خلال ندوة «التكامل بين القضاء والتحكيم» الخليجي بالرياض
د. الملحم: القضاء والتحكيم أهم أداتين لفض المنازعات القضائية بين التجاريين
اليوم – الرياض
د. محمد الملحم
اكد الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم خلال ندوة “التكامل بين القضاء والتحكيم» التي نظمها مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض ان ادوات او وسائل فض المنازعات بين الخصوم عديدة منها المفاوضات المباشرة والمساعي الحميدة او اصلاح ذات البين والوساطة والتوفيق والتحقيق والصلح وتعيين خبير واحد كمحكم والتحكيم والقضاء ويبقى القضاء والتحكيم اهم اداتين او وسيلتين يتم اللجوء اليهما لفض المنازعات ذات الطبيعة القضائية. ولان الحديث عن اوجه التشابه بين القضاء والتحكيم هو موضوع هذه الجلسة لابد من التنويه عن نقاط جوهرية تتناول اوجه الفرق بين القضاء والتحكيم.
وقال ان مصطلح القضاء تعبير عن ظاهرة من ظواهر ثلاث لنظرية سيادة الدولة التي تعني في كل ما تعنيه بصفة شاملة الحفاظ على كرامة الدولة الاقليمية واستقلالها السياسي. والظواهر الثلاث لنظرية السيادة المكونة للدولة الحديثة هي: السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية.
وسيادة الدولة هي صاحبة الكلمة العليا في الشأن القضائي داخل الدولة نفسها، وبمعنى ان كل من يلجأ لقضاء الدولة كأداة لفض المنازعات هو خاضع لمحاكم هذا القضاء بمختلف درجاته وكذا لكافة اجراءاته.
ويعتبر التحكيم قضاء خاصًا وبديلاً عن قضاء الدولة فهو قضاء محايد حينما يستكمل ابنيته ويباشر ممارسة مهام اعماله وهو من حيث الهوية القانونية تعبير عن نظرية سلطان الارادة الحرة لاطراف الخصومة مع التحفظ على هذه النظرية وبما معناه ان لهذا الارادة الحرة الكلمة العليا فيما يتعلق بالتحكيم ورموزه واجراءاته مع التحفظ على الطبيعة الاستثنائية لقواعد منبثقة من اعمال نظرية السيادة يلزم الاخذ بها اذا كان مقر التحكيم داخل اقليم الدولة.
وهكذا مبنى القضاء يختلف عن مبنى التحكيم اي امن مبنى نظرية السيادة يختلف عن مبنى نظرية الارادة الحركة وصاحب الشأن سواء اكان شخصا طبيعيا او شخصا معنويا خاصا او عاما له الخيار في اللجوء الى اي من المرفقين بمعنى ان يختار اختصاص هذا او ذاك مع ملاحظة ان هذا الخيار ليس خيارا حرا مطلقا اذا فيما يتعلق بالتحكيم فالخيار مقيد بنطاق معين محصور وهو ان التحكيم مقصور من حيث النطاق على المسائل التي يجوز فيها الصلح وبمقتضى مفهوم المخالفة لا يجوز التحكيم في المسائل ذات الطابع الشخصي او تلك المتلعقة بحقوق الله سبحانه وتعالى الخالصة او تلك المتعلقة بنظام الدولة العام ولهذا يقال في علم القانون ان الفرد في مجال التقاضي في وضع متساو مع وضع الدولة ذات السيادة والسلطان فكما ان الدولة ملتزمة بتوفير مسرح لمواطنيها تقدم لهم فيه ادوات او وسائل لحل منازعاتهم ويعد ذلك احد مظاهر سلطتها ناهيك عن ان من مسؤولياتها الكبرى توفير محاكم يدير دفتها قضاة مؤهلون وفقا لقواعد واجراءات ثابتة تحدد اختصاصاتها بغرض الوصول الى هدف كلي وهو تحقيق العملية القانونية الخالصة في اقرار العدل وحمايته للكل على حد سواء والمواطن وفقا لهذا المنطلق باعتباره انسان فهو على قدم المساواة مع الدولة اذ له ارادته الحرة الخالصة بحيث في امكانه ان ينشئ قضاءا خاصا له كبديل عن قضاء الدولة وذلك للنظر في المسائل التي تخصه اذا رغب في ذلك والتي تم تحديدها سلفا وهذا القضاء ذو نوعين: قضاء غير مؤسسي لحل منازعات بين الاطراف في حالات خاصة وينتهي هذا القضاء حال حسم تلك الحالات او قضاء مؤسسي ذو طابع دائم منتظم وهو قضاء في امكانه استقبال منازعات اصحاب الشأن وفقا لاجراءات نمطية مستقرة وثابتة هذا مع العلم ان هذا القضاء المؤسسي ليس على نمط معين في ابنيته واجراءاته بل هو ذو اشكال مختلفة تحت مسمى مراكز وطنية واقليمية ودولية ولدرجة ان هذا القضاء المؤسسي ظاهرة منتشرة في الكثير من الدول ذات السيادة والسلطان.
وانهى د.الملحم كلمته بمقولة قانونية تدخل في اطار حقوق المواطن الدستورية مؤداها ان لجوء المواطن الى التحكيم هو اهدار لحقوقه الدستورية التي وفرتها له الدولة من خلال اقامة اجهزة عدل تقر فيها الحقوق وفق موازين عدل سليمة تنعدم فيها قوى الهوى الجامح او قوى الطيش البين ولذا فالتساؤل التي تثيره هذه المقولة: لماذا يلجأ المواطن الى قضاء اخر داخل موطنه كقضاء بديل لقضاء موطنه؟ وهناك مقولة قانونية اخرى ضد المقولة السابقة وعلى النقيض منها مؤداها ان اذن الدولة او ترخيصها لمواطنيها بمقتضى قوانينها باللجوء للتحكيم مؤداه اعتراف بتقصير الدولة في توفير العدل واقامته لهؤلاء المواطنين. وفيما بين المقولتين هناك مقولة قانونية ثالثة مؤداها ان حق المواطن لم ولن يهدر دستوريا من قبله اذ يظل حقه في اللجوء للقضاء باقيا بل ثابتا حتى ولو لجأ للتحكيم ما لم يصدر قرار التحكيم قابل للتنفيذ بصفة نهائية وان ترخيص الدولة له ليس مبعثه تقصير منها في اقامة العدل وانما هو احترام منها لحق المواطن الخالص في الخيار بين القضاء والتحكيم باعتباره من حقوقه الاساسي كانسان.