وغرّزت الطائرة!

وجدت في ملفات والدي قصاصة باسم رحلة المتاعب، وفيها طائرة C130 والتي غرزت به وثلة من أصحاب المعالي، عنونها برحلة المتاعب.

رِحْلَةُ المتاعِبِ

شِعْرُ معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم

كانت من عادةِ جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود في الطفرة الأولى مِنْ حكْمه أن تُضرب لَهُ خِيَامًا في مُنتجعَات في أنحاء المملكة للرَّاحة وتفقد أحوال الباديَة. 

وذات مرَّة أقيم له مُخيَّمٌ في منطقة الصَّمان بشمال المملكة حيْث كانت الأجواء المُناخية الجويَّة فيه ذات سُحُبٍ مُمْرِعَة وذات عُشب. وكان برفقة جلالته، كَالعادةِ، سمُّو الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع. وكان بو/عبدالرحمن:  محمد النويصر يتوجه لجلالته بحكم عمله ربَّما يوميًا. وقرَّر ثلة مِنَ الوزراء مُرافقة معالي الشيخ محمد النويصر لزيارة جلالته وَكُنْتُ منْ بينِهم.

استخدَم الرَّبْعُ طائرةً 130 ـــC العسكريَّة للتوجه إلى مقر المخيم. وكان مقر رسو الطائرة في أرض قِيلَ أنَّهَا صَلبَةٌ، وبعيدَةً عن مقرِّ المخيم بِعِدَّة كيلومترات…. 

وعنْد العودة ظُهْرَ اليوم التالِي لم تتمكن عجلات الطائرة مِنَ النُّهوض لأنَّ الأرض بها خَبَبْ وليونة نتيجة الأمطار. 

عدْنا أدراجنا إلى مقر المخيم.. وكان ما كان… وكانت عودتنا إلى الرياض في اليوم التالي عن طريق مطار القيصومة.

ولهذه المناسبة حبَّرت الأبيات التاليَّة. وسلَّمتها لمعالي الشيخ النويصر فوزَّعها في الديوان الملكي على نطاق واسع.   

قِفُوا بُرْهَةً لاَ تَسْأَلُوا أيُّهَا الصَّحْبُفَمَا رِحْلَتِي إِلاَّ المَتَاعِبُ وَالرُّعـْـــــبُ
أُمِرْتُ سِرَاعًا أَنْ أرَافِــــقَ نُخْـــبَةًإلَى البَرِّ حَيْثُ الرَّعْيُ وَالمَوْرِدُ العَذْبُ
عَلَى رَأْسِهِمْ  ابْنُ النُّويَصْرِ قَائِــــدٌ كَرِيـــمُ السَّجَايَا صَــــدْرُهُ دَائِمًا رَحْبُ
وِمِنْ بَيْنِهِم ابْنُ السُّوَيّــِلِ صَامِـــتٌ نَدِيــمٌ . أَنِيـــــسٌ. قَوْلُـهُ كله ذَرْبُ
وَكَانَ خَمِيسًا حَيْثُ طُرْنَا جَمَاعَـــةًإلَى حَيْثُ يَأْوِي قَـــادَةٌ كُلُّهُـــُم نُجْـــبُ

أَبَا بَنْدَر ٍ. الخَــــيْرُ حَوْلَكَ كُلُّــــــــهُرَبِيعٌ جَمِيلٌ لاَ يَجُـــــــفُّ لَهً شِعْبُ
طُيُورُ الحَبَارَى حَوْلَهُ طَابَ عَيْشُهَاطُيُوًرالحَبَارَى لاَ يُخَوِّفُـــــهَا خَطْـــبُ
سَعِدْنَــا جَمِيـــعُا فِي رِحَابـِـــكَ كُلُّنَالَنَا ذَالِكَ المَرْعـَــى وَمَرْتـَـعُهُ الخِصْبُ

وَفِي الفَجْرِ كُلُّ الصَّحْبِ خَفَّ لِرَجْعَةٍ إلَى حَيْثُ جَاؤُا دُونَمَا يُعـْــرَفُ الدَّرْبُ
إِلَى الطَّائرِ المَيْمُونِ قاَلَ  “عُزَيِّزٌ” تَعَالـُــو جَمِيعًا يَا رِجَــــالُ وَلاَ غُلْـــبُ
وَمَا هُوَ إلاَّ نَادِرٌ  وَعَجَائِبٌ لَهُ أصْغَتِ الآذَانُ وَاسْتَأْنَسَ القَلْــــبُ
يُقَلِّــــدُ هَــــذَا ثُـــــمَّ ذَاَك بِسُرْعَـــةٍ وَيَا وَيْحَ قَلْبي . إِنَّـــهُ مُضْحِكٌ عَــذْبُ
وَلَمَّا رَكِبْنَا طَائِــــــرَ الجَــــــوَّ كُلُّنَاعَلِمْــــنَا بِأَنَّ الطَّيْرَ مَرْكَـــبُهُ صَعـْــبُ

وَفِي الظُّهْرِ عُدْنَــــا  لِلْمُخَيَّمِ زُمْـرَةً جِيَاعًــا . عِطَاشًـــا . كُلُّنَا جَـــــــــدْبُ

وَبِاللَّيْلِ سُلْطَانٌ دَعَانَـــــا لِأَكْلَــــــةٍ هُوَ الخَيْرُ دَوْمًا مَا يَجِفُّ لَهُ غَــــــرْبُ
وَلَكِنَّهُ ابـْـــنُ السُّويِّــلِ دَائِـــــمًا عَيُوفٌ . كَسُولٌ. لاَ يَحُـــبُّ. وَلاَ يَصْبُو

قِفُوا بُرْهَةً لاَ تَسْأَلُوا أَيُّهَا الصَّحْــبُفَمَا رِحْلَتِي إِلاَّ المَتَاعِـــبُ وَالرُّعْــــبُ
زُكَــامٌ . وَآلاَمٌ. وَبـَــرْدٌ. وَكَحـَّــــــةٌحَبِيسُ فِرَاشِــي . لاَ يَــرُقُّ لَهُ قَلْـــــبُ

توثيق سجال “تكريم بالإكراه” بين د. الملحم وبين المجتمع

في حفل أقامه النادي الأدبي بتاريخ 2014، أمر القائمون عليه بتكريم معالي د. محمد الملحم الذي لم يحضر الحفل، ودار هذا السجال لاحقا في وسائل الإعلام نتعلم من خلاله أدبا وفقها وردا وإلجاما. ولوضع الموضوع في سياقه، نُشر عن معالي د. الملحم خبرا سابقا مفاده التالي”

 د. الملحم: تمنيت أن أحظى بتكريم الأمير سعود

وما أن انتشر خبر تكريمه، نشر معالي د. الملحم قصة ورواية ما خلف كواليس الحفل مما فجر التساؤلات التي نتج عنها مكاشفة لواقع النادي الأدبي، يستمتع بها من أحب الأدب والفقه وجمال التعبير والوصف بالعنوان “تكريم بالإكراه”!

تكريم بالإكراه في نادي الأحساء الأدبي

وقام بعد ذلك مدير النادي الأدبي في الأحساء بالرد في غضون أيام برد أتى فيه بعجائب كان الأولى الستر عليها:

د. الشهري: هدفنا سلامة النوايا والمصلحة العليا وجهتنا

ودخل في سلك السجال المستشار السويلم ليلقي الضوء على المساجلة ووصفها بالقطعة الأدبية، نتمنى أن تعجبكم!

يصفها ب “القطعة الأدبية” – تعليق المستشار “السويلم”: في الأحساء .. التكريم بالإكراه ..!!

لا أدري ما السر في عدم نشرها المقالة الأخيرة في جريدة اليوم حيث وقعت المساجلة الأولى!

تكريم بالإكراه في نادي الأحساء الأدبي

د. الملحم: تكريم بالإكراه في نادي الأحساء الأدبي
الكاتب: اليوم – الدمام
الناشر: جريدوة اليوم – العدد 14980
تاريخ النشر: 20 يونيو 2014
رابط المقال في جريدة اليوم
اليوم-الدمام

هاتفني الأخ الكريم الدكتور ظافر بن عبدالله الشهري، رئيس نادي الأحساء الأدبي، وأنا في الرياض في 24 جمادى الأولى قائلا لي: إن مجلس إدارة النادي يرغب تكريمكم في حفل «مهرجان جواثى الرابع»، وإن صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية، قد سر لذلك وبارك هذا التكريم.

هذا ما بلّغني به الأخ ظافر

تم هذا الترتيب دون علمي أو دون التنسيق معي، وفي اليوم التالي وصلتني دعوة من رئيس النادي عن طريق بريد النادي الإلكتروني بتاريخ 25 جمادى الاولى 1435هـ.

قبلت الدعوة لورود اسم سمو أمير المنطقة بها، ولمباركة سموه لها، هذا مع العلم أنه لم تسبق لي معرفة بالداعي، ولم أجتمع به إطلاقا، ناهيك أنني لا معرفة لي بملابسات الدعوة، ولا عمن وراءها، ولا بالمهرجان، ولا تفاصيله، وبالإضافة إلى ذلك، فأنا لم يسبق لي حضور أية مناسبة لهذا «النادي» إطلاقا.

أما “النادي” فلدي علم عن أخباره من أصدقاء لي بمحافظة الأحساء، منذ تأسيسية في عام 1428هــ وحتى تاريخه.

أرسلت للداعي بتاريخ 27 جمادى الأولى 1435هـ على بريد النادي الإلكتروني رسالة بقبول الدعوة، وطلبت من الداعي أن ينقل تحياتي للأخوة والأخوات أعضاء “مجلس إدارة النادي”، وبالمناسبة لم تسبق لي معرفة بأعضاء المجلس، ولكن بعد الاستفسار عن أسمائهم (بعد إقامة الحفل بيوم)، وجدت أنني التقيت بواحد من الأعضاء هو: الأستاذ الأديب «محمد طاهر حسين الجلواح» في إحدى المناسبات، و”ربما” لم يكن الأستاذ “الجلواح” وقتها عضوا “بمجلس إدارة النادي”، وليطمئن قلبي، ولكي أكون على بصيرة عن هذا الحفل ومضامينه، أضفت العبارة التالية في قبولي لدعوة الداعي نصها كالتالي: (وسوف ألتقي بكم، إن شاء الله، خلال الأيام القليلة القادمة)، وكان غرضي من ذلك هو: (1) التعرف على رئيس النادي شخصيا لعدم معرفتي به، (2) لكي أكون على معرفةٍ تامة بحفل المهرجان، وبأسماء المكرمين فيه، (3) لأن للتكريم أصول متعارف عليها، (4) لأن عندي بعض الأمور التي ربما تهم رئيس النادي نفسه عن “النادي” الذي يرأسه، وأوراق أخرى متعلقة بمركز مماثل تقريبا لما يقوم به “النادي الأدبي” من مهام أحببت أن أطلعه عليها، وهو “المركز الثقافي الأحسائي” المقام بمقر مدرسة الأحساء الابتدائية، وهي المدرسة التي وسمتُها بأنها كانت “أشبه بالجامعة” و”المركز الثقافي الأحسائي” لم يُفعل نشاطه بعد، وهو المركز الثقافي الذي يعود الفضل في إنشائه لصاحب السمو الملكي الأمير “سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز” رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار ورئيس مؤسسة التراث، تم كل ما ذكرته من ترتيبات وأنا في الرياض.

وفي الرياض هاتفت رئيس النادي وأخبرته أنني أرغب أن التقي به قبل موعد حفل المهرجان لأهميته عندي، ولأن راعي الحفل داعم رئيس لمثل هذا المهرجان، ويسارع، سموه كعادته، إلى تكريم أهل العلم فيه، كما أن الحفل سيحضرهُ وزير تربطني به علاقة زمالة منذ أن كنا أعضاء هيئة تدريس بجامعة الملك سعود في التسعينيات من القرن الهجري الماضي.

وفي مساء الخميس الموافق 3 جمادى الآخرة 1435هـ (وقبل موعد الحفل بخمسة أيام)، اتفقت مع رئيس النادي (بواسطة شخص عزيز عندي هو الدكتور “نبيل المحيش” أستاذ الأدب المساعد بجامعة الإمام) أن التقي به (أي رئيس النادي) في منزلي بمحافظة الإحساء مساء السبت الموافق 5 جمادى الآخرة، وأكدت لرئيس النادي هاتفيا في اليوم السابق على الموعد وهو يوم الجمعة عن أن موعد اللقاء ثابت، وأخبرته في مهاتفه يوم الجمعة أنني سوف أطلعه على أمور في ملف عندي عند اللقاء به، قد تهمه باعتباره رئيسا للنادي مع استعدادي بدعمه شخصيا، وطلبت منه أن يُحضِر معه بعض الأوراق المتعلقة بالمهرجان للتعرف على هوية المهرجان ومضامينه فوافق. وفي الموعد المتفق عليه (مساء السبت) أخلف رئيس النادي الموعد، ولم يحضر، والأدهى والأمر أنه بلغ “الطرف الثالث الوسيط” عدم رغبته للحضور بمنزلي، ولم يتفضل حفظه الله، أو يكلف نفسه، مشقة مهاتفتي شخصيا ليعتذر لي مباشرة، هذا مع العلم أن عنده رقم تلفوني.

علمت من الأخ الدكتور “نبيل” الطرف الوسيط عن طريق الهاتف بعدم رغبة رئيس النادي في الحضور !! والأخ “نبيل” هو الذي سيصحبه للحضور للمنزل لو وفّى بوعده.

استغربت من هذا التصرف !!

وتساءلت: كيف أحضر تكريما شخصيا لي في “بيت” لا أعرف “ربه” معرفة شخصية؟!! ولأن موعد الحفل قد أَزف (وإن كان قد بقي على موعده ثلاثة أيام تقريبا) قلت لنفسي : لاتَ حينَ مناص.

وفي الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم الأحد الموافق 6 جمادى الآخرة، بعثت لرئيس النادي رسالة على بريد النادي الإلكتروني -مرتين- اعتذرت فيها، وعلى مضض، عن الحضور أي قبل موعد الحفل بيومين، وبعد إقامة الحفل في الساعة السابعة والنصف من مساء الثلاثاء 8 جمادى الآخرة، فوجئت وأنا اتمشى في كورنيش مدينة الدمام الجميل قبل منتصف الليل بنصف ساعة تقريبا على بريدي الإلكتروني من شخص أعزة بصورة “الدرع” المعد لي في الحفل، والمقدم فيه بعد المناداة باسمي، وتحت صورة “الدرع” المرسل لي بالبريد تعليق لطيف رقيق رامز من المرسل هو: شكلك لم تحضر!!، أجبت المرسل في الحال: عدم حضوري وراؤه لغز!!.

والسؤال الذي يطرح نفسه عندي وقتها هو أن الأمر أصبح في العلن، لما ثبت عندي ممن حضر الحفل أن اسمي أُقحم في برنامج الحفل، ونودي باسمي الشخصي الرسمي علنا كأول المكرمين أمام الحضور في الحفل، وهناك من الحضور، كما علمت فيما بعد، من تساءل عن سبب عدم حضوري.

ولأن الأمر لم يصبح بعد ذلك خاصا جدا، أو ذا خصوصية خاصة بيني وبين رئيس النادي رأيت اتخاذ «ما ليس منه بد كضرورة ملحة»، وهو الكشف عن سر اللغز لمن تفضل فأرسل صورة “الدرع” عن طريق بريدي الإلكتروني لي، وكتب تحتها شكلك لم تحضر!! وتساءلت وقتها : هل هكذا يا سعد تورد الإبل؟!!

وهو تساؤل يرمز “لعتاب” لرئيس “نادي أدبي” يمثل من موقعه الرسمي فيه كافة الإخوة: مثقفي وأدباء محافظة الإحساء، ناهيك عن كافة الأخوات: مثقفات وأديبات المحافظة.

والله المستعان.

 د. الملحم: رصدت الدولة جزءاً كبيراً من مواردها المالية للتعليم العام 

ألقى الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم، وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق كلمة أمام وزير التربية التعليم الأمير خالد الفيصل مساء أمس الأول في الاحتفالية التي اقامتها الأسرة التعليمية بالشرقية لوزير التربية و التعليم.

الجسر الثقافي نقل الكلمة التي جاءت كما يلي:ايها الاخوة: سوف اتناول في كلمتي هذه وباختصار، موضوعين: الأول ويتعلق بمدرسة سميتها “كانت اشبه بالجامعة” في “محافظة الأحساء”، والموضوع الثاني له علاقة مباشرة ببعض المهام المناطة، بالمحتفى به في هذا الحفل البهيج.ولأبدأ بالموضوع الاول، وهو عن “مدرسة الهفوف الابتدائية الاميرية” التي تأسست بمدينة الهفوف في عام 1350هـ وذلك قبل الاعلان الرسمي عن تأسيس “المملكة العربية السعودية بسنة” أي في عام 1351هـ، هذه المدرسة وئدت بعد تأسيسها في مهدها بفعل البعض من اهالي الاحساء الذين لم يحبذوا التعليم الحديث آنذاك، بل حاربوه! وأعيد تأسيس المدرسة في عام 1355هـ، ومن ثم تم تدشينها في عام 1360هـ، وفي 14 جمادى الاولى 1366هـ التحقت بالمدرسة ورقم قيدي في سجلاتها هو “803” وبعدها بخمسة شهور أي في العاشر من شهر شوال/1366هـ التحق بالمدرسة الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، ورقم قيد سموه بسجلاتها هو “817”.تخرج من المدرسة رجال رواد كان لهم الفضل في نشر التعليم في شرق المملكة ومناطق اخرى بالمملكة خلال عقود من الزمن، ومرت المدرسة بظروف كانت فيها خاوية على عروشها، وكادت المدرسة ان تختطف عن طريق منحها ربما ليقام عليها مركز تجاري، ولأنني رضعت العلم الاولي في ربوعها كانت هي هاجسي الاول خلال عقود من الزمن، وكانت المدرسة بمخيلتي محفورة، وكنت امر عليها بين الحين والآخر كي اتشمم عبير الذكريات فيها، وكيف لا؟ والمدرسة بالنسبة لي “مشهد ملذات، وموطن ذكريات، ومسارح افكار، ومصدر اشعاع، ومنتدى سمار، كنت اردد ابياتا من الشعر حينما ادور حول مبناها المهجور بوسط مدينة الهفوف التاريخية، ومن الابيات:ولي وطن آليت الا ابيعه وألا ارى غيري له الدهر مالكاعهدت به شرخ الشباب ونعمة كنعمة قوم اصبحوا في ظلالكاوحبب اوطان الرجال اليهم مآرب قضاها الشباب هنالكااذا ذكروا اوطانهم ذكرتهم عهود الصبا فيها فحنوا لذالكاوكنت اردد كذلك بيتين هما:ديار خلت من اهلها وتوحشت فليس بها مرعى لعين ولا خصبعلاها البلى حتى تعفت رسومها وانكرها طرفي فأثبتها قلبي وبالفعل اثبت قلبي مدرستي حيث شرعت بعد تغيير الوزارة التي كنت عضوا بها في عام 1416هـ محاولا تخليد ذكرى هذه المدرسة، وتم ذلك في كتاب ضخم موثق سميته “كانت اشبه بالجامعة: قصة التعليم في مقاطعة الاحساء في عهد الملك عبدالعزيز” وصدر الكتاب بمناسبة احتفال المئوية في 5/شوال/1419هـ وبدون توقع مني حقيقة، بل كان كالمفاجأة، تسلمت رسالة في عام 1421هـ من احد طلبتي بكلية التجارة- جامعة الملك سعود حينما كنت عميدا فيها، افادني هذا الطالب في رسالته انه قد قرأ كتاب “كانت اشبه بالجامعة” وانه سيتخذ من الاجراءات ما من شأنه العناية بالمدرسة ما دام “جدُه” المؤسس- يرحمه الله- هو الذي امر بافتتاح المدرسة المعنية في كتابي، والطالب هو الأمير “سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود” وكان وقتها قد انشأ “مؤسسة التراث” وترأسها بعد عودته من رحلة الفضاء.وشرع الأمير في تبني ما ارتآه، ونفذت “مؤسسة التراث” توجيهات سموه، وبدعم مالي منها ودعم من بعض خريجي المدرسة من الرعيل الاول بمن فيهم محدثكم تم ترميم المدرسة، وبالفعل دبت الحياة في “مدرسة الاحساء الابتدائية الأميرية” بعدما كانت جثة هامدة! ولما اعلمه من رعاية الأمير “سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز” للمدرسة باعتباره رئيسا لمؤسسة التراث وهو الآن الى جانب رئاسته لمؤسسة التراث، الرئيس العام للهيئة العامة للسياحة والآثار فقد بعثت لي برسالة برقم 1153 وتاريخ 9/صفر/1431هـ حدثني فيها عن وضع المدرسة بعد نقلها الى ممتلكات الهيئة العامة للسياحة والآثار، وكشف لي في رسالته عن هوية المدرسة “كمعلم حضاري” في “محافظة الاحساء” وضمن الرسالة اعتراف الهيئة العامة للسياحة والآثار بأن المدرسة “احد المعالم التاريخية” في “المملكة العربية السعودية” وبالفعل اعتبرت المدرسة من مرافق الهيئة العامة للسياحة والآثار في “محافظة الاحساء” ومن المرافق التي تزار الآن بالمحافظة، وهي مفتوحة لكل زائر للمحافظة، ناهيك عن طلابها وطالباتها، وبالمدرسة انشأ سموه مركزا ثقافيا، سماه “المركز الثقافي الاحسائي” بل واكثر من ذلك ففي حفل بهيج اقيم في ساحة المدرسة في 27/محرم/1434هـ حضره الأمير جلوي بن مساعد بن عبدالعزيز آل جلوي آل سعود نائب أمير المنطقة الشرقية، ومحافظ الاحساء الأمير بدر بن محمد بن عبدالله آل جلوي آل سعود، ولفيف من الرعيل الاول من طلبة المدرسة، وفي الحفل البهيج دشن الأمير سلطان باعتباره رئيسا للهيئة العامة للسياحة والآثار “بيت الثقافة” في المدرسة، واعلن كذلك أن جامعة الملك فيصل ستتبنى “النشاط الثقافي” في “بيت الثقافة” وبالاضافة الى جامعة الملك فيصل فالمساعي تتواصل الآن الى أن يكون “بيت الثقافة” في “مدرسة الاحساء الابتدائية الاميرية” هو المظلة الكبرى “لنادي الاحساء الادبي” وفرع “جمعية الثقافة والفنون” وذلك بعد التفاهم الذي سيتم مع وزارة الاعلام والثقافة التي تعتبر مسؤولة عن “النادي” و”فرع الجمعية”.وباعتبار ان تأسيس مدرسة للتعليم الحديث ظاهرة غير مألوفة آنذاك في “مقاطعة الاحساء”، فبعد ان تأسست المدرسة، وجدت ادارتها ان تأهيل المدرسين فيها لاستيعاب مناهجها من اهم الاولويات لديها، وتم ذلك في تأسيس مدرسة داخل المدرسة التي كانت “اشبه بالجامعة” وسميت “بمدرسة المعلمين” وكان الغرض من هذه المدرسة اعداد وتدريب وتأهيل المدرسين على طرق التربية والتدريس.وانطلاقا من الغرض الحيوي الذي أُسست من اجله “مدرسة المعلمين” بمدرسة الاحساء الابتدائية التاريخية سوف اتناول الموضوع الثاني مما له علاقة ببعض مهام المحتفى به في هذا الحفل البهيج، وهو الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز آل سعود وزير التربية والتعليم.ما احوجنا هذه الايام، الى انشاء مدارس للمعلمين لتأهيلهم ومدارس للمعلمات لتأهيلهن ليكونوا جميعا معلمين ومعلمات على مستوى مناهج التعليم المطورة الحالية، ولو تم تأهيل المعلمين والمعلمات وفق اسس علمية سليمة على المناهج المطورة لما استدعت الحاجة الى امتحانات اخرى تسمى “امتحانات الجدارة”، و”امتحانات القياس” لخريجي المرحلة الثانوية.المناهج المطورة برامج رائعة، ولكن المصطحات المستخدمة فيها، التي اطلعت على البعض منها شخصيا، تحتاج الى قواميس لغة لفك رموزها الرئيسة والفرعية حتى تستوعب مضامين موضوعاتها من قبل المكلفين والمكلفات بتدريسها لطلابنا وطالباتنا في مراحل التعليم العام الثلاث؟وهناك عدم ارتياح عند من كلفوا وكلفن من معلمين ومعلمات بتدريس هذه المناهج ممن التقيت بهم وبهن في مناسبات، وربما لدى سموكم علم بذلك او طرف منه، ربما!سمو الأمير: رصدت الدولة جزءا كبيرا من مواردها المالية للتعليم العام، وأنتم الآن في قمة هرمه، وأنتم الرجل المناسب في المكان المناسب ولماذا لا؟ “وأنتم أمراء الفكر العربي في الوطن العربي”، وإني أتمنى على سموكم ان يستفاد مما تجمع لديكم من خبرات في مؤسستكم التي من مهامها، كما ذكر في وثيقة تأسيسها، العناية “بمختلف سبل المعرفة من علوم وطب واقتصاد وادارة واعلام وآداب” اقول ان يستفاد من تجربتكم في سبيل ترويض مناهج التعليم المطورة في بلادنا وذلك لتتلاءم وتتوافق مع مدارك المعلمين والمعلمات وذلك كي يتخرج على ايديهم وأيديهن “بنين” متمكنين و”بنات” متمكنات في العلم والمعرفة.وبخصوص مناهجنا التي ما زلت اتحدث عنها، ولانني اعتبر ان هذه فرصة بالنسبة لي فهناك ثلاثة ثوابت لا يمكن المساس بها في المناهج: الاولى العقيدة، والثانية، الهوية الوطنية، والثالثة اللغة العربية لغة القرآن الكريم، وما عداها، فأرى ان يترك للمعلمين والمعلمات القائمين والقائمات على تطبيق المناهج المطورة الحرية المطلقة في قاعات الدرس مع طلابهم وطالباتهن.ووجهت لي ذات مرة جريدة “الجزيرة” اسئلة منها السؤال التالي:”هل طلابنا على مستوى تحديات الالفية الثالثة؟” وكان مؤدى اجابتي انهم على مستوى التحديات لو اخذ في الاعتبار غربلة المناهج الحالية بغرض اخراج العقل العربي المسلم من القمقم ليرى النور من جديد، وجعل هذه المناهج تنطلق من فلسفة تعويد الطلاب منذ الصغر على طرح السؤال، وحث الطلاب في جميع مراحل الدراسة على طرح السؤال، وحثهم على طرح الاجابة، اية اجابة في اجواء علمية تسخر فيها الادوات اللازمة الحاثة على طرح السؤال بدون خوف او رهبة.وأختم بأنني مطمئن، سمو الأمير، بأنه ستكون لكم- ان شاء الله- بصمات تاريخية في مسيرة التعليم العام..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اطبع المقالةالتعليقات   تعليق : عبدالوهاب الفايز     البريد : لايوجد التاريخ : 07/04/1435
خالد الفيصل.. رؤية في التعليم

في أمسية زاهدة في التكاليف كبيرة في المعاني، احتفى مدير التعليم بالمنطقة الشرقية وزملاؤه بالأمير خالد الفيصل وزير التربية والتعليم. الأمير خالد أينما يكون يكبر المكان معه، شارك في العرضة السعودية، هذه العرضة التي تحولت من رقصة للحرب إلى رمز للسلام، استمع إلى رسالة حب وتقدير من معلمه علي اليمني في المدرسة الأميرية في الهفوف، وكان التاريخ حاضرا بكل معانيه وأبعاده.
استمع الأمير والحضور إلى قصة المدرسة الأميرية من زميله حينئذ الدكتور الكبير النبيل رجل الدولة محمد الملحم، وكانت كلمة تداخلت فيها رصانة استاذ القانون المخضرم مع روح الأرض، كلمة حملت صورة للمسافات الحضارية التي مضى فيها التعليم في الأحساء، من مدرسة واحدة تصارع لأجل البقاء وتقف التحديات أمامها، إلى مدينة عامرة بجامعة كبيرة عريقة متميزة، وعامرة بمراكز الأبحاث، ومئات المدارس والمعاهد، مدينة تولّد الموارد البشرية لحقول الصناعة والزراعة، ومدينة يسجل أبناؤها التفوق والتميز العلمي والعملي كل يوم.والأكبر في المناسبة هي الكلمة الهامة والتي تضمنت رؤية وتصور وموقف الأمير من العديد من الأمور الحيوية على الصعيدين الوطني والعالمي، وأبحرت في الشأن الفكري والحضاري، واستعادت التاريخ الاسلامي عندما كانت (العولمة إسلامية).في الكلمة تحدث عن زملائه في وزارة التربية كما يليق برجل كبير نبيل قائلا: « ولا اقول إنني أتيت لاطور التعليم، ولكنني أتيت لأساعد زملائي الذين سبقوني في تطوير التعليم، لأكون شريكا معهم في هذه المرحلة التطويرية». إنها رسالة قائد واثق بالنفس يبعثها إلى جميع العاملين في التعليم، لا تأتي إلا من قلب قائد أصيل، رسالة تأليف للقلوب واستنهاض للهمم، لا تهديد ولا تخويف، وهذه الروح الجامعة هي روح جده الملك المؤسس الكبير عبد العزيز -رحمه الله- الذي جمع القلوب و(أصلح المضغة) قبل اعتبارات السياسة والجغرافيا، وجمع المدن المتحاربة، جمع الناس على كلمة سواء، ووزارة التربية هي حاضن الفكرة الوطنية، والعاملون فيها أمامهم مسؤوليات كبيرة. حدث الحاضرين عن مسيرته العلمية، بدأ طالبا وهو الآن يعود مديرا لمدرسة، في كلماته: «وهكذا أيها الاخوة.. تجدون أن رحلتي بدأت من المدرسة وانتهت إلى المدرسة، فأنا مدين للمدرسة أينما كانت، ومدين للتعليم، لأنني أؤمن ايمانا تاما بأن المعرفة هي الطريق إلى الرقي والتقدم في هذا العالم، ودلالة ذلك تبني المملكة العربية السعودية لاستراتيجية التحول إلى مجتمع المعرفة، الذي يبدأ مطلع العام المالي القادم، وهو أول عام للخطة العشرية للمملكة. وليس غريبا أن تتخذ المملكة هذه الخطوة في هذا الزمان وفي هذا العام، فلقد قطعت المملكة، انسانا ومكانا، شوطا كبيرا في طريق المعرفة، حيث انتقلت من مجتمع أمي بسيط إلى هذا المجتمع الذي أصبح لا ينافس الدول النامية، بل تخطاها إلى الدول المتقدمة بشبابه وفتياته، في منافساته الدولية، ويحصد الجوائز العلمية والرياضية في كل ناحية من نواحي العالم.»وتحدث عن قناعاته وثقته ببلادنا، يقول: «فهذا هو الوقت الذي نبدأ فيه المرحلة الحضارية العظيمة، والإنسان السعودي العظيم الذي يقول للعالم أجمع في هذا اليوم.. نعم: الإنسان السعودي قادم لا محالة ليحتل محله المستحق بين شعوب العالم المتقدمة. لقد طرحت قبل سنوات شعار «نحو العالم الأول» ولقد سخر مني البعض عندما ذكرت العالم الأول، ولكن هذا أنتم اليوم، ولقد تبنت دولتكم هذا التحول إلى العالم الأول كاستراتيجية من استراتيجيات المملكة العربية السعودية.»وقال أيضا: «لا استطيع أن أتحدث بالتفصيل عن هذا الموضوع، ولكن الأيام والأسابيع والأشهر القادمة ستثبت لكم جميعا بالفعل مرحلة جديدة من التعليم في المملكة العربية السعودية، وأنا أقصد التعليم العام الذي هو من مسؤوليات زملائي وأنا معهم بوزارة التربية والتعليم.»لقد كانت كلمة، لا نقول تاريخية، ولكن هي تستشرف مستقبل بلادنا، والأمير خالد يعتز بالنجاح الذي حققته بلادنا، « في هذا العهد الزاهر عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك الابداع والتطوير والابتكار، والذي سابق عصره في تحقيق الأحلام التي كانت تداعب أبناء شعبه، وهم اليوم يعملون في طريق تحقيقها.»

——————————-

الناشر: جريدة اليوم

– العدد:تاريخ النشر: 1 مايو 2014

الرابط للمصدر

وفي الفقيد أبي مازن : من أعزي؟

هل اعزي أدباء محافظة الاحساء ومثقفيها؟هل اعزي من بقي على قيد الحياة من رعيله؟ هل أعزي أسرة آل مبارك في رحيل عميدها؟ هل اعزي استاذي ورفيق الدرب الدكتور عبدالله بن علي آل مبارك؟ هل اعزي الصديق مازن واخوته واخته في وفاة والدهم؟

بعد نجاحي في مدرسة الهفوف الابتدائية في عام 1371هـ سمعت من بعض لداتي او بعض اساتذتي في المدرسة عن خبر مؤداه من أن شابا من أسرة «آل مبارك» لم يذكر لي اسمه آنذاك قد تخرج في «جامعة الازهر» في المملكة المصرية، وانه يعد ، حسب علمي آنذاك، اول خريج جامعي من بلدة «هجر».سررت للخبر. واشتاقت نفسي لمقابلة ذلك الخريج لعلي اقتفي اثره، ولم اره. وعلمت وقتها كذلك، وانا خريج مدرسة ابتدائية حاصل على الشهادة فيها، ان هذا الخريج الجامعي يطمح، لو سنحت له الفرصة، ان يؤدي خدمة لبلدته في حقل التربية والتعليم.لم تتحقق امنيته لظروف علمت عنها وقتها، فخسرته بلدة «هجر» وشاءت ارادة الله سبحانه وتعالى ان تحتضنه بلدة «جدة» معينا بها معتمدا للتعليم. ولا يداخلني الشك من انه لو ظل في «الاحساء» لتخرج على يديه رجال، بل ولاثراها، مع مرور الزمن، بعلمه وادبه.وظل الحنين الى «هجر» ان لم يكن على الاصح الى اهلها هاجس اول خريج جامعي من ابنائها حيثما حل او ارتحل، وكأن مقولة «وما حب الديار..» ماثلة امام عينيه.ولم التق بهذا الشاب الجامعي منذ عام 1371هـ والى حين، وان كنت على صلة وثيقة برموز اسرته:منهم من كان رفيق دربي،ومنهم من علمني،ومنهم من كان يكبرني سنا فكان بمثابة الاب المربي.

غيبت السنون «ابا مازن» عني في مشوار حياة حافلة كرسها لخدمة وطنه،خارج الديار في سفارة متنقلة هنا وهناك ممثلا للمملكة. وان كنت خلال تلك السنين اسمع نتفا من الاخبار عن مشوار الحياة تلك.وخلال تلك السنين، كانت بلدة «هجر» امام ناظري «ابي مازن». كانت في مخيلته حتى وهو في الغربة. كانت «هجر» عروسه في حله وترحاله يشدو بها، ويتحدث عنها، كما ذكر لي من التقى به لدرجة ان كان الحنين اليها على اشده عنده حيثما ألقت به عصا الترحال او استقر به المقام.كان شغله الشاغل ان يخدم مسقط رأسه واهلها. ولقد تحقق له ذلك بعدما تقدمت به السنون.

ومن حسن الصدف انني التقيت به في منزل احد اقاربي وهو «محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله آل ملحم» الموظف بوزارة المالية والاقتصاد الوطني ـ يرحمه الله ـ بالرياض بعد ان عينت وزيرا في حكومة جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز ـ يرحمه الله ـ فاذا هو (أي ابو مازن) في حالة سرور، وقد غمرني بعاطر ثنائه مشفوعا بما كان لديه من تجارب كان محور الحديث في ذلك اللقاء.وبعد مشاق التنقل في سفارة في بلدان عربية وغير عربية استقر به المقام في وزارة الخارجية رئيسا للدائرة الاسلامية فيها.وفي مدينة «الطائف» حيث اعتادت الحكومة ان تمضي شهور الصيف فيها توطدت علاقتي بأول خريج جامعي من بلدة هجر.كنا نلتقي في ليالي رمضان المبارك وحتى وقت السحور، وكان بمعيتنا احد اقاربي وهو «عبدالعزيز بن عبدالله العلي الملحم» يرحمه الله الذي كان يعمل آنذاك في المراسم الملكية.تكررت اللقاءات. وكانت لقاءات ذات وهج وبهجة لا نحس بالوقت فيها حتى الهزيع الاخير من الليل.

كان «ابو مازن» ذا ذاكرة تختزن من العلوم العربية وآدابها ما يمكن ان اشبهها «بكلية آداب متنقلة».كنت أغبطه على ما اكتسى به من خلق وادب وعلم، وكنت اتحدث معه، بل واجادله، وكان المنطق يسعفه، ناهيك عما بذاكرته من الحكم والامثال، وكم كنت اتمنى لو تم تسجيل ما كان يدور بيننا من احاديث.وكان «ابو مازن» خلال تلك اللقاءات ذا ادب جم، وتواضع.وكان يستمع، وكان يعترض، وكان ذا سيطرة على لغة الضاد حينما يتحدث، ملما بمداخلها ومخارجها.وكان الشأن العام واعني به «الشأن العربي الاسلامي» ملازما له حينما يتحدث، ولا يمكن ان يلام في ذلك لان ذلك الشأن كان محور عمله حينما كان في سفارة متنقلة هنا وهناك، وحتى بعدما استقر به المقام في وزارة الخارجية يدير دفة دائرة الشؤون الاسلامية فيها.

وبعد ترجله من عمله عاد الى مسقط رأسه ليحقق ما كان يطمح اليه بعد تخرجه في الجامعة في عام 1371هـ، وكان طموحه ان ينخرط كالجندي في حقل التربية والتعليم. ولكن فات الاوان. وبحكم السن لم يتمكن من تنفيذ ما كان يطمح اليه لمزاولة أي عمل نمطي في حقل التربية والتعليم ما عدا محاضرات كان يلقيها استاذا غير متفرغ بجامعة الملك فيصل، وان كان قد حقق ما كان يطمح اليه في مهمة اكبر وذلك حينما افتتح ناديا ادبيا في منزله مساء كل احد، وبامكانياته الذاتية المتاحة، وذلك في وقت كانت «هجر» تفتقر فيه الى ناد ادبي عام، فكان نادي «ابي مازن» مغنى قلوب، ومأوى افئدة، ومسرح افكار ومنتدى سمار. وكان الحراك الثقافي ديدن النادي المنزلي مما جعله يكتسب سمعة وشهرة في فترة قياسية.وتحدث الكثير ممن ارتاد نادي «ابي مازن» لدرجة اعتباره فاكهة ناديه، وعازف نايه بما كان ينثره فيه مما في جعبته من فرائد الادب وغرائبه.وبسبب عوامل ثلاث كانت لذلك النادي تلك الشهرة التي تجاوزت حدود «محافظة الاحساء». واول هذه العوامل ان «ابا مازن» افتتح ناديه في واحة الاحساء الغنية بمغانيها، ومفاتن نخيلها السامقة، ومباهج الطبيعة فيها، ناهيك عما كانت تحتضنه الواحة من مخزون ادبي. وثاني هذه العوامل انه فتح هذا النادي المنزلي وسط مجلس لاسرته، وهو مجلس شبه يومي اعتادت اسرته على فتحه منذ حين وكان ذلك المجلس بمثابة الميدان الواسع الفسيح الذي تمكن فيه «ابو مازن» ان يجعل ناديه الخاص يجول فيه ويصول. اما العامل الثالث فهو استقطاب النادي للكثير ممن ادركتهم حرفة الادب الذين وجدوا في نادي «ابي مازن» املهم الوحيد. والذين ادركتهم حرفة الادب كثر في «محافظة الاحساء» وما جاورها، يستوي في ذلك من هم بمؤسسات التعليم العام والعالي، او من هم قد تقاعد عنها، او من هم خريجو دور وعظ او ائمة مساجد.

كان «ابو مازن» رزين الحصاة، زكنا، أريبا، سريع البديهة، مرح المحيا، ومحبا للمداعبة، ولا انسى موقفا طريفا له في مأدبة عشاء اقيمت في منزل اسرته على شرف صاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية حينما علق، وبلطف، على حديث لي اثناء تناول الطعام، وكان تعليقه محل استحسان.وكنت ازور «ابامازن» بمنزله بين الحين والآخر حينما اكون بالاحساء وذلك بعد ان اقعده المرض عن مزاولة نشاطه، وكل مرة ازوره فيها اجد منزله لا يخلو من طلبة علم. وكان يذكر لي ان لديه مخطوطات يرغب مني الاطلاع عليها، وانه يحاول ـ اذا أسعفته صحته ـ نشرها، وحال بينه وبين ذلك كبر السن، والان هي مهمة ابنه «مازن» ليحقق ما كان يطمح اليه والده، وانا على يقين ان علما نافعا تحتوي عليه تلك المخطوطات.

وانني اعزي نفسي لفقد شيخنا احمد بن علي بن عبدالرحمن آل مبارك السفير والاديب، كما اعزي كل من ذكرتهم اعلاه بعد ان أبحر.وانني اذ اشاطر الزميل والصديق العزيز الدكتور راشد بن عبدالعزيز المبارك ألم الصدمة عند العلم بالمصاب، فانني استأذنه في نقل فقرات معبرة مما خطه يراعه بعنوان «الفقد الكبير» (.. ومع ان الموت هو القادم الذي لا شك في وصوله، والغائب المحتم لقاه، ومع ان الايمان بقضاء الله الذي لا يرد، وقدره الذي لا يحد، يعمر قلب المؤمن الا ان ذلك لا يمنع الشعور بصدمة الحدث وبلاغة الجرح وألم المصاب، ومن بين مواجع الدهر يبرز الموت اشدها ألما واكبرها فجيعة، لانه السفر الذي لا عودة منه، والفراق الذي لا لقاء بعده في هذه الدار، وبقدر مكانة الفقيد في نفوس اهله وذويه ومعارفه تتسع دائرة الالم، ويزداد عمق الجرح، لذلك فان مصاب اسرته ومحبيه مصاب جلل وجرحهم لفقده طويل اجل).وكان ابو مازن عميد اسرة آل مبارك، وان من تقاليد هذه الاسرة الكريمة تنقل العمادة بين ابنائها وذلك فيمن تتوافر فيه الكفاءة والمكانة العلمية والادبية مع شرط الاقامة بالبلدة.رحم الله ابا مازن، واسكنه فسيح جناته، وألهم ذويه الصبر والسلوان و (إنا لله وإنا اليه راجعون).

الناشر: جريدة اليوم العدد: 13470تاريخ النشر: الأحد 1431-05-18هـ الموافق 2010-05-02م

رابط المقال في الموقع الأصلي
وفي الفقيد أبي مازن : من أعزي؟

كلمة أمام ندوة التكامل بين القضاء والتحكيم المقامة

أدواتُ أو وسائلُ فضٍّ المنازعات بين الخصوم عديدة. منها المفاوضاتُ المباشرةُ، والمساعي الحميدة أو إصلاحُ ذات البين، والوساطةُ، والتوفيقُ، والتحقيقُ، والصلحُ، وتعيينُ خبيرٍ واحدٍ كمحكم، والتحكيمُ، والقضاء.
ويبقى القضاءُ والتحكيمُ أهمُّ أداتين أو وسيلتين يَتمُّ اللجوءُ اليهما لفض المنازعات ذات الطبيعة القضائية.
ولأن الحديثَ عن أوجه التشابه بين القضاء والتحكيم هو موضوعُ هذه الجلسة لا بد من التنويه عن نقاط جوهرية تتناولُ أوجه الفرق بين القضاء والتحكيم وذلك لكي يكون للورقة التي سيقدمُها لنا المحاضر هدفٌ ومغزى، وأن تكونَ ذات إطارٍ شاملٍ ودقيق.
يتفق القضاءُ والتحكيمُ بأنهما أداتان لفض المنازعات بين الخصوم، ولكن لكلِّ منهما منهجيتهُ واستراتيجيتهُ وإجراءاتهُ، وبقدرِ ما بينهما من تشابهٍ بقدر ما بينهما من أوجهِ إختلافٍ من طبيعةٍ تأسيسية.

القضاءُ تعبيرٌ عن ظاهرةٍ من ظواهرَ ثلاثٍ لنظرية سيادة الدولة التي تعني، في كل ما تعنيه بصفةٍ شاملة، الحفاظُ على كرامة الدولة الإقليمية واستقلالها السياسي. والظواهرُ الثلاثُ لنظرية السيادة المكونةِ للدولة الحديثة هي: السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية.
وسيادةُ الدولة هي صاحبةُ الكلمة العليا في الشأن القضائي داخلَ الدولة نفسها، وبمعنى أن كلَّ من يلجأُ لقضاءِ الدولة كأداةٍ لفض المنازعات هو خاضعٌ لمحاكم هذا القضاء بمختلفِ درجاتهِ، وكذا لكافة إجراءاته.
أما التحكيمُ باعتباره قضاءٌ خاصٌ وبديلٌ عن قضاء الدولة فهو قضاءٌ محايدٌ حينما يستكملُ أبنيته ويباشر ممارسة مهام أعماله. وهو من حيث الهوية القانونية تعبيرٌ عن نظريةِ سلطان الإرادة الحرة لإطراف الخصومة مع التحفظِِ على هذه النظرية، وبما معناه أن لهذا الإرادة الحرة الكلمةُ العليا فيما يتعلق بالتحكيم ورموزه وإجراءاته مع التحفظِ ذي الطبيعة الإستثنائية لقواعدٍ منبثقةٍ من إعمال نظريةِ السيادة يلزمُ الأخذ بها إذا كان مقرُّ التحكيم داخلَ إقليم الدولة.
وهكذا مبنى القضاءِ يختلف عن مبنى التحكيمِ أي أن مبنى نظريةِ السيادةِ يختلفُ عن مبنى نظريةِِ الإرادة الحرة. وصاحبُ الشأن سواءٌ أكان شخصًا طبيعيًا أو شخصًا معنويًا خاصًا أو عامًا له الخيارُ في اللجوء إلى أيٍّ من المرفقين أي أن يختار اختصاصَ هذا أو ذاك مع ملاحظة أن هذا الخيار ليس خيارًا حرًا مطلقًا إذ فيما يتعلق بالتحكيم فالخيارُ مقيدٌ بنطاقٍ معينٍ محصور وهو أن التحكيمَ مقصورٌ من حيثُ النطاق على المسائلِ التي يجوز فيها الصلح، وبمقتضى مفهوم المخالفة لا يجوز التحكيمُ في المسائلِ ذات الطابع الشخصي، أو تلك المتعلقة بحقوق الله سبحانه وتعالى الخالصة، أو تلك المتعلقة بنظام الدولة العام. ولهذا يقالُ في علم القانون أن الفرد في مجال التقاضي في وضعٍ متساوٍ مع وضعِ الدولةِ ذات السيادة والسلطان. فكما أن الدولة ملزمةٌ بتوفير مسرحٍ لمواطنيها تُقَدِّمُ لهم فيه أدواتٌ أو وسائلٌ لحل منازعاتهم حيث أن ذلك أحدُ مظاهرِ سلطتها، ناهيك عن أن من مسؤولياتها الكبرى توفيرُ محاكمٍ يُدِيرُ دفتَها قضاةٌ مؤهلون وفقًا لقواعدِ إجراءاتٍ ثابتةٍ تُحَدِّدُ اختصاصاتَها بغرض الوصول إلى هدفٍ كلي وهو تحقيقُ العمليةِ القانونيةِ الخالصة في إقرار العدل وحمايته للكلِّ على حدٍ سواء. والمواطن وفقًا لهذا المنطلق باعتباره إنسانٌ فهو على قدمِ المساواة مع الدولة إذ له إرادتهُ الحرة الخالصة بحيث في إمكانه أن ينشئَ قضاءًا خاصًا له كبديلٍ عن قضاء الدولة وذلك للنظر في المسائل التي تخصُّه إذا رغب في ذلك والتي تَمَّ تحديدها سلفًا. وهذا قضاءُ ذو نوعين: قضاءٌ غير مؤسسي لحل منازعات بين الأطراف في حالاتٍ خاصة ينتهي هذا القضاء حال حسم تلك الحالات، أو قضاءٌ مؤسسي ذو طابعٍ دائمٍ منتظم، وهو قضاءٌ في إمكانه استقبالُ منازعاتِ أصحاب الشأنِ وفقًا لإجراءات نمطيةٍ مستقرةٍ وثابتة، هذا مع العلم أن هذا القضاءَ المؤسسي ليس على نمطٍ معينٍ في أبنيته وإجراءاته بل هو ذو أشكالٍ مختلفةٍ تحت مسمى مراكز وطنية وإقليمية ودولية، ولدرجة أن هذا القضاءَ المؤسسي ظاهرةٌ منتشرةُ في الكثير من الدول ذات السيادة والسلطان.
وأُنهي هذه الكلمةَ بالتنويهِ عن مقولةٍ قانونيةٍ تدخلُ في إطار حقوق المواطن الدستورية مؤداها أن لجوءَ المواطن إلى التحكيم هو إهدارٌ لحقوقه الدستورية التي وفَّرتها له الدولةُ من خلال إقامةِ أجهزةِ عدلٍ تُقَرُّ فيها الحقوقُ وفق موازينِ عدلِ سليمةِ تنعدمُ فيها قُوى الهوى الجامح أو قُوى الطيش البين، ولذا فالتساؤلُ التي تثيره هذه المقولةُ هو: لماذا يلجأ المواطنُ إلى قضاءٍ آخر داخل موطنه كقضاءٍ بديلٍ لقضاء موطنه؟ وهناك مقولةُ قانونيةُ أخرى ضد المقولة السابقة وعلى النقيضِ منها مؤداها أن إذنَ الدولةِ أو ترخيصَها لمواطنيها بمقتضى قوانينها باللجوء للتحكيم مؤداه اعترافٌ بتقصيرِ الدولة في توفير العدلِ وإقامتهِ لهؤلاء المواطنين. وفيما بين المقولتين هناك مقولةٌ قانونيةٌ ثالثةٌ مؤداها أن حقَّ المواطن لم ولن يُهْدَرَ دستوريًا من قبلهِ إذ يظلُّ حقةُ في اللجوء للقضاء باقيًا، بل ثابتًا حتى ولو لجأ للتحكيم، وأن ترخيصَ الدولة له ليس مبعثه تقصيرٌ منها في إقامة العدل، وإنما هو احترام منها لحق المواطن الخالص في الخيار بين القضاء والتحكيم باعتباره من حقوقه الأساسية كإنسان.

___________________________________

الكلمة التي ألقاها معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق لدى ترؤسه للجلسة الثالثة في اليوم الأول من ندوة التكامل بين القضاء والتحكيم المقامة في 14 ربيع الثاني 1431هـ الموافق 30 مارس 2010م المقامة في قاعة المملكة بفندق الفورسيزن بالرياض.

كلمة د. الملحم أمام لقاء الرعيل الأول لخريجي مدرسة الأحساء الابتدائية الثامن

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه، وبعد:الأخوة الزملاء “الرعيل الأول” وأبناءهم وأحفادهم وأسباطهم
الأخوة الحاضرون من الضيوف من غير خريجي المدرسة:
الأخ الزميل/عبدالله بن سلطان السلطان راعي اللقاء الثامن:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أودُ أن أبدأ كلمتي بأبيات للشاعر الجاهلي الْجُشَمِي “دريد بن الصمة” من قصيدةٍ يرثي فيها أخاه: يقول “دريد”:أَمَرْتُهُمُ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى ــــ فَلَمْ يَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلاَّ ضُحَى الْغَدِفَلَمَّا عَصُونِي كُنْتُ مِنْهُمْ وَقَدْ أَرَى ـــ غِوَايَتُهُمْ وَأَنَّنِي غَيْرُ مُهْتَدِوَمَـا أَنَا إِلاَّ مِنْ “غُزَيَّةَ” إِنْ غَـوَتْ ـــــ غَوْيتُ وَإِنْ تَرْشُدْ “غُزَيَّةَ” أََرْشُــدِ
ومناسبة إيراد هذه الأبيات هي أنها ذات صدىً للسنين الخوالي.
لقد ألقيتُ في اللقاء الخامس للرعيل الأول كلمة بعنوان: الماضي والحاضر والمستقبل حلقاتٌ ثلاثٌ تتداخل ولا تنفصل، وقلتُ فيها: وصلُ الماضي بالحاضر مهمةٌ صعبةٌ، وأصعبُ منها وصل الماضي بالمستقبل.
وتساءلتُ: هل من الممكن أن يتم ذلك الوصل عبر الحاضر بما يمثله من نشاط وحيوية ومتاهات لا حدود لها؟
الماضي والحاضر والمستقبل حلقات ثلاث بعضها يكملُ البعضَ الاخر.
ونحن الرعيل الأول جيل الحاضر ما هو الدور المطلوب منَّا عمله حتى نُفعِّلَ عملية الوصل والتواصل بين جيل مضى وهو جيل آبائنا بكل ما يمثله من ايجابيات وسلبيات، والجيل الحاضر وهو جيلنا الذي نمثله وما يزخر به من نشاط وحيويه ومتاهات لاحدود لها، وجيل المستقبل وهو جيل أبنائنا وحفدتنا وأسباطنا وهو الجيل الذي يحتاج إلى رؤيةٍ مستندةٍ على تجارب الماضي وتفاعلات الحاضر؟
أليس من واجبنا ونحن نمثل جيل الحاضر، ومن باب الوفاء لجيل الماضي، أن ننقل لجيل المستقبل أحوال الحياة وقيمها التي عاشها وتعايش معها جيل الماضي جيل الآباء والأجداد؟إن استمرارية التواصل تقتضي من الجيل الحاضر أن ينخرط في عملية من طبيعة تأسيسية تتسم بالثبات لربط الحلقات الثلاث ـ الماضي والحاضر والمستقبل ـ بعضها ببعض .
وقلتُ بمناسبة اللقاء الرابع لهذا الرعيل: ويلتقي الصحب من جديد. إنهم طلبة الأمس، ورجال اليوم والغد في جوٍ بهيجٍ ملؤهُ الحبُّ والسرورُ في بلدة “هجر” [الواحة الخضراء ذات الخير والعطاء]، البلدة ذات التاريخ المجيد التي عاصرتْ حضاراتٍ وثقافاتٍ قبل الاسلام وبعده، وتساءلتُ لماذا هذا التجمع؟ وأجبتُ أنه لتجديـد ذكريات الأمس العبقة التي ظلَّت ولا تزال عالقةً بأذهاننا مهما تغيرت الأحوال، وتعاقب الليل والنهار.
إنه لتجديد ذكرى مدرسة نحنو عليها وهو حنانٌ أشبه بحنان الأمِ على أطفالها، ورأيتُ أنه من المهم أن أتحدث آنذاك عن حقيقة ذات وجهين: الوجه الأول إيجابي: ويتمثل هذا الوجه في هذا التجمع الذي لا يزال صامدًا سنة بعد أخرى منذ أن أُعْلِنَ عن تجمعه الأول، ولأول مرة، في مزرعة الزميل “سعد الحسين”، والوجه السلبي: ويتمثل في الاعلان بعد حين، وإن كنتُ آمل أن لا يحدث ذلك، عن إقامة مأتم عزاء أخير يَتُمُّ فيه تأبين هذا التجمع، ووضع نهاية له وذلك لأسباب منها، ولعل من أهمها، أن هذا التجمع قـد ابتعد عن أساس وجوده فهو يلتقي الآن في مكانٍ بعيدٍ عن المكان الذي رَضَعَ فيه العلم، وهو مبنى مدرسة الهفوف الأولى الذي كان من المفروض من هذا التجمع أن يكون حاضرًا في ساحتها، وبين جدرانها، وفي قاعاتها يرصد أحوالها ذات الماضي العريق، ويضيف إليها أمجادًا جديدة من عنده.وكنتُ دعوتُ عن تأسيس لجنة تسمى “رابطة خريجي مدرسة الهفوف الأولى إبتدائي ومتوسط وثانوي”، وأعلنتُ ميثاقها أمام تجمع الرعيل في لقائه الرابع في هذه القاعة لتتحمل هذه الرابطة مسؤولية التواصل في مقر المدرسة نفسها، ولا مكان غيره كبديل عنها، وبمعنى حتى لو التقينا بها فلا مانع من استخدام المداد والزل والدواشك والمساند والسفر كرموز لتاريخ عبق.
ونُشِرَ ميثاقُ الرابطة بجريدة اليوم العدد رقم 11662 وتاريخ 12/ ربيع الأول/1426هـ. ما كنتُ أتصورُ أن مجرد الحديث عن هذه اللجنة وميثاقها لم يكن إلاَّ كالحلم العابر، أو كان بمثابة كلام الليل يمحوه النهار. والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا لا تُفَعَّل هذه الرابطة إذا كان هدف الوصل والتواصل قائمًا في أذهان هذا الرعيل؟
لماذا يكتفي هذا الرعيل عند تجمعه بلقاءٍ عابرٍ خلال ساعات تُتبادلُ فيه التحيات، ويُتناولُ فيه الطعام والمرطبات بعيدًا عن مقر المدرسة الأم؟
وكان آخر لقاء حضرتُه شخصيًا هو اللقاء الخامس. أما اللقاء السادس والسابع فلم أحضرهما للأسباب الواردة أعلاه، وأعتذرُ في ذلك للأخوين الزميلين: “إبراهيم بن عبدالعزيز الطوق” رمز اللقاء السادس، و”عبدالرحمن بن سعد الراشد” رمز اللقاء السابع.واليومُ أَحضرُ اللقاء الثامن الذي دعى له الزميل “عبدالله بن سلطان السلطان” على سبيل الإستثناء، وللأسباب التالية:
1 ـ وضعُِ مدرسة الهفوف الأولى الحزين منذ صدور كتابي “كانت أشبه بالجامعة” هَمٌ شغل بالي.
2 ـ إلحاح الإخوة الزملاء: محمد بوعايشة، وحمد بن صالح الحواس، وعبدالعزيز بن محمد الجندان وغيرهم لعملِ شئٍٍ مَّا من أجل المدرسة أجَّج كوامن الرغبة في نفسي للإستجابةِ لما طلبوه.
3 ـ زرت المدرسة في 21 من شهر الحجة الماضي عام 1430هـ، فوجدتُها أُمًا ثكلى خاويةً على عروشها قد فقدتْ فلذات كبدها.
4 ـ ولما أعلمه من رعاية صاحب السمو الملكي الأمير “سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز” للمدرسة باعتباره رئيسًا لمؤسسة التراث وهو الآن، إلى جانب مؤسسة التراث، الرئس العام لمؤسسة السياحة والآثار فلقد بعثتُ له برسالة ذات رقم وتاريخ عن وضع المدرسة بعد نقلها إلى الهيئة العامة للسياحة والآثار، ومستفسرًا عن مآل هويتها القانونية كمعلم حضاري. استجاب سموه متصلاً بي على الفور حيث هاتفني منوهًا عن أمور عن المدرسة أثلجتْ صدري كما يقال في المثل. ولم يكتف سموه بذلك حيث بعث لي برسالة رسمية برقم 1153 وتاريخ 9/2/1431هـ ضمَّنها اعترافًا منه باعتباره الرئيس للهيئة العامة للسياحة والآثار، وكذا بتعهدين من سموه. وكلها، من وجهة نظري، لها دلالات قانونية بالنسبة للوضع القانوني للمدرسة. أما الإعتراف فهو اعتبار مدرسة الهفوف الإبتدائية أحد المعالم التاريخية في المملكة العربية السعودية. وأعتبرُ شخصيًا أن هذا إنجازٌ كبيرٌ ليس لصالح المدرسة، بل وتتويجًا لكتابي “كانت أشبه بالجامعة” عن المدرسة التاريخية العتيدة نفسها. أما التعهد الأول فهـو أن المدرسة محل اهتمام سموه الشخصي. ومغـزى هذا التعهد هو أن المدرسة كانت فيما سبق محل رعاية مؤسسة التراث التي كان يرأسها سموه ولا يزال يرأسها. ومحتوى التعهد الثاني، وهو غال وثمين ومهم للغاية للمدرسة، فمحتواه هو أن “الهيئة العامة السياحة والآثار” مهتمةٌ بترميم المدرسة وتأهيلها. أيها الرعيل الأول لعلكم تسألون عماذا بقيَ؟
ما بقيَ هو أن سموه أنهى رسالته قائلاً لي: وستزال كافة العقبات التي تحول دون إنجاز هذا المشروع الذي صفه سموه بأنه هام.
وهكذا أصبحت مدرستنا على لسان مسؤول: مشروع مهم ومعلم تاريخي.ولِيعلمَ الرعيل الأول أن اتصلاتي مع سمو الأمير سلطان متواصلة شخصيًا ورسميًا بشأن أمور أخرى تتعلق بالمدرسة، وسيُعلن عن هذه الأمور في حينها. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،،

_____________________

المقالة | كلمة أمام لقاء الرعيل الأول لخريجي مدرسة الأحساء اإبتدائية الثامن المقالة | كلمة أمام لقاء الرعيل الأول لخريجي مدرسة الأحساء اإبتدائية الثامن
الكاتب: معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آلملحم
الناشر: تاريخ النشر: 4/3/2010م
الرابط:

الكلمة التي ألقاها معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق وخريج مدرسة الهفوف الإبتدائية عام 1371هـ أمام اللقاء السنوي الثامن للرعيل الأول لخريجي مدرسة الهفوف الأولى بفندق الأنتر بمحافظة الأحساءفي يوم الخميس 18/3/1431هـ الموافق 4/3/2010م

أديب الأحساء الكبير

الناشر: جريدة الجزيرة الثقافية

معالي د. محمد عبداللطيف الملحم

– العدد: 109

تاريخ النشر: 06/06/2005م

الرابط: http://www.al-jazirah.com.sa/culture/06062005/fadaat9.htm
والكتَّاب فئتان: فئةٌ تكتبُ، وما تكتبهُ غثاءٌ كغثاءِ السيل، أو كالزَّبدِ الذي يذهبُ جفاءً،

ويَتمنَّى محبو القراءة لو توقَّفت هذه الفئة عن الكتابة لأنّها نفسها عبء على عالم الكلمة، وما تكتبهُ سرعانَ ما يذوبُ كذوبَان الجليد إذا تعرَّض لتأثير الحرارة المجرَّدة. وفئةٌ أخرى تكتبُ، وإذا كتبتْ تجدُها تأخذ بناصيةِ الكلمة، وزمامِ الحرف، وتشدُّ إليها محبِّي القراءة ومتذوِّقي معانِي الحرف. وكاتبنا الذي أتحدَّث عنه من الفئة الثانية. كاتبٌ عرفتهُ منذ أن شببتُ عن الطوق وحتى يومنا هذا. ويتميَّز هذا الكاتب أنّه: ذو حيوية شبابية، وفكر نيِّر، ودراية واسعة، وصاحب قلم سيال، صافي الذهن، لَمَّاح، ذو عطاء متدفِّق. إذا كَتَبَ كَتَبَ وكفى … وإذا كَتَبَ فهُو يعرفُ كيف يكتب، ولمن يكتب، ولماذا يكتب؟ ومتى يكتب. تجدُ ما يفيد فيما يكتبه، بل ويُروي غليل الصادي. تجدُ فيما يكتبه مصداقيةً متناهيةً لأنّه كان، وعلى الدوام، صادقاً مع نفسه قَبْلَ أن ينقلَ للغير فكرَه. وبسبب هذه المصداقيّة كسب ثقة قرَّائه منذ أن عرفوه، حيث وجدوا فيما يكتبه دفء الكلمة التي تنساب إلى الوجدان قَبْلَ العقل. الكاتب أديبٌ تتفاعل في نفسه، بل وفي وجدانه، حرفة الأدب منذ أن شَبَّ عن الطوق. الكاتب قارئٌ ومطَّلعٌ. كَتَبَ في التراجم والسِّيَر، أمَّا في الأدب والسياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة فله فيها باع طويل. أطلقتُ عليه في كتابي (كانت أشبه بالجامعة) لقبَ أديب الأحساء الكبير لأنّه يستحقُ هذا اللقب. لم أجد كاتِباً سخَّر يراعه لخدمَة مسقط رأسه مثلَه. تفانَى في حبِّ (الأحساء) لدرجة لا توصف أو تفوق الوصف. إنّها كلمة حقٍّ أقولها لوجه الحقِّ. كان لا يتوانَى في الحديث عن إيجابيات وسلبيات أحوال (الأحساء) الاجتماعية والثقافية والتعليمية والعمرانية وغيرها. وكان يشطحُ بقلمه أحياناً ولكن في سبيل الحقِّ إذ لم تكن تأخذه في الحقِّ لومة لائم .. تناول بقلمه السيال أحوال رجالات (الأحساء) من أدباءٍ ومثقفينَ وطلبةَ علمٍ. زوَّد هذا الكاتب المكتبة الثقافية (في معاهد العلم والجامعات وفي السوق) بالعديد من الكتب القيِّمة في شتَّى الفنون. ومن كتُبه التي لا أزال أتردَّد على قراءتها كتاب: أحاديث بلدتي القديمة. إنّ مضامينَ هذه الأحاديث جزءٌ من حياتِي وكيانِي كما لو كنتُ أنا الذي سجَّلتها لأنّها تتناول وقفاتٍ في حياتِي أيّام الشباب والصِّبا. كلما قرأتُ هذه الأحاديث أجدُها تعيدُنِي إلى أيّام الشباب والصِّبا. تمكَّن هذا الكاتب، وبجدارة وبمهارة فائقة، أن يعرضَ أحاديث المدينة القديمة في أسلوبٍ سهلٍ، وبقلمٍ رشيقٍ، وكلماتٍ لا تنقصها البساطة والوضوح. كان الكاتب يعرضُ أحوالَ المعيشة في أحياءِ مُدُنٍ مثل (الهفوف) و(المبرز) وغيرها من بلدان (الأحساء) كما عهدتها أيّام الصِّبا. وجدتُ، ولا أزال أجدُ، كلما عاودتُ قراءة هذه الأحاديث أنّ الحياة عندي تتجدَّد. وكأنّ هذه الحياة التي تناولَتها هذه الأحاديث قد صُبَّت في قوالب فنِّية بريشة فنان. وفي هذه القوالب إمتاع أيّ إمتاع، ومؤانسة أيّة مؤانسة، بل وفيها وفيها وفيها إشباع ذهنيٌّ كامن. كيف لا! إنّها أحاديث بين دفّتي كتاب عن أحوالٍ عاصرتها وعايشتها. وشوقي للرجوع لهذا الكتاب في تزايد لأنّ أسلوب الكاتب في عرض أفكاره في هذا الكتاب أسلوبٌ آسرٌ وحابسٌ وممتعٌ. واختياري لهذا الكتاب جاء عن طريق الصدفة إذ للكاتب كتبٌ قيِّمةٌ أخرى، وما عرضْتُه هو نموذجٌ واحدٌ من كتبه، والكاتب يدركُ، بثاقب بصره، أنّ الكتابة فنٌّ وتذوُّق وموهبة. وهكذا مع ذلك الإدراك عند كاتبنا تمكَّن أن يحقق نجاحاً يحسده عليه قرَّاؤُه. كاتبنا مالكٌ لناصية الكلمة الصَّادقة وما تحتوي عليه من رموز. والسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف تمكَّن هذا الكاتب أن يفرضَ نفسه في عالم الكلمة متألِّقاً متميِّزاً خلال عقود من الزمن؟ الجوابُ سهلٌ، ويسرُّني أن أرويه لأترابي وكذا للأجيال القادمة. إنّها رحلة القلم، رحلة الكلمة، رحلة تزويد النفس بما لا تعلم، ومن ثم تزويد الغير بما تعلم. هذا هو شأن كاتبنا. وَجَدَ كاتبنا في الصحافة المكتوبة هدفه المنشود في حياته. وكانت هذه الرحلة مليئة بالصِّعاب والعوائق والمشاق والمتاعب. كانت الصحافة جزءاً من لحمه ودمه ومجرى حياته. وكما يقال (كلٌ يغنِّي على ليلاه)، وكانت الصحافة ليلَى كاتبنا. كانت جريدة الخليج العربي هي ليلَى كاتبنا. بصماتُ كاتبنا في الصحافة معروفةٌ وواضحةٌ منذ أن كانت الصحافة صحافة أفراد، وواصل كاتبنا مرافقة الصحافة حتى بعد أن كانت صحافة مؤسسات. كانت الصحافة عند كاتبنا هواية، وكان مع هوايته كأنّه يتمثَّل ويردِّد بيتَ (ابن الوردي): وافتكر في منتهى حسن الذي أنت تهواه تجد أمراً جَلَلْ. أحَبَّ الصحافة إلى درجة العشق. والعشقُ إذا تمكَّن زواله محالٌ! لازم الصحافة والتصق بها: كهِوَايَة، وكهَويَّة، وكحرفة أي كمصدر رزق. الصحافةُ، في عُرْفِه، هِوايةٌ وهَويةٌ وحِرفةٌ. هي بالنسبة له دم الحياة! ولعلَّ من اللافت للنَّظر في مشواره الصحفي (بالنسبة لي على الأقل) أنَّه كان يتكيَّف مع كلِّ المستجدات والمتغيّرات التي طرأت في عالم الصحافة منذ أن كانت صحافة أفراد ومن ثم صحافة مؤسسات. وهناك الكثير من يُغَيِّرُ أحوالَه من وضعٍ إلى وضعٍ سواء في سبيل الحصول على لقمة العيش، أو من أجل تحقيق هدف معيَّن، أو من أجل التغيير لمجرَّد التغيير حتى لا تكون الحياة عنده وبالنسبة له شبه آسنة راكدة مملَّة. وكاتبنا ليس من هؤلاء. كانت حياته تسيرُ على نمطٍ معيَّنٍ رتيبٍ منذ أن كان سكرتير مجلة (هَجِرِ) اليتيمة الصادرة في عام 1376هـ بالمعهد العلمي بمدينة (الهفوف). عشقٌ دائمٌ لهوايةٍ واحدةٍ يرى كاتبنا أنّ حياته فيها في تجدُّدٍ مستمرٍ. ولله في خلقه شؤون. أعرفُ الكثيرَ من أترابه (وهم من أترابي) مِمَّنْ أحبوا تغيير نمط الحياة في سبيل الحصول على لقمة العيش أو تحقيق مطمحٍ مَّا. أمَّا كاتبنا فقد الْتَزَمَ نمط حياة معيَّنة وَجَدَ فيها مطمحه. وفي حقيقة الأمر أنّه حقَّق مجداً تَفَوَّقَ فيه على ما حقَّقه أترابُه من أمجادٍ في الحياة. خدمةُ الحرفِ شرفٌ. وكانت هذه الخدمةُ مربطَ الفرس عند كاتبنا. حارب ممتطياً فرس الحرف فانتصر في أكثر من معركة. ويكفي أنّ كاتبنا أثرى المكتبة بكتبٍ فيها متعةٌ ومنفعةٌ، وستبقى هذه الكتب أثناء حياته رامزةً على علوِّ همَّته، وشموخِ نفسه التّوَّاقة إلى مجدٍ يعلمُ هو نفسه أنّه مجدٌ سيبقى نافعاً للأجيال القادمة. في كتابي (كانت أشبه بالجامعة) تحدَّثتُ عن كاتبنا في فصلٍ مستقلٍ. ونقلتُ في كتابي ما تحدَّث به هو عن نفسه أي عن هوَايته وهوِّيته وحرفَته. قال كاتبنا في صفحة 468 من كتابي عن نفسه ما يلي: أمّا (الثالث) (يقصد كاتبنا نفسه) فقد (تشعْبط) في خيوط الهواء حيث كان يرى أنّه يستطيعُ إصلاح العالم، وأن يغيِّر من المفاهيم، فتعلَّق بالصحافة، وكان يظنُّ أنّه بهذه الوسيلة الإعلام يستطيعُ أن يكون له صوتٌ مؤثِّرٌ .. وَمَا دَرَى أنّ الصحافة كوسيلةٍ إعلاميةٍ قابلة للتطوُّر .. وقد تطوَّرت بجانبها وسائل إعلامية أخرى تجاوزتْها وتركتْها تحبو على الطريق، وسائلٌ تستطيع أن تصل إلى المتلقِّي في عقر داره .. تنقلُ إليه أحداث العالم البعيد على الهواء مباشرةً في حينها .. وهي وسائلٌ تدعمها الدول والحكومات، ويساندها التطوُّر العلمي والتكنولوجي المتجدِّد الهائل السريع التَّفاعل. … أمّا (الثالث) (يقصد الكاتب نفسه) فلم يزل في القاع مكتفياً بإشارة الناس إليه بقولهم: هذا الكاتب الصحفي (فلان) .. تماماً كما يشيرون إلى (العبيط) أو (المجنون) بقولهم: (العبيط أهوه) .. باللهجة المصرية الدارجة .. وكان يظنُّ في البداية أنّه سوف يرقى سلَّم الشهرة والمجد، وما درى أنّه يسلك مسلكاً صعباً، إن زلَّت به القدم، فلن تقوم لصاحبها قائمة، وصاحبنا (يعني كاتبنا نفسه) لم تزُل قدمه، ولم ينزلق بحمد الله .. بل كان صوتاً من أصوات الإصلاح لا يزال يتردَّد صداه في الآفاق على ممر السنين .. ولكنها الأيَّام تغيَّرت، والوسائل تطوَّرت، وظلَّ صاحبنا (يعني كاتبنا نفسه) يراوحُ في مكانه، ويجتَرُّ الذكريات لأيّام خوال لن تعيدها عقارب الساعة إلى الوراء لحظة واحدة. إنّ مشاعرَ المحبة التي أكنُّها لهذا الكاتب لا تقفُ عند كونِي أنّني مِمَّنْ يقرأ له، بل تتجاوز ذلك إلى اعتباره رمزاً من رموز الوطن في المجال الذي كرَّس وقتَه وجهدَه من أجله. حياةُ كاتبنا منتجةٌ حافلةٌ، وهو جدير بالتكريم. كاتبنا رقيقٌ الجانب، هادئُ الطَّبع، دمثُ الأخلاق. أطال الله في عمر كاتبنا أديب الأحساء الكبير الأستاذ (عبدالله بن أحمد الشباط) الذي لا يزال يتحفُنا من وقتٍ لآخرَ إمَّا بمقالةٍ مفيدة أو كتابٍ قيِّمٍ.

الناشر: جريدة الجزيرة الثقافية

معالي د. محمد عبداللطيف الملحم

– العدد: 109

تاريخ النشر: 06/06/2005م

الرابط للمصدر

والذكريات صدى السنين الحاكي

الناشر: جريدة اليوم

– العدد: 11962

تاريخ النشر: 16/03/2006 م

الرابط للمصدر

ويلتقي الصحب من جديد. انهم طلبة الامس, رجال اليوم والغد, في جو بهيج ملؤه الحبور والسرور في بلدة “هجر” الواحة الخضراء ذات الخير والعطاء. في البلدة ذات التاريخ المجيد التي عاصرت حضارات وثقافات قبل الاسلام وبعده. ولكن لماذا هذا التجمع؟ انه لتجديد ذكريات الأمس العبقة التي ظلت ولا تزال عالقة باذهانهم مهما تغيرت الأحوال وتعاقب الليل والنهار. تجديد ذكرى مدرسة يحنون إليها وهو اشبه بحنان الام على طفلها, وما اروعه من حنان! يقال ان الام مدرسة, وفي حقيقة الامر, ان مدرسة الاحساء الابتدائية الاولى هي بمثابة الام بالنسبة لابناء بررة. واذا كان حنان الأم على طفلها تبدأ معالمه قبل ولادته, وتترسم هذه المعالم في وجدان الأم حال ولادة الطفل, وبعد ان يستقبل اول نفس له في الحياة خارج بطن امه, فانها اي هذه المعالم تتزايد في ذهن الأم حالما يكون في حضنها لاكثر من مرة في اليوم والليلة عند رضاعه لرحيق الحياة وعيناه شاخصتان الى اعلى تحاولان تدريجيا ابصار وجه المخلوق الذي يغذيه باللبن المصفى. وتدريجيا, ومع مرور الزمن, ترتسم معالم صورة هذا المخلوق في ذاكرة الطفل لدرجة انه, وبعد ان يقوى بصره, ويفقه من حوله, يجد ان تلك الصورة مرسومة في ذاكرته لانها مصدر الحنان الذي يحس به, ويبتسم له, ويجد فيه دفء الحياة, ناهيك عن حلاوة الامن والامان, وتبقى معه هذه الصورة الى ان يشب عن الطوق, والى ان يبلغ الشيخوخة, وحتى يفارق الحياة. حال الأم بكل عواطفها واحاسيسها ومشاعرها نحو طفلها هو حال طلاب دخلوا مدرسة, بعد ان شبوا عن الطوق, لتلقي مبادىء العلم الاساسية بمختلف اطيافه. حنان هؤلاء الطلاب نحو مدرستهم ظل عالقا بذاكرتهم, وبخلدهم طيلة حياتهم. ومع مرور الزمن ظل هؤلاء الطلبة يرددون مقولة: من علمني حرفا كنت له عبدا, وتنصرف مقولتهم لكوكبة من مدرسي المدرسة قل ان يوجد مثلهم وقت تـأسيس المدرسة. والمدرسة التي اعنيها هي, كما سبق القول, مدرسة فريدة في وقتها تأسست في بلدة “هجر”, وتختلف عن كل المدارس, بل ولا تتكافأ من حيث المستوى التعليمي مع مدارس ايامنا المعاصرة. كانت هذه المدرسة هي الوحيدة في بيئة كانت الامية فيها هي صاحبة السيادة. مدرسة كانت في ايامها ذات شأن يذكر, وهذا الشأن لعظمته لا يزال يقاوم النسيان لانه يجسم في وجوده واثره وتأثيره ذكرى خالدة في فم التاريخ. وخلد هذا الشأن سجل موثق رفع فيه المدرسة, وهي مدرسة ابتدائية متواضعة تقتات على حد الكفاف, وفي مستوى خط الفقر, الى مستوى الجامعة, فكانت المدرسة, اشبه بالجامعة. وبالفعل كانت كذلك. ويأبى الرعيل الاول من خريجي المدرسة الا ان يبقوا هذه المدرسة معلما حضاريا في بلدة “هجر”. البلدة التي تضم الآن مئات المدارس, وكثيرا من ابناء هذه المدرسة العتيدة واعني بهم من بقي منهم على قيد الحياة قد آلو على انفسهم ان تبقى المدرسة موطن ذكرى متجددة مهما تغيرت الاحوال, وتوالى الملوان. وكيف لا! والمدرسة بالنسبة لهم مشهد ملذات, وموطن ذكريات, ومطامح انظار, ومسارح افكار, ومعارج همم, ومصدر اشعاع, ومنتدى سمار. وكأني بهذا الرعيل ينشد معي ابيات “ابن الرومي” في ذكرى مدرستهم التي يعتبرونها في مستوى الوطن ان لم يكن اكبر: ولي وطن آليت ان لا ابيعه …… وان لا ارى غيري له الدهر مالكا فقد ألفته النفس حتى كأنه …… له جسد ان بان غودرت هالكا وحبب اوطان الرجال اليهم ….. مآرب قضاها الشباب هنالكا اذا ذكروا اوطانهم ذكرتهم ….. عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا ولقد تم تجديد المدرسة على شكل ونحو ينبىء عن ماضيها التليد, وعن احوال البيئة التي تأسست فيها منذ اكثر من سبعة عقود من الزمن. وبعد تجديدها سوف تباشر فيها الكثير من الفعاليات المبرمجة التي اعلم عنها, ولعل الوقت لم يحن, وهو قريب, للكشف عنها للرعيل الاول من خريجيها وكذلك لابنائهم واحفادهم واسباطهم. ولكل حادثة حديث. وتحية من الرعيل الاول ازفها باسمهم لراعي الحفل الرابع لهذا العام عام 1427هـ الزميل خريج المدرسة, رجل الاعمال, عبدالله بن سعد الراشد.


http://www.alyaum.com/issue/p

كلمة الموقع

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله “محمد بن عبدالله” وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

ما كنتُ حقيقةً راغبًا أن يكون لي موقعًا على الإنترنت Internet لولا إصرار، بل إلحاح، من إحدى بناتي ممن تخصَّصن في علوم “الشكبة العنكبوتية” ليكون لي موقعًا في هذه الشبكة.

كنتُ أرفضُ.

وكانت تلح.

وسألتها عن سببِ إلحاحها فقالت لي يا والدي:

كلما كنتُ أجتمعُ بك سواء على مائدة الطعام أو في مجلس العائلة كنتَ، من باب العطف عليَّ، وعلى إخواني وأخواتي، تحاولُ، في عاطفةٍ أبويةٍ، أن توجِّه النصح لنا، بدون إصرار أو إلحاح، عمَّا يجب أن نفعله، وكنتَ تدعمُ نصائحكَ بأمثلةٍ، ومواقفَ، وأحزانٍ، ومسرَّاتٍ مرَّت بك شخصيًا خلال مشوار حياتك منذ أن شببت عن الطوق.

كنتُ يا والدي أستمعُ لما تقولُ، وكنتَ، من خلال نصائحك، مداعبًا، ومازحًا، وتخلطُ في نصائحك بين الجد والهزل. ولم يقتصر الأمر في تعليقاتك على أحوالنا كأسرة صغيرة، بل تتعدَّاها إلى أحوال أسرتك الكبيرة، وكانت رغبتك كأب هو في تنشأتنا تنشاةً صالحةً. بل كنتَ، فيما هو أبعد من ذلك، تسرحُ بنا في عالمنا المحلي والعربي والدولي تحدثُّنا عن مرئياتك فيما يجري، أحيانًا هازلاً، وأحيانًا أخرى في جِدٍ، بحيث كنتَ فيما ترويه تخلط بين الحابل والنابل.

لكل هذه الأسباب، لماذا يا والدي لا تسمح لي بأن أضعَ تجربتك العزيزة عليَّ في موقع في الشبكة العنكبوتية، وهي تجربةٌ رُبَّمَا، بل بالتأكيد، سينتفعُ بها من يطلع عليها لا سيما وأنكَ كنتَ تقول لي بأنك قد حقَّقت الكثير من طموحاتك في مشوار حياتك التي تصفُها دائمًا لي بأنها متواضعة.

انتصرتْ إبنتي “سارة” عليَّ، 
استسلمتُ لرغبتها، 
وكان لها ما أرادت.

هذا هو موقعي على الشبكة العنكبوتية، وأي خطأ فيه فالمسؤولة عنه ابنتي “سارة”، وكان عزائي في انتصارها عليَّ المثل القائل: كُلُّ فتاةٍ بأبيها معجبة. هذا مع العلم أن الموقع موجه في الأساس إلى أبنائي وبناتي وأحفادي وأسباطي..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة
 والسلام على نبيه ورسوله الأمين “محمد بن عبدالله” وعلى آله وصحبه أجمعين.


محمد بن عبد اللطيف بن محمد العبدالله آل ملحم