كنت، ولا أزال، أبحث عن الجديد في عالم الكتب عن أحوال الأحساء. ووقع في يدي كتاب عنوانه “منطقة الأحساء عبر أطوار التاريخ” لصاحبه الأستاذ خالد بن جابر الغريب. وشرعت في قراءة الكتاب على فترات متقطعة. وكانت قراءة تأملية فرضت علي أن أكون رأيا عنه. وكانت خلاصة هذا الرأي هو أن هذا الكتاب يمثل إضافة جديدة ذات دلالة علمية عن تاريخ منطقة من أهم مناطق المملكة العربية السعودية أضحى تاريخها، مثل تاريخ مناطق أخرى بالمملكة، في طي النسيان.ولا أعرف مؤلف الكتاب البتة. وكما ذكر المؤلف في كتابه عن نفسه من أن تعليمه محدود لا يتجاوز المستوى الابتدائي، وأنه موظف ببلدية الأحساء، وإمام مسجد “الصابر” بحي الرفعة الوسطى بمدينة الهفوف. ومن خلال قراءتي لكتابه تبين لي أنه واسع الاطلاع وذو ثقافة عامة.وكتاب الغريب مهم باعتباره مرجعا وثائقيا. وسيكون له شأن بعد مراجعته من قبل المؤلف مرة أخرى، وإدخال ما يلزم من أمور عليه مما تقتضيه عملية التأليف المعتبرة، وهي أمور سأشير إلى بعضها أدناه.والمنهج الذي اتبعه مؤلف الكتاب هو منهج المراجع العلمية ذات الطابع الجامعي التي تضع المادة العلمية كما هي دون تحليل أو تعليق. والهدف من ذلك إعطاء الحرية التامة للقارئ لكي يكون رأيه. ويذكرني هذا النهج الذي اتبعه الأستاذ الغريب بنهج السيد هربرت دبليو. برجز Herbert W. Briggs مؤلف أهم كتاب أمريكي في القانون الدولي العام التقليدي. وأعني به كتاب “قانون الأمم” The Law Of Nations والكتاب الأمريكي مرجع وثائقي بالولايات المتحدة الأمريكية أن يتخرج من مدرسة قانون أمريكية دون أن يدرس هذا الكتاب، أو لا يعلم عنه، أو على الأقل، دون أن يقتنيه في مكتبته الخاصة.كتاب “قانون الأمم” مشابه تماما لكتاب “منطقة الأحساء عبر أطوار التاريخ” وذلك من حيث النهج والشكل مع فارق هام وكبير بين الكتابين. التزم مؤلف كتاب “قانون الأمم” بأصول التأليف، وهي أصول تحميها قوانين أمريكية صارمة. أما مؤلف كتاب “منطقة الأحساء عبر أطوار التاريخ” فلم يلتزم بذلك. وليس الغريب هو المؤلف الوحيد الذي لم يلتزم باتباع هذه الأصول في منطقتنا العربية.ولقد شعرت براحة تامة بعد الانتهاء من قراءة كتاب الغريب، ووفر المؤلف لي وقتا وجهدا حيث وجدت فيه معلومات عن موضوعات كنت أرغب البحث عنها في أكثر من كتاب.إن كتاب “منطقة الأحساء عبر أطوار التاريخ” مفيد، وقيم، وهذه هي الأسباب:في إمكان هذا الكتاب أن يوفر الوقت والجهد لمن يرغب أن يبحث عن أية معلومة عن الأحساء في حدود المعلومات التي احتوى الكتاب عليها.ورغم ما ينقله المؤلف من الكتب الأخرى كحاطب ليل لصالح نفس المعلومة إلا أنه كان يدلي برايه أحيانا حول نفس المعلومة تحت رمز: وللمؤلف كذا وكذا.ومسلك المؤلف في هذا الكتاب مسلك يتصف بأمانة النقل. وأمانة النقل أهم الأدوات المعينة لطالب العلم والمعرفة. ولكنها أمانة كانت بحاجة إلى اجراء شكلي ذا أهمية في مجال حقوق الطبع والنشر. ويحتوي الكتاب على ثقافة عامة، وتاريخ، وجغرافيا، ومعجم مفردات.وبالكتاب معلومات جديدة مزينة بصور فوتوغرافية تنشر لأول مرة، وحصل المؤلف عليها بحكم عمله ببلدية الأحساء.ولي على الكتاب ملاحظات من الصعب التغاضي عنها. والتنويه عن هذه الملاحظات هي لصالح المؤلف أولا، ومن ثم الكتاب ثانيا، ومن ثم الباحث ثالثا. ومن أهم هذه الملاحظات:أولا: عدم التزام المؤلف، بعض الأحيان، بما يسمى في عالم التأليف بحقوق الطبع التابعة للمؤلفين أو الناشرين المعاصرين حيث في أكثر من موقع أغفل المؤلف الإشارة عما إذا كان قد حصل على إذن من صاحب المصدر بالنقل من المصدر أم لا؟ لاسيما وأن النقل كان على نحو متكرر وملفت للنظر. ووفقا لقواعد التأليف المتعارف عليها قانونا يعتبر الحصول على إذن مسبق بالنقل من المصدر من صاحب المصدر أو ورثته في حدود زمنية معينة فيه تشجيع للمؤلف إذا كان على قيد الحياة أو تكريم لورثة المؤلف إذا كان قد توفاه الله.ثانيا: لم يقم المؤلف، فيما يبدو لي، بمراجعة الكتاب مراجعة نهائية بل تقديمه للطبع حيث توجد به معلومات “مكررة” أو غير “محققة” عن موضوعات معينة وردت في أكثر من صفحة، وبالأخص في الأجزاء الأولى من الكتاب والمتعلقة بتاريخ الأحساء في العهدين: الجاهلي والاسلامي.ورغم ذه الملاحظات يظل هذا الكتاب (بجانب كتب أخرى) للباحثين من أهم الكتب التي تم تأليفها عن منطقة الأحساء. وسيظل هذا الكتاب هاما في المستقبل عندما يقوم مؤلفه بمراجعته لإعادة طباعته آخذا في الاعتبار ما أوردته من ملاحظات، وما قد يكون غيري قد أورده من ملاحظات لم أطلع عليها.والمؤلف مغامر وقد نجح فيما فعله، كما أنه، أي المؤلف، محب للعلم والكتاب ثمرة من ثمار هذا العلم.ولقد أعجبت كثيرا بما ورد بمقدمة الكتاب من أفكار، وكذلك بالملاحظات التي اختتم بها المؤلف كتابه. وكلاهما ينم عن تواضع جم.ورد بالمقدمة عبارات منها:هذه الصفحات التي أقدمها إلى القراء الكرام راجيا من الله عز وجل أن تكون صفحات نافعات، ولم أبتكرها ابتكارا، ولم ابتدعها ابتداعا، إنما هي ضوء مقتبس اقتباس انقطاعي إلى المطالعات والدراسات المتتاليات في كتب الأوائل والأواخر من العلماء والأدباء.وأورد الأستاذ الغريب ملاحظات اختتم بها كتابه:منها أن كل ما قام به المؤلف هو جمع ما تيسر له من الأبحاث والنصوص التاريخية والجغرافية عن منطقة الأحساء.ومنها أن كل ما استهدفه المؤلف من تأليف هذا الكتاب هو خدمة مسقط رأسه الأحساء. وقد دلل على حبه لوطنه بأبيات جميلة منها البيت التالي الذي لم أسمع عنه من قبل، كما أن المؤلف لم يذكر اسم قائله:بلادي وإن جارت علي عزيزة ……. ولو أنني أعرى بها وأجوع
والبيت الذي أحفظه، وقد أورده المؤلف مستبدلا، في شطره الثاني، عبارة “ضنوا” بعبارة “شحوا”، ويقرأ كالتالي:
بلادي وإن جارت علي عزيزة ……. وأهلي وإن شحوا علي كرام
وذكر المؤلف بيتا آخر ولكنه لم يذكر اسم قائله. والبيت هو:
وما المرأ إلا حيث يقضي حياته ……. لنفع بلاد قد تربى بخيرها
ومنها (أي من هذه الملاحظات) استشهاد المؤلف بما قاله العماد الأصفهاني، وهو استشهاد في محله. يقول الأصفهاني:
إني رأيت أنه لا يكتب انسان كتابا في يومه إلا وقال في غده:لو غير هذا لكان أحسن.ولو زيد كذا لكان يستحسن.ولو قدم هذا لكان أفضل.ولو ترك هذا لكان أجمل.وهذا من أعظم العبر.
وما دام المؤلف قد استشهد بهذا القول فأنا متأكد أنه سوف يعمل به عند اعادة طبع كتابه
الناشر: جريدة اليوم
– العدد: 7116
تاريخ النشر: 08/12/1992م