وقفة مع أطول ملحمة شعرية..!! (3)

احتوت ملحمة الدر المكنون على معظم فنون الشعر العربي المعتبرة كالغزل والحماسة والوصف والفخر والمدح والزهد والحكمة والموعضة.تغزل الشاعر محمد العمر الملحم في المرأة متخيلا لمفاتنها وكاشفا عن أسرار انوثتها وتاركا لخياله العنان ليصل بحبها إلى درجة العشق. ومع ذلك فان ما حبره من شعر في المرأة كان كله عفة وجمالا وترفعا عن السفاسف وكل أنواع الابتذال. استمع اليه يقول في “حسناء” ساعة الاصيل:

أحب الربيع البديع الفتون ….. وحسنه ذاك البهي المصون”وحسناء” تخطر أثناءه ….. تقمص منها رؤاها القرونتبدت أصيلا بعرض الطريق ….. فحار بدربهم السائرونتشعشع منها المحيا الذي ….. ينور رغم الحجاب المصونوشعر تسلسل من عنبر ….. يوارى وراه لجين المتونوينساب حينا على صدرها ….. فيغرق رمانه في سكونجميلة هذا الورى كله ….. جمالك يزداد في كل حينمحياك في ناظري لم يزل ….. فليس خيالك عني يبينفأنت بقلبي أحلى الصدى ….. وأنت لسمعي أشهى الرنينوأنت على خاطري أبدا….. وأنت بفكري لا تبرحينحنانا على عاشق صابر ….. ببحر دموعه تجري السفينترين جنايته حبه ….. أذلك تجزون من يعشقونأقول لها والأسى محرق ….. ودمع العيون يفوق العيونغرامك يا منيتي قاتلي ….. الستم لموقفنا تدركونفقالت: نجيئك بعد العشاء ….. إذا هجع الناس والسامرونفقلت: عسى ذلك واقع ….. ولو أنه في المنام يكونفما غرض غير رؤيتكم ….. وأن نتعاطى الحديث الحنونوذلك أسمى معاني الهوى ….. نجله عما يشين، نصون
وللحماسة مكانة خاصة في الملحمة، وهي حماسة تدور وجودا وعدما مع أمرين: الأمر الأول الدفاع عن العقيدة الاسلامية مع التصدي لأعدائها. والأمر الثاني الكشف عن أوضاع المسلمين المعاصرة مع العمل عن طريق النصيحة على إصلاحها لما فيه إسعادهم في الدارين: دار الدنيا والدار الاخرة. ومن الحماسة قول الشاعر في القضية الفلسطينية والتي فيها دعا الشاعر الى ثورة الحجارة قبل قيامها:
وفي جنى الخلد حسن مصون ….. ففيها الذي ما رأته عيونوأبوابها فتحت لكم ….. ثمانية نحوها تهرعون فسيروا إلى الله في عزمة ….. يقول لكم قدسكم أنقذونأليس لنومتكم صحوة ….. لقد بح صوتي ولا تسمعونأما عندكم غيرة أمتي ….. أليس لأعراضكم تمنعونأما عندكم غيرة أمتي ….. أأرضكم منكم تسلبونفوالله لو أنكم مرة ….. تحسون أو أنكم تشعرونلثرتم عليهم ولو بالعصا ….. ولو بالحصى إنكم تغلبونولكن ببعض شغلتم، فما ….. تصافون يوما، وما تسلمونقيادتكم لأمرئ واحد ….. عليه ولو ساعة تجمعونعساه يخوض الغمار بكم ….. فما بعد واقعكم ذاك هونفإما السفين وربانه ….. غريق، وإلا نجا الراكبون
وفي نفس المعنى يقول الشاعر في مكان آخر بالملحمة:
وإن اليهود لشر الورى ….. لقد لعنوا في القرآن المبينوأسوأ من دب فوق الثرى ….. عليهم لعائن ربي السنين وأقبح من هم تحوى القرى ….. فما لهم في الورى من خدينفيا ويحنا وهم قلة ….. ونحن بجانبهم أكثرونإذا رمتم النصر يا أمتي ….. وعيش الكرامة في العالمينفسيروا إلى القدس واسترجعوا ….. حمى القدس من عصبة معتدينفإن لنا في صلاح المثل ….. لقد طرد العصبة الغاصبينوفي خالد سيف ربي البطل ….. بيرموكها حطم الظالمينوعامرنا في الصحاب الأول ….. به نصر الله نصرا مبينألا اشعلوها عليهم فلن ….. نؤخرها، أو يحين اليقينوليس يلذ لنا طعم زاد ….. وآباؤنا قتلوا والبنونألا فلتسيري جموع الشباب نشق الدروب بعزم مكيننخوض الخطوب نخوض الصعاب ….. فنحن الأسود أسود العرينفشمس الكفاح تذيب الضباب ….. ويمحو الظلام صباح مبين
وللوصف مكانة بارزة في الملحمة حيث ركز الشاعر على وصف الطبيعة وتذوق الجمال والأفتتان بكل شيء جميل: وفي هذا المعنى يقول الشاعر:
أحب الربيع وأهوى العيون ….. وأعشق كل جمال فتونأحب النخيل وأهوى النسيم ….. يلامس أمواج تلك العيونولا سيما في نخيل “الحسا” ….. وتقسيمها العبقري المصونبهن مروج الهوى أخصبت ….. ووآفى الربيع الحياة الحنونأحب الربيع مليك الزمـان ….. تبدى الطبيعة فيه الحنونفكل الأنام بمقدمه ….. سعيدون حقا ومغتبطونتغنى الطيور على حبه ….. ألذ أغاريدها واللحونوتنفح أشجاره بالجنى ….. على كل ما يشتهي الآكلونوتدنو الغصون بأثمارها ….. وتحنو الفروع كام حنون
وتطرق الشاعر للفخر في نفس الملحمة حيث افتخر ببني قومه ولكنه فخر ذا مدلول اسلامي. كذلك افتخر الشاعر في اكثر من مكان بالملحمة بمسقط رأسه “الاحساء”(1) وبشاعريته. ومما قاله مفتخرا ببني قومه العرب:
أيا شعر حي بني قومنا ….. بأزكى التحية عبر القرونوما قومنا وعروبتنا ….. سوى ديننا الحق لو تعلمونفإما نفاخر يوما بذا ….. وذاك فنحن له منتمون وآثار اسلافنا لم تزل ….. فشاهدها غضة بالعيون
وقال مفتخرا بمسقط رأسه “الأحساء”:
ألا فالدنا يا “حسا” ذكريات ….. ومن لك يا “هجر”(2) لايذكرونوذكراك والله في خاطري ….. على كل حين ندى حنون فيا جنة الله في أرضه ….. جمالك فوق الذي يصفونمثالك عز بكل الدنا ….. فما من جمال يرى الناظرونأأنساك “أحساء” هذا محال ….. وأنسى جمالك ذاك الفتون؟أأنسى نخيلك بين النخيـل ….. وأنسى عيونك بين العيون
وقال متفاخرا بشعره في اكثر من مكان بالملحمة:
وبستان شعري غرست به ….. فنونا فأثمرن فيه الفنونحرام علي أخبئه ….. وفوق ثرآه جرين عيونوفاح الأريج وطاب الهوى ….. ورق ورآق لمن يعشقونفأهلا وسهلا به ما أتى ….. أوان الاصيل ووقت السكونبه نشرب الراح راح الهوى ….. بلا شفة بل بروح حنونفما الشعر إلا غذاء الشعـور ….. وما كان يوما غذاء البطونفمتع مآقيك في حسنه ….. ولا تحرمن بهاه العيونورو بيانك من نبعه ….. ففيه الجمال وكل الفنونوزود خيالك من مده ….. فمن بحره يغرف الشاعرون
للبحث صله
—————هوامش:—————
(1) الاحساء اكبر واحة زراعية بالمملكه العربية السعودية وتشكل الجزء الأكبر من المنطقة الشرقية بالمملكه. وللاحساء مكانة خاصة لدى الشاعر. ولقد حبر فيها الكثير من الأشعار اذ بجانب ما حظيت به الاحساء من أهتمام في الملحمة فلقد كانت نصب عين الشاعر في معظم قصائده. وسوف يصدر للشاعر عشرات الدواوين ومن بينها ديوان مستقل تحت عنوان “ديوان الأحساء”.(2) هجر بفتح الهاء وتسكين الجيم من أسماء “الأحساء” التاريخيه. ويقال في الأمثال “هجر وربع القوت”.
————–

المجلة العربيةالعدد:150التاريخ: رجب – 1410 هـ – فبراير (شباط) -1990 م

الناشر: المجلة العربية

– العدد: 150

تاريخ النشر: 01/02/1990م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.