خطاب د. الملحم إلى أصحاب الجلالة في مجلس التعاون للقانون والتحكيم

لبّى معالي د. محمد الملحم دعوة مؤتمر الخليج الأول للقانون والتحكيم في دولة البحرين.

وأشار معالي د. الملحم عن مشاركته في تأسيس نظام مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981، حيث ترأس اللجنة القانونية المكلفة بوضع النظام الأساسي للمجلس. واجهت اللجنة تحديات قانونية تتعلق بمبدأ سيادة الدول والنزاعات الحدودية، وتم التوصل إلى أن التحكيم هو الحل الأمثل لهذه القضايا، مع تبني مبدأ الإجماع بدلاً من التنازل عن السيادة.

أشار المتحدث إلى أن النظام الأساسي للمجلس كان فريدًا من نوعه ولم يكن منظمة إقليمية تقليدية، بل كيانًا خاصًا يعكس واقع دول الخليج. كما تحدث عن دوره في محاولات التحكيم بين قطر والبحرين، والتي انتهت بعرض النزاع على محكمة العدل الدولية.

أكد في خطابه أن مجلس التعاون حافظ على استمراريته رغم التحديات، داعيًا إلى تفعيل هيئة فض المنازعات التي نص عليها النظام الأساسي، واقترح إنشاء محكمة تحكيم لضمان حل النزاعات بقرارات ملزمة.

واختتم بالإشادة بمركز التحكيم التجاري الخليجي الذي اتخذ من البحرين مقرًا له، مؤكدًا دوره المهم في تعزيز التحكيم التجاري بين دول المجلس.

وأترك بين أيديكم نص الخطاب

      بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السادة الضيوف.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يشرفني، بل يطيب لي، أن أتحدَّث أمام هذا الحشد الكريم من رجال السياسة والمال والقانون في مملكة البحرين عن موضوع كان لي شرفُ المُشاركة فيه مع نُخبةٍ كِرامٍ مُمثلين لِدولٍ سِت مُكلَّفين بوضع نظامٍ لمجلس سياسي يَضُمُّ دولاً ستًا بِمُسمَّى مجلس تعاون عربي.
كان ذلك التكليف في 24/فبراير، 1981م، وفيه اجتمع وزراءُ خارجية دولِ المملكة العربية السعودية والكويت وعُمان والأمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر بمدينة الرياض للنظر في شؤونٍ ذات علاقة بأعمالهم كوزراءَ خارجيَّةٍ وكان منها التنويهُ عن اتّفاقِ رؤساءِ دولهم الست لبحث موضوع التعاون بينها كدول، وأن تقوم لجنة خبراءَ مُشتركةٍ من هذه الدول بوضع نظامٍ أساسيٍّ لِلموضوع المُشار إليه، وأن تَعقِد اللجنةُ اجتماعاتِها كَلجنة قانونيَّة في مدينة الرياض بتاريخ 24/فبراير،1981م، وأن تكون اللجنةُ بِرئَاستِي.
اجتمعت هذه اللجنةُ، وأنجزت مهمتها في فترةٍ قِياسيَّةٍ. وأتذكَّرُ أنَّ اللجنةَ واجهت نِقاطًا قانونيّة ثار الجدلُ حيَالها وحولَها بين أعضاء اللجنة، وتعلقت بمحاولةٍ مُقتضاها المساسُ بمبدأ سيادة الدولة بشقَّيْهَا كمبدإٍ مِحوريٍّ، ناهيك عن أن اللجنةَ قد تناولت مشاكلَ حدوديّةٍ ذات جذور تاريخيَّة بين الدول الست بعضها تم حله من قبل هيئات تحكيم كمُشكلة واحة البريمي بين المملكة العربية السعودية وأمارة أبوظبي والتي تم حلها تحكيميًا قبل إنشاء دولة الأمارات، كما أن هناك مشكلات حدودٍ في شكل مناطق محايدة بين المملكة العربية السعودية والكويت، وكذا مشكلة حدودية بين المملكة وسلطنة عمان. البعضُ من هذه المشاكل تم حله بالتراضي بترسيم الحدود بعد قيام مجلس التعاون والبعضُ الآخر لم يحل بعد حتى بعد قِيام المجلس كمشكلةِ الحدود بين البحرين وقطر إلى حين.
في مُواجهةِ كُلِّ هذه المشاكل تَمَّ تَوَجُّه اللجنة القانويّة في مناقشاتِها إلى أن التحكيم هو السبيل الأمثل بين الدول الست،. أما بِالنسبة لمبدأ السيادة فلم يتفق عليه من اللجنة رغم جدل طال حولَه، وكبديلٍ حَلَّ مبدأُ الإجماع محلَّه كَأساسٍ ركِينٍ في نظام المجلس.
وكم كنتُ أتمنَّى لَو تَمَّ توثيقُ أيّ تسجيلُ ما تم من مناقشاتٍ بين أعضاء اللجنة، وهي مناقشاتٌ قانونيٌّة ذات أهميَّة لِكي تكون كَمرْجع لمن يهمه الكشف عن هويَّةِ المجلس الحقِيقِية من الناحية القانونية حين كانت محورَ جدلٍ لدى المكلفين الستة، والتعرف على وجهات نظرهم حيالها لو كان الخيارُ متروكٌ لهم وحدهم كَلجنةٍ قانونيَّة!
أَخَذَ أعضاء اللجنة في الاعتبار أنهم مكلَّفون بحمل ِ أمانةٍ لِصالح ولاة الأمر، فتحملوها، وأدُّوها بشفافيةٍ تامَّةٍ.
وأرى أنَّ نظام مجلس التعاون العربي من الناحية الدستوريَّة والقانونيَّة كان بمثابة مِيثاق من طبيعةٍ خاصةٍ أيْ أنَّه كان كَمَا يُعَبََّرُ عنه باللغة اللاتينييةCharter sui generis وبمعنى أنه ميثاقٌ من نوع خاص لا مثيلَ له على الإطلاق.
وهكذا استمر النظام كوثيقةٍ ذاتِ وجودٍ، من وجْهة نَظرِي، رغم ما مرَّ بالمجلس من عواصفَ وصُعوباتٍ عفى عليها الزمن في عقود سَلَفَتْ… وبقي كمجلسٍ صامِدًٍ في مُواجهة النّوازل!
وباسم اللجنة رَفعتُ مشروعَ النظام ولوائِحه إلى وزراء الخارجيَّة الذين رفعوه بدورهم إلى رؤساء الدول السّتِّ في أول اجتماع لهم فأقرُّوه، وصادقُوا عليه في عام 1981م.
وَبَعْدَ مرور ما يقرب من تسعة عشرة عَامًا مضت على إنشاء المجلس أيْ فِي عام 2000م، سُئِلت عن رأيي في مدى ما حقّقه مجلس التعاون الذي شاركتُ في تأسيسه من إنجازات؟ وكان السؤال ذا شِقّين وُجِّهَ لي من قِبَلِ صحفيِّ مُتميز ذِي خِبرةٍ في العمل الصحفِي والثقافِي بصحيفة الجزيرة التي تصدر ببلادي ألا هو الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي. وَأنقلُ لكم ما تَمَّ في شكلِ سُؤالَين طرحهما هذا الصحفي النبيل، وكانا كما يلي:
السؤال الأول وكان:

• كيف ترى نِظام مجلس التعاون الذي شاركتَ في إعداده اليوم؟
قلت: نُِظِامٌ مُنسجمٌ مع حقائِق الأوضاع المُعاصرة في منطقة الخليج العربي.
وكان السؤال الثاني:
• أليس النظامُ مسؤولاً عن بعض التأخير في القرارات مثل اشتراط الإجماع؟
قلتُ ـــ أبَدًا. أبَدَا.
النظامُ ليس مَسؤولاً، وقاعدةُ الإجْماع هي سِرُّ وجود المجلس، واستِمْراره. وهذه القاعدة مِحوريَّة حامِية لمبدأ السيادة.. وقاعدة الإجماع، في تَعبير مُتكافئ، مثل قانون النقض المعروف في المُنظمة الأمَمِيَّة.
وأضيف الآن في هذا العام، عام 2025م، أنَّ قاعدة الإجماع، حَسَبَ التجْربة، لَمَّتْ وَتَلُمُّ الشّمل. أما الثانية، وأعنِي بها قاعدةُ النقض، فكانت مدعاة للتنافر، ومِحْورَا لِلصِّراعات العالميِّة عِند استخدامها، وأنَّها، أي قاعدة النقض إذا استُخدمِت، فهي الذريعة المُثلى، قانونِيًا، لسريان قانون الغابة أو شرِيعة حمُورابي في عالمِنا المعاصر، عَالَمُ عَامِ 2025م.
وما تناولته أيَّها الأخوة مِمَّا سَبَقَ الإشارة إليه ليس سوى فذلكة تاريخيَّة اقتضاها الحَالُ، وقتها، لِلتذكيرِ بها أمامكم الآن.
ويهُمني هنا وأنا أمام صفوة من زملاء كان الشأن القانونِي يهُمهم أنْ أَذْكُرَ لهم أن مجلس التعاون بمقتضى نُصوصِ نظامِهِ ذو دَيمُومةٍ وحِراكٍ وحيويَّةٍ منذ النشأة رغم ما ألَمَّ به كَمجلسٍٍ من عواصف مرَّت به مِمَّا هو معروف لدى الجميع، وكانت تلك العواصفُ بِمثابة سُحُبِ صَيفٍ انقشعت.
وأنقل لكم مما وَرَدَ في محفظتي الشخصيَّةِ، وقتها، في هذا الشأن حينما كنتُ رَئيسًا لِلّجنةِ القانونيَّة عن استشفاف نظام المجلس لِأحوال واقع بيئتهِ في المَاضي والحاضرِ والمستقبل. كان التوجيه أن يكون نظام المجلس مُكَرِّسًا لتثبيت واقعٍٍ ذي جذورٍ تاريخيّةٍ بين دولِ الخليجِ العربية، وجَعْلِه كَحقيقةٍ لخير شعوبها ذلك أنَّ في ذلك الواقِع ما يُغنِي هذه الدول، الدول الست، مِنَ اللجوءِ إلى مُسميَّات قد لا توجد إلا على الورق فقط، وبمعنى أنه ليس في الإمكان، حين وَضْعِه كَنظام في عام 1981م، أبدع مما كان وقتَها..
وهكذا لم تتَّجِه أسس هذا المجلس ليكون منظمة إقليميَّة صِرفة على غِرار المنظمات الإقليمية المعروفة.
وأقول، كَحقيقةٍ تاريخيَّةٍ، أنَّ نِظام مجلس التعاون ليس له شبيه في تكوينه، وهُو مُكَوَّنٌ من دول، إذا ما قورن بكافّة أنظمة الحكم المُختلفة ذات الطابع الدولي الفِدرالي أوِ الكُنفدورالي.
وَلِتأريخِ ما أهمله التاريخ من الناحية القانونيَّة يهُمني أن أقرر أن نظام المجلس وكافة نصوصه قد لبَّت واقع دول المجلس في كافة بلدانه في خصوصِ حاكمِيّةِ تعميق وجودها إزاء كل ما يطرأ من مشاكل بين دوله وأكثرها، حقيقِة، مشاكلُ حدوديَّة مرتبطة بتدفق البترول في كافة أراضي دول المجلس…
نَعَمْ البترول! شريان الحياة كالماء للدول التي سيْطرت في عالمِ اليومِ … عالمُ عامِ 2025م بتقنيتها المتقدمة.
ومن هذا المنبر أدعو أصحاب الجلالة والسمو رؤساء دول المجلس بأن يوجِّهوا بتكليف أمين عام المجلس يأن يُفَُعِّلَ ما ورد بنظام مجلس التعاون من مواد متعلقة بتشكيل هيئة فض المنازعات بين دوله، وتسمية أعضائها وذالك لتلافي نذر خطر محدقة أنا أستشرفها مستقبلا، والله أعْلَمُ. فيضع معاليه كأمين عام الخطوط العريضة لمشروع محكمة تحكيم، وترفع من قبل معاليه لكم للنظر فيها.
أقول ذالك أيها الأخوة وأنا واثق أن التحكيم في إطار نظام المجلس هو البوابة المُثلى ذات الأهميَّة للنظر في أيَّة نزاعاتٍ حدوديَّة أو غيرحدوديَّة قد تطرأ بين دول مجلس التعاون، وما أقترحه سبق أن ارتأتهُ اللجنة القانونيَّة منذ حوالى نصف قرن تقريبًا، وأن ينص في نظام التحكيم، وهُو المُهِمُّ، التزامُ الدول المنشِئة لَهُ، إن شاء الله، بما يقرِّره قضاة التحكيم من أحكام حتى ولو كان بالأغلبيَّة.
وعلى سبيل المثال ففيما مضى أنشء تحكيم اقتضته السرعة في إطار مجلس التعاون ، وكان مثالا حيويًا، وإن كان قد تم بخصوصه ما يلي:
فَبِمقتضى الفقرة (ج) من المادة السادسة من نِظام المجلس والتي تقرر بموجبها تشكيل هيئة فض المنازعات بين دوله، وتسمية أعضائها،
وبمُقتضى الفقرة (ب) مـــن المادة الثامنة من نظام المجلس فهيئة فض المنازعات تَخْتَصُّ بالنظر في المنازعات بين الدول الأعضاء،
وسؤالي أيها الأخوة عبر حياة المجلس منذ تأسيسة وحتى الان هو: هل تم تفعيل هذه المواد؟ أشك في ذالك حَسَبَ علمِي؟
وبالنظر لوجود نزاع حدودي طاريء أَكَلَ عليه الدهر وشرب بين دولتين هما دولتا قطر والبحرين قبْل إنشاء المجلس وَظَلَّ النزاع بعد إنشائه إلى حين.
في شأن هذا النزاع الذي كان بمثابة المؤشر لمنازعات حدودبة مشابهة أخرى قد تطرأ في المستقبل كان يوجد وسيط ذو رُؤية، وبحكم معرفتي به فيما قمت به من أعمال قانونية معه خلال حوالي نِصف قرن، آل عليه أن يبذل جهده للتوسط في النزاع المشار إليه قبل إنشاء المجلس وحتى بَعْدَ إنشائِه وخاصةً وأنه ذو خِبرة في إطار العمل الرسمي الذي كان يُمارسه في الشأن الداخلي بِبلاده.
كان النزاعُ نصبَ عينيْه، وكان هاجسَه وهو على رأس العمل، وانتهى الأمر، وبحسنِ نيّة، بمُبادرة منه، حَسَبَ علمِي، طَرَحَهَا بتكوين هيئة أو محكمة تحكيم لحل النزاع المُشار إليه بعد إنشاء المجلس مباشرة وكان في ذهنه المَواد التي أشرت إليها سلفًا لتكون الساحة التي يُحَلُّ فيها كل مُشْكِلٍ حدوديٍّ وغيرِهِ. كانت تجربة من لدن صاحبها، لكنَّها لم تنجح!… وأقولُ، بشأنها، وحَسَبَ علمِي؟ أنها كانت، وكما قال الشاعر: صَرْحًا من خيَالٍ فهَوى!
كان هذا الوسيط فَطنًِا … كان صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء، ومن ثم َملِكًا، الله يرحمه.
اتَّخذ سموه زُمام المبادرة بعد إنشاء المجلس بخمس سنوات، وكانت بادرةَ خيرٍ، بِطرح فكرةِ النظر في النزاع الحدودي القطري البحريني في إطار تفعيل الفقرة (ج) من المادة السادسة والفقرة (ب ـــ أ) من المادة الثامنة من نظام المجلس فاستُجِيب لطلبِهِ في الحال، وتكونت لجنةٌ ثلاثيَّةٌ، أخويَّةٌ غير رسميةٍ جرى الاتفاق عليها برئاسة جلالته وعضوية كل من أمير دولة البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة رحمه الله وأَمِيرِ دولة قطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني رحمه الله، هدفها البحث عن حٍّل وُِّي للنزاع، وانتهتِ اللجنة إلى تكوين هيئة تحكيم تحت إشراف الدول الثلاث حيْث اختارت كل دولة مُحَكِّمًا يُمثلها، وَتَمَّ اختياري كَعُضْوٍ في التحكيم مُمَثلاً لحكومة بلادي، وعلى أن تكون رئاسة التحكيم لمعالي الأخ الأستاذ عبدالله بشارة باعْتبارِهِ أوَّلَ أمينٍ عَامٍّ لمجلس التعاون المُختار من دولة الكويت بَعْد إنشائِهِ. سار التحكيم الأخوي الذي لم يعلن عنه رسميًا، وهُو الأول من نوعه في المجلس كبادرةٍ خَيْرٍ حِينًا من الزمن، في أجواء ودية سلسة رغم بعض عثرات مَرَّتْ به إلا أنَّ النزاع أنِيطَ فـــي فترة لاحقة بمحكمة العدل الدولية للنظر فيه بمُوافقةِ عُضوَيّْ النِّزاع. وتشاء الصُّدف، وللصدفِ أحكامها، أن يكون مِنْ ضِمْن الفريق المُمَثل لِأحدى الدولتين أحد زملائي الذي تخرَّج في كلية قانون جامعة ييلYale الأمريكية الشهيرة، وهو البروفوسور مايكل وايزمان استاذ القانون الدولي بكليَّة قانون ييل Yale وقتها. وأثناء التحكيم التقيتُ بالبروفوسور مايكل وايزمان في إحدى احتفالات الخريجين في جامعة ييل Yale ، وباعتبارِ كُلٍّ مِنَّا من خريجي كلية قانون الجامعة. وبحكم الزمالة فاجأني، دون علمِهِ المُسبّق أنَّ لي علاقةً بالنزاع، بقوله لي أنه من المُستشارين في التحكيم بين دولتي البحرين وقطر في نزاعهما المعروض في محكمة العدل الدولية، فاستشارنِي في بعْض نِقاطٍ قانونيَّةٍ أشْكَلَتْ عليْه في القضيّة المنظورة كما أشكلَت على آخرين أمام المحكمة الأمَمِيَّة في الفقه القانوني الإسلامي فأفدته بما تَعنيه وِفقًْْا للفقه الإسلامي، وكان من بينها مبدأ الحق المُشاع، وهو مبدأ مُهِمٌ في شأن النزاع القطري البحريني، ولكنه مَبدأ غير معروف مَا يقابله كَمَا أخبرني البروفسور مايكل في الفقه الأنجلوــ سكسوني… وهُو الفقه السَّائِد في كل البلدان الناطقة باللغة الانجيزيَّة.
وأختمُ أنَّ من أهم ما تضمنه نظام مجلس التعاون في الجانب القانونِي منه، هو اهْتمامُهُ بالتحكيم، ولكنه تَحكيمٌ رغم النص عليه، نظامًا، كان عند تنفيذ مواده ينطبق عليه، أيُّها الأخوة، المثل القائل: “ما هكذا يا سعدُ تورد الأبل”! وَكبديلٍ لِمواد نظامِهِ التي كانت، من وجهةٍ نظري، ذات حيوية وشفافيَة… كان البديل إنشاءُ فِرَقِ تحكيمٍ بكافة بلدان المجلس، وعلى رأسها مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المُقَر من قبل المجلس الأعلى لمجلس التعاون في ديسمبر عام 1993م خِلال فترة القمة الرابعة عشرة بالرياض، وَهُوَ المَرْكزُ الذي اتخذ من مملكة البحرين مَقَرًا له، وهُو المَركزُ الذي نجتمع الآن في رِحابِهِ.
ولن أتحدَّث عن أعمال مركز التحكيم التجاري هذا ذِي المقرِّ في مملكة البحرين. يكْفِي أن أقول، بِمِلْءِ فِيَّ أنه مَرْكزٌ كَفِيلٌ أن يتحدَّث عن نفسه ممَِّا نشاهده الان عنه، وهو مركزٌ نحن في رحابِهِ.. وإن كُنتُ شاركت في سائر أوج نشاطه في عهد الدكتور ناصر غنيم المزيد الأمين العام لمركز التحكيم التجاري المُختار من دولة الكويت حيث قدَّمت فيه ورقة أثناء ترؤسي للجلسة الثالثة في اليوم الأول من ندوة التكامل بين القضاء والتحكيم المُقامة آنذاك بمُسمَّى (أوجه الشبَه بين القضاء والتحكيم) في قاعة المملكة في مارس 30، 2010م بفندق الفورسيزن بالرياض، وكان المُتحدثُ في الندوة فضيلة الشيخ محمد بن ناصر الجربوع. وَمِمَّا ذكرتُهُ عن التحكيم في ورقتِي بفندق الفورسيزن بالرياض أن التحكيم:
 قضاءٌ مُحَايدٌ استثنائيٌّ حينما تُستكملُ أبنتيه، وَيُباشرُ مهامَّ أعمالِهِ،
 وهو قضاءٌ مُعَبِّرٌ عن نظرية سلطان الإرادة الخالصة لأطراف الخصومة، وبما معناه أنَّ لهذه الإرادة الحُرَّة الكلمة العليا فيما يتعلق بالتحكيم ورموزه عند اختياره مع التحفظ بعدم اختصاصِهِ كتحكيمٍ بكل ما يتعلق بالقانون الجنائِي أو بقواعد نظرية السيادة التي يلزم الأخذ بها إذا كان مَقَرُّ التحكيم داخل إقليم دولة المقر.
أمَّا القضاءُ فهو تَعبْيرٌ عن سيادة الدولة التي تَعْنِي، في كلِّ ما تعنِيه بِصفةٍ شامِلةِ، خضوعَ كل من يكون في أراضيها لِقَضَائِهَا سواء أكان مُواطنًا أو كانَ أجنبيًٍا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في 26/1/2025م

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.