُ لشيخِنا القاضي المُعلَّى ….. سلاماً نَفحُهُ عَبَقُ الخُزاَمَا


ورحل عملاق (5-9) عثمان بن ناصر الصالح
الناشر: جريدة الجزيرة

– العدد: 12268

تاريخ النشر: 01/05/2006م

الرابط للمصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.