وإذا كانت “مقصورة بن دريد” ذات أهمية بالغة في علوم اللغة العربية مثل النحو والصرف البلاغة، فإنها في الوقت نفسه ذات أهمية بالغة في الحِكم .والحِكم جزء حيوي لأية لغة، ولا تخلو أية لغة حيوية من الحِكم.والحِكم قنوات اتصال للفهم وإدراك الأمور بين أفراد الأمة.والحِكم معاني مختصرة للغاية في عبارات معبر عنها شعراً أو نثرا. وبالرغم من هذا التميز الذي تعرف به إلاَّ أنها ذات محتويات شمولية كلية لأفكار وتصرفات وحوادث ووقائع لا تعد ولا تحصى. والحِكم مخزن معارف وعلوم وأخبار وحوادث للأمة تتميز بالدقة في الدلالة. إذا استخدمت في مجال مَّا أو مناسبة مَّا، فالمستخدم يعرف تماماً لماذا استخدمها. كما أن المخاطب بها يعرف هو الآخر المراد منها. الحِكم أداة اتصال وتفاهم . قد تستخدم لإيصال معلومة اختصاراً للوقت.وقد تستخدم لجلب منفعة أو دفع مضرة.وقد تستخدم لتنشيط همة أو تهبيط همة.وقد تستخدم للتأسي أو للسلوى أوللتعزية عن خيبة أمل أو للتمني.وقد تستخدم للتذكير بحادثة ماضية أو عابرة أو حالية.و”ابن دريد” شأنه شأن الكثير من الشعراء لم يشذ عن القاعدة. والقاعدة ما تعارف عليه الشعراء في اعتبار استخدام الحِكم بمثابة القواعد الراسية المتينة التي تجعل لشعرهم طعم. وبتعبيرآخر، مفعول الحكم في شعرهم مثل مفعول التوابل في الطعام. و”الدريدية” بيت كبير. وتحتل الحِكم في هذا البيت أفضل أمكنته.ومن هذه الحِكم المصاغة شعراً:ـ
ذكاء بدون حظ لا قيمة له، والعكس صحيح يقول ابن دريد:ـ
لاَ يَنْفَعُ اللُّبُّ بلاَ جَدٍ وَلاَ ….. يَحُطُّكَ الْجَهْلُ إِذَا الْجَدُّ عَلاَ
من لم يعظه دهره لن ينفعه واعظٌ في يومه أو في غده.يقول ابن دريد:ـ
مَنْ لَمْ يَعِظْهُ الدَّهْرُ لَمْ يَنْفَعْهُ مَا ….. رَاحَ بِهِ الْوَاعِظُ يَوْماً أَوْ غَدا
أذل الحرص أعناق الرجاليقول ابن دريد:ـ
مَن مَلَّكَ الْحِرْصَ الْقَيَادَ لَمْ يَزَلْ ….. يَكْرَعُ فيِ مَاءٍ مِنَ الذِّلِّ صَرَى
القناعة كنز لا ينفد.يقول ابن دريد:ـ
مَنْ عَطَفَ النَّفْسَ عَلَى مَكْرُوهِهَا ….. كَانَ الْغِنَى قَرِيِنَهُ حَيْثُ انْتَوَى
الطمع طبعيقول ابن دريد:ـ
مَنْ عَارَضَ الأَطْمَاعَ بِاْليَأْسِ رَنَتْ ….. إلَيْهِ عَيْنُ الْعِزِّ مِنْ حَيْثُ رَنَا
رحم الله امرأً عرف قدر نفسه.يقول ابن دريد:ـ
مَنْ لَمْ يَقِفُ عِنْدَ انْتِهَاءِ قدَرِهِ ….. تَقَاصَرَتْ عَنْهُ فَسِيحَاتُ الْخُطَا
الحزم عزم.يقول ابن دريد:ـ
مَنْ ضّيَعَ الْحَزْمِ جَنَى لِنَفْسِهِ ….. نَدَامَةً أَلْذَعُ مِنْ لَسْعِ الذَّكَا
يقول الرسول عليه السلام:ـ ليس لك من مالك إلاَّ ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت.يقول ابن دريد:ـوَلِلْفَتَى مِنْ مَالِهِ مَا قَدَّمَتْ ….. يَدَاهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لاَ مَا اقْتَنَى
أحسن ما يخلفه الإنسان الذكر الحسن.يقول ابن دريد:ـ
وَإِنَّمَا الْمَرْأُ حَدِيثٌ بَعْدَهُ …. فَكُنْ حَدِيثاً حَسَناً لِمَنْ وَعَى
يوم لك ويوم عليك.يقول ابن دريد:ـ
إِنِّي حَلَبْتُ الدَّهْرَ شَطْرَيْهِ فَقَدْ ….. أَمَرَّ لِي حِيناً وَأَحْيَاناً حَلاَ
آفة العقل الهوى.
وَآفَةُ الْعَقْلِ الْهَوَى فَمَنْ عَلاَ….. عَلَى هَوَاهُ عَقْلُهُ فَقَدْ نَجَا
الكمال لله.يقول ابن دريد:ـ
إِذَا تَصَفَّحْتَ أُمُورَ النَّاسِ لَمْ ….. تُلْفِ أُمْرأً حَازَ الْكَمَالَ فَاكْتَفَى
الصبر مفتاح الفرج.يقول ابن دريد:ـ
عَوِّلْ عَلَى الصَّبْرِ الْجَمِيلِ إِنَّهُ ….. أَمْتَعُ مَا لاَذ بِهِ أُولِي الْحِجَا
الدنيا دواليك يوم لك ويوم عليك.يقول ابن دريد:ـ
فَالدَّهْرُ يَكْبُو بِالْفَتَى وَتَارَةً ….. يُنْهِضُهُ مِنْ عَثْرَةٍ إذَا كَبَا
القضاء والقدر بيد الله.يقول ابن دريد:ـ
قُلْتُ الْقَضَاءُ مَاِلكٌ أَمْرَ الْفْتَىَ ….. مِنْ حَيْثُ لاَ يَدْرِي وَمِنْ حَيْثُ دَرَى
ولابن دريد الكثير من الحكم ومنها قوله:ـ
لاَ بُدَّ أَنْ يَلْقَى امْرُئٌ مَا خَطَّهُ ….. ذُو الْعَرْْشِ مِمَّا هَوَ لاقٍ وَوَحَىلاَ غَرْوَ إِنْ لَجَّ زَمَانُ جَائِرٌ ….. فَاعْتَرَقَ الْعَظْمَ الْمُمِخَّ وَانْتَقَىفَقَدْ تَرَى الُقَاحِلَ مُخْضَراً وَقَـدْ ….. تَلْقَى أَخَا الإِقْتَارَ يَوْماً قَدْ نَمَـا
الناشر: جريدة اليوم
– العدد:10107
تاريخ النشر: 15/02/2001م
رئيس دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستششارات القانونية