ميناء العقير أول ميناء سعودي في عهد الملك عبدالعزيز 

كنتُ على متن إحدى طائرات “الخطوط الجوية العربية السعودية” المتجهة من لندن إلى الرياض مساء يوم الجمعة الموافق 21 من شهر محرم الحرام عام 1417هــ، وكان الطيران بحق ممتعاً ومريحاً للغاية، وتناولتُ أثناء الطيران بعض المجلات والصحف لقراءتها بما في ذلك مجلة “أهلاً وسهلاً” العدد 6 ــ محرم /صفر 1417هــ التي تصدرها “السعودية” كل شهرين. ولدى تصفحي للمجلة وقع نظري على مقالة ذات طابع تاريخي تحت عنوان “تاريخ المواصلات: المواصلات البحرية في المملكة ومراحل تطورها في عهد الملك عبدالعزيز” بقلم الدكتور “محمد بن عبدالله السلمان”.وقرأت المقالة التي استهلها الكاتب بقوله:”كان عهد البلاد السعودية بالمواصلات البحرية قديما ومنذ مئات السنين وذلك نتيجة لوقوع المملكة العربية السعودية على جهتين من البحار، فمن الجهة الشرقية تطل على الخليج العربي، وبالغرب تطل على البحر الأحمر بساحله الطويل، فنشأت لذلك العديد من المواني التي استخدمت لغرض النقل البحري. والساحل الشرقي للمملكة يتألف مــن شاطئ أكثره رملي وتقع عليه عـدة موانئ منها: القطيف والجبيل ورأس تنورة وكذلك الدمام والخبر، أما الساحل الغربي للمملكة فهو أكثر استقامة من الساحل الشرقي وأطول منه، غير أن فيه بعض الشعاب المرجانية التي قد تعيق سير الملاحة وتهددها، ومع ذلك فإن موانئ هذا الساحل كثيرة: مثل جيزان والقنفذة والليث ورابغ وأملج وينبع والوجه لكن ميناء جدة يعتبر أهم تلك الموانئ على الاطلاق”.وبعد الانتهاء من قراءة المقالة وجدتُ أنها غير شاملة للموضوع الذي تَطَرَّقَتْ إليه، وبها بعض القصور إذا ما قورنت بعنوانها الشامل “المواصلات البحرية في المملكة ومراحل تطورها في عهد الملك عبدالعزيز”.أغفل الكاتب حتى الإشارة ــ مجرد الإشارة ــ إلى أول ميناء سعودي على الإطلاق في عهد الملك “عبدالعزيز” أَلاَ وهو “ميناء العقير” ذو الصيت المعروف والشهرة التاريخية. ويقع ميناء العقير على ضفاف “الخليج العربي” الغربية. ولميناء العقير تاريخ يعرفه “ياقوت الحموي” و”الأزهري” و”الصاغاتي” والكثير من جغرافي العرب ومؤرخيها منذ العهد الجاهلي وحتى عصورنا الحديثة. وبالعقير كساحل آثار مطمورة تشهد على عظمة ماضيه وإن كان لم يكشف النقاب عنها بعد. وبه ميناء كانت له أهمية بالغة على مر العصور لكل من الأحساء ونجد. إذ هو منذ القدم ثغرهما، وعن طريقه كانت البضائع والخدمات تنقل إليهما من البلدان العربية الواقعة بشرق جزيرة العرب وبلدان “فارس” و”الهند” و”سرنديب” و”سومطرة”. وتكفي الإشارة إلى ما أورده علامة الجزيرة الشيخ “حمد الجاسر” من وصف “ابن الزجاج” في رسالة له إلى ديوان “الخلافة العباسية” من أن “العقير”: دهليز “الأحساء”، ومصب الخيرات منه إليها، وكثرة الإنتفاعات التي جل الإعتماد عليها”. ومنذ استرداد جلالة الملك “عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود” “الأحساء” في عام 1331 هـ وحتى بدايات السبعينيات من القرن الهجري الماضي كان ميناء “العقير” هو الثغر المهم إن لم يكن “الوحيد” من حيث الأهمية “للمملكة العربية السعودية” على شواطئها الشرقية. وعاصر هذا الميناء أمجاداً إذ على ضفافه في العهد السعودي حط الرواد الأوائل الباحثون عن البترول رحالهم فيه. واتخذ اسمه (أي اسم ميناء العقير) مسمى لإتفاقية سعودية بريطانية شهيرة لصالح المملكة وُقِّعَتْ على ضفافه في بداية الأربعينيات من القرن الهجري الماضي. وبالأمس كان ميناء العقير هو بوابة الأحساء ونجد البحرية. وفي هذا الخصوص يروي الأستاذ المربي “عثمان الصالح” أن للملك “عبدالعزيز” رحمه الله ــ بعد استرداده الأحساء ــ عن ميناء “العقير” مقولة مشهورة هي: “الآن عرفتُ أن لي دولة وملكا، وقد ملكتُ منفذاً بحرياً على العالم”. ويضيف الأستاذ “الصالح” بأن ميناء “العقير” هو ميناء المنطقة الوسطى (أي منطقتي نجد والقصيم).وللبحر، كما يعلم أهل الأحساء، سمارُهُ، ونواخذتُه، وشعراؤُه، وصيادُوا سمكه. يقول أديب الأحساء الأستاذ “عبدالله الشباط” عن أسماك “العقير” ما مؤداه أنها تعتبر من أجود الأنواع .. فطعمها لذيذ ونكهتها طيبة .. ويعود سبب ذلك إلى زيادة الملوحة في مياه البحر ونظافة المراعي البحرية لبعد الساحل عن المناطق السكنية وخلوه من التلوث.. ومن أشهر أسماك هذه المنطقة (ولا يزال القول للأستاذ الشباط) الكنعد والتونة والحاقول والدويلمي والهامور.والعقير اليوم أرض سياحية بكر. وهو بالنسبة لأهالي الأحساء من أهم المنتجعات السياحية، والكثير منهم، لا سيما ساكني القرى القريبة منه، يرتادونه ــ رغم بساطته ــ في المناسبات وأيام الأنس والمسرات.وتغنَّي السمار بالعقير، وضفافه الجميلة، وبحره الهاديء، وهوائه اللطيف، ونسيمه العليل، ولياليه المقمرة. وفي قصيدة طويلة بعنوان “منظر رائع” يقول الشاعر “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم” في مطلعها:
بَيْنَ عَيْنَيَّ رُوَاً ….. مُسْتَمِرٌ وَضِيَاءوَدُنَاً عَائِمَةٌ ….. فِي شُمُوعٍ وَسَنَاوَعَلَى الشَّطِّ بَدَتْ ….. صُوَرٌ تَسْبِي النُّهَاجَلَّ مَنْ أَبْدَعَهَا …… تَمْلأُ النَّفْسَ هَنَا
وكان الشاعر “آل ملحم” يقصد بـ “منظر رائع” منظر شواطىء ورمال “العقير” الجميلة حيث يقول عنها:
يَا لَيَالِي وَصْلُنَا ….. فِي “الْعُقَيْرِ” وَالصَّفَاأَتْحِفِينَا مَرَّةً ….. بَلْ مِرَارَاً بِاللِّقَاإِنَّ فِيكَ سَلْوَةٌ ….. مِنْ ضَنَانَا وَالْعَنَانَتَلاَقَى عُصْبَةٌ ….. فِي شَواطِيكِ مَعَاحَيِّ يَا شِعْرُ مَعِي ….. شَطَّهُ وَالْمَلْعَبَاوَرِمَالاً عِنْدَهُ ….. مَائِسَاتٍ طَرَبَاحَيِّ يَا شِعْرُ مَعِي …… فِي “الْعُقَيْرِ” سَلَفَاهَذِهِ آثَارُهُمْ …… بَيْنَ عَيْنِي تُجْتَلَىيَا “عُقَيْرَ” الأَمْسِ فِي ….. خَلَدِي مِنْكَ سُدَىلَمْ أَزَلْ أَذْكُرُهُ …… لَكَ وَالذِّكْرَى كَفَىمَرْحَباً يَا شَاطِئاً ….. ضَمَّ أَلْوَانَ الْهَنَاحَسْبُكَ الْفَخْرُ بِأَنْ ….. قَالَ فِيكَ الْقُدُمَاكُلَّ قَوْلٍ طَيِّبٍ ….. وَتَغَنَّى الشُّعَرَا
وعن العقير وتاريخه كميناء قال الشاعر:
يـَـا “عُقَيْراً” لَــمْ يَـــزَلْ ….. فِيـــهِ آثَــارُ الْبِنَـــاقَائِمَاتٌ لَمْ تَزَلْ ….. شَاهِدَاتٌ لِلْعُلاَكُنْتَ دَوْماً لَمْ تَزَلْ ….. أَقْدَمُ الْبَحْرِ هُنَاهَمْزَةُ الْوَصْلِ الَّتِي ….. وَصَلَتْنَا الأَزْمُنَا
وعن الغوص وصيد اللؤلؤ بالعقير يقول الشاعر:
يَا زَمَانَ الْغَوْصِ فِي ….. لُجَج الْبَحْرِ مَضَىذَاكُمُ عَهْدٌ لَهُ ….. صِيتُ مَجْدٍ قَدَ جَرَىهَلْ تَرَى أَزْمَانُهُ ….. رَاجِعَاتٍ هَلْ تَرَى؟أَيُّهَا الْبَحْرُ الَّذِي ….. بِهِ غَاصَتْ أَهْلُنَاوَاجْتَلُوْا مَحَّاَرَهُ …… كَالْعَذَارَى فِي السَّنَامِنْهُ صَادُوا لُؤْلُؤاً ….. قَدْ كَفَاهُمْ مُؤَنَا
ومن المأمول أن تمتد يد الإصلاح الحكومية إلى العقير كمنتجع وإلى مينائه ذي الأهمية التاريخية، وفي هذا الخصوص حبر شيخ الشباب صديقي الأديب “محمد بن الشيخ عبدالله المبارك” إمام جامع الإمام “فيصل بن تركي” بحي “النعاثل بمدينة “الهفوف” حاضرة “محافظة لأحساء” قصيدة جميلة من أبياتها:ــ
إِنَّ الْعُقَيْرَ جَمِيلَةٌ ….. مَيْنَاؤُهَا عَبْرَ الأَثَرْفَمَتَى يُعَادُ بِنَاؤُهُ ….. وَمَتَى سَيُعْلَنُ ذَا الْخَبَرْ؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــوزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق، ورئيس دارة الدكتور آل ملحم للمحاماة والتحكيم والإستشارت القانونية
09/1996م03/1417م

الناشر: مجلة أهلاً وسهلاً

,السنة:20,

العدد:9

تاريخ النشر: 09/1996م

 نجم لن يأفل 

أعرفُ هذا “النجمَ” منذ أن شببتُ عن الطوق لقرب منزله من منْزلي وذلك قبل أن يعرفَني، وبعد أن تعرَّف عليَّ استمرت هذه المعرفة قرابة الأربعين عاماً.عاش هذا “النجم” حياته كلها في “حي” أو “فريق آل ملحم” “بالنعاثل” أحد أحياء مدينة “الهفوف” القديمة حاضرة “محافظة الأحساء”.كنت أشاهدُه عند الأصيل أكثر من مرة [وأنا مع أترابي نلعبُ في “حيِّنا” قرب دكاكين وطبيلات النافع الشهيرة] مترجلاً و”مشلحه” الأسود على كتفه وكان معه مترجلاً كذلك زميل صباه ورفيق دربه الشيخ الأريب “خليفة بن عبدالله بن عبدالمحسن آل ملحم”.كان كلاهما في عنفوان شبابه، وكنت مع أترابي نتهيبُ حتى من رؤيتهما.وكان كل منهما شامخ القامة، وكنت أراهما حينما يؤوبان إلى مَنْزِلَيْهِمَا عند الأصيل من مزرعة “العطافية” التي تقع خارج أسوار مدينة “الهفوف” القديمة. وهي مزرعة يملكها هذا “النجم”؛ رأيتمها .. ولا زلت أتصورهما .. “ذكرى” و”صورة” لاَ تزالان إلى الآن عالقتين بمخيلتي! كان هذا “النجم” من وجهاء “الأحساء” الذين يشار إليهم بالبنان خلال عقود كثيرة.عن أخلاقه وعفة لسانه فحدث ولا حرج.وعن كرمه ورحابة صدره فحدث كذلك ولا حرج.كان من رجال الأعمال الأذكياء يديرُ شئونه التجارية والمالية وحده، وكان مثل ربان السفينة الحاذق يواجه ـ عبر السنين ـ رياح وعواصف عالم المال والتجارة والزراعة والعقار بمهارة وتؤدة وتبصر وحسن قيادة.كان هذا “النجم” مـن الرعيل العظيم مـن أبناء “الأحساء” البررة من أمثال:ـ “محمد بن إبراهيم الجندان، وحمد بن محمد النعيم، وعبدالعزيز بن منصور التركي، وخليفة بن عبدالله آل ملحم، ومحمد بن حمد النعيم، وإبراهيم الصالح المهنا، وسعد بن إبراهيم القصيبي، وعبداللطيف بن عبدالله المبارك، ومحمد بن عبدالعزيز العجاجي، وعبدالله بن عبدالرحمن الملا ” الذين لم يألوا جهدًا في دعم الحركة التعليمية الأساسية في عهد الملك “عبدالعزيز” يرحمه الله في “مقاطعة الأحساء”. وكان هذا “النجم” من المشجعين للحركة التعليمية “بالأحساء”، ويكفيه فخراً أن أبواب منزله كانت مفتوحة لاستقبال المدرسين الرواد من أبناء “الكنانة” الذين شَرَعُوا في التدريس في “مدرسة الأحساء الثانوية” منذ افتتاح أبوابها في عام 1367هـ.وكان منزله مفتوحًا أيضًا على مدى خمسين عامًا أو أكثر لأصدقائه ومحبيه ولِمَنْ يصل “الأحساء” من داخل المملكة العربية السعودية أو من خارجها سواء للزيارة العابرة، أم لقضاء عمل خاص، أم لتأدية مهمة حكومية، أم للتنَزه والاستجمام.وكان من توفيق الله سبحانه وتعالى له أن كان من شأن “مجلسه” المفتوح على مدى عقود من الزمان تعزيز مكانته الاجتماعية، وتبوُّؤُهُ الصدارة بين أعيان “الأحساء” ورجالاتها وسراتها وعلمائها. أما مجلسه فأصبح على مر الأيام والليالي بمثابة “المنتدى” الذي يؤمُّه الكثير من أبناء “الأحساء” وكان “مؤلف هذا الكتاب” منهم.وكان “قطب الرحى” في هذا المجلس وعلى مدى الأربعين عامًا رجلاً متواضعاًد من طلبة العلم صَاحَبَ هذا “النجم” بأمانة وإخلاص، وكان في علاقته بهذا “النجم” بمنزلة الرفيق، والخدين، والصديق، والسمسار.وطالبُ العلمِ هذا هو الشيخُ “عبدالله بن فهد أبوشبيب” الذي اعتاد تَصَدُّرَ مجلس هذا “النجم” في مغرب كل ليلة لقراءة ما تيسر من كتب الحديث والسيرة النبوية وسير الصحابة رضوان الله عليهم، وكانت سيرة “ابن هشام” أهم كتاب كان يقرؤه، وكان يقرؤه إنشادًا وبصوتٍ جميلٍ أخَّاذ، ولقد حضرتُ هذا المجلس أكثر من مرة من أجل الاستماع إلى صوت هذا “الشادي” وهو ينشدُ أحاديث الذكر وتاريخ السيرة النبوية.وشارك هذا “النجم” في الحركة التنموية في “الأحساء” ومن ذلك تأسيس “شركة كهرباء الأحساء” في عام 1368هــ، وكانت شركة مساهمة عامة. وكانت المشاركة في هـذه الشركة مـع كوكبة متفانية مـن الرجال منهم:ـ سمـو الأمير “عبدالمحسن بن جلوي، وإبراهيم الجفالي، وأحمد الجفالي، وعبدالله بن عدوان، وعبدالرحمن بن سليمان بالغنيم ، وعبدالمحسن الأحمد آل ملحم، وموسى الكليب ، وخليفة بن عبدالله آل ملحم” يرحمهم الله ..وكان الباعث لتفاني هذا “النجم” مع زملائه في تأسيس هذه الشركة الرغبة في استعادة الثقة من جديد لدى أهالي “الأحساء” في تأسيس الشركات، وهي الثقة التي فقدوها عندما تعثَّرت “شركة التعاون” المؤسسة في منتصف الستينيات من القرن الهجري الماضي فـي حــي “زقيجان” الواقع بشمال شرق مدينة الهفوف القديمة.وأتذكرُ أنني شاركتُ، حينما كنت طالبًا في “متوسطة مدرسة الأحساء الثانوية” في كتابـة الكثير مـن الرسائل التي كانت إدارة شركة الكهرباء برئاسة الشيخ “خليفة بن عبدالله آل ملحم” ترسلُها ـ آنذاك ـ إلى الإخوة:ـ إبراهيم الجفالي وأحمـد الجفالي في جدة بصفتهما من مؤسسي الشركة.وتعرَّفتُ على هذا “النجم” من خلال “نادي مدرسة الأحساء الابتدائية الأسبوعي” الذي كان يحضرُ حفلاته، وكذلك عندما ألقيتُ كلمة باسم شباب “الأحساء” في ميدان بالقرب من “قصر خزام” غرب مدينة “الهفوف” القديمة أمام صاحب الجلالة الملك “سعود بن عبدالعزيز آل سعود” يرحمه الله في أحد زياراته “للأحساء” حينما كان وليًا للعهد.ويذكرُ الأستاذ الأديب “عبدالله بن محمد بن خميس” أنه حينما قدم إلى “الأحساء” لافتتاح”المعهد العلمي” قبل منتصف السبعينيات من القرن الهجري الماضي حَلَّ ضيفًا في منْزل هذا “النجم”، وبمنْزله تعرَّف “بن خميس” على “أبوشبيب” وهي معرفة استمرت وتوطَّدت بينهما على مر السنين، وعلى إثر وفاته في عام 1403هـ [أي وفاة أبوشبيب] حبَّر “بن خميس” “تأبينًا” نشره في جريدة “الجزيرة” نَعَتَهُ فيه براوية “الأحساء” وبلبلها الغريد. (1) وحينما كنتُ أدرسُ بجامعة “القاهرة” في نهايات السبعينيات وبدايات الثمانينيات من القـرن الهجري الماضي، وكان معي ـ آنـذاك ـ الكثير من أبناء “الأحساء” الذين كانوا يتلقون العلم بالجامعة نفسها، كان هذا “النجم” يتردَّد على “قاهرة المعز” قاطنًا في شقة بحي “قاردن ستي”، وكان يؤُمُّ شقتة الكثيرُ من أصدقائه من “الأحساء” وغيرها الذين كانوا يتردَّدون على “القاهرة”، وكان هذا “النجمُ” بين الفينة والأخرى يزورُ البعضَ منا في سكنه في أحياء “الدقي” و”العجوزة” وغيرها مثل الأب الحنون يتفقدُ أحوالنا، وكان بصحبته الطالب “ناصر بن محمد بونهية” الذي كان يَدْرُسُ بكلية تجارة جامعة القاهرة.وتمكَّن هذا “النجم”، يرحمه الله، على مر السنين من تكوين أصدقاء له يذكرونه بالخير في “الأحساء” وقراها وفي مدن “الخبر” و”الدمام” وسائر مدن “المملكة العربية السعودية” وخارجها. وكان من أصدقاء العمر الذين لم يفارقوا مجلسه إلاَّ ما نـدر [وحسب علمي] كل مـن :ـ “خليفة بن عبدالله آل ملحم، وعبدالمحسن بن عبدالله آل ملحم، وعبدالله بن عمر الناصر الفوزان، وعبدالمحسن الأحمد آل ملحم، ومحمد بن زيد الشثري، وموسى الكليب”.وبرغم ما مـرَّ بأحياء ومدن المملكة العربية السعودية من تحولات جذرية بسبب الطفرة الاقتصادية التي ترتب عليها إنشاء أحياء جديدة في معظم مدن المملكة انتقل إليها أفرادٌ وأسرٌ بكاملها إلاَّ أن هذا “النجم” لا نظير له في خصوص محبته للمنْزل الذي قَطَنَ فيه طيلة حياته.أقولُ: برغم هذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية إلاَّ أن هذا “النجم” لم يغير منزله مع أن في إمكانه ذلك، بل ظلّ قاطنًا فيه، وعاشقًا له، يرمِّمُه وثم يصونه حتى توفاه الله هذا مع العلم أن كل جيرانه قد انتقلوا إلى أحياء جديدة خارج مدينة “الهفوف” القديمة.ويحيط بمنْزله ثلاثة مساجد:ـ مسجد “السدرة” الذي كان يتردَّد عليه طيلة حياتـه وكان إمامه الشيخ “أبوشبيب”، ومسجد “أبوربيانة” بوسـط “حي” أو “فريـق آل ملحم” وكان إمامه الشيخ “إبراهيم العلي ملحـم”، ومن ثم أخاه “محمدًا”، وجامع الإمام “فيصل بن تركي آل سعود” الذي كان يؤدي فيه صلاة الجمعة، وأئمته في عهده أصحاب الفضيلة من أسرة “المبارك”:ـ “عبداللطيف، ومن ثم ابنه عبدالله، ومن ثم ابنه محمد”.ونظرًا لما لهذا الرجل من مكانة في “الأحساء” فإنني أقترح على أبنائه أن يحوِّلوا “المنزل” الذي أحبه والدهم إلى “منتدى فكري” يضم “متحف” و”حديقة عامة” و”مكتبة عامة” ومدرسة للحديث” و”دار أيتام” باسمه تخليدًا لذكراه. وحدَّثني من أثق به أن هذا “النجم” كان يفعل الخير في صمت، وبنى العديد من المساجد.وكان “مجلسه” المفتوح يتصف بالهدوء والمهابة والوقار وتمتلئ أرجاؤه بالأحاديث المفيدة النافعة.وكان يكره أن يُغْتَابَ أحدٌ في مجلسه، ولقد أخبرني من أثقُ بـه أن “شخصًا” ـ أعرفُـه “شخصيًا” وقد توفـاه الله منذ حين ـ قـد اغتاب أحد أقاربه في مجلس هذا “النجم”، فما كان منه [أي من هذا النجم] إلاَّ أن انبرى في الحال طالباً من هذا الشخص التزام الصمت، وَمن ثم خَاطَبَهُ قائلاً بما معناه:ـ “من يحضرُ مجلسنا عليه أن يقولَ خيرًا أو يسكت”.وما ذكرتُه ليس إلاَّ نموذجًا من أخلاق هذا “النجم” الحسنة.وشهد منْزله في الستينيات والسبعينيات من القرن الهجري الماضي جموعًا تكتظُ كل عام بداخله من مستحقي الزكاة التي كان يفرقها عليهم بالنيابة عنه الشيخ “أبوشبيب”، وكانت زكاة هذا “النجم” وزكوات كانت تصله ـ آنـذاك ـ مـن أهل الخير فـي “الأحساء”، و”نجـد”، و”الحجاز” مـن أجل توزيعها على فقراء “الأحساء”.ولقد نشر الأستاذ الأديب “سعد بن عبدالعزيز الرويشد” في جريدة “الجزيرة” “تأبينًا” مؤثرًا بعنوان “مات وجيه الأحساء”، وورد في “التأبين “كلمات” جامعة مانعة بليغة رأيت اقتباسها [ودون استئذانٍ مسبقٍ من كاتبها فليعذرني] ونصها كما يلي:ـ (2) “لقد جمع فقيدنا عليه رحمة الله بين الهدوء، ورجاحة العقل، والنزاهة، والحياء، ومكارم الأخلاق، وبعد النظر، يُحسنُ إلى الفقراء والمساكين بصدقات جَزْلَةٍ وَسِرِيَّةٍ، لطيف المعشر، خفيف الصوت، وئيد الخطو، حسن الهندام، عفيف اللسان، يَزِنُ الكلام قبل أن يتكلم به، ومن أخلاقه الحميدة كرمُهُ وإكرامُهُ للضيوف قلُّوا أو كثرُوا، يقدم لهم الموائد التي على المستوى الرفيع في الكم والكيف لو ذهبتُ أصفُها لاَتُّهِمْتُ بالمبالغة … “(2)وكان هذا” النجم يرحمه الله يتفقدُ أصدقاءه إذا طالت غيبتهم عنه.وكانت له صلات واسعة وصداقات وطيدة مع “شخصيات” من أسرة “آل ملحم” عاشوا معه منذ الصغر.وكنت أتردَّد على منزل هذا “النجم” حينما أكون “بالأحساء”، وحينما أنقطعُ عن زيارته ومن ثم أقابله من باب المصادفة، أو في أي مكان كان يبادرُ بمعاتبتي، وكان يفعل ذلك مع غيري من أصدقائه.وحينما أزوره بمنزله كان يسألني عن أحوالي، كما كان كثير السؤال عن ولاة الأمر من “آل سعود”، وأشهدُ أنه كان محباً لهم، وكان يكثرُ من الدعاء لهم بالتوفيق والسداد.وكنت أجدُه حينما أتحدثُ معه ملمًا بأحداث الساعة.وكان يتحدثُ عن الكثير من الأمور حديث الخبير. وكان يحدثُني عن أحوال “الأحساء” التي كان يحبُّها، وَلِمَ لاَ؟ وهي مسقط رأسه ومسقط رأس أبيه.كان يتمنَّى “للأحساء” الخير والتحديث.وكان “يرحمه الله” على صلة وثيقة بولاة الأمر في “الأحساء” إذ كان يزورهم في الأعياد والمناسبات العامة.وكان يستجيب كذلك لدعوات الأهالي لحضور مناسباتهم العامة، كما كان يواسي الكثير منهم في أحزانهم. ولهذا “النجم” أولاد وبنات، وكان من بينهم ابنه “عبدالرحمن” الذي توفاه الله قَبْلَهُ، وكنتُ معه على صلة ومعرفة.ولقد اتصف الأخ “عبدالرحمـن” ـ يرحمه الله ـ بصفات منها:ـ الشهامــة، والنبل، والوجاهة، والكرم.ولقد تأثَّر هذا “النجم” بفقد هذا الابن العصامي، وَحَزِنَ على فراقه كثيراً. رحم الله الشيخ “سليمان بن محمد بن عبدالله بالغنيم” رجل “الأحساء” الكبير و”نجمها” الذي لن يأفَل، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وأبناءه وبناته وَحَفَدَتَهُ الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.”
——————————-(1) راجع ابن خميس “مات ابوشبيب” بجريدة “الجزيرة”، العدد 3924 وتاريخ 8 رمضان 1403هـ
(2) راجع ابن رويشد، “مات وجيه الأحساء، غي جريدة “الجزيرة”، العدد رقم 8586 وتاريخ 13 من ذي القعدة/1416هـ. الموافق 1 أبريل عام 1996م.

الناشر: جريدة الجزيرة

– العدد:8599

تاريخ النشر: 14/04/1996م

حوار حول الشعر الحر (2): شمس وظل

شمس وظلبقلم عبد الرحيم نصاردرس في التعامل: منشر في مجلة اليمامة، العدد رقم 293، تاريخ 28/2/1394 هـ
نشرنا في الأسبوع الماضي ردًا للدكتور محمد الملحم عميد كلية التجارة بعنوان”درس في الاعلام”، وليسمح لي الصديق الدكتور محمد الملحم بأن أفيد سعادته بأن الدرس الإعلامي لم يكن للأسف “مفيدا” لأنه أغفل الموضوع الأساسي “موضوع الرد على الشعر الحر” .. وراح يحوم حول مسألة بعيدة عن صلب الموضوع.. وأعني بها الأمساك بحلق زميله الدكتور غازي القصيبي.. وهو ما عجبتُ له وَعَجَبَ لهُ القراء.. حيث استشف الجميع من كلام الدكتور الملحم بأن الدكتور غازي القصيبي هو الذي يكتب الأخبار عن الدكتور الملحم ويتحرَّش به.. وهذا لعمري فيه الكثير من التجنِّي..يقول الدكتور الملحم “وليسمح لي الدكتور القصيبي إذا كان في هذه التسمية “أي سياسة التحرش” شئ من الإنحراف الأكاديمي”، وهذه السياسة معروفة، وليست بالأمر الجديد في حقل الإعلام.. ثم يضيف لكن هذه السياسة غير قانونية ولكي تكون منتجة وفعالة فيجب وهنا موطن الشرعية.. أن يكون استخدامها بريئًا، وتخدم الصالح العام”. وقد حيَّرتني كلمة “بريئًا”!! فهل يتصور الدكتور الملحم أننا بملاحقتنا إياه واستحثاثنا له للكتابة حول الشعر الحر الذي يهاجمه ويسفهه هل يتصور أن في ذلك تحرشًا به وإساءةً إليه أو حتى خطأ إعلاميًا؟نحب أن نؤكد للدكتور الملحم أولاً أن “اليمامة” هي التي كتبت جميع الأخبار عن رد سعادته على “الشعر الحر” أولاً وثانيًا وثالثًا.. وأننا نعتقد أن الدكتور الملحم هو الذي وقع في فخ “سياسة التحرش!!” كما سماها، ونرجو أن تكون النوايا الطيبة هي رائدنا إلى الحق والثبات عليه.والدكتور الملحم الذي يهاجم “الشعر الحر” لم نسأله أن يلقي علينا درسًا في الإعلام وإنما طالبناه بأن يحاول البحث في “الشعر الحر”، ويقول رأيه فيه ولو بطريقة قانونية إن عز غيرها!! لكن الدكتور الملحم تهرب من ذلك كله.. ليخلص بسرعة إلى دعابة لطيفة وهو أن هدفه من الهجوم على “الشعر الحر” كان من أجل المساهمة في حل “أزمة الورق” التي تعاني منها الصحف عن طريق توفير الأعمدة التي تخصص لهذا الكلام المنثور للأمور الأكثر أهمية!!”ثم يطالبنا الدكتور بأن تهدي “اليمامة” إليه أحسن ديوان أو ديوانين يتضمنان هذا اللون من الكلام.. وعندئذ سيكتب رأيه في الوقت الذي يراه مناسبًا!!وأخيرا يصف الدكتور الملحم “الشعر الحر” بأنه كالزبد الذي “سيذهب جفاء” وهكذا يضع القضية على الرف ويستريح.هناك ثلاث نقاط نرجو من الدكتور أن يفتح صدره لها.. الشعر الحر “موجود” وكسب الجولة في محاكم المثقفين في العالم العربي.. وما زال يقوى ويشتد ويرسخ في الميدان وليس أدل على ذلك من أنه موضوع عشرات الأطروحات التي تقدم بها الأدباء والمثقفون لنيل الدكتوراه، وربما تأتت أزمة الورق التي يتحدث عنها الدكتور من هذه الطروحات، والبحوث الأدبية!! اليمامة تعد الدكتور الملحم بأن تهدي إليه ديوانا من “الشعر الحر” على شرط أن يكتب عنه نقدًا وبسرعةٍ وأن يثبت خلال بحثه أن “الشعر الحر” خال من الموسيقى “الوزن” وخال من المضامين الثقافية والفكرية والإنسانية..إن وصف الشعر الحر وبمنتهى البساطة بأنه زبد وسيذهب جفاء فيه كثير من التلقائية و الإرتجالية واليأس والعجز!!أخيرًا أود أن أهمس في إذن الدكتور بأنه لم يقرأ ديوانًا واحدًا من الشعر الحر” بتروٍ ولو فعل لما خفي عليه الوزن فيه بصفته أحد الذين ينظمون الشعر.المسألة في اعتقادي هي مسألة إعراض كامل عن هذا اللون من الأدب.. دون محاولة للبحث الفاحص.. ولكن هذه السلبية في “كره” الشعر الحر لأنه شعر بدون قافية مستمرة.. لا يمكن أن تطمس حقيقة واضحة كالشمس وهي أن “الشعر الحر” موجود.. موجوووود..!!


الناشر: مجلة اليمامة

– العدد:293ت

اريخ النشر: 28/2/1394 هـ

تعليق على مقالة: ضربة معلم (2)

 

تعليقات على مقالة ضربة معلمهذا النوع من الطرح .. لماذا نفتقدهبقلم الأستاذ محمد بن عبدالله الوعيل
عندما تستوقفنا في الآداب العالمية الكتابات الذَّاتيه كالاعترافات أو أن يكتب الأديب عن نفسه أو يضع بطلاً لرواية تحكي قصة حياته .. فإننا نجد زخمًا من المعلومات الخاصة عن هذا الأديب أو الشاعر. أيضًا هناك في العالم وخصوصًا الغربي من نجدهم يكتبون عن أديب أو شاعر التصقوا به أو صاحبوه في مرحلة من حياته. مثل هذا الطرح لا نجده “رائجًا” في عالمنا العربي وخصوصًا المملكة لأن الأديب أو الشاعر نادرًا ما يحب أن يتحدث عن نفسه أو أن يتحدث الآخرون عنه .. وقد يجد العاملون بالصحافة الكثير من المشقة عندما يرغبون في تقديم دراسة عن أديب أو شاعر سعودي .. ولذلك استوقفني ما كتبه ذات مرة الدكتور محمد الملحم والذي نادرًا ما يكتب رغم ريادته في الكتابات الأدبية الرصينة .. وقد يكون عزوفه عن الكتابة الكثيفة بسبب مشاغل المنصب الذي يشغله .. ولكن تبقى هذه اللماحية والعمق الذي يتناول به الموضوعات التي يتطرق إليها .. أقول استوقفني ما كتبه الدكتور محمد الملحم عن الدكتور حمود البدر عن طفولته وعن حياته الدراسية عند تعيينه أمينًا عامًا لمجلس الشورى، وهي وظيفة عامة جعلت “الملحم” يلامس شيئًا من حياة البدر عندما كان طالبًا في “القاهرة” والتي اتسمت بالمداعبة الأدبية التي تشد القارئ. هذا النوع من الطرح أجزم أن صحافتنا في غياب عنه بينما ذلك يدخل في حيز الأدب عندما يرتقي الكاتب بعيدًا عن النواحي الشخصية ليلمس الجوانب التي تهم القارئ.ولعلني أيضًا أطرح للنقاش أهمية وجود مثل هذا النوع من الأدب لأنه يدخل في باب التاريخ للأدب باعتبار أن الشخصية الأدبية أو الشعرية دائمًا ما تكون محصلة “إنسان” .. ويتعلق الإنتاج الأدبي أو الشعري بذلك الإنسان .. فالكثيرون يعرفون الانفصال بين الشخص وما يكتب وهو فيما بعد ـ أي هذا النوع من أدب السيرة ـ يتحول إلى “طرح مثالي” يمكن أن يحتذى من قبل الشباب والقراء.وإذا كان الدكتور الملحم قد جعلنا بما كتبه عن الدكتور حمود البدر نتذكر هذا اللون من كتاباته الأدبية في السنوات الماضية عن النفط والتعليم .. وله باع في الشعر .. فإن السؤال الذي يثار هو .. هل “كرسي الوظيفة” عامل من عوامل الإقلال في الإنتاج الأدبي، وإنه وإن كان لدينا في الأدب العربي نماذج قليلة من “الحديث الذاتي” أو “السيرة” الذاتية كما فعل طه حسين في “الأيام”، والعقاد في أحد كتبه حيث سرد الكثير عن حياته وآخرون .. ولم يقف المنصب الذي احتله طه حسين كوزير للمعارف ـ له آثاره البعيدة على التعليم في مصر ـ لم يقف المنصب دون النتاج الأدبي لطه حسين.هذه المداخلات جعلتني أتوقف عند أكثر من فكرة إعلامية في هذا الإطار في كتاب الدكتور عبدالرحمن الشبيلي “نحو إعلام أفضل” حيث لم يشغله المنصب عن صيانة أفكاره وتجاربه العلمية والإعلامية قي هذا المؤلف والتي كان أروعها هذه القفزات التاريخية التي صاحبت البدايات في الإذاعة والتلفزيون.وهناك نماذج أخرى ولو أنها قليلة إلا أنا تمزج عملية التجربة الذاتيه بالتجربة العامة خصوصًا إذا كان الكاتب قد عايش التجربة .. لأن الكتابة في مثل هذا اللَّون تصبح مصدرًا للتاريخ.
المصدر: جريدة اليوم، العدد رقم 7793،وتاريخ 18/8/1414هـ الموافق 29/1/1994م.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:7793

تاريخ النشر: 29/1/1994م

تعليق على مقالة ضربة معلم

تعليقات على مقالة ضربة معلم
هذا النوع من الطرح .. لماذا نفتقده؟
بقلم الأستاذ محمد بن عبدالله الوعيل

عندما تستوقفنا في الآداب العالمية الكتابات الذَّاتية كالاعترافات أو أن يكتب الأديب عن نفسه أو يضع بطلاً لرواية تحكي قصة حياته .. فإننا نجد زخمًا من المعلومات الخاصة عن هذا الأديب أو الشاعر. أيضًا هناك في العالم وخصوصًا الغربي من نجدهم يكتبون عن أديب أو شاعر التصقوا به أو صاحبوه في مرحلة من حياته. مثل هذا الطرح لا نجده “رائجًا” في عالمنا العربي وخصوصًا المملكة لأن الأديب أو الشاعر نادرًا ما يحب أن يتحدث عن نفسه أو أن يتحدث الآخرون عنه .. وقد يجد العاملون بالصحافة الكثير من المشقة عندما يرغبون في تقديم دراسة عن أديب أو شاعر سعودي .. ولذلك استوقفني ما كتبه ذات مرة الدكتور محمد الملحم والذي نادرًا ما يكتب رغم ريادته في الكتابات الأدبية الرصينة .. وقد يكون عزوفه عن الكتابة الكثيفة بسبب مشاغل المنصب الذي يشغله .. ولكن تبقى هذه اللماحية والعمق الذي يتناول به الموضوعات التي يتطرق إليها .. أقول استوقفني ما كتبه الدكتور محمد الملحم عن الدكتور حمود البدر عن طفولته وعن حياته الدراسية عند تعيينه أمينًا عامًا لمجلس الشورى، وهي وظيفة عامة جعلت “الملحم” يلامس شيئًا من حياة البدر عندما كان طالبًا في “القاهرة” والتي اتسمت بالمداعبة الأدبية التي تشد القارئ.
هذا النوع من الطرح أجزم أن صحافتنا في غياب عنه بينما ذلك يدخل في حيز الأدب عندما يرتقي الكاتب بعيدًا عن النواحي الشخصية ليلمس الجوانب التي تهم القارئ.
ولعلني أيضًا أطرح للنقاش أهمية وجود مثل هذا النوع من الأدب لأنه يدخل في باب التأريخ للأدب باعتبار أن الشخصية الأدبية أو الشعرية دائمًا ما تكون محصلة “إنسان” .. ويتعلق الإنتاج الأدبي أو الشعري بذلك الإنسان .. فالكثيرون يعرفون الانفصال بين الشخص وما يكتب وهو فيما بعد ـ أي هذا النوع من أدب السيرة ـ يتحول إلى “طرح مثالي” يمكن أن يحتذى من قبل الشباب والقراء.وإذا كان الدكتور الملحم قد جعلنا بما كتبه عن الدكتور حمود البدر نتذكر هذا اللون من كتاباته الأدبية في السنوات الماضية عن النفط والتعليم .. وله باع في الشعر .. فإن السؤال الذي يثار هو .. هل “كرسي الوظيفة” عامل من عوامل الإقلال في الإنتاج الأدبي، وإنه وإن كان لدينا في الأدب العربي نماذج قليلة من “الحديث الذاتي” أو “السيرة” الذاتية كما فعل طه حسين في “الأيام”، والعقاد في أحد كتبه حيث سرد الكثير عن حياته وآخرون .. ولم يقف المنصب الذي احتله طه حسين كوزير للمعارف ـ له آثاره البعيدة على التعليم في مصر ـ لم يقف المنصب دون النتاج الأدبي لطه حسين.هذه المداخلات جعلتني أتوقف عند أكثر من فكرة إعلامية في هذا الإطار في كتاب الدكتور عبدالرحمن الشبيلي “نحو إعلام أفضل” حيث لم يشغله المنصب عن صيانة أفكاره وتجاربه العلمية والإعلامية في هذا المؤلف والتي كان أروعها هذه القفزات التاريخية التي صاحبت البدايات في الإذاعة والتلفزيون.وهناك نماذج أخرى ولو أنها قليلة إلا أنا تمزج عملية التجربة الذاتيه بالتجربة العامة خصوصًا إذا كان الكاتب قد عايش التجربة .. لأن الكتابة في مثل هذا اللَّون تصبح مصدرًا للتاريخ.

المصدر: جريدة اليوم، العدد رقم 7793،وتاريخ 18/8/1414هـ الموافق 29/1/1994م.
———ملاحظة:———راجع مقالة ضربة معلم لمعالي الدكتور محمد آل ملحم في المقالات الأدبية

المقالة | تعليق على مقالة ضربة معلم
الكاتب: الأستاذ محمد بن عبدالله الوعيل
الناشر: جريدة اليوم، العدد :7793
تاريخ النشر: 29/1/1994م
الرابط:

ضربة معلم (1)

(1) ضربة معلم بقلم معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آلملحم
مضى على صداقتنا أكثر من ستة وثلاثين عامًا.تعرَّف بعضنا على بعضٍ بمدينة الرياض في صيف عام 1378هـ.كان رفيق الدرب وقتها طالبًا في المرحلة النهائية بالمعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة في عام 1378هـ.وكنت وقتها طالبًا في المرحلة النهائية بمدرسة الرياض الثانوية حينما كان مقرها بيت “ابن جبر” بحي “شلقة” في عام 1378هـ.قرَّرت الحكومة في ذلك العام، بعد نجاحنا، أن نواصل الدراسة بمصر، فاتفقنا على السفر سويةً.وفي مصر التحق صاحبي بقسم الصحافة بكلية الآداب ـ جامعة القاهرة، أمَّا أنا فقد التحقتُ بكلية الحقوق في الجامعة نفسها.وقرَّرنا أن نسكن معًا.وكانت رغبتنا الجامحة أن نسكن بالقرب من الجامعة، وأن نذهب اليها مشيًا على الأقدام. وبصعوبةٍ بالغة تحقق أملنا حيث وجدنا السكن المريح في شقة “بشارع الخطيب” بحي “الدقي” في ا”لجيزة”.وكما هو معروفٌ، تحتاج الدراسة في الغربة إلى استقرار نفسي، وإلى رفيق درب تشاطره ويشاطرك أحوال المسرة والألم.كنا نتفق وكنا نختلف، وهذه ظاهرةٌ صحية، وكان من شأن اتفاقنا على بعض الأمور، واختلافنا على أمور أخرى تقوية أواصر الصداقة بيننا.لعب الاستقرار النفسي، والرفقة القائمة على التفاهم والمحبة والتسامح دورًا هامًا في نجاحنا الدراسي.كان صاحبي هاويًا للصحافة متعلقًا بها، كانت في روحه ودمه حتى قبل أن يلتحق “بقسم الصحافة”، وحينما كان طالبًا في القسم كان يراسل بعض صحفنا السعودية من “القاهرة” لغاية نبيلة في نفسه تمكَّن من تحقيقها بسهولة، وكنت أتصور أن ما يرغب تحقيقه، عن طريق مهنة المتاعب، معجزة في حد ذاتها، وهي غاية نجح في الوصول اليها، وحينما أمسك بناصيتها وجد فيها خيرا وبركة.كان رفيقي يحدد وقت المذاكرة، كما يعرف وقت الراحة.وكان صاحب رأي،وكان يحاور، ولكن في أناةٍ، وصبرٍ، وبأدبٍ جم.وكان يستمع للرأي الآخر، وحتى إن لم يقبله فهو يحترمه.وكان مرنًا.وكان يتصرف دونما هوى جامح أو طيش بين.وهو خجول، ويطاطيء الرأس إذا سمع ما يكرهه…….وعدنا إلى الرياض، ومن ثم افترقنا إلى حين…….التحقتُ بكلية التجارة، جامعة الملك سعود معيدًا بقسم القانون بها. والتحق زميلي بوزارة العمل والشئون الاجتماعية، وابتعث من قبل وزارته إلى أمريكا للدراسة العالية حيث حصل من هناك على شهادتي الماجستير والدكتوراة في حقل “العلاقات العامة”، وهو حقلٌ تشكل الصحافة، أو على الأصح “الإعلام”، خلفيته الأساسية. ومكث بوزارة العمل والشئون الاجتماعية فترةً قصيرةً انتقل بعدها إلى جامعة الملك سعود أستاذا مساعدًا “بكلية التربية”. وفي فترة قصيرة تدرج في مناصب مختلفة بالجامعة كان آخرها وكيلاً بالجامعة حيث بقي بالوكالة لمدة اثني عشر عامًا، (أي من عام 1396هـ إلى عام 1408هـ)، وهي مدة قياسية بالنسبة لقرنائه في جامعته أو الجامعات الأخرى لأنه جدِّد له من قبل مجلس الوزراء في وكالة الجامعة أربع مرات. كما كان وحتى الآن رئيسا للجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية.وحينما كان بالجامعة لم يتخل عن محبوبته “الصحافة”.كان يكتب بين الحين والآخر.وكان ما يكتبه مقروءًا.تميَّز قلمه بالرشاقة، خفيف الظل، يتجنب التعقيدات، يخاطب أصحاب العقول المختلفة، يقود القارئ معه إلى حيث يرغب هو بسهولة.وللمربي علي أمين، وهو أحد أساتذته، تأثيرٌ بالغ عليه.صدر له كتاب في حقل العلاقات العامة تحت عنوان “أسس العلاقات العامة وتطبيقاتها”،وفي جريدة “اليوم” الغرَّاء قوَّمت هذا الكتاب، وكان من مرئياتي عنه ما يلي:”كتاب “أسس العلاقات العامة وتطبيقاتها” مهمٌ في خصوص الموضوع الذي تطرق له، وخرجتُ من مطالعتي للكتاب بثلاثة أفكار أساسية..تتعلق الفكرة الأولى بالنهج الذي سلكه المؤلف في عرض عملية العلاقات العامة من الناحية التاريخية والعلمية.وتتعلق الفكرة الثانية بمحاولات المؤلف الناجحة في بلورة معالم ما يمكن أن يسمى بعملية العلاقات العامة من منظار إسلامي.وتتعلق الفكرة الثالثة بحيوية العلاقات العامة وقدرتها على استيعاب كل جديد.وأشبع المؤلف الفكرة الأولى بحثًا وتدقيقًا .. وهذا ليس بمستغرب عليه لتمكنه من عملية العرض والطرح من الناحية العلمية . واكتسبَ المؤلف هذه المهارة من خلال ممارسته للعملية الصحفية منذ كان طالبًا بقسم الصحافة بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وكذلك بعد تخرجه منها. ولمسات هذه الممارسة جلية في أسلوبه الشيق، وهو الأسلوب الذي استخدمه في تأليف “أسس العلاقات العامة وتطبيقاتها”.والكتاب معد أساسًا لطلاب العلاقات العامة بالجامعة. ولهذا الغرض العلمي استخدم المؤلف في طرح أفكاره أسلوب العرض الموضوعي دون أن يفرض على الطالب توجهات معينة ذات طابع شخصي، أي أن المؤلف اعتمد تقديم أفكاره عن الموضوع الذي يعالجه بكل أمانةٍ وتجردٍ تاركًا له ـ أي للطالب ـ وعن عمد، حرية التفكير، وتكوين الرأي الملائم. وهذا نهج طيب تقتضيه الحرية الأكاديمية، والأمثلة المعبرة عن هذا الأسلوب المحايد ملموسة في أكثر من فصل من فصول الكتاب.ومنذ أيام استقبلتُ، وبارتياح عظيم وسعادة بالغة، نبا تعيين زميل الدراسة، ورفيق الدرب، القوي، الأمين، الدكتور حمود بن عبدالعزيز بن عبدالمحسن البدر أمينًا عامًا لمجلس الشورى. ولم يكن الخبر مفاجأةً لي لما أعرفه عن كفاءة هذا الرجل.النبأ الذي سمعته كان “ضربة معلم”، ويعرف هذا المعلم، وفق الله خطاه، لمن يعطي القوس.وليس لديَّ لأختتم هذه الكلمات أفضل مما تحدث به أبو بدر نفسه لجريدة “الرياض” الغراء عن شعوره لما عَلِمَ هو الآخر بنبأ اختياره، وهو حديث مختصر، ومعبر، وشامل.يقول معالي أمين عام مجلس الشورى:”لقد شرَّفني خادم الحرمين الشريفين بهذه المهمة وهو بذلك يتوقع مني أن أكون أمينًا في عملي، أمينًا في تعاملي، أمينًا على ما عهد به إليَّ، ومن ثم إنني وجل أن لا أكون كذلك، لكن ثقتي بالله، ثم ثقتي بدعم رؤسائي الذين سأعمل معهم بتوجيه من قائد المسيرة سيجعل النجاح في متناول اليد بإذن الله. إن التجربة جديدة فيما يتوقع منها، فهي مهمة لها طعم ولون يختلفان عما يمارسه الآخرون، إذ أن لنا ظروفنَا الخاصة وعادات وتقاليد أصيلة مستمدة في مجملها من ديننا الإسلامي، ومن ثم فان الأمر يتطلب الدأب للوصول إلى التوقعات.ليس الأمر سهلاً عندما يوضع الإنسان في المحك، إذ أن التنظير في الرخاء يختلف عن الممارسة الفعلية، وهذا ما يجعلني أحسب ألف حساب لهذا التكليف الذي أعتز به، بل أنه تشريف لي أن يظن بي هذا الظن الحسن مما يضاعف الإحساس بالمسئولية.”
المصدر: صحيفة الرياض، العدد رقم 9197، ص/5، وتاريخ 12/3/1414هـ الموافق 29/8/1993م.


ضربة معلم(1)
الناشر: جريدة الرياض

– العدد:9197

تاريخ النشر: 29/08/1993م

وتكفي قصيدة واحدة …(5)

وليس ما جاء في الحلقات السابقة التي استعرضت فيها بعضا من فكر ابن الوردي كما كتبه نثؤا وحبره شعرا إلا تأكيدا لمقولة أبي هلال العسكري لا نعرف أنساب العرب وتواريخها وأيامها ووقائعها إلا من جملة أشعارها فالشعر ديوان العرب وخزانة حكمتها ومستنبط آدابها ومستودع علومها وقد قيل كذلك لا شيء أسبق إلى الأسماع وأوقع في القلوب وأبقى على الليالي من مثل سائر وشعر نادر.ومن يتتبع شعر ابن الوردي يجد فيه ملحا نادرة وقصصا ظريفة وأمثلة سائرة وغزلا عذريا وامتاعا وتندرا ومؤانسة واقتباسات جيدة من القرآن الكريم ومن شعر العرب ومن سائر علوم الفقه والنحو اللغة.ومن أظرف شعر ابن الوردي قصيدته التي حبرها متندرا وساخرا وذاما لعبد له اسمه بهادر من أبيات هذه القصيدة:
بهادر عبدي لا بهاء ولا در …. فما أنا حر يوم قولي له حررقيق غليظ القلب فظ مقطب ….. كثير الأذى بادي البذا جبل وعرنموم نمؤوم ماكر غير شاكر ….. حقود نقود مائع خائن غمرذكي دقيق الفكر منتبه لما …. عناه ولكن عند مصلحتي غرلئيم متى أحسن إليه يكافني …. بسيئة لم ينكتم عنده سرثقيل خفيف الكف فيما ائتمنته …. وثوب على مالي كما يثب النمرله كل يوم فتنة أو شكاية …. وقال وقيل هكذا ينسل الكفرإذا حضرت أعيان قومي بمجلسي …. له حركات ضمنها النقص والصغرإذا قلت قم برد لنا الماء قال لي …. أترغب في فاني النعيم وتغتروإن قلت توبل خبزنا قال لا تكن …. مخالف ما يعتاده السلف الصدروإن قلت جمل بيتنا قال كل ذا …. فضول وفي أشباهه لم يلق فكروإن قلت قدم شربة الماء هزها …. بغيظ رجاء أن يكدرها العكروإن أقل امسح لي مداسي يقل صه …. أتنصر إبليسا عليك وما النصروإن قلت فانظر في الطعام هل استوى …. يقول افتقدت الملح فانكبت القدرأقول فهل من أمس عندك فضلة …. يقول أضعت الحزم فاجتره الهروإن قلت من بالباب قال مفولا …. على الباب عزرائيل وانفصل الأمروإن قلت ما الأخبار قال رديئة …. سعوا فيك أو مات امرؤ أو غلا السعروإن قلت لا تسرق ففي المال ضيقة …. يقول أحرصا بعدما ذهب العمروإن قلت لا تسأل من الناس نفتضح …. يقول فموسى استطعم الناس والخضروإن قلت لا تفعل أو أفعل يقول قد …. بليت بكم حتى متى النهي والأمروكم ضحوة كلفته رد لهفة …. فغاب ووافاني وقد أذن العصرلقيت نقيض القصد يوم اشتريته …. رجوت به نفعا فمسني الضروقلت أسير استريح برقه ….. فأتعبني والله وأنقلب الأسرولو أنني عاملته برذيلة ….. لقلت بعصياني يعاقبني الدهرفيا ليت شعري ذلك الثمن الذي ….. به ابتعته هل أصله النرد أم الخمرإذا بعته ردوه بالعيب سرعة ….. علي وللمبتاع في رده العذرولو كان في إعتاقه لي راحة ….. فعلت ولكن خيفتي يعظم الشربعيد خلاصي منه إلا بموته ….. فقد سرني أن لا يطول له عمر
ومدح ابن الوردي القاضي كمال الدين الزملكاني لما حول كنيسا يهوديا إلى مدرسة للحديث في قصيدة طويلة من أبياتها:
علا لك ذكر لا يشابهه ذكر ….. وحزت فخارا ليس يدركه الفخرهنئيا بنعمى خلد الله ذكرها ….. وطال بها بشر وطاب لها نشرنصرت بفتح الناصرية ديننا ….. ألا في سبيل الله ذا الفتح والنصروسميتها دار الحديث لأنها ….. حديثة عهد جاء في نزعها الأمروأحييتها بالدرس بعد اندراسها ….. وصار لذكر الله في ربعها جهروضاعفت أمراض اليهود بنزعها ….. فأوجههم تحكي عمامئهم صفرتعم المثاني السبع ست جهاتها ….. وخصص بالتوحيد كلماتها العشرومن غاضه هذا فليس بمسلم ….. وهل مسلم يختار أن ينصر الكفرأبا حاتم الإسلام ودوا خلاصها ….. بما ملكوا فليخسؤوا قضي الأمروقد علم الأقوام لو أن حاتما ….. أراد ثراء المال كان له وفرأينس أذاهم للنبي وبغضهم ….. وتكذيبهم والسم في الشاة والسحرلقد فعلت أقلامك الحمر فيهم ….. من الحق ما لا تفعل البيض والسمرولست بمداح ولا الشعر حرفتي ….. بلى لكمال النفس نظمي النثرولو عقل الإنسان لم يهد مدحه ….. إليك وهل يهدى إلى هجر تمربقيت بقاء المكرمات ونلت ما ….. تؤمله ما لاح في الظلم البدر
وبجانب لاميته وما حبر من قصائد طويلة فلا يزال ابن الوردي شاعر المقطوعات الشعرية التي لا تزيد أبياتها على بيتين ومن هذه المقطوعات:
إذا ما هجاني ناقص لا أجيبه ….. فإني إن جاوبته فلي الذنبأنزه نفسي عن مساواة سفله ….. ومن ذا يعض الكلب إن عضه الكلب
وقوله:
ودعتها ويدي اليمين لأدمعي ….. ويدي اليسار لضمة وعناققالت: ألا تخشى الفضيحة قلت لا ….. يوم الوداع فضيحة العشاق
وقوله في بخيل اقتباسا:
أحل الضيوف على سطحه ….. وفرجهم في نجوم السماوقطع بالجوع أكبادهم ….. وإن يستغيثوا يغاثوا بما
وقوله:
قلت يا هند طببيني بوصل ….. تنعشيني فليس كالوصل شيءفكوت بالصدود قلبي وقالت ….. هاك طبي وآخر الطب كي
وقوله:
لفاتنتي خيل عتاق سوابق ….. إناث أطابت حملها وفحولوقد لقلبي فيه ألف بثينة ….. فكل رداء يرتديه جميل
وقوله وهو في صباه:
جربت أهل زماني وأختبرت فلم ….. أجد كريما ولا عونا على الحرجولا محبا لذي فضل ولا ثقة ….. ولا أمينا ولا عدلا عن العوجمن أجل ذلك قد جانبت أكثرهم ….. وقلت يا أزمة اشتدي لتنفرجيفإنهم عن سبيل الصدق قد عرجوا ….. فاعذر فليس على العرجان من حرجزيادة الفضل عين النقص عندهم ….. وكثر المال فيهم ارفع الدرجفصاف أعدلهم قولا وأصدقهم ….. في الود وافتح له باب الهوى يلجما شاقني في زماني قرب غائبة ….. رنت ولا راقني ذو منظر بهجولا سباني سنا هيفاء مقبلة ….. عجزاء مدبرة بالجعد والدعجوليس ذاك لجهلي بالجمال إذن ….. لكنني من بحار الهم في لججيا نفس صبرا فعقبى الصبر صالحة ….. لابد أن يأتي الرحمن بالفرج


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 7294

تاريخ النشر: 04/06/1993م