من أوراقي المبعثرة – تأملات في الرحلة المقدسة (4)

استقبلت “المدينة المنورة” “محمد بن عبدالله” صلى الله عليه وسلم حينما قدم إليها مهاجراً بالبشر والسرور والترحاب. ومن “المدينة المنورة” انطلق الرسول صلى الله عليه وسلم ينشر رسالة الله سبحانه وتعالى الخالدة المبنية على عقيدة التوحيد بعزم وتصميم.و”المدينة المنورة” بعد “مكة المكرمة” هي المهبط الثاني للوحي، وفيها اكتملت تعاليم الدين الاسلامي. وعلى تراب “المدينة المنورة” رَسَمَ الرسول صلى الله عليه وسلم معالم أول دولة في تاريخ الاسلام.وفي رحاب “المسجد النبوي الشريف” تأسست “جامعة الاسلام” الأول. إذ فيها فسرت وشرحت تعاليم الاسلام، كما كانت مربط الدعاة، تعد الرجال خير إعداد، وتهيئ الأبطال لنشر رسالة الاسلام. وعاصرت “المدينة المنورة” أثناء حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده انتصارات الاسلام الكبرى في الجزيرة العربية وخارج حدودها. وضم تراب هذه المدينة جسده الطاهر عليه أفضل الصلاة وأجمل التسليم. وواصل الخلفاء الراشدون ” وصحبهم رضوان الله عليهم من “المدينة المنورة” [من بعده] حمل لواء رسالة الاسلام إلى البشرية كافة دونما كلل أو وهن.وفي كلمات شاعرية تحدث الشاعر “محمد بن عبدالله آل ملحم” على لسان “المدينة المنورة” وهي تتباهى بأن تربتها تضم “جسد” الرسول صلى الله عليه وسلم. عن هذه المباهاة المفعمة بالانفعالات الوجدانية الخيرة قال:ـ
سُبْحَانَكَ اللَّهُّمَ يَا بَارِي الْوَرَى ….. يَا مَنْ لَهُ كُلُّ “الأَنَامِ” تَــؤُولُإِنَّ الْجَمَالَ طِبِيعَةٌ خَلاَّبَةٌ ….. فَربُوعُُ”طَيْبَةَ” تَزْدَهِي وَتَقُولُ:هَلْ مِثْلُ “حُسْنِي” فِي الْبِلادِ جِمِيِعِهَا ….. و”بتُرْبَتِي” خَيُرُ الأَنَــامِ نَزيِلُ”حُسْنِـي” تَكَامَلَ وَالْجَمَالُ جَمِيعُهُ ….. فَأَنَا “الْفَضِيلُ” وَغَيْرِيَ الْمَفْضُولُأَنَا خَيْرُ أَرْضِ اللهِ “بالْهَاديِ” الذِي ….. كُلُّ الأَنَامِ تُحِبُّهُ وَتَمِيلُتَرْجُو شَفَاعَتَهُ التِي هُوَ أَهْلُهَا ….. فِي مَوْقِفٍ عِنْدَ “الْجَلِيلِ” جَلِيلُفَيُجِيبُهُمْ إِنِّــي لَهَا إِنِّـي لَهَـا ….. وَكَفَاهُ ذَاكَ الْمَوْقِـفُ الْمَشْمُـولُ
ولدى توديع الشاعر “للمدينة المنورة” رَسَمَ في لوحة مثيرة وجذابة ملامح محبوبته والعلاقة التي تربطه بها. ومن يتأمل أسرار هذه العلاقة ينبهر من نقائها وطهرها وصفائها. علاقة حب معدنها الإيمان, وجوهرها الشوق والحنين إلى موطن الرسالة، موطن عقيدة التوحيد الخالصة. يقول الشاعر:ـ
يَا “طَيْبَةَ” الزَّهْرَا: وَدَاعَاً طَيِّبَاً ….. وَلِقُاؤُنَا فِي عَاجِلٍ مَأْمُولُمَا مِنْكِ أَشْبَعُ يَا هَوَى قَلْبِي وَإِنْ ….. فِيكِ أَظَلُّ الْعُمْرَ فَهْوَ قَلِيلُيَا مَنْظَرَ الْحُسْنِ الْبَدِيـــعِ شَجَيْتَنِي ….. فَالقَلْبُ عِنْدَكَ إِنْ رَحَلْتُ نَزِيـــلُ
وواصل الشاعر تأملاته مودعاً، وكان يأمل أن لا يكون الوداع الأخير، أما عواطفه الجياشة، ومشاعره النبيلة، وتربيته المشبعة بالإيمان الصادق فهي تفيض بالثناء والشكر لله سبحانه وتعالى الذي حقَّق حلمه، ومن ثم عَلَى مَنْ عَمِلَ عَلَى تحقيق أمنيته، متبعاً ذلك بالصلاة على سول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم صحابته والمسلمين جميعاً في تسلسل مرتب أنهاه بالبيت الذي بدأ به قصيدته كعادة بعض الشعراء من ذوي الأحاسيس المرهفة المولعين بحب الله سبحانه وتعالى وحب خير خلقه “محمد بن عبدالله” صلى الله عليه وسلم:ـ
إِنِّي أُوَدِّعُ وَالْحَنِينُ يَشُدُّنِي ….. وَالدَّمْعُ ذَلِكَ شَاهِدِي وَدَلِيلُوَأَقُولُ مِنْ قَلْبِي وَدَمْعِي دَافِــقٌ ….. يَا لَيْتَ أَيَّامَ الْوِصِالِ تَطُـولُمَرْحَى ومَرْحَى “ِللوَزيِر” وَمَرْحَباً ….. شِفْعَاً وَوِتْرَاً والثَّناءُ يَطُولُأَسْدَى الْجَمِيلَ مُقَدَّماً وُمُؤَخَّـراً ….. وَكَذا الْجَمِيلُ عَلَى الدَّوامِ جَمِيلُوَعَدَ “الْوَزِيرُ” وَإِنَّهُ فِي وَعْدِهِ ….. لَهُوَ الوَفِّيُّ الصَّادِقُ الْمَأْمُولُزُرْنَــا بِفَضْلِ اللهِ ثُـــمَّ بِفَضْلِكُمْ ….. وَقَـدِ اعْتَمَرْنَــا وَالرَّجَــاءُ قَبُولُحُلْمٌ تَحَقَّقَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَكُـنْ ….. يَجْرِي بِبَالِي فِـي الْكَـرَى فَأَطُـولُفَلَقَدْ حَظَيْنَا بِالدِّخُولِ “لِكَعْبَةٍ” ….. فَليْهَنَنَا شَرَفٌ بِهَا وَدُخُولُوَلَقَدْ حَظَيْنَا بِالدُّخُولِ “لِحُجَـــرَةٍ” ….. فِيهَا “إِمَامُ” المُرْسَلِينَ نَزِيلُفَجَزَاكَ مَـوْلاَيَ الْكَرِيمَ جَـــزَاءَ هُ ….. وَأَتَـــمَّ نَعُمَـــاهُ عَلَيكَ يُنِيـلُوَأَرَاكَ فِي دُنْياكَ أَسْعَدَ مَا تَرَى ….. وَلِمَنْ لِبَيْتِكَ يَنْتمِي وَيَؤُولُوَأَنَالَكَ الأْخُرَى وَلَمْ يَكُ بَيْنَنَا ….. رَبِّي يُفَرِّقُ واِلالَهُ مُنِيلُوَعَلَى الْحَبِيبِ “مُحَمَّدٍ” بَاهِي السَّنَا ….. مَـا إِنْ لَهُ فِي الْعَالَمِينَ مَثِيـلُصَلَّى عَلَيهِ اللهُ سَلَّمَ دَائِمَاً ….. أَبَداً وَبَارَكَ مَا قُرِى التَّنْزِيـلُوَ”الآلِ” خَيْرِ الآلِ فِي كُلِّ الوَرَى ….. وَكَفَاهُمُ التَّقْرِيِبُ وَالتَّنْفِيلُوَالصَّحْبُ خَيْرُ الصَّحْبِ فِي كُلِّ الدُّنَا ….. بِصُدُورِهِمْ قَدْ أَشْرَقَ التَّأْوِيـلُوَالْمُسْلِمِينَ جَمِيعُهُمْ مَا أنْ شـدا ….. طَيْرٌ وَزَانِ بِصْوتِــــــهِ التَّهْلِيلُوَغَدَا يُرَدِّدُ عَاشِقٌ فِي لَهْفَةٍ ….. وَالدَّمْعُ فَوْقَ خُدُودِهِ مَسْيُولُشَوْقِيْ إِلى تِلكَ الرُّبـوعِ يَطُـولُ ….. أَنَّيِّ بِهَــا أَحْظَى وَكيْفَ وُصُـولُ!
وهكذا كان الشاعر على طريقته المعتادة في تحبير الشعر يحب التطويل، ولكنه تطويل ذو خواطر جياشة ترتكز على فكر متميز، وثقافة واسعة مصادرها تراث الاسلام وآدابه.
وقلت عن الشاعر في أحد “كتبي” (1) :ـإن الشاعر “آل ملحم” شخصية متعددة المواهب، فهو:ـ واع لما يجري حوله من وقائع وأحداث، وتمكن من تأريخها شعراً، وهو شاعر مطبوع وكثير النفس، عازفاً عن الاغراءات، ولا تجد في شعره القول الفاحش، ويمقت الهجاء إلاَّ عند الحاجة، ويستنكر الخداع وما يدعو إلى الباطل، وكان من الدعاة في سبيل الله رحمه الله تعالى.

—————هوامش:—————
(1) راجع د. آل ملحم، “هزار الأحساء وبلبلها الغريد”، ط/عام 1420هـ الموافق عام 2000م، إصدار “دارة الدكتور آل ملحم للنشر والتوزيع”، الرياض.

من أوراقي المبعثرة – تأملات في الرحلة المقدسة (4)من أوراقي المبعثرة – تأملات في الرحلة المقدسة (4)
الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 9788

تاريخ النشر: 02/04/2000م

واجهة ومواجهة :كتاب القصيبي غير موثق

* لو حيل بيني وبين القسم لتحدثت,.* رأيت الإعلام بعينين ثم أغمضت واحدة,,!* تمنيت لو لم أؤدّ هذه الأمور,.*إعداد وحوار:إبراهيم عبدالرحمن التركي** أما الواجهة: فأستاذ/ عميد/ وزير/ محامي,.** وأما المواجهة: فتقليب أوراق ، واستشراف آفاق ,,!* * *** ابتدأ بصمت ,.** وانتهى بهدوء** ولم يحركه الضجيج* * *** واحد وعشرون عاما وهو وزير** ولو سألت لما عرفه الكثير* * *** سعى للظهور ثم تراجع** وعاد الى الظل واقتنع,,!* * *** شرح في سطر ما احتاج الى صفحات ,.** وأجيب بشعر يحلُّ المعاناة* * *** يودّ أن يقول** ويختفي خلف القسم* * *** قارىء متابع,.* وكاتب ملتزم,.* ومؤلف يسعى للتعويض* وعاشق إذاعة بعدما انفضَّ السامر,.* * *** اختلف فانقطع,.** واعترض فامتنع** وفلسف المجاملة***معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحموزير الدولة السابقفي الواجهة ومع المواجهةهدوء*جئت الى الوزارة بهدوء وغادرتها كذلك بهدوء رغم انك أمضيت فيها واحدا وعشرين عاما,, وزير دون شهرة أو أضواء أو تصريحات,, هل هو وضع عادي بالنسبة لك يا معالي الدكتور,,؟- حتى أكون معك صادقا دعني أخبرك ان الوضع لم يكن عاديا بالنسبة لي في السنوات الأولى من تشكيل الوزارة, كانت رغبتي أن أكون في مركز الضوء حتى ولو في أبسط الأمور، والسبب واضح وهو أن القرين بالمقارن يقتدي , كان البعض من رفاقي من الجامعة ممن دخلوا الوزارة معي ملء السمع والبصر بمجرد تسلمهم لوزاراتهم,, ولم تتحقق هذه الرغبة بطبيعة الحال لي لأن العمل الذي كنت أزاوله لم يسمح بذلك, كنت أمارس عملي في صمت.سبب* لماذا تحديدا؟- لم يكن عملي من طبيعة تنفيذية لجهة ما أو لمنطقة ما أو لجمهور ما , كان عملي وأنا وزير طيلة السنوات الاحدى والعشرين سنة الماضية مثل عمل الجندي المجهول , وأنت تعرف يا ابراهيم مدى ما تكنه الأمم والشعوب لجنديها المجهول .وبعد* بالتأكيد,,! ثم ماذا,,؟- مع مرور السنين أدركت ان للاعلام الى جانب ايجابياته، بريقا وأضواء ووهجا، وانني كنت على خطأ فيما كنت أرغبه أو أتوق اليه في السنوات الأولى من تشكيل الوزارة، وان الوضع العادي بعيدا عن الشهرة والأضواء أو التصريحات كان أفضل بالنسبة لي, وبالفعل كان, وكان هذا من توفيق الله لي, وكنا في الوزارة السابقة ثلاثة وزراء دولة ثم أصبحنا اثنين وبعد ذلك أصبحنا ثلاثة، ثم عدنا اثنين حتى اعادة تشكيل الوزارة في عام 1416ه, وفي الوزارة الحالية يوجد ثمانية وزراء دولة يمارسون أعمالا مهمة من طبيعة الأعمال التي كنت أمارسها مع مراعاة التخصص وذلك دون ضجيج او تصريحات أو أضواء محرقة.أين أنت,,؟* أين أنت الآن,,؟أنا في منزلي بالرياض مع أسرتي الصغيرة، ومع صفوة من الأصدقاء ألتقي بهم بين الحين والآخر,, وكذلك أتوجه للأحساء لأقضي هناك أوقاتا ممتعة مع الأقارب ومع ثلة من الخلان في منتجع جميل.مرحلة* ماهي أبرز خطوط مرحلة الوزارة من حيث: الانجازات، الاضافات، وان شئت الاخفاقات او الاشكالات؟لم أفهم السؤال على اطلاقه, فان كنت تسأل عن مرحلة الوزارة بصيغة الجمع ، فالوزارة من الناحية الدستورية متضامنة، وتعمل كمجموعة لدرجة انه لا يستطيع أي وزير مهما كان شأنه أو اغتراره بنفسه ان يدعي أنه قام بعمل ما وحده وبمفرده, ولو ادعى ذلك فمعناه أنه مجموعة وزراء في وزير , والوزارة باعتبارها متضامنة لها انجازات واضافات واخفاقات واشكالات, وهذه ظاهرة صحية, والوزارة التي كنت عضوا بها، لها ما لها، وعليها ما عليها, ولو اتسع المقام، وحيل بيني وبين ما أقسمت عليه، لتحدثت عما سألتني عنه, وان كنت تسأل عما قمت به باعتباري وزيرا في الوزارة السابقة.الطرف الأخر* وهذا أيضا دكتور,,؟- شاركت في الكثير شأني شأن بقية الوزراء الآخرين؟نماذج* مثل ماذا,,؟- أفتخر من بين أمور أخرى، انني شرفت بعضوية اللجنة العليا لوضع النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى ونظام المقاطعات التي دام عملها حوالي اثنتي عشرة سنة، وكان لي شرف المشاركة في وضع البنية الدستورية لكل من نظام الحكم الأساسي ونظام مجلس الشورى ، وهما النظامان اللذان بالاضافة الى نظام المقاطعات قد خضعت لتأمل وبحث ودراسة من قبل صفوة من رجال فكر ورأي حتى تم تتويج هذه الأنظمة بأوامر ملكية كريمة وضعتها موضع التنفيذ.مداعبة شعريةومن باب المداعبة التي لا تخلو فيما أتوقعه ان شاء الله من حسن النية بعث لي صديق وزير ذو شاعرية متألقة بخمسة أبيات وفيها يرمز الى أمور تتعلق بعملي في اللجنة العليا المشار اليها أعلاه، وأعمال تتعلق بوزارته كان لي منها موقف هو شخصيا يعلمه:اذا قال ابن ملحم فاسمعوهفان العلم يزخر فوق فيهفسبحان الذي أعطاه علمايعزُّ على المفكر والفقيهلقد تاهت به الأحساء طراوأصبح فخر كل بني أبيهأبو القانون ، معدنه، ويفتيبآداب,, ويسحر سامعيهومن عجب يحب الصمت حينافيمنع علمه من عاشقيهمجلس التعاونكذلك كان لي شرف المشاركة في اللجنة التي وضعت نظام مجلس التعاون الخليجي وفي هذا الخصوص بعث لي معالي الوزير الصديق نفسه مداعباً بثلاثة أبيات شعرية أخرى ذكرني فيها كذلك بنظام الحكم الأساسي :تكتكت يا صاح نظام الخليجفجاء مدروساً بشكل بهيجفيا أبا الدستور أبدعت فيمزج القوانين بديع المزيججيفرسون انت فلا غرواناصبحت ذا اسم كنفح الأريجمن هو؟* أبا عبدالعزيز من هو الوزير الشاعر الذي كتب الأبيات؟أرغب عدم الكشف عن اسمه.كيف؟* كيف ترى نظام مجلس التعاون الذي شاركت في اعداده اليوم؟نظام منسجم مع حقائق الأوضاع المعاصرة في منطقة الخليج.تأخير* أليس النظام مسؤولاً عن بعض التأخير في القرارات مثل اشتراط الاجماع ؟أبداً,, النظام ليس مسؤولاً,, وقاعدة الاجتماع هي سر وجود المجلس واستمراره، وهذه القاعدة محورية من الناحية القانونية لمبدأ السيادة وقاعدة الاجماع في تعبير متكافئ، تماثل قانون النقض المعروف في المنظمة الأممية, على أية حال أنا أعد الآن مقالة قصيرة من حلقتين بعنوان تأملات قانونية في مبدأ السيادة ولم أقرر بعد عما اذا كنت سأنشرها في جريدة اليوم أو جريدة الجزيرة .كما كنت* لو عدت كما كنت في يوم تعيينك عام 1395ه هل ستتغير أمور في حياتك؟حتى أكون أمينا معك في اجابتي أقول نعم، نعم, هناك أمور وأمور, هناك أمور أديتها وأتمنى الآن لو لم أقم بأدائها، وهناك أمور أهملتها وأتمنى الآن لو قمت بأدائها, وهناك رجال ظننت أنهم أصدقاء وتبين لي العكس، وهناك من قاطعتهم وتبين لي أنني على خطأ بالنسبة لهم, والانسان معرض للخطأ والصواب وخاضع أحيانا لتأثيرات الهوى الجامح, وكلما تبين لي أنني على خطأ أسارع بقدر ما أستطيع الى تصحيحه.مَن* أستاذ الجامعة أو الوزير أيهما أنت؟أستاذ الجامعة, والظروف التي كنت فيها في عام 1395ه تختلف عن الظروف التي أنا فيها الآن, وهذا لا يعني أنني لم أكن مرتاحا حينما عينت وزيرا, على العكس كان لي خلال الاحدى والعشرين سنة الماضية شرف الخدمة العامة, أما الآن فأنا أحاول اللحاق بما فاتني من ركب كأستاذ جامعة .مؤلفات* كيف,,؟صدر لي كتاب بعنوان كانت أشبه بالجامعة في عام 1419ه، وصدر لي كتاب آخر بعنوان هزار الأحساء وبلبلها الغريد في هذا العام عام 1420ه ، وسيصدر لي كتاب جديد بعنوان بترول الشرق الأوسط: قانون الثروة الناضبة في عام 1421ه ان شاء الله, والبقية، ان شاء الله في الطريق.و,د أم د, ع* يركض الداليون خلف وهج المناصب الرسمية,, دون ان يلتفتوا الى أبحاثهم ومعاملهم وطلابهم، أيهما نحتاج أكثر: وزراء بدرجة الدكتوراة، أم دكاترة بدرجة علماء,,؟هذا توجه خاطىء, لماذا يركضون؟ على أي حال اليك ما يلي: كنت استاذ جامعة وعميد كلية، والظروف التي كنت فيها في عام 1395ه، كما ذكرت سابقا، تختلف عن الظروف الآن، وأنا مع زملاء لي بالجامعة دخلنا الوزارة آنذاك لأن هناك حاجة ماسة الى ذلك، وسمت مجلة أمريكية لعلها مجلة TIME الوزارة التي كنت فيها بوزارة الدكاترة , كانت هناك ندوة في المؤهلين في عام 1395ه، أما الآن فتوجد وفرة في المؤهلين, نحن في حاجة لا الى وزراء بدرجة الدكتوراة ، ولا الى دكاترة بدرجة علماء .مسميات* أبا عبدالعزيز لماذا,,؟المسميات لا تكفي, نحن بحاجة للمواطن المنتج الذي يحتاج الياباني في قريته اليابانية إلى إنتاجه، وكذلك المواطن الأمريكي الذي يعيش في كوخ مغطى بالثلوج في أصقاع ولاية ألاسكا , هذا المواطن المنتج جدير ان يكون وزيرا لأن ولي الأمر سيرحب به، بل وسيمكنه، وجدير أن يكون هذا المواطن المنتج كذلك عالما لأن المواطن الياباني أو الأمريكي سيسعى للحصول على انتاجه.أحاديثوما دام الشيء بالشيء يذكر أود أن أشير الى أحاديث خاصة حول بعض الأمور العامة بيني وبين معالي الأخ الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ وزير التعليم العالي السابق يرحمه الله في بدايات عام 1407ه في أروقة مجلس الوزراء وخارجه، ومن هذه الأمور ما احتوى عليه سؤالك, وفاجأني معاليه بما يخص موضوع سؤالك مدبجا في مقالة نشرها في المجلة العربية , يقول في مقالته : من الظواهر المؤدية للقلق في الكثير من الدول النامية ظاهرة إهمال الطبقة المتخصصة في مجال تخصصها، وانشغالها بغيره، ومهما كانت مبررات هذا التصرف أو دوافعه، فهو يؤدي فيما يؤديه الى اعاقة الأمم عن الوصول الى أهدافها، وايجاد الكثير من الارباك لما تخططه من طموحات وبرامج، لأن المتعين على كل متخصص ان يتعمق فيما يتعلق بعمله، وينمي ما حصل عليه بالممارسة الواعية، ومتابعة التطورات التي تفرضها الانطلاقة التي لا تقف لمسيرة البحث العلمي حتى يتمكن من نقل خبراته واستخدامها فيما يعود بالخير على وطنه، والنهوض بمجتمعه, أما ان يهمل تخصصه، ويشغل بغيره نفسه، فهو الضياع,, وهي الكارثة التي تحفر بصماتها الباهتة على مسيرة الأمم، وتباعد بينها وبين الوصول الى ما تهدف اليه وتريده، والمدهش في هذا الجنوح ان أصحابه يفقدون مع الأيام صلتهم بما علموا,, وبما هم مطالبون به، ثم هم أبعد الناس عن الابداع فيما دفعوا بأنفسهم اليه, ومن ثم يطرح معاليه السؤال التالي: والسؤال الذي يبرز من هذه المعاناة التي تعيشها الكثير من المجتمعات المعاصرة,, هل من حق مواطن أريد منه التعمق في أحد فروع المعرفة، التحول عما هو موجه اليه والانشغال عنه بغيره,,؟متابعة* واضح انك متابع لكتابات الشيخ حسن,,؟كلمات معاليه يرحمه الله هادفة وصادرة من القلب، ولي بعض العتب على الأخ الصديق الأديب حمد القاضي رئيس تحرير المجلة العربية لتأخره كثيرا في نشر مقالات معالي الشيخ حسن في كتاب لتعم الفائدة منها.برنامج* كنت أحد المشاركين ببرنامج دراسات الأنظمة في معهد الادارة ,, هل حقق البرنامج ما توقعته منه حين درست أول دفعاته,,؟لقد درست أولى دفعات هذا البرنامج, ومن ثم انقطعت علاقتي به لأنه كان لي موقف من هذا البرنامج يتعلق باسلوب ادارته، واختيار منسوبيه، وبالغرض منه.موقف* ماهو موقفك من برنامج الأنظمة؟ وعلام كان الخلاف؟سوف تقرأ، ان شاء الله، عنه في كتابي حياة في كلية التجارة .قانون* ماهي رؤيتك لبرنامج القانون يسمونه الأنظمة بكلية العلوم الادارية؟شاركت في وضع برنامج القانون حينما كنت عميدا لكلية التجارة, ولولا دعم وحكمة كل من صاحب السمو الأمير مساعد بن عبدالرحمن وزير المالية الأسبق يرحمه الله ومعالي فضيلة الشيخ الجليل محمد بن ابراهيم بن جبير رئيس مجلس الشورى حاليا لما أنشىء هذا البرنامج, وبدأ برنامج القانون في الفترة التي تركت فيها الكلية وزيرا وعضوا بمجلس الوزراء, لذا يصعب علي وقتها وكذلك الآن الحكم على هذا البرنامج.كلمات,,!* بمناسبة الأنظمة والقانون ,, لماذا يرهقنا التلاعب بالكلمات؟وأنا معك في تساؤلك, اذ رغم البحث والتأمل لم تتبين لي الحكمة من هذه التفرقة, ولم أتمكن رغم البحث الجاد من التعرف على اسم مبتدعها في بلادنا, والقرآن الكريم هو قانون الله في أرضه للانس والجن, وتسمع أنت كما أسمع انا ما يقوله ولاة الأمر أو على ألسنتهم في المنتديات الدينية والسياسية بأن دستورنا هو القرآن الكريم , لذا انا أطرح عليك السؤال نفسه في صيغة أخرى وهو: ماهو الفرق بين الدستور و القانون ؟ ولكي أسهل الاجابة عليك اعلم حفظك الله ان جهابذة القانون يعتبرون الدستور أبا القوانين , لماذا لا تسمى الأشياء بأسمائها,؟عودة* ألم تفكر بالعودة الى مقعدك أو قاعتك بكلية العلوم الادارية التي تحتاج الى أمثالك، خصوصا مع تزايد خريجي الشهادات لا الأساتذة ؟هذا موضوع الحديث فيه وحوله يطول, وسبق ان اقترحت على كل من الزميل الأخ الأستاذ الدكتور خالد بن محمد العنقري معالي وزير التعليم العالي حينما التقيت به في رحاب جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في 19/2/1418ه والأخ الأستاذ الدكتور عبدالله بن محمد الفيصل مدير جامعة الملك سعود حينما التقيت به في مناسبة بقصر الحكم بالرياض ادراج أسماء من درسوا بكلية التجارة من وزراء سابقين وحاليين وكذلك من كان لهم شأن في الحياة العامة ممن درسوا بالكلية تحت مسمى أساتذة شرف بدليل الكلية.دعم* والهدف,,؟في هذا الاقتراح دعم معنوي لمكانة الكلية العلمية على مر الزمن حتى بالنسبة لمن يفكر بالدخول فيها من الأجيال الصاعدة، واقامة نوع من الرابطة العلمية بين من تركوا الكلية وكان لهم شرف التدريس فيها اذ لعل البعض منهم تحدثه نفسه في يوم ما بمعاودة التدريس فيها,, أو على الأقل القاء محاضرة بها, وهذا الاقتراح لا ينصرف الى كلية العلوم الادارية التي كم أتمنى لو أعيد مسماها القديم كلية التجارة بل ينصرف كذلك الى الكليات الاخرى بجامعة الملك سعود نفسها, بل وأكثر من ذلك أتمنى ان تتبنى الجامعات الأخرى الاقتراح نفسه.غيابولإتمام الفائدة أود أن أذكر لك أخي ابراهيم أن الأخ العزيز معالي الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الفدا أحد بناة جامعة الملك سعود ومديرها الأول كان بين الفينة والأخرى يلح علي أن أدرس بكليتي، وكنت أجيبه بأن الالتزام بالتدريس مهمة، وأنا في الوزارة، يصعب علي القيام بها ذلك ان من متطلبات هذه المهمة احترامي للطالب الذي يجلس في مقعده منتظرا استاذه وكنت أسأل نفسي لو تجاوبت مع رغبة معالي الدكتور الفدا آنذاك: ماهو شعور هذا الطالب لو غاب هذا الأستاذ عن المحاضرة حتى ولو كان وزيرا .* هل فكرت كذلك بفتح مكتب للمحاماة والاستشارات القانونية قبل أو أثناء الوزارة؟لا يسمح القانون، وأنا في الجامعة، وقبل دخولي الوزارة، وخلال الوزارة، ان يفتح الوزير مكتبا لحكمة في ذلك أرى انها صائبة.
الآن* وبعد الوزارة؟,.افتتحت الآن مكتبا تحت مسمى دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستشارات القانونية بمدينة الرياض, والدارة مختصة في الامور التي يرمز لها عنوانها.لقب* لماذا أضفت لقب الدكتور الى اسم دارتك ؟ ألا ترى أنه طويل؟ ويتناقض مع ما قلته عن الألقاب؟سؤالك يا أستاذ ابراهيم وجيه وفي محله, ولكن لو عرفت سبب اختيار هذا المسمى فستكون في جانبي مؤيدا, الضرورة فرضت علي اختيار المسمى بغرض التمييز, أنا انتمي الى أسرة تعد بالآلاف وأعرف على الأقل أكثر من مائتين 200 قريب باسم محمد آل ملحم ، منهم حملة دكتوراة وحملة ماجستير وموظفون كبار في وزارات وشركات ومنهم رجال اعمال وتجار ومزارعون, وهناك ممن يحملون الاسم الاول محمد ويعدون الآن للدكتوراة, أما حملة لقب الدكتوراة من الأسرة الذين اسمهم الأول غير محمد فهم من الكثرة بحيث يصعب علي تعدادهم, لهذا السبب اخترت الاسم محل الاستفسار كاسم للدارة ، وسجلته في وزارة التجارة كمسمى معترف به ومتمتعا بالحماية القانونية.صدق* هل المحاماة مربحة لمن هو صادق/ امين اذا لم يقبل أية قضية الا بعد ايمانه بعدالتها؟نعم المحاماة مربحة, والمحامي الصادق هو الذي يعتبر نفسه قاضيا مع نفسه أي مع ضميره وذلك قبل ان يكون مرتبطا للدفاع عن موكله, والمحامي باعتباره حالف قسم يجب ان يكون أمينا مع موكله, ومن مقتضيات هذه الأمانة ان يتأمل بتجرد قضية موكله ومن ثم يصدر الحكم لصالح موكله او ضده وذلك قبل ان يرفع قضيته للجهة المختصة، والقيد الوحيد على موكله هو ان يكون أمينا كذلك مع وكيله ، ومن مقتضيات هذه الأمانة ألا يخفي أية واقعة مهما كانت في نظره تافهة على وكيله تمشيا مع مقولة لفيلسوف يوناني حكيم واليونانيون رجال فلسفة وأدب أنبئني بالوقائع أخبرك بحكم القانون .توثيق* وماذا عن كتابة تجربتك الادارية خصوصا,, ألا تفكر بتوثيقها كما فعل ابن بلدك: غازي القصيبي ؟ومن قال إن كتاب حياة في الادارة موثق,,؟ وأنا أعدّ الآن كتابا تحت مسمى حياة في كلية التجارة ,,.لماذا؟* لماذا كتاب القصيبي غير موثق؟ ما رأيك فيه؟اجابتي السابقة تكفي, وهي اجابة جامعة شاملة مانعة, وانا على يقين ان الذين سيدركون معانيها هم من القلة.تاريخ* وماذا عن كتاباتك الاخرى، وقد قرأنا لك في تاريخ الأحساء الثقافي وتحديدا ما يختص بالمناحي العلمية والتي شهد الكثيرون على تميزها وتوثيقها ودقتها؟لعلك تقصد كتابي كانت أشبه الجامعة , والحمد لله، وكما يقال في الأمثال ألسنة الخلق أقلام الحق.محاضرة* محمد بن عبداللطيف آل ملحم أحد المفاوضين المعروفين خلال بعض القضايا الحدودية ونحوها,, ماهي مهارات المفاوض الجيد؟ ما الذي تتطلبه مثل هذه المهارات من مواصفات في شخص القائم بها,, بمعنى هل هي الشهادة والتأهيل أم الخبرة والتجربة والدراية,,؟ ومتى يكون التفاوض سريا ومتى يكون علنيا,,؟ هل المفاوض دبلوماسي دائما,,؟هذه أسئلة تحتاج الى محاضرة أو بحث في كلية حقوق أو في قسم القانون بكلية التجارة آسف، أعني كلية العلوم الادارية ,, ولكن اليك اجابتي وفي اختصار شديد,, التفاوض موهبة, واذا توفر لهذه الموهبة قدر من العلم والصبر وكذا فهم لمداخل ومخارج لغة التفاوض فالمفاوض حكيم, والتفاوض يكون سريا اذا كان الشأن المتفاوض من أجله يمس أو ربما يمس آخرين, ويكون علنيا اذا كان التفاوض حول شأن تنحصر أبعاده على طرفي التفاوض على نحو شامل ومطلق, أما دبلوماسية التفاوض فلا شأن لها بالقانون البتة، وتنحصر في الحالة التي يكون فيها المفاوض مخولا ان يساوم، والا فلا دبلوماسية ولا يحزنون.نجاح* وماهي أنجح قضية تفاوضية أدرتها أو شاركت فيها؟ان كل ما يتعلق بعملي بالوزارة ينطوي تحت سقف القسم ، ولهذا فالقسم يحول بيني وبين البوح به.فشل* وماهي القضية التي لم تنجح فيها,,؟ هل هي تحت القسم كذلك,,؟نعم كما في الاجابة السابقة.أجواء ونقاء* من يكتب التاريخ معالي الدكتور,,؟الرجل المعاصر الذي يملك الوثائق متنفسا في أجواء نقية حينما يكتب، وتتوفر فيه الحيدة، والبعد عن الهوى الجامح,.قراءات* ما الذي تقرؤه هذه الأيام؟حوار مع المالكي لابن منيع.خمسة* وماهي أبرز خمسة كتب أثرت في تكوينك الفكري,,؟هي:1 تفسير القرآن الكريم لابن كثير.2 كليلة ودمنة لابن المقفع.3 العواصم من القواصم لابن العربي.4 مبادىء القانون للأستاذ الدكتور عبدالفتاح عبدالباقي.5 النظام الدولي العام للكرامة الانسانية للأستاذ الدكتور مايرس سمث مكدوجل .ندم* ماهو الكتاب، الكتب التي ندمت على قراءتها,,؟ليس هناك كتاب بعينه قرأته وندمت على قراءته, الكتاب اذا كان موثقا أحرص على قراءته ولو على فترات, والكتاب غير الموثق لا أقتنيه حتى ولو أهدي لي، بل أضرب به عرض الحائط كما يقول المثل, أما الكتاب الجديد الجديد جدا في موضوعه فهذا أحرص على قراءته مرة ومرتين، ومن ثم احتفظ به لأعود اليه.غضب* متى تغضب؟اذا وجد سبب يدعو للغضب أغضب، فأنا انسان.نوم* كم ساعة تنام,,؟أنام حوالي ست أو سبع ساعات في الأحوال العادية, أما اذا كان هناك ما يشغل بالي، أو لو كنت أفكر في أمر ما، فانني أستعين بالقراءة حتى يداعب النوم أجفاني, والله اعلم متى يأتي النوم, وأنا لا استطيع النوم في السيارة أو الطيارة، واعتدت حينما أسافر ان آخذ معي من الكتب ما أبدد به الوقت.فضائيات* هل تشاهد الفضائيات,, وماهي أبرز محطة تستوقفك؟أنا من هواة الاستماع للراديو فقط.1/2* بصراحة,, هل تشاهد القناة الأولى والثانية,,؟فقط أخبار القناة الاولى,,؟إذاعة* هل تستمع الى الاذاعات السعودية؟نعم وبالأخص اذاعة الرياض.مركزية* ما رأيك في:* المركزية الادارية,,؟مهمة في البيئة الجاهلة وضارة في البيئة الواعية.تفويض* التفويض الاداري,,؟مهم في حالة الانسجام بين المفوّض والمفوَّض,,؟ ودعني أروي لك ما يلي:حينما تقلدت عمادة كلية التجارة عن طريق الانتخابات بالأغلبية في عام 1393ه وجدت ان عميد الكلية الأسبق يرحمه الله كان يفوض صلاحياته للوكيل في صفحات، وكان منها ان يقوم الوكيل بفض ظروف المعاملات التي ترد للكلية وتدبيسها، ومن ثم يسلمها للعميد دون قراءتها, ولأن وكيل الكلية في عهدي أستاذ الادارة العامة المتميز الأستاذ الوديع الدكتور اسامة عبدالرحمن عثمان فلقد فوضته كل صلاحيات الكلية في سطر واحد في رسالة بعثتها اليه على النحو التالي:أفوضك كل صلاحيات الكلية ما عدا ماهو من اختصاص العميد .حكايةوأتذكر ان ادارة الجامعة نقلت للكلية موظفا من كلية أخرى، وكان من اختصاص الوكيل بحكم الصلاحيات المناطة به ترتيب وضعه بالكلية, وكان هذا الموظف غير منتج، وكثير النوم، وشغل وقت الوكيل بكثرة طلباته ومن أهمها رغبته في الحصول على ترقية واجازات، بعث الوكيل لي ملفه وبه تعقيب منه مؤداه: انا مستعد لممارسة الصلاحيات التي خولتني بها ما عدا الصلاحية التي تتعلق بهذا الموظف فهي من اختصاص العميد وختم تعقيبه بالبيت التالي:ونائم يومه نوم ويقظتهنوم ويشكو من الارهاق والتعبفيتامين واو* الواسطة,,؟مهمة في رفع مظلمة أو خدمة مستحق لا يصل.رشوة* الرشوة؟جريمة شانها شأن جرائم المال الأخرى مثل خيانة الأمانة والاختلاس والنصب, وتشكل هذه الجرائم موضوعات قانون العقوبات الخاص, أن تزول الرشوة من الوجود من رابع المستحيلات كما يقول المثل العامي، ولكن مكافحتها من الأهمية بمكان وذلك للحفاظ على المال العام باعتباره من الضرورات الخمس المعروفة.مجاملة* ماذا عن المجاملة,,؟لها مفهومان, ولا أدري أيهما تقصد؟ كلا المفهومين اثنان كما تراهما هناك من المجاملة ما هو متعارف عليه بين أفراد المجتمع من استخدامها بغرض اشاعة الود وهي مظهر من مظاهر الاخلاق التي تقوي الصلة بين الناس, ولا بأس من ممارستها.القانونيةوللمجاملة في القانون الدولي مفهوم آخر وتعني قواعد سلوك وملاءمة ومراعاة ذات اهمية في الحياة القانونية الدولية، وتلعب المجاملة دورا أصيلا في تنمية واستقرار العلاقات التي تنشأ في النطاق الدولي، وهي على انواع وضروب شتى، وتوجد متناثرة في أكثر من موضوع من موضوعات القانون الدولي كالاعتراف بالدول والامتيازات والحصانات الشخصية للمبعوثين الدبلوماسيين والقنصليين وقواعد التحية البحرية، واعفاء المبعوثين الدبلوماسيين من دفع الضرائب والرسوم في الدول المعتمدين فيها.شلة* كيل تنظر الى الشللية الثقافية,,؟الشللية الثقافية نوع من التجمع المتقوقع المنطوي على نفسه بين أدعياء ثقافة يتفقون فيما بينهم سرا على احتكار الكتابة ويمنعون الغير من اختراق شلليتهم , وهم في سلوكياتهم يتمثلون فيما يبثونه من أفكار قول الشاعر:اذا قالت حذام فصدقوهافان القول ما قالت حذاموتمارس الشللية الثقافية على نطاق واسع في بعض وسائط الاعلام، وهي صورة من صور التخلف.حداثة وتقليد* ورؤيتك لمعارك الحداثة و التقليد ؟هذه المعارك ظاهرة صحية من شأنها صقل العقل وتفعيله، ومحاربة ظاهرة ليس في الامكان أحسن مما كان , وقد نشأت هذه الظاهرة منذ عقود لمحاربة الجمود في العمل الثقافي والفكري, وبدون شك لهذه المعارك ايجابيات وسلبيات, وهي عمل مفيد اذا تناولت الثابت والمتغير، فأكدت الثابت لانه يعبر عن أصالة الأمة ومقومات وجودها، وتناولت المتغير معيدة تقويمه لكي تنفض الامة عنها غبار الجمود والتخلف، وتعمل على مواكبة المستجدات في العصر الذي تعيشه.قناع* والبطالة المقنعة,,؟للبطالة المقنعة صور متعددة، ومن أبرز صورها كثرة الموظفين في الموقع الواحد مع قلة العمل، وهي في مجملها نوع من التخلف والمعوق الرئيس للنمو الاقتصادي والاجتماعي.عولمة* ما ذا عن العولمة ,,؟العولمة حلقة من مسلسل حلقات الغزو اليهودي والمسيحي لمواصلة الهيمنة على نحو كلي وشامل, وبدأت أول حلقة من المسلسل بعد بانتكاسة الحضارة الاسلامية في بدايات النصف الثاني من القرن الرابع الهجري والتي تم على اثرها وضع العقل العربي المسلم في قمقم لكي يستمتع باجازة الى حين, وتتابعت مسميات حلقات المسلسل من حروب صليبية ، واستعمار عسكري ، واستعمار ثقافي ، واستعمار تجاري وحرب باردة ، وحداثة ، واستقطاب كلي سمي بالنظام العالمي الجديد ، والذي تحول بين ليلة وضحاها الى ما يسمى فجأة بالعولمة باعتبارها الحلقة غير الاخيرة في الأيام المعاصرة, والغريب في الأمر ان العالم غير اليهودي المسيحي قد سارع ومن ضمنه بطبيعة الحال العالم العربي الاسلامي ممسكا بالقلم والحبر والقرطاس ليبحث في معنى هذا المصطلح, وانقسم كتاب هذا العالم على أنفسهم حول مصطلح العولمة ما بين منظر، ومحلل، ومؤرخ، ومتفلسف، ومتفرج، ومدافع، ومحذر، ومهدد، ومبشر، وخائف، ومتفائل، ومتشائم، هكذا كما لو كانوا امام اكتشاف جديد أو كانوا من هلعهم وكأن يوم القيامة آت غدا.ضياعوقدانتهت جهود هؤلاء الكتاب الى محصلة واحدة وهي تضييع الوقت والجهد والمال, هل جاءوا بالبديل لحلقة العولمة التي من الممكن ان تسمى بالاستعمار التقني الجديد ، أم كرسوا مفهوم الهيمنة المستمرة لمنتج هذا المسلسل.سعادة* هل أنت سعيد؟أنا ولله الحمد سعيد، بل ومرتاح البال, وأشعر بهذه السعادة اكثر في الصباح.تقاعد* ما رأيك بالتقاعد؟عبارة لم أفهم معناها, الانسان ينتقل من موقع الى موقع آخر, أنا الآن رئيس دارة الدكتور آل ملحم للنشر والتوزيع ، ورئيس دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستشارات القانونية ، ورجل اعمال ، وكاتب .تجار* لماذا يتجه كبار المسؤولين لفتح مكاتب أو شركات بعد تقاعدهم؟أعتقد ان هذه ظاهرة صحية، وتوجه سليم, كبار المسؤولين في الغرب وبالذات في الولايات المتحدة الأمريكية بعد تركهم لمناصبهم أو بعد ما تتركهم المناصب يعودون الى أماكنهم بالجامعات اذا كانوا أصلا من أساتذتها، او يعودون الى مكاتبهم الاستشارية، أو ينشئون مكاتب لأول مرة, والأسماء المعروفة كثيرة ومنهم الدكتور هنري كيسنجر،, والسيد جميس بيكر، والسيد جميس اكنز، والسيد يوجين راستو, وعندنا ما فعله، على سبيل المثال، معالي الاستاذ الشيخ محمد العلي أبا الخيل وزير المالية الأسبق حينما أنشأ مركز النشر الاقتصادي الذي كان نواته المجلة الاقتصادية السعودية وهي مجلة متخصصة أنيقة وكذا مكتب للاستشارات المالية هو عين الصواب, وكذا ما فعله معالي الاستاذ الشيخ احمد زكي يماني وزير البترول والثروة المعدنية الأسبق حينما انشأ مكتب لندن للاستشارات البترولية هذه، كما سبق ان ذكرت، مؤشرات ايجابية تزيل عن الاذهان المدلولات السلبية لمفهوم التقاعد.خصومات* ماذا عن خصامك مع أي من الوزراء على صفحات الجزيرة ؟ هل لنا في ذكرياتك عن بعضهم؟هذه ملفات مقفولة.عبادة* متى يتوظف جميع الخريجين بجدارة,,؟يتوظف الخريجون اذا اقتنعوا بان العمل عبادة في أي موقع لا سيما اذا كان يدر عليهم الرزق الحلال سواء أكان هذا الموقع في مرفق عام أو مرفق خاص.امتياز* ومتى يستحقون تقدير ممتاز,,؟سؤال غريب, من رابع المستحيلات ان يحصل الكل على هذا التقدير, التفاوت مطلوب حتى في التقدير، والا ستضطرب نواميس الكون، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات ليتخذ بعضكم بعضا سخريا .مخرجات* ماهي مشكلة مخرجات التعليم العام من حيث المستوى وكذا التعليم العالي,,؟المشكلة ليست مشكلة المستوى, المشكلة تزول اذا تجاوبت مخرجات التعليم العام وكذا العالي مع حاجة السوق في مرفقيه العام والخاص والا ستظل الحاجة للعمالة الوافدة ضرورية.تحديات* هل طلابنا على مستوى تحديات الألفية الثالثة,,؟نعم سيكونون، ان شاء الله كذلك وجوابي يعني طلاب العالم العربي الاسلامي ،, فيما لو أخذ في الاعتبار غربلة المناهج بغرض اخراج العقل العربي المسلم من القمقم ليرى النور من جديد، وجعل هذه المناهج تنطلق من فلسفة تعويد الطلاب منذ الصغر على طرح السؤال، وحث الطلاب في جميع مراحل الدراسة على طرح السؤال، وحثهم على طرح الاجابة أية اجابة في أجواء علمية تسخر فيها الأدوات اللازمة الحاثة على طرح السؤال.مقالوتعجبني مقالات وآراء طرحها في هذا الخصوص عالم الرياضيات الأستاذ الدكتور محمد بن عبدالرحمن القويز في بعض المجلات يقول الدكتور القويز: هناك بلاشك ثوابت تحكم حياتنا وسلوكنا أساسها الدين والأخلاق, وهي التي تعطي للحياة معنى وهدفا, ولكننا نريد ان نقدمها بالشكل الصحيح وبالاسلوب المناسب, وهناك، من ناحية أخرى، رغبة في مواكبة ركب الحضارة الانسانية وقطف ثمارها، لاسيما مبتكراتها التقنية, فنحن على سبيل المثال نريد ان نقود السيارة، وان نسافر بالطائرة، وان نتخاطب بالهاتف الجوال او بالبريد الالكتروني، وان نتطبب في أحدث المراكز الطبية، وان نستعين بالحاسبات في تشغيل منشآتنا المدنية والعسكرية، وهذه كلها أمور لا يمكن شراؤها بالمال فقط، اذ تتطلب استثمارا في الاعداد العلمي لشبابنا من خلال المناهج الدراسية في المدارس والجامعات، ولا سيما مناهج الرياضيات والعلوم، والا بقينا في وضع تبعية دائمة,, ومع ذلك فالملاحظ ان نصيب الرياضيات والعلوم في التعليم العام في تراجع مستمر.خبرة* لاشك انك خلال الاحدى والعشرين سنة الماضية قد خالطت وتعاملت مع وزراء وشاركتهم هموم العمل، من هم الوزراء من غير الأمراء الذين استفدت من خبراتهم؟ وهل في امكانك وضع قائمة بأسماء البعض منهم؟أكن لكل اخواني الوزراء الذين زاملتهم طيلة الاحدى والعشرين سنة الماضية كل تقدير واحترام, ولو قررت وضع قائمة بأسماء بعضهم فسيكون معالي الأخ السياسي المخضرم محمد ابراهيم مسعود على رأس هذه القائمة, فهذا الرجل سياسي محنك ذو نظرة ثاقبة وحكيم مجرب استفدت كثيرا من آرائه من خلال احاديث جرت بيننا حول العمل وغيره, وكان اول لقاء به في اجتماع عمل في ليلة سهرنا فيها حتى مطلع الفجر في وزارة الدفاع والطيران والمفتشية العامة، وكان وقتها وكيلا لوزارة الخارجية وكنت وقتها عميدا لكلية التجارة , وشاء الله سبحانه وتعالى ان يتجدد ذلك اللقاء في الوزارة ويدوم طيلة الاحدى والعشرين سنة المشار اليها, ولا أزال على اتصال به، متعه الله بالصحة والعافية.يقظة* متى يستيقظ العالم العربي,,؟سؤال غريب؟ وهل هو نائم,,؟ أود ان أسألك أنت لتجيبني عما اذا كان لهذا العالم مساهمة مالية ومشاركة تقنية فيما يسمى بالقرية الكونية الصغيرة التي كونها الغرب.جواب* السؤال اجابة يا دكتور,,؟بالتأكيد.انترنت* ماهو موقعك المفضل على الانترنت ؟موقعي المفضل هو مع الكتاب.أنا* من أنت يا معالي الدكتور,,؟أنا طالب علم، وكل يوم يمر علي أجد أنه يثري فكري، ويوفر لي القناعة بأنني لم أحصل من العلم والخبرة الا على القليل.أخيرا* هل بقي شيء,,؟نعم, لم تسألني حتى الآن السؤال المهم,,؟ لذا دعني أسألك أنت عما اذا كانت الأمة العربية وهي قلب الأمة الاسلامية قد فهمت معنى كلمة اقرأ في سورة العلق, يقول الله سبحانه في كتابه الكريم: اقرأ باسم ربك الذي خلق, خلق الانسان من علق, اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم , يبقى لحوارنا في واجهة ومواجهة حلاوة وطعم,, لو فهمنا معنى كلمة اقرأ كما أراد الله سبحانه وتعالى منا باعتبارنا مسلمين ان نفهمها, لو فهمنا معناها الكلي الشامل لكان لنا شأن في القرية الكونية مشاركين في تكوينها وفي تطويرها لا مجرد مستهلكين لها,, لكننا، وكما قيل عنا، أمة لا تقرأ ,, ولأننا كذلك، فأنت على حق لما سألتني سؤالك الخطير: متى يستيقظ العالم العربي,,؟* الشكر لك,, وانتظر المواجهة القادمة معك؟ولك,, وحين تشاء.


الناشر: جريدة الجزيرة

– العدد: 10047تاريخ

النشر: 01/04/2000م

الرابط للمصدر

من أوراقي المبعثرة – تأملات في الرحلة المقدسة (3)

وبعد انتهاء شعائر “العمرة” عاد موكب الرئيس “عبده ضيوف” من “مكة المكرمة” إلى مدينة “جدة” مساءً حيث “قصر الضيافة” المعد لفخامته. وفي “قصر الضيافة” توجه “الضيف” إلى مقره المعد، كما كان من نصيب الشاعر “محمد بن عبدالله آل ملحم” غرفة خاصة توجه، بعد الاستراحة فيها، إلى تناول طعام العشاء. وعن هذه المناسبة في قصيدته حبر أبياتاً لا تخلو من الطرافة:ـ
عُدْنَا إِلى قَصْرِ “الضِّيَافَةِ” دُفْعَــةً ….. فَإِذَا الْعَشَاءَ يِقُولُ: أَيْنَ أَكُـولُ؟أُنْظُرْ إِلَى الأَطْبَاقِ كَيْفَ تَشَكَّلَتْ ….. وَتَشَاكَلَتْ فَاسْتَشْكَلَ الْمَأْكُـولُمِنْ أَيْنَ نَبْدَأُ؟ حَارَتِ الأَيْدِي فَمَا ….. تَدْرِي الْبِدَايَةَ إِنَّهَا لَخَجُولُ!أَخَذَتْ مِنَ الأَطْبَاقِ مَا هِيَ تَشْتَهِي ….. وَمِنَ الْمَشَارِبِ مَا إِلَيْهِ تَمِيلُ!وَتَسَامَرَ الأَحْبَابُ فِيمَا بِيْنَهُمْ ….. وَحَدِيْثُهُمْ ذَاكَ الْجَمِيلُ فُصُولُمِنْ كُلِّ لَونٍ فِي الْحَدِيثِ مُهَذَّبٌ ….. مَا شَابَهُ وَلَوِ اسْتَطَالَ فُضُــولُوَتَوَجَّهَتْ لِلنَّومِ بَعْدُ “جُمُوعُنَا” ….. كُلُّ أُعِدَّ سَرِيرُهُ الْمَنْزُولُفِي غُرْفَةٍ مَخْصوصُةٍ لَهُ وَحْــدَهُ ….. فَلِكُلِّ فَـرْدٍ فِـي الْحَيَاةِ سَبِيـلُ
ومن ثم تحرك موكب “الرئيس” إلى “المدينة المنورة” على متن إحدى طائرات “الخطوط الجوية العربية السعودية” عبر رحلة جوية مريحة. والشاعر من بين المرافقين الذي تحدث في قصيدته عن دخول “المسجد النبوي”، والصلاة في “الروضة الشريفة”، ومن ثم السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبَيْهِ “أبوبكر” و “عمر” رضي الله عنهما قائلاً:ـ
حَتَّى إِذَا مَا الْفَجْــرُ لاَحَ سَنَاؤُهُ ….. أَدَّيْتُ فَرْضَ الْفَجْرِ حَيثُ حُلُولُحَىِّ “الْمَدَيِنَةَ” وَالْجَلاَلُ يَحُفُّهَا ….. وَالنَّورُ مِنْ جَنَبَاتِهَا مَوْصُــولُوَ”الْقُبَّةُ” الْخَضْرَاءُ شَعْشَعَ نورُهَـا ….. وَمَآذِنٌ نَحْـــوَ السَّمَاءِ تَطُولُيَا أُنْسَ رُوحِي حِينَمَا جِئْتُ الْحِمَى ….. إِنِّي السَّعِيدُ وَإِنَّنِي الْمَشْــمُولُيَا فَرْحَةَ الْقَلْبِ الْمَشُوقِ وَقَد أَتَى ….. “بَـابَ السَّلامِ” “بِحِبِّهِ” مَشْغُولُأَدَّيْتُ فَرْضَ “الظُّهُرِ” فِي “الْحَرَمِ الذِي….. فِيهِ تَرَدَّدَ بِالْهُدَى “جِبرِيــــلُ”وَرَكَعْتُ فِي رَوْضِ الْحَبِيبِ “مُحَمَّدٍ” ….. فِي “الْجَنَّةِ” الْفَيْحَا فَطَابَ نُزُولُأَجْنِي قُطُوفَ الأُنْسِ فِي سَاحَاتِهَـا ….. قَد حَفَّنِي فِيهَا رِضًا وَقُبُـولُوَدَخَلْتُ فِي بَيْتِ “الرَّسُولِ” وَفَرْحَتِي ….. عَنْهَا يُعَبِّرُ دَمْعِيَ الْمَرْسُولُذَاكُمْ هُوَ “الْحُلْمُ” الذِي أَنَا أَرْتَجِي ….. وَأَقُولُ فِي نَفْسِي إِلَيْهِ سَبِيلُيَا ذَلِكَ الْجَوُّ الَّذِي هَامَتْ بِهِ ….. رُوحِي وَرَاحَتْ فِي الْعَلاَءِ تَجُولُأَنَا عِنْدَ خَيْرِ الْعَالَمِينَ “مُحَمَّــدٍ” ….. فِي حَيِّهِ الْعَالِي يَطِيبُ حُــلُولُأَعْلَى “الأَمَانِي” نُلْتُهَا فِي قُرْبِهِ ….. فَلْيَهْنِنِي التَّنْوِيلُ وَالتَّحْصِيلُمِنِّي السَّلامُ عَلَيْكَ يَا عَلَمَ الْهُدَى ….. طُولَ الزَّمَانِ مِنَ الْفُؤَادِ أَقُولُوَعَلى”أَبِي بَكْرٍ” مُصَدِّقِ رِحْلَةِ الإِسْـ ….. ــرَا وَفِي الْغَارِ الْعَتِيقِ “خَلِيـلُ”وَعَلى “أَبِـي حَفْصٍ” مُعَزِّزِ دِينِنِا ….. وَلِرَأْيهِ قَـدَ وَافَـــقَ التَّنْزِيلُوَبُعَيْدَ تَودِيعِ الْحَبِيــبِ “مُحَمَّدٍ” ….. سِرْنَا وَإِنَّ دُمُوعَنَا لَسُيُـــولُ حَكَمَ الْفِرَاقُ بِأَنَّ نُغَادِرَ “تُرْبَــةً” ….. طَابَتْ بِهَـا وُدْيَانُهَــا وَتُلُولُ

وعلى إثر مغادرة الرئيس “عبده ضيوف” “للمدينة المنورة” متوجهاً إلى بلاده “جمهورية السنغال” طلب مني معالي الفريق “عبدالعزيزمسعود” رئيس المباحث العامة السابق أن نتوجه إلى فندق شراتون “بالمدينة المنورة” لتناول طعام الغداء قبل مغادرتنا مع الوفد الرسمي السعودي المرافق لفخامة الرئيس إلى “الرياض”، فلبيتُ الدعوة حيث اتجه الجميع إلى فندق “شراتون”، وفي رحابه طاب المقام والحديث والسمر وتناول طعام العشاء. وعن هذه المناسبة قال الشاعر في قصيدته:ـ
سِرْنَا قُبَيْلَ الْعَصْرِ نَبْغِي “فُنْدُقاً” ….. حَيْثُ الطَّعامُ مُهَيَّأٌ وَجَمِيلُوَفُوَيْقَ مَائِدَةِ الطَّعَامِ تَدُورُ أَطْعِمَةُ ….. الْكَلاَمِ وَمَدُّهَا مَوْصُـولُحَيْثُ “الْوَزِيرُ” يُدِيْرُهَا بِسُـؤَالِه ….. إِثْرَ السُّؤالِ فَطَعْمُهَا مَعْسُـولُ أعْنِي “ابنَ عَمِّي” فَرْعَ دَوْحة “مُلْحِمٍ” ….. طَابَتْ فُروُعٌ مِنْهُمُ وَأُصُولُقَدْ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مُعْذِقٍ ….. مِثْلَ “الْوَزَيرِ” فِي الرِّجَالِ تُنيِلُوَتَعَرَّفَ “الإِخْوانُ” بَعْضَاً بِالأُولَى ….. لاَ يَعِرفُونَ فَحَصَّل التَّأهِيلُفَعَرَفَتُ “إِخْوَانَاً” لإِولِّ مَرَّةٍ ….. وَتَواَفقَتْ أَهْوَاؤُنَا وَمُيُـولُمِنْهُمْ “ضُوَيَّانٌ” تَضَوَّأَ رَأْيُهُ ….. مِنْ نُورِ “طَيْبَةَ” عَقْلُهُ مَصْقُولُوَأَخِي الْفَتَى “عَبْدِ الْحَمِيدِ” مِنَوِّرٌ ….. عِندَ الْحَدِيثِ فَرَأْيُهُ مَقْبُولُوَأَخِي “اللُّحَيدَانَ” الْهُمَـامُ فَإِنَّهُ ….. نِعْمَ الصَّدِيقُ الصَّادِقُ الْمَأْمُولُوَأَخِي “الطَّبيشِيُّ” الذِي لَـمْ تَذْهَبَنْ ….. عَنْهُ الْبَشَاشَةُ سَـــاعَةً وَتَزُولُوَكَذَا الْفَتَى “عَبْدُالْعَزِيزِ” الشَّـامِرُ ….. الأَخْلاَقِ طَـابَ فُرُوعُهُ وَأُصُولُ”إِلياسُ” قَدَّمَ دَعْوَةً شَخْصِيَّةً ….. لَكَنْ ظُرُوفٌ لِلْجَوَابِ تَحُولُوَمُرَافِقِي فِي رِحْلَتِي الأَخُ “صَالِحٌ” ….. إِبْنُ “الْمُحَارِبِ” بَيْتُهُ وَقَبِيلُلَمْ يَأْلُ جُهْدَاً فِــي مَواقِفِ رِحْلَتيِ ….. مُنْذَ ارْتَحَلْنَا أَوْ يَحِينُ قُفُــولُ!
وعلى إثر انتهاء “الرحلة المقدسة” اختلى الشاعر إلى نفسه متأملاً ما حدث له وهو في غاية البهجة والسرور حيث أطلق لشاعريته العنان يحدث نفسه من خلالها عما رأى وشاهد، وعما في مخيلته من معلومات تاريخية عن “المدينة المنورة”، وما بها من مواقع ومشاهـد ومساجد ذات تاريخ مجيد، وما عاصرته “المدينة المنورة” نفسها من أحداث تعتبر مجيدة في تاريخ الاسلام والمسلمين. تناول كل ذلك في خشوع يعطي الطمأنينة، وبيان يهب الرضا والراحة النفسية في الأبيات الشعرية التالية:ـ
يَا عَيْنُ مِـنْ هَذَا الْجَمَالِ تَمَتَّعِي ….. فَلَقَـــدْ دَنَا إِيَابُنَا وَرَحِيـلُهَذِى “الْمَدِيْنَةُ” وَالْجِنَانُ تُحِيطُهَا ….. أَلَهَا يُرَى فِي “الْعَالَمِينَ” مَثِيـلُ!”الرَّوْضَةُ” الْفَيْحَاءُ يُشْرِقُ نُورُهَا ….. فَسَنَاؤُهَا الْمَمْدُودُ والْمَوْصُولُوَمُرُوجُ “أُحْدٍ” عَابِقَاتٌ بِالشَّـذَا ….. ضَاءَتْ “بِحَمْزَةَ” وَالْفَرِيقُ حُلُولُوَهُنَا “الْبَقِيعُ” تَمَايَلَتْ رَوْضَاتُهُ ….. طَابَتْ مَنَازِلُهُ وَطَابَ نَزِيلُوُهَنَاكَ “بُطْحَانٌ” رِيَاضٌ تَزْدَهِي ….. أَوْرَاقُهَا فَكَأَنَّهَا الإِكْلِيلُهَذَا “قُبَاءٌ” وَالصَّلاةُ بِعُمْرَةٍ ….. فِيِهِ حَدِيثُ الصَّادِقِ الْمَقْبُولُ”وَالْقِبْلَتَيْنِ” هُنَالِكُـمْ “وَغُمَامَـةٌ” ….. لاَ كَالْغَمَائمِ غَيْثُهَـــا مَبْذُولُوَ”الْعَنْبَريَّــــةُ” عَنْبَرٌ مُتَكَرِّرٌ ….. فِيهَـا تَغَنَّى بِالْحُـرُوفِ “جَمِيلُ”هَذَا “الْعَقِيقُ” وَذَاكَ وَادِيهِ الذِي ….. فِيهِ تَغَــزَّلَ “قَيْسُنَا” وَ”جَمِيلُ”هَذِى هِىَ “الزَّرقَا” تَسِيلُ عَلَىَ الثَّرَى ….. يُشْفَى بِمَنْظَرِهَا الْجَمِيلُ عَليلُتَجْرِي إِلى تِلكَ الْعُيُونِ بَدِيعَةً ….. مِنْ دُونِهِــنَّ “فُرَاتُنَا” و”النِّيلُ”وَمشَاهِدُ الْحُسْنِ التِى فِي “طَيْبَةٍ” ….. عَنْ مُقْلَتِيْ لَيْسَ الزَّمانُ تَزُولُيَهْفُوْ لَهَا قَلْبِي عَلَى طُولِ الْمَـدَى ….. إِنِّي بِهَـــا لَمُتَيَّمٌ مَشْـغُول


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 9781

تاريخ النشر: 26/03/2000م

من أوراقي المبعثرة – تأملات في الرحلة المقدسة (2)

وبينما كان الشاعر في الطريق إلى مطار الملك “خالد” أخذه الشوق والحنين إلى الديار المقدسة قبل وصوله إليها، وهو شوق وحنين إلى ديار يشعشع نورها، وتحف بها الأنوار، وترفرف إلى رؤيتها القلوب التي في الصدور: ـ
يَا مَرْحَبَاً بِالْبَيْتِ شَعْشَعَ نُــورُهُ ….. وَزَهَا عَلَى أَرْكَانِــهِ التَّنْزِيلُحَفَّتْ بِهِ الأَنْــوَارُ زَائِدَةَ السَّنَا ….. وَتَأَلَّقَ النُّوَّارُ وَهْـوَ خَضِيلُ طَافَتْ بِهِ الأَجْسَامُ وَهْيَ قَرِيرَةٌ ….. وَسَمَتْ لَهُ الأَرْوَاحُ وَهْيَ خَجُولُوَإِلَيْهِ رَفْرَفَتِ الْقُلُوبُ بِعَيْنِهَا ….. وَالدَّمْعُ مِنْ فَوْقِ الْخُدُودِ يَسِيلُتَسْتَمْطِرُ الرَّحَمَاتِ مِنْ بَارِي الْوَرَى ….. غُفْرَانَــهُ عَـلَّ الإِلَـــهُ يُنِيلُتَرْجُــو مِنَ الرَّحْمَنِ جَلَّ جَلاَلُـهُ ….. غُفْرَانَــهُ عَـلَّ الإِلَـــهُ يُنِيلُفَهُوَ الَّذِي يِمْحُو الذَّنُوبَ بِفَضْلِهِ ….. وَمِنَ الذُّنُوبِ الْمُوبِقَاتِ يُقِيلُفَيَعُودُ جَـْذلاَنَاً بِتَوْبَــةِ ربَـِّهِ ….. وَكَيَانُهُ مـــنْ ذَنْبِهِ مَغْسُوليَا رَبَّنَا يَا مَالِكاً هَــذا الْوَرَى ….. يَا مَنْ عَلَيهِ وَحْدَهُ التَّعْــوِيلإِغْفِـرْ لِضَيْفِكَ قَـدْ أَتَاكَ لِذَنْبِهِـه ….. مُسْتَغْفِراً يَدْعُوكَ وَهْــوَ ذَلِيل
وتوجه الشاعر من مطار الملك “خالد” بمدينة “الرياض” إلى مطار الملك “عبدالعزيز” بمدينة “جدة”، ومن ثم إلى “قصر الضيافة” الذي سيحل فيه فخامة الرئيس “عبده ضيوف”. وعن هذه الأماكن قال الشاعر “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم” الخواطر التالية:ـ
وَمَشَتْ مَواكُبِنَا لِقَصْرِ “ضِيَافِـةٍ” ….. فِي “جِدَةٍ” فِيهِ الْمَقَامُ جَميلُفَإِذاَ الْغَدَاءُ أُعِدَّ مِمَّا نَشْتَهِي، ….. مَشْرُوبُهُ قَدْ طَابَ والْمَأْكُولُوَبِهِ قَضَيْنَا بَعْضَ وَقْتٍ طَيِّــبٍ ….. إِذْ رَاقَ مِنْهُ ظِـــلاَلُهُ وَمَقِيِلحَتَّى إِذَا وَصَلَ الرَّئِيسُ عَشِــيَّةً ….. “عَبْدُو ضُيُوفُ” وَوَفْدُهُ الْمَسْئُولُ وَاسْتَقْبَلَتْـــه ُ”مَرَاسِمٌ مَلَكِيَّةٌ” ….. فِي طَبْعهِا الْخُلُقُ الْكَرِيمُ أَصِيلُإِسْتَقْبَلَتُهُ بِــمَا يَليِقُ حَفَــــاوَةً ….. وَأَجَلُّ مَــا فِــي ذَلِكَ التَّسْهِيلُ
ومن ثم تحرك موكب “الرئيس” بعد استقباله الاستقبال الذي يليق بفخامته من الحكومة إلى “البيت العتيق” والشاعر مع المرافقين. لم يتمالك الشاعر نفسه إذ تحدث عن “طوافه” و”سعيه” في “البيت العتيق قائلاً:ــ
فَلْنَمْشِ فِي رَكْبِ “الرَّئِيسِ” لِنَلْتَقِي ….. بِالطَّائِفِينَ وَإِنَّهُــــمْ لَسُيُولُسِرْنَا إِلَى “الْبَيْتِ الْكَرِيـمِ” يَحُثُّنَا ….. شَوْقٌ إِلَى تِلْكَ الرُّبُوعِ جَزِيـلُإِذْ طُفْتُ بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ مُلَبِّياً ….. وَالْقَلْبُ يَذْرِفُ دَمْعَهُ وَيُسِيلُوَرَكَعْتُ مِـنْ خَلْفِ “الْمَقَـامِ” مُصَلِّيَاً ….. وَالْقَلْبُ فِيهِ بِرَبِّــهِ مَوْصُــولُ
وعندما فتح باب “البيت العتيق” وجد الشاعر نفسه في عالم مهيب. يريد أن يتكلم فلا يستطيع. يصعد درجات السلم فلا يحس بخطواته كما لو كان في ملكوت آخر:ـ
يَــا فَرْحَتِي وَالْبَيْتُ يُفْتَحُ بَابُــهُ ….. فَكَأَنَّنِي مِــنْ فَرْحَتِي مَذْهُولُ!أَمْضِي فَـلاَ أَدْرِي أَرِجْلِي تَرْتَقِـي ….. دَرَجَاً أَمِ الرِّجْلُ السَّمَاءَ تَطُولُ!وَدَخَلْتُ فِيهِ أَجْتَلِي مَا أَجْتَلِي ….. مِنْ مَنَظَرٍ فِيهِ تَحَارُ عُقُولُرَوْضٌ تَكَامَلَ حُسْنُهُ وَرُوَاؤُهُ ….. فَوْقَ النُّعُّوتِ جَمَالُهُ الْمَوْصُولُذَهَبَ الْحِجَى فِي لُجِّ بَحْرٍ غَامِـرٍ ….. فِي عَالَمٍ فِيهِ الْقُلُوبُ تَصُـولُتَطْوِي السَّمَواتِ التِي مَا إنْ لَهَا وَأَعُبُّ ….. حَدٌ تَرَاهُ أَعْيُنٌ وَعُقُولُمِنْ فَيْضِ الْمَعَانِـي مَا أَشَا ….. فِي حَانِهَا الْحَانِي تَطِيبُ شَمُولُصَلَّيْتُ فِيهِ وَالصَّلاةُ وَسِيلَتِي ….. صِلَتِي إِذَنْ وَأَنَا بِهِا الْمَوْصُولُإِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا أَتَاهُ ضَيْفُهُ ….. فِي بَيْتِهِ إِنَّ الْقِرىَ مَبْذُولُوَسَعَيْتُ بَيْنَ “الْمَرْوَتَيْنِ” مُهَـرْوِلاً ….. وَأَنَا “لآيِ الْمَرْوَتَــينِ” أَقُولُوَجَعَلْتُ أَشْرَبُ مِنْ مَنَاهِلَ زَمْـزَمٍ ….. كَيْفَ اشْتَهَيْتُ وَذَلِكَ الْمَأْمُـولُوَهُــوَ الشِّفَاءُ لِكُلِّ دَاءٍ جَـاءَنَا ….. عَـنْ “أَحْمَدٍ” صَحَّتْ بِذَاكَ نُقُـولُقَصَّرْتُ منْ شَعْرِي وَتَمَّتْ عُمْرَتِــي ….. وَرَجَايَ مِـنْ رَبَّـــي الْغَفُورِ قُبُولُ
وبعد أن أكمل الشاعر “عمرته” أخذ يلتقط أنفاسه مستعيداً مشاعره نحوها، ومستلهماً ذكريات تاريخية لدين الحنفية السمحاء، دين الخليل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وهما يرفعان قواعد البيت العتيق: حول هذه الأحوال النبيلة والذكريات المبهجة قال:ـ
يَا “عُمْرَةً” فِي الْعُمْرَ لَمْ أَرَ مِثْلَهَـا ….. حُلْمُ الْكَرَىَ ذَاكَ الْجَمِيلُ أَقُـولُطَابَ الْمُقَامُ عَلَى “مَقَامٍ” أَشْـرَقَتْ ….. أَنْوَارُهُ إِذْ قَامَ فِيهِ “خَلِيــلُ”يُعْلِي الْقَوَاعِدَ وَالذَّبِيحُ “مُسَاعِدٌ” ….. وِفْقَاً لِمَا قَدْ أَخْبَرَ التَّنْزِيلُيَدْعُوْ وَ”اسْمَاعِيلُ” رَبَّهُمَا مَعَاً فَيُجِيبُ ….. وَالْقَلْبُ يَخْفِقُ وَالدُّمُوعُ تَسِيلُمَوْلاَنَا الرَّحِيمُ دُعَاهُمَا ….. فَإِذَا الْحَجِيجُ أَتَتْهُ وَهْيَ سُيُولُمُتَضَرِّعِينَ لِرَبِّهِم ســبْحَانَهُ ….. مُتَبَتِّلِينَ هَنَاهُمُ التَّبْتِيلُشُكْراً لَكَ اللَّهُمَّ إِذْ نَادَيْتَنَا ….. لِزِيَارَةِ “الْبَيْتِ” الْكَرِيمِ تُنِيلُوَاكُتبْ لَنَا الرَّجْعَى لبِيْتِكَ خَالِقِي ….. وَافْسِحْ لَنَا فِي الْعُمْرِ حَيْثُ يَطُولُ لِنَؤُمَّ بَيْتَكَ يَا إِلَهِــي مَــرَّةً ….. فِـي إِثْــرِ مَـرَّةِ حاَلُنَا مَشْمُولُ


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 9774

تاريخ النشر: 19/03/2000م

من أوراقي المبعثرة – تأملات في الرحلة المقدسة (1)

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، ويقول سبحانه وتعالى (وأتموا الحج والعمرة لله). ومن مقتضى الآيتين الكريمتين وجوب إداء الحج والعمرة مرة واحدة في العمر إذا توفرت شروطها في من تجب عليه. وَحَجَّ وَاعْتَمَرَ صاحب الرحلة المقدسة العطرة أكثر من مرة. وكانت تراوده أمنية عزيزة إلى نفسه يتوق إلى تحقيقها في “العمرة” لا في “الحج” وذلك إدراكاً منه أنها في “الحج” مستحيلة التحقيق. وكان يدعو الله سبحانه وتعالي أن يحقق له هذه الأمنية. وهي الصلاة داخل “الكعبة المشرفة” بمكـة المكرمة، ومن ثم الصلاة “بروضة الجنة” بالمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة، ومن ثم السلام علــى رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل “الحجرة الشريفة”.وتصادف ذات مرة أن حدَّثته بأنني قد شرَّفني الله وتكرَّم عليَّ بالصلاة في داخل “الكعبة المشرفة” وكذا في “الروضة الشريفة” فطلب مني لو أمكنني تمكينه من الصلاة في المكانين الطاهرين، وكذا السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل “الحجرة الشريفة” إذا سنحت لي الفرصة، فوعدته إن استطعت إلى ذلك سبيلا. وشاء الله سبحانه وتعالى أن تتحقق أمنية هذا الرجل الصالح على يدي [قبل وفاته بسنتين] وكان ذلك في جمادى الأولى من عام 1406هـ.وبدون توقع أو طلب مني فوجئتُ ذات صباح بصدور “الأمر الملكي” بأن أكون “الوزير” المرافق لفخامة الرئيس “عبده ضيوف” رئيس “جمهورية السنغال” الذي سيحل ضيفاً على المملكة العربية السعودية”، وكان الضيف وقتها رئيساً لمنظمة المؤتمر الاسلامي. وتضمن الأمر الموافقة أن يفتح لفخامته باب “الكعبة المشرفة” ليصلي بداخلها، وأن يسلم على الرسول صلى الله عليه وسلم داخل “الحجرة الشريفة”..لقد سررتُ بهذا التكليف غاية السرور، ولم يكن أول تكليف لي في مثل هذه المناسبة. وكان من دواعي هذا السرور هو أنني سوف أَحْظَى بالصلاة داخل “الكعبة” وفي “الروضة” والسلام على رسول الله وصاحبَيْهِ داخل “الحجرة الشريفة”. كذلك أنني سأفي بوعد قطعته على نفسي “لابن عمي” الشاعر الشيخ “محمد بن عبدالله ين حمد آل ملحم” الذى، كما سبق القول، تمنى علي أن أحقق له هذه الأمنية الغالية في حياته.هاتفته في الحال من مدينة “الرياض” وهو في “الأحساء” مخبره أن أمنيته ستتحقق بمشيئة الله، وأن عليه أن يستعد لبدء الرحلة والقدوم إلى مدينة “الرياض” لمقابلتي، ومن ثم التوجه معي إلى مطار الملك “خالد بن عبدالعزيز” يرحمه الله، فكان في غاية السرور لسماعه هذا الخبر السار المبهج.وفوجئت، بعد أن وفقه الله إلى تحقيق أمنيته، بقصيدة حبَّرها ذات طابع قصصي، وفيها طرافة، وبلاغة، وتاريخ، وذكر عطر للمشاعر المقدسة في كل من “مكة المكرمة” و”المدينة المنورة”. وفي هذه القصيدة [التي تنشر لأول مرة] تناول الشاعر سَيْرَ رحلته منذ أن بدأها بمدينة “الهفوف” حاضرة محافظة “الأحساء” وحتى مغادرته للأراضي الحجازية آيباً إلى مسقط رأسه.. وشملني ـ يرحمه الله ـ بأبيات شعر عبَّر فيها عـن امتنانه لوفائـي بما وعدتُه بــه. وسأذكرها في مكانها المناسب.ولا أعلم متى حبر “ابن عمي” هذه القصيدة، هل كان ذلك أثناء الرحلة، أو في نهايتها، أو بعد عودته إلى “الأحساء”؟وفي بدايــة القصيدة التي وَسَمَهَا “بالرحلة المقدسة” والتي تتكون أكثر مـن مائةوخمسين (150) بيتاً ما يدل على أنه قد بدأ في تحبيرها حال سماعه بخبر بدء هذه الرحلة، ومن أنه سيكون ضمن الرفاق فيها. بدأ القصيدة بأربعة بأبيات جامعة مانعة عبر فيها عن أشواق تداعب خياله وآمال ستتحقق له في هذه الرحلة، وكيف لا؟ وقد تحقق له المطلوب والمأمول. وهذه الأبيات الأربعة آية في الجمال والجلال:ــ
شَوْقِي إِلَى تِلْكَ الرَّبُـوعِ يَطُولُ ….. أَنَّى بِـهَا أَحْظَى وَكَيْفَ وُصُولُ!هَبَّتْ عَلَى جَدِّيْ نُسَيْمَاتُ الرِّضَا ….. فَتَحَقَّقَ الْمَطْلُوبُ وَالْمَأْمُـولُلَبَّىَ فُـؤَادِي عِنْدَمَا نَادَى الْهَوَى ….. سَيِّر حُمُولَكَ أَيُّـهَا الْمَوْصُولُقَرُبِ الْوِصَالُ وَحَـانَ أُبَّانُ اللِّقَا ….. مِمَّنْ تُحِــبُّ وَجَاءَكَ التَّنْوِيلُ
ومن “الأحساء” مسقط رأسه شدَّ الرحال في همة وعزيمة وهو لا يصدق قائلاً:ـ
فَشَدَدْتُ رَحْلِي فِي الرِّفَاقِِ مُسَارِعَاً ….. وَالشَّـوْقُ رَكْبِي وَالْغَرَامُ دَلِيلُمِنْ بَعْدِ مَا وَدَّعْتُ وَاحَاتِ” الْحَسَا” ….. وَمُرُوجَهَا الْفَيْحَاءَ وَهْـيَ تَمِيلُوَمَطَارُ “خَالِدَ” يَزْدَهِي مِـنْ فَرْحَةٍ ….. يَهْفُوْ “لِجـِدَّةَ” قَلْبُــهُ مَتْبُولُ


الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 9760

تاريخ النشر: 05/03/2000م

أيهما أهم: النخلة أم البترول ؟ 2-2

كرم الله سبحانه وتعالى “النخلة” حيث ذكرها في محكم كتابه الكريم في أكثر من سورة.كما كانت النخلة بسبب المنزلة التي حباها الله سبحانه وتعالى بـها وما لثمرها من قيمة غذائية كبيرة محـل اعتبار في “السنة النبوية “حيث وردت بخصوصـها وخصوص “تمرها” أحاديث صحيحة .أما الشعراء فقد كانت “النخلة” مصدر الهام لهم منذ العهود الجاهلية وحتى العصور الحديثة . النخلة عالم قائم بذاته. لها مصطلحاتها، وأيامها، ومناسباتها.كانت للنخلة قبل اكتشاف البترول مكانة خاصة لدى علية القوم وعامة الناس. أما بعد عصر البترول فوضع النخلة أصبح، كما يصوره الأستاذ الأديب “خليل الفزيع” بقلمه الرشيق، أثراً بعد عين. يقول الأستاذ “الفزيع”:ـ “وكلما ذكر النخل تداعت إلى الذهن ذكريات جميلة، وفاضت في الخاطر صور أليمة، واختالت في البال آلام مقيمة، عن حقول النخيل التي تركها أهلها . . إلى حقول النفط الأقل جهداً والأوفر أجرا، فزحفت الرقعة العمرانية على مساحات زراعية . . كانت تزينها أشجار النخيل الباسقة، بعذوقها المثقلة بأطايب التمور، وسعفاتها الموحية بالحبور، والبهجة والسرور، فإذا هي أثر بعد عين بعد أن ماتت وهي واقفة . . تتحدى الظروف، وتندب حظها المعروف، وهو بالمخاطر محفوف . . . ” ويقول عن “النخلة” كذلك الأستاذ الدكتور الأديب “علي بن عبدالعزيز العبدالقادر”:ــ”والنخلة التي ارتبطت بأرض الجزيرة العربية والخليج العربي بعلاقة أزلية قديمة وأبدية أثرت في وجدانه وكيانه الاقتصادي والاجتماعي تَقِفُ في الواحات المتباعدة رمزاً للعطاء والوفاء والشمم …”وعلى الوتر نفسه قال [قبل الأخوين] الشاعر “محمد بن عبدالله آل ملحم” أبياتاً منها :
وَقَالُوا الزِّرَاعَةَ فِي عَصْرِنَا …. تُكَلِّفُنًا مَعْشَرَ الزَّارِعِينْوَأَنَّ النَّخِيلَ بِوَجْهِ الْخُصُوصِ ….. تُكَلِّفُ فَوقَ الذِي تَحْسِبُونْأَنُنْفِقُ فِيهِنَّ أَمْوَالَنَا ….. أَهُنَّ بَنَاتٌ لَنَا أَمْ بَنِونْفَقُلْتُ نَعَمْ عَلَّهُنَّ لَكُمْ ….. إِلَى النَّفْعِ أََقْرَبُ مِنْهُمْ تَكُونْوَإِنَّ النَّخِيلَ لَتُطْعِمُنَا ….. بِفَاكِهَةٍ خَيْرَ مَا تُطْعِمُونْوَلاَ سِيَّمَا التَّمْرُ مِنْ بَيْنِهَا ….. فَلَيْسَتْ تُكَافِئُ مَا تُنْفِقُونْوَإِنَّ الزِّرَاعَةَ مَضْمُونَةٌ ….. مَنَافِعُهًا أَيُّهَا الزَّارِعُونْوَإِنَّ النّخِيلَ لأَفْضَلُهَـــــا ….. فَبُشْرَى لِمَنْ هُمْ بِهَا يَعْتَنُــــونْالنخلة مادة استراتيجية !والبترول مادة استراتيجية هي الأخرى !نتاج النخلة قابل للاستهلاك المباشر والفوري !ونتاج البترول قابل للاستهلاك ولكن على نحو غير مباشر.ونتاج كل من النخلة والبترول “مادة” حيوية لعمليات تصنيع متعددة.نتاج النخلة في عالمنا المعاصر مصدر عملة صعبة وكذلك نتاج البترول.ونتاج البترول، كما هو الحال بالنسبة لنتاج النخلة، سلعة قابلة للتصدير وكلاهما مصدر ثروة وسلطة.وَهَجَرَ الناس النخلة لأن العناية بها مكلفة وتحيط بها مشقة. وبسبب هذا الهجر اندثرت أراض زراعية وتوارت عن الأنظار بيوت معروفة ذات اهتمامات زراعية.وتعلق الناس بالبترول لأن العمل به أوفر وأيسر. النخلة والبترول في خصوص منطقتنا بالذات في عالمنا المعاصر صنوان مهمان. كلا البترول والنخلة من مخلوقات الله. النخلة ظاهرة للعيان ودور الإنسان في عمرانها وصيانتها مهم، والبترول مادة مختبئة في مصائد أو مكامن “طبيعية” بباطن الأرض، وتمكن الإنسان، بهدي من الله سبحانه وتعالى، من العثور على مكامنها. وهناك دول تطيل من عمر هذه المادة عن طريق التحفظ عليها بمكامنها. وهناك دول تحاول استنزاف مخزون هذه المادة من مصائدها “الطبيعية” لتحويلها عن طريق البيع الفوري للحصول على عملات صعبة من أجل الاحتفاظ بِهذه العملات [كما يقال] لصالح الأجيال القادمة … وهناك دول لديها “الدولار” وتحاول استبداله بذلك السائل الأسود لتودعه في مصائد “اصطناعية” دائمة ببلدانها لصالح أجيالها القادمة. والبترول مادة حيوية وقت السلم والحرب، والحديث عنه في عالمنا المعاصر ملء السمع والبصر. ومن أجل الحصول عليه تبذل هذه الأمم الغالي والنفيس، وإذا تعذر الحصول على هذه المادة سلماً، فلتشتعل الحرب، وليكن ما يكن. النخلة مادة استراتيجية دائمة، وإن كان عطاؤها قليل، وقليل دائم خير من كثير منقطع.والبترول،كما تقول الحقائق العلمية المتاحة للإنسان حالياً، مادة استراتيجية مؤقتة. وفي ظل ما أوردته من حقائق، أطرح للنخبة من قراء جريدة ” اليوم ” وكذا غيرهم ـ من منطلق أدبيات البترول ـ سؤالي الذي عنونتُ بـه هاتين الحلقتين وهو : أيهما أهم، من الناحية الإستراتيجية لحاضرنا ومستقبلنا، البترول أو النخلة ؟

ــــــــــ

الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9753

تاريخ النشر: 27/02/2000م

*رئيس دارة الدكتور آل ملحمللتحكيم والاستشارات القانونية

من أوراقي المبعثرة : وتكفي قصيدة واحدة 5-5

النظر إلى العمل الأدبي يختلف من شخص إلى شخص، وحتى بالنسبة للشخص الواحد من وقت لآخر. وهناك مجموعة من العوامل من شأنها التأثير على الشخص نفسه عند النظر إلى العمل من أجل الحكم له أو عليه.لقد ترتب على قراءتي المتكررة لقصيدة “ابن دريد” محاولة الكشف عن الجوانب التى تراءت لي من تلك القراءة مما حاولت التعبير عنه فيما سبق من حلقات، وربما يوجد من يختلف أو يتفق معي فيما نحيته. والنظر الذي سلَّطته على القصيدة من طبيعة تأملية وللإجتهاد دور كبير فيه. ولقد استعنتُ خلال مطالعتي، وإلى جانب كبير، ببعض كتب التراث التي تناولت القصيدة نفسها رغبةً مني أن يشاركني الغير ولو مشاركة وجدانية فيما وجدت أنه رائع وممتع.ومسك الختام، وحتى تكتمل الصورة على الأقل لدي، رأيت ضرورة تقديم نبذة مختصرة عن محبر القصيدة لا سيما أنني وسمت هذا البحث بعنوان:ـ وتكفي قصيدة واحدة، وقصدتُ من ذلك أنه تكفي قصيدة واحدة لتخلع على قائلها لقب شاعر ، بل وأن يعدَّ من فحول الشعراء. والمقياس في التجربة الشعرية ليس في كثرة الشعر وإنما في جودته حتى ولو كان قليلاً، بل وحتى لو تمحور هذا الشعر حول قصيدة واحدة . وقصيدة “ابن دريد” من هذا الضرب.فمن هو هذا الشاعر؟يقول “ابن خلكان ” هو:ـ أبوبكر بن الحسن بن دُريد الأزدي. ولد بالبصرة في عام 223هـ، وشب عن الطوق بها، ثم رحل إلى “عمان”، رجع بعدها إلى “البصرة”، ومن ثم رحل إلى “الأهواز” من بلاد “فارس ” حينما كانت تحت إمرة الشاه “عبدالله بن محمد بن ميكال” وابنه “أبي العباس اسماعيل بن عبدالله”. وتروي كتب التاريخ التي تناولت حياة “ابن دريد” أنه تمكن بفطنته وذكائه وسعة اطلاعه على علوم اللغة العربية وآدابها أن يكون قريباً من الأميرين لدرجة أنه حاز ثقتهما، وألَّف لهما كتاب “الجمهرة”، وهو معجم كانت له شهرة فائقة، وبسبب هذا الكتاب، وأعمال أخرى قام بها، قلَّداه “ديوان فارس”، فأثبت لهما أنه ذا مقدرة وكفاءة. ولم يبخلا عليه بشئ، بل أجزلا له العطاء. وليَرد الجميل تفتقت ذهنيته عن تحبير قصيدته “المقصوره” في مدحمها، فنالا من الشهرة بسببها بقدر ما نالته القصيدة نفسها. وعن ما أولياه إياه من تقدير بعد أن أَخَذ منه اليأس مأخذه، وعن المكانة التي حظي بها عندهما، وما تمتع به من نعم في كنفهما قال:ـ
حَاشَا الأَمِيريْنِ اللَّذيْنِ أَوْفَدَا ….. عَلَيَّ ظِلاً مِنْ نَعِيمٍ قَدْ ضَفَاهُمَا اللَّذانِ أثْبَتَا لي أَمَلاً ….. قَدْ وَقَفَ الْيَأْسُ بِهِ عَلَى شَفَاتَلاَفَيَا الْعَيْشَ الّذي رَنَّقَهُ ….. صَرْفُ الزَّمانِ فَاسْتَسَاغَ وَصَفاوَأَجْرَيَا مَاءَ الحيا لِي رَغَداً ….. فَاهْتزَّ غُصْني بَعد مَا كَانَ ذَوىهُمَا اللَّذَانِ سَمَوَا بِنَاظري ….. مِنْ بَعْدِ إِغْضائي عَلَى لذْعِ الْقَذىهُمَا اللَّذانِ عَمَرَا لي جَانِباً ….. بِشُكْرِ أهْلِ الأَرْضِ عنّي مَا وَفَىوَقَلَّدَاني مِنَّةً لَوْ قُرِنَتْ ….. حُسْوَةٍ فِي آذِيّ بَحْــرٍ قَدْ طَمَا
وبعد أن أفاض في الرعاية والحفاوة التي تمتع بهما في ظلهما، والمنة التي قلداه بها وهي مِنَّةٌ لو قرنت، على حد تعبيره، بشكر أهل الأرض بالنيابة عنه ما كان ذلك كافياً. يقول “بن دريد” عن الأمير وابنه:ـ.
إِنَّ ابْنَ مِيكَالَ الأَمِيرَ انْتَاشَنِي ….. مِنْ بَعْدِ مَا قَدْ كُنْتُ كَالشَّيء اللّقَىوَمَدَّ ضَبْعِيَّ أبُوالْعَبَّاسِ مِنْ ….. بَعْدِ انْقِباضِ الذَّرْعِ وَالْبَاعِ الْوَزَىذَاكَ الَّذِي مَا زَالَ يَسْمُو لِلْعُلاَ ….. بِفِعْلِهِ حَتَّى عَلاَ فَوْقَ الْعُلالَوْ كَانَ يَرْقَى أحَـدٌ بِجُــودِهِ ….. وَمَجْـدِهِ إِلى السَّمَاءِ لاَرْتَقَــىمَا إِنْ أَتَى بَحْرَ نَدَاهُ مُعْتفٍ ….. عَلَى أُوَارِ عَيْمَةٍ إِلاَّ ارْتَوَىنَفْسي الْفِدَاءُ لأَمِيرِي وَمَنْ ….. تَحْتَ السَّماءِ لأَمِيرِيّ الُفِدَىلاَ زَالَ شُكْري لَهُمَـا مُوَاصِلاً ….. لَفْظِــي أَوْ يعْتَاقَنِي صَرْفُ اَلْمُنَا
قال “ابن خلكان” في “الوفيات”:ـ كان “بن دريد” أمام عصره في اللغة والآداب والشعر الفائق.أما “ابن مسعود في كتابه “مروج الذهب” فقد قال عنه:ـ وكان “ابن دريد” ببغداد ممن برع في زماننا هذا في الشعر، وانتهى في اللغة ، وقام مقام “الخليل بن أحمد” فيها، وأورد أشياء في اللغة لم توجد في كتب المتقدمين، وكان يذهب بالشعر كل مذهب، فطوراً يجزل، وطوراً يرِق، وشعره أكثر من أن نحصيه أو نأتي على أكثره.وله قصيدة غزلية أورد “ابن خلكان” خمسة أبيات منها وهي:ـ
غَرَّاءُ لَوْ جَلَتِ الْخُدُودُ شُعَاعَهَا ….. لِلشَّمْسِ عِنْدَ طُلُوعِهَا لِمْ تُشْرِقِغُصْنٌ عَلَى دِعْصٍ تَأَوَّدَ فَوْقَهُ ….. قَمَرٌ تَأَلَّقَ تَحْتَ لَيْلٍ مُطْبِقَلَوْ قِيلَ لِلْحُسنِ احْتَكِمْ لَمْ يَعْدَهَا ….. أَوْ قِيلَ خَاِطُب غَيْرِهَا لَمْ يَنْطِقَوَكَأَنَّنَا مِنْ فَرْعِهَا فِي مَغْرِبٍ …… وَكَأَّنَّنَا مِنْ وَجْهِهَا فِي مَشْرِقِتَبْدُو فَيَهْتِفُِ لِلْعُيُونِ ضِيَاؤُهَـــا ….. الْوَيْــلُ حَـلَّ بِمُقْلَـةٍ لَـمْ تُطْبِقَ
وبجانب الشعر يعتبر “بن دريد” من المؤلفين بالجملة. له مؤلفات وتصانيف في اللغة وعلوم القران والحيوان. ومن أشهر مؤلفاته “الجمهرة” التي قال عنها “ابن عطار”:ـإن “ابن دريد” أملى “الجمهرة” دون الاستعانة بالنظر في شئ من الكتب إلا في الهمزة واللفيف، وبهذا ينفرد بين كل مؤلفي المعجمات قديماً وحديثاً وفي كل لغات العالم، ويمتاز عليهم بهذه الموهبة النادرة الفذة، فإملاء عالم معجماً يضمُّ عشرات الآلاف من المواد اللغوية من حفظه وعقله وعلمه دون الاستعانة بكتب حدثٌ عظيمٌ جديرٌ بالإعجاب، وعملٌ قمينٌ بأن يقدر صاحبة أعظم تقدير، وإن عمله ـ هذا ـ معجز لا يستطيعه أي عالم من العلماء الأئمة الراسخين، فما سمع قط عن مؤلف معجم صنع ما صنع هذه المعجزة النادرة إلا: ابن دريد.وتوفي “ابن دريد” في بغداد في عام 321هـ بعد أن خلف وراءه نفائس في لغة الضاد.

ــــــــــــــــــــــــــــ

الناشر: جريدة اليوم

– العدد:101147

تاريخ النشر: 22/02/2001م

* رئيس دارة الدكتور آل ملحم للتحكيم والاستششارات القانونية

أيهما أهم: النخلة أم البترول ؟ 1ـ 2 

ورد بمحاضرتي الموسومة بـ ” أدبيات البترول ” التي ألقيتها “بنادي المنطقة الشـرقية الأدبي” فـي 19/3/1413هـ أن مجـال هـذه “الأدبيات” يكمن في تلك التحولات الاجتماعية التي كانت محل رصد الكثير من رواد الثقافة والأدب من مواطنين وأجانب. ومن هذه التحولات تلك التغيرات التي طرأت على أوضاع الزراعة حيث كان التعلق بها قبل عصر “البترول” أقوى منه بعد عصر البترول. وكانت “الزراعة” بما تمثله من بيئة خضراء ومياه جارية تشد أصحاب الأحاسيس المرهفة من أدباء وعلماء، وبالأخص مـلاك المزارع والبساتين الذين تعـوَّدوا على التجمع في ساحـات مزارعهم وبساتينهم فَيَحْلُوا لهم السمر والأحاديث الجميلة. وبعد تفجر البترول أصبحت هذه التجمعات، كما يقول المثل، في خبر كان، وأخذت المشقة تحل محل البساطة، وابتعد الناس عن الزراعة بقدر اقترابهم من مظاهر المدنية التي كانت وليدة تدفق فجائي لثروات ما كانت في الأصل متوقعة.وعلى ضوء ما سبق تبادر إلى ذهني سؤال ربما تبدو الإجابة عليه بديهية للغاية . والسؤال هو: أيهما أهم النخلة أم البترول؟الكل [ما عدا كاتب هذه السطور] سيجيب :ـ البترول، البترول، البترول. وواقع الحال يؤيد الكل. مع أن دوام الحال من المحال؟ ولله في خلقه شؤون.المفاضلة في أيامنا المعاصرة بين “النخلة” و”البترول” صعبة، وتجد الصعوبة مكانها في التأثير الفجائي [الخارج على مقاييس “العقلانية”] للبترول كمادة استراتيجية.والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل ما حدث خلال “قرن واحد” [بدأ اكتشاف البترول في منطقتنا في السنوات الأولى من القرن العشرين ] هو المعيار المرجح لأهمية البترول وذلك بالنظر لما له ـ وحتى الآن ـ من تأثيرات مفاجئة على حياة البشر؟والنخلة باعتبارها رمز الزراعة [وهنا بيت القصيد،] هل توارى تأثيرها عن الأنظار خلال “قرن” البترول المنصرم. والله سبحانه وتعالى قال مخاطباً الصديقة “مريم بنت عمران” قبل عشرين قرناً: ( وهـزي إليك بجـذع النخلة تساقط عليك رطباً جنيا ). سورة “مريم”، الآيه 25النخلة أهم شجرة فاكهة في عالم الزراعة على الإطلاق. وظلَّت النخلة ولا تزال في عالم الاقتصاد الزراعي المحافظ مصدر غنى ووجاهة وسلطة.ونتاج النخلة في المصطلح الاقتصادي الحديث “مادة” إستراتيجية في وقت السلم والحرب على حد سواء، وهو مخزون أمني سهل الإنتاج والتناول بلا منازع. ولم تحظ مادة استراتيجية في شبه الجزيرة العربية على مر العصور بمثل ما حظيت به النخلة باعتبارها سيدة الأشجار، أو أم الأشجار، أو أميرة الصحراء، على حد رأي بعض الكتاب … وكانت النخلة ـ من حيث نتاجها ـ أهم مصدر تمويلي لعمليات تكوين المملكة العربية السعودية.والنخلة مصدر غذاء دائم ومتجدد.ونتاج “النخلة” وهو “التمر” كان ولا يزال أفضل ما يقدمه “العربي” في خيمته أو في بيته لضيوفه، كما أن التمر من خير ما يحمله معه في رَحْلِهِ وحله. وللنخلة مشتقات من طبيعة صناعية وتحويلية ليس هذا المقال مكان حصرها.وبالفعل قبل تفجر البترول كانت النخلة محل الصدارة لدى سراة القوم.أما بعد تفجر البترول فالصدارة أصبحت لهذا المعدن الأسود السائل.وتوارت النخلة عن الأنظار بسبب “البترول” لتحتل المكان الثاني، إن لم يكن المثوى الأخير في عالم الاقتصاد الزراعي.

ـــــــــــ

أيهما أهم: النخلة أم البترول ؟ 1ـ 2
الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9746

تاريخ النشر: 20/02/2000م

*رئيس دارة الدكتور آل ملحمللتحكيم والاستشارات القانونية

من أوراقي المبعثرةمنتجع سمحة 2 ــ 2

 

وكان منتجع “سمحة” محل إعجاب من زاره أو سكن فيه. سكن فيه جلالة الملك “سعود بن عبدالعزيز” يرحمه الله.وزاره كثير من رجالات الدولة.وزاره السيد “ف. ش. فيدال” أحد كبار موظفي “شركة الزيت العربية الأمريكية” وهو مؤلف كتاب “واحة الأحساء”، ومما ذكره السيد “فيدال” عن بستان “سمحة” ما يلي:ــ (1) وعلاوة على ذلك هناك معالم أخرى خارج أسوار المدينة [مدينة الهفوف] تستحق الإشارة. ففي الغرب والشمال والحنوب من المدينة توجد بساتين نخيل قليلة يملكها أشخاص أثرياء تستخدم للراحة والاستجمام أكثر من جدواها الاقتصادية . ومن بين تلك البساتين بستان الكبينية والبحيرية وبنوع متميز بستان “سمحة”, وكان البستان الأخير يدار لوقت طويل من قبل أسرة “النافع” التجارية” . ويستخدم القصر الكبير الموجود في بستان “سمحة” كقصر إضافي لضيوف الحكومة في حال اكتظاظ بيت “السراي” بنزلائه. وقد عين حديثاً “حسين بدوي” مديراً للبستان و القصر. وقد أمر بهدم القصر القديم وبناء قصر جديد سوف يزود بأنابيب مياه حديثة ووسائل تبريد. والمدير الجديد خبير زراعي مصري. وقد بدأ بالفعل في إعادة تنظيم الحديقة والتي من قبل كانت في حالة سيئة. وقد كان لقصر “سمحة” القديم سلم خارجي كان عبارة عن درج مقنطر متعرج الدائر ، ويعد واحداً من أكثر التصاميم المعمارية إثارة وفخامة في شرق شبه الجزيرة العربية. أهـ.وفي كتابه “المملكة العربية السعودية وتطورات مصادرها الطبيعية” تحدث السيد ك. س. تويتشل” الأمريكي الجنسية [الذي انتدبته حكومة المملكة للبحث عن المياه في الحجاز وجزيرة العرب عموما قبل اكتشاف البترول] عن منتجع “سمحة” فقال:ــ(2) وأما قصر وزير المالية الشيخ “عبدالله السليمان” فهو قصر منيف حقاً ويسمى (سمحا) ويتوسط حديقة من النخل الباسق، وحين تدخل من بابها يعجبك أنك تسير في ممشى عريض، وشجر النخيل عن يمينك ويسارك في صفين منظمين طويلين … وأينما تَلَفَّتْ اسْتَبَقَتْ إلى أنفك رائحة الأزهار الشذية الفواحة العطرة، ثم إذ تمشي يواجهك القصر، وإذا ما تَلَفَّتْ عند وصولك إلى باب القصر إلى يمينك هلَّت إليك بركة رحبة من الماء العذب الفرات تتلألأ فيها متموجة، وترى فيها ظلال هذه الأشجار وهاتيك الفواكه وهذه الأزهار. وإذا ما دخلت القصر أدهشك تنسيقه وسُرَّ ناظريك. فأينما توجهت ببصرك في الجدر والسقف وجدت آيات من الفن معلقة أو مصورة ناطقة؛ بل رأيت أنواع السجاد والطنافس والأرائك والمتكآت والأثاث والرياش الفاخر، بل هناك أَسٍرَّةٌ لراحة الضيوف مفروشة بكل فراش ناعم وثير، وهنالك آنية وصحاف يقدم فيها الطعام، وتدل على الثراء والترف والأناقة والكرم الحاتمي، وهنالك شرفة تعلو الطابق الثالث من القصر وتتجه منها ببصرك إلى الجهات الأربعة في المدينة فترى هذه الواحات وهذه الحدائق من النخيل التي تقصر العين عن إدراك مداها، ويرف النسيم العليل المنعش فيمتع الضيف بنوم هادئ لذيذ. هذه (سمحا). ولعمري لقد وصف المتنبئ مغاني “الشِّعب” أبدع ما وصف لنذكرها هنا في هذا المقام:ــ
مَغَانِي الشَّعْبِ طِيباً فِـي الْمَغَانَي ….. بِمَنْزِلَةِ الرَّبِـيعِ مِــنَ الزَّمَانِمَلاَعِبُ جَنَّةٍ لَوْ سَارَ فِيهَا ….. “سُلَيْمَانُ” لَسَارَ بِتَرْجُمَانِغَـدَوْنَا نَنْفُضَ الأَغْصَانَ فِيهَـا …… عَلَى أَعْرَافِهَا مِثْلَ الْجَمَــانِفَسِرْتُ وَقَدْ حَجَبْنَ الشَّمْسَ عَنِّي ….. وَجُنَّ مِنَ الضِّيَاءِ بِمَا كَفَانَيوَأَلْقَى الشْرْقُ مِنْهَا فيِ ثِيَابِي ….. دَنَانِيراً تَفُرُّ مِنَ الْبَنَانِلهَاَ ثَمَرٌ تُشِيرُ إِلَيْكَ مِنْهَا ….. بِأَشْرِبَةٍ وَقَفْنَ بِلاَ أَوَانِوَأَمْـوَاهُ تَصِلُّ بِهَـا حَصَاهَـا ….. صَلِيلَ الْحِلْيِ فيِ أَيْدِي الْغَوَانِي
وعن منتجع “سمحة” ورد في جريدة “أم القرى” تقرير الوفد الصحفي ــ الذي رافق معالي الشيخ “السليمان” في زيارة له “للأحساء” في 24 من المحرم عام 1371هــ. ومما قاله الوفد عن منتجع “سمحة” ما يلي:ــ(3) وبعد ذلك توجه معالي الوزير ــ وبمعيته رجال مكتبه والوفد الصحفي السعودي ـ إلى (سمحا) وهي مزرعة عظيمة تابعة لمعالي زير المالية الشيخ “عبدالله السليمان” محاطة بسور عال، ويقع في وسطها قصر فخم جميل جَمَعَ في ترتيبه وتنظيمه بين القديم والحديث فبدا آية من آيات الجمال تحيط به الأشجار من جميع جوانبه الأربعة، وبالقرب منه بركة كبيرة يرتفع الماء فيها من يئر مركب عليه “ماتور” خاص لدفع الماء، وعلى طرف هذه البركة صفت الأرائك والمقاعد التي أعدت للجلوس يشكل مرتب منسق، وتنتج (سمحا) أنواع الفواكه والتمور وغيرها من المزروعات، وقد أمضينا بها وقتاً طيباً تحدَّث فيه معالي مزير المالية إلى الحاضرين حديثاً عاماً شاملاً عن الزراعة في البلاد، وعن نخيل “الأحساء”، وما يمتاز به من الجودة، علاوةً على شهرته. أهـ.وظل منتجع “سمحة” لحين من الزمن “منتدى” لأهالي “الأحساء” حينما تولى السيد “عبدالعزيز النافع الاشراف المباشر عليه. وكان “لهزار الأحساء وبلبلها الغريد الشيخ “عبدالله بن فهد أبوشبيب” صولات وجولات فيه مستجمًا ومنشدا. وفي بدايات السبعينيات من القرن الرابع عشر الهجري الماضي أخذ معالي وزير المالية يتخلى عن هذا “المنتجع” بالتدريج، وتولى السيد “عبدالعزيز النافع” الولاية عليه.وحبر الشاعر “محمد بن عبدالله بن حمد آل ملحم أشعارًا عن منتجعات “الأحساء” بما فيها “سمحة”. وعن “سمحة” وغيرها من المنتجعات يقول :ــ
أُحِبُّ النَّخِيلَ وَأَنْسَـامَهَا ….. تَبُـثَّ عَلَيْنَـا الشَّـذَى فِيبِعَيْنِـي “ْقُوَيْعِيَّةٌ” مَرْبَـعٌ ….. سُُونْ بِسَاحَاتِهَا يَسْمُرُ السَّامِرُونْوَ”سَمْحَا” وَجَارَتَهَا جَنَّةٌ ….. وَحَمَّامُهَا الْفَذُّ لَوْ تَذْكُرُونْوَقَصْرٌ تَوَسَّطَ أَشْجَارَهَا ….. تَحُـفُّ بِهِ أَزْهُرٌ وَغُصُونْأَأَنْسَـى “الْبُدُوعَ” وَأَيَّامَـهُ ….. أَأَنْسَى “الْبُطَيْحَاءَ” ذَاتَ الْفُتُونْوَلاَ أَغْفُــلُ “الْقَصْرَ” ذَلِكُــمُ …… وَ”مَسْبَحَه” وَ”الْعَرِيشَ” الْحَـنُونْوأخبرني من أثق به أنه على إثر فض المشاركة بين الإخوة “عبدالله السليمان” وأخيه “حمد” كان منتجع “سمحة” من نصيب “حمد” الذي قدَّمه فيما بعد هدية لإسرة “النافع”.وفي عام 1373هــ استأجرت “شركة الزيت العربية الأمريكية” “المنتجع” ليكون بمثابة مدرسة في عُطَلِ الأسبوع لبعض كبار موظفي الشركة الأمريكيين الذين كانوا يقضون أياماً “بالأحساء” بغرض التعرف على معالمها، وللإستجمام “بالمنتجع”, وكذلك لتعلم اللغة العربية.وأتذكر أن رئيس هذه المجموعة من الموظفين [حينما كنت في الصف الثاني “بمدرسة الأحساء الثانوية” نظام قديم] قد طلب [عن طريق منسق لهذه المجموعة هو معالي الدكتور عبدالله العمران الذي كان هو نفسه طالباً بالمدرسة نفسها] من إدارة المدرسة أن يتعرف بعض طلبة المدرسة على الأمريكيين “بمدرسة سمحة” بغرض أن يتعلم الأمريكان اللغة العربية منهم وفي المقابل يقوموا هم بتعليم اللغة الانجليزية لهؤلاء الطلاب. وأشار الأستاذ “حمد الجاسر” في معجمه الجغرافي إشارة عابرة إلى “سمحة ذاكراً أنها من قرى “الأحساء”، والأمر ليس كذلك، كما ذكر الشيخ “حمد” أن “شركة الزيت العربية الأمريكية قد أنشأت بها مركزاً لتعلم اللغة الإنجليزية وهذا صحيح.(4) وبعد تخلِّي معالي الشيخ “السليمان” عن وزارة المالية تخلَّى معاليه عن “منتجعه”، وتولت أسرة “النافع” العناية بهذا “المنتجع” وصيانته لحين من الزمن . ولكن ارتفاع تكاليف الصيانة قلَّلت من اهتمام أسرة “النافع” به مما ترتب عليه عودة أصل “المنتجع” إلى مالكيه الذين أزالوا هذا “المنتجع” فيما بعد من الوجود ليعود موقعه أرض جرداء بيعت بعد تقسيمها إلى قطع لأغراض السكن.ولم يكن هذا المصير هو المصير الذي آل إليه هذا “المنتجع” وحده فحسب ولكنه كان المصير نفسه الذي آلت إليه الكثير من معالم “الأحساء” الشهيرة. وبقي هذا “المنتجع” مجرد اسم في كل صك من صكوك ملكية المنازل المقامة في موقعه.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9738

تاريخ النشر: 12/02/2000م

رئيس دارة الدكتور آل ملحمللتحكيم والاستشارات القانونية

من أوراقي المبعثرةمنتجع سمحة 1 ــ 2

يعتبر منتجع “سمحة” من أهم المنتجعات التي عرفتها “الأحساء” في فترة الستينيات والسعينيات من القرن الرابع عشر الهجري.عاصر هذا المنتجع أحداثاً وزاره رجال سياسة وأدب وعلم.والذي عاصورا هذا المنتجع ممن هم على قيد الحياة يدركون مدى أهميته. وحاولتُ البحث في الكتب التي تناولت تاريخ “الأحساء”، وبالأخص تاريخ الفترة المشار إليها، لعلِّي أجد ما يفيدني عن هذا “المنتجع” فلم أجدْ شيئاً يذكر عنه ما عدى ما ذكرتْه صحافة “الحجاز أو بعض إشارات عابرة عن “المنتجع” نفسه في بعض كتب المستشرقين الغربيين الذين عاصروا هذا “المنجع، وشاهدوا معالمه عن كثب.. فما هو هذا المنتجع؟ وما ماذا آل إليه؟ وهل تم الاحتفاظ به باعتباره معلماً من معالم “الأحساء”؟للتعرف على هذا المنتجع ومدى أهميته في حقبة مهمة من تاريخ “الأحساء” يلزم بادئ ذي بدء التمهيد لذلك بمعلومات ضرورية حتَّى تكون الصورة على الأقل متكاملة لمن لم يعرف هذا المنتجع.بعد ثلاثة عقود من استرداد الملك “عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود” يرحمه الله “للأحساء” ظلت هذه “البلدة” محل اهتمام جلالته لأنها كانت سلة الغذاء لسائر بلدان المملكة. وتنبَّه لهذه الحقيقة وزير المالية الوحيد في عهد جلالة الملك لدرجة أنه اتخذ في “الأحساء” مقراً له يسكن فيه. وَمَنْ مِنَّا لا يعتني بسكنه لا سيما إذا كان في هذا السكن حدائق ومنتزهات أو إذا كان هذا السكن قابل لأن يكون به حدائق ومنتزهات وبالأخص إذا كانت تربته صالحة وتوفر فيه الماء.وبالفعل كانت التربة صالحة وكان الماء وفيراً في المقر المشار إليه.كان معالي وزير المالية “عبدالله بن حمد السليمان” يتردَّد على “الأحساء” زائراً ومتنزهاً ومستجماً حتى ولو كانت أعباء العمل تلاحقه إذ كان يُصَرِّفُ، وهو في “الأحساء”، أعباء هذا العمل مع معاونيه المرافقين له في أسفاره. حقيقة يدركها مَنْ عَرَفَ هذا الرجل عن قرب.وكان من أهم العوامل التي كانت تحدوه لزيارة “الأحساء” علو شأن “ماليتها” التي كانت لحقبة من الزمن أشبه ما تكون بالوزارة.وكان من أسباب إنشاء “منتجع سمحة” احتلال مالية “الأحساء” [في أول مراحل حياتها] “الدور الأول” من قصر “السراج” [أي السراي] الكائن في حي “الكوت” أحد أحياء مدينة الهفوف القديمة. وكانت القواعد السنوية وكذلك عوائد البادية تصرف من هذا القصر حتى عام 1359هــ حيث نُقِلَتْ أصول هذه القواعد والعوائد إلى إدارة مالية “الرياض” مع احتفاظ مالية “الأحساء” بتلك القواعد والعوائد الداخلة في اختصاص “مقاطعة الأحساء”، وكان مقر أمارة “مقاطعة الأحساء” في “الدور الأول” من قصر “السراج”، كما أُعِدَّ جزء من هذا القصر وهو دوره الأرضي ــ إلى جانب عمارتي “القصيبي” و”العجاجي” بسوق “الأحساء” المواجه لبوابة “العليمي” ــ لضيوف الحكومة القادمين إلى “الاحساء” من “الرياض” أو “الحجاز” لأداء مهام رسمية بها مثل التفتيش على إدارة مالية “الأحساء” أو “مدرسة الأحساء الابتدائية” أو “قيادة قوة الدفاع”.(1) كذلك استُخدمت عمارتي “القصيبي” و”العجاجي” لسكن كبار موظفي شركة الزيت العربية الأمريكية “أرامكو” وكذلك الأطباء الذين اعتادوا القدوم من محمية “البحرين” لزيارة “الأحساء” أمثال الدكتور “ديم” والدكتور هاريسون” لإجراء عمليات طبية بها أو للإستجمام. وكان هؤلاء الأطباء أعضاء، كما هو معروف، في البعثة الطبية التبشيرية التي كان مقرها في المحمية المذكورة.وكان بحي “الكوت” كذلك دور سكن لضيوف الحكومة، وكانت هذه البيوت تابعة لأملاك الدولة وتحت إشراف إدارة “المالية”، وكان يسكن بها بعض أمراء “الخليج العربي” الذين يتوجهون “للأحساء” إما للإستجمام أو لزيارة أمير “الأحساء”.وكما سبق القول كان لتردد معالي وزير المالية المتكرر على “الأحساء” ما يبرره. “منطقة زراعية” وبعد ذلك “منطقة بترولية”. وكان إذا زار “الأحساء” يسكن إما في خيام تنصب له بصفة مؤقتة بالقرب من “عين نجم” الشهيرة أو في “عمارة القصيبي” الواقعة أمام بوابة “العليمي” المؤدية إلى قصر “السراج”. ومن باب المصادفة تعرف السيد “عبدالله السليمان” على السادة “صالح النافع” وولديه “عبدالعزيز” و”عبدالله” يرحمهم الله. ونظراً لأن “السيد “عبدالله السليمان” لم يكن له مقر معين إذا زار “الأحساء”، وحيث كان لدى السيد “صالح النافع” بستان “سمحة” متولياً عليه عن طرق “العرق” أما “الأصل” فهو لعائلة “آل حسين” فقد اقترح السيد “صالح” على “بن سليمان” أن يتولاه بغرض السكن والتنزه فيه. و”سمحة” وقتها بستان عادي كسائر بساتين “الأحساء”. صادفت هذه الفكرة هوى في نفس الوزير الذي اتخذ ما يلزم نحو الولاية على هذا البستان وإن كان قد ترك الإشراف عليه لعائلة “النافع” في حال حضوره وحال غيابه، أما أصل هذا البستان فبقي، كما سبق القول، على ذمة مالكيه. أدخل “بن سليمان” تحسينات على هذا البستان، بل طوَّره حتى أصبح من أهم المنتحعات. وشارك في عملية التشييد والتطوير معندسوا البناء وقتها في “الأحساء” ومنهم “عبداللطيف العرادي وسعد السلطان وبن جيبان”. كذلك عُيِّنَ مديراً له وهو الخبير الزراعي المصري السيد”محمد حسين بدوي” الذي كان في الأساس منتدباً على رأس بعثة زراعية مصرية للنظر في الوضع الزراعي في المملكة في الستينيات من القرن الرابع عشر الهجري. وقد أعدَّ العديد من التقارير عن الأحوال الزراعية في نواحي المملكة مع التركيز على أحوال الزراعة في بلدتي “الأحساء” و”القطيف”.(2) وقام برعاية هذا البستان السيد “عبدالعزير النافع” طيلة حياته بعد وفاة والده. وكان أهم ما يميز هذا البستان إنشاء قصر وبركة فيه. ظل “ابن سليمان” يسكن في “سمحة” كلما زار “الأحساء”. كما كان “بن سليمان يستخدم هذا “المنتجع” في تصريف المعاملات المالية. وكان مكانه المفضل للإلتقاء بكبار موظفي شركة الزيت العربية الأمريمية (ارامكو)، كما كان موظفي مالية “الأحساء” يعرضون على معاليه الشئون المالية “لمقاطعة الأحساء” وغيرها فيه. كما كان كبار موظفي المالية في غيبة معالية يذهبون “لسمحة” للاستحمام ببركتها.ويقع منتجع “سمحة” في الجانب الشرقي من مسطح “السيفة الأخضر” الذي كان يحيط بمدينة “الهفوف” القديمة من شمالها وغربها. وبشرق “المنتجع” يقع مسجد العيد الذي يصلي فيه سكان أحياء الرقية والنعاثل وما جاورها.وتحدث عن هذا “المنتجع” رجال صحافة ومستشرقون ممن كانت لهم علاقة إما بوزارة المالية أو بشركة الزيت العربية الأمريكية.ولقد عاصرتُ هذا “المنتجع” بنفسي، وسبحتُ في بركته مراراً عديدةً لا سيما في السنوات الأخيرة من مجده. وليس مَنْ رَأَى كَمَنْ سَمِعْ. كان المنتجع وارف الظل، جميل في تنسيقه، نسيمه عليل، شجره مثمر، ونخيله باسقة الطلع، وماؤه صاف زولال. وكان هذا “المنتجع” بقصره، وبركته، وحدائقه، وتنسيق طرقاته، وتدلِّي أنواع الفواكه والثمار على جانبي طرفاته، من المفاتن المعروفة في عهده في “الأحساء”.

——-هوامش——-(1) راجع د. آل ملحم، كانت أشبه بالجامعة: قصة التعليم في عهد الملك عبدالعزير، دراسة في علم التاريخ الاجتماعي، ص/61، ط/1419هـ الموافق 1999م، إصدار دارة الدكتور آل ملحم للنشر والتوزيع، الرياض.
(2) راجع حسين محمد بدوي، كتاب الزراعة الحديثة بالمملكة العربية السعودية، مطبعة مصر شركة مساهمة مصرية، 1950م.


الناشر: جريدة اليوم

– العدد:9731

تاريخ النشر: 05/02/2000م

رئيس دارة الدكتور آل ملحمللتحكيم والاستشارات القانونيةد/محمد بن عبداللطيف آل ملحم