من أوراقي المبعثرةمنتجع سمحة 1 ــ 2

يعتبر منتجع “سمحة” من أهم المنتجعات التي عرفتها “الأحساء” في فترة الستينيات والسعينيات من القرن الرابع عشر الهجري.عاصر هذا المنتجع أحداثاً وزاره رجال سياسة وأدب وعلم.والذي عاصورا هذا المنتجع ممن هم على قيد الحياة يدركون مدى أهميته. وحاولتُ البحث في الكتب التي تناولت تاريخ “الأحساء”، وبالأخص تاريخ الفترة المشار إليها، لعلِّي أجد ما يفيدني عن هذا “المنتجع” فلم أجدْ شيئاً يذكر عنه ما عدى ما ذكرتْه صحافة “الحجاز أو بعض إشارات عابرة عن “المنتجع” نفسه في بعض كتب المستشرقين الغربيين الذين عاصروا هذا “المنجع، وشاهدوا معالمه عن كثب.. فما هو هذا المنتجع؟ وما ماذا آل إليه؟ وهل تم الاحتفاظ به باعتباره معلماً من معالم “الأحساء”؟للتعرف على هذا المنتجع ومدى أهميته في حقبة مهمة من تاريخ “الأحساء” يلزم بادئ ذي بدء التمهيد لذلك بمعلومات ضرورية حتَّى تكون الصورة على الأقل متكاملة لمن لم يعرف هذا المنتجع.بعد ثلاثة عقود من استرداد الملك “عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود” يرحمه الله “للأحساء” ظلت هذه “البلدة” محل اهتمام جلالته لأنها كانت سلة الغذاء لسائر بلدان المملكة. وتنبَّه لهذه الحقيقة وزير المالية الوحيد في عهد جلالة الملك لدرجة أنه اتخذ في “الأحساء” مقراً له يسكن فيه. وَمَنْ مِنَّا لا يعتني بسكنه لا سيما إذا كان في هذا السكن حدائق ومنتزهات أو إذا كان هذا السكن قابل لأن يكون به حدائق ومنتزهات وبالأخص إذا كانت تربته صالحة وتوفر فيه الماء.وبالفعل كانت التربة صالحة وكان الماء وفيراً في المقر المشار إليه.كان معالي وزير المالية “عبدالله بن حمد السليمان” يتردَّد على “الأحساء” زائراً ومتنزهاً ومستجماً حتى ولو كانت أعباء العمل تلاحقه إذ كان يُصَرِّفُ، وهو في “الأحساء”، أعباء هذا العمل مع معاونيه المرافقين له في أسفاره. حقيقة يدركها مَنْ عَرَفَ هذا الرجل عن قرب.وكان من أهم العوامل التي كانت تحدوه لزيارة “الأحساء” علو شأن “ماليتها” التي كانت لحقبة من الزمن أشبه ما تكون بالوزارة.وكان من أسباب إنشاء “منتجع سمحة” احتلال مالية “الأحساء” [في أول مراحل حياتها] “الدور الأول” من قصر “السراج” [أي السراي] الكائن في حي “الكوت” أحد أحياء مدينة الهفوف القديمة. وكانت القواعد السنوية وكذلك عوائد البادية تصرف من هذا القصر حتى عام 1359هــ حيث نُقِلَتْ أصول هذه القواعد والعوائد إلى إدارة مالية “الرياض” مع احتفاظ مالية “الأحساء” بتلك القواعد والعوائد الداخلة في اختصاص “مقاطعة الأحساء”، وكان مقر أمارة “مقاطعة الأحساء” في “الدور الأول” من قصر “السراج”، كما أُعِدَّ جزء من هذا القصر وهو دوره الأرضي ــ إلى جانب عمارتي “القصيبي” و”العجاجي” بسوق “الأحساء” المواجه لبوابة “العليمي” ــ لضيوف الحكومة القادمين إلى “الاحساء” من “الرياض” أو “الحجاز” لأداء مهام رسمية بها مثل التفتيش على إدارة مالية “الأحساء” أو “مدرسة الأحساء الابتدائية” أو “قيادة قوة الدفاع”.(1) كذلك استُخدمت عمارتي “القصيبي” و”العجاجي” لسكن كبار موظفي شركة الزيت العربية الأمريكية “أرامكو” وكذلك الأطباء الذين اعتادوا القدوم من محمية “البحرين” لزيارة “الأحساء” أمثال الدكتور “ديم” والدكتور هاريسون” لإجراء عمليات طبية بها أو للإستجمام. وكان هؤلاء الأطباء أعضاء، كما هو معروف، في البعثة الطبية التبشيرية التي كان مقرها في المحمية المذكورة.وكان بحي “الكوت” كذلك دور سكن لضيوف الحكومة، وكانت هذه البيوت تابعة لأملاك الدولة وتحت إشراف إدارة “المالية”، وكان يسكن بها بعض أمراء “الخليج العربي” الذين يتوجهون “للأحساء” إما للإستجمام أو لزيارة أمير “الأحساء”.وكما سبق القول كان لتردد معالي وزير المالية المتكرر على “الأحساء” ما يبرره. “منطقة زراعية” وبعد ذلك “منطقة بترولية”. وكان إذا زار “الأحساء” يسكن إما في خيام تنصب له بصفة مؤقتة بالقرب من “عين نجم” الشهيرة أو في “عمارة القصيبي” الواقعة أمام بوابة “العليمي” المؤدية إلى قصر “السراج”. ومن باب المصادفة تعرف السيد “عبدالله السليمان” على السادة “صالح النافع” وولديه “عبدالعزيز” و”عبدالله” يرحمهم الله. ونظراً لأن “السيد “عبدالله السليمان” لم يكن له مقر معين إذا زار “الأحساء”، وحيث كان لدى السيد “صالح النافع” بستان “سمحة” متولياً عليه عن طرق “العرق” أما “الأصل” فهو لعائلة “آل حسين” فقد اقترح السيد “صالح” على “بن سليمان” أن يتولاه بغرض السكن والتنزه فيه. و”سمحة” وقتها بستان عادي كسائر بساتين “الأحساء”. صادفت هذه الفكرة هوى في نفس الوزير الذي اتخذ ما يلزم نحو الولاية على هذا البستان وإن كان قد ترك الإشراف عليه لعائلة “النافع” في حال حضوره وحال غيابه، أما أصل هذا البستان فبقي، كما سبق القول، على ذمة مالكيه. أدخل “بن سليمان” تحسينات على هذا البستان، بل طوَّره حتى أصبح من أهم المنتحعات. وشارك في عملية التشييد والتطوير معندسوا البناء وقتها في “الأحساء” ومنهم “عبداللطيف العرادي وسعد السلطان وبن جيبان”. كذلك عُيِّنَ مديراً له وهو الخبير الزراعي المصري السيد”محمد حسين بدوي” الذي كان في الأساس منتدباً على رأس بعثة زراعية مصرية للنظر في الوضع الزراعي في المملكة في الستينيات من القرن الرابع عشر الهجري. وقد أعدَّ العديد من التقارير عن الأحوال الزراعية في نواحي المملكة مع التركيز على أحوال الزراعة في بلدتي “الأحساء” و”القطيف”.(2) وقام برعاية هذا البستان السيد “عبدالعزير النافع” طيلة حياته بعد وفاة والده. وكان أهم ما يميز هذا البستان إنشاء قصر وبركة فيه. ظل “ابن سليمان” يسكن في “سمحة” كلما زار “الأحساء”. كما كان “بن سليمان يستخدم هذا “المنتجع” في تصريف المعاملات المالية. وكان مكانه المفضل للإلتقاء بكبار موظفي شركة الزيت العربية الأمريمية (ارامكو)، كما كان موظفي مالية “الأحساء” يعرضون على معاليه الشئون المالية “لمقاطعة الأحساء” وغيرها فيه. كما كان كبار موظفي المالية في غيبة معالية يذهبون “لسمحة” للاستحمام ببركتها.ويقع منتجع “سمحة” في الجانب الشرقي من مسطح “السيفة الأخضر” الذي كان يحيط بمدينة “الهفوف” القديمة من شمالها وغربها. وبشرق “المنتجع” يقع مسجد العيد الذي يصلي فيه سكان أحياء الرقية والنعاثل وما جاورها.وتحدث عن هذا “المنتجع” رجال صحافة ومستشرقون ممن كانت لهم علاقة إما بوزارة المالية أو بشركة الزيت العربية الأمريكية.ولقد عاصرتُ هذا “المنتجع” بنفسي، وسبحتُ في بركته مراراً عديدةً لا سيما في السنوات الأخيرة من مجده. وليس مَنْ رَأَى كَمَنْ سَمِعْ. كان المنتجع وارف الظل، جميل في تنسيقه، نسيمه عليل، شجره مثمر، ونخيله باسقة الطلع، وماؤه صاف زولال. وكان هذا “المنتجع” بقصره، وبركته، وحدائقه، وتنسيق طرقاته، وتدلِّي أنواع الفواكه والثمار على جانبي طرفاته، من المفاتن المعروفة في عهده في “الأحساء”.

——-هوامش——-(1) راجع د. آل ملحم، كانت أشبه بالجامعة: قصة التعليم في عهد الملك عبدالعزير، دراسة في علم التاريخ الاجتماعي، ص/61، ط/1419هـ الموافق 1999م، إصدار دارة الدكتور آل ملحم للنشر والتوزيع، الرياض.
(2) راجع حسين محمد بدوي، كتاب الزراعة الحديثة بالمملكة العربية السعودية، مطبعة مصر شركة مساهمة مصرية، 1950م.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9731

تاريخ النشر: 05/02/2000م

رئيس دارة الدكتور آل ملحمللتحكيم والاستشارات القانونيةد/محمد بن عبداللطيف آل ملحم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.