تفضَّل معالي الدكتور محمد الملحم وزير الدولة، وعضو مجلس الوزراء بقراءة كتاب “لمع الشهاب”، وكانت له وجهة نظر وملاحظات على الكتاب، فأرسل مشكورًا إلى المجلة بوجهة نظره، والمجلة إذ تشكر معاليه على ثقته بدارة الملك عبد العزيز، واهتمامه بكل ما ينشر عنها تضع وجهة نظره في المكان اللائق بها من الاجلال والتقدير فتنشرها بنصها، ثم تعقب عليها.
كتاب لمع الشهاب
قرأت بمزيدٍ من الاهتمام كتاب ( لمع الشهاب) في سيرة الشيخ / محمد ابن عبد الوهاب وهو كتابٌ ممتعٌ وجديرٌ بالقراءة.يتناول الكتاب سيرة الشيخ / محمد بن عبد الوهاب ضمن إطار حقبة هامة من الزمن في تاريخ الجزيرة العربية، وهي حقبةٌ رغم كل الذي كتب عنها، إلاَّ أن الكثير من أحداثها لا تزال في ذمة التاريخ.. وتحتاج إلى جهد مكثف للكشف عنها.لقد بذل محقق كتاب (لمع الشهاب) جهدًا في تصحيح ما وقع فيه مؤلف الكتاب من أغلاط، وبالأخص تلك التي تتعلق بسيرة مجدد الدعوة السلفية،
وإن كان لي بعض العتاب على المحقق فهو يتعلق بالأسلوب الذي استعمله في تفنيد مزاعم المؤلف. وهو أسلوب لا يتفق والأساليب التي اعتاد عليها محققو كتب التاريخ، فمثلاً كان من المفروض أن يبدأ المحقق في مقدمات الكتاب بالحديث عن مؤلف الكتاب وكشف نواياه السيئة، ثم ينتقل في عرض تحقيقاته حيثما وردت في ثنايا الكتاب مفتتحًا إيَّاها بعبارات منها “والصواب هو كذا وكذا، والصحة هي كذا وكذا”.الكتاب في عمومه وثيقةٌ تاريخيةٌ هامةٌ لحقبة من الزمن في تاريخ البلاد السعودية، ولعله لهذا السبب كان هذا الكتاب رغم ما فيه من تشويه للحقائق محل عناية دارة الملك عبد العزيز. وهي الدارة التي أُنشئِت بغرض الاهتمام بتراث وتاريخ الجزيرة العربية بصفةٍ عامةٍ، وبتراث وتاريخ المملكة العربية السعودية بصفةٍ خاصةٍ، وفي تصوري أن كل ما صدر عن هذه الدارة، وما سيصدرُ سيكون محل حجية مطلقة لدى محبي البحث والمعرفة سواء في داخل المملكة العربية السعودية أو خارجها.من هذا المنطلق لقد عنَّت لي أثناء قراءتي لهذا الكتاب ملاحظات منها:أولا: تم التركيز في تحقيق هذا الكتاب على تصحيح معظم الأخطاء التي وقع فيها مؤلف الكتاب بخصوص سيرة مجدد الدعوة السلفية الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب، وهو تركيزٌ كشف عن مواطن الخطأ حيثما كانت فاجتثها من أصولها.ثانيا: لم يتعرض محقق الكتاب للوقائع والأحداث والمعلومات التي أشار إليها مؤلف الكتاب إلاَّ عرضًا، وهي وقائعٌ وأحداثٌ ومعلوماتٌ ذات طابع تاريخي واجتماعي وجغرافي مهم. ولقد نوه المحقق عن ذلك في مقدمته.
والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن القارئ لاسيما وأن الكتاب من مطبوعات الداره هو معرفة عما إذا كانت هذه الوقائع والأحداث والمعلومات صحيحة؟ وهل من الممكن أن يعتمد الباحث عن تاريخ هذه الحقبة على كل المعلومات التي أوردها المؤلف على أساس أنها حقائق مسلم بها ولا غبار عليها، ليس في الكتاب بعد تحقيقه أي إجابة على مثل هذا التساؤل.ثالثا: لا ينم الكتاب عن أي جهد بذلته الداره رغم إمكانياتها نحو التعرف على شخصية المؤلف، وهل هو فعلاً مجهول الهوية؟ كان من المفروض، إشباعا لرغبة القارئ، أن يتضمن الكتاب وفي مقدماته تحقيقًا مطولاً عن الغرض من وضع الكتاب، وتقويمًا موضوعيًا عن ذات مؤلفه ونحلته، وعن كيفية إيداع مخطوطته في دار المتحف البريطاني بلندن، وتحديد هوية المستشرقين الذين اعتمدوا على هذا الكتاب قبل تحقيقه.رابعا: تضمَّن الكتاب في نهايته فهارس ممتازة ولم يشر بالكتاب عما إذا كانت من صنع المؤلف أو المحقق رغم ما تدل عليه أنها من صنع المحقق.خامسا: ولي كلمة أخيرةٌ وهي أن إصدار الكتاب في شكله الحالي غير ملائم لأسباب منها : أن أصل الكتاب جعل متنًا وتصحيح الأخطاء جعلت هامشًا، والقارئ في كثير من الأحيان سيقرأ المتن ولن يكترث بمراجعة الهوامش. ولهذا ربما لا يحقق الكتاب الغاية من إصداره.. لذلك فإنني أقترح أن يعاد إصـدار الكتاب موثـقًا في جزئين، الجزء الأول ويتضمن إعادة كتابة الكتاب بعد تحقيقه بنفس أسلوب المؤلف ما أمكن من قبل متخصصين في الدعوة السلفية وفي تاريخ البلاد السعودية، ويتضمن الجزء الثاني نفس متن الكتاب قبل تحقيقه، وبهذه الطريقة ستسهل على القارئ مهمة المقارنة ليس بالنسبة للأخطاء التي وقع فيها المؤلف بشأن سيرة الشيخ/ محمد بن عبد الوهاب فحسب، بل وبالنسبة للأخطاء التي وقع فيها المؤلف بالنسبة للأحداث التي عاصرها صاحب السيرة، وكذلك بالنسبة للمعلومات التي أوردها المؤلف عن أقاليم وقبائل الجزيرة العربية.كل الذي أخشاه إذا لم يتم شئ من هذا هو أن لا يحقق الكتاب الغرض من إصداره، وينشر الأخطاء التي يتضمنها، وأن يعتمد عليه الباحثون في تراث وتاريخ البلاد السعودية على أساس أن كل ما ورد فيه من معلومات صحيحة.د. محمد عبد اللطيف الملحم
مجلة الدارةربيع أول 1397هـفبراير 1977 م
التعقيب
لقد تفضَّل صاحب المعالي الدكتور محمد الملحم وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء بإبداء بعض الملاحظات على طريقة نشر كتاب (لمع الشهاب في سيرة
محمد بن عبد الوهاب) التي قامت دارة الملك عبدالعزيز بطبعه، وحققه فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، ونحن نتقبَّل وجهة نظر معاليه بكل التقدير والاعتبار، ونود أن نحيي في معاليه اهتمامه بما تنشره الدارة، ولنا بعد هذا مجرد وقفة مع ملاحظات معاليه:1. بالنسبة للملاحظة الثانية: فإن مؤلف الكتاب قد أتى ببعض الوقائع والأحداث التاريخية الصحيحة وخلطها بكثير من الشوائب والأباطيل ليوهم القارئ بصحة جميع ما بين دفتي الكتاب، وفضيلة المحقق تعرض للوقائع التاريخية الباطلة وفنَّدها، وأثبت بطلانها ثم سكت عن الوقائع الصحيحة، وهذا منهجٌ علمي سليم في مجال تحقيق المخطوطات.2. وبالنسبة للملاحظة الثالثة فإن المحقق أشار إلى جواز أن يكون اسم ناسخ الكتاب هو نفسه اسم كاتبه ومؤلفه، وذلك بقوله في المقدمة (.. ومن الجائز أن يكون الكاتب هو المؤلف). ولقد نشرت مجلة الدارة في العدد الثاني للسنة الثانية بتاريخ رجب 1396هـ مقالةً عن الكتاب ظهر فيه أن الناسخ هو المؤلف وذلك عن طريق الاستقراء والاستنتاج لما ورد في الكتاب من دلائل وشواهد تدل على هذا، وفيها تقييم دقيق للكتاب. وعن الجهود التي بذلتها الدارة رغم إمكاناتها كما يشير معاليه، فإن الدارة قد بذلت بعض الإجراءات لتظهر هذه الطبعة المحققة بصورة علمية سليمة، فحصلت على صورة للمخطوطـة الوحيدة للكتاب من المتحف البريطاني، وتم مطابقـتها على النسخة المطبوعة في بيروت، واتضح أن طبعة بيروت كان بها الكثير من العبارات والجمل الساقطة فأثبتنا كل ذلك.وما أبداه معاليه من أن يتضمن الكتاب في مقدماته تحقيقًا مطولاً عن الغرض من وضع الكتاب..الخ، فقد أوضحت المقدمتان ما يكفي لشرح الغرض من نشر الكتاب وليس (وضعه) لأن الذي وضعه هو مؤلفه. أما عن هوية المستشرقين الذين اعتمدوا على هذا الكتاب قبل تحقيقه، فان الأمر يكاد يكون شائعًا وشاملاً بين أولئك الذين كتبوا عن الدعوة، وعن تاريخ الدولة، حتى أن عددًا من الكتاب والمؤرخين العرب اعتمدوا عليه، ونقلوا عنه دون تحري الصدق في الوقائع والأحداث، وهذا أحد الأسباب الجوهرية لنشر الكتاب محققا.3. أما بالنسبة للفهارس، وهل هي من عمل المؤلف أو المحقق؟ فالأمر واضح أنها وضعت بعد التحقيق، وأنها جزء متمم لعملية التحقيق إذ أن الكتب المصنفة في تلك الفترة وما قبلها لا تحمل هذه الفهارس المنوعة.4 . أما بالنسبة لاقتراح معاليه إعادة إصدار الكتاب موثقا في جزءين ـ أحدهما يتضمن إعادة كتابة الكتاب بعد تحقيقه بنفس أسلوب المؤلف ما أمكن، وثانيهما يتضمن نفس متن الكتاب قبل تحقيقه ليطلع القارئ على مدى خطأ المؤلف بالمقارنة بين الجزءين، فإنه يخشى في هذه الحالة أن يقع في يد القارئ الجزء الثاني فقط فيظن أن كل ما ورد به صحيح وسليم، فنكون بذلك قد قدَّمنا للقارئ عملاً مشوهًا ومبتورًا. وفضلاً عن ذلك فإنه قد جرى العرف بين محققي المخطوطات أن يترك أسلوب المؤلف كما هو دون أدنى تدخل، مهما يكن غرضه أو هدفه أو الغاية التي يرمي اليها وينشدها، وتلك أمانة علمية وضعوها على عاتقهم، ونهجوا عند تحقيقهم للمخطوطات طريقتين: أ ـ بعضهم ترك عبارات المؤلف وألفاظه وأخطاءه كما هي في الاصل وعلقوا عليها في الهامش بما يفيد الصواب ويوضح الرأي السليم أو الرأي المخالف. الخب ـ وبعضهم تدخل في نفس الاصل، وعدل في عبارات المؤلف بالزيادة أو النقصان لتصحيح الخطأ، واستقامة الأسلوب، لكن كل ذلك يضعه بين قوسين، ثم يعلق على ذلك في الهامش بما يوضح مدى تدخله، كمًا وكيفًا، ليكون القارئ على بينة من كل ذلك، وكلا الفريقين يوضح طريقته في التحقيق، والمنهج الذي سلكه وذلك عندما يهم بكتابة مقدمة التحقيق.وأما القول بأن القارئ في كثير من الأحيان سيقرأ المتن ولن يكترث بمراجعة الهوامش! فالأمر لا يمكن تصوره في شأن قارئ يبحث عن معرفة الحقيقة، وخاصةً في الكتب المحققة.. ثم إنه اصطلاح علمي، اتفق عليه المحققون وتعارف عليه القراء، وأصبح معمولاً به في مجالات البحث العلمي والهيئات والدوائر العلمية والجامعات.. ثم إن القارئ الذي لم يكترث بالهوامش، ويقرأ المتن فقط، هو قارئ عابر لا ينبغي أن يقام له وزن، لأن هدفنا هو القارئ الذي يبحث عن المعرفة الحقيقية الصادقة، ومن هذا النوع من القراء المتخصصين ممن وقعت المخطوطة في أيديهم قبل تحقيقها، وكانوا هدفا لتضليل المؤلف في بعض الوقائع.ولعلنا نذكر أن المؤلفات قديما كانت تشتمل على متن، وشرح للمتن ثم حاشية لهذا الشرح، ثم تعليق أحيانًا على تلك الحاشية، ومع ذلك فإن القارئ كان يقرأها جميعها لأنه يريد أن يستوعب الموضوع كله.وبعد، فإن أي عمل مهما بلغت درجة إتقانه ومهما بذل فيه لا يصل إلى درجة الكمال ـ فالكمال لله وحده ـ وإذا كان هناك بعض قصور فإنا نَعِدُ بتلافي ذلك في الطبعة الثانية بمشيئة الله تعالى مع تقديرنا الكبير لاهتمام معاليه وتجاوبه وفقه الله.
الناشر: مجلة الدارة
تاريخ النشر: فبراير/1999 م