وتكفي قصيدة واحدة …(3)

ولإبن الوردي مؤلفات في النحو والتصوف وتفسير الأحلام والأدب والفقه الشافعي، وسرد أسماء هذه المؤلفات خير الدين الزركلي. كما سرد بعض أسماء هذه المؤلفات (مع بعض الأختلاف عما أورده الزركلي) صاحب كتاب فوات الوفيات. وفي ديوانه سرد كامل لمعظم أسماء مؤلفاته التي تجاوزت الخمسة عشرة مؤلفا. ومن هذه المؤلفات: نظم البهجة الوردية في ثلاثة وستين وخمسة آلاف بيت. وضوء الدرة على ألفية ابن معطي وشرح الألفية لابن مالك واختصار ألفية ابن مالك والرسائل المهذبة في المسائل الملقبة وقصيدة اللباب في علم الإعراب وشرحها وتذكرة الغريب في النحو وتتمة المختصر في أخبار البشر وأرجوزة في تعبير المنامات وأرجوزة في خواص الأحجار ومنطق الطير في التصوف والمسائل الملقبة في الفرائض والنفحة وهي اختصار ملحة الإعراب وتحرير الخصاصة في تيسير الخلاصة وخريدة العجائب في فريدة الغرائب.واعتبر محقق ديوان ابن الوردي أن الخريدة من مؤلفات ابن الوردي. ولم يشر صاحب كتاب فوات الوفيات إلى كتاب الخريدة عند ذكره لمؤلفات ابن الوردي. وشكك خير الدين الزركلي في نسة الخريدة إلى ابن الوردي.وافتخر ابن الوردي بمؤلفاته. وكانت مناسبة ذلك رسالة وصلته من القاضي الشاعر والأديب صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي الذي طلب في رسالته الحصول على شهادة أي إجازة علمية من ابن الوردي. وضمن الرسالة أبياتا من الشعر منها:
سلام على الحضرة العالية ….. سلام امرىء نفسه عانيةلأن لها رتبة في العلى ….. ذوائبها في السما ساميةأيا عمر الوقت أنت الذي ….. كرامته في الورى ساريهويا بحر علم طما بحره ….. فكم جاءنا عنه من راويةونظمت في مذهب الشافعي ….. كتابا غدا حاويا حاويهوزدت مسائله جملة ….. بتحقيق مذهبه وافيهلئن كنت أرسلت هذا القريض ….. فللبحر قد سقته ساقيه
وفي رسالته إلى القاضي الصفدي عدد ابن الوردي بعضا من مؤلفاته التي افتخر بها. وجرت هذه الإجازة على نمط رسائله وإجازاته التي تعرضت لخصائصا فيما سبق ومنها، على سبيل المثال استعمل المصطلحات النحوية وأسلوب السجع وآيات من القرآن الكريم.وبدأ ابن الوردي إجازته للقاضي الصدفي باصطلاحات نحوية وعبارات مسجوعة كما يلي:أما بعد حمد الله جابر الكسر والصلاة على نبيه محمد البشير النذير وعلى آله الذين أعربت أفعالهم فسكن حب أسمائهم في مسكن الضمير وعلى صحبه الذين وجب رفعهم على إبتداء سلم جمعهم من التكسير فـ إني ألقي إلي كتاب كريم يشتمل بعد باسم الله الرحمن الرحيم، على نظم بهي فائق ونثر شهي رائق غرس لي أصولهخليل جليل فامتد على من فروعه ظل ظليل، قرأته فانتصب له قائما على الحال تميزت به على غيري فطبت نفسا بعد الإعتدال وابتهلت بالدعاء لمهديه مخلصا، ولكن أسأت الأدب إذ وازنت جواهر نظمه بالحصى.ولأن القاضي صلاح الدين أيبك الصفدي قد ضمن رسالته أبياتا شعرية وهي التي ذكرتها أعلاه فقد حبر ابن الوردي في إجازته له أبياتا على نفس الوزن والقافية منها:
سلام على نفسك الزاكية …. وشكرا لهمتك العاليهأزهرا أم أزهر أهديتها ….. لعبد مدامعه جاريهكتاب يفوح شذى نشره …. فلي منه رائحة جائيهفمهديه أفديه من سيد ….. أياديه رائقة كافيهرضي بك عن دهره ساخط …. فلا زلت في عيشة راضيهوإني لفي خجل منك إذ ….. أجبتك في الوزن والقافيهفعفوا وصفحا ولا تنتقد ….. ويا بحر مالك والساقيهليهنك أنك عين الزمان ….. فليت على عينه الواقيه

ومن ثم واصل ابن الوردي بنفس الإجازة قوله:ماذا أصف؟ وبأي عبارة أنتصف في إجازة من إذا كتب طرز بالليل رداء نهاره وإذا نثر بالأنجم الزهر بعض نثاره وإذا نظم لم يقنع من البدر إلا بكباره ولم يرض عن المعاني إلا بتدقيق من بين حجريه الثمينين بل أحجاره إن أعرب فويه على سيبويه وإن نحا فهو الخليل غير مكذوب عليه … لا جرم أنا من بحره الحلو نغترف وبالتقاط جواهره التي ألقاها على مفارق طرق البلاغة نغترف فأطعت إذن أمرك طالبا صفحك وسترك وقلت لعمري لقد بادأتني – أعزك الله – بما كنت أنا به أحرى وكلفتني شططا فتلوت ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا وها قد أجزتك متطفلا عليك وأذنت لك متوسلا إليك أن تروي عني ما يجوز لي روايته وإسماعه ليتصل بك فما اتصل بك أمن انقطاعه من منقول ومعقول وفروع وأصول نثر ونظم أدب وعلم وشرح وتأليف وبسط وتصنيف بشرطه المضبوط وضبطه المشروط.ويقول ابن الوردي في نفس الإجازة أو بالأحرى في رسالته عن مؤلفاته ما يلي:فأما مصنفاتي الشاهدة على بقصور الباع ومؤلفاتي المشيرة إلى بقلة الإطلاع فمنها في الفقه البهجة الوردية في نظم الحاوي وفوائد فقهية منظومة ومنها في النحو شرح الخلاصة الألفية في علم العربية لابن مالك ومنها ضوء الدرة على ألفية ابن معطي وقصيدة اللباب في علم الإعراب وشرحها واختصار ملحمة الإعراب وتذكرة الغريب وشرحها ومنه في الفرائض الوسائل المهذبة في المسائل الل=ملقبة ومنها في الشعريات أبكار الأفكار ومنها غير ذلك تتمة المختصر في أخبار البشر ومنها أرجوزة في علم الأحجار والجواهر ومنها درة الأحلام في تفسير المنام ومنها رسالة منطق الطير نثرا ونظما في أدب صوفي وما لا يحضرني الآن ذكره وكان الأولى بي ستره أجزتك أيدك الله أن تروي عني الجميع بأفضالك ورواية ما أدونه وأجمعه بعد ذلك حسبما اقترحه خاطرك العزيز واستوجبت به مدحي فأنا المادح وأنا المجيز.ولابن الوردي في مجال المفاخرة والمناظرة التي كان استعمالها شائع في عصره مناظرة سماها رسالة السيف والقلم وهي مفاخرة جميلة التزمت منطق الحوار الجاد والمفيد حيث ابان بها كل من القلم والسيف فوائدهما ومنافعهما ودروهما في حياة الإنسان والدول مع محاولة كل منهما إبراز ما يتفوق به على الآخر في الدور الذي يقوم به.وعلى الرغم مما لابن الوردي من مؤلفات فربما ظل مغمورا لولا قصيدته التي سبق أن أوردت أبياتا منها في الحلقة الأولى من هذا البحث وتكفي هذه القصيدة التي جعلته في عداد الشعراء المرموقين. جاء في مطلع هذه القصيدة:
اعتزل ذكر الأغاني والغزل …. وقل الفصل وجانب من هزلودع الذكرى لأيام الصبا …. فلأيام الصبا نجم أفلإن أحلى عيشة قضيتها ….. ذهبت لذاتها والإثم حلواترك الغادة لا تحفل بها ….. تمس في عز رفيع وتجلوافتكر في منتهى حسن الذي ….. أنت تهواه تجد أمرا جللواتق الله فتقوى الله ما ….. جاورت قلب امرىء إلا وصلليس من يقطع طرقا بطلا ….. إنما من يتق الله بطلصدق الشرع ولا تركن إلى ….. رجل يرصد بالليل زحل

ولهذه القصيدة مكانة خاصة في نفسي وقد عودت أبنائي على حفظ بعض من أبياتها.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 7280

تاريخ النشر: 21/05/1993م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.