من أوراقي المبعثرة الرد على مهيار 3 ـ 3بقلم معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم*
وكان “مهيار” يتفاخرُ وينافحُ في قصيدته عن قوميته، ولكن هذه المنافحة والتفاخر من أجل ماذا؟ هل هو من أجل قوميةٍ بائدةٍ مجردةٍ من القيم والأخلاق الإسلامية؟ لماذا لا يكون التفاخر بالدين الجديد الذي جاء به القرآن الكريم، وهو الدين الذي يدعو إلى نبذ شركيات الماضي، والتمسك بالأخوة الإسلامية، وبالتقوى والدعوة إلى الله. هل يلزم تذكِير “مهيار” بزلزال “الإسلام” الذي اجتثَّ “إيوان كسرى” من جذوره، وهو يعلمه علم اليقين؟ هل يلزم تذكِير “مهيار” بعقيدة التوحيد التي قضت على كل ألوان الشرك وعبادة الأوثان والطغيان ، وجمعت منسوبي الإسلام في نسبٍ واحدٍ مهما اختلفت جنسياتهم وقومياتهم، وتبلور هذا النسب في قيام أمة واحدة تلتوي بلواء “الإسلام”، وتتفيَّأُ في ظلاله عير القرون في محبةٍ وأخوةٍ لا نظير لهما.يقول الشاعر:ـ
لَيْسَ يَا “مِهْيَارُ” فَخْرًا لِلْفَتَى ….. فِي مَيَادِينِ الْعُلَى وَالرُّتَبِ غَيْرَ تَقْوَى اللهِ بُرْهَانُ الرِّضَى ….. وَدَلِيلُ النُّجْحِ فِي الْمَطْلَبِوَالْفَخَارُ الْحَقُّ بِالدِّينِ الذِي ….. يُوصِلُ الْمَرْءَ لِمَا لَمْ يِخّرُبِ أَيْنَ “كِسْرَاكُمُ” عَلَى إَيوَانِهِ ….. وَبِسَاطٌ نَسْجُهُ مِنْ ذَهَبِ وَكُنُوزِ الدُّرِّ فِي بَهْجَتِهَا ….. تَبْهَرُ الْعَيْنَ بِمَرْأًى عَجَبِ وَسَنَاءُ التَّاجِ فِي رَوْعَتِهِ ….. سَاطِعًا مِثْلَ سَنَاءِ اللَّهَبِمَزَّقَّ اللهُ “بِسَعْدٍ” مُلْكَهُ ….. وَبِجَيْشِ الْمُتَّقِينِ النُّجُبِ وَكَذَا الْعُقْبَى لأَرْبَابِ التُّقَى ….. فَالْتَزِمْهَا تَظْفَــرَنْ بِالْغَلَبِ
ويختم الشاعر “آل ملحم” قصيدتَه موجهًا النُّصح “لمهيار” [ومهيار ميت] ولكن النصح، في حقيقة الأمر، موجةٌ إلى كل من سَيَسْرِ على شاكلة “مهيار”: بأن الإسلام ينبذ العصب الأعمى، والتفاخر بالقوميات المجردة من أخلاقيات الإسلام وتسامحه. كما يذكِّر الشاعر بأخلاق الإسلام النبيلة التي جمعت ولم تفرق دونما نظر لعنصرٍ أو جنسٍ ما دام الكل يدين بدين الإسلام. وهو الدين الذي يدعو لعبادة إلهٍ واحد، والتمسك بكتابٍ واحد، والتوجه إلى قبلةٍ واحدة، والإيمان برسل خاتمهم “محمد” صلى الله عليه وعليهم وسلم. يقول الشاعر:ـ
لاَ تُثِرْهَا نَعْرَةً بَالِيَةً ….. دَرَسَتْ آثَارُهَا فِي التُّرَبِ وَلْنِدَعْهَا إِنَّهَا مُنْتِنَةٌ ….. قَدْ نَهَى عَنْهَا الْفَتَى “الْمُطَّلِبي” إِنَّنَا بِالدِّينِ صِرْنا إِخْوَةٌ ….. وَكَفَانَا دِينُنَا مِنْ نَسَبِ عَزَّنَا اللهُ بِهِ أَجْمَعََُا ….. وَتَسَاوَيْنَا بِهِ فِي الْحَسَبِ فَإِذَا “سَلْمَانُ” مِنْ بَيْتِ “النَّبِي ….. وَ”صَهَيْبٌ” وَ”بِلاَلٌ” “يَثْرُبِي” أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ أُمَّتُنَا ….. وَ”إِلَهٌ” وَاحِدٌ ثُمَّ “نَبِي” قُبْلَةٌ وَاحِدَةٌ قُبْلَتُنَا ….. ثَمَّ ذِكْرٌ وَاحِدٌ فَلْنُجِبِ: دَعْـوَةُ الْحَـقِّ إِذَا نُودِي بِهَا ….. وَلْنُجِدَّ السَّيْرَ فَـي الْمُطَّلَبِ
وَوَرَدَ تساؤلُ في “دراسة” أدبية تناولت قصيدة “أُعْجِبَتْ ِبي” فحواها عمَّا إذا كان “مهيار” قد أخلص للإسلام؟ فكان الجواب نعم. ذلك أن ديوانه قد تحدَّث بصفةٍ خاصةٍ عن حبه العميق للأهل البيت، ثم إن شعره يوضح اعتقاده الحار في الإسلام عن اقتناع، ورغبته بأن يدخل قومه في الإسلام، وكان الدليل ذلك تحبيره الأبيات التالية:ـ
وَبَلِّغْ أَخَا صُحْبَتِي عَنْ أَخِيكَ ….. عَشِيرَتَهُ نَائِيًا أَوْ قَرِيبَاتَبَدَّلْتُ مِنْ نَارِكُمْ رَبَّهَا ….. وَخُبْثَ مَوَاقِدِهَا الْخُلَدُ طِيبَا نَصَحْتُكُمُ لَوْ وَجَدْتُ الْمُصِيخُ ….. وَنَادَيْتُكُم لَوْ دَعَوْتُ الْمُجِيبَا أَفِيقُوا فَقَدْ وَعَدَ اللهُ فِي ….. ضَلاَلَةِ مِثْلِكُمُ أَنْ يَتُوبَا وَإِلاَّ هَلِــمُّوا أُبَاهِيكُــمُ ….. فَمَنْ قَامَ وَالْفَخْرُ قَامَ الْمُصِيبَا
وفي مقدمة “دراسة” أخرى عن شعره “مهيار” ورد ما يلي:ـ وشعر “مهيار” في محتواه يمثِّل ظاهرةً خاصةً في كونه صورة ناضجة لقصيدة التشيع، وتطورها في تاريخها الطويل، ولقصيدة الشعوبية في آخر مراحلها في العصر العباسي. وهو بعد ذلك النموذج الواضح للتلمذة الشعرية وتطورها في الشعر العربي.وبمقدمة الدراسة نفسها تقويم موضوعي “لمهيار” من حيث معتقده، تقول الدراسة”:ـولم يقدر لشاعر أن تتضارب حوله الآراء كما قدر “لمهيار الديلمي”، فقد ظلت أصابيع الاتِّهام تشير إليه مثيرةً الشكوك حول إسلامه وتشيعه، كما أشير إليه بالبنان من قبل آخرين وجدوا فيه مثالاً صادقاً للإيمان والثبات على الدين والمذهب. ولم يقف هذا التناقض عند حدود تاريخ الشاعر الشخصي، وفكره ومعتقده، وإنما امتد إلى الجوانب الفنية، وشمل شعره. فهناك من النقاد القدامى ومؤرخي الأدب من أنكر “مهيار” أشد الإنكار، وفضَّل أن لا يشير إليه، وأن لا يضعه مع أدباء العصر. وهناك أيضًا من نظر في شعر “مهيار” نظرة فاحصٍ مدققٍ ليستشهد به، ويبررعيوبه ونواقصه.ولم يكن هذا التناقض في الرأي عند عصرٍ بعينه، فما زالت الآراء المحدثة تتناول “مهيار” مختلفة حوله بين الإعجاب الواسع والإشارة الصريحة إلى الفراغ الفني الفكري في شعره.
*رئيس دارة الدكتورآل ملحم للتحكيم والاستشارات القانونية.
الرد على مهيار (3)
الناشر: جريدة اليوم
– العدد:9837
تاريخ النشر: 21/05/2000م