وكما سبق أن ذكرت في حلقة سابقة وجه ابن الوردي لاميته إلى ابنه دون أن يسميه فيها. وبقصيدة ابن الوردي حكم ومواعظ وسياسة وكياسة وآداب. وفيها أبيات يشكل كل منها ما يمكن أن يسمى بـ القصيدة ذات البيت الواحد. وأعني بذلك أن كل بيت ذو وحدة مستقلة لا يشوبه أي عيب، ولا يعتريه أي ضعف ومن هذه الأبيات قول ابن الوردي:كتب الموت على الخلق فكم …. فل من جمع وأفنى من دول
وقوله:ليس يخلو المرأ من ضد ولو …. حاول العزلة في رأس جبل
وقوله:إن نصف الناس أعداء لمن …. ولى الأحكام هذا إن عدل
وقوله:غب وزر غبا تزد حبا فمن ….. أكثر الترداد أضناه المللوقوله:خذ بنصل السيف واترك غمده …. واعتبر فضل الفتى دون الحلل
وقوله:لا يضر الفضل اقلال كما ….. لا يضر الشمس إطباق الطف
وقوله:حبك الأوطان عجز ظاهر ….. فاغترب تلق من الأهل البدلفبمكث الماء يبقى آسنا ….. وسرى البدر به البدر اكتمل
حظيت لآمية ابن الوردي بشهرة ربما تفوق الشهرة التي حصلت عليها لامية العرب للشنفري وقام البعض من الأدباء بشرحها على غرار شرح لامية العرب كما خمسها البعض الآخر والغريب في الأمر ما ادعاه خير الدين الزركلي حينما تعرض لسيرة ابن الوردي الذاتية من اللامية تنسب لابن الوردي حيث لم تكن بديوانه فأضيفت إلى المطبوع منه، وما ذكره محقق ديوان ابن الوردي نفسه من أن لامية ابن الوردي لم توجد في ديوانه وأنها تنسب إليه وبما أن ابن الوردي من كتاب فن المقامات، وبما أن من هذه المقامات المقامة الأنطاكية والمقامة المنبجية والمقامة الشهدية والمقامة الصوفية ففي المقامة الأخيرة ما يؤيد أن اللامية من تحبير ابن الوردي وإن لم ترد بديوانه المخطوط بدليل أن هذه المقامة قد تضمنت لامية أخرى على غرار لامية اعتزل ذكرى الأغاني والغزل ومن نفس بحرها وقافيتها وإن كانت أقل منها أبياتا وضمن ابن الوردي اللامية الثانية أبياتا من نفس اللامية الأولى. كما ضمن اللامية الثانية مواعظ وحكم لدرجة يكاد يظن أنها جزء من الأولى، وعلى الرغم من تشابه اللاميتين إلا أن الثانية لم تحظ بنفس الشهرة التي حظيت بها اللامية الأولى جاء في مطلع اللامية الثانية التي أثنى فيها الشاعر على التصوف والمتصوفين:ذهب الصدق وإخلاص العمل ….. ما بقيء إلا رياء وكسللو تقنعت أتى رزقي على ….. رغمه لكن خلقنا من عجل
ومن الأبيات التي أخذها ابن الوردي من اللامية الأولى ليضمنها اللامية الثانية البيت التالي:
ليس يخلو المرأ من ضد ولو ….. حاول العزلة في رأس جبل
ومن أبيات الحكم التي وردت باللامية الثانية البيت التالي:
لا أرى الدنيا وإن طابت لمن ….. ذاقها إلا كسم من عسل
ولابن الوردي ديوان شعر. ويتكون معظمه من مقطوعات شعرية تتخللها قصائد طويلة. وفي شعره الغث والسمين والجزيل والمبتذل وكثيرا ما اقتبس ابن الوردي من أشعار المعري والمتنبي وأبو تمام وغيرهم من الشعراء الفحول. يكثر في شعره من المحسنات البديعية كالتورية والطباق والجناس والسجع وفي شعره وصف للجمال حسا ومعنى وغزل وعشق. ومجموع شعره صورة لأنماط الشعر في عصره الذي يتميز بصفة عامة بنفس الصفات التي يتميز بها شعره. وهو شاعر مكثر وأشعاره لا تصل من حيث القيم ومن الناحية الفنية إلى مستوى اللامية التي اكتسب بسببها شهرة فائقة ومن قصائد ابن الوردي الطويلة مرثيته في الفقيه العلامة ابن تيمية الذي توفاه الله مسجونا بقلعة دمشق عام 728 هـ. ومن أبيات هذه المرثية:
عثا في عرضه قوم سلاط …. لهم من نثر جوهره التقاطتقي الدين أحمد خير حبر …. خروق المفصلات به تخاطتوفى وهو محبوس فريد …. وليس له إلى الدنيا انبساطقضى نحبا وليس له قرين …. ولا لنظيره لف القماطفريدا في ندى كف وعلم …. وحل المشكلات به يناطفيا لله ماذا ضم لحد ….. ويا لله ما غطى البساطهم حسدوه لما لم ينالوا ….. مناقبه فقد مكروا وشاطواوكانوا عن طرائقه كسالى ….. ولكن في أذاه لهم نشاطبنو تيمية كانوا فباتوا …. نجوم العلم أدركها انهباطولكن يا ندامة حاسديه ….. فشك الشرك كان به يماطويا فرح اليهود بما فعلتم ….. فإن الضد يعجبه الخباطألم يك فيكم رجل رشيد ….. يرى سجن الإام فيستشاطإمام لا ولاية كان يرجو ….. ولا وقف عليه ولا رباطولا جاراكم في كسب مال ….. ولم يعهد له بكم اختلاطوسجن الشيخ لا يرضاه مثلي ….. ففيه لقدر مثلكم انحطاطأما والله لولا كتم سري ….. وخوف الشر لا نحل الرباطوكنت أقول ما عندي ولكن …. بأهل العلم ما حسن اشتطاطفما أحد إلى الإنصاف يدعو ….. وكل في هواه له انخراطسيظهر قصدكم يا حابسيه ….. ونيتكم إذا نصب الصراط
ومدح ابن الوردي الطنبغا الحاجب الناصري والي حلب بالنيابة الذي فتح في عام 715 هـ قلعة النقبر بحلب وخلصها من الأرمن والفرنجة في قصيدة اقتبس شطرها الثاني من قصيدة للمعري ومن أبيات هذه القصيدة:
هنيئا بعودي من جهاد مبارك ….. على الناس بالجنات كاف وكافلإذا حل مولانا بأرض يحلها ….. عفاف واقدام وحزم ونائلوإن لاح في القرطاس أسود خطه ….. يقول الدجى يا صبح لونك حائللأقلامك السمر العوالي تواضعت ….. وهابتك في أغمادهن المناصلنزلتم على الحصن المنيع جنابه ….. فليس تبالي من تغول الغوائلنصبتم عليه للحصار حبائلا ….. كما نصبت للفرقدين الحبائلفزلزلتموه خيفة ومهابة ….. فأثقل رضوى دون ما هو حاملرميتم حجار المنجنيق عليهم ….. ففاخرت الشهب الحصى والجنادلحجارة سجيل لها البدر خائف ….. على نفسه والنجم في الغرب مائلوفل قتال المشركين سيوفكم ….. فما السيف إلا غمده والحمائلبغى فبغى الطنبغا الفتح منشدا ….. ويا نفس جدي إذ دهرك هازلفأنشده الحصن المنيع ملكتني ….. ولو أنني فوق السماكين نازلوقصر طولي عندكم حسن صبركم ….. وعند التناهي يقصر المتطاول
الناشر: جريدة اليوم
– العدد: 7287
تاريخ النشر: 28/05/1993م