من أوراقي المبعثرة – تأملات في الرحلة المقدسة (3)

وبعد انتهاء شعائر “العمرة” عاد موكب الرئيس “عبده ضيوف” من “مكة المكرمة” إلى مدينة “جدة” مساءً حيث “قصر الضيافة” المعد لفخامته. وفي “قصر الضيافة” توجه “الضيف” إلى مقره المعد، كما كان من نصيب الشاعر “محمد بن عبدالله آل ملحم” غرفة خاصة توجه، بعد الاستراحة فيها، إلى تناول طعام العشاء. وعن هذه المناسبة في قصيدته حبر أبياتاً لا تخلو من الطرافة:ـ
عُدْنَا إِلى قَصْرِ “الضِّيَافَةِ” دُفْعَــةً ….. فَإِذَا الْعَشَاءَ يِقُولُ: أَيْنَ أَكُـولُ؟أُنْظُرْ إِلَى الأَطْبَاقِ كَيْفَ تَشَكَّلَتْ ….. وَتَشَاكَلَتْ فَاسْتَشْكَلَ الْمَأْكُـولُمِنْ أَيْنَ نَبْدَأُ؟ حَارَتِ الأَيْدِي فَمَا ….. تَدْرِي الْبِدَايَةَ إِنَّهَا لَخَجُولُ!أَخَذَتْ مِنَ الأَطْبَاقِ مَا هِيَ تَشْتَهِي ….. وَمِنَ الْمَشَارِبِ مَا إِلَيْهِ تَمِيلُ!وَتَسَامَرَ الأَحْبَابُ فِيمَا بِيْنَهُمْ ….. وَحَدِيْثُهُمْ ذَاكَ الْجَمِيلُ فُصُولُمِنْ كُلِّ لَونٍ فِي الْحَدِيثِ مُهَذَّبٌ ….. مَا شَابَهُ وَلَوِ اسْتَطَالَ فُضُــولُوَتَوَجَّهَتْ لِلنَّومِ بَعْدُ “جُمُوعُنَا” ….. كُلُّ أُعِدَّ سَرِيرُهُ الْمَنْزُولُفِي غُرْفَةٍ مَخْصوصُةٍ لَهُ وَحْــدَهُ ….. فَلِكُلِّ فَـرْدٍ فِـي الْحَيَاةِ سَبِيـلُ
ومن ثم تحرك موكب “الرئيس” إلى “المدينة المنورة” على متن إحدى طائرات “الخطوط الجوية العربية السعودية” عبر رحلة جوية مريحة. والشاعر من بين المرافقين الذي تحدث في قصيدته عن دخول “المسجد النبوي”، والصلاة في “الروضة الشريفة”، ومن ثم السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبَيْهِ “أبوبكر” و “عمر” رضي الله عنهما قائلاً:ـ
حَتَّى إِذَا مَا الْفَجْــرُ لاَحَ سَنَاؤُهُ ….. أَدَّيْتُ فَرْضَ الْفَجْرِ حَيثُ حُلُولُحَىِّ “الْمَدَيِنَةَ” وَالْجَلاَلُ يَحُفُّهَا ….. وَالنَّورُ مِنْ جَنَبَاتِهَا مَوْصُــولُوَ”الْقُبَّةُ” الْخَضْرَاءُ شَعْشَعَ نورُهَـا ….. وَمَآذِنٌ نَحْـــوَ السَّمَاءِ تَطُولُيَا أُنْسَ رُوحِي حِينَمَا جِئْتُ الْحِمَى ….. إِنِّي السَّعِيدُ وَإِنَّنِي الْمَشْــمُولُيَا فَرْحَةَ الْقَلْبِ الْمَشُوقِ وَقَد أَتَى ….. “بَـابَ السَّلامِ” “بِحِبِّهِ” مَشْغُولُأَدَّيْتُ فَرْضَ “الظُّهُرِ” فِي “الْحَرَمِ الذِي….. فِيهِ تَرَدَّدَ بِالْهُدَى “جِبرِيــــلُ”وَرَكَعْتُ فِي رَوْضِ الْحَبِيبِ “مُحَمَّدٍ” ….. فِي “الْجَنَّةِ” الْفَيْحَا فَطَابَ نُزُولُأَجْنِي قُطُوفَ الأُنْسِ فِي سَاحَاتِهَـا ….. قَد حَفَّنِي فِيهَا رِضًا وَقُبُـولُوَدَخَلْتُ فِي بَيْتِ “الرَّسُولِ” وَفَرْحَتِي ….. عَنْهَا يُعَبِّرُ دَمْعِيَ الْمَرْسُولُذَاكُمْ هُوَ “الْحُلْمُ” الذِي أَنَا أَرْتَجِي ….. وَأَقُولُ فِي نَفْسِي إِلَيْهِ سَبِيلُيَا ذَلِكَ الْجَوُّ الَّذِي هَامَتْ بِهِ ….. رُوحِي وَرَاحَتْ فِي الْعَلاَءِ تَجُولُأَنَا عِنْدَ خَيْرِ الْعَالَمِينَ “مُحَمَّــدٍ” ….. فِي حَيِّهِ الْعَالِي يَطِيبُ حُــلُولُأَعْلَى “الأَمَانِي” نُلْتُهَا فِي قُرْبِهِ ….. فَلْيَهْنِنِي التَّنْوِيلُ وَالتَّحْصِيلُمِنِّي السَّلامُ عَلَيْكَ يَا عَلَمَ الْهُدَى ….. طُولَ الزَّمَانِ مِنَ الْفُؤَادِ أَقُولُوَعَلى”أَبِي بَكْرٍ” مُصَدِّقِ رِحْلَةِ الإِسْـ ….. ــرَا وَفِي الْغَارِ الْعَتِيقِ “خَلِيـلُ”وَعَلى “أَبِـي حَفْصٍ” مُعَزِّزِ دِينِنِا ….. وَلِرَأْيهِ قَـدَ وَافَـــقَ التَّنْزِيلُوَبُعَيْدَ تَودِيعِ الْحَبِيــبِ “مُحَمَّدٍ” ….. سِرْنَا وَإِنَّ دُمُوعَنَا لَسُيُـــولُ حَكَمَ الْفِرَاقُ بِأَنَّ نُغَادِرَ “تُرْبَــةً” ….. طَابَتْ بِهَـا وُدْيَانُهَــا وَتُلُولُ

وعلى إثر مغادرة الرئيس “عبده ضيوف” “للمدينة المنورة” متوجهاً إلى بلاده “جمهورية السنغال” طلب مني معالي الفريق “عبدالعزيزمسعود” رئيس المباحث العامة السابق أن نتوجه إلى فندق شراتون “بالمدينة المنورة” لتناول طعام الغداء قبل مغادرتنا مع الوفد الرسمي السعودي المرافق لفخامة الرئيس إلى “الرياض”، فلبيتُ الدعوة حيث اتجه الجميع إلى فندق “شراتون”، وفي رحابه طاب المقام والحديث والسمر وتناول طعام العشاء. وعن هذه المناسبة قال الشاعر في قصيدته:ـ
سِرْنَا قُبَيْلَ الْعَصْرِ نَبْغِي “فُنْدُقاً” ….. حَيْثُ الطَّعامُ مُهَيَّأٌ وَجَمِيلُوَفُوَيْقَ مَائِدَةِ الطَّعَامِ تَدُورُ أَطْعِمَةُ ….. الْكَلاَمِ وَمَدُّهَا مَوْصُـولُحَيْثُ “الْوَزِيرُ” يُدِيْرُهَا بِسُـؤَالِه ….. إِثْرَ السُّؤالِ فَطَعْمُهَا مَعْسُـولُ أعْنِي “ابنَ عَمِّي” فَرْعَ دَوْحة “مُلْحِمٍ” ….. طَابَتْ فُروُعٌ مِنْهُمُ وَأُصُولُقَدْ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مُعْذِقٍ ….. مِثْلَ “الْوَزَيرِ” فِي الرِّجَالِ تُنيِلُوَتَعَرَّفَ “الإِخْوانُ” بَعْضَاً بِالأُولَى ….. لاَ يَعِرفُونَ فَحَصَّل التَّأهِيلُفَعَرَفَتُ “إِخْوَانَاً” لإِولِّ مَرَّةٍ ….. وَتَواَفقَتْ أَهْوَاؤُنَا وَمُيُـولُمِنْهُمْ “ضُوَيَّانٌ” تَضَوَّأَ رَأْيُهُ ….. مِنْ نُورِ “طَيْبَةَ” عَقْلُهُ مَصْقُولُوَأَخِي الْفَتَى “عَبْدِ الْحَمِيدِ” مِنَوِّرٌ ….. عِندَ الْحَدِيثِ فَرَأْيُهُ مَقْبُولُوَأَخِي “اللُّحَيدَانَ” الْهُمَـامُ فَإِنَّهُ ….. نِعْمَ الصَّدِيقُ الصَّادِقُ الْمَأْمُولُوَأَخِي “الطَّبيشِيُّ” الذِي لَـمْ تَذْهَبَنْ ….. عَنْهُ الْبَشَاشَةُ سَـــاعَةً وَتَزُولُوَكَذَا الْفَتَى “عَبْدُالْعَزِيزِ” الشَّـامِرُ ….. الأَخْلاَقِ طَـابَ فُرُوعُهُ وَأُصُولُ”إِلياسُ” قَدَّمَ دَعْوَةً شَخْصِيَّةً ….. لَكَنْ ظُرُوفٌ لِلْجَوَابِ تَحُولُوَمُرَافِقِي فِي رِحْلَتِي الأَخُ “صَالِحٌ” ….. إِبْنُ “الْمُحَارِبِ” بَيْتُهُ وَقَبِيلُلَمْ يَأْلُ جُهْدَاً فِــي مَواقِفِ رِحْلَتيِ ….. مُنْذَ ارْتَحَلْنَا أَوْ يَحِينُ قُفُــولُ!
وعلى إثر انتهاء “الرحلة المقدسة” اختلى الشاعر إلى نفسه متأملاً ما حدث له وهو في غاية البهجة والسرور حيث أطلق لشاعريته العنان يحدث نفسه من خلالها عما رأى وشاهد، وعما في مخيلته من معلومات تاريخية عن “المدينة المنورة”، وما بها من مواقع ومشاهـد ومساجد ذات تاريخ مجيد، وما عاصرته “المدينة المنورة” نفسها من أحداث تعتبر مجيدة في تاريخ الاسلام والمسلمين. تناول كل ذلك في خشوع يعطي الطمأنينة، وبيان يهب الرضا والراحة النفسية في الأبيات الشعرية التالية:ـ
يَا عَيْنُ مِـنْ هَذَا الْجَمَالِ تَمَتَّعِي ….. فَلَقَـــدْ دَنَا إِيَابُنَا وَرَحِيـلُهَذِى “الْمَدِيْنَةُ” وَالْجِنَانُ تُحِيطُهَا ….. أَلَهَا يُرَى فِي “الْعَالَمِينَ” مَثِيـلُ!”الرَّوْضَةُ” الْفَيْحَاءُ يُشْرِقُ نُورُهَا ….. فَسَنَاؤُهَا الْمَمْدُودُ والْمَوْصُولُوَمُرُوجُ “أُحْدٍ” عَابِقَاتٌ بِالشَّـذَا ….. ضَاءَتْ “بِحَمْزَةَ” وَالْفَرِيقُ حُلُولُوَهُنَا “الْبَقِيعُ” تَمَايَلَتْ رَوْضَاتُهُ ….. طَابَتْ مَنَازِلُهُ وَطَابَ نَزِيلُوُهَنَاكَ “بُطْحَانٌ” رِيَاضٌ تَزْدَهِي ….. أَوْرَاقُهَا فَكَأَنَّهَا الإِكْلِيلُهَذَا “قُبَاءٌ” وَالصَّلاةُ بِعُمْرَةٍ ….. فِيِهِ حَدِيثُ الصَّادِقِ الْمَقْبُولُ”وَالْقِبْلَتَيْنِ” هُنَالِكُـمْ “وَغُمَامَـةٌ” ….. لاَ كَالْغَمَائمِ غَيْثُهَـــا مَبْذُولُوَ”الْعَنْبَريَّــــةُ” عَنْبَرٌ مُتَكَرِّرٌ ….. فِيهَـا تَغَنَّى بِالْحُـرُوفِ “جَمِيلُ”هَذَا “الْعَقِيقُ” وَذَاكَ وَادِيهِ الذِي ….. فِيهِ تَغَــزَّلَ “قَيْسُنَا” وَ”جَمِيلُ”هَذِى هِىَ “الزَّرقَا” تَسِيلُ عَلَىَ الثَّرَى ….. يُشْفَى بِمَنْظَرِهَا الْجَمِيلُ عَليلُتَجْرِي إِلى تِلكَ الْعُيُونِ بَدِيعَةً ….. مِنْ دُونِهِــنَّ “فُرَاتُنَا” و”النِّيلُ”وَمشَاهِدُ الْحُسْنِ التِى فِي “طَيْبَةٍ” ….. عَنْ مُقْلَتِيْ لَيْسَ الزَّمانُ تَزُولُيَهْفُوْ لَهَا قَلْبِي عَلَى طُولِ الْمَـدَى ….. إِنِّي بِهَـــا لَمُتَيَّمٌ مَشْـغُول


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 9781

تاريخ النشر: 26/03/2000م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.