أما الفكرة الثانية التي تبلورت في ذهني إثر الإنتهاء من قراءة كتاب “أسس العلاقات العامة وتطبيقاتها” فتتعلق بمحاولات الدكتور البدر في بلورة تصور معين عن العلاقات العامة من منظور إسلامي. وكشفت هذه المحاولات عن مقدرة المؤلف في استعراض عملية العلاقات العامة في ضوء القواعد الإسلامية لدرجة يمكن معها القول إن ذلك التصور يشكل معالم رئيسية أصيلة لعلاقات عامة إسلامية موجودة منذ فجر الإسلام وذلك قبل أن تتبلور مناهج وأصول العلاقات العامة الحديثة باعتبارها مبتكرات أمريكية.ومن يتأمل كتاب أسس العلاقات العامة وتطبيقاتها يجد أن المؤلف قد حاول بقدر ما يسمح به المقام وحسب المصادر المتاحة التذكير بالقواعد الإسلامية عند تناوله لمناهج العلاقات العامة كما يتصورها الفكر الغربي. ولا يجد القارىء صعوبة عند استعراضه لفصول الكتاب من الوقوف في ثناياه على آية كريمة أو حجيث نبوي أو مثل عربي سائر أو بيت من الشعر العربي الموزون المقفى. وعلى سبيل المثال حينما تناول المؤلف المنطلقات الأساسية لبرامج العلاقات العامة وتحدث عن الإلتزام بالأخلاق الشريفة باعتبارها من أهم قواعد دساتير جمعيات العلاقات العامة ذكر المؤلف بما يلي:وإذا ما استعرضنا تلك القواعد نجدها لا تأتي بجديد عما يلمنا به ديننا الحنيف فهي اجمالا تدعو إى الصدق وتنبذ الكذب: “إن الصدق يهدي إلى البر … وإن الكذب يهدي إلى الفجور”. وتدعو إلى الأمانة وتمقت الخيانة .. “إن الله لا يحب الخائنين”. وتنادي باحترام الوقت وتزدري تضييعه “والعصر إن الإنسان لفي خسر” .. وتدعو بإتقان العمل وتشهر بالمخادعة “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” .. وتدعو إلى احترام مواثيق الآخرين وتعهداتهم “وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا” .. وتدعو إلى عدم افساد العمل على أحد زملاء المهنة “لا يبع أحدكم على بيع أخي” .. وتدعو إلى عدم المغالاة في الأتعاب “إن الله لا يحب المسرفين”.وعقد المؤلف فصلا مستقلا في كتبه بعنوان: “العلاقات العامة في الإسلام”. وفي ختام هذا الفصل قال المؤلف:فالعلاقات العامة اليوم تتكلم عن مؤسسات تضخمت أجهزتها واتسع نطاق خدماتها بحيث أصبح التعامل الفردي معدوما فيها. لكن ذلك لا يلغي أن حسن الخلق إذا أشعناه في تعاملنا سوف يثمر ثمارا تحقق لنا أهداف ومرامي أنشطة (سائر أوجه نشاط) العلاقات العامة الحديثة. فالصدق أساس في الإسلام وقد رأينا أنه من صفات المؤمنين وأن الكذب من صفات المنافقين والمنافق مذموم في كل الأوساط وفي كل الأزمنة والأمانة ركيزة أساسية في المعاملة بين المسلمين وهي صفة من صفات المؤمنين في حين أن الخيانة صفة من صفات المنافقين والصراحة صفة مهمة من صفات المسلمين لكن من غير تجريح. والبشاشة صفة إسلامية أساسية من صفات المؤمنين وهي مطلب من مطالب العلاقة العامة الحديثة وتعتبر النميمة من الصفات المذمومة في الإسلام وهي غير مرغوبة في من يمارس العلاقات العامة. وسعة الإطلاع مما أوصى به الإسلام ” قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”. وهي من الصفات المرغوبة في رجل العلاقات العامة. المظهر الحسن مطلب أساسي في رجل العلاقات العامة خاصة من سيكون في الواجهة وهو موصوف بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ” إن الله جميل يحب الجمال”. ويطلب في رجل العلاقات العامة أن يكون لين العريكة ورسولنا صلى الله عليه وسلم أمرنا بالرفق في كل أمورنا “إن الله يحب الرفق في الأمر كله”.ويضيف المؤلف قائلا:وهكذا نجد أن صفات رجال العلاقات العامة هي الصفات المطلوبة في المسلم الحق. فإذا ما طبقت تعاليم الإسلام فإن أهداف العلاقات العامة تتحقق ولا يبقى إلا التقنية وذلك من المتغيرات التي تتغير من زمان إلى آخر ويمكن تعقبها للإستفادة منها في كل زمان طبقا لمتطلباته.وما دام الأستاذ الدكتور البدر قد تعرض للعلاقات العامة من منظور إسلامي على النحو المشار إليه أعلاه فقد يكون من الملائم لو أنه عمل على تطوير الفصل الخاص بالعلاقات العامة في الإسلام وأشبعه بحثا بغرض وضع نظرية إسلامية عامة تحت مسمى العلاقات العامة الإسلامية.ولدى استعراض المؤلف للتطور التاريخي لعلم العلاقات العامة ذكر أن شركة الزيت العربية الأمريكية كانت أول من استخدم العلاقات العامة منذ عام 1351 هـ بالمملكة العربية السعودية. وما ذكره الدكتور البدر صحيح. ولقد نوهت عن هذه الحقيقة في كتابي باللغة الإنجليزية “بترول الشرق الأوسط” Middle East Oil. وقد تحدثت شركة الزيت الزيت العربية الأمريكية عن دور العلاقات العامة في مجال أعمالها البترولية في دليلها باللغة الإنجليزية. وفي هذا الخصوص ورد بهذا الدليل ما مؤداه أن إدارة العلاقات العامة مسئولة عن تمثيل الشركة أمام شعب المملكة العربية السعودية وأقطار الشرق الأوسط الأخرى. كما أن أرامكو تستخدم نفس الإدارة كقناة اتصالات إلى عمالها. وتعمل نفس الإدارة على إصدار النشرات الدورية والمسجلات الأسبوعية والشهرية التي تتحدث من بين أمور أخرى عن سائر أوجه نشاط الشركة وتدير نفس الإدارة محطات راديو وتلفزيون وتقوم بدعوة رجال الحكومة ووجهاء المجتمع لزيارة مرافق الشركة وتقدم للرأي العام داخل المملكة العربية السعودية وخارجها صورة حقيقية عن أعمال الشركة وسياستها بواسطة إقامة المعارض داخل المملكة وخارجها. وفيما يتعلق بشعب المملكة العربية السعودية يعتبر كل موظف بأرامكو رجل العلاقات العامة مسئول عن تمثيل الشركة أمام الشعب السعودي في خصوص العمل الذي يقوم به.
الناشر: جريدة اليوم
– العدد:7213
تاريخ النشر: 15/03/1993م