أيهما أهم: النخلة أم البترول ؟ 2-2

كرم الله سبحانه وتعالى “النخلة” حيث ذكرها في محكم كتابه الكريم في أكثر من سورة.كما كانت النخلة بسبب المنزلة التي حباها الله سبحانه وتعالى بـها وما لثمرها من قيمة غذائية كبيرة محـل اعتبار في “السنة النبوية “حيث وردت بخصوصـها وخصوص “تمرها” أحاديث صحيحة .أما الشعراء فقد كانت “النخلة” مصدر الهام لهم منذ العهود الجاهلية وحتى العصور الحديثة . النخلة عالم قائم بذاته. لها مصطلحاتها، وأيامها، ومناسباتها.كانت للنخلة قبل اكتشاف البترول مكانة خاصة لدى علية القوم وعامة الناس. أما بعد عصر البترول فوضع النخلة أصبح، كما يصوره الأستاذ الأديب “خليل الفزيع” بقلمه الرشيق، أثراً بعد عين. يقول الأستاذ “الفزيع”:ـ “وكلما ذكر النخل تداعت إلى الذهن ذكريات جميلة، وفاضت في الخاطر صور أليمة، واختالت في البال آلام مقيمة، عن حقول النخيل التي تركها أهلها . . إلى حقول النفط الأقل جهداً والأوفر أجرا، فزحفت الرقعة العمرانية على مساحات زراعية . . كانت تزينها أشجار النخيل الباسقة، بعذوقها المثقلة بأطايب التمور، وسعفاتها الموحية بالحبور، والبهجة والسرور، فإذا هي أثر بعد عين بعد أن ماتت وهي واقفة . . تتحدى الظروف، وتندب حظها المعروف، وهو بالمخاطر محفوف . . . ” ويقول عن “النخلة” كذلك الأستاذ الدكتور الأديب “علي بن عبدالعزيز العبدالقادر”:ــ”والنخلة التي ارتبطت بأرض الجزيرة العربية والخليج العربي بعلاقة أزلية قديمة وأبدية أثرت في وجدانه وكيانه الاقتصادي والاجتماعي تَقِفُ في الواحات المتباعدة رمزاً للعطاء والوفاء والشمم …”وعلى الوتر نفسه قال [قبل الأخوين] الشاعر “محمد بن عبدالله آل ملحم” أبياتاً منها :
وَقَالُوا الزِّرَاعَةَ فِي عَصْرِنَا …. تُكَلِّفُنًا مَعْشَرَ الزَّارِعِينْوَأَنَّ النَّخِيلَ بِوَجْهِ الْخُصُوصِ ….. تُكَلِّفُ فَوقَ الذِي تَحْسِبُونْأَنُنْفِقُ فِيهِنَّ أَمْوَالَنَا ….. أَهُنَّ بَنَاتٌ لَنَا أَمْ بَنِونْفَقُلْتُ نَعَمْ عَلَّهُنَّ لَكُمْ ….. إِلَى النَّفْعِ أََقْرَبُ مِنْهُمْ تَكُونْوَإِنَّ النَّخِيلَ لَتُطْعِمُنَا ….. بِفَاكِهَةٍ خَيْرَ مَا تُطْعِمُونْوَلاَ سِيَّمَا التَّمْرُ مِنْ بَيْنِهَا ….. فَلَيْسَتْ تُكَافِئُ مَا تُنْفِقُونْوَإِنَّ الزِّرَاعَةَ مَضْمُونَةٌ ….. مَنَافِعُهًا أَيُّهَا الزَّارِعُونْوَإِنَّ النّخِيلَ لأَفْضَلُهَـــــا ….. فَبُشْرَى لِمَنْ هُمْ بِهَا يَعْتَنُــــونْالنخلة مادة استراتيجية !والبترول مادة استراتيجية هي الأخرى !نتاج النخلة قابل للاستهلاك المباشر والفوري !ونتاج البترول قابل للاستهلاك ولكن على نحو غير مباشر.ونتاج كل من النخلة والبترول “مادة” حيوية لعمليات تصنيع متعددة.نتاج النخلة في عالمنا المعاصر مصدر عملة صعبة وكذلك نتاج البترول.ونتاج البترول، كما هو الحال بالنسبة لنتاج النخلة، سلعة قابلة للتصدير وكلاهما مصدر ثروة وسلطة.وَهَجَرَ الناس النخلة لأن العناية بها مكلفة وتحيط بها مشقة. وبسبب هذا الهجر اندثرت أراض زراعية وتوارت عن الأنظار بيوت معروفة ذات اهتمامات زراعية.وتعلق الناس بالبترول لأن العمل به أوفر وأيسر. النخلة والبترول في خصوص منطقتنا بالذات في عالمنا المعاصر صنوان مهمان. كلا البترول والنخلة من مخلوقات الله. النخلة ظاهرة للعيان ودور الإنسان في عمرانها وصيانتها مهم، والبترول مادة مختبئة في مصائد أو مكامن “طبيعية” بباطن الأرض، وتمكن الإنسان، بهدي من الله سبحانه وتعالى، من العثور على مكامنها. وهناك دول تطيل من عمر هذه المادة عن طريق التحفظ عليها بمكامنها. وهناك دول تحاول استنزاف مخزون هذه المادة من مصائدها “الطبيعية” لتحويلها عن طريق البيع الفوري للحصول على عملات صعبة من أجل الاحتفاظ بِهذه العملات [كما يقال] لصالح الأجيال القادمة … وهناك دول لديها “الدولار” وتحاول استبداله بذلك السائل الأسود لتودعه في مصائد “اصطناعية” دائمة ببلدانها لصالح أجيالها القادمة. والبترول مادة حيوية وقت السلم والحرب، والحديث عنه في عالمنا المعاصر ملء السمع والبصر. ومن أجل الحصول عليه تبذل هذه الأمم الغالي والنفيس، وإذا تعذر الحصول على هذه المادة سلماً، فلتشتعل الحرب، وليكن ما يكن. النخلة مادة استراتيجية دائمة، وإن كان عطاؤها قليل، وقليل دائم خير من كثير منقطع.والبترول،كما تقول الحقائق العلمية المتاحة للإنسان حالياً، مادة استراتيجية مؤقتة. وفي ظل ما أوردته من حقائق، أطرح للنخبة من قراء جريدة ” اليوم ” وكذا غيرهم ـ من منطلق أدبيات البترول ـ سؤالي الذي عنونتُ بـه هاتين الحلقتين وهو : أيهما أهم، من الناحية الإستراتيجية لحاضرنا ومستقبلنا، البترول أو النخلة ؟

ــــــــــ

الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9753

تاريخ النشر: 27/02/2000م

*رئيس دارة الدكتور آل ملحمللتحكيم والاستشارات القانونية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.