يعقد بعد ظهر اليوم بفندق انتركونتننتال الاحساء اللقاء السنوي السادس للرعيل الأول من خريجي المدرسة الثانوية الاولى بالاحساء باستضافة رجل الأعمال المعروف وأحد خريجي المدرسة ابرهيم بن عبدالعزيز الطوق . ويشهد اللقاء حضورا متميزا من طلاب الرعيل الأول يتبادلون خلاله ذكرياتهم ومواقفهم خلال الدراسة في السابق وانشطتهم المختلفة مع الزملاء والأصدقاء. ومن جانبه رحب الطوق بكافة الزملاء وأثنى على تلك الخطوة التي جاءت بمبادرة السابقين . واوضح أن اللقاء يهدف لاستعادة ذكريات الماضي والعودة الى الحنين مشيرا الى أن تجمع الرعيل الأول يعنى تجمعا للحنين والذكريات الجميلة . وأشار المنسق العام للقاءات فهد بن محمد السلطان الى ان اللقاء سيشهد عدداً من الكلمات الخطابية بهذه المناسبةالسعيدة وكلمة لأحد طلاب الرعيل الأول وعدد من القصائد وتوزيع كتيب يحمل اللقاءات السابقة والتي أقيمت بهذه المناسبة ثم يتناول الجميع طعام الغذاء .
لقاءات ثقافية
واكد عبداللطيف بن حمد السليم احد طلاب المدرسة ان اللقاء يعد من اللقاءت الثقافية الهامة حيث يحرص على الحضور في وجود الاصدقاء السابقين من اجل استعادة الذكريات . فيما وصف الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم مدرسة الهفوف الاولى بأنها بمثابة الأم بالنسبة لأبناء بررة. واذا كان حنان الأم على طفلها تبدأ معالمه قبل ولادته وتظهر هذه المعالم في وجدان الأم حال ولادة الطفل, وبعد ان يستقبل اول نفس له في الحياة خارج بطن امه, فانها اي هذه المعالم تتزايد في ذهن الأم حالما يكون في حضنها أكثر من مرة في اليوم والليلة عند رضاعه لرحيق الحياة وعيناه شاخصتان الى أعلى تحاولان تدريجيا ابصار وجه المخلوق الذي يغذيه باللبن المصفى وتدريجيا ومع مرور الزمن ترتسم معالم صورة هذا المخلوق في ذاكرة الطفل لدرجة انه وبعد ان يقوى بصره ويعرف من حوله يجد ان تلك الصورة مرسومة في ذاكرته لانها مصدر الحنان الذي يحس به ويبتسم له ويجد فيه دفء الحياة فضلا عن حلاوة الأمن والأمان وتبقى معه هذه الصورة الى ان يشب عن الطوق والى أن يبلغ الشيخوخة, وحتى يفارق الحياة. حال الأم بكل عواطفها وأحاسيسها ومشاعرها نحو طفلها هو حال طلاب دخلوا مدرسة بعد ان شبوا عن الطوق لتلقي مبادىء العلم الاساسية بمختلف اطيافه.
مدرسة فريدة
ويضيف الملحم بأن حنان هؤلاء الطلاب نحو مدرستهم ظل عالقا بذاكرتهم, وبخلدهم طيلة حياتهم ومع مرور الزمن ظل هؤلاء الطلبة يرددون مقولة من علمني حرفا صرت له عبدا وتنصرف مقولتهم لكوكبة من مدرسي المدرسة قل ان يوجد مثلهم وقت تـأسيس المدرسة والمدرسة التي اعنيها هي كما سبق القول مدرسة فريدة في وقتها تأسست في بلدة «هجر», وتختلف عن كل المدارس بل ولا تتكافأ من حيث المستوى التعليمي مع مدارس أيامنا المعاصرة كانت هذه المدرسة هي الوحيدة في بيئة كانت الأمية فيها هي صاحبة السيادة مدرسة كانت في أيامها ذات شأن يذكر, وهذا الشأن لعظمته لا يزال يقاوم النسيان لانه يجسم في وجوده واثره وتأثيره ذكرى خالدة في فم التاريخ وخلد هذا الشأن سجلا موثقا رفع فيه المدرسة وهي مدرسة ابتدائية متواضعة تقتات على حد الكفاف وفي مستوى خط الفقر الى مستوى الجامعة فكانت المدرسة اشبه بالجامعة. وبالفعل كانت كذلك .
معلم حضاري
ويشير الملحم الى أن الرعيل الاول من خريجي المدرسة يأبى الا ان يبقوا هذه المدرسة معلما حضاريا في بلدة «هجر». البلدة التي تضم الآن مئات المدارس, وكثيرا من ابناء هذه المدرسة العتيدة واعني بهم من بقي منهم على قيد الحياة قد آلوا على انفسهم ان تبقى المدرسة موطن ذكرى متجددة مهما تغيرت الاحوال وكيف لا والمدرسة بالنسبة لهم موطن ذكريات, ومطامح انظار, ومسارح افكار, ومعارج همم, ومصدر اشعاع, ومنتدى سمار. وكأني بهذا الرعيل ينشد معي ابيات «ابن الرومي» في ذكرى مدرستهم التي يعتبرونها في مستوى الوطن ان لم يكن اكبر:
ولي وطن آليت ألا أبيعه …… وألا أرى غيري له الدهر مالكا
فقد ألفته النفس حتى كأنه ….. له جسدٌ إن بان غودرت هالكا
وحبب أوطان الرجال إليهم ….. مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكِّروا أوطانهم ذكَّرتهم ….. عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا.
صرح شامخ
وتم تجديد المدرسة على شكل ونحو ينبىء عن ماضيها التليد وعن احوال البيئة التي تأسست فيها منذ اكثر من سبعة عقود من الزمن. ويشير احد طلاب المدرسة آنذاك رجل الأعمال المعروف عبدالله بن سعد الراشد بقوله انه إذا كان هذا الصرح الشامخ (مدرسة الهفوف الأولى) قد أسس كنواة للتعليم الحكومي في الاحساء بل في المنطقة الشرقية بأسرها ليحتوي أول مدرسة ابتدائية عام 1360هـ وهذا هو غاية الأمل في ذلك الوقت إلا أنه بعد مضى ما يقارب سبع سنوات تطلع خريجو المدرسة الابتدائية الى مواصلة الدراسة للمرحلة الثانوية إذ أنه في عام 1377هـ أحدث فصل أولى ثانوي وهو ما يعادل أولى متوسط في الوقت الحاضر ملحقا بالمدرسة الابتدائية والتحق به عدد محدود من الطلاب احضر لهم معلما مصريا يقوم بتدريس جميع المواد الا ان سير الدراسة قد تعثر في ذلك العام وقد يكون تسرب بعض الطلاب سببا في ذلك.
رحلة التطور
وفي العام الثاني 1378هـ تمكن المتبقون من الطلاب وهم واحد أو اثنان من مواصلة الدراسة مع زملائهم الجدد في ذلك العام وأحضر لهم معلمين مصريين هما احمد الأزهري ومصطفى عمايمي وكانا يكلفان بالتدريس للصفين الخامس والسادس الابتدائي إضافة الى عملهما بالصف الأول الثانوي. وتطورت المدرسة الثانوية وشيدت لها فصول على سطوح المدرسة الابتدائية كان عددها اربعة ثم تمت زيادتها إلى أن أصبحت أكثر من 10 فصول وتطور عدد الطلاب حتى أصبح في العام 1371هـ 35 طالبا يقوم بتدريسهم نخبة من المعلمين المصريين الأوائل الذين حضروا عن طرق الإعارة من الحكومة المصرية بينما تعاقب الأساتذة السعوديون محمد الجنيدل وعبدالرحمن الحقيل وعبدالله بن علي المبارك وعبدالله الباز وعثمان الاحمد على القيام بالأعمال الإدارية إضافة الى تدريس المواد الدينية وكان بالمدرسة قسم داخلي لإيواء الطلاب الوافدين من الدمام والخبر والقطيف ولتشجيع الشباب على الالتحاق بالمدرسة الثانوية كانت تصرف للطالب مكافأة شهرية بدأت من 60 ريالا في العام 1370هـ ثم 100 ثم 150 ريالا في العام 1374هـ ومن وسائل تشجيع الطلاب على مواصلة الدراسة سعى عبدالعزيز منصور التركي معتمد وزارة المعارف آنذاك وقائد مسيرة التعليم في المنطقة الشرقية – رحمه الله – الى توظيف بعض الطلاب في فرع وزارة المالية بالاحساء حيث يداومون اكثر من ساعتين يوميا وفي العطلة الصيفية دوام كامل و بلغ عدد الملتحقين بالعمل لدى المالية من الطلاب 20 طالبا كما نجح فوج حل محله فوج آخر مقابل راتب قدره 250 ريالا شهريا فكان مجموع ما يتقاضاه الطالب الموظف لدى المالية 400 ريال وهذا مبلغ يفوق راتب بعض موظفي الدولة آنذاك إذ كانوا معينين على وظائف رسمية استفادوا منها حين التقاعد بعد مواصلة دراستهم وعملهم لدى الدولة بعد تخرجهم في الجامعة وتجلى حرص عبدالعزيز التركي – رحمه الله – على مواصلة الطلاب دراستهم ان يقوم بمتابعة من ينقطع عن الدراسة بنفسه ويقوم بإقناع والده الذي قد يكون بحاجته للعمل بجانبه إلى ضرورة عودته للدراسة.
الدفعة الأولى
وفي عام 1372هـ أنهت الدفعة الأولى دراستها للمرحلة الرابعة الثانوية ما يعادل أولى ثانوي في وقتنا الحاضر ولم يكن هناك امكانية لفتح فصل خامس ثانوي فابتعثوا لاكمال الدراسة بمدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة وهم: عبدالله البخيت و سعود أحمد الضويحي و إبراهيم ناصر المنقور و فهد عبدالله الحواس و محمد عبدالرحمن الباز و وبعد ان أنهوا دراستهم الثانوية في مكة المكرمة تم ابتعاثهم الى مصر لمواصلة الدراسة الجامعية وكانوا أول فوج من مدرسة الأحساء الثانوية يبتعث الى مصر وفي عام 1374هـ بذل مدير المدرسة آنذاك عبدالمحسن حمد المنقور جهودا طيبة أثمرت عن افتتاح فصل خامس ثانوي وكان عدد الملتحقين به 7 طلاب هم عبدالله محمد العمران و عبدالله المهاوش و علي ابراهيم السلمان و عبدالرحمن المشاري و خالد العجاجي « رحمه الله « واحمد الماجد وسليمان الغنيم.وبعد بداية الدراسة بفترة وجيزة خير الطلاب في التخصص الذي يرغبون في دراسة علمي أو أدبي فاختار المشاري والعجاجي والغنيم القسم العلمي وطلب منهم التوجه الى مكة المكرمة لإكمال الدراسة هناك أما الذين اختاروا القسم الأدبي فواصلوا دراستهم بالاحساء.
الفصل التوجيهي
وفي عام 1375هـ تم افتتاح الفصل السادس الثانوية (التوجيهي) والتحق الناجحون من الفصل الخامس واكملوا دراستهم الثانوية واصبحوا أول فوج يكمل الدراسة الثانوية بالاحساء بعد ان أدوا الامتحان النهائي في مدرسة تحضير البعثات بمكة المكرمة بعد 4 أيام من المعاناة في مدينة الظهران لعدم وجود أماكن على الطائرة الوحيدة التي تسافر الى جدة حيث شهر شعبان موسم عمرة ولم يتمكن الطلاب من الحصول على مقاعد بالطائرة الا بعد ان طلب عبدالعزيز التركي « رحمه الله» من سمو الأمير سعود بن عبدالله بن جلوي أمير المنطقة الشرقية آنذاك « رحمه الله» أن يصدر أمره لمطار الظهران لإيجاد أماكن للطلاب حيث لم يتبق على الامتحان سوى يومين واستغرقت الرحلة 7 ساعات من الظهران الى جدة حيث هبطت الطائرة في عدة مطارات داخلية وكان عدد الناجحين في ذلك العام 1375هـ في امتحان الشهادة التوجيهية 60 طالبا على مستوى المملكة القسم الأدبي منهم 5 طلاب من مدرسة الاحساء الثانوية وكانوا يمثلون اول دفعة تكمل دراستها الثانوية بالاحساء وتعتبر المدرسة الثانوية بالاحساء رابع مدرسة بعد مكة المكرمة وجدة والمدينة المنورة يشترك طلابها في الامتحان النهائي للثانوية العامة في ذلك العام 1375هـ. وكان عدد خريجي الدفعة الأولى من مدرسة الأحساء الثانوية 5 طلاب تم ابتعاثهم الى مصر لاكمال دراستهم هناك وهم عبدالله محمد العمران وعبدالله المهاوش وعلي السليمان تخصص تاريخ واحمد على الماجد تخصص جغرافيا وناصر محمد بونهية منازل . والان ونحن بعد مرور اكثر من نصف قرن نرى ما انعم الله به على هذه البلاد وانتشار التعليم تحت قيادة حكومتنا الرشيدة – أعزها الله – حيث اصبحت المدارس بجميع مراحلها منتشرة في المدن والقرى والهجر كما ان الجامعات عمت جميع ارجاء المملكة وأصبح الطلاب بالملايين .
الكاتب: الاحساء – عبداللطيف المحيسن
الناشر: جريدة اليومتاريخ النشر: 5/ربيع الأول/1429هـ
الرابط: http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=12690&P=1&G=5