وبينما كان الشاعر في الطريق إلى مطار الملك “خالد” أخذه الشوق والحنين إلى الديار المقدسة قبل وصوله إليها، وهو شوق وحنين إلى ديار يشعشع نورها، وتحف بها الأنوار، وترفرف إلى رؤيتها القلوب التي في الصدور: ـ
يَا مَرْحَبَاً بِالْبَيْتِ شَعْشَعَ نُــورُهُ ….. وَزَهَا عَلَى أَرْكَانِــهِ التَّنْزِيلُحَفَّتْ بِهِ الأَنْــوَارُ زَائِدَةَ السَّنَا ….. وَتَأَلَّقَ النُّوَّارُ وَهْـوَ خَضِيلُ طَافَتْ بِهِ الأَجْسَامُ وَهْيَ قَرِيرَةٌ ….. وَسَمَتْ لَهُ الأَرْوَاحُ وَهْيَ خَجُولُوَإِلَيْهِ رَفْرَفَتِ الْقُلُوبُ بِعَيْنِهَا ….. وَالدَّمْعُ مِنْ فَوْقِ الْخُدُودِ يَسِيلُتَسْتَمْطِرُ الرَّحَمَاتِ مِنْ بَارِي الْوَرَى ….. غُفْرَانَــهُ عَـلَّ الإِلَـــهُ يُنِيلُتَرْجُــو مِنَ الرَّحْمَنِ جَلَّ جَلاَلُـهُ ….. غُفْرَانَــهُ عَـلَّ الإِلَـــهُ يُنِيلُفَهُوَ الَّذِي يِمْحُو الذَّنُوبَ بِفَضْلِهِ ….. وَمِنَ الذُّنُوبِ الْمُوبِقَاتِ يُقِيلُفَيَعُودُ جَـْذلاَنَاً بِتَوْبَــةِ ربَـِّهِ ….. وَكَيَانُهُ مـــنْ ذَنْبِهِ مَغْسُوليَا رَبَّنَا يَا مَالِكاً هَــذا الْوَرَى ….. يَا مَنْ عَلَيهِ وَحْدَهُ التَّعْــوِيلإِغْفِـرْ لِضَيْفِكَ قَـدْ أَتَاكَ لِذَنْبِهِـه ….. مُسْتَغْفِراً يَدْعُوكَ وَهْــوَ ذَلِيل
وتوجه الشاعر من مطار الملك “خالد” بمدينة “الرياض” إلى مطار الملك “عبدالعزيز” بمدينة “جدة”، ومن ثم إلى “قصر الضيافة” الذي سيحل فيه فخامة الرئيس “عبده ضيوف”. وعن هذه الأماكن قال الشاعر “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم” الخواطر التالية:ـ
وَمَشَتْ مَواكُبِنَا لِقَصْرِ “ضِيَافِـةٍ” ….. فِي “جِدَةٍ” فِيهِ الْمَقَامُ جَميلُفَإِذاَ الْغَدَاءُ أُعِدَّ مِمَّا نَشْتَهِي، ….. مَشْرُوبُهُ قَدْ طَابَ والْمَأْكُولُوَبِهِ قَضَيْنَا بَعْضَ وَقْتٍ طَيِّــبٍ ….. إِذْ رَاقَ مِنْهُ ظِـــلاَلُهُ وَمَقِيِلحَتَّى إِذَا وَصَلَ الرَّئِيسُ عَشِــيَّةً ….. “عَبْدُو ضُيُوفُ” وَوَفْدُهُ الْمَسْئُولُ وَاسْتَقْبَلَتْـــه ُ”مَرَاسِمٌ مَلَكِيَّةٌ” ….. فِي طَبْعهِا الْخُلُقُ الْكَرِيمُ أَصِيلُإِسْتَقْبَلَتُهُ بِــمَا يَليِقُ حَفَــــاوَةً ….. وَأَجَلُّ مَــا فِــي ذَلِكَ التَّسْهِيلُ
ومن ثم تحرك موكب “الرئيس” بعد استقباله الاستقبال الذي يليق بفخامته من الحكومة إلى “البيت العتيق” والشاعر مع المرافقين. لم يتمالك الشاعر نفسه إذ تحدث عن “طوافه” و”سعيه” في “البيت العتيق قائلاً:ــ
فَلْنَمْشِ فِي رَكْبِ “الرَّئِيسِ” لِنَلْتَقِي ….. بِالطَّائِفِينَ وَإِنَّهُــــمْ لَسُيُولُسِرْنَا إِلَى “الْبَيْتِ الْكَرِيـمِ” يَحُثُّنَا ….. شَوْقٌ إِلَى تِلْكَ الرُّبُوعِ جَزِيـلُإِذْ طُفْتُ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ مُلَبِّياً ….. وَالْقَلْبُ يَذْرِفُ دَمْعَهُ وَيُسِيلُوَرَكَعْتُ مِـنْ خَلْفِ “الْمَقَـامِ” مُصَلِّيَاً ….. وَالْقَلْبُ فِيهِ بِرَبِّــهِ مَوْصُــولُ
وعندما فتح باب “البيت العتيق” وجد الشاعر نفسه في عالم مهيب. يريد أن يتكلم فلا يستطيع. يصعد درجات السلم فلا يحس بخطواته كما لو كان في ملكوت آخر:ـ
يَــا فَرْحَتِي وَالْبَيْتُ يُفْتَحُ بَابُــهُ ….. فَكَأَنَّنِي مِــنْ فَرْحَتِي مَذْهُولُ!أَمْضِي فَـلاَ أَدْرِي أَرِجْلِي تَرْتَقِـي ….. دَرَجَاً أَمِ الرِّجْلُ السَّمَاءَ تَطُولُ!وَدَخَلْتُ فِيهِ أَجْتَلِي مَا أَجْتَلِي ….. مِنْ مَنَظَرٍ فِيهِ تَحَارُ عُقُولُرَوْضٌ تَكَامَلَ حُسْنُهُ وَرُوَاؤُهُ ….. فَوْقَ النُّعُّوتِ جَمَالُهُ الْمَوْصُولُذَهَبَ الْحِجَى فِي لُجِّ بَحْرٍ غَامِـرٍ ….. فِي عَالَمٍ فِيهِ الْقُلُوبُ تَصُـولُتَطْوِي السَّمَواتِ التِي مَا إنْ لَهَا وَأَعُبُّ ….. حَدٌ تَرَاهُ أَعْيُنٌ وَعُقُولُمِنْ فَيْضِ الْمَعَانِـي مَا أَشَا ….. فِي حَانِهَا الْحَانِي تَطِيبُ شَمُولُصَلَّيْتُ فِيهِ وَالصَّلاةُ وَسِيلَتِي ….. صِلَتِي إِذَنْ وَأَنَا بِهِا الْمَوْصُولُإِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا أَتَاهُ ضَيْفُهُ ….. فِي بَيْتِهِ إِنَّ الْقِرىَ مَبْذُولُوَسَعَيْتُ بَيْنَ “الْمَرْوَتَيْنِ” مُهَـرْوِلاً ….. وَأَنَا “لآيِ الْمَرْوَتَــينِ” أَقُولُوَجَعَلْتُ أَشْرَبُ مِنْ مَنَاهِلَ زَمْـزَمٍ ….. كَيْفَ اشْتَهَيْتُ وَذَلِكَ الْمَأْمُـولُوَهُــوَ الشِّفَاءُ لِكُلِّ دَاءٍ جَـاءَنَا ….. عَـنْ “أَحْمَدٍ” صَحَّتْ بِذَاكَ نُقُـولُقَصَّرْتُ منْ شَعْرِي وَتَمَّتْ عُمْرَتِــي ….. وَرَجَايَ مِـنْ رَبَّـــي الْغَفُورِ قُبُولُ
وبعد أن أكمل الشاعر “عمرته” أخذ يلتقط أنفاسه مستعيداً مشاعره نحوها، ومستلهماً ذكريات تاريخية لدين الحنفية السمحاء، دين الخليل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وهما يرفعان قواعد البيت العتيق: حول هذه الأحوال النبيلة والذكريات المبهجة قال:ـ
يَا “عُمْرَةً” فِي الْعُمْرَ لَمْ أَرَ مِثْلَهَـا ….. حُلْمُ الْكَرَىَ ذَاكَ الْجَمِيلُ أَقُـولُطَابَ الْمُقَامُ عَلَى “مَقَامٍ” أَشْـرَقَتْ ….. أَنْوَارُهُ إِذْ قَامَ فِيهِ “خَلِيــلُ”يُعْلِي الْقَوَاعِدَ وَالذَّبِيحُ “مُسَاعِدٌ” ….. وِفْقَاً لِمَا قَدْ أَخْبَرَ التَّنْزِيلُيَدْعُوْ وَ”اسْمَاعِيلُ” رَبَّهُمَا مَعَاً فَيُجِيبُ ….. وَالْقَلْبُ يَخْفِقُ وَالدُّمُوعُ تَسِيلُمَوْلاَنَا الرَّحِيمُ دُعَاهُمَا ….. فَإِذَا الْحَجِيجُ أَتَتْهُ وَهْيَ سُيُولُمُتَضَرِّعِينَ لِرَبِّهِم ســبْحَانَهُ ….. مُتَبَتِّلِينَ هَنَاهُمُ التَّبْتِيلُشُكْراً لَكَ اللَّهُمَّ إِذْ نَادَيْتَنَا ….. لِزِيَارَةِ “الْبَيْتِ” الْكَرِيمِ تُنِيلُوَاكُتبْ لَنَا الرَّجْعَى لبِيْتِكَ خَالِقِي ….. وَافْسِحْ لَنَا فِي الْعُمْرِ حَيْثُ يَطُولُ لِنَؤُمَّ بَيْتَكَ يَا إِلَهِــي مَــرَّةً ….. فِـي إِثْــرِ مَـرَّةِ حاَلُنَا مَشْمُولُ
الناشر: جريدة اليوم
– العدد: 9774
تاريخ النشر: 19/03/2000م