جولة في كتاب: أيام في حياتي

جولة في كتاب: أيام في حياتي

الكاتب: د. محمد بن سعد الشويعر

تلَقىَّ عنواني، في غيابي عن الرياض، كتاباً قيّماً ألفه معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم، اختار له عنواناً هو “أيام في حياتي”، حقوق الطبع لدارة آل ملحم للنشر، في طبعته الأولى عام 1433هـ 2012م، والكتاب من القطع الكبير، ويقع في 555 صفحة. ومن وفاء المؤلف لأقرب الناس إليه، فقد استفتحه بالإهداء في سطرين بارزين:

 

الأول لوالده عبداللطيف بن محمد بن عبدالله آل ملحم (رحمه الله)، والثاني لزوجته نعيمة بنت محمد بن عبدالرحمن العدساني.

جاء الكتاب على هيئة السرد، وبدون عناوين تشوّق القارئ، ولكثرة التأبين فيه لأفراد يعزهم وتربطه بهم صلة وثيقة: صداقة أو قرابة أو زمالة، فإنه يُتْعِبُ القارئ، الذي يحب المعرفة، لأنّه يندبه باللقب، وهذا من محاسن الموتى الذين قد يرتاحون لذلك، لأنه من خيرة الأسماء بالنسبة لهم، لكن القارئ مثلى، لا يجد الجواب، إلا بعد قراءة الموضوع، حيث يُكْشَفُ النقاب عن اسم المقصود بهذا الندب صريحاً في الآخر. وقد يكون للمؤلف منهج، يريد منه إجبار من بيده هذا الكتاب أن يحرص على قراءته بالوفاء، واستكماله لِيُدركَ منهجه في كتابه. وأجدادنا المؤلفون من العرب ينتقدون أنفسهم في تأليفهم، لأن من ألف فقد استُهدِف.

بدأ الكتاب بتقديم، يوضح فيه ما يريد وراء هذا المسمى حتى يُدرك وفاءه الرفقاء دربه في الحياة، وهو يلتقط بكل مناسبة محطة يستروح فيها، نسيم الذكريات، والترحم على من سبق لدار الخلود. وهذه منقبة يحمد عليها، لأن كل تأبين أورده، يجزل في الدعاء والثناء على صاحبه، وهذا من ذكر محاسن الأموات، الذي حث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أذكروا محاسن موتاكم”.

ولم يعنْوِنْ لبعض الموضوعات التي طرح، لأنه أحياناً يرمز بأرقام، 1، 2، 3 وهكذا، خاصة وإن جرى عند المؤلف وضع العنوان حتى يعرف القارئ.. أو يرجع للفهارس، ولكنَّ الفهارس في كتابه هذا قد جاءت في ص477 مع أن الكتاب في 555 صفحة، والمعتاد أن الفهارس في آخر الكتاب.

أما التقديم فقد شغل صفحتين إلاّ فراغاً شغله بثلاثة أبيات أعجبته هي من إحدى الأغنيات المصرية، وقد بيّن في هذه المقدمة: بأنّما هو لمسة وفاء منه لرفقائه ولِداته، وهذا هو الغرض الذي استهدفه حينما عزم على تسجيل وقائع هذه الأيام ص10.

ثم بدأ في ص11-13 عن رحيل عملاق هو واحد من أساتذته الذي اغتيل، والذي يدرسه في كلية الحقوق بالقاهرة في مادة مبادئ الاقتصاد، وقد أثنى عليه كثيراً (ص11-13)، ولما علم باغتياله نشر تأبيناً له في عام 1411هـ، وقال: ولما علمت باغتياله نشرت التأبين في جريدة الرياض العدد 8190 ديسمبر 1990م، ثم أورده في 5 صفحات (14-18).

أتبع ذلك بجائزة يوسف نحاس التي منحتها له جامعة القاهرة بكلية الحقوق لحصوله على أعلى مجموع في مواد الاقتصاد السياسي، بالسنتين الأولى والثانية، في امتحانات العامين الجامعيين 58، 59 و59-1960م للطالب: محمد عبداللطيف الملحم (ص19).

ولم يشر إلى ما جاء في الصفحة بعدها، رسالة تهنئة من مدير معهد أنجال جلالة الملك بالمناسبة ذاتها في 26-11-1378هـ، وفي ص21 عنوان رقمه: 2 ضربة معلم، ذكر في الحاشية أنه مقال نشر بجريدة الرياض العدد 9197/ 12 ربيع الأول بمحليات ص5 بمناسبة تعيين الدكتور حمود البدر أميناً لمجلس الشورى، فقد كان زميلاً له في الدراسة الجامعية بجامعة القاهرة، واشتركا في السكن سوياً، وإن اختلفت الكليتان، فالموضوع عن كل منهما وميوله، وعما بينهما في العلاقة. أخذ المقال 8 صفات، وقد علق عليه الصحفي الصديق محمد الوعيل بالجزيرة عدد 7793 في 18 شعبان عام 1414هـ (ص21-31).

وفي ص32 رصد تأبين لأبي ناصر الذي لم يسمه إلا في النهاية الدكتور عبدالله الوهيبي، فقد أثنى عليه وعرفه في لندن فترة الدراسة، وفي هذه تتبعه في سيرته كلها، ومدح خصاله الحميدة، وزملاءهما سوياً، وذكر منهم 8 وذكرياتهم أيام الطّلب (32-42).

وفي ص 43 رقم 4 تأبين آخر بعنوان: ومتى أجد البديل، وقد نشر التأبين في جريدة اليوم عدد 10002 الخميس 6 شعبان 1421هـ، ويرمز لهذا الأخ الذي مات سريعاً، وآخر لقاء معه كان قبل أسبوع، وهذا الخدين ابن عمه: محمد بن عبدالعزيز الملحم، الذي كان يندبه في رثائه بأبي عبد العزيز يكررها في ترحمه وذكر خصاله الحميدة، بعد تولهه عليه في 3 صفحات وترحمه عليه وتذكر ما بينهما وصديقهما عبدالله الراشد. لكنه بالغ في صفات أسبغها على ممدوحه، وهي الشهامة.. ولم يستثن بإن شاء الله- عندما قال: في ص45: يا أبو عبدالعزيز إذا كان للشهامة تاج فأنت تاجها، وإذا كان للشهامة بيت فأنت رب البيت.

وكان وفياً في تأبينه الأصدقاء، ويتذكر معارفه، ويأسى على ذوي قرابته في وفاتهم وربطهم بالأسرة، ففي ص54 في تأبينه قريبه الشاعر الموهوب محمد بن عبدالله بن حمد الملحم، وفي ص60 في تأبينه صديقه وقريبه وإيراد نماذج من أشعاره، منها ما قال في زوجته منيرة، التي يتساءل لماذا لا تشاركني.. ومما قال فيها:
شريكتي مسرّتي
وفرحتي وترحتي
ومسكني وسكني
وموئل الذّرّية
تصون مني نظرتي
حقا وسوء الخطرةِ
مليكة لمنزلي
تديره بحكْمة
وصىّ عليها المصطفى
بأبلغ الوصيّةِ
أمّ البنين والبنات
أصلح تلك الدوحة
أحبّها من كل قلبي من سويدا مهجتي

وهي قصيدة تبلغ 15 بيتاً، إلى جانب أشعار كثيرة له (ص56-62).

وكان محباً للشعر ويقوله في الرثاء وفي الإخوانيات والتعازي، سواء كان شعراً مقفى، أو شعراً حديثاً، ولذا فقد امتلأ كتابه بأبيات شعرية وقصائد مقفاة، ومن الشعر المنثور، وبعد أن نثر كنانته في ابن عمه الفقيد، فقد أعجبه مطارحة شعرية بين الشيخ عثمان الصالح -رحمه الله- والشيخ اليحيا وأورد نماذج من ذلك، وقال في هامش ص50 لمزيد من المطارحات الشعرية -الذي هو معجب به- لدى شعراء الأحساء يراجع كتابنا: كانت أشبه بالجامعة، قصة التعليم في الأحساء، في عهد الملك عبدالعزيز ص365 وما بعدها طبع عام 1419هـ.

كما أورد قصيدتين، بين الشيخ اليحيا والشيخ عثمان الصالح، وهما من المطارحات.. وشواهده يأتي بها بمناسبة الحديث عن شخص، ومن ذلك ما نشره في ص63 وما بعدها، حيث نشر رثاء بعنوان: شاعر موهوب ونُشر في الجزيرة عدد 5814 تاريخ 17 محرم عام 1409هـ، وقد توسع نوعاً ما في ذلك لأن هذا مما يحلو له. حيث زيارته للشيخ اليحيا فتح شجونه، وتحصل منه على التحفة وبعض الأشعار وأنس كل منهما بصاحبه مع أن التعارف لم يتم إلا متأخراً، وكل منهما مقيم في الأحساء.

وقد حقق لواحد من أقاربه، أمنيته في الصلاة داخل الكعبة، وعبر عن ذلك في هامش ص61 عندما قال: وتفاصيل هذه الرحلة المقدسة مذكورة في كتاب له بعنوان: تأملات في الرحلة المقدسة ص 62 وما بعدها، وكان معجباً بالشيخ الأديب: عثمان الصالح رحمه الله، ولذا يمدحه نثراً ويثني عليه في ص217، خاصة بعد رسالة له يهنئه بالجائزة التي نالها في دراسته السنة الأولى والثانية، في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، التي كانت ملء السمع والبصر وتناولتها صحفنا ص(218-224).

وكان محباً لمدرسته الابتدائية، في الأحساء ويطلق عليها لقب الجامعة، وقد هاج عندما قال عنها د. الغامدي إنها كالمحنطة، ورد عليه رداً قاسياً، حيث أعطى هذه المدرسة ومكانتها كل حب وتقدير، وهي أول مدرسة ابتدائية في منطقة نجد والأحساء، وهن باكورة التعليم ست مدارس، أمر الملك عبدالعزيز رحمه الله بفتحها في عام 1356 وهن: المدرسة الأميرية في كل من الأحساء والمجمعة وشقراء، وبريدة وعنيزة وحائل.

وأوافقه على الاهتمام والترميم والبناء لهذه المدارس، لأنهن أول صروح المعرفة في إقليمي الأحساء ونجد، وقد ربط هذه المدرسة بالحديث عن النحاس وصحح الملابسات عن أول مجيء النحاس إلى الأحساء، وربط ذلك بمعرفة الشيخ حمد الجاسر للنحاس أول ما جاء للمملكة في الوجه (ص225)، ولا يلام في وفائه لمدرسته.

كما كان يحب الشغل في شركة الزيت -أرامكو- في الصيف عندما كان طالباً ليكسب خبرة ويشغل فراغاً ص213-314.

وقد مدحه الدكتور عبدالرحمن العصيل في وفائه لمدرسته في رده على الدكتور الغامدي (ص310-316).

وللتأيخ عنده مكانة، فقد خرج قبل فترة كتاب: لمع الشهاب في تاريخ الشيخ محمد بن عبدالوهاب لمؤلف مجهول، لكن الدكتور الملحم، كان له رأي خاص، دونه في هذا الكتاب من ص351-357، وقد ردت عليه الدارة.

فالوقت لا يتسع للزيادة، ومع المعلومات الكثيرة، فحبذا لو نظمه بالعناوين وذكر أسماء من تعرض لهم بالنص دون اللقب الذي لا يدركه إلا قلة من الناس، ولو ميزه بطابع خاص يدركه الناس على المدى لأن الكاتب والمؤلف لا يكتب لفئة خاصة، بل يخاطب جماهير متلونة المشارب، وهذا مما يزيل الغموض ويعطي للكتاب شهرة وقابلية، ومن ذلك الفهارس التي وضعها في الوسط ص476 وبعدها تعريف بالمؤلف وغير ذلك مما رصد، ومن العنوان يتطلع القارئ إلى أن المؤلف سيجعل كتابه على هيئة اليوميات.

جريدة الجزيرة العدد 14631 , 3 ذو الحجة 1433 هـ

المقالة | جولة في كتاب: أيام في حياتي
الكاتب: د. محمد بن سعد الشويعر
الناشر: جريدة الجزيرة العدد 14631 , 3 ذو الحجة 1433 هـ
تاريخ النشر: 3 ذو الحجة 1433 هــ
الرابط: http://www.al-jazirah.com/2012/20121019/ar6.htm

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.