يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، ويقول سبحانه وتعالى (وأتموا الحج والعمرة لله). ومن مقتضى الآيتين الكريمتين وجوب إداء الحج والعمرة مرة واحدة في العمر إذا توفرت شروطها في من تجب عليه. وَحَجَّ وَاعْتَمَرَ صاحب الرحلة المقدسة العطرة أكثر من مرة. وكانت تراوده أمنية عزيزة إلى نفسه يتوق إلى تحقيقها في “العمرة” لا في “الحج” وذلك إدراكاً منه أنها في “الحج” مستحيلة التحقيق. وكان يدعو الله سبحانه وتعالي أن يحقق له هذه الأمنية. وهي الصلاة داخل “الكعبة المشرفة” بمكـة المكرمة، ومن ثم الصلاة “بروضة الجنة” بالمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، ومن ثم السلام علــى رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل “الحجرة الشريفة”.وتصادف ذات مرة أن حدَّثته بأنني قد شرَّفني الله وتكرَّم عليَّ بالصلاة في داخل “الكعبة المشرفة” وكذا في “الروضة الشريفة” فطلب مني لو أمكنني تمكينه من الصلاة في المكانين الطاهرين، وكذا السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل “الحجرة الشريفة” إذا سنحت لي الفرصة، فوعدته إن استطعت إلى ذلك سبيلا. وشاء الله سبحانه وتعالى أن تتحقق أمنية هذا الرجل الصالح على يدي [قبل وفاته بسنتين] وكان ذلك في جمادى الأولى من عام 1406هـ.وبدون توقع أو طلب مني فوجئتُ ذات صباح بصدور “الأمر الملكي” بأن أكون “الوزير” المرافق لفخامة الرئيس “عبده ضيوف” رئيس “جمهورية السنغال” الذي سيحل ضيفاً على المملكة العربية السعودية”، وكان الضيف وقتها رئيساً لمنظمة المؤتمر الاسلامي. وتضمن الأمر الموافقة أن يفتح لفخامته باب “الكعبة المشرفة” ليصلي بداخلها، وأن يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم داخل “الحجرة الشريفة”..لقد سررتُ بهذا التكليف غاية السرور، ولم يكن أول تكليف لي في مثل هذه المناسبة. وكان من دواعي هذا السرور هو أنني سوف أَحْظَى بالصلاة داخل “الكعبة” وفي “الروضة” والسلام على رسول الله وصاحبَيْهِ داخل “الحجرة الشريفة”. كذلك أنني سأفي بوعد قطعته على نفسي “لابن عمي” الشاعر الشيخ “محمد بن عبدالله ين حمد آل ملحم” الذى، كما سبق القول، تمنى علي أن أحقق له هذه الأمنية الغالية في حياته.هاتفته في الحال من مدينة “الرياض” وهو في “الأحساء” مخبره أن أمنيته ستتحقق بمشيئة الله، وأن عليه أن يستعد لبدء الرحلة والقدوم إلى مدينة “الرياض” لمقابلتي، ومن ثم التوجه معي إلى مطار الملك “خالد بن عبدالعزيز” يرحمه الله، فكان في غاية السرور لسماعه هذا الخبر السار المبهج.وفوجئت، بعد أن وفقه الله إلى تحقيق أمنيته، بقصيدة حبَّرها ذات طابع قصصي، وفيها طرافة، وبلاغة، وتاريخ، وذكر عطر للمشاعر المقدسة في كل من “مكة المكرمة” و”المدينة المنورة”. وفي هذه القصيدة [التي تنشر لأول مرة] تناول الشاعر سَيْرَ رحلته منذ أن بدأها بمدينة “الهفوف” حاضرة محافظة “الأحساء” وحتى مغادرته للأراضي الحجازية آيباً إلى مسقط رأسه.. وشملني ـ يرحمه الله ـ بأبيات شعر عبَّر فيها عـن امتنانه لوفائـي بما وعدتُه بــه. وسأذكرها في مكانها المناسب.ولا أعلم متى حبر “ابن عمي” هذه القصيدة، هل كان ذلك أثناء الرحلة، أو في نهايتها، أو بعد عودته إلى “الأحساء”؟وفي بدايــة القصيدة التي وَسَمَهَا “بالرحلة المقدسة” والتي تتكون أكثر مـن مائةوخمسين (150) بيتاً ما يدل على أنه قد بدأ في تحبيرها حال سماعه بخبر بدء هذه الرحلة، ومن أنه سيكون ضمن الرفاق فيها. بدأ القصيدة بأربعة بأبيات جامعة مانعة عبر فيها عن أشواق تداعب خياله وآمال ستتحقق له في هذه الرحلة، وكيف لا؟ وقد تحقق له المطلوب والمأمول. وهذه الأبيات الأربعة آية في الجمال والجلال:ــ
شَوْقِي إِلَى تِلْكَ الرَّبُـوعِ يَطُولُ ….. أَنَّى بِـهَا أَحْظَى وَكَيْفَ وُصُولُ!هَبَّتْ عَلَى جَدِّيْ نُسَيْمَاتُ الرِّضَا ….. فَتَحَقَّقَ الْمَطْلُوبُ وَالْمَأْمُـولُلَبَّىَ فُـؤَادِي عِنْدَمَا نَادَى الْهَوَى ….. سَيِّر حُمُولَكَ أَيُّـهَا الْمَوْصُولُقَرُبِ الْوِصَالُ وَحَـانَ أُبَّانُ اللِّقَا ….. مِمَّنْ تُحِــبُّ وَجَاءَكَ التَّنْوِيلُ
ومن “الأحساء” مسقط رأسه شدَّ الرحال في همة وعزيمة وهو لا يصدق قائلاً:ـ
فَشَدَدْتُ رَحْلِي فِي الرِّفَاقِِ مُسَارِعَاً ….. وَالشَّـوْقُ رَكْبِي وَالْغَرَامُ دَلِيلُمِنْ بَعْدِ مَا وَدَّعْتُ وَاحَاتِ” الْحَسَا” ….. وَمُرُوجَهَا الْفَيْحَاءَ وَهْـيَ تَمِيلُوَمَطَارُ “خَالِدَ” يَزْدَهِي مِـنْ فَرْحَةٍ ….. يَهْفُوْ “لِجـِدَّةَ” قَلْبُــهُ مَتْبُولُ
الناشر: جريدة اليوم
– العدد: 9760
تاريخ النشر: 05/03/2000م