من أوراقي المبعثرة وعن النخلة أم البترول مرة أخرى 4 ـ 4 

 

وأفرد السيد “حسين محمد بدوي” في كتابه “الزراعة الحديثة بالمملكة العربية السعودية” بحثاً خاصاً عن التمور بالمملكة. ومما قاله في هذا الشأن أن المملكة تعد من الممالك الأولى بعد “العراق” في الأهمية بأشجار “النخيل” حيث يبلغ ما فيها ما ينوف عن عشرة ملايين من الغريس المزروع في أنحائها، وأن العناية بها يجب أن تكون من الدرجة الأول ذلك أن جزيرة العرب تعتبر تاريخياً أصلاً لهذا المحصول، وتزرع بكثرة بكل الممالك المسكونة بجزيرة العرب خصوصاً الصحراوية ذات الجو الجاف. ويحبذ “المؤلف” لو وجهت دول الشرق نظرة لهذا المحصول الذي يعتبر الغذاء الأساسي للشعب علاوة على ما فيه من غذاء وقوة للأبدان، ذلك أنه ثبت أن الوحدة منه تحتوي على كمية من الحرارة تعادل ضعف الكمية الموجودة في وحدة من اللحم.ووزعت “البعثة الزراعية المصرية” منشوراً على كبار المزارعين بمنطقتي “الأحساء” و”القطيف”. ومما جاء في المنشور الذي يحمل رقم (1) وتاريخه 11/3/1364هـ ما يلي: لاحظنا بمنطقتي “الأحساء” و”القطيف” أصنافاً جيدةً من التمور مثل “الخلاص” و “الرزيز”، ورغم ذلك فأغلبية النخيل الموجود “مجهل” مزروع حيثما اتفق، وأن أغلب المزارع الحديثة تزرع على مسافات ضيقة، وجميعه أو الأغلبية منه يجف ولا ينجح، وذلك يرجع لأسباب عدَّدها المؤلف، ولا يتسع المقام لذكرها هنا..وتحدث المؤلف عن “النخلة” فوصفها، وتناول عالمها وذلك من حيث تكوينها، وغرسها، وأوان غرسها، وإسلوب ريها، والأراضي التي توافق زراعة النخيل، وما ينتابها من أمراض، وركز على مرض سمَّاه “مرض المجنونة”. وقد عرفت “البعثة الزراعية الأمريكية” هذا المرض كما يلي ـ”إن أعراض هذا المرض المسمى بهذا الاسم هي النمو بشكل أوراق منتصبة ومندفعة إلى أعلى ذات قمة مسطحة. وكلما استفحل أمره أخذ الموت يدبًّ إلى السعف الخارجي، في حين أن السعف الداخلي يبرز إلى الخارج على هيئة تدل على أنه قد ضغط فأصبح في أشكال ممسوخة مشوهة. الفسائل الكبيرة المعاد غرسها، وأشجار النخيل الصغيرة معرضة لهذا البلاء أكثر من تعرض الفسائل المتوسطة الحجم أو أشجار النخيل المتقدمة في السن له. وهذا البلاء لا يسببه المرض بل إنما ينجم عن إيقاف جميع النمو ــ لهذا السبب أو ذاك ــ مدة من الوقت تسمح للألياف الموصلة إلى قواعد السعف أن يكتمل نموها فتتصلب. وهذا التصلب المبكر للألياف يؤدي إلى اختناق السعف الخارجي من جراء بروز السعف الجديد ضارباً إلى أعلى في الوسط. ومع أن طريقة الإحراق وهي الطريقة الشائعة الاستعمال في المعالجة من شأنها أن توهن الألياف فتؤدي بذلك إلى شفائها شفاءً واضحاً إلاَّ أن هناك طريقة للمعالجة أكبر كفاية، وهي قطع الألياف بأزميل من تحت أشد قواعد السعف انخفاضاً، وتمديد القطع إلى أعلى لمسافة بين 16 و 20 بوصة”. انتهى. ويرى “المؤلف” أن مرض “المجنونة” المعروف في “منطقة الأحساء” يعرف في “مصر” باسم “مرض “اللفحة السوداء”، وهو مرض يصيب السعف، ويكون واضحاً كما هو مشاهد في “الأحساء” في السعف الطري الجديد، ويُرَى على امتداد جانب السعفة في مساحات كبيرة أو صغيرة غير منتظمة أو متصلة لونها أسمر ضارب إلى السواد . وقد لاحظ “المؤلف” كذلك أن السعف في بعض الأحيان خشناً أو مضرساً، كما أن السعف الذي يبزغ حديثاً يبدو في بعض الأحيان ملتوياً مشوهاً. وعدَّد “المؤلف” أسماء التمور الممتازة في “المملكة العربية السعودية” مما لا يتسع المقام لذكرها هنا إلاَّ أنه في خصوص تمور “الأحساء” و”القطيف” و”نجد” فقد ذكر ما يلي:ـ تمور الأحساء أربعة أصناف:ــ ـ الأصناف الممتازة ذات المحصول وسط الموسم وهي:ـ رزيز، خلاص، شيشي، شبيبي، برحي.ـ ـ أصناف محصولها وسط الموسم أيضاً خلاف الأولى وهي: الغرَّا، خنيزي، حاتمي، دعالج، وصيلي.ـ ـ الأصناف ذات المحصول المبكر: طيار، ومجناز، كابسي.ـ ـ أصناف يتأخر محصولها إلى آخر العام وهي: شهل، تناجيب، أم رحيم، خصاب.أما تمور “القطيف” فهي: مواجي بكيرة، غرَّا، خنيزي، خصيب رزيزي، خصيب عصفور.وأشهر التمور “بنجد” هي:ـ ـ ـ الأصناف الجيدة التي تنضج مبكرة هي: المقفزي، الدحيني، القطار الأبيض، القطار الأسود، المسكاني، أنبوت سيف، الخلاص.ـ ـ الأصناف الجيدة التي تنضج في الوقت الوسط، وتدخر عند أهل نجد قوتاً لهم وهي: الخضري، الصقعي، السلج، السكري.ـ ـ الأصياف الجيدة التي تنضج متأخرة، وهي تؤكل عادة في أخر أيام الثمرة وهي: الخصاب، الذاوي، الحقاقي، المنيفي.كما وضع المؤلف قوائم طويلة بالنخيل المعمور وغير المعمور في “منطقة القطيف”. ومسك الختام للمقالة ذات الحلقتين بعنوان “أيهما أهم النخلة أم البترول” “مقتطفات” من مقالة قصيرة أعجبتني كثيراً للكاتب “فالح الشراخ” نشرها بجريدة “الرياض”، العدد رقم (11578) وتاريخ 29 ذو القعدة عام 1420هـ تحت عنوان “النخلة … رمز العطاء وشموخ في قوافي الشعراء”.يقول الأستاذ “الشراخ” في مقالته المعبرة:ـالنخلة هذه الشجرة الجميلة والتي أصبحت رمزاً من رموز العطاء والشموخ.كان لها مكان عظيم في ثنايا القوافي. والبعض الآخر تغزل بجمالها وأوصافها، فظلالها وارفة، وثمارها زاد الضيف والمسافر، وسعفها وجريدها رزق للعاملين في مجال الْحِصِرْ وأعمال السعف، وجذعها أسقف لمباني، وهي من الأشجار النظيفة فأوراقها لا تسقط، وكل ما فيها مفيد بما في ذلك ليفها. يقول الشاعر “غالب بن منصور”:ـيا زينها لاَ نظفوها من الليف مثل الهنوف اللي تهنصر تهنصاروالعشق بين النخلة وإنسان الجزيرة العربية [ولايزال القول للأستاذ الشراخ] عشق أزلي تأكدت روابطه المتينة من خلال عنايته بها وزراعتها في كل مكان يتوفرفيه الماء. [والماء بيت القصيد، وهنا يتوقف قلمي؟].
ــــــــــــــ  * رئيس دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستشارات


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9816

تاريخ النشر: 30/04/2000م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.