ودعت مدرسة الاحساء الابتدائية التاريخية التي كانت (اشبه بالجامعة) احد رموزها او احد بنائها الكبار الذي توفاه الله في الثاني من شهر ربيع الاول عام 1427هـ، ودعت المدرسة، في حقيقة الامر، رجلا شارك مع كوكبة من رفاقه واساتذته في وضع البذور التربوية الاساسية ببلاد (هجر).عرفت هذا الرجل الرمز عن قرب لانني من احد طلبته في (مدرسة الاحساء الابتدائية). كان هذا الرجل ذا طلعة بهية وقامة شامخة، وكان طلق اللسان، ومحدثا لبقا يأسر مستمعيه اذا تكلم بل ويشدهم اليه، كان وقورا، مهابا، بشوشا، وكان ذا بصر لماح، كنت الاحظ ذلك فيه رغم صغر سني طالبا في المدرسة التي تخرج فيها. اما طلبة المدرسة، وانا منهم، فكانوا يحترمونه، بل يهابونه وينفذون توجيهاته، كان يبتسم لهم في حالة الرضا، وكان يتجهم بوجهه امامهم عند اللزوم. كان قويا ولكنه لا يعرف القسوة، وكان متواضعا ولكن دون ضعف. يستعمل العصا للتأديب عند اللزوم، كان طموحا ومدركا لما يريد ان يحققه، كان حليما عند الغضب، كان انيقا في لباسه، وكان يستعمل احيانا معطفا اخضر فوق ثوبه، وتميز به آنذاك بين سائر المدرسين.احب الاحساء واهلها حبا جما منذ ان غادر حوطة سدير مسقط رأسه شابا في مقتبل عمره، وكيف لا؟ وقد عاش فيها ورضع العلم على ترابها.النبل والشهامةتجمعت في شخصه صفات النبل والشهامة والكرم، انه الاب المعلم عبدالمحسن بن حمد المنقور.دخل مدرسة الاحساء الابتدائية المؤسسة في عام 1356هـ في عام 1358هـ وتخرج فيها في عام 1362، لم يبرح الاحساء بعد تخرجه، واحب ان يبقى بها ليؤدي ضريبة الوفاء لمدرسة تلقى العلم بها لانها كانت تحتاج اليه والى بعض من رفاقه الذين تخرجوا فيها ومنهم: محمد بن عبدالعزيز الجيبان. احب ان يتفرغ وعن قناعة تامة، لانبل مهمة، واشرف غاية، واحسن مهنة الا وهي تعليم طلبة في عمر الزهور رآهم يتدافعون بمناكبهم للدخول في مدرسة تخرج فيها هو نفسه. وكان بعد تخرجه في مدرسته، وكذا زملاء له تخرجوا بعده بسنتين منهم عبدالله بن محمد بونهية وعبدالله بن عبدالرحمن الباز بمثابة عملات نادرة وقتها. حصل بعد تخرجه مباشرة على وظيفتين (كاتب) بمعتمدية المعارف و(وكيل مدرس) في المدرسة التي تخرج فيها، وكنت انا وقتها طالبا في السنوات الاولى بها، وتدرج في سلك التدريس من وكيل مدرس الى معاون لمدير المدرسة في عام 1368هـ وبعد سنة تقريبا عين مديرا للمدرسة وكان ذلك في رجب من عام 1369 بينما كنت في السنة الخامسة بالمدرسة، وبتعينيه مديرا كان (رابع) رجل تعليم يتولى قيادة مدرسته بعد ثلاثة رجال كبار سبقوه تاركين انفسهم بصمات في مسيرة العملية التعليمية والتربوية الحديثة في الاحساء وكانوا على التوالي محمد علي النحاس وعبدالله عبدالعزيز الخيال وعبدالعزيز منصور التركي وكان وكيل المدرسة في عهد المنقور عبدالله بن محمد بونهية.خيرة المدرسينوكانت هيئة التدريس تتكون من خيرة المدرسين آنذاك. منهم من درس استاذنا المنقور حينما كان طالبا، ومنهم من ظل في المدرسة يدرس بعد تخرجه فيها، ومن استمروا يواصلون التدريس تحت ادارة المنقور ومن هؤلاء المدرسين عبدالله بن عبدالرحمن الملا وحمد الجاسر وعبدالرحمن القاضي وعبداللطيف بودي وعبدالله بن عبدالرحمن المبارك وعثمان المعارك وعبدالله بن محمد بونهية وعبدالله بن عبدالرحمن الباز وعبداللطيف بن عبدالعزيز المبارك وعبدالله بن علي المبارك ومحمد بن عبدالعزيز الجيبان وحمد العمر ومحمد بن عبدالهادي العبدالهادي وابراهيم الحسيني وعبدالله بن عبدالرحمن بونهية وناصر بن محمد بونهية وراشد الحسين ومحمد بن عبدالرحمن الطويل النعيم.وتخرجت في المدرسة نفسها في عام 1370هـ، ودخلت السنة الاولى في المدرسة الثانوية ـ نظام قديم ـ في عام 1371هـ وكان مقرها الطابق العلوي بمدرسة الاحساء الابتدائية.وظل المنقور مديرا للمدرسة الابتدائية بعد تخرجي فيها. وعلمت وقتها انه سافر الى لبنان لمرض الم به لتلقي العلاج هناك. وبعد عودته الى ربوع الوطن اي في عام 1373هـ عين مديرا للمدرسة الثانوية وانا طالب في السنة الثالثة بها (شهادة الكفاءة).لعل في العرض المبسط السابق ما يشفع لي ان اتحدث عن هذا المعلم والاداري حديث الواثق من نفسه وهو حديث شذي عبق لايزال يتردد صداه في ذاكرتي بعد حين واخر.كان المنقور مدرسا ومن ثم كان مديرا.مهام كثيرة القيت على عاتقه في مدرسة كانت وقتها تكتظ بالطلبة الذين سجلوا فيها من كل حدب وصوب من الاحساء ومن خارجها.يعتبر المنقور بسبب جهوده التي بذلها في نشر التعليم في الاحساء من ابنائها البررة. احب الاحساء كما لو كانت مسقط رأسه واحب اهلها وعاش بينهم وهو في ريعان شبابه وكأنه واحد منهم. لن ينسى اهل الاحساء فضله، ناهيك عن ابنائهم الذين تلقوا العلم على يديه، هؤلاء الابناء كانوا (وانا منهم) يكنون له اخلص اطياف الود. وكان المنقور بين الابناء وابائهم موضع تقدير اينما حل وانتقل. ولكن لماذا هذا الود؟ انه رد فعل جميل من جيلين في (الاحساء) مثمنين ما قدمه المنقور في نشر التعليم فيها. رد جميل على الاقل من جيل سبقني وجيل معاصر لي ممن عاش في بلاده هجر. جيلان يتذكران كيف كانت احوال بلدتهم من الناحية العلمية والتعليمية بصفة عامة. احوال كانت الامية ضاربة اطنابها فيها، وكان الذين يعرفون القراءة والكتابة فيها قلة، وكانوا محصورين الا ما ندر في ائمة المساجد ومشايخ الوعظ والارشاد. وكان اهلها يمارسون الزراعة ويباشرون التجارة المحدودة، ويمتهنون الحرف اليدوية. وفي احوال كهذه كيف يمكن ان يثمن اهل هذه البلاد ما قام به عمالقة (مدرسة ابتدائية) من بينهم المنقور من اعمال جليلة في ميدان التربية والتعليم.قفزات رائعةشهدت المدرسة في عهد ادارة الاستاذ المنقور وفي عهد رفاق له قفزات رائعة سواء من حيث التنظيم او التجهيز المتواضع او تعويد الطلاب على الدرس والتحصيل والتحصيل حسب الامكانيات المتاحة آنذاك، كما بذل جهودا جمة مع المسؤولين في سبيل تذليل كل الصعوبات التي واجهت المدرسة ومنها شح المال، وضيق ذات اليد، وكان يحدوه في عمله الاخلاص، والرغبة في نشر التعليم بين طلبة ذوي حيوية مبكرة تضج بها نفوسهم ناهيك عن الوفاء منه لمدرسة سبق ان رضع العلم فيها.كانت التبرعات الرمزية من دفاتر واقلام وقرطاسية تنهال على المدرسة من اباء طلاب المدرسة ومن ذوي اليسار في الاحساء المحبين للعلم والحاثين على نشره في بلدهم (هجر) التي كانت موطن حضارات منذ العهد الجاهلي.ولان المدرسة كانت في عهد المنقور وعهد رفاقه مشهد ملذات، وموطن ذكريات، ومنتدى سمار، ومسارح افكار، ومصدر اشعاع، وبالنظر لما شهدته المدرسة من فعاليات فقد استحقت ان تسمى (كانت اشبه بالجامعة) وان أؤلف كتابا وثائقيا عن فعالياتها يحمل الاسم المشار اليه.اين طلاب اليوم في محافظة الاحساء من طلاب الامس؟لماذا لا يتذكر طلاب اليوم مع ماهم فيه من رفاهية وتدليل وسعة في العيش، كيف كانت احوال ابائهم واجدادهم طلاب الامس. وهل صحيح ان الحاجة ام الاختراع؟ما سبق ذكره من اعمال جليلة قام بها استاذنا المنقور ورفاقه اذا لم توثق اي اذا لم تؤيدها وثائق قد لا تكفي لاعطاء تصور حقيقي كامل عما كان المنقور يمارسه من نشاط حيوي داخل مدرسته. لم تكن مدرسته في عهده مدرسة عادية، كانت (المدرسة الام) وتفرعت عنها مدارس بداخلها اي بداخل مبناها المتواضع في مظهره، الشامخ في معناه. وبتعبير اخر متكافئ، ترتب على الدور الذي لعبته المدرسة في الحياة التعليمية بالاحساء ان تمدد نشاطها ليشمل اوجه تعليم اخرى وجد المسؤولون عن التعليم في الاحساء بما فيهم مدير المدرسة ان حاجة اهالي الاحساء اليها ماسة. انشئت ثلاث مدارس ليلية فرعية بداخلها لتغطية اوجه التعليم التي كانت الاحساء في حاجة ماسة لها.كانت المدرسة الاولى (مدرسة مكافحة الامية) وتأسست هذه المدرسة في عام 1367هـ وانا طالب في السنة الثالثة (بالمدرسة الام) تحت اسم (مدرسة تعليم العوام) الا ان التسمية تعدلت في عام 1370هـ لتصبح (مدرسة مكافحة الامية) اتخذت المدرسة الجديدة من مبنى مدرسة الاحساء الابتدائية مقرا لها، وانخرط كبار السن ومن لا يستطيعون الالتحاق بالمدرسة الابتدائية بالنهار ـ لانشغالهم بأمور المعيشة ـ بهذه المدرسة وتعتبر مدرسة مكافحة الامية اول مدرسة حكومية تؤسس على مستوى المملكة العربية السعودية فيما عدا منطقة الحجاز، التي كانت بها مدارس اهلية لمحو الامية، واحدثت في ميزانية المدرسة الام وظيفتا مدرس وخادم للمدرسة الليلية لتعليم العوام. وشرعت (مدرسة العوام) تستقبل طلابها.وكانت المدرسة الليلية (الثانية) مدرسة تعليم اللغة الانجليزية، واتخذت هذه المدرسة من مبنى مدرسة الاحساء الابتدائية مقرا لها كذلك، وشهدت هذه المدرسة الليلية اقبالا لم تتوقعه مدرسة الاحساء الابتدائية. ولكن كم كان مقدار مكافآت الهيئة الادارية بهذه المدرسة آنذاك. ورد في احدى الوثائق برقم 1935 وتاريخ 15 من رجب من عام 1370هـ ان مكافأة المشرف الاستاذ عبدالمحسن المنقور على مدرسة تعليم اللغة الانجليزية خمسون ريالا ومكافأة مدرس اللغة الانجليزية عبدالسلام ابو العينين من المملكة المصرية مائة ريال ومكافأة خادم المدرسة علي عبدالرحمن السلطان ثلاثون ريالا ونظرا للجهد الذي كان المنقور يبذله فقد زيدت مكافأته بموجب مراسلات مع مديرية المعارف بمكة المكرمة بموجب وثيقة رقم 2137 وتاريخ 27 من شعبان من عام 1370هـ جاء فيها صدور الامر الوزاري الى (مالية الاحساء) برقم 70/7/3/2/3/27656 بانشاء (مدرسة لتعليم اللغة الانجليزية) ومكافأة المدير السنوية فيها 600 ريال بينما لا تزال المدرسة الليلة لتعليم اللغة الانجليزية بالاحساء تدار بواسطة مشرف ومكافأته الشهرية 50 ريالا.وتأسست كذلك مدرسة ثالثة تحت اسم (مدرسة المعلمين) واتخذت هذه المدرسة من مبنى المدرسة الابتدائية مقرا لها، وكان الغرض منها اعداد وتدريب المعلمين بالمدرسة الابتدائية على طرق التربية والتدريس، وكان المراقب بهذه المدرسة ـ التي سميت فيما بعد بـ (معهد المعلمين) ـ محمد بن عبدالرحمن بن عبداللطيف الطويل النعيم يرحمه الله.ترتب على المدرسة الام وما تفرع عنها من مدارس تخرج الكثير من الطلبة بحيث كانت الفرصة مواتية لمعتمدية المعارف العامة بالاحساء بان تؤسس مدارس ابتدائية في بعض احياء وفرقان مدينة الهفوف مثل حي الكوت وحي الرفعة وحي الرقيقة وكذلك قرى الاحساء مثل العيون والجشة والشقيق والطرف والمراح وان تزرع الكثير من خريجي مدرسة الاحساء الابتدائية في هذه المدارس اما بصفتهم مدرسين او مديرين وكان من هؤلاء المدرسين التالية اسماؤهم: حمد عبدالرحمن العمر وخالد بوعنقة وعبدالله عبدالرحمن الشعيبي ومحمد عبدالرحمن السلطان وعبدالله الدرويش وعبدالوهاب عبداللطيف ابوسعد وعبدالمحسن المحسن وابراهيم السماعيل وعبدالرحمن بودي.مدارس أخرىوارتبط بالمدرسة الام مدارس خارج مقاطعة الاحساء وهي مدارس (نجد) و(القصيم) منذ اواخر الخمسينيات وحتى بدايات السبعينيات من القرن الهجري الماضي اي حتى عهد المنقور وهي المدارس التي كانت في كل من حائل وبريدة وعنيزة والمجمعة وشقراء والرياض ماعدا مدرسة (الامراء) وكانت مصروفات هذه المدارس ومرتبات مدرسيها ترسل من ادارة مدرسة الاحساء الابتدائية عن طريق البريد العربي.ففي وثيقة رقم 6285 وتاريخ 11 من جمادى الاولى عام 1370 طلب من صاحب السمو الملكي النائب العام لجلالة الملك المعظم الامير فيصل بن عبدالعزيز ان يأذن بتركيب تلفون بدار مدير مدرسة الهفوف الاستاذ المنقور بمناسبة اسناد استلام رواتب مدارس نجد اليه.وفي وثيقة ثانية طلب فيها صرف اجرة نقل مرتبات مدارس نجد. ومما جاء في الوثيقة رقم 2513 وتاريخ 23 من رمضان عام 1370هـ الموجهة من معتمد المعارف بالاحساء الى مدير المعارف العام بمكة المكرمة: (حينما تسلمنا رواتب مدارس نجد للاربعة الشهور حولناها الى فضيلة معتمد المعارف بنجد ـ وكان وقتها آنذاك الشيخ حمد الجاسر ـ بطريق الاجرة وابعث مع هذا مذكرة مدير مدرسة الهفوف رقم 70/9/23/298 ومشفوعها السند الممثل لمبلغ 320 ريالا وذلك اجرة نقل مائة وثمانية وستين الف ريال، ارجو الكتابة لمن يلزم بصرف المبلغ المذكور لمدير مدرسة الهفوف لقاء ما صرفه على ترحيل رواتب مدارس نجد، مع العلم بان السند مصدق من لجنة المشتريات والمبيعات بالاحساء بالاعتدال، ولسعادتكم وافر الاحترام).وفي وثيقة خطية ثالثة مؤرخة في 19 من جمادى الاخرة عام1370هـ من معتمد المعارف بالاحساء الاستاذ عبدالعزيز بن منصور التركي موجهة الى مدير مدرسة الهفوف الاستاذ عبدالمحسن المنقور مما جاء فيها: ارجو ان تكون بخير وسعادة ثم ارجو ان يكون كل شيء على ما يرام وقد سبق ان ابرقت لك مستعجلا اياك في ارسال التحويل برواتب نجد. فعسى ان تكون فعلت.ولقد اسهم الاستاذ المنقور باعتباره مديرا للمدرسة ومدرسا بها في كل الجهود التي بذلت لنشر التعليم في احياء مدينتي الهفوف والمبرز وسائر قرى الاحساء قاطبة واعتادت مدرسة الاحساء الابتدائية في عهد المنقور على اقامة مهرجانات او احتفالات عند اختتام عامها الدراسي وكانت تفتخر بتخريج طلبة فيها حاملين شهادات دالة على حوزهم للعلم والادب وكان يحضر هذه المهرجانات اعيان الاحساء واباء الطلاب وكانت هذه المهرجانات بالنسبة للاحساء حدثا عظيما. وتحدث احد طلاب المدرسة في قصيدة طويلة عن مدرسته وهو الشاعر محمد بن عبدالله بن حمد ال ملحم ومن أبيات هذه القصيدة المعبرة عن خواطر الشاعر عن مدرسته:
الا ان ايام ابتدائية خلت….. وقد اسرعت ايامها بذهوبلها في حنايانا حنين نكنه….. فليس صداها مؤذنا بغيوبتذكرت فيها اخوتي وحديثنا ….. لبعض باسلوب الصفاء رطيبعليك سلام الله عهدا نحبه ….. نحن الى ازمانه بنحيبسقيناه ماء الود والحب والوفا ….. فانتج عطرا فاق كل طيوب
وعن بعض مدرسي المدرسة الذين ذكر الشاعر محمد بن عبدالله ال ملحم اسماءهم بما فيهم الاستاذ عبدالمحسن المنقور قال بالقصيدة نفسها:
فحسبك بـ (القاضي) قرانا يجيده ….. وبالسيد السابي بلحن جذوبوبالشيخ (عبدالله ال مبارك) ….. و(عبداللطيف) الصنو خير قريب(ابو نهية) الخطاط ثم ابن عمه ….. اذا ما تلا اجرى دموع قلوبو(بودي) و(الجيبان) فاضا معارفا …… على كل فن في الفنون عجيبولا تنس (عثمان المعارك) شيخنا …… وانعم به من عالم واديبمعلمنا درس الحساب وانني …… لاكره ما القى لقاء حسيبوذا (حمد) في بيته الفذ غرة …… (بأل عمر) يدعون فاق بطيبكأني ارى (التركي) قام مديرنا …… بالقا خطاب في الجموع مهيبوانظر (للمنقور) قام بجنبه …… عليه ثياب اشرقت كحليبويحمل في الكف العصا متوكئا …… عليها اعتمادا شأن كل خطيبيسمونه ايامنا (بمتعاون) …… فأكرم به من حاذق واريب
لم يقتصر استاذ المنقور بعد تخرجه في المدرسة ومواصلة التعليم فيها على حصر نشاطه في التدرس فيها. بل شارك مع رفاق له في المدرسة هم: عبدالله بن عبدالرحمن الملا وعبدالله بن عبدالرحمن الباز وابراهيم الحسيني وعبدالله بن محمد بونهية في تأسيس مكتبة هي (مكتبة التعاون الثقافي) الشهيرة لبيع الكتب الادبية والمجلات لطلاب المدرسة واهالي الاحساء ممن كانوا يعملون في بعض المرافق الحكومية مثل المالية والمحكمة والشرطة. وتخلى المشاركون في تكوين المكتبة عنها حيث صار مالكها الوحيد الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الملا.سفير المدرسةولم يحصر المنقور نشاطه التربوي والتعليمي داخل اروقة المدرسة فحسب، بل كان بمثابة سفير للمدرسة لدى اهالي الاحساء وبتعبير اخر، كان المنقور على صلات قوية واسعة بالكثير من الاسر في الاحساء من موقعه باعتباره مديرا للمدرسة، كما كان البعض ممن فيهم الكفاءة من اعيان الاحساء يشاركون في العملية التعليمية نفسها كاعضاء في مجلس معارف الاحساء مثلا، او متعاونين بتقديم خدمات تعليمية للمدرسة نفسها، وكان منهم ابراهيم بن محمد بن جندان وخليفة بن عبدالله ال ملحم اللذان كان لهما دور في دعم العملية التعليمية كما عملا على توطيد علاقتهما ليس بمدير المدرسة فحسب وانما بمعتمد المعارف الاستاذ عبدالعزيز بن منصور التركي كذلك.وبالنظر الى مشاركة الشيخ خليفة بن عبدالله ال ملحم في لجنة الامتحان الشفوي للمدرسة الابتدائية فقد اخذت علاقته بالاستاذ المنقور تزداد توطدا مع مرور الايام وتحولت العلاقة بينهما الى صداقة حميمة حتى بعد ان ترك المنقور العملية التعليمية في الاحساء وغادرها الى مواقع اخرى. وكان المنقور يعرف عن خلال ومناقب الشيخ خليفة الكثير. لذلك حينما توفاه الله في عام 1417هـ شارك المنقور اسرة ال ملحم احزانهم بل وواساهم في مصابهم. وجاء في كلمته التأبينية بعنوان (ان المهمات فيها يعرف الرجل) ثناء على الشيخ خليفة، وثناؤه هذا ان دل على شيء فانما يدل على خلق جم ووفاء لصداقة حميمة. ومما جاء في هذا التأبين: (لقد ترددت كثيرا عن الكتابة عن رجل لا ككل الرجال لثقتي في ان كثيرين سيتحدثون عن هذا الرجل، الرجل الكبير بكل ما تعنيه الكلمة، الرجل الذي ملأ مكانته في مجتمعه، وقدم الكثير لبلده، الرجل الاخ للكبير والاب للصغير، الرجل الذي يملك الشجاعة عند اللزوم، والمروءة في وقتها، والعطف الاخوي بكل معاني الانسانية: انه خليفة عبدالله الملحم الغني بشهرته عن التعريف، الرجل الذي تعرفه المواقف الرسمية، وتعرفه المنابر عند اللزوم ويعرفه المجتمع عند الحاجة، الرجل الذي لا كبير عنده الا الله ثم ولي الامر، ولا صغير عنده قط فهو ينظر الى الجميع نظرة المساواة في الحقوق والواجبات: (خليفة بن عبدالله الملحم) الذي عرفته صادقا فيما يقول، مؤمنا بما يعمل، تسلم المناصب الكبيرة في المنطقة الشرقية في الجبيل وفي الاحساء فلم يتعال بمنصبه ولم تأخذه مكانته بين قومه بالغرور. لقد كان الرجل الذي ملؤه الشهامة والنخوة والكرم والمروءة، فهو الحاضر دائما لنجدة ملهوف وتقديم القرى لكل محتاج وكل قادم لمنطقة الاحساء).وبالنظر لما بذله استاذنا المنقور مع رفاقه من جهود في سبيل نشر التعليم بالمدرسة الابتدائية فقد كوفىء بتعيينه مديرا لمدرسة الاحساء الثانوية في عام 1373هـ وكانت المدرسة الثانوية قد تأسست في عام 1367هـ وكانت تحتل منذ انشائها الطابق الثاني من مبنى المدرسة واشرف عليها معتمد المعارف بالاحساء الاستاذ عبدالعزيز التركي وانتدب لها مدرس مصري اسمه محمد مختار الزقزوقي. وتعثرت المدرسة في بدايات تأسيسها الا انها منذ عام 1371هـ وهو العام الذي دخلت فيه المدرسة قد تحسنت احوالها. وكان يديرها وقت تسجيلي فيها وكيلا هو الشيخ محمد الجنيدل وبعده ـ اي بعد الشيخ الجنيدل ـ تولى ادارة المدرسة بالوكالة كذلك عثمان بن احمد خريج كلية شريعة بمكة المكرمة يرحمه الله. وكان اول مدرس وطني يعين بالمدرسة هو عبدالله بن عبدالرحمن الباز كما كان اول مراقب وطني يعين بالمدرسة هو عبدالرحمن بن ابراهيم الحقيل وكان اول سكرتير بادارة المدرسة محمد بن عبدالرحمن الطويل النعيم وكما سبق القول كوفىء الاستاذ المنقور بتعيينه مديرا للمدرسة الاحساء الثانوية في عام 1373هـ وكنت وقتها طالبا في السنة الثالثة في المدرسة (نظام قديم) اي شهادة الكفاءة نظام جديد.شعلة من النشاطوكما كان الوضع في المدرسة الابتدائية في عهد الاستاذ المنقور بالنسبة لحفلات ناديها الادبي كانت تقام في عهده حينما كان مديرا للمدرسة الثانوية الندوات الادبية والمناظرات بل واكثر من ذلك كان المنقور في حقيقة الامر شعلة من النشاط الدؤوب. وفي عهده كانت هيئة التدريس تتكون من مدرسين اوائل من الكفاءات الممتازة من مصر منهم محمد عكاشة وابراهيم داوود حساب وعبدالمنعم حسين ومحمد عبدالرحمن الساهي ومحمد احمد خفاجي وابراهيم عمر بيعي وعصام معوض وابراهيم فتحي البرماوي وعبدالرؤوف نعمة وابراهيم عمر ربيعي واحمد محمد حنة، وخالد الكرداني وحامد حامد عبدالقادر وعبدالمنعم محمد الطوخي ومحمد حسن غنيم وصالح محمد الجزار ومحمود فهمي رعية. ويكفي ان المنقور قد تمكن من تسجيل فعاليات الفترة التي كان فيها مديرا في كتاب وثائقي عن نشاط المدرسة في عام 1375هـ. قال استاذنا المنقور في تصدير هذا الكتاب: (هذا هو كتاب “الوان من النشاط” بالمدرسة الثانوية لقد ترددت كثيرا في اخراج هذا الكتاب الى حيز الوجود، فهو في نظري مجهود متواضع ومحاولة اولى، وايضاح لخطوات بدائية في تاريخ النشاط بالمدرسة الثانوية. ولقد بقيت مواده عندي اكثر من اربعة اشهر تلقيت بعدها عدة رسائل من زملاء وطلاب يسألوني فيها عن مصير هذا الكتاب، وعن الخطوات التي تمت حيال طبعه. ازاء ذلك رأيت ان لابد لي من الاقدام على طبعه وفاء بوعدي لطلابي الاعزاء، وتمهيدا للطريق الطويل امام الناشئة في كل مكان. كما انني اؤمن بان بداية كل شيء من ضعف. انني اقدمه وكلي امل ان يقرأه العلماء والادباء والاساتذة فيتفضلوا بابداء آرائهم السديدة، وتوجيهاتهم الرشيدة، ونصائحهم القيمة، لتكون لابنائهم نبراسا يهتدون به، ونورا يضيء لهم الطريق، وقوة تنفعهم الى بلوغ غاياتهم النبيلة، وتحقيق الهدف الاسمى، اقدمه للطلاب الاعزاء ـ شباب اليوم ورجال الغد ـ ليكون الدرجة الاولى في سلم التقدم والرقى، واللبنة الاولى لبناء صرح النشاط العلمي الادبي في جميع ميادينه، اقدمه وانا فخور بآراء الشباب معجب بصراحته معتز باقدامه وشجاعته).اما عن فلسفة التعليم التي بناها استاذنا المنقور في ادارة المدرسة الثانوية فقد شرحها في الكتاب كما يلي: قارئي العزيز.. سوف نرى في هذا الكتاب ان المدرسة لم تعد تقتصر على تلقين المواد في حدودها الضيقة، ولم تعد تقف عند المناهج المحددة، بل حاولت المدرسة ان تتمشى مع التربية الحديثة وتحقق ما تنشده الوزارة من تعميم النشاط، وتوسيع مدارك الطلاب وانماء تفكيرهم، وتغذية عقولهم بالنافع من العلوم والاعمال، وتدريبهم على الحياة العملية.ولاهمية هذا الكتاب الصادر في عام 1375هـ فقد اهديته في عام 1412هـ للمربي الفاضل الاستاذ عثمان بن ناصر الصالح يرحمه الله للاطلاع عليه فنال اعجابه، وقرأه اكثر من مرة وعلق عليه وبعث لي بتعليقاته وكانت تعليقاته قيمة. ولقد نشرتها ضمن حلقات (ورحل عملاق: عثمان بن ناصر الصالح) في جريدة الجزيرة في الاسبوع الماضي.وظل استاذنا المنقور منذ تخرجه من مدرسة الاحساء الابتدائية في عام 1362هـ وحتى عام 1376 يواصل مسيرته التعليمية في الاحساء وفي عام 1367هـ انتقل استاذنا الى موقع جديد حيث عين ملحقا تعليميا ببيروت. وكان لخبر نقل المنقور الى عمل جديد لدى اساتذة المدرسة وطلابها صدى متباين الاثر والتأثير عندهم. ووصف (دليل نشاط المدرسة الثانوية لعام 1375هـ) ذلك الصدى كما يلي: (عندما طرق مسامع اساتذة المدرسة الثانوية بالاحساء خبر نقل مدير المدرسة عبدالمحسن الحمد المنقور الى ادارة البعثات السعودية بسوريا ولبنان احس الاساتذة عندئذ بشعور متباين الاثر فهم يحبون الاستاذ ويقدرون فضله ولا يتصورون ان يفارق المدرسة التي تدين له بالرقي والنهضة ولكنهم في الوقت نفسه يعلمون ما لنقله من اثر في رفع اسم وطنه خارج الحدود فهو شخصية آسرة تعمل جهدها لتحقيق ما يصبو اليه الوطن من رفعة وعظمة. كان الاساتذة اذا يشعرون بألم فراقه ولكنهم كانوا يشعرون بالبهجة لنجاحه المتوقع في مهمته الثقافية في سوريا ولبنان. اما فيما يتعلق بمشاعر الطلبة وكذلك اهالي الاحساء فقد ورد بالدليل ما يلي: (ولم يكن الاساتذة وحدهم الذين يشعرون بهذا الاحساس، ولكنهم كانوا في الواقع يعبرون عن شعور الطلبة بل عن شعور ابناء الاحساء قاطبة لعرفانهم بفضله وتقديرهم لأياديه البيضاء على العلم والتعليم بهذه المنطقة. وورد بالدليل كذلك ومن اخص صفات الاستاذ عبدالمحسن التواضع الجم شأن العاملين المخلصين، ولذلك ما ان توجه الاساتذة الى سيادته يطلبون ان يقيموا له حفل تكريم ووداع حتى بادر بالاعتذار في تواضعه المعهود مكتفيا بما تتبادله القلوب من حب ومودة). وبالفعل اقيمت له حفلة تكريم ووداع في اليوم الثالث من شهر جمادى الاخرة عام 1376هـ.وفي الدليل الذي اصدرته المدرسة عن نشاطها لعام 1376 ورد تحت عنوان (ثانوية الهفوف بين عامين) ما يلي: (في العام الماضي لوحظ تقدم كبير عن ذي قبل في المدرسة وصار العمل يجري على قدم وساق فلقد اسست الجماعات المتنوعة واثمرت بما هو نافع ومفيد للطلبة وكان يدفع هذا النشاط ويوجهه شاب فتى هو الاستاذ عبدالمحسن المنقور الذي رفع اسم المدرسة الثانوية عاليا وعمل بكل قواه في تحقيق ما فيه اعداد الجيل الجديد وتغذية النشء بما يعده لكي يحمل اعباء امته ويسعد وطنه، ولكن الاقدار شاءت ونقل الاستاذ عبدالمحسن الى مدير للبعثات السعودية في الجمهوريتين السورية واللبنانية. والحقيقة انه آلمنا بذلك كثيرا وحز في نفوسنا غير ان هذا الحزن قد انطوى على سرور خفي لعلمنا بان الاستاذ الفاضل سيرفع اسم وطنه حيث يكون وانه سيواصل جهوده المشكورة في سبيل العلم والثقافة).توظيف التجربةاحب استاذنا المنقور عمله الجديد في بيروت بل لقد صادف هوى في نفسه لانه لم يباعد بينه وبين ما كان يمارسه من عمل سابق. كلا العملين من معين واحد ولهذا تمكن، وبجدارة، ان يوظف تجربته وخبرته في العملية التربوية والتعليمية في مدرستي الاحساء الابتدائية والثانوية في عمله الجديد فحقق في بيروت من النجاح ما شهد له به ممن عاصروه هناك. اما عن كرمه وفزعته لاصحاب الحاجات فتحدث عنها الكثير، وسأكتفي هنا بروايتين ممن شاهد وعايش فعاليات استاذنا ـ يرحمه الله ـ الذي كان بمثابة خلية نحل في الملحقية الثقافية ببيروت.يقول في هذا الخصوص استاذي محمد بن عبدالهادي العبدالهادي واحد طلبة المنقور في مدرسة الاحساء الابتدائية في كلمة تأبين بعنوان (المنقور.. الرمز) كنت التقي به يوميا تقريبا عندما اكون متواجدا في لبنان في مهمات عمل للمدارس التي بنتها ارامكو في المنطقة او خلال تدريبي في الجامعة الامريكية ببيروت او سائحا ولا اغالي اذا قلت انني لا اجد مقعدا في مكتبه المكتظ بالزائرين واصحاب الحاجات احيانا. لقد كان ـ رحمه الله ـ لا يملك شيئا من وقته لنفسه، فهو اما مستقبلا او مودعا او مضيفا او مشغولا بقضاء حاجات المحتاجين الذين لا يجد بعضهم غضاضة في الاستعانة به ـ بعد الله ـ في امور يمكن قضاءها دون معونة سعادته، اضافة الى مهمات عمله الرسمي، فلقد كان مرهقا وبشكل يدعو للشفقة. واجدني صادقا ـ ان شاء الله ـ اذا قلت ان شخصيته اكثر بريقا لدى السعوديين واللبنانيين من بعض السفراء العرب هناك.اما الدكتور علي عبدالعزيز العبدالقادر احد طلبة استاذنا المنقور بمدرسة الاحساء الابتدائية فيقول عن نشاط المنقور في بيروت في كلمة تأبين بعنوان (عبدالمحسن المنقور رجل النبل والكرم): (عين الفقيد ملحقا ثفافيا في سفارة المملكة في بيروت، وابتعثت للدراسة في مركز اليونسكو لتخطيط التربية وادارتها عام 1967م وحين ذهبت الى مكتبة في الملحقية لاسلم عليه واكمل الوثائق المطلوبة رحب بي ترحيبا اشعرني بمكانتي وقيمتي، واجلسني عن يمينه، وسألني عن مؤهلي، وكنت قد حصلت على البكالوريوس من جامعة الملك سعود بالرياض، وعن عملي، وكنت اعمل مديرا لثانوية الهفوف، وقد افرحه ان يصير احد طلابه مديرا لها. وتذكر المنقور تلك الايام التي كان فيها اول مدير للمدرسة. واصلت الدراسة بالمركز، وكنا نزوره بين فترة واخرى للاطلاع على مستوى اعضاء الوفد السعودي، كما كان يتفقد الطلبة السعوديين المبتعثين للجامعات اللبنانية ويرعى شؤونهم الدراسية والاجتماعية والثقافية وكان للجميع كالاخ والاب والموجه الحريص على رعايتهم وتوفير متطلباتهم. وفي نهاية الدورة طلب الي عبدالعزيز القوصي مدير المركز ان اذهب الى مكتب الملحق الثقافي لمقابلة الشيخ عبدالمحسن فوجلت خشية ان اكون قد قصرت في الدراسة. ورأيت في مكتبه الشيخ حمد الجاسر والسفير محمد الخيال وكان الموقف مهيبا. فقدمني اليهما، وكلاهما على علاقة بفضيلة الشيخ محمد العبدالقادر قاضي المبزر ورئيس مجلس المعارف بالاحساء ثم تحدث عن تقرير مدير مركز اليونسكو المتضمن معلومات عن اعضاء الوفد واخبرني بان المدير اوصى بابتعاثي للحصول على درجة الماجستير وانه اي الملحق يبارك لي ذلك، وسيوصي الوزارة بابتعاثي، وكان منزل الاستاذ عبدالمحسن المنقور مقر ضيافة وكرم للوافدين عليه ومقصدا للسفراء والوجهاء والزوار والمثقفين. فكان وجها مشرقا للمملكة العربية السعودية وقد فاق الدبلوماسيين والسفراء في علاقاته العامة وحكمته وحسن استقباله للناس.ذكرى لاتنسىوتمضي السنون وذكرى المدرس والمدير المنقور عالقة بذهني. التقيت به في امسية بمزرعة اخيه (سعد) بالاحساء الذي غمرني هو الاخر بكرمه. وفي تلك الامسية اجتررت مع استاذي عبدالمحسن ذكريات الماضي في ابتدائية وثانوية الاحساء. كما التقيت به مرة ثانية حينما كان عضوا فاعلا بنادي المنطقة الشرقية الادبي حيث افتتحت موسمه الثقافي لعام 1413هـ بمحاضرة بعنوان (ادبيات البترول) ولقد لقيت من الترحاب منه ما يفوق الوصف لقد غمرني بتواضعه وحسن معاملته ودماثة خلقه وليس ذلك بغريب عليه فهو صاحب الخلق الرفيع والادب الجم.لقاءات متباعدة في مشوار حياته معي ولكنها كانت ذات دفء وحرارة، وكان اخر مرة قابلت فيها استاذ المنقور في الاسبوع الثالث من شهر ربيع الاول عام 1425هـ في مدينة الخبر وكان مناسبة هذه المقابلة ان الرعيل الاول من خريجي (مدرسة الاحساء الابتدائية) قد قرروا عقد لقاء سنوي لهم يجددون فيه ذكرياتهم في مدرسة لا تزال ذكراها عالقة في اذهانهم ليس لانها اول مدرسة ابتدائية نمطية تؤسس في الاحساء ولكن لانها مدرسة كانت لها شهرة وخرجت رجالا كان لهم شأن في مسارات حياتهم بعد تخرجهم فيها. وعقدت اربعة لقاءات يهمني منها اللقاء الثاني الذي عقد في فندق كارلتون المعيبد بالخبر يوم الخميس 22 من ربيع الثاني 425هـ وهو اللقاء الثاني الذي كان على رأس الحاضرين فيه استاذنا المنقور وكانت لجنة التنسيق النائبة عن الداعين للقاء تتكون من عبدالعزيز محمد الجندان وحمد صالح الحواس ومحمد عبدالله بوعائشة وكان من ضمن من حضروا اللقاء الاساتذة الكبار الاوائل وهم عبدالله محمد بونهية وعبدالله عبدالرحمن الباز وعبدالله عبدالرحمن بونهية وابراهيم محمد الحسيني ومحمد عبدالهادي العبدالهادي وكان اللقاء رائعا وكان حفله بهيجا تخللته كلمات ترحيب واحاديث ذكريات وقصائد شعرية. والقيت في الحفل كلمة شكرت فيها القائمين على تنظيم الحفل، واشدت بالمدرسة التي خرجت هذه الاجيال، وتعتبر معلما من معالم الاحساء، كما تناولت التفاوت في العمر بين طلاب المدرسة موضحا انه عندما كنا في الصف السادس في المدرسة مثلا يسجل في المدرسة طالب في الصف الاول بالمدرسة فالزمالة بالمدرسة تجمعنا مع فارق العمر، وطالبت بان يكون اللقاء سنويا وعلى مدار يومين لتذكر الايام الخوالي في ربوع المدرسة، ويتخللها ندوات تربوية، والقى في الحفل الاستاذ الباز كلمة بالانابة عن الاساتذة شكر فيها المنظمين للقاء واكد على ضرورة تواصل مثل هذه اللقاءات التي تجمع اساتذة مدرسة الاحساء الاولى مع طلابها ويتم خلالها نقل الخبرات لتعليم افضل وتربية مثلى. ولقد غطت جريدة (اليوم) فعاليات اللقاء وفي نهايته سلمت دروع تذكارية للاساتذة وعلى رأسهم الاستاذ المنقور. وبالرغم من الحياة الحافلة بالعطاء التي عاشها المنقور سواء في الاحساء او بيروت وحتى بعد ان عاد من بيروت الا انه كان زاهدا في الشهرة متجنبا مداخلها ومخارجها مع ان ابوابها كانت مفتوحة له. اعني بذلك انه لم يسع الى ابواب الدعاية طمعا في الشهرة ومباهج البهرجة، ولم يبحث (كما فعل اخرون ـ انصاف الرجال) عمن يسلط الاضواء على ما قام به من اعمال جليلة تفاني في ادائها منذ ان شب عن الطوق مع انه في امكانه ان يطلب ذلك من طلبة تعلموا على يديه في ابتدائية وثانوية الاحساء، وطلبة اشرف على تعليمهم حينما كان ملحقا تعليميا ببيروت.عزوف استاذنا المنقور عن الشهرة حسمها بقوله: (الشهرة قاصمة الظهر، وهي تفرض نفسها على اشخاص معينين، ويدفعون ضريبتها، وانا لا احب الشهرة) ولذا لم يحاول اعطاء مقابلات الصحفية او البحث عنها حسب علمي الا ان ذلك لم يمنع الصحفي الموهوب محمد الوعيل من شد المنقور للصحافة فاجرى معه مقابلة مطولة في لقاء (ضيف الجزيرة) الشهير بجريدة (الجزيرة) تحدث فيها المنقور باقتضاب ـ اقول باقتضاب ـ عن بعض من ذكرياته وتجاربه. والمقابلة التي اجراها الوعيل في حقيقة الامر لا تشفي غلة الصادي بما يطفىء لهبه حيث كانت تحتوي على اشارات عابرة وسريعة من المنقور عن محطات نشاطه بعد ولادته في حوطة سدير وتعلمه في الاحساء ومزاولته للتعليم في الاحساء وعمله ببيروت ملحقا تعليميا ومن ثم وكيلا للحرس الوطني بالمنطقة الشرقية وبعد تقاعده من المنصب الاخير حيث شارك في سائر اوجه نشاطه منها عضويته بنادي المنطقة الشرقية الادبي واخيرا في جريدة (اليوم) عن طريق عضويته في مجلس ادارتها.قدسية المهنةوقراءة عابرة للمقابلة نجد فيها ما افاد به استاذنا المنقور من ان اسرته تميمية الاصل كما ذكر اسماء بعض زملائه، واسماء بعض طلبته وانا منهم. وتحدث استاذنا المنقور عن شعوره حينما عين مدرسا ذلك ان مهنته كمدرس قد فرضت عليه تبني سلوك نمط معين يتمشى وقدسية المهنة، وهو سلوك كم اتمنى ان يتامله من يمارس مهنة التدريس في ايامنا المعاصرة. يقول استاذنا المنقور: (بعد ان توظفت وجدت انني اعطيت ثوبا فضفاضا كبيرا علي، ووجدت انني يجب ان احافظ عليه، لهذا حرمت من كل وسائل الترفيه الاولى كالالعاب وما يتصل بها، وابتعدت عن جيلي الذي كان يجب ان اعيش معه، وارتبطت بجيل اكبر مني بكثير بسبب الوظيفة التي اعطيت اياها بدءا من مدرس الى ان اصبحت مساعد مدير مدرسة ثم مدير مدرسة، كل هذه وجدت انها تفرض علي اسلوبا معينا في الحياة والارتباط بجيل اكبر مني بكثير، حتى استفيد منه واتعايش معه، وآخذ من خبراته ما يعينني على اداء الواجب. اما الاحساء التي ترعرع وعاش، وتعلم فيها فيقول عنها: (الدولة وفرت ولله الحمد كل الحاجات التي يتمناها الانسان في الاحساء، ومن ثم ازدهرت مقومات الحياة وتطورت المشاريع الزراعية، وانشئت مصانع التمور، وضمان عائد مجز للزراع وهذا قرار بلاشك سليم لان اهالي الاحساء يعتمدون على الزراعة وعلى التمور بصفة خاصة كمصدر دخل جيد. واتمنى تنفيذ مشروع الحدائق العامة والمنتزهات لتوفير اماكن تلجأ اليها العوائل لقضاء وقت الفراغ وكمتنفس للمدينة. ولكن اتمنى في نفس الوقت المحافظة على الثروة الزراعية، وعلى الاثار التي تحكي تاريخنا العريق). وعبر عن تمنيات له مطالبا ان تتحقق في الاحساء قائلا: (رغم التطور الذي حدث في الاحساء الا انني اتمنى ان لا تهدم بعض البيوت الاثرية في تلك المدينة فهي جزء من تاريخها، واقدر للمسؤولين في وزارة المعارف واقول لهم ان في مدينة الاحساء اماكن تستحق العناية).العواطف الجياشةوفي المقابلة عبر استاذنا المنقور عن خواطر له كان منها: انه لا يشعر بغضاضة عندما يقول ان مؤهله الشهادة الابتدائية فقط، وانه يجب ان يكون التقدير لعطاء الانسان وليس لشهادته التي يحملها، وضرب مثلا بابن عمه عبدالعزيز بن محمد المنقور الذي قال عنه، وبحق، ان تجربته في العمل تشابه الى حد كبير تجربته حيث عاش في امريكا 17 عاما كملحق تعليمي، واعتبره نموذجا للسفير الناجح في خدمة بلده عندما كان ملحقا تعليميا في امريكا بشهادة طلابه ومعارفه، وان ما قاله استاذنا ـ يرحمه الله ـ في ابن عمه عبدالعزيز شهادة حق وانا من طلابه حينما كنت في امريكا، وتتمثل في عبدالعزيز اطال الله في عمره كل صفات الشهامة والنبل، ناهيك عن تفانيه في تذليل الكثير من الصعاب التي كانت تواجه طلابه واعلم الكثير منها انذاك ويواصل استاذنا عبدالمحسن حديثه من ان في المنطقة الشرقية من طلابه الان في جميع الدوائر الحكومية وكثيرون منهم مشهورون لهذا لم يشعر بانه غريب عندما رجع من بيروت الى المنطقة الشرقية وان اقرب الاعمال الى قلبه التعليم لانه ارتبط به 32 عاما، 15 عاما في التعليم في الاحساء و17 عاما ملحقا تعليميا في بيروت وانه عرف الشيخ حمد الجاسر عندما كان مساعدا لمدير مدرسة الاحساء الابتدائية وانه كان يقرأ له ويعتبره منعطفا فكريا ومثقفا ولا يمكن ان يتحول الى رجل اخر من حرفة الكتابة والاطلاع، وانه تعلم من الحياة اشياء كثيرة اولها تقبل الواقعية اي تقبل الحياة بواقعها والتصرف فيها بالواقع وان الشيء الذي خرج به من بيروت واعتز به مكتبة تحتوي على خمسة الاف كتاب.واشارك الصديق الاستاذ الدكتور راشد بن عبدالعزيز المبارك طالب الامس وزميلي في مدرسة ثانوية الاحساء حينما كان استاذنا المنقور مديرا لها عواطفه الجياشة الحزينة التي عبر عنها في كلمته القيمة وهي كلمة ترجمت ليس مشاعري فحسب وانما مشاعر الكثير من طلبته ومحبيه ومعارفه. قال الدكتور المبارك في كلمته: (عبدالمحسن المنقور. الشعاع الذي غاب: (في يوم امس فجعت المروءة في عطائها ووفائها بفقد فرد من القلة القليلة من العاشقين للوفاء والعطاء وهو الاستاذ عبدالمحسن المنقور والايمان بقضاء الله الذي لا يرد وقدره الذي لا يحد ولا يمنع ولا يدفع الاحساء بألم المصاب وبلاغة الجرح في فقد حبيب او الثكل في قريب. واكثر الاحداث ايلاما حدث نتوقع حدوثه، ولا نستطيع دفعه ونثق من حتمية وقوعه ولايد لنا في منعه والموت اشد هذه الاحداث واوجعها اذ هو الفراق الذي لا لقاء بعده، والرحيل الذي لا عودة منه الى هذه الدار، وتتسع دائرة الالم بقدر اتساع مكانة الفقيد في قلوب ذويه ونفوس عارفيه، وللفقيد في قلوب ذويه مكانة، وفي نفوس محبيه منزلة على ان الفقيد عاش معروفا مجهولا من باب:
ولقد عرفت وما عرفت حقيقة …. ولقد جهلت وما جهلت خمولا
ولقد زرت احد رموز مدرسة الاحساء الابتدائية التاريخية في منزله العامر في الرياض هو استاذي عبدالله بن عبدالرحمن الباز متعه الله بالصحة وطول العمر وكان الباز زميل استاذنا المنقور في الدراسة وفي التدريس وعزيته في رفيق دربه ولقد تحدث معه في امور من بينها ما تركه الفقيد (بوحمد) من اعمال جليلة في مجال التربية والتعليم. وكان من رأي الاستاذ الباز في زميل دربه انه كان متفانيا في خدمة التعليم وانه كان محبا للاحساء واهلها وانه كان كريما، كما كان وفيا مع اصدقائه ومحبيه.تغمد الله الفقيد (بوحمد) بواسع رحمته ونسأله ان يسكنه فسيح جناته وان يلهم ذويه ذكورا واناثا واخويه معالي الشيخ ناصر والصديق سعد ومحبيه ومعارفه الصبر والسلوان و(انا لله وانا اليه راجعون).
ورحل رمز.. من رموز مدرسة الأحساء الابتدائية التاريخية عبدالمحسن بن حمد المنقور
الناشر: جريدة اليوم
– العدد : 12014
تاريخ النشر: 07/04/2006م