(1) ضربة معلم بقلم معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آلملحم
مضى على صداقتنا أكثر من ستة وثلاثين عامًا.تعرَّف بعضنا على بعضٍ بمدينة الرياض في صيف عام 1378هـ.كان رفيق الدرب وقتها طالبًا في المرحلة النهائية بالمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة في عام 1378هـ.وكنت وقتها طالبًا في المرحلة النهائية بمدرسة الرياض الثانوية حينما كان مقرها بيت “ابن جبر” بحي “شلقة” في عام 1378هـ.قرَّرت الحكومة في ذلك العام، بعد نجاحنا، أن نواصل الدراسة بمصر، فاتفقنا على السفر سويةً.وفي مصر التحق صاحبي بقسم الصحافة بكلية الآداب ـ جامعة القاهرة، أمَّا أنا فقد التحقتُ بكلية الحقوق في الجامعة نفسها.وقرَّرنا أن نسكن معًا.وكانت رغبتنا الجامحة أن نسكن بالقرب من الجامعة، وأن نذهب اليها مشيًا على الأقدام. وبصعوبةٍ بالغة تحقق أملنا حيث وجدنا السكن المريح في شقة “بشارع الخطيب” بحي “الدقي” في ا”لجيزة”.وكما هو معروفٌ، تحتاج الدراسة في الغربة إلى استقرار نفسي، وإلى رفيق درب تشاطره ويشاطرك أحوال المسرة والألم.كنا نتفق وكنا نختلف، وهذه ظاهرةٌ صحية، وكان من شأن اتفاقنا على بعض الأمور، واختلافنا على أمور أخرى تقوية أواصر الصداقة بيننا.لعب الاستقرار النفسي، والرفقة القائمة على التفاهم والمحبة والتسامح دورًا هامًا في نجاحنا الدراسي.كان صاحبي هاويًا للصحافة متعلقًا بها، كانت في روحه ودمه حتى قبل أن يلتحق “بقسم الصحافة”، وحينما كان طالبًا في القسم كان يراسل بعض صحفنا السعودية من “القاهرة” لغاية نبيلة في نفسه تمكَّن من تحقيقها بسهولة، وكنت أتصور أن ما يرغب تحقيقه، عن طريق مهنة المتاعب، معجزة في حد ذاتها، وهي غاية نجح في الوصول اليها، وحينما أمسك بناصيتها وجد فيها خيرا وبركة.كان رفيقي يحدد وقت المذاكرة، كما يعرف وقت الراحة.وكان صاحب رأي،وكان يحاور، ولكن في أناةٍ، وصبرٍ، وبأدبٍ جم.وكان يستمع للرأي الآخر، وحتى إن لم يقبله فهو يحترمه.وكان مرنًا.وكان يتصرف دونما هوى جامح أو طيش بين.وهو خجول، ويطاطيء الرأس إذا سمع ما يكرهه…….وعدنا إلى الرياض، ومن ثم افترقنا إلى حين…….التحقتُ بكلية التجارة، جامعة الملك سعود معيدًا بقسم القانون بها. والتحق زميلي بوزارة العمل والشئون الاجتماعية، وابتعث من قبل وزارته إلى أمريكا للدراسة العالية حيث حصل من هناك على شهادتي الماجستير والدكتوراة في حقل “العلاقات العامة”، وهو حقلٌ تشكل الصحافة، أو على الأصح “الإعلام”، خلفيته الأساسية. ومكث بوزارة العمل والشئون الاجتماعية فترةً قصيرةً انتقل بعدها إلى جامعة الملك سعود أستاذا مساعدًا “بكلية التربية”. وفي فترة قصيرة تدرج في مناصب مختلفة بالجامعة كان آخرها وكيلاً بالجامعة حيث بقي بالوكالة لمدة اثني عشر عامًا، (أي من عام 1396هـ إلى عام 1408هـ)، وهي مدة قياسية بالنسبة لقرنائه في جامعته أو الجامعات الأخرى لأنه جدِّد له من قبل مجلس الوزراء في وكالة الجامعة أربع مرات. كما كان وحتى الآن رئيسا للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية.وحينما كان بالجامعة لم يتخل عن محبوبته “الصحافة”.كان يكتب بين الحين والآخر.وكان ما يكتبه مقروءًا.تميَّز قلمه بالرشاقة، خفيف الظل، يتجنب التعقيدات، يخاطب أصحاب العقول المختلفة، يقود القارئ معه إلى حيث يرغب هو بسهولة.وللمربي علي أمين، وهو أحد أساتذته، تأثيرٌ بالغ عليه.صدر له كتاب في حقل العلاقات العامة تحت عنوان “أسس العلاقات العامة وتطبيقاتها”،وفي جريدة “اليوم” الغرَّاء قوَّمت هذا الكتاب، وكان من مرئياتي عنه ما يلي:”كتاب “أسس العلاقات العامة وتطبيقاتها” مهمٌ في خصوص الموضوع الذي تطرق له، وخرجتُ من مطالعتي للكتاب بثلاثة أفكار أساسية..تتعلق الفكرة الأولى بالنهج الذي سلكه المؤلف في عرض عملية العلاقات العامة من الناحية التاريخية والعلمية.وتتعلق الفكرة الثانية بمحاولات المؤلف الناجحة في بلورة معالم ما يمكن أن يسمى بعملية العلاقات العامة من منظار إسلامي.وتتعلق الفكرة الثالثة بحيوية العلاقات العامة وقدرتها على استيعاب كل جديد.وأشبع المؤلف الفكرة الأولى بحثًا وتدقيقًا .. وهذا ليس بمستغرب عليه لتمكنه من عملية العرض والطرح من الناحية العلمية . واكتسبَ المؤلف هذه المهارة من خلال ممارسته للعملية الصحفية منذ كان طالبًا بقسم الصحافة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وكذلك بعد تخرجه منها. ولمسات هذه الممارسة جلية في أسلوبه الشيق، وهو الأسلوب الذي استخدمه في تأليف “أسس العلاقات العامة وتطبيقاتها”.والكتاب معد أساسًا لطلاب العلاقات العامة بالجامعة. ولهذا الغرض العلمي استخدم المؤلف في طرح أفكاره أسلوب العرض الموضوعي دون أن يفرض على الطالب توجهات معينة ذات طابع شخصي، أي أن المؤلف اعتمد تقديم أفكاره عن الموضوع الذي يعالجه بكل أمانةٍ وتجردٍ تاركًا له ـ أي للطالب ـ وعن عمد، حرية التفكير، وتكوين الرأي الملائم. وهذا نهج طيب تقتضيه الحرية الأكاديمية، والأمثلة المعبرة عن هذا الأسلوب المحايد ملموسة في أكثر من فصل من فصول الكتاب.ومنذ أيام استقبلتُ، وبارتياح عظيم وسعادة بالغة، نبا تعيين زميل الدراسة، ورفيق الدرب، القوي، الأمين، الدكتور حمود بن عبدالعزيز بن عبدالمحسن البدر أمينًا عامًا لمجلس الشورى. ولم يكن الخبر مفاجأةً لي لما أعرفه عن كفاءة هذا الرجل.النبأ الذي سمعته كان “ضربة معلم”، ويعرف هذا المعلم، وفق الله خطاه، لمن يعطي القوس.وليس لديَّ لأختتم هذه الكلمات أفضل مما تحدث به أبو بدر نفسه لجريدة “الرياض” الغراء عن شعوره لما عَلِمَ هو الآخر بنبأ اختياره، وهو حديث مختصر، ومعبر، وشامل.يقول معالي أمين عام مجلس الشورى:”لقد شرَّفني خادم الحرمين الشريفين بهذه المهمة وهو بذلك يتوقع مني أن أكون أمينًا في عملي، أمينًا في تعاملي، أمينًا على ما عهد به إليَّ، ومن ثم إنني وجل أن لا أكون كذلك، لكن ثقتي بالله، ثم ثقتي بدعم رؤسائي الذين سأعمل معهم بتوجيه من قائد المسيرة سيجعل النجاح في متناول اليد بإذن الله. إن التجربة جديدة فيما يتوقع منها، فهي مهمة لها طعم ولون يختلفان عما يمارسه الآخرون، إذ أن لنا ظروفنَا الخاصة وعادات وتقاليد أصيلة مستمدة في مجملها من ديننا الإسلامي، ومن ثم فان الأمر يتطلب الدأب للوصول إلى التوقعات.ليس الأمر سهلاً عندما يوضع الإنسان في المحك، إذ أن التنظير في الرخاء يختلف عن الممارسة الفعلية، وهذا ما يجعلني أحسب ألف حساب لهذا التكليف الذي أعتز به، بل أنه تشريف لي أن يظن بي هذا الظن الحسن مما يضاعف الإحساس بالمسئولية.”
المصدر: صحيفة الرياض، العدد رقم 9197، ص/5، وتاريخ 12/3/1414هـ الموافق 29/8/1993م.
ضربة معلم(1)
الناشر: جريدة الرياض
– العدد:9197
تاريخ النشر: 29/08/1993م