ألقى الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق كلمة أمام وزير التربية التعليم الأمير خالد الفيصل مساء أمس الأول في الاحتفالية التي اقامتها الأسرة التعليمية بالشرقية لوزير التربية و التعليم.
الجسر الثقافي نقل الكلمة التي جاءت كما يلي:
ايها الاخوة: سوف اتناول في كلمتي هذه وباختصار، موضوعين: الأول ويتعلق بمدرسة سميتها “كانت اشبه بالجامعة” في “محافظة الأحساء”، والموضوع الثاني له علاقة مباشرة ببعض المهام المناطة، بالمحتفى به في هذا الحفل البهيج.
ولأبدأ بالموضوع الاول، وهو عن “مدرسة الهفوف الابتدائية الاميرية” التي تأسست بمدينة الهفوف في عام 1350هـ وذلك قبل الاعلان الرسمي عن تأسيس “المملكة العربية السعودية بسنة” أي في عام 1351هـ، هذه المدرسة وئدت بعد تأسيسها في مهدها بفعل البعض من اهالي الاحساء الذين لم يحبذوا التعليم الحديث آنذاك، بل حاربوه! وأعيد تأسيس المدرسة في عام 1355هـ، ومن ثم تم تدشينها في عام 1360هـ، وفي 14 جمادى الاولى 1366هـ التحقت بالمدرسة ورقم قيدي في سجلاتها هو “803” وبعدها بخمسة شهور أي في العاشر من شهر شوال/1366هـ التحق بالمدرسة الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، ورقم قيد سموه بسجلاتها هو “817”.
تخرج من المدرسة رجال رواد كان لهم الفضل في نشر التعليم في شرق المملكة ومناطق اخرى بالمملكة خلال عقود من الزمن، ومرت المدرسة بظروف كانت فيها خاوية على عروشها، وكادت المدرسة ان تختطف عن طريق منحها ربما ليقام عليها مركز تجاري، ولأنني رضعت العلم الاولي في ربوعها كانت هي هاجسي الاول خلال عقود من الزمن، وكانت المدرسة بمخيلتي محفورة، وكنت امر عليها بين الحين والآخر كي اتشمم عبير الذكريات فيها، وكيف لا؟ والمدرسة بالنسبة لي “مشهد ملذات، وموطن ذكريات، ومسارح افكار، ومصدر اشعاع، ومنتدى سمار، كنت اردد ابياتا من الشعر حينما ادور حول مبناها المهجور بوسط مدينة الهفوف التاريخية، ومن الابيات:
ولي وطن آليت الا ابيعه وألا ارى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة كنعمة قوم اصبحوا في ظلالكا
وحبب اوطان الرجال اليهم مآرب قضاها الشباب هنالكا
اذا ذكروا اوطانهم ذكرتهم عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا
وكنت اردد كذلك بيتين هما:
ديار خلت من اهلها وتوحشت
فليس بها مرعى لعين ولا خصب
علاها البلى حتى تعفت رسومها
وانكرها طرفي فأثبتها قلبي
وبالفعل اثبت قلبي مدرستي حيث شرعت بعد تغيير الوزارة التي كنت عضوا بها في عام 1416هـ محاولا تخليد ذكرى هذه المدرسة، وتم ذلك في كتاب ضخم موثق سميته “كانت اشبه بالجامعة: قصة التعليم في مقاطعة الاحساء في عهد الملك عبدالعزيز” وصدر الكتاب بمناسبة احتفال المئوية في 5/شوال/1419هـ وبدون توقع مني حقيقة، بل كان كالمفاجأة، تسلمت رسالة في عام 1421هـ من احد طلبتي بكلية التجارة- جامعة الملك سعود حينما كنت عميدا فيها، افادني هذا الطالب في رسالته انه قد قرأ كتاب “كانت اشبه بالجامعة” وانه سيتخذ من الاجراءات ما من شأنه العناية بالمدرسة ما دام “جدُه” المؤسس- يرحمه الله- هو الذي امر بافتتاح المدرسة المعنية في كتابي، والطالب هو الأمير “سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود” وكان وقتها قد انشأ “مؤسسة التراث” وترأسها بعد عودته من رحلة الفضاء.
وشرع الأمير في تبني ما ارتآه، ونفذت “مؤسسة التراث” توجيهات سموه، وبدعم مالي منها ودعم من بعض خريجي المدرسة من الرعيل الاول بمن فيهم محدثكم تم ترميم المدرسة، وبالفعل دبت الحياة في “مدرسة الاحساء الابتدائية الأميرية” بعدما كانت جثة هامدة! ولما اعلمه من رعاية الأمير “سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز” للمدرسة باعتباره رئيسا لمؤسسة التراث وهو الآن الى جانب رئاسته لمؤسسة التراث، الرئيس العام للهيئة العامة للسياحة والآثار فقد بعثت لي برسالة برقم 1153 وتاريخ 9/صفر/1431هـ حدثني فيها عن وضع المدرسة بعد نقلها الى ممتلكات الهيئة العامة للسياحة والآثار، وكشف لي في رسالته عن هوية المدرسة “كمعلم حضاري” في “محافظة الاحساء” وضمن الرسالة اعتراف الهيئة العامة للسياحة والآثار بأن المدرسة “احد المعالم التاريخية” في “المملكة العربية السعودية” وبالفعل اعتبرت المدرسة من مرافق الهيئة العامة للسياحة والآثار في “محافظة الاحساء” ومن المرافق التي تزار الآن بالمحافظة، وهي مفتوحة لكل زائر للمحافظة، ناهيك عن طلابها وطالباتها، وبالمدرسة انشأ سموه مركزا ثقافيا، سماه “المركز الثقافي الاحسائي” بل واكثر من ذلك ففي حفل بهيج اقيم في ساحة المدرسة في 27/محرم/1434هـ حضره الأمير جلوي بن مساعد بن عبدالعزيز آل جلوي آل سعود نائب أمير المنطقة الشرقية، ومحافظ الاحساء الأمير بدر بن محمد بن عبدالله آل جلوي آل سعود، ولفيف من الرعيل الاول من طلبة المدرسة، وفي الحفل البهيج دشن الأمير سلطان باعتباره رئيسا للهيئة العامة للسياحة والآثار “بيت الثقافة” في المدرسة، واعلن كذلك أن جامعة الملك فيصل ستتبنى “النشاط الثقافي” في “بيت الثقافة” وبالاضافة الى جامعة الملك فيصل فالمساعي تتواصل الآن الى أن يكون “بيت الثقافة” في “مدرسة الاحساء الابتدائية الاميرية” هو المظلة الكبرى “لنادي الاحساء الادبي” وفرع “جمعية الثقافة والفنون” وذلك بعد التفاهم الذي سيتم مع وزارة الاعلام والثقافة التي تعتبر مسؤولة عن “النادي” و”فرع الجمعية”.
وباعتبار ان تأسيس مدرسة للتعليم الحديث ظاهرة غير مألوفة آنذاك في “مقاطعة الاحساء”، فبعد ان تأسست المدرسة، وجدت ادارتها ان تأهيل المدرسين فيها لاستيعاب مناهجها من اهم الاولويات لديها، وتم ذلك في تأسيس مدرسة داخل المدرسة التي كانت “اشبه بالجامعة” وسميت “بمدرسة المعلمين” وكان الغرض من هذه المدرسة اعداد وتدريب وتأهيل المدرسين على طرق التربية والتدريس.
وانطلاقا من الغرض الحيوي الذي أُسست من اجله “مدرسة المعلمين” بمدرسة الاحساء الابتدائية التاريخية سوف اتناول الموضوع الثاني مما له علاقة ببعض مهام المحتفى به في هذا الحفل البهيج، وهو الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود وزير التربية والتعليم.
ما احوجنا هذه الايام، الى انشاء مدارس للمعلمين لتأهيلهم ومدارس للمعلمات لتأهيلهن ليكونوا جميعا معلمين ومعلمات على مستوى مناهج التعليم المطورة الحالية، ولو تم تأهيل المعلمين والمعلمات وفق اسس علمية سليمة على المناهج المطورة لما استدعت الحاجة الى امتحانات اخرى تسمى “امتحانات الجدارة”، و”امتحانات القياس” لخريجي المرحلة الثانوية.
المناهج المطورة برامج رائعة، ولكن المصطحات المستخدمة فيها، التي اطلعت على البعض منها شخصيا، تحتاج الى قواميس لغة لفك رموزها الرئيسة والفرعية حتى تستوعب مضامين موضوعاتها من قبل المكلفين والمكلفات بتدريسها لطلابنا وطالباتنا في مراحل التعليم العام الثلاث؟
وهناك عدم ارتياح عند من كلفوا وكلفن من معلمين ومعلمات بتدريس هذه المناهج ممن التقيت بهم وبهن في مناسبات، وربما لدى سموكم علم بذلك او طرف منه، ربما!
سمو الأمير: رصدت الدولة جزءا كبيرا من مواردها المالية للتعليم العام، وأنتم الآن في قمة هرمه، وأنتم الرجل المناسب في المكان المناسب ولماذا لا؟ “وأنتم أمراء الفكر العربي في الوطن العربي”، وإني أتمنى على سموكم ان يستفاد مما تجمع لديكم من خبرات في مؤسستكم التي من مهامها، كما ذكر في وثيقة تأسيسها، العناية “بمختلف سبل المعرفة من علوم وطب واقتصاد وادارة واعلام وآداب” اقول ان يستفاد من تجربتكم في سبيل ترويض مناهج التعليم المطورة في بلادنا وذلك لتتلاءم وتتوافق مع مدارك المعلمين والمعلمات وذلك كي يتخرج على ايديهم وأيديهن “بنين” متمكنين و”بنات” متمكنات في العلم والمعرفة.
وبخصوص مناهجنا التي ما زلت اتحدث عنها، ولانني اعتبر ان هذه فرصة بالنسبة لي فهناك ثلاثة ثوابت لا يمكن المساس بها في المناهج: الاولى العقيدة، والثانية، الهوية الوطنية، والثالثة اللغة العربية لغة القرآن الكريم، وما عداها، فأرى ان يترك للمعلمين والمعلمات القائمين والقائمات على تطبيق المناهج المطورة الحرية المطلقة في قاعات الدرس مع طلابهم وطالباتهن.ووجهت لي ذات مرة جريدة “الجزيرة” اسئلة منها السؤال التالي:
“هل طلابنا على مستوى تحديات الالفية الثالثة؟” وكان مؤدى اجابتي انهم على مستوى التحديات لو اخذ في الاعتبار غربلة المناهج الحالية بغرض اخراج العقل العربي المسلم من القمقم ليرى النور من جديد، وجعل هذه المناهج تنطلق من فلسفة تعويد الطلاب منذ الصغر على طرح السؤال، وحث الطلاب في جميع مراحل الدراسة على طرح السؤال، وحثهم على طرح الاجابة، اية اجابة في اجواء علمية تسخر فيها الادوات اللازمة الحاثة على طرح السؤال بدون خوف او رهبة.
وأختم بأنني مطمئن، سمو الأمير، بأنه ستكون لكم- ان شاء الله- بصمات تاريخية في مسيرة التعليم العام..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المقالة | د. الملحم: رصدت الدولة جزءاً كبيراً من مواردها المالية للتعليم العام
الكاتب: اليوم- الدمام
الناشر: جريدة اليوم – العدد 14930
تاريخ النشر: الخميس الموافق 1 مايو 2014
الرابط: http://www.alyaum.com/article/3136554
اليوم- الدمام