الناشر: جريدة اليوم
– العدد: 11962
تاريخ النشر: 16/03/2006 م
ويلتقي الصحب من جديد. انهم طلبة الامس, رجال اليوم والغد, في جو بهيج ملؤه الحبور والسرور في بلدة “هجر” الواحة الخضراء ذات الخير والعطاء. في البلدة ذات التاريخ المجيد التي عاصرت حضارات وثقافات قبل الاسلام وبعده. ولكن لماذا هذا التجمع؟ انه لتجديد ذكريات الأمس العبقة التي ظلت ولا تزال عالقة باذهانهم مهما تغيرت الأحوال وتعاقب الليل والنهار. تجديد ذكرى مدرسة يحنون إليها وهو اشبه بحنان الام على طفلها, وما اروعه من حنان! يقال ان الام مدرسة, وفي حقيقة الامر, ان مدرسة الاحساء الابتدائية الاولى هي بمثابة الام بالنسبة لابناء بررة. واذا كان حنان الأم على طفلها تبدأ معالمه قبل ولادته, وتترسم هذه المعالم في وجدان الأم حال ولادة الطفل, وبعد ان يستقبل اول نفس له في الحياة خارج بطن امه, فانها اي هذه المعالم تتزايد في ذهن الأم حالما يكون في حضنها لاكثر من مرة في اليوم والليلة عند رضاعه لرحيق الحياة وعيناه شاخصتان الى اعلى تحاولان تدريجيا ابصار وجه المخلوق الذي يغذيه باللبن المصفى. وتدريجيا, ومع مرور الزمن, ترتسم معالم صورة هذا المخلوق في ذاكرة الطفل لدرجة انه, وبعد ان يقوى بصره, ويفقه من حوله, يجد ان تلك الصورة مرسومة في ذاكرته لانها مصدر الحنان الذي يحس به, ويبتسم له, ويجد فيه دفء الحياة, ناهيك عن حلاوة الامن والامان, وتبقى معه هذه الصورة الى ان يشب عن الطوق, والى ان يبلغ الشيخوخة, وحتى يفارق الحياة. حال الأم بكل عواطفها واحاسيسها ومشاعرها نحو طفلها هو حال طلاب دخلوا مدرسة, بعد ان شبوا عن الطوق, لتلقي مبادىء العلم الاساسية بمختلف اطيافه. حنان هؤلاء الطلاب نحو مدرستهم ظل عالقا بذاكرتهم, وبخلدهم طيلة حياتهم. ومع مرور الزمن ظل هؤلاء الطلبة يرددون مقولة: من علمني حرفا كنت له عبدا, وتنصرف مقولتهم لكوكبة من مدرسي المدرسة قل ان يوجد مثلهم وقت تـأسيس المدرسة. والمدرسة التي اعنيها هي, كما سبق القول, مدرسة فريدة في وقتها تأسست في بلدة “هجر”, وتختلف عن كل المدارس, بل ولا تتكافأ من حيث المستوى التعليمي مع مدارس ايامنا المعاصرة. كانت هذه المدرسة هي الوحيدة في بيئة كانت الامية فيها هي صاحبة السيادة. مدرسة كانت في ايامها ذات شأن يذكر, وهذا الشأن لعظمته لا يزال يقاوم النسيان لانه يجسم في وجوده واثره وتأثيره ذكرى خالدة في فم التاريخ. وخلد هذا الشأن سجل موثق رفع فيه المدرسة, وهي مدرسة ابتدائية متواضعة تقتات على حد الكفاف, وفي مستوى خط الفقر, الى مستوى الجامعة, فكانت المدرسة, اشبه بالجامعة. وبالفعل كانت كذلك. ويأبى الرعيل الاول من خريجي المدرسة الا ان يبقوا هذه المدرسة معلما حضاريا في بلدة “هجر”. البلدة التي تضم الآن مئات المدارس, وكثيرا من ابناء هذه المدرسة العتيدة واعني بهم من بقي منهم على قيد الحياة قد آلو على انفسهم ان تبقى المدرسة موطن ذكرى متجددة مهما تغيرت الاحوال, وتوالى الملوان. وكيف لا! والمدرسة بالنسبة لهم مشهد ملذات, وموطن ذكريات, ومطامح انظار, ومسارح افكار, ومعارج همم, ومصدر اشعاع, ومنتدى سمار. وكأني بهذا الرعيل ينشد معي ابيات “ابن الرومي” في ذكرى مدرستهم التي يعتبرونها في مستوى الوطن ان لم يكن اكبر: ولي وطن آليت ان لا ابيعه …… وان لا ارى غيري له الدهر مالكا فقد ألفته النفس حتى كأنه …… له جسد ان بان غودرت هالكا وحبب اوطان الرجال اليهم ….. مآرب قضاها الشباب هنالكا اذا ذكروا اوطانهم ذكرتهم ….. عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا ولقد تم تجديد المدرسة على شكل ونحو ينبىء عن ماضيها التليد, وعن احوال البيئة التي تأسست فيها منذ اكثر من سبعة عقود من الزمن. وبعد تجديدها سوف تباشر فيها الكثير من الفعاليات المبرمجة التي اعلم عنها, ولعل الوقت لم يحن, وهو قريب, للكشف عنها للرعيل الاول من خريجيها وكذلك لابنائهم واحفادهم واسباطهم. ولكل حادثة حديث. وتحية من الرعيل الاول ازفها باسمهم لراعي الحفل الرابع لهذا العام عام 1427هـ الزميل خريج المدرسة, رجل الاعمال, عبدالله بن سعد الراشد.
http://www.alyaum.com/issue/p