المركز الثقافي الاحسائي
بقلم سمير بن عبد الرحمن الضامن
منذ أن زفَّ إليَّ أستاذنا الدكتور “محمد بن عبداللطيف الملحم” فكرة إنشاء مركز ثقافي أحسائي، وجعل مقره المدرسة الأولى بالهفوف، ومن ثم عزَّز ذلك الزيارة الميمونة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان آل سعود، والأسئلة تتصارع في مخيلتي مع كثير من الآمال، والطموحات لفكرة هذا المركز الوليد في هذه الواحة المعطاءة.ولعلَّ أبرز هذه الأسئلة الحاحًا هو: كيف سيستقبل المجتمع الأحسائي بجميع فئاته هذا المركز كفكرة قبل أن يكون واقعًا فاعلاً في الحياة الثقافية، لا سيما وأن هذا المركز يأتي بإذن الله ليتجاوزً كل طموحات وآمال الثقافة في هذا البلد، وبدلاً من الأمل الذي يحدو رجالاته، ومثقفيه بإنشاء ناد أدبي أصبح أكثر إشراقًا وعطاءًا ونضجًا لأن المركز الثقافي في التصور المعرفي والعلمي أكثر شمولية، وأعمق في جوانب الأطروحات والخدمات من ناد أدبي يقتصر على جوانب الإبداع القولية من شعر ونثر.ولا غرابة في أن تحظى هذه الواحة الوادعة بمثل هذا المركز الثقافي، لأن الثقافة تشكل جزءًا مهما من أجزاء النهضة التنموية في بلادنا الحبيبة، وولاة الأمر ـ حفطهم الله ـ على قدر كبير من الوعي بأهمية وأهداف هذه المراكز، وتفاعلاتها المتعددة، والواسعة في ظل الإنفتاح المعرفي والثقافي على الحضارات واللغات، وأن العمل المؤسساتي المنظم والمدروس من رجال الثقافة المخلصين والغيورين من أقوى الرسائل التي تدفع بالنهضة الحضارية والثقافية في المملكة العربية السعودية حرسها الله.ولو تأملنا العديد من الجهود الفردية ذات الإمكانات المحدودة، والعطاء المتقطع لوجدنا أنها لا توازي بقليل أو كثير الجهد الذي تقوم به الأعمال المؤسساتية المنظمة والمدعومة، وليس في هذا تقليل من شأن العمل الفردي، بل كل عمل فردي يصب في النهاية إلى تكوين مجموعة من الصور والرؤى ذات أهداف، تخدم الصالح الثقافي العام لهذه البلاد.وبما أن هذا المركز لا يزال فكرة لم تتضح الصورة التي سيكون عليها بإذن الله تعالى، فسأتيح لنفسي طرح العديد من الأسئلة التي تهم ثقافة هذه البلاد، والتي من المفترض أن يقوم بها مثل هذا المركز:هل سيكون هذا المركز من الوسائل المعينة على لَمِّ شتات الأدباء والمثقفين وكسر حدة الإختلافات والتوجهات لإبراز صورة وخطة ثقافية شاملة تنهض بالبلاد وثقافتها؟هل سيفعل المركز مشروع الثقافة الشفاهية في الأحساء، ويعمد إلى سبل تدوينها، وتوثيقها، ومسح المناطق، والقرى، وزيارة الرواة والشعراء، وتسجيل ذلك عبر الأشرطة الصوتية، والمرئية؟هل سيحطى المخطط والوثائق والمستندات التاريخية بالحفظ والإحصاء، وتدوين أماكن وجودها، وعمل فهارس لها، والتعاون مع ممثليها؟
إذا أتينا إلى أساتذة الجامعات، ومحاضريها، ومعيديها سيحرك المركز الثقافي ركودهم وعزلتهم عن المجتمع الثقافي، ويحفزهم لتقديم أوراق عمل، وندوات، وبحوث تهتم بالشأن الثقافي، والاجتماعي، والحضاري لوجه المملكة العربية السعودية عامة والأحساء خاصة؟هل سيقدم المركز مراجعات لأبرز التحولات الثقافية، والفكرية في القرن المنصرم، ومناقشة أدبيات النهضة، والحداثة، والفكر الإسلامي، وعوامل الإخفاق والتطور، وماذا جنى العالم الاسلامي من الآخر الغربي، وكيف سيتعامل معه حاليًا من خلال القرية الكونية الواحدة؟هل سيقوم المركز بعمل دورات وحلقات دراسية في مناهج الأدب والنقد والتحليل الإبتكاري والإبداعي للفئات المثقفة وذلك عن طريق الاستفادة من أهل الإختصاص والخبرة؟هل سيقوم المركز بعمل تكريم للشخصيات التي كان لها دور في حركة الفكر والثقافة في الأحساء أمثال الشيخ: أحمد بن على المبارك، ومحمد بن صالح النعيم، وعبد الله بن أحمد المغلوث وغيرهم؟ هل سيقوم المركز بعمل تكريم لكتاب) كانت اشبه بالجامعة) ولمؤلفه الدكتور محمد بن عبد اللطيف الملحم لأن كتابه كان النواة الأولى لهذه الفكرة المباركة؟لو استرسلت كثيرًا في طرح مثل هذه الأسئلة لما اتسعت الصفحات ولكن لا أود كذلك التغافل عن بعض الأمور التي تعين على إنجاح هذا المركز والتي منها:الإطلاع على تجارب المراكز الثقافية في المملكة وفي البلاد المحيطة خليجًا وعربيًا. المركز الثقافي لا بُدَّ وأن يضم كمًا هائلاً من العقول والطاقات والمبدعين في مختلف الجنسيات والمشارب. دعم مشروع (القراءة الثانية) للإبداع والفكر والحضارة والتراث والتاريخ والمجتمع، والخروج من بوتقة الدراسات ذات القراءات التقليدية، وتطوير مناهج البحث في ذلك. ومما يضمن النجاح كذلك، درجات الوعي لدى المثقف في الأدب والثقافة والتراث والمعرفة الموسوعية وأسلوب توظيف هذه المقدرات، وهذا واضحٌ ومشاهد في البلدان المجاورة. وهنا يكمن السؤال: هل المثقف الأحسائي جديرٌ بهذا الوعي الكبير والحاد للثقافة، وتوظيفها في الحياة كل الحياة؟
بقلم سمير بن عبد الرحمن الضامنالمصدر: جريدة اليوم، العدد رقم 10403، ص/5،اليوم 23/9/1422هـ الموافق 8/12/2001م
المقالة | هجريات
الكاتب: سمير بن عبد الرحمن الضامن
الناشر: جريدة اليوم
العدد:10403
تاريخ النشر: 08/12/2001 م