من ضمن ما ورد “بكتاب الزراعة الحديثة بالمملكة العربية السعودية” مجموعة تقارير كانت تعدها “البعثة الزراعية المصرية” بين الحين والآخر عن منطقتي “الأحساء” و”القطيف”. ولن أتناول من هذه التقارير إلا كل ما له علاقة “بالنخلة” باعتبارها رمز الزراعة. وقبل الحديث عن “النخلة” تلزم الاشارة إلى بعض الأمور التي في ذكرها فائدة لمن لا يعرفون عن عالم الزراعة من أمثالي إلا القليل.أدخلت “البعثة الزراعية المصرية” أصناف تمور المملكة بجميع أنواعها بكمية أوسع إلى المملكة المصرية. وكان هذا في مقابل ما أرسلته الحكومة المصرية من مواد زراعية للملكة مثل الحبوب، والبذور، والخضروات، وأشجار، وموالح، وفواكه. وورد بالكتاب أن “المملكة العربية السعودية” تعتبر الرابعة من بلاد العالم في محصول النخيل ….. وأن بها أصناف جيدة كثيرة تربو على (150) صنفاً من أحسن أصناف التمور في العالم. كما أن الأصناف الممتازة من التمور قد أدخلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق البعثة الزراعية الأمريكية لزراعتها بأمريكا. وكرر المؤلف السيد “بدري محمد حسين” في أكثر من مكان بالكتاب أن أحسن أنواع التمور “بالأحساء” هي “الخلاص”، و”الرزيز”، و”الشيشي”.ونبَّه المؤلف المسؤولين عن الزراعة في المملكة من الإكثار من زراعة “الخلاص”، و”الرزيز”، و”الشيشي” بالجهات المجاورة “لمنطقة الأحساء”. وَعَنَى المؤلف بهذه الجهات “القطيف” و”الدمام” و”الخبر” و”الخرج” مما يعني أن هذه الجهات المذكورة لا تعرف هذه الأصناف من التمور من قبل. كما أفاد المؤلف أن كلا من “البعثة الزراعية المصرية” و”البعثة الزراعية الأمريكية” تقوم من جهتها بالإكثار من زراعة “الخلاص”، و”الرزيز”، و”الشيشي” في الجهات المذكورة. كما ينقل المؤلف من تقرير لأحد أعضاء “البعثة الزراعية المصرية” أن من أسباب اهتمام الحكومة بالزراعة هو رغبتها بانهاض البلاد زراعياً حتى لا يتعرض الأهالي للجوع في وقت الحرب العالمية التي قد لا تصل إليهم بسببها أقوات ومؤن من الخارج فتصبح الحياة عسيرة وأي عسر.وبالكتاب مقارنة بين زراعة الفاكهة بكل من المملكة وبمصر. وبخصوص هذه المقارنة يذكر المؤلف أن نهضة الفاكهة بالمملكة العربية السعودية شبيهة بنهضتها في مصر أيام “إسماعيل باشا” حيث تقدمت زراعة البساتين تقدماً سريعا،ً وأتت أحسن الثمرات. وعزا المؤلف ذلك إلى جهود من أتى بهم “إسماعيل باشا” من مهرة البستانيين الفرنسيين والإيطاليين الذين عملوا على إدخال كثير من الأشجار والفواكه المختلفة وعملوا على توسيعها وتعميمها.وذكر المؤلف معلومة لم أكن أعرفها من قبل [ولعل غيري يعرفها] وهي أنه في عهد “محمد علي باشا” كانت الصين تصدر برتقالاً من نوع خاص إلى “فرنسا”. ولأن بين فرنسا ومصر تواصل ثقافي في العهد الخديوي كان من وسائله تبادل البعثات الثقافية. ومن باب المصادفة كان أحد طلبة البعثة المصرية التي أرسلها “محمد علي باشا” إلى “فرنسا” طالب أسمه “يوسف أفندي” لتعلم الزراعة عناك . أدخل هذا الطالب بعد عودته إلى “مصر”هذا النوع من البرتقال وزرعه بها، فعرف هذا البرتقال باسم هذا الطالب مصر وفي المملكة وسائر البلدان العربية.وذكر المؤلف أن جلالة الملك “عبدالعزيز” أمر بإحضار أستاذ من قسم البساتين المصرية لتعليم أهل “المدينة المنورة” تعبئة التمور في العلب والصناديق بعد تهيئتها لذلك حسب الأصول الفنية حتى أنهم وصلوا إلى حشو التمور قبل التعبئة باللوز (ناتج الطائف). وترتب على هذا قيام جلالة الملك “عبدالعزيز” بتوزيع هدايا كثيرة منها لجلالة الملك “فاروق الأول” ملك مصر، وجلالة الامام “يحيى” ملك اليمن، وغيرهما من الأمراء والضيوف.وانتقد المؤلف ما أَلِفَ عليه الأهالي في خصوص زراعة الأشجار وتجهيز المشاتل حيث وجدهم على غير علم بزراعتها وتجهيزها، إذ في منطقة “القطيف” و”الدمام” و”الأحساء” لا تجد بستاناً قائماً على زراعة فنية، أو مشتل مجهز بأدواته، ومنظم بمغروساته، إنما تجد أشجار النخيل وبداخلها ما يتيسر من زراعته حيثما اتفق من موالح وخوخ ورمان وعنب وتين كل شجرة بمفردها، وكلها داخل أشجار النخيل. وهذه الظاهرة كما شاهدتها بنفسي لا تزال موجودة حتى الآن.ويصف المؤلف “الحديقة” بأنها “كل أرض أحيطت بسور أو حائط أو سياج مانع يحيط بها وأعدت لزراعة الفاكهة أو الخضروات أو الأزهار. كما يتحدث عن نوع الأرض الموافقة للحديقة، وخدمتها، وأساليب الزراعة بها. وتحدث المؤلف بلغة زراعية مبسطة عن “المشتل” من حيث التكوين، وما يزرع به، وكذا عن “البستان” بإسهاب من حيث إنشائه، وشكله، وما يغرس به، وكيفية تسميده، وريه. ولا يتردد المؤلف من انتقاد الأساليب الزراعية المستعملة في مزارع “الأحساء” و”القطيف” و”الدمام”. ففي هذا الخصوص يقول: ومما يؤسف له كما شاهدنا بمزارع “الدمام” و”الأحساء” و”القطيف” الاهتمام بالمحصولات الداخلية وعدم الالتفات للأشجار بتاتا، بل ويستغلون الأرض بمحصولات مجهدة غير ملتفتين لمصلحة الأشجار من جهة الري والخدمة والغذاء الذي تطلبه أشجار الفاكهة. كذلك لا يهتم الزراع بتسميد الأشجار إلا متى بدأت في الإثمار فيضيع الوقت الذي كانت فيه الأشجار في أشد الحاجة لتربيتها وتقويتها، وتصير هزيلة ذات ساق رفيعة لا تقوى على حمل فروع الشجرة بما عليها من ثمار، وتكون معرضة للكسر إذا هبت رياح أو كثر حملها، ولا يعوض ذلك زيادة التسميد في المستقبل لأن المهم هو تقوية الجسم قبل الإثمار ، ويتحمل أصحابها خسائر فادحة كانوا في غنى عنها لو أنهم اهتموا بتربية الأشجار وهي صغيرة.وركز المؤلف على زراعة “الموالح” في “الأحساء” و”القطيف”. وفي هذا الخصوص يقول: الأنواع الجاري زراعتها محلياً “بالمملكة العربية السعودية” تشمل الليمون والبنزهير والترنج والليمون الحلو، وتوجد بعض أشجار معدودة من البرتقال الحلو “بالأحساء” و”القطيف” ولكنها مظللة جداً بأشجار النخيل وهذا يجعلها لا تنتج نتاجاً حسناً وينقطع الاثمار حيث لا تصلها الشمس وقد أرشدنا كثيراً من كبار المزارعين بضرورة إزالتها إذا وصلت إلى هذا الحد.وتضمن الكتاب بحث عام عن الخضروات من حيث تربتها، وتسميدها، وريها، والآفات التي يتعرض لها، وأساليب مقاومتها، كذلك تحدث المؤلف بتوسع عن زراعة كل من العنب البطيخ (الحبحب) والشمام، والقرع، والخيار، والباذنجان، والفلفل، والطماطم، البطاطس، والكرنب، والقرنبيط، والخس، والسلق، والسبانخ، والجزر، والبنجر، والشلغم، والفجل، والملوخية، والباميا، والبطاطا، واللوبيا” والفاصوليا، والبسلة، وبالكتاب تقرير عام عن أملاك الدولة بمنطقة القطيف وكذلك عن أحوال مياهها.
ــــــــــــــــــ
الناشر: جريدة اليوم
– العدد:9809
تاريخ النشر: 23/04/2000م
*رئيس دارة الدكتورآل ملحم للتحكيم والاستشارات القانونية