وكان منتجع “سمحة” محل إعجاب من زاره أو سكن فيه. سكن فيه جلالة الملك “سعود بن عبدالعزيز” يرحمه الله.وزاره كثير من رجالات الدولة.وزاره السيد “ف. ش. فيدال” أحد كبار موظفي “شركة الزيت العربية الأمريكية” وهو مؤلف كتاب “واحة الأحساء”، ومما ذكره السيد “فيدال” عن بستان “سمحة” ما يلي:ــ (1) وعلاوة على ذلك هناك معالم أخرى خارج أسوار المدينة [مدينة الهفوف] تستحق الإشارة. ففي الغرب والشمال والحنوب من المدينة توجد بساتين نخيل قليلة يملكها أشخاص أثرياء تستخدم للراحة والاستجمام أكثر من جدواها الاقتصادية . ومن بين تلك البساتين بستان الكبينية والبحيرية وبنوع متميز بستان “سمحة”, وكان البستان الأخير يدار لوقت طويل من قبل أسرة “النافع” التجارية” . ويستخدم القصر الكبير الموجود في بستان “سمحة” كقصر إضافي لضيوف الحكومة في حال اكتظاظ بيت “السراي” بنزلائه. وقد عين حديثاً “حسين بدوي” مديراً للبستان و القصر. وقد أمر بهدم القصر القديم وبناء قصر جديد سوف يزود بأنابيب مياه حديثة ووسائل تبريد. والمدير الجديد خبير زراعي مصري. وقد بدأ بالفعل في إعادة تنظيم الحديقة والتي من قبل كانت في حالة سيئة. وقد كان لقصر “سمحة” القديم سلم خارجي كان عبارة عن درج مقنطر متعرج الدائر ، ويعد واحداً من أكثر التصاميم المعمارية إثارة وفخامة في شرق شبه الجزيرة العربية. أهـ.وفي كتابه “المملكة العربية السعودية وتطورات مصادرها الطبيعية” تحدث السيد ك. س. تويتشل” الأمريكي الجنسية [الذي انتدبته حكومة المملكة للبحث عن المياه في الحجاز وجزيرة العرب عموما قبل اكتشاف البترول] عن منتجع “سمحة” فقال:ــ(2) وأما قصر وزير المالية الشيخ “عبدالله السليمان” فهو قصر منيف حقاً ويسمى (سمحا) ويتوسط حديقة من النخل الباسق، وحين تدخل من بابها يعجبك أنك تسير في ممشى عريض، وشجر النخيل عن يمينك ويسارك في صفين منظمين طويلين … وأينما تَلَفَّتْ اسْتَبَقَتْ إلى أنفك رائحة الأزهار الشذية الفواحة العطرة، ثم إذ تمشي يواجهك القصر، وإذا ما تَلَفَّتْ عند وصولك إلى باب القصر إلى يمينك هلَّت إليك بركة رحبة من الماء العذب الفرات تتلألأ فيها متموجة، وترى فيها ظلال هذه الأشجار وهاتيك الفواكه وهذه الأزهار. وإذا ما دخلت القصر أدهشك تنسيقه وسُرَّ ناظريك. فأينما توجهت ببصرك في الجدر والسقف وجدت آيات من الفن معلقة أو مصورة ناطقة؛ بل رأيت أنواع السجاد والطنافس والأرائك والمتكآت والأثاث والرياش الفاخر، بل هناك أَسٍرَّةٌ لراحة الضيوف مفروشة بكل فراش ناعم وثير، وهنالك آنية وصحاف يقدم فيها الطعام، وتدل على الثراء والترف والأناقة والكرم الحاتمي، وهنالك شرفة تعلو الطابق الثالث من القصر وتتجه منها ببصرك إلى الجهات الأربعة في المدينة فترى هذه الواحات وهذه الحدائق من النخيل التي تقصر العين عن إدراك مداها، ويرف النسيم العليل المنعش فيمتع الضيف بنوم هادئ لذيذ. هذه (سمحا). ولعمري لقد وصف المتنبئ مغاني “الشِّعب” أبدع ما وصف لنذكرها هنا في هذا المقام:ــ
مَغَانِي الشَّعْبِ طِيباً فِـي الْمَغَانَي ….. بِمَنْزِلَةِ الرَّبِـيعِ مِــنَ الزَّمَانِمَلاَعِبُ جَنَّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا ….. “سُلَيْمَانُ” لَسَارَ بِتَرْجُمَانِغَـدَوْنَا نَنْفُضَ الأَغْصَانَ فِيهَـا …… عَلَى أَعْرَافِهَا مِثْلَ الْجَمَــانِفَسِرْتُ وَقَدْ حَجَبْنَ الشَّمْسَ عَنِّي ….. وَجُنَّ مِنَ الضِّيَاءِ بِمَا كَفَانَيوَأَلْقَى الشْرْقُ مِنْهَا فيِ ثِيَابِي ….. دَنَانِيراً تَفُرُّ مِنَ الْبَنَانِلهَاَ ثَمَرٌ تُشِيرُ إِلَيْكَ مِنْهَا ….. بِأَشْرِبَةٍ وَقَفْنَ بِلاَ أَوَانِوَأَمْـوَاهُ تَصِلُّ بِهَـا حَصَاهَـا ….. صَلِيلَ الْحِلْيِ فيِ أَيْدِي الْغَوَانِي
وعن منتجع “سمحة” ورد في جريدة “أم القرى” تقرير الوفد الصحفي ــ الذي رافق معالي الشيخ “السليمان” في زيارة له “للأحساء” في 24 من المحرم عام 1371هــ. ومما قاله الوفد عن منتجع “سمحة” ما يلي:ــ(3) وبعد ذلك توجه معالي الوزير ــ وبمعيته رجال مكتبه والوفد الصحفي السعودي ـ إلى (سمحا) وهي مزرعة عظيمة تابعة لمعالي زير المالية الشيخ “عبدالله السليمان” محاطة بسور عال، ويقع في وسطها قصر فخم جميل جَمَعَ في ترتيبه وتنظيمه بين القديم والحديث فبدا آية من آيات الجمال تحيط به الأشجار من جميع جوانبه الأربعة، وبالقرب منه بركة كبيرة يرتفع الماء فيها من يئر مركب عليه “ماتور” خاص لدفع الماء، وعلى طرف هذه البركة صفت الأرائك والمقاعد التي أعدت للجلوس يشكل مرتب منسق، وتنتج (سمحا) أنواع الفواكه والتمور وغيرها من المزروعات، وقد أمضينا بها وقتاً طيباً تحدَّث فيه معالي مزير المالية إلى الحاضرين حديثاً عاماً شاملاً عن الزراعة في البلاد، وعن نخيل “الأحساء”، وما يمتاز به من الجودة، علاوةً على شهرته. أهـ.وظل منتجع “سمحة” لحين من الزمن “منتدى” لأهالي “الأحساء” حينما تولى السيد “عبدالعزيز النافع الاشراف المباشر عليه. وكان “لهزار الأحساء وبلبلها الغريد الشيخ “عبدالله بن فهد أبوشبيب” صولات وجولات فيه مستجمًا ومنشدا. وفي بدايات السبعينيات من القرن الرابع عشر الهجري الماضي أخذ معالي وزير المالية يتخلى عن هذا “المنتجع” بالتدريج، وتولى السيد “عبدالعزيز النافع” الولاية عليه.وحبر الشاعر “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم أشعارًا عن منتجعات “الأحساء” بما فيها “سمحة”. وعن “سمحة” وغيرها من المنتجعات يقول :ــ
أُحِبُّ النَّخِيلَ وَأَنْسَـامَهَا ….. تَبُـثَّ عَلَيْنَـا الشَّـذَى فِيبِعَيْنِـي “ْقُوَيْعِيَّةٌ” مَرْبَـعٌ ….. سُُونْ بِسَاحَاتِهَا يَسْمُرُ السَّامِرُونْوَ”سَمْحَا” وَجَارَتَهَا جَنَّةٌ ….. وَحَمَّامُهَا الْفَذُّ لَوْ تَذْكُرُونْوَقَصْرٌ تَوَسَّطَ أَشْجَارَهَا ….. تَحُـفُّ بِهِ أَزْهُرٌ وَغُصُونْأَأَنْسَـى “الْبُدُوعَ” وَأَيَّامَـهُ ….. أَأَنْسَى “الْبُطَيْحَاءَ” ذَاتَ الْفُتُونْوَلاَ أَغْفُــلُ “الْقَصْرَ” ذَلِكُــمُ …… وَ”مَسْبَحَه” وَ”الْعَرِيشَ” الْحَـنُونْوأخبرني من أثق به أنه على إثر فض المشاركة بين الإخوة “عبدالله السليمان” وأخيه “حمد” كان منتجع “سمحة” من نصيب “حمد” الذي قدَّمه فيما بعد هدية لإسرة “النافع”.وفي عام 1373هــ استأجرت “شركة الزيت العربية الأمريكية” “المنتجع” ليكون بمثابة مدرسة في عُطَلِ الأسبوع لبعض كبار موظفي الشركة الأمريكيين الذين كانوا يقضون أياماً “بالأحساء” بغرض التعرف على معالمها، وللإستجمام “بالمنتجع”, وكذلك لتعلم اللغة العربية.وأتذكر أن رئيس هذه المجموعة من الموظفين [حينما كنت في الصف الثاني “بمدرسة الأحساء الثانوية” نظام قديم] قد طلب [عن طريق منسق لهذه المجموعة هو معالي الدكتور عبدالله العمران الذي كان هو نفسه طالباً بالمدرسة نفسها] من إدارة المدرسة أن يتعرف بعض طلبة المدرسة على الأمريكيين “بمدرسة سمحة” بغرض أن يتعلم الأمريكان اللغة العربية منهم وفي المقابل يقوموا هم بتعليم اللغة الانجليزية لهؤلاء الطلاب. وأشار الأستاذ “حمد الجاسر” في معجمه الجغرافي إشارة عابرة إلى “سمحة ذاكراً أنها من قرى “الأحساء”، والأمر ليس كذلك، كما ذكر الشيخ “حمد” أن “شركة الزيت العربية الأمريكية قد أنشأت بها مركزاً لتعلم اللغة الإنجليزية وهذا صحيح.(4) وبعد تخلِّي معالي الشيخ “السليمان” عن وزارة المالية تخلَّى معاليه عن “منتجعه”، وتولت أسرة “النافع” العناية بهذا “المنتجع” وصيانته لحين من الزمن . ولكن ارتفاع تكاليف الصيانة قلَّلت من اهتمام أسرة “النافع” به مما ترتب عليه عودة أصل “المنتجع” إلى مالكيه الذين أزالوا هذا “المنتجع” فيما بعد من الوجود ليعود موقعه أرض جرداء بيعت بعد تقسيمها إلى قطع لأغراض السكن.ولم يكن هذا المصير هو المصير الذي آل إليه هذا “المنتجع” وحده فحسب ولكنه كان المصير نفسه الذي آلت إليه الكثير من معالم “الأحساء” الشهيرة. وبقي هذا “المنتجع” مجرد اسم في كل صك من صكوك ملكية المنازل المقامة في موقعه.
الناشر: جريدة اليوم
– العدد:9738
تاريخ النشر: 12/02/2000م
رئيس دارة الدكتور آل ملحمللتحكيم والاستشارات القانونية