مقابلاتٌ صحفية أجرتها جريدة “الخليج العربي” الصادرة في 5 شعبان 1381هـ الموافق 11 يناير 1962م مع طلاب يدرسون بجامعات “الجمهورية العربية المتحدة” تحت عنوان: “أبناؤنا على مدرجات الجامعات في الخارج، رجال الغد يتحدثون عن آمالهم في المستقبل” وهم: محمد بن عبداللطيف آل ملحم، ناصر بونهية، عبدالله العنقري، عبدالله الرميح، جمال فطاني، فهد البشر، عبدالله الصيخان، حمد القباع.
صدَّرت الجريدة مقابلاتها لهؤلاء الطلاب بمقدمة كتبها رئيس تحريرها الأستاذ/عبدالله بن أحمد الشباط، ونصه المقدمة كما يلي:عندما تستيقظ الأمم على صوت النفير يهز في أعماقها رغبة الحياة .. ويثير في نفسها نوازع الصعود .. فأنها تتطلع مع شمس خيوطها الأولى إلى شبابها .. إلى سواعدهم وعزائمهم .. ونحن اليوم إذ نقف على عتبة المستقبل المشرق الذي نتلمَّسه عن طريق شبابنا المثقف .. فإن علينا من جديد ضرورة العمل على إيجاد جيل من المثقفين الواعين .. المدركين تمامًا لحقيقة المرحلة الخطيرة التي تجتازها أمتهم. والحق أن حكومتنا السنية أدركت من أول وهلة ضرورة ذلك .. فما فَتِئَتْ الجامعات الكبرى في شتى أنحاء العالم تستقبل كل عام وفودًا جديدة من شبابنا .. طالبي العلم والمعرفة .. يفدون إليها .. تحدوهم عزائمهم في الارتشاف من منابع العلم والمعرفة والتَّزود بسلاح العلم لكي يخوضوا معركة بناء أوطانهم .. بثقةٍ في أنفسهم، وجدارةٍ في إمكانياتهم.وفي القاهرة وحدها يوجد أكثر من خمسمائة طالب .. عَرِفَتْ مدرجات الجامعات فيها فيهم المثابرة الصادقة والذكاء المتوقد. وقد برز منهم الطالب/محمد بن عبداللطيف آل ملحم الذي نال تقدير أساتذته وإعجاب زملائه.هؤلاء هم شبابنا .. عدة المستقبل وبناته .. وأملنا الكبير في غدنا السعيد. زرتُهم في بيوتهم، وجلستُ معهم على مكاتبهم المثقلة بالمجلدات ..وسهرتُ معهم الليالي الطويلة .. وهم يعملون دون هوادةٍ على تحقيق آمال أمتهم وأحلامها.وخرجتُ منهم ببعض التحقيقات التي سأدون منها بما يمكن أن يسمح به هذا العدد الخاص.قابلتُ الطالب محمد بن عبداللطيف آل ملحم .. الطالب بالليسانس بكلية الحقوق وسألته:س : يعرف القرَّاء عن طريق ما نُشِرَ عنك في صحفنا المحلية بأنك طالب متفوق في دراستك، ومن أوائل الطلبة بكلية الحقوق ـ جامعة القاهرة، فما هو سِرُّ ذلك؟جـ : ليس هناك سِرٌ، فكل طالب يمكن أن يوفق ويتفوق في دراسته إذا كان راغبًا في الدراسة التي اتجه إليها، ويهتم في الوقت نفسه بتنظيم وقته.س : يذكر البعض من الطلاب بأن الدراسة بكلية الحقوق مطولةٌ بالنسبة لمناهجها، وشاقة في استيعابها، فهل هذا صحيح؟جـ : أتفق معك على ما ذكرتَ إلى حدٍ مَّا، وذلك أن مناهج الدراسة بكلية الحقوق في تطورٍ وتغيرٍ مستمرٍ، وللدلالة على ذلك فهناك بعض المناهج حديثة العهد قد تقرر تدريسها ـ بالإضافة إلى المناهج التقليدية ـ كضرورة لمسايرة التقدم الاجتماعي والنمو الاقتصادي والصناعي الذي تعيشه معظم دول العالم الآن، وكنتيجة لأخذ دول العالم ببرامج التنمية والتخطيط. هذه البرامج لا يمكن أن يقر لها النجاح إلاَّ بعد إيجاد أنظمة تكون ضوابط لها، وتكون، في الوقت نفسه موضوعًا لدراسة علمية، نظرية وتطبيقية، من الضروري أن يدرسها كل طالب ينتسب إلى أي كلية من كليات الحقوق. وليست المطولات القانونية ـ التقليدية والحديثة ـ كمواد تدريسية إلاَّ ظاهرة منتشرة في معظم جامعات العالم التي بها هذا الفرع من الدراسات. أمَّا أن تلك المطولات شاقة في استيعابها فهو حكم صحيحٌ بالنسبة لطالب، وقد لا يكون صحيحًا بالنسبة لطالب آخر.س : ما مدى ملاءمة دراسة القانون لبلادنا التي تطبق الشريعة الإسلامية؟جـ : ليست المشكلة مشكلة ملاءمة أو تكيف. بل هي الحاجة إلى بعض الدراسات القانونية لبلادنا، وبكليات الحقوق بجامعات “القاهرة” و”عين شمس” و”الإسكندرية” تدرس الشريعة الإسلامية وفقًا لأحدث النظم التدريسية، ويتخرج الطالب منها وهو مُلِمٌ ـ في حدود متفاوتة ـ بالمبادئ الكلية والجزئية في الفقة الإسلامي، وذلك بالإضافة إلى العلوم القانونية في المال والسياسة والاقتصاد ـ التي تلبي حاجات المجتمع المتطور، وتوفق بين مطالبه ـ مع المقارنة ـ نسبيًا ـ في بعض منها بأحكام القانون الإسلامي. أمَّا أَنَّ بلادنا تطبق الشريعة الإسلامية فهو معروف للجميع، ومفخرة لكل عربي ومسلم. ومع ذلك فهناك أنظمة يمكن أن أسميها ـ بالأنظمة الإنمائية ـ لا يثور شك أن بلادنا في حاجةٍ إليها تدعيمًا للتقدم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الذي بدأت ظواهره ـ منذ حين ـ تعم سائر أنحاء المملكة. ومن الجدير ذكره أن بلادنا أخذت فعلاً في سبيل إيجاد بعض من هذه الأنظمة المشار إليها، ومنها “توحيد القوانين البحرية وتنظيمها”. هذه القوانين التي تلبي حاجات مرفق الملاحة المتطورة والموانئ الكبيرة الموجودة في المملكة. ولا تزال الصحف المحلية تتحدث عن أعمال اللجنة المشكلة لتوحيد تلك القوانين. وكذلك الأمر بالنسبة لنظام الموظفين فلقد قرأت في الصحف بأنه قد وُضِعَ مشروع لتعديل النظام المذكور. وينعدم الشك في أن الموظف هو قاعدة الجهاز الإداري الأساسية، ويحتاج إلى توفي الضمانات له حتى يتجنب إغراء الوعد وشر الوعيد، وحتى يستطيع العمل في جوٍ نشطٍ وداخل إطار نظام متكامل. كما أن إنشاء وزارة للعمل والعمال والشؤون الاجتماعية خطوة تقدمية في سبيل الإصلاح لحقل العمل وشؤون المجتمع. وهذه الوزارة البكر ستعمل إنشاء الله على إعادة النظر في “نظام العمل والعمال” الحالي. هذا النظام الذي استنفذ أغراضه، وصار هزيلاً لا يقوى على الحركة أمام تطور أوضاع بلادنا في محيط العمل والعمال، وهي الأوضاع المحتاجة إلى نظام جديد يقرر للعامل وكذلك الفلاح ـ في حدود متفاوتة ـ مدى حقوقهما، ويحدد واجباتهما. وبما أن المملكة قد اهتمت بسياسة التطوير الشامل عن طريق إنشاء “المجلس الأعلى للتخطيط”، فإن على عاتق هذا المجلس مهمة الأخذ بأنظمة الإنماء لكي يؤدي الخدمات والمهمات المسندة إليه، وهي تطبيق وتنفيذ برامج التنمية والتخطيط في مجالات الزراعة والصناعة المرافق العامة. ولقد بدأ هذا المجلس فعلاً في تنفيذ بعض من برامجه، ونشرت صحفنا المحلية قسمًا منها، وبجانب ذلك أخذ المجلس في إقرار بعض “أنظمة الإنماء. وما مشروع نظام الشركات الذي تبناه هذا المجلس إلاَّ مثالاً رائعًا واستجابة موفقة لتنظيم الضوابط لتلك البرامج المخططة والتي ستعمل ـ إذا قُدِّرَ لها النجاح ـ على تطوير مناطق المملكة في ميادين شتى. إمَّا بالنسبة “لأنظمة الإنماء” فهي مرتبطة بتلك البرامج ـ بشكل طردي مركز ـ وسيقدر لها النجاح بقدر ما تتمشى ـ من حيث المبدأ ـ مع العرف السائد ببلادنا والتقاليد العربية والإسلامية التي فُطِرَ عليها مجتمعنا.س : المحاماة من فرص العمل المتاحة لكم، فهل تفضلونها؟جـ : المحاماة من الأعمال المهنية الحرة، وتقوم أساسًا على الاستعداد الشخصي والنشاط الذهني، وتتطلب كفاءة علمية قانونية. والمحاماة رسالة ومبدأ، والغرض الأساس منها تأكيد الحق، وإقرار العدالة بأيسر السبل، وإنصاف المظلوم. وللاعتبارات السابقة كان المحامون من رجال القانون، موظفين أو غير موظفين، يساعدون الخصوم عند التقاضي، ويوفِّرون للقاضي سواء أكان تجاريًا أو مدنيًا أو دوليًا وقتًا وجهدًا في تحضير الدعوى وتوضيح معالمها عن طريق مرافعاتهم. وتُنَظِّمُ قوانين المحاكم الشرعية وقوانين أصول المحاكمات نطاق المحاماة كرسالة وكمهنة. وتنتشر المحاماة ـ بواسطة مكاتبها ـ في المجتمعات التي تَتَعَدَّدُ مشاكل أفرادها. ورجل القانون هو محامي ـ بحكم تخصصه ـ سواء أكان داخل الوظيفة حيث يساعد الإدارة أو كان خارج الوظيفة إذ يقيم حلقة اتصال بينه وبين الأفراد في شأن قضيتهم. وللمحاماة الفضل في الاقتصاد في الوقت، وفي سرعة اتصال الحكم بالدعوى. ولقد بدأت تظهر مكاتب منتظمة للمحاماة في بلادنا. وهي موجودةٌ ـ من حيث الموضوع ـ منذ زمن بعيد.س : ما ذا تنوي عمله بعد تخرجك من الكلية؟جـ : الحديث عن المستقبل ـ إذا انعدم التوقع ـ نوع من الخيال. ورغبتُ متابعة دراستي المتخصصة إن أمكن، وإلاَّ فسوف أخدم بلدي بقدر جهدي.
المصدر: الخليج العربي: جريدة أسبوعية جامعة تصدر بالخبر ـ المنطقة الشرقية.عدد ممتاز، ص/47ـ49، لصاحبها عبدالله بن أحمد الشباطالخميس 5 شعبان 1381هـ الموافقث 11 يناير 1962م.
أبناؤنا على مدرجات الجامعات في الخارج رجال الغد يتحدثون عن آمالهم في المستقبل
الناشر: جريدة الخليج العربي
تاريخ النشر: 11/01/1962م