حينما وصلتُ إلى القاهرة في عام 1377هـ الموافق عام 1958م توجَّهت بعد يوم أو يومين من وصولي إلى مكتب الملحق الثقافي الكائن في 17 شارع واصف بالأورمان بحي الدقي.
وبدون سابق معرفة بموظفيه بما فيهم الملحق الثقافي نفسه عرَّفت بنفسي بأنني طالبُ مبتعثُ من قبل وزارة المعارف، شأني في ذلك شأن سائر أترابي الطلاب من بعثة ذلك العام.
اسْتُقْبِلتُ بالمكتب استقبالاً طيباً. كما حصلتُ، مثل ما حصل سائر زملائي، على معاملة حسنة بمكتب الملحقية، كان من شأنها تسهيل مهمة التحاقي بالجامعة بكل يسر…..
وبعد إعلان نتائج امتحان الفصل الأول بكلية الحقوق – جامعة القاهرة وجدتُ نفسي (الأول) بكلية تضم أكثر من ألفي طالب. نُشِرَ عن ذلك في الصحافة المحلية. وعلى إثرها استقبلني الملحق الأستاذ (أحمد المانع)، وتعرَّفت عليه، ولقيتُ منه ومن موظفي مكتبه من الاحترامِ والتقديرِ والرعايةِ والتشجيعِ مَا أعجزُ عن وصفه لدرجة أن العلاقة بيني وبين الملحق أخذت تتوطَّد من حسنٍ إلى أحسن. وكان من بين موظفي المكتب مِمَّن تعرفت عليهم آنذاك، على ما أتذكَّر، الأساتذة: محمد الفريح، وعلي القرعاوي، وإبراهيم القدهي، والعم لطفي المسؤول عن المصاريف الدراسية.
وكما سبق أن ذكرتُ كانت بعثتي لدراسة الحقوق على حساب وزارة المعارف. وكانت مصاريفُ الدراسة الجامعية على حساب الوزارة نفسها، وكانت المصاريف تصرف للجامعة عن طريق الملحقية مباشرةً.
في يوم من الأيام استدعاني مكتب المصاريف الدراسية بجامعة القاهرة الواقع آنذاك في شمال الجامعة بين السَّرايات ومساكن طلبة الجامعة. تقدَّمت لشبَّاك المكتب، وعرَّفت بنفسي، وسلَّمته بطاقة (كارنيه) الجامعة. بحث الموظف عن اسمي بسجلات كلية الحقوق، وبعد دقائق رفع رأسه وقال لي مبتسماً: أنتَ من الطلبة المتفوقين، وحصلتَ على الدراسة المجانية بالجامعة على حساب (الجمهورية العربية المتحدة)، وأنَّ ذلك بموجب توجيهات من فخامة الرئيس (جمال عبدالناصر) رئيس الجمهورية الذي اعتمدّ منحاً مجانية للطلبة العرب الذين يتفوَّقون بجامعات مصر انطلاقاً من توجهات (مصر) العربية في مجال (القومية العربية).
توجَّهت في الحال إلى العم (لطفي)، وأخبرتُه بما قيل لي، وسلَّمت له الشيك المحرر باسمي من قبل الجامعة مقابل إعادة المصاريف الدراسية المرسلة من الملحقية للجامعة، وتم تسليم الشيك بموجب خطاب منِّي مؤرخ في 29-4- 1379هـ. ومن ثُمَّ انصرفتُ إلى شقتي التي كانت تقع آنذاك بحي العجوزة معتبراً أَنَّ ما تَمَّ شيء عادي. هكذا كان تصوري وقتها، ولكن كانت المفاجأة لي أنني ما كنتُ على عِلْمٍ بما اتخذه الملحق الثقافي الأستاذ (أحمد المانع) من إجراء حينما أحاطه العم (لطفي) بخبر إعادتي للشيك له. لم يهملْ الأستاذ (أحمد) هذا الأمر بل تفاعل معه، واعتبره سابقةً في عهده باعتباره ملحقًا ثقافياً أن يحصل طالبُ على (المجانية) لتفوقه الدراسي. لقد اهتم بالأمر، وصعَّده إلى أعلى المستويات بوزارة المعارف حيث عُرِضَ أمرُ الشيك على سعادة وكيل وزارة المعارف آنذاك معالي الشيخ (عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ) أمر معاليه بإعادة الشيك لي.
كان أستاذنا (أحمد) يعامل الطلاب كما لو كانوا أولاده، وما ذكرتُه مجرد طيفٍ من أطياف تعامله مع طلبته، وبالرغم من أن ما أجراه يخصني وحدي وقد تردَّدت في الحديث عنه إلاَّ أن أبلغ ما فيه هو أنه ذو دلالةٍ واضحةٍ على لطف معاملة الملحق الثقافي لي، كما لو كنتُ أحد أبنائه، ولقد رأيتُ، وبكل تجردٍ عن ذاتي، نشر هذه الحقيقة عن تصرف هذا الرجل ذي الخلق النبيل، وليس ذلك بكثير عليه لأن له من عراقة أسرته وطيب محتده وسعة مداركه ما يؤهله لفعلِ ما يفعل.
بعد حينٍ من الزَّمن تسلَّمت من مكتب الملحق الثقافي الرسالة رقم 1-1 683- 2974 وتاريخ 6-7- 1379هـ الموافق تاريخ 5- 1-1960م الموقعة من الملحق الثقافي، والمذيلة بتأشيرة من الأستاذ (إبراهيم القدهي). والرسالة منشورة بهذا التأبين برقم الوثيقة (2). ويقرأ نص الرسالة كالتالي:
المكرم/ الطالب محمد بن عبداللطيف الملحم
بعد التحية:
إشارة إلى خطابكم إلينا المؤرخ في 29-4-1379هـ والذي أعدتم إلينا برفقه الشيك المسلم إليكم من كلية الحقوق جامعة القاهرة والمسحوب على بنك مصر برقم – غ 219511 في 17- 10-1959م الممثل لمبلغ (18.500) التي أُعْفِيتُمْ منها نتيجةً لنجاحك بتفوق.. ونود الإحاطة أننا قد كتبنا عن ذلك لسعادة وكيل وزارة المعارف بخطابنا رقم 1-1-683- 884 في 7-5-79هـ، وتبلَّغنا إجابة سعادته بالمذكرة رقم 32-1-8-813 في 28-6-79هـ بمنح قيمة الشيك المذكور كمكافأة تشجيعية لك لنجاحكم بتفوق، وتقديراً لجهودكم التي بذلتموها، والمراقبة العامة للبعثات العلمية السعودية بمصر إذ تعيد إليكم الشيك – مدار البحث – برفق خطابنا هذا لترجو أن يكون في ذلك حافز لكم وعلى موالاة هذا التفوق والنجاح، متمنيةً لكم مستقبلاً سعيداً باهراً.. ولكم أَخْلَصُ تحياتنا لاطراد التقدم والتوفيق ودمتم.
ماذا كان يعني هذا التصرف الذي أجراه (أحمد المانع)؟ وبدون علمي. إنه علامة تشجيع، ولمسة أبوية من مربٍ هو في الموقع الذي كان فيه الرجل المناسب في المكان المناسب، وأكادُ أقطعُ بأن هذا التصرف ليس التصرف الوحيد الذي أجراه، وإنما هناك تصرفات نبيلة أجراها لصالح الكثير من زملائي ممن يستحقون الدعم والتشجيع والمساعدة آنذاك.
وأتذكر أن الأستاذ (أحمد) أقام حفلاً للطلاب على شرف صاحب السمو الملكي الأمير (فهد بن عبدالعزيز آل سعود) حينما كان خارج الحكم بمقر الملحقية بشارع 17 واصف بحي الأرومان بالدقي. وكان حفلا بهيجا، وقد قدمني الأستاذ (أحمد) لسموه باعتباري من الطلبة المتفوقين، وهذه لفتةٌ كريمةٌ أخرى من هذا الملحق النبيل الذي لا يستغرب منه ما يجريه ما دام ذا خلق كريم.
وبالنظر لعدم وجود ناد للطلاب بالقاهرة آنذاك يجتمعون فيه، ويتعرفون على بعضهم بعضا، كان من أوجه نشاط مكتب الملحقية في عهده قيام الطلاب برحلات إما في (نهر النيل) أو في (القناطر الخيرية). وهي رحلات لم تكتب عنها صحافتنا إلا نادرا وأعني بذلك جريدة (قريش) التي كانت تصدر (بمكة المكرمة) آنذاك حيث كانت تنوه عن هذه الرحلات من حين لآخر بواسطة الزميل أسامة السباعي الطالب بقسم الصحافة بكلية آداب جامعة القاهرة.
وخلال دراستي اعتادت شركة (أرامكو) حينما كانت (أمريكية الأصل والمحتد) إيفادَ فريق كل عام للقاهرة، وكان الفريق يتخذ له مكتباً بمقر الملحقية لمقابلة الطلاب بغرض تشغيل بعضهم في الشركة خلال فترة الصيف، وخلال فترة الصيف وقبل انتقالي للسنة الثانية بالكلية تقدمت بطلبٍ للفريق مبدياً رغبتي للعمل خلال فترة الصيف. بعثت الشركةُ لي بخطاب مؤرخ في 17 مارس 1959م الموافق 8 رمضان 1378هـ (صورة الخطاب مرفق بهذا التأبين، الوثيقة رقم 2) تعتذرُ فيه وتفيدُ بأنها توظف الطلبة الذين أنهوا دراسة السنة الثانية بالكليات فصاعداً. ومن باب الصدف أنني كنتُ بمكتب الملحق فأطلعته على صورة الخطاب، فوجدته ممتعضاً مما كان الفريق يجريه بمكتبه نتيجة معلومات كان تصله، ومنْ أن الفريق كان يحاولُ الحصول من الطلبة على معلومات من طبيعة أمنية وشخصية لا علاقة لها بموضوع التوظيف. طلب الأستاذ (أحمد) مني أن أعد له تقريراً عن ملاحظاتي. أعددت التقريرَ بخط يدي، وسلمته له دون أن أعلم عن مصيره، وما اتخذه حياله. وليس لدي صورة من التقرير، ولعله ضمنَ أوراق الأستاذ (أحمد) الشخصية، أو بأرشيف الملحقية، أو بإضبارات وزارة المعارف. وعند انتهاء آخر فصل دراسي لي بالكلية، وكان ذلك في أواخر عام 1382هـ الموافق وسط عام 1962م اتصل فريق الشركة بي حيث أجرى مقابلةً لي بالملحقية، وأبدى لي موافقة الشركة على تشغيلي ضمن البرنامج الصيفي لمدة ثلاثة أشهر في الصيف. التحقت بالبرنامج، وكان عملي بقسم القانون والأمن بمنطقة بقيق، ولم أمكث بالشركة إلا شهرا واحدا بعد إعلان نتائج التخرج في كلية الحقوق في شهر يونية عام 1962م الموافق شهر محرم عام 1382هـ لأسباب ليس هنا مكان شرحها.
وأعلنتْ نتائج الكلية، وكنتُ من الأوائل، وسلم الملحق الثقافي (بو عبدالله) لي نسخة من بيان بتوقيعه يتضمن قائمة بمن تخرج معي من كليتي حقوق القاهرة وعين شمس وهم الزملاء: عبدالله بن عبدالعزيز المنيفي- رحمه الله-، شفيق عبدالحكيم عثمان، مطلب بن عبدالله النفيسة، طارق عبدالرحمن مراد، وصلاح الحجيلان، وقبل تخرجنا، وباعتبارنا آنذاك بمثابة العملات النادرة تلقيت رسالة من الأستاذ (أحمد) برقم 1-9-1- 5108-2 وتاريخ 21-8- 1381هـ الموافق 27-1- 1962م. (صورة من الرسالة مرفق بهذا التأبين الوثيقة رقم 3). ويقرأ نص الرسالة كالتالي:
المكرم الطالب محمد بن عبداللطيف الملحم
بعد التحية:
كتب إلينا سعادة وكيل وزارة المعارف بخطابه رقم 21-1-23-552-1 وتاريخ 10-8-1381هـ مشيرا إلى صورة خطاب معالي وزير المعارف الموجه لسمو وزير الداخلية رقم 2- 6-21-2229 في 23-7- 1381هـ حول موافقة معاليه على طلب سموه تزويد وزارته بسبعة من خريجي كلية الحقوق هذا العام.. ورغب سعادته إبلاغكم بمراجعة وزارة الداخلية بعد تخرجكم المنتظر هذا العام- إن شاء الله-. نرجو ملاحظة ذلك مع تمنياتنا لكم بالتوفيق ودمتم.
ويبقى بعد ما استعرضته من حقائق أعلاه أن أتحدث الآن، وبإيجاز عن أستاذنا (أحمد المانع) لما تعرفتُ عليه شخصياً عن قرب.
تقلد أستاذنا (أحمد بن محمد بن عبدالعزيز المانع) قيادة الملحقية الثقافية بقاهرة المعز في نهايات السبعينيات وما تلاها من القرن الهجري الماضي، وذلك حينما كنت طالبا بكلية حقوق القاهرة. عرفته عن قرب، فوجدت فيه صفات ومناقب من أهمها الشهامة، والأريحية، وإنكار الذات، والتفاني في خدمة الطلاب الذين كانوا تحت ولايته.
أخجلني تواضعه، وطوق عنقي بفضله، وغمرني بمعروفه، وكيف لا! كان يعاملني. كما أثبت ذلك فيما سلف كما لو كنت أحد أبنائه. كان ذلك هو ديدنه. ولم يكن يفعل ذلك لي لوحدي، لقد كان يعتبر طلبته كما لو كانوا أولاده وإخوته.
يسعد لسعادتهم، ويتألم لو أخفق بعض منهم في دراسته. كان يحث على مواصلة العطاء العلمي، كما كان يمد العون بالجاه والشفاعة لمن يحتاج إليها منهم. ومن عاصروه يشهدون على ذلك.
كان أستاذنا (أحمد) بالإضافة إلى عمله كملحق يمارسُ أعمالاً يفوق ما يمارسه أي سفير. كان الوجه المشرق والواجهة المشرفة لبلاده في قاهرة المعز يَشْهَدُ على ذلك كُل من عاصره من طلبته أو من زار مصر من أصدقائه. وكان كل من يقابله لأول مرة يرتاح لرؤيته، ويتصور أنه يعرفه منذ عشرات السنين.
لقد كان، وللحقيقة والتاريخ، ملحقاً ثقافياً بامتياز. كما كان في تلك الأيام الخوالي الرجل المناسب في المكان المناسب.
والسؤال الذي يطرح نفسه لمن كانت هذه صفاته ومناقبه هو: لماذا لا نتعرف على خلفية هذا الرجل النبيل؟ أين عاش. وكيف تربى. وفي كَنَفِ مَنْ تعلمَ؟ حتى وصل إلى ما وصل إليه، وبحيث كان مشوار حياته مليئاً بالعطاء، وبأطياف الشفاعة، وبحيث كان الرجل الشهم، ذا المهمات الصعبة، يفعل كل ما يفعله برحابة صدرٍ، ومحيًا مشرقٍ، وتواضع جم، وسماحة خلق، ونبل عواطف، وابتسامة خفيفة لا تفارق ثغره. إن ما ذكرته بعضاً من سماتٍ لصيقة به، وحدِّث عن الكثير منها ولا حرج.
تربى أستاذنا (أحمد) في بيت علم فاكتسب من هذا البيت صفات النبل والشهامة والأريحية. وكان كما يقول المثل: (ابن الوز عوام). كان أبوه من عمالقة رجال التعليم في المملكة الذين ساهموا وأسهموا في بناء الجذور الأساسية للتعليم الحديث. تقلَّد والده رئاسة المديرية العامة للمعارف فأبلى فيها بلاءً حسناً. وأتذكرُ زيارته في أوائل السبعينيات من القرن الهجري الماضي لمدرسة الإحساء الثانوية الوحيدة التي كانت تحتل الطابق العلوي من (مدرسة الإحساء الابتدائية) التي كانت آنذاك أشبه بالجامعة (راجع كتابي كانت أشبه بالجامعة) وكان مدير المدرسة الثانوية الشيخ (محمد بن جنيدل) يرحمه الله بالوكالة عن أستاذنا (عبد المحسن بن حمد المنقور) الذي كان آنذاك في رحلة علاجية (بلبنان).. دخل الشيخ (محمد المانع) علينا في الفصل، وراجع معنا بعضاً من المسائل في الفقه والتوحيد. كان يرحمه الله يطرح الكثير من الأسئلة، كما كان يناقشنا في أدق المسائل مدعومة بالأدلة وبالحجج المقنعة.
مشى أستاذنا (أحمد) على خطى أبيه في حقل التربية والتعليم حتى أصبح مرجعاً يعتدُّ به في العلوم الدينية والعربية.
ولقد توج جهاده في سبيل التربية والتعليم واكتساب العلم والمعرفة بقيادة الملحقية الثقافية بالقاهرة، في زمن، أقول في زمن، كانت توجُّهات البعثات العلمية السعودية للتعليم العالي فيه إلى القاهرة، فأدَّى (بوعبدالله) الأمانة فكان في عمله القوي الأمين.
وكنتُ خلال توقفي بالقاهرة أثناء دراستي بالولايات المتحدة الأمريكية وبعدها أزوره بمنْزله بحي الأورمان بالدقي فأجدُ عنده من حسن الوفادة والكرم ما أعجز عن وصفه.
كان أستاذنا من رجال العلم الذين يحرصون على اقتناء الكتب وقراءتها، كما كان يوزع الكثير من كتب العلم الديني التي كانت تطبع في دولة (قطر) آنذاك.
وبعد عودته مع أسرته للمملكة، واستقراره بالرياض حاولتُ ذات مرة زيارته إلاَّ أنه قيل لي من بعض عارفيه إن زيارته صعبة بعد أن أقعده المرض.
وقبل أن أختم هذا التأبين من المهم التنويه عن تأبين حبَّره قلم أخينا الكبير الأستاذ (إبراهيم القدهي) الذي عاصر الأستاذ (أحمد) عن قرب. عمل الأستاذ (القدهي) بمكتب الملحقية الثقافية حيث كان أكثر العارفين بأحوالها. كما كان عمله داخل كواليس الملحقية حيث كان محل ثقة رئيسها، ولا ينبئك مثل خبير:
يقول الأستاذ (القدهي) عن أستاذنا (أحمد):
(ماذا أقول، وبم أصفه يرحمه الله.. فقد وُصِفَ بأنه سفير الابتعاث.. وصاحب القلم الكبير، والعاطفة النبيلة، والثقافة الواسعة.. الفقيد الغالي.. معلم عاقل وعقل عالم.. كبيرٌ غاب، وعاش عفيفاً، ومات شريفاً.. موسوعة ثقافية.. (كان) الملحق الثقافي المثالي، وعميد الملحقين الثقافيين.. الفقيد الغالي لم يكن بالنسبة لي مجرد رئيس سَعِدْتُ بالعمل معه عشرات السنوات كسكرتير للمكتب.. لم أسمعه يوماً يغتاب أحداً، أو يعيب على أحد أو يعتب.. حتى من قصرَّ بزيارته أثناء مرضه الذي امتد لسنوات، فمن أتى لزيارته رحَّب به، ومن غاب عذره. كان يرحمه الله موسوعة علمية ثقافية لا يمل جليسه من الاستفادة والاستمتاع، وكان تاريخاً متنقلاً.. لا يمكن أن تحس في مجلسه بالتعالي أو الغرور.. فكان متواضعاً، كريم النفس واليد واللسان، سمح الخلق، ونبيل العواطف، طيَّب السجايا، كريم الشمائل). انتهى.
وفي الختام إنني لأتمنَّى على أبنائه أن يتأملوا أوراقه التي خلَّفها وراءه ليسجِّلوها في كتاب سيرةٍ لهذا الرجل الطيب الذكر وذلك لكي يتذكَّره مَنْ بقيَ على قيد الحياة من الطلاب الذين أشرف على دراساتهم، وليستفيد من سيرته أبناء هؤلاء الطلاب من جيلنا المعاصر.
تغمد الله الفقيد بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أبناءه وأهل بيته الصبر والسلوان، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
الناشر: جريدة الجزيرة
– العدد: 12675
تاريخ النشر: 12/06/2007م