معالي الدكتور محمد الملحم في (ملتقى التواصل المجتمعي الأول في مجلس الشورى)

كيف نقبل أن يكون < نظام الحكم السياسي > وهو وثيقة دستورية من حيث التسمية في مستوى < نظام > مثل < نظام المطبوعات > أو < نظام المرور > من الناحية القانونية؟!

دعا مجلس الشورى في السادس من فبراير الماضي معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم، عميد كلية التجارة الأسبق، ووزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق إلى لقاء مع أعضاء وعضوات مجلس الشورى ضمن برنامج التواصل المجتمعي. وفِي بداية اللقاء تحدث الدكتور الملحم عن تجربته مع القانون بمحطاتها الثلاث، كطالب ثم كأستاذ ومسؤول جامعي ثم كعضو في مجلس الوزراء. وقد نشرنا في (3) حلقات سابقة نص المحاضرة، وفِي هذه الحلقة الأخيرة ننشر نص الحوار الذي تلاها، وقد أدار الحوار بمجلس الشورى الأستاذ/ عبدالوهاب الفايز.

بعد انتهاء المحاضرة، بدأت المداخلات والأسئلة وكانت المداخلة الأولى لمعالي الأستاذ أحمد الثمالي.

* بداية أشكر معالي الدكتور «محمد الملحم» على استعراضه الواسع لتجربته القانونية، وهي تجربة ثرية، وأيضًا لاستعراضه لجوانب تشريعية شاركَ فيها، وليَ مداخلتان فقط:

الأولى: أشار معاليه إلى أنه عَمَلَ في فترة من الفترات أستاذًا للقانون في معهد الإدارة (برنامج الأنظمة)، وهو برنامج حَرِيٌّ بأن يُشَارَ إليه ولو باختصار. الدولة – رعاها الله ـ في ظل ما أشار إليه معالي الدكتور من آراء أثيرت ذلك الوقت حول «كلية التجارة» وتدريسها للقانون، رَأَتْ أن تُؤَسِّسَ برنامجاً يدرس الأنظمة في معهد الإدارة العامة تمتد الدراسة فيه لعامين دراسيين وسمي «برنامج الأنظمة».

وفي هذا البرنامج تُدَرَّسُ الأنظمة عمومًا، وأنظمة المملكة العربية السعودية بوجه الخصوص، وأنتُخب لهذا البرنامج أساتذة القانون وكان منهم معالي الدكتور محمد الملحم، وأيضاً الراحلان معالي الدكتور غازي القصيبي، ومعالي الدكتور سليمان السليم رحمهما الله، وعدد كبير من أساتذة القانون من الدول العربية. وأظن أن هذا البرنامج قائم إلى الآن.

والمستشارون القانونيون في أغلب الوزارات من خريجي هذا البرنامج وأنا واحدٌ منهم، ومنهم أيضًا بعض الأخوة الزملاء الذين أكملوا دراساتهم القانونية العليا في داخل المملكة وخارجها، وأظن بعضهم موجودين معنا هنا.

المداخلة الثانية: أثرى معالي الدكتور الملحم المرحلة التي عاصرها، ولكن لِلتاريخ يجب أن نُشير إلى مرحلة سابقة لهذه المرحلة وإن كان أشار لها إشارة موجزة وهي المرحلة التي قامت فيها مؤسسات الدولة في عهد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز رحمه الله. هذه المرحلة هي التي شكَّلت (سلطات الدولة الثلاث). ففي هذه المرحلة أُنشئ (مجلس الشورى، ومجلس الوكلاء، ورئاسة القضاء)، وهذه هي سلطات الدولة الثلاث، وكانت بدايتها في عهد الملك «عبدالعزيز» رحمه الله، وصدرت أنظمة في ذلك الوقت، وبعض الأنظمة أو أحدها على الأقل ساري المفعول في بعض مواده حتى اليوم مع إنه صادر عام 1350هـ وهو «نظام المحكمة التجارية،» أو»النظام التجاري». فهذه المرحلة هي التي أسَّست للمرحلة الثانية التي بدأت في عام 1373هـ بصدور أول نظام لمجلس الوزراء ثم تلاه نظام مجلس الوزراء لعام 1377هـ، واستمرت المرحلة الثانية إلى عام 1412هـ حيث صدر النظام الأساسي للحكم ونظام مجلس الشورى الحالي، وتلا ذلك صدور نظام مجلس الوزراء في عام 1414هـ هذه المرحلة الثانية التي أشار إليها معالي الوزير هي المرحلة الحقيقية التي قامت على المرحلة السابقة، ولكن المرحلة السابقة حَرِيًّةُ أن تُذْكَرَ لأنها مرحلة تأسيس، وهي التي أعطت الفكر الأساسي لوجود القوانين أو وجود الأنظمة. لا أريد أن أطيل ولكن بما أننا نعاصر هذه المرحلة وعنوان أمسيتنا هو توفير البيئة التنظيمية الملائمة في المملكة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية أرى أن أعضاء مجلس الشورى وهم مُكَوَّنُون من نطاق عريض جدًا من ذوي التخصصات والخبرات، ومن أطياف مختلفة من المجتمع يجب أن تكون حساسيتهم وتحسسهم لحاجات المجتمع، ولحاجات الوطن عمومًا أكبر وأكثر. وعليهم واجب كبير للإسهام في توفير هذه البيئة.

كما أرى أن البيئة التي يجب أن يُوفرها «مجلس الشورى» والجهات التشريعية في الوقت الحاضر تتطلب جهداً كبيراً وعملاً سريعاً، أولاً لأننا في مرحلة تطور متواصل ومتسارع في الوطن، وثانياً لأن النوازل كثرت أو زادت مع تطور التكنولوجيا ودخول الاتصالات الحديثة وذلك يتطلب سن أحكام تتواكب معها. وأما من ناحية كيف نوفر البيئة القانونية الملائمة لتنمية الاقتصاد ولتنمية المجتمع . فهذا الموضوع واسع جدًا لا يمكن الإحاطة به في مداخلة.

وأرى أن أعضاء المجلس لديهم معرفة كبيرة في هذا الجانب وهم أساتذتنا، وأغلبهم أكبر منّا سنًا، أو في سنِّنا، وكل ما أقول إن المسؤولية عليهم كبيرة جدًا، والواجب عريض ولكنهم أهل لتحمل ذلك.

* المحاور الأستاذ الفايز. هناك طلبات للمداخلات نأخذ أولها، وهي من عضو المجلس السابق د. علي الخضيري.

د. الخضيري: أولاً أتقدم بالشكر لمجلس الشورى على أن أتاح لنا الفرصة نحن كأعضاء سابقين نزور المجلس بعد سنوات من انتهاء عضويتنا، وأن نسعد أيضًا بمعالي الدكتور محمد الملحم الذي أثرى، وتحدث عن فترة مهمة جدًا في تاريخ وضع الأنظمة الثلاثة، واستفدنا منه فيما كان يدور في كواليس هذه الأنظمة، وكان وبلا شك هو وزملاؤه قد قاموا بجهد كبير ومشكور في هذا المجال: وبلا شك أن رجالاً كثيرين أسهموا في وضع هذه الأنظمة، وأذكر بالذات معالي الشيخ محمد بن جبير -رحمه الله- الذي نشيد به أيضًا فيما يتعلق بوضع نظام مجلس الشورى مع مجموعة من زملائه الذين ترأسوا المجلس، كما تعلمون في بدايات المجلس أو في الدورات الثانية والثالثة والرابعة وفيها قد وضعت أنظمة أو أعيد النظر في أنظمة في مجلس الشورى القديم التي أشار إليها الدكتور الثمالي، وكانت هذه الأنظمة مُتماشية ومُسايرة لما كانت تستجد من أمور كثيرة. أذكر من هذه نظام القضاء، نظام الإجراءات الجزائية، نظام المحاماة، نظام الحقوق الفِكرية، وغيرها من أنظمة كثيرة، وكان بعضها تتعدى إلى مائة مادة أو مائة وخمسين مادة، وأذكر أننا أطلنا الحديث في مادة واحده هي المادة الرابعة من نظام القضاء (متى يتنحى القاضي؟) وأمثلة كثيرة، لكن أيضًا استجدت الآن أمور ينبغي طرحها، وحتى الأنظمة التي أُعيد النظر فيها ووُضعت هناك لتتمشى مع مستجدات جديدة يُستحسن أن تطرح من جديد، وأن يُعاد النظر فيها، ولا شك أن مجلس الشورى بغض النظر عمَّن يتحدث عنه، وأن مجلس الشورى لا يقوم بواجبه أنا من خلال تجربتي في ثلاث دورات في مجلس الشورى أظن أو أعتقد أن المجلس خدم بلادنا، حرسها الله، خدمة كبيرة جدًا في وضع الأنظمة، وفي التوصيات التي تصدر من مجلس الشورى، التي أُخِذَ بكثير منها، وكثير من الناس يقول إن مجلس الشورى يُوصي توصيات، ولا يقرر القرارات. نعم هذا صحيح.. ولكن في الأغلب مجلس الوزراء يعتمد هذه التوصيات، ويتخذ فيها قرارات مهمة غيَّرت مجرى الحياة الاجتماعية في المملكة. نحن نعول على زملائنا الحاليين في مجلس الشورى وزميلاتنا، والزملاء القادمين إن شاء الله أن يُثـروا هذه الأنظمة، ويراجعوها، وأن يتحقق ما يفيد بلادنا خاصة ونحن نمر بفترة جديدة وفي تطلعات جديدة للقيادة حفظها الله.. شكراً.

** د. محمد الملحم: تحدَّث الأخ الكريم الأستاذ الثمالي عن «برنامج الأنظمة» بمعهد الإدارة وأنا عاصرتُ بِداياته إلى أن شُّكِّلَتِ الوزارة. كان في الحقيقة الراعي للبرنامج سمو الأمير مساعد بن عبد الرحمن، يرحمه الله، وزير المالية والاقتصاد الوطني حينئذ، ومعالي الشيخ «محمد أبالخيل» نائب وزير المالية والاقتصاد الوطني ورئيس مجلس إدارة المعهد وكان مدير المعهد رجلاً فاضلاً ومتحمساً «لتطوير الإدارة الحكومية» الصديق الأستاذ فهد الدغيثر رحمه الله. وأُعِدَّ البرنامج للحقيقة والتاريخ في «معهد الإدارة» في فترة كان المعهد الكل في الكل لأن نفس الدولة معاه، ونحن في كلية التجارة كنا نعترف أن للمعهد دوراً كبيراً وقتها. كانت تًعقد بالمعهد «اللجنة العليا للإصلاح الإداري»، وفيه رُؤِيَ إنشاء «برنامج الأنظمة». لقد أدَّى «البرنامج» دورًا رائعًا بالنسبة لخريجي كلية الشريعة، والواحد يسعد أن هناك ممن درستُهم من صاروا وزراء، وممن درستهم كان أول رئيس للمحكمة الإدارية العليا في أيامنا المعاصرة فضيلة معالي الشيخ محمد الدوسري. بدون شك البعض من الطلبة الذين درَّسناهم آنذاك كان عندهم نبوغ، لكن بودي أن أذكر مداخلة بسيطة. كان التصور في ذلك الوقت لدى الأجهزة الحكومية أن من يلتحق «بمعهد الإدارة» أو يسلك في أحد برامجه أن غرضه أن يحصل على ترقية. ولكن البعض منهم حينما يدرس بالمعهد ومن ثم يعود إلى مرفقه الحكومي تجده يرغب أن يطور من نفسه تطويرًا ذاتيًا. كان للبرنامج مهمة وهي أن الدولة وقتها كانت في حاجة إلى رجال يعتنون بتطبيق الأنظمة. أنا قلتُ في محاضرتي لكم أن هناك مشكلة تعاني منها المرافق الحكومية (الوزارات) وإلى الآن، وتتعلق المشكلة بالتفرقة بين كلمتي «قانون» و»نظام»، ومن المشكلات التي عاصرتها وأنا وزير وجود تفرقة بين من يتوظف «كمستشار شرعي» أو «مستشار نظامي» في المرفق الحكومي (وزارة أو مصلحة أو مؤسسة).. أنا كنت عضوًا في مجلس الخدمة المدنية لمدة ثمانية عشر عاماً والتفرقة المزدوجة بين «مستشار شرعي» و»مستشار نظامي» في التوظيف كانت قائمة. أحدثت هذه الازدواجية بما مر بي من تجارب ما يشبه بتصادم حضاري لدرجة أنه يصعب فيها التعرف بكل دقة بين عمل «المستشار الشرعي» وعمل «المستشار النظامي»، فنجد الوظيفتين منتشرتين في كثير من مرافق الدولة وقتها وإلى الآن. والآن عندنا «مرفق القضاء» وفيه هذه الازدواجية كذلك. وأنا لا أحب أأتعرض لهذا الموضوع الآن. والنظم التي تحدث عنها الأخ الكريم «الثمالي» وبالذات منها «نظام الإجراءات» الذي أضيفت إليه عبارة «الشرعية» بدون مبرر مقنع ترضية لأطراف معينة. كنتُ مع فضيلة معالي الشيخ «محمد بن جبير» قد درسناه مادة مادة في «اللجنة العامة» بمجلس الوزراء وبتفويض منها قبل صدوره بمرسوم ملكي، وصدر به مرسوم ملكي، ومن ثم ألغي النظام بمرسوم ملكي، وبعدها بفترة أعيد بمرسوم ملكي آخر.

وأنتم في إطار هذا المجلس عليكم أن تدرسوا توحيد المصطلحات. كيف أقبل أن يكون «نظام الحكم الأساسي»، وهو وثيقة دستورية، من حيث التسمية في مستوى «نظام» مثل «نظام المطبوعات» أو «نظام المرور» من الناحية القانونية. هناك في الفقه الدستوري تدرج في المسميات أو المصلحات القانونية: هناك «دستور» ويأتي في القمة، وهناك «قانون» ويأتي في درجة أدنى، وهناك «لائحة» وتأتي في درجة أدنى، وهناك «قرار» ويأتي في درجة أدنى. متى يُحقق المجلس هدف مؤداه توحيد المصطلحات باعتبارها حالة حضارية علمية وذلك حتى يطمئن إلى ذلك الكثير من الدول الأخرى التي نتعامل معها في شتى نواحي الحياة.

توحيد المصطلحات مهم للغاية. يجب النظر في هذه التفرقة بين خريجي كليات الشريعة – وخريجي كليات القانون. يجب النظر في هذه الأمور حتى يكون عندنا «قضاة» عندهم تأهيل قانوني وتأهيل شرعي معًا من كلا الكليتين. لماذا هذه الازدواجية؟ لماذا؟ لماذا؟ ووصل إلى علمي عن وجود طالَبَين تخرجا في «كلية شريعة» ومستواهما العلمي والخلقي واحد: يُعين أحدهما «ملازم» في مرفق القضاء بموجب كادر القضاء فيُخاطب «بفضيلة الشيخ» أو «فضيلة القاضي» أو «صاحب الفضيلة». وزميله الآخر يُعين في مرفق حكومي خدمي (الصحة، البلديات، الكهرباء) وفقًا لنظام الخدمة المدينة، وربما قد لا يجد من يخاطبه بعبارات تليق كخريج كلية شريعة مثل أيها الأستاذ أو «أيها الأخ الكريم» من قِبل مستخدمي «المرفق» المعين به. يجب توحيد «مستشار شرعي» و»مستشار نظامي» في مسمى واحد، وبالذات في «كادر القضاء» لتلافي التصادم غير المبرر. هذه آراء شخصية أطرحُها وأنتم أهل أن تناقشوها باعتباركم أعضاء وعضوات في «مجلس الشورى»، وقد أُعطيتم الصلاحية بمقتضى المادة 23 من نظام الشورى في مناقشة الأنظمة، وإبداء ما يلزم من آراء مفيدة فيها. الآن يوجد جيل من الخريجين والخريجات من كليات القانون بجامعاتنا، أين يذهبُون» وأين يذهبْن»؟ هذه الأمور أيها الأخوة والأخوات يجب أن تُبحث في إطار «مجلس الشورى»، وعليكم أن تناقشوها في حرية تامة بحكم الاختصاص. وكما ذكرتُ لكم في محاضرتي حينما طُلِبَ منِّي أن أضع نظاميْ «الحكم» و»الشورى» دون توجيه رسمي كانت أمامي سبل شتى في علم القانون. لو أردتُ أن أمتطي ركب «القانون اللاَّتيني» في «أوروبا» أو «القانون الأنجلوساكسوني» في «أمريكا» لكي أضع مشروعي النظامين لفعلت ذلك. لكنني، وفي هدوء، تلمست أوضاع مجتمعنا، وما عشناه في الماضي، وما نحن فيه وقتها. تمكنت من إعداد المشروعين في ظل ظروف وأوضاع مجتمعنا. الأسئلة كثيرة، وأنا من تجربتي اكتشفت أن «ولي الأمر» إذا قُدِّمَتْ له النصيحة الخالصة يأخذ بها، والإنسان يتقيد بنقطتين حِين يعمل في مِرفقه أو عليه أن يتمشى بمقتضى قاعدتين هما: أن يبتعد عن الطيش البين وكذلك عن الهوى الجامح فيما يمارسه من عمل. والإنسان إنسان معرض للخطأ والنسيان. ونقلُ الرؤيةِ الصحيحة «لولي الأمر» الذي يجمع وفق المادة (44) من نظام الحكم الأساسي بين السلطات الثلاث مهمة جداً إذ هو المرجع، والكثيرُ مما أعرفه أنا أعرضه الآن كمواطن أمامم لأنكم خُوِّلْتُم في «نظام الشورى» حرية اقتراح نظام جديد، أو حرية تعديل نظام قائم.

أنا لم يتسلط عليَّ كائن من كان فيما فعلته وما تصورته وما فعلته في هدوء دون طيش بين أو هوى جامح، و»مجلس الشورى» منذ أن أُنشئ وإلى الآن كان له إنجازات أنا أشهدُ عليها عن بُعْدٍ لأنني أمارس أمورًا للدولة بعد تركي للوزارة، قد يكون الحديث عنها الآن غير ملائم. أنتم خُولْتم بمقتضى «نظام الشورى» أن تعطوا ما لديكم ولكن في حدود اختصاص يجب ألا تخرجوا عليه، وأعود مكررًا أنني مسرور أن لمجلس الشورى دوراً مهماً في مسيرة الدولة، ورأيي في توحيد المسميات أن تسمى الأنظمة الثلاثة (دستور المملكة العربية السعودية) لأن هذه مشكلة كنت أواجهها وأنا في الحكومة مع الدول الأخرى بخصوص الأنظمة الثلاثة، وهي أنظمةُ يجب أن تُسمى (الدستور السعودي العربي).

في «نظام الحكم الأساسي» وهو بمسمى «نظام» أمور غريبة وهو وجود مصطلح «دستور»، وأتذكر أن هذا المصطلح في إحدى مواده يلزم التقيد بالتسلسل التدريجي في تشريع الأنظمة (القوانين) كما سبق أن ذكرتُ: القرآن الكريم والسنة النبوية منذ أن أُسِّسَتْ هذه الدولة هي دستور المملكة العربية السعودية. قالها جلالة الملك «فيصل» حينما ذَهَبَ ليُوقِّعَ على ميثاق هيئة الأمم المتحدة. قدَّم القرآن الكريم أنه هو «دستور» المملكة العربية السعودية، وَفَعَلَ جلالة الملك «فهد» ذلك في أحد مؤتمراته الصحفية. ناقشوا المصطلحات بحيث لا توجد عندنا الازدواجية غير الحضارية الصادمة حتى في الوظائف العامة في مرافق الدولة، ولا استبعد أنها توجد حتى في مرفق القضاء: «مستشار نظامي» و»مستشار شرعي» في الأعمال الإدارية. يجب أن توحد.. هذه وجهة نظري، وأمامكم وفي شفافية تامة أطرحها لأن هناك معاناة وراء هذه المصطلحات والألقاب والمسميات. وأنا قلتُ للمحاور الأستاذ الإعلامي المتميز «عبدالوهاب الفايز» إن حدودي بالأنظمة الثلاثة كانت حتى عام 1412هـ وبعد صدورها بمراسيم ملكية انقطعت صلتي بها. وأنتم أمامكم كثير من المشكلات والتوجهات والأسئلة التي تُثار وعليكم مواجهتها، ووضع حلول لها بمقتضى مقترحات صائبة.

* المحاور: هناك مداخلة من أ.عبدالعزيز الهدلق، عضو المجلس السابق حول صلاحيات المجلس، يقول فيها: إن كانت صلاحيات المجلس محدودة ومقيدة لذا بعض قراراته وإن كانت هي بالفعل توصيات إلا أنها أحياناً محل عدم ارتياح من المجتمع، إضافة لذلك جاءت قواعد عمل المجلس وأَضعفت دوره، وبما معناه أن صلاحيات المجلس محدودة.

** الدكتور محمد الملحم: ذكر الأخ الكريم الأستاذ «الهدلق» أن سلطات المجلس محدودة. هذا صحيح وأوافقه. أنا من وجهة نظري الأمور هي مرحلية. موضوع السلطات ليست ثوابت. خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز قبل أن يُصدر أو بمناسبة إصداره للأنظمة الثلاثة أضاف أن هذه الأنظمة قابلة للتغيير. أنا أذكر كلمته. الأنظمة قابلة للتغيير بما هو أفضل. نظرية الجمود غير مرغوبة، وأذكرُ لكم في جلسة من جلسات مجلس الوزراء أن الملك فهد قد ذكر، وقبل أن يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين، أنه لما كان وزيرًا للداخلية أصدر أمرًا إلى كافة أمراء المناطق وشدَّد ألاَّ يغير أي مواطن سنه، وبالأخص الموظفين بعد صدور نظام المواليد والوفيات عام 1382هـ. يقول جلالته هذا أمر صدر مني وأنا وزير للداخلية. قال لنا بمجلس الوزراء: عُرِضَ علي حالة أب وابن وُلِدَا في وقت واحد: أردف قائلاً ما أمرت به ليس من الثوابت فغيرت في السن. والملك فهد في تقديمه للأنظمة الثلاثة تحدَّث باستفاضة في ديباجة رائعة. أنا أعتقد أساتذة القانون الدستوري في كلياتنا يجب أن ينظروا إلى كل ما أفاد به جلالته: أن التطوير والتغيير لما هو أحسن يجب أن يكونا الأساس في الأخذ بالدولة والنمو بها. هذا تعليقي حيال صلاحياتكم، ومن الممكن من فترة وأخرى أن تُراعى إذا أنتم خدمتموها من باب تجاربكم كأعضاء وعضوات في المجلس.

* المحاور: هناك مداخلة طلبتْها الدكتورة فاطمة القرني عضو لجنة الثقافة والإعلام بالمجلس.

د. فاطمة القرني: أرحب بمعالي الضيف الكريم وجميع من شرفوا المجلس الليلة، وأنا سعيدة بهذه التجربة الثرية جدًا التي تُعيننا نحن الأعضاء وتحفزنا حين يشعر بعضنا أحياناً بالإِحباط؛ فمثل هذه الأسماء والمواقف التي جاءت في سياق حديث د. الملحم ملهمة للجميع، وقد أسعدني على وجه الخصوص -بالنسبة لي كمنتمية لمجالات الشعر والأدب- حديثه عن كل من الدكتور «غازي القصيبي» والدكتور «أسامة عبد الرحمن»، فكلاهما من كبارنا الذين علَّمونا السحر الحلال في الإدارة والأدب أيضًا.

ولدي تعليق وتساؤل لمعاليك وأنت تتحدث عن صعوبة «الفصل بين السلطات»، وتشير في المقابل خلال إجابتك على سؤال الأستاذ «عبد العزيز الهدلق» إلى أن هذه السلطات ليست ثوابت قائمة، وتؤكد أن الفرصة مواتية للمجلس للتغيير ولتحديث الأنظمة بما في ذلك مسألة الصرامة والثبات التي تحكم العلاقة فيما بينها، والحقيقة أن هذه مسألة في غاية الأهمية، وربما تكون من أهم وسائل إيجاد علاقة مثمرة بين المجلس والمواطنين الذين يتمحور عمله حول خدمتهم من خلال أدائه لدوره الرقابي والتشريعي والبرلماني أيضاً، ولا أخفي معاليك والحضور الكريم مدى عمق الإحساس بعدم الإنصاف من قبل الإعلام وعامة المجتمع وعدم استشعارهم المقدِّر لأهمية وفاعلية هذا الدور بمجالاته الثلاثة؛ ولعلكم تلحظون أنه رغم كون الكثير من قرارات مجلس الوزراء التي يتصدر إعلانها نشرات الأخبار معتمداً ابتداءً على قرارات صادرة من مجلس الشورى إلا أنه لا يُلقَى لهذا بال أو تُقَدَّر له قيمة.

أقول ذلك بكل شفافية ومرارة في الآن نفسه، وهناك جانب آخر يتسابق أعضاء المجلس في سبيل تحقيقه وهو المتعلق بما يعالج استياء عامة الناس خاصة في المراحل السابقة من عدم التوازن التنموي فيما بين المناطق المختلفة في بلادنا، إضافة إلى ذلك ظلت «مسألة الميزانية» تُطرح عاماً تلو الآخر حيث يرى المجلس أنها من أهم ما يتوجب عرضها عليه؛ سواء الميزانية الاستباقية العامة وآليات توزيعها بين الوزارات والمناطق المختلفة، أو ما يأمله المجلس من ضرورة موافاته بتقارير فصلية تتبَّع طبيعة صرفها ومدى انعكاسها تنموياً على الخدمات وعلى تحسن مستوى الدخل والمعيشة للمواطنين، وأخيراً ضرورة أن يطلع المجلس على التقارير المتضمنة للحساب الختامي لكل الوزارات وليس التقديري كما هو معمول به الآن؛ وكل هذه الجوانب تم رفع مقترحات بشأنها من قبل لجنة مراجعة قواعد عمل المجلس ووضع استراتيجية تطويرها بما يتناسب مع رؤية المملكة 2030 التي شرفت بأن أكون من أعضائها مستهل تشكيلها أواخر دورة المجلس السابقة.

وانطلاقاً من كل هذا سؤالي لمعاليك: هل من أمل في الآتي القريب -مع الحراك الطموح الذي تشهده المملكة في مختلف المجالات- أن يُنظَر في هذه الملفَّات الشائكة والمهمة التي تُبنى عليها راحة المواطن في أكثر من نطاق، فضلاً عن كون معالجتها مما سيتحقق من خلاله تفعيل لجهود المجلس وإبراز لعمله، وهو عملٌ جبارٌ لكن مع الأسف لم يظهر حتى الآن بالصورة الجلية التي تعكسه بدقة وإنصاف؟!

* الدكتور محمد الملحم: أحب أن أجاوب «الأخت الكريمة» الدكتورة «فاطمة» بما يلي:

من الناحية القانونية الصرفة لكل مرفق من مرافق الدولة «نظام»، ويجب أن يُلتزم به. ذكرتْ الأخت الكريمة أن هناك أموراً لا تدخل في منظومة اختصاصات المجلس.. هذا صحيح وأنا معها، ولكن العضو في المجلس عند ممارسته لمهامه وفقًا للصلاحيات التي مُنِحَتْ، فله أن يمارس صلاحياته من ضمن عملية الاقتراح، وإبداء الرأي في إطار المادة 23 من نظام المجلس. هذا لا يمنع أن يُبدِي العضو تصوراته حتى بالنسبة للمستقبل، ولكن دون أن (يقلل من هيبة المجلس) لأنه لم يمنح مثل ما عند «الأخت الكريمة» من طموحات وآمال وتطلعات ذات أهمية بالغة. أنا ذكرتُ في محاضرتي أن هناك مواضيع كنتُ أتمنى لو كل ما تحدثنا عنه في اللجنة العليا برئاسة سمو الأمير «نايف بن عبدالعزيز» على مدى اثني عشر عاماً أنه مُسجل، لأن هناك كثيراً من الأمور والآراء طُرِحَتْ للنقاش، وذكرتُ أن هناك «قاعدة للتوافق» وتم التمشي بمقتضاها في اللجنة العليا وكانت المعيار. لو كانت تلك المواضيع مدونة كان بإمكان «مجلس الشورى» أن يرجع إليها لأن فيها آراءً لم يُؤخذ بها في ذلك الوقت، ولكن حان الآن الوقت للأخذ بها بغرض الخروج على إطار الصلاحيات الممنوحة لأي مرفق بما في ذلك مرفق «مجلس الشورى». الآن يجب الالتزام بهذه الصلاحيات الممنوحة حاليًا والتفاعل معها. أَمَّا أن يُحاول أي عضو في المرفق حتى في مرفق «مجلس الشورى» أن يبوح للعلن بأفكار وآراء يجدها غير مدرجة ضمن صلاحياته فيما هو مطلوب منه أن يمارسه هو في حقيقة الأمر يُجهد نفسه، ولا طائل وراء ما يبوح به لأن في الأمر «توازناً» و«معادلات». قبل النظر في «نظام الحكم الأساسي»، وكما ذكرت في محاضرتي لكم وفي شفافية، أيها الإخوة والأخوات أن الدستور الوحيد في العالم الذي أَخَذَ «بنظام الفصل بين السلطات» تمامًا هو «الدستور الأمريكي»، وكما ذكرتُ أن «نظرية الفصل بين السلطات» مستبعدةٌ في الفقه السياسي الإسلامي. كنتُ في «أمريكا» منذ سنتين وشهور. الرئيس «أوباما» رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يعرف حدوده وصلاحياته، وهناك الكونجرس بقسميه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) له حدوده وصلاحياته، وهناك «المحكمة الفدرالية العليا الأمريكية» لها حدودها وصلاحياتها. وصارت حادثة كنتُ أشاهدها بنفسي في «شبكات التلفزيون الأمريكي». قلتُ لنفسي ما تم بشأن هذه الحادثة تطبيق رائع وسليم «لنظام الفصل بين السلطات» وفقًا للفقه الدستوري الأنجلو/ سكسوني. الرئي«أوباما» لم يكن على وفاق مع رئيس وزراء إسرائيل، «نِتِن يَاهو» وكان الأخير يرغب أن يزور «الولايات المتحدة الأمريكية» ليتحدث أمام الكونجرس بجناحيه، لم يستجب لذلك رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يدعوه، تدخَّل رئيس مجلس النواب (طبعًا «مجلس النواب» في التكوين السياسي الأمريكي أقوى من رئيس «مجلس الشيوخ»). تدخَّل رئيس مجلس النواب، وأرسل دعوة لرئيس وزراء إسرائيل، وجاء المدعو إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وألقى خطاباً في المجلسين مجتمعين، وتحدث بما يرغب، وصفَّقوا له، وغادر الولايات المتحدة الأمريكية دون مقابلة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.

هناك قاعدتان في الدستور الأمريكي: «الرقابة» و»التوازن» Checks and Balances التي تحد من تعسف، أو استبداد أي سلطة من السلطات الثلاث كما يقررها الدستور الأمريكي.

رأيتُ حينئذ، وأنا أنظر في نظامي «نظام الحكم الأساسي» و»الشورى»، أن هذه الأفكار الأمريكية المشار إليها مستبعدة عندنا، ولم يكن في إمكاني حين وضعِي لمشروعَي «نظام الحكم الأساسي» و»نظام الشورى» أن أؤصلها فيهما. الأفكار أمامي كانت مُتاحة ناهيك عن حرية مطلقة أُتيحتْ لي كما حدثتكم في محاضرتي. حين وضعي لمشروعي نظامي الحكم الأساسي والشورى، أيتها الأخت الكريمة، رئيس أمريكا له صلاحياته التي يعرف مداها وحدودها في الدستور ألأمريكي، كما أن للكونجرس صلاحيات يعرف مداها وحدودها في الدستور ألأمريكي، ولمرفق القضاء الأمريكي له صلاحيات كذلك. ناقشنا هذه الأفكار في «اللجنة العليا لنظام الحكم الأساسي ونظام الشورى» لا رغبة منا أننا سنأخذ بها، ولكن لكي يكون عند أعضاء اللجنة العليا اطلاع عليها.

صلاحياتي محددة، وحينما ألتزمُ بها يرتفع شأني. هذه صلاحياتي لو رغبتُ كمسؤول أن أوسع منها، وأنا لست مُخَوَّلاً، هذا من شأنه التقليل من مكانتي. وأكرر أن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز في تقديمه للأنظمة الثلاثة، إذا اسْتُبْعِدتَ الثوابت، أردف أن التغيير قائم في الأنظمة الثلاثة، ولذلك حتى يُعطي جلالته لهذه الأنظمة الثلاثة قيمة. وإن كان من الملائم ألاَّ توضع الأنظمة الثلاثة تحت مسمى واحد مثل ما ذكرت لكم سلفًا لتلافي الفوضى القانونية في عالم المصطلحات، وبمعنى ألا يكون نظام الحكم الأساسي، من الناحية الدستورية، في مستوى (نظام المطبوعات أو نظام المرور أو نظام كذا وكذا). انظروا أيها الإخوة وأيتها الأخوات في المصطلحات الآن، وولاة الأمر يسعون للتحديث. أما ما ذكره الأخ الكريم «الثمالي» عن أن التطور التشريعي في المملكة قد نُوقش. أنتم تعلمون في عهد الملك عبد العزيز في البدايات وقبل عام 1351هـ حينما كان يُسَمَّى «ملك الحجاز» و»سلطان نجد» وملحقاتها (والأحساء كانت من الملحقات)، كان الوضع كما ذكرتُ لكم في محاضرتي أُنْشِئَ «نظام الشورى» في إطار محدود لأن «ثقافة المجتمع» في «منطقة الحجاز» تختلف من الناحية الدستورية والقانونية عن «ثقافة المجتمع» في «نجد» أو في الملحقات». ظروفٌ اقتضت أن يُسَايِرَ الملك «عبد العزيز» وهو «ملك الحجاز»، و»سلطان نجد»، وملحقاتها «ثقافة» مجتمع منطقة الحجاز آنذاك. ولِعلمكم لما وُحِّدَتِ المملكة بمسمى «المملكة العربية السعودية» في عام 1351هـ ارجعوا إلى الأمر الصادر بتسمية التوحيد تجدون عبارة (وضع نظام للحكم الأساسي) كانت مذكورة ضمن الأمر، ولكن الظروف لم تسمح وقتها بأن يُوضع «نظام للحكم الأساسي». إستشراف الماضي يُهيئ للإنسان في واقعه وفي مستقبله أن يعرف أين يضع أقدامه حاضرًا ومستقبلاً. ما نتحدث عنه أيتها الأخت الكريمة الدكتورة «فاطمة القرني» هي أفكار طيبة ذات مضامين قانونية لكن لا نرغب منها أن تخرج عن «الأطر» التي هِيَ فيه «كعضوة» في المجلس فيقال: إن فلانة تحدَّثت وأن فلاناً تحدَّث. أيها الأخت الكريمة: الخروج عن النصوص فيها ضرر أكثر وليس فيه مصلحة ظاهرة.

المحاور: هناك أسئلة عن (المادة 77 من نظام العمل) التي ناقشها المجلس مؤخراً، ومعالي الدكتور الملحم قبل سنة كان له رأيٌ طارت به الركبان في وسائل الإعلام وقتها. سُئِلَ عن المادة 77 من نظام العمل، ومما قاله عن المادة: إن هذه المادة من حيث الصياغة القانونية محكمة، ومن حيث المحتوى القانوني عادلة إذا نُظر إليها مجردة من الزمان والمكان، أي من البيئة المراد تطبيقها فيها، بل لا غبار عليها شكلاً ومحتوى إذا كان الغرض منها تعليم الطلاب في كليات الحقوق كيفية الصياغة القانونية لضبط محتوى معين. ويستطرد الدكتور «الملحم» قائلاً: أمَّا إذا أُريد منها «كمادة» أن تطبق في بلد معين من حيث الزمان والمكان فالوضع مختلف تمامًا. هذه المادة صالحة للتطبيق في البلد الذي لا توجد فيه عمالة وافدة ماهرة على الإطلاق، وبمقتضى مفهوم المخالفة هي مادة غير صالحة للتطبيق في البلد الذي يكتظ بعمالة وافدة لاسيما إذا كانت العمالة ماهرة. تطبيق هذه المادة في هذا البلد المكتظ بالعمالة المشار إليها عمل «مأساوي» «كارثي» في خصوص توطين الوظائف، ثم يختم «الدكتور الملحم» بقوله: رحم الله أستاذي الدكتور «جمال زكي»، من أساطير قانون العمل في كلية الحقوق جامعة القاهرة، الذي كان يُنادي بتوطين نص المادة بظروف البيئة المراد تطبيقه فيها إذا أريد منها أن تكون ذات فعالية.

* الدكتور محمد الملحم: تعليقي على (المادة 77 من نظام العمل) كان ضِمْنَ أسئلة طُرِحَت عليَّ في حوار أجرته معي «مجلة غرفة تجارة الأحساء» في عددها الصادرة في شهري يناير – فبراير عام 2017م، وكان تعليقي في «مجلة الغرفة» بمناسبة قضية هي باختصار كالتالي: طالبة من بناتنا حصلت على ليسانس الحقوق أو القانون في «كلية قانون في بريطانيا»، ورغبتْ أن تحصل على رخصة في المحاماة هنا في المملكة. وكان نظام المحاماة ينص بغرض الحصول على الرخصة أن يتدرب خريج بكالوريوس قانون ثلاث سنوات في مكتب محاماة مرخص له، وحامل درجة الماجستير في القانون لمدة سنتي تدريب في مكتب محاماة مرخص، وحامل درجة الدكتوراه في القانون يحصل على ترخيص بدون مدة تدريب. هذه الطالبة الطموحة تقدمت لمكتب محاماة للتدريب بموجب عقد تدريب. بعد فترة تم فصلها بموجب المادة 77 من نظام العمل. فالتجأت إِليً، وتقدمتْ للجنة العمالية بوزارة العمل متظلمة. سار جدل وقتها حول لائحة قليلة المواد للتوقيع عليه من قبل المتدرب أو المتدربة من إعداد الإدارة العامة للمحاماة بوازرة العدل. فُصلت الطالبة المتدربة بموجب المادة 77… ولو اطلعتم على اللائحة ستجدون أنها ليست في صالح المتدرب أو المتدربة. ولعلاقِتي بالإخوان في إدارة المحاماة لأني كنت لفترة ثلاث سنوات عضوًا في اللجنة العليا للترخيص للمحامين أعددتُ لهم مشروع لائحة فيها حماية للمتدرب والمتدربة، وسوف تأخذ اللاَّئحة طريقها للتطبيق إن شاء الله. المكتب الذي فصل الطالبة المتدربة استند على المادة 77 التي تقضي بفصل المتدرب مع دفع أجر شهرين كمكافأة وما إلى ذلك. تقدمتْ المتدربة لمكتب العمل وساعدتُها في إعداد مرافعة لها تقدمت بها للجنة العمالية بوزارة العمل. الغريب في الأمر أن الطرف الآخر (مكتب المحاماة) أفاد أن القانون بيده، وأنه سيستخدمه بموجب المادة 77 الصادر بها مرسوم ملكي. مكتب المحاماة محق، حقيقة، في ذلك. وكما رُوِيَ لي، والله أعلم، أن الكثير من الشركات قد استخدمت هذه المادة، وفصلت الكثير من العمال المواطنين. مكتب المحاماة يدعي أن السلاح بيده لأن «ولي الأمر» منحه هذا السلاح بموجب المادة 77 ضمن نظام العمل الذي صدر به مرسوم ملكي. لقد أعددت ردًا على ما ادعاه «مكتب المحاماة» والرد بحوزتي لمن يرغب الاطلاع عليه. السؤال الذي يطرح نفسه هو التعرف علَى مَنْ اقترح هذه المادة 77 وهو وزير عمل؟ ولما سُئلْتُ عنمضامين هذه المادة قلتُ، كما سبق ذكره، أن هذه المادة عمل كارثي ومأساوي ضد التوطين الذي كان يسمى في فترة عهدي «كوزير» «السعودة».

من هو الذي كان ضد توطين المواطن السعودي فاقترح هذه المادة؟ ومن نافلة القول إن أي تشريع يُقترح ليكون «قاعدة» يلزم أن يأخذ هذا التشريع في الاعتبار صلاحيته من حيث التطبيق مع واقع المجتمع، لا أن يكون التشريع متعسفًا بغرض تحقيق مصالح خاصة. وهكذا وصفتُ المادة 77 من نظام العمل بأنها عمل مأساوي وكارثي ضد توطين الوظائف. ومنذ أن أبديت وجهة نظري ثار جدل حول المادة مني ومن غيري. وأنا مسرور أن تعديل هذه المادة الآن يعد مِنْ منجزات مجلس الشورى، المجلس أدخل تعديلات عليها وهذا أمر طيب، وعلى المجلس أن يتصدَّى لأي نظام فيه ثغرات ليست في صالح المواطن. وأنتم تشكرون أيها الإخوة والأخوات الذين يزاولون العمل حالياً كأعضاء وعضوات في مجلس الشورى حينما تتصدون (لمثل هذه السموم) في إطار أنظمتنا القائمة، وكم أتمنى، إن شاء الله، أن تخرجوا برأي مُوحد حيال المصطلحات ذات التصنيف الغريب الذي سبقت الإشارة إليه.

* المُحاور الأستاذ الفايز: شكرًا لك معالي الدكتور محمد، أعتقد إلى الآن أننا تجاوزنا ربما ساعة من الوقت حسب ما هو مقترح، ولكن الدكتور محمد له رأي مهم في دور (شعبة الخبراء بمجلس الوزراء) في ظل غياب مجلس الشورى، تفضل.

الدكتور محمد الملحم: أنا، وكما ذكرتُ في محاضرتي، في ظل عدم وجود مجلس الشورى من عام 1377هـ إلى عام 1412هـ أتذَّكر أنني أخطأت في شيء، وكان الصواب مع «شعبة الخبراء» بمجلس الوزراء. الذي حدث إنه قبل تشكيل وزارة الدكاترة كنتُ، وأنا عميدٌ لكلية التجارة، عضوًا في «مجلس إدارة مؤسسة الخطوط العربية السعودية»، وبقيتُ «كوزير» عضوًا بالمجلس بعد تشكيل الوزارة في 1395هـ. وبموجب نظام الخطوط كان يرأس المجلس وزير الدفاع أو ونائبه عند اللزوم فقط، وكان من ضمن الأعضاء بالمجلس وزراء بالإضافة إلى مدير الطيران المدني ومدير عام المؤسسة. حدث فراغ في نيابة وزارة الدفاع بعدما تخلِّى سمو الأمير تركي بن عبدالعزيز عن عمله كنائب وزير. وفي النظام، وكما سبق ذكره، لا يجتمع مجلس إدارة المؤسسة إلاَّ برئاسة الوزير أو نائبه. وترتب على هذا الفراغ في نيابة وزارة الدفاع أن كانت مشاغل الأمير سلطان بن عبدالعزيز كثيرة، وتعذَّر انعقاد المجلس في ظل انشغال الأمير. سألني سمو الأمير «سلطان» عن الوضع؟ قلت له (وأرجو ان تسمع لهذا الأخت الكريمة د.فاطمة القرني): نُعدل النظام، ونخرج منه كوزراء. في ظل هذه الفترة جرت ترتيبات، وبعد تخلي سمو الأمير تركي بن عبدالعزيز كنائب لوزير الدفاع وكان في مرتبة وزير، أن يرقَّى مدير عام الخطوط السعودية (كامل سندي) في مرتبة مساعدٍ وزير الدفاع لشؤون الطيران، وأن يرقَّى الفريق «عثمان الحميد» في رتبة مساعد الوزير في الشؤون العسكرية. قلت لسمو الأمير سلطان هذا لا يكفي. هؤلاء ليسوا في مستوى نظام الوزراء ونواب الوزراء، ولكنهم في مستوى أصحاب المراتب الممتازة. قال لي: ماذا نعمل؟. قلتُ له لِكي ينعقد المجلس يلزم تعديل نظام مؤسسة الخطوط حتى يتسَّنى للمساعد أن يرأس المجلس عند اللزوم، وقلت لسموه مداعبًا: «أنا» في التعديل سأتأثر عن طيب خاطر فأخرجُ من المجلس ومعي من هم وزراء. وافق سموه على ما ارتأيته، وأمرني باتخاذ اللازم. طلبتُ نظام مؤسسة الخطوط من «كامل عبدالرسول سندي»، وأجريتُ التعديل على النظام بحيث يكون لمساعد الأمير سلطان لشؤون الطيران المدني «كامل سندي» عند اللزوم حق رئاسة المجلس في حالة انشغال وزير الدفاع والطيران.

تم التعديل، واستبعد من المجلس الوزراء الممثلين فيه وكانوا وقتها: وزير التخطيط ووزير المواصلات ووزير المالية، بما فيهم محدثكم، وعلى أن يُمثلهم وكلاء وزاراتهم. أعددتُ مشروع التعديل، سلَّمته طبعًا لسمو الأمير سلطان بحكم اختصاصه «كوزير» ليرفعه لرئاسة مجلس الوزراء. أخذ مشروع التعديل مجراه إلى «اللجنة العامة لمجلس الوزراء»، ومن ثم إلى «مجلس الوزراء» ومن ثم صدر به قرار من المجلس ليُحال إلى الجهة المختصة وقتها وهي «شعبة الخبراء» المعنية بإعداد المرسوم الملكي بالتعديل. وكما سبق أن ذكرتُ في محاضرتي كان يرأس شعبة الخبراء المختصة بإعداد المرسوم الملكي بالتعديل (زميل دربي معالي الدكتور «مطلب بن عبدالله النفيسة). سُرَّ الأمير «سلطان» إن الموضوع مَرَّ على المجلس. بعد فترة هاتفني سمو الأمير «سلطان» بأن موضوع التعديل قد أُعِيدَ إليه. استغرب سموه من الأمر متسائلاً؟ قلتُ لسموه: أعدْ ملف التعديل لي لتفهم الأمر، من ثم سوف أخبر سموكم عما حصل. القصة ببساطة هي أنني أجريتُ التعديل الذي اقترحتُه بموجب نظام مؤسسة الخطوط الذي طلبته من «كامل سندي» فأرسله لي بصفة رسمية على أنه هو النظام المعتمد في المؤسسة. تفهمت المشكلة، وتبين لي أنني اعتمدتُ على نظام طبعته المؤسسة في كتيب، وغيرت في ترتيب فقرات بعض مواده، وترجمته إلى اللغة الانجليزية، ومن ثم وزعته حتى على منظمة «أياتا» التي مقرها في كندا والتي كانت المؤسسة عضوًا فيها. وكما هو معروف أن أي نظام يتكون من مواد، وبعض مواده تتكون من فقرات محددة. المادة الأولى، مثلاً، تتكون من ثلاث فقرات، المادة الثانية تتكون من فقرتين … وهكذا.. وبعد صدور النظام بمرسوم ملكي يُنشر في الجريدة الرسمية، (أم القرى) كما هو. ما حدث هو أن مؤسسة الخطوط قامت بطبع النظام دون مراعاة لترتيب فقرات مواده كما صدر به المرسوم الملكي، ونُشِرَ في جريدة أم القرى، وهنا كان موطن المشكلة أو مصدر الخطأ. تعتمد «شعبة الخبراء» بمجلس الوزراء في إصدار الأنظمة أو تعديلها على ما هو منشور في أم القرى، وبمعنى عند التعديل تتبع «الشعبة» في إصدار المرسوم مواد الأنظمة مادة مادة، وبموجب فقرات كل مادة كما هي منشورة في أم القرى. الشعبة عندها نظام الخطوط العربية السعودية كما صدر في أم القرى وهي على حق. أما أنا فتسلمت نظام الخطوط من «كامل سندي» مرتبة فقراته على هوى المؤسسة باللغتين العربية والإنجليزية. أخبرتسموه عن سبب المشكلة. ومن أنني لست مخطئًا. اعتمدتُ في التعديل على النظام الذي تسلمته من المؤسسة، وبمقتضاه أجريتُ التعديل، فاعترضت عليه «شعبة الخبراء» شكلاً، وهي محقة فيما ارتأته، حيث إن الفقرات التي استندتُ إليها ليست الفقرات نفسها كما هي مُصاغة في النظام المنشور بصحيفة أم القرى. في الحال هيأت التعديل من جديد وفق الفقرات كما هي في النظام المنشور في جريدة «أم القرى». شكرت وقتها «شعبة الخبراء» على حرصها في موضوع شكلي ذي أهمية بالغة في صياغة الأنظمة. وأنا أشكرها الآن أمامكم، مرة أخرى، لأنها توخَّت الدقة في ذلك الوقت. تم التعديل كمقترح، وأخذ دورته إلى «مجلس الوزراء»، ومن إلى «ديوان الرئاسة»، ومن ثم إلى «شعبة الخبراء» لإصدار المرسوم بالتعديل. وكما سبق ذكره نحن طلعنا من مؤسسة الخطوط كوزراء، وجاء الأعضاء الجدد بموجب التعديل في مرتبة وكلاء. هذه ظاهرةٌ تستحق أن تُدَرَّسَ لطلاب القانون في كليات قانون جامعاتنا ليراعوها في صياغة مشاريع الأنظمة (القوانين).. وبعد التعديل بفترة أنشئت لجنة لتعديل «نظام جريدة أم القرى»، وكنت أنا أرأسها وبعضوية معالي الدكتور مطلب النفيسة ومندوب من وزارة المالية. وبعدها توحدت الأمور في «شعبة الخبراء» بمجلس الوزراء لتكون بعد نظام مجلس الوزراء عام 1414هـ لها الصلاحية في خصوص طبع الأنظمة ونشرها.

* المحاور الأستاذ الفايز: شكرًا لكم، وأعذرونا إن أطلنا عليكم، لكن تجربة «أبوعبد العزيز» معالي الدكتور الملحم فيها جزء مهم من تاريخ بلادنا، فبقدر ما نستمع إلى هذه التجربة بقدر ما نشتاق لنتعرف أكثر وأكثر عن هذه التجربة والتجارب المماثلة لرجال الدولة الذين كان لهم الدور في تكوين الدولة الحديثة، ونمو المؤسسات، وأيضًا «أبوعبد العزيز» في تجربته عاصر رجال الدولة (الملك فيصل – الملك خالد – الملك فهد – والأمير نايف الذي كما لاحظتم تَبَنَّى إطلاق كلمة «القانون» لكي يُخفف، ويسهل عملية تدوين الأنظمة التى كانت ضرورية لدولة حديثة ناشئة.

بقية الحلقة الثالثة منشورة ومصورة هن

انتهى.

رابط المقالة في جريدة الجزيرة من جزأين

الجزء الأولالجزء الثاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.