د. الملحم: القضاء والتحكيم أهم أداتين لفض المنازعات القضائية بين التجاريين

خلال ندوة «التكامل بين القضاء والتحكيم» الخليجي بالرياض

د. الملحم: القضاء والتحكيم أهم أداتين لفض المنازعات القضائية بين التجاريين

اليوم – الرياض

د. محمد الملحم

اكد الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم خلال ندوة “التكامل بين القضاء والتحكيم» التي نظمها مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض ان ادوات او وسائل فض المنازعات بين الخصوم عديدة منها المفاوضات المباشرة والمساعي الحميدة او اصلاح ذات البين والوساطة والتوفيق والتحقيق والصلح وتعيين خبير واحد كمحكم والتحكيم والقضاء ويبقى القضاء والتحكيم اهم اداتين او وسيلتين يتم اللجوء اليهما لفض المنازعات ذات الطبيعة القضائية. ولان الحديث عن اوجه التشابه بين القضاء والتحكيم هو موضوع هذه الجلسة لابد من التنويه عن نقاط جوهرية تتناول اوجه الفرق بين القضاء والتحكيم.
وقال ان مصطلح القضاء تعبير عن ظاهرة من ظواهر ثلاث لنظرية سيادة الدولة التي تعني في كل ما تعنيه بصفة شاملة الحفاظ على كرامة الدولة الاقليمية واستقلالها السياسي. والظواهر الثلاث لنظرية السيادة المكونة للدولة الحديثة هي: السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية.
وسيادة الدولة هي صاحبة الكلمة العليا في الشأن القضائي داخل الدولة نفسها، وبمعنى ان كل من يلجأ لقضاء الدولة كأداة لفض المنازعات هو خاضع لمحاكم هذا القضاء بمختلف درجاته وكذا لكافة اجراءاته.
ويعتبر التحكيم قضاء خاصًا وبديلاً عن قضاء الدولة فهو قضاء محايد حينما يستكمل ابنيته ويباشر ممارسة مهام اعماله وهو من حيث الهوية القانونية تعبير عن نظرية سلطان الارادة الحرة لاطراف الخصومة مع التحفظ على هذه النظرية وبما معناه ان لهذا الارادة الحرة الكلمة العليا فيما يتعلق بالتحكيم ورموزه واجراءاته مع التحفظ على الطبيعة الاستثنائية لقواعد منبثقة من اعمال نظرية السيادة يلزم الاخذ بها اذا كان مقر التحكيم داخل اقليم الدولة.
وهكذا مبنى القضاء يختلف عن مبنى التحكيم اي امن مبنى نظرية السيادة يختلف عن مبنى نظرية الارادة الحركة وصاحب الشأن سواء اكان شخصا طبيعيا او شخصا معنويا خاصا او عاما له الخيار في اللجوء الى اي من المرفقين بمعنى ان يختار اختصاص هذا او ذاك مع ملاحظة ان هذا الخيار ليس خيارا حرا مطلقا اذا فيما يتعلق بالتحكيم فالخيار مقيد بنطاق معين محصور وهو ان التحكيم مقصور من حيث النطاق على المسائل التي يجوز فيها الصلح وبمقتضى مفهوم المخالفة لا يجوز التحكيم في المسائل ذات الطابع الشخصي او تلك المتلعقة بحقوق الله سبحانه وتعالى الخالصة او تلك المتعلقة بنظام الدولة العام ولهذا يقال في علم القانون ان الفرد في مجال التقاضي في وضع متساو مع وضع الدولة ذات السيادة والسلطان فكما ان الدولة ملتزمة بتوفير مسرح لمواطنيها تقدم لهم فيه ادوات او وسائل لحل منازعاتهم ويعد ذلك احد مظاهر سلطتها ناهيك عن ان من مسؤولياتها الكبرى توفير محاكم يدير دفتها قضاة مؤهلون وفقا لقواعد واجراءات ثابتة تحدد اختصاصاتها بغرض الوصول الى هدف كلي وهو تحقيق العملية القانونية الخالصة في اقرار العدل وحمايته للكل على حد سواء والمواطن وفقا لهذا المنطلق باعتباره انسان فهو على قدم المساواة مع الدولة اذ له ارادته الحرة الخالصة بحيث في امكانه ان ينشئ قضاءا خاصا له كبديل عن قضاء الدولة وذلك للنظر في المسائل التي تخصه اذا رغب في ذلك والتي تم تحديدها سلفا وهذا القضاء ذو نوعين: قضاء غير مؤسسي لحل منازعات بين الاطراف في حالات خاصة وينتهي هذا القضاء حال حسم تلك الحالات او قضاء مؤسسي ذو طابع دائم منتظم وهو قضاء في امكانه استقبال منازعات اصحاب الشأن وفقا لاجراءات نمطية مستقرة وثابتة هذا مع العلم ان هذا القضاء المؤسسي ليس على نمط معين في ابنيته واجراءاته بل هو ذو اشكال مختلفة تحت مسمى مراكز وطنية واقليمية ودولية ولدرجة ان هذا القضاء المؤسسي ظاهرة منتشرة في الكثير من الدول ذات السيادة والسلطان.
وانهى د.الملحم كلمته بمقولة قانونية تدخل في اطار حقوق المواطن الدستورية مؤداها ان لجوء المواطن الى التحكيم هو اهدار لحقوقه الدستورية التي وفرتها له الدولة من خلال اقامة اجهزة عدل تقر فيها الحقوق وفق موازين عدل سليمة تنعدم فيها قوى الهوى الجامح او قوى الطيش البين ولذا فالتساؤل التي تثيره هذه المقولة: لماذا يلجأ المواطن الى قضاء اخر داخل موطنه كقضاء بديل لقضاء موطنه؟ وهناك مقولة قانونية اخرى ضد المقولة السابقة وعلى النقيض منها مؤداها ان اذن الدولة او ترخيصها لمواطنيها بمقتضى قوانينها باللجوء للتحكيم مؤداه اعتراف بتقصير الدولة في توفير العدل واقامته لهؤلاء المواطنين. وفيما بين المقولتين هناك مقولة قانونية ثالثة مؤداها ان حق المواطن لم ولن يهدر دستوريا من قبله اذ يظل حقه في اللجوء للقضاء باقيا بل ثابتا حتى ولو لجأ للتحكيم ما لم يصدر قرار التحكيم قابل للتنفيذ بصفة نهائية وان ترخيص الدولة له ليس مبعثه تقصير منها في اقامة العدل وانما هو احترام منها لحق المواطن الخالص في الخيار بين القضاء والتحكيم باعتباره من حقوقه الاساسي كانسان.

وصلة للرابط الأساس في جريدة اليوم

كلمة أمام ندوة التكامل بين القضاء والتحكيم المقامة

أدواتُ أو وسائلُ فضٍّ المنازعات بين الخصوم عديدة. منها المفاوضاتُ المباشرةُ، والمساعي الحميدة أو إصلاحُ ذات البين، والوساطةُ، والتوفيقُ، والتحقيقُ، والصلحُ، وتعيينُ خبيرٍ واحدٍ كمحكم، والتحكيمُ، والقضاء.
ويبقى القضاءُ والتحكيمُ أهمُّ أداتين أو وسيلتين يَتمُّ اللجوءُ اليهما لفض المنازعات ذات الطبيعة القضائية.
ولأن الحديثَ عن أوجه التشابه بين القضاء والتحكيم هو موضوعُ هذه الجلسة لا بد من التنويه عن نقاط جوهرية تتناولُ أوجه الفرق بين القضاء والتحكيم وذلك لكي يكون للورقة التي سيقدمُها لنا المحاضر هدفٌ ومغزى، وأن تكونَ ذات إطارٍ شاملٍ ودقيق.
يتفق القضاءُ والتحكيمُ بأنهما أداتان لفض المنازعات بين الخصوم، ولكن لكلِّ منهما منهجيتهُ واستراتيجيتهُ وإجراءاتهُ، وبقدرِ ما بينهما من تشابهٍ بقدر ما بينهما من أوجهِ إختلافٍ من طبيعةٍ تأسيسية.

القضاءُ تعبيرٌ عن ظاهرةٍ من ظواهرَ ثلاثٍ لنظرية سيادة الدولة التي تعني، في كل ما تعنيه بصفةٍ شاملة، الحفاظُ على كرامة الدولة الإقليمية واستقلالها السياسي. والظواهرُ الثلاثُ لنظرية السيادة المكونةِ للدولة الحديثة هي: السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية.
وسيادةُ الدولة هي صاحبةُ الكلمة العليا في الشأن القضائي داخلَ الدولة نفسها، وبمعنى أن كلَّ من يلجأُ لقضاءِ الدولة كأداةٍ لفض المنازعات هو خاضعٌ لمحاكم هذا القضاء بمختلفِ درجاتهِ، وكذا لكافة إجراءاته.
أما التحكيمُ باعتباره قضاءٌ خاصٌ وبديلٌ عن قضاء الدولة فهو قضاءٌ محايدٌ حينما يستكملُ أبنيته ويباشر ممارسة مهام أعماله. وهو من حيث الهوية القانونية تعبيرٌ عن نظريةِ سلطان الإرادة الحرة لإطراف الخصومة مع التحفظِِ على هذه النظرية، وبما معناه أن لهذا الإرادة الحرة الكلمةُ العليا فيما يتعلق بالتحكيم ورموزه وإجراءاته مع التحفظِ ذي الطبيعة الإستثنائية لقواعدٍ منبثقةٍ من إعمال نظريةِ السيادة يلزمُ الأخذ بها إذا كان مقرُّ التحكيم داخلَ إقليم الدولة.
وهكذا مبنى القضاءِ يختلف عن مبنى التحكيمِ أي أن مبنى نظريةِ السيادةِ يختلفُ عن مبنى نظريةِِ الإرادة الحرة. وصاحبُ الشأن سواءٌ أكان شخصًا طبيعيًا أو شخصًا معنويًا خاصًا أو عامًا له الخيارُ في اللجوء إلى أيٍّ من المرفقين أي أن يختار اختصاصَ هذا أو ذاك مع ملاحظة أن هذا الخيار ليس خيارًا حرًا مطلقًا إذ فيما يتعلق بالتحكيم فالخيارُ مقيدٌ بنطاقٍ معينٍ محصور وهو أن التحكيمَ مقصورٌ من حيثُ النطاق على المسائلِ التي يجوز فيها الصلح، وبمقتضى مفهوم المخالفة لا يجوز التحكيمُ في المسائلِ ذات الطابع الشخصي، أو تلك المتعلقة بحقوق الله سبحانه وتعالى الخالصة، أو تلك المتعلقة بنظام الدولة العام. ولهذا يقالُ في علم القانون أن الفرد في مجال التقاضي في وضعٍ متساوٍ مع وضعِ الدولةِ ذات السيادة والسلطان. فكما أن الدولة ملزمةٌ بتوفير مسرحٍ لمواطنيها تُقَدِّمُ لهم فيه أدواتٌ أو وسائلٌ لحل منازعاتهم حيث أن ذلك أحدُ مظاهرِ سلطتها، ناهيك عن أن من مسؤولياتها الكبرى توفيرُ محاكمٍ يُدِيرُ دفتَها قضاةٌ مؤهلون وفقًا لقواعدِ إجراءاتٍ ثابتةٍ تُحَدِّدُ اختصاصاتَها بغرض الوصول إلى هدفٍ كلي وهو تحقيقُ العمليةِ القانونيةِ الخالصة في إقرار العدل وحمايته للكلِّ على حدٍ سواء. والمواطن وفقًا لهذا المنطلق باعتباره إنسانٌ فهو على قدمِ المساواة مع الدولة إذ له إرادتهُ الحرة الخالصة بحيث في إمكانه أن ينشئَ قضاءًا خاصًا له كبديلٍ عن قضاء الدولة وذلك للنظر في المسائل التي تخصُّه إذا رغب في ذلك والتي تَمَّ تحديدها سلفًا. وهذا قضاءُ ذو نوعين: قضاءٌ غير مؤسسي لحل منازعات بين الأطراف في حالاتٍ خاصة ينتهي هذا القضاء حال حسم تلك الحالات، أو قضاءٌ مؤسسي ذو طابعٍ دائمٍ منتظم، وهو قضاءٌ في إمكانه استقبالُ منازعاتِ أصحاب الشأنِ وفقًا لإجراءات نمطيةٍ مستقرةٍ وثابتة، هذا مع العلم أن هذا القضاءَ المؤسسي ليس على نمطٍ معينٍ في أبنيته وإجراءاته بل هو ذو أشكالٍ مختلفةٍ تحت مسمى مراكز وطنية وإقليمية ودولية، ولدرجة أن هذا القضاءَ المؤسسي ظاهرةٌ منتشرةُ في الكثير من الدول ذات السيادة والسلطان.
وأُنهي هذه الكلمةَ بالتنويهِ عن مقولةٍ قانونيةٍ تدخلُ في إطار حقوق المواطن الدستورية مؤداها أن لجوءَ المواطن إلى التحكيم هو إهدارٌ لحقوقه الدستورية التي وفَّرتها له الدولةُ من خلال إقامةِ أجهزةِ عدلٍ تُقَرُّ فيها الحقوقُ وفق موازينِ عدلِ سليمةِ تنعدمُ فيها قُوى الهوى الجامح أو قُوى الطيش البين، ولذا فالتساؤلُ التي تثيره هذه المقولةُ هو: لماذا يلجأ المواطنُ إلى قضاءٍ آخر داخل موطنه كقضاءٍ بديلٍ لقضاء موطنه؟ وهناك مقولةُ قانونيةُ أخرى ضد المقولة السابقة وعلى النقيضِ منها مؤداها أن إذنَ الدولةِ أو ترخيصَها لمواطنيها بمقتضى قوانينها باللجوء للتحكيم مؤداه اعترافٌ بتقصيرِ الدولة في توفير العدلِ وإقامتهِ لهؤلاء المواطنين. وفيما بين المقولتين هناك مقولةٌ قانونيةٌ ثالثةٌ مؤداها أن حقَّ المواطن لم ولن يُهْدَرَ دستوريًا من قبلهِ إذ يظلُّ حقةُ في اللجوء للقضاء باقيًا، بل ثابتًا حتى ولو لجأ للتحكيم، وأن ترخيصَ الدولة له ليس مبعثه تقصيرٌ منها في إقامة العدل، وإنما هو احترام منها لحق المواطن الخالص في الخيار بين القضاء والتحكيم باعتباره من حقوقه الأساسية كإنسان.

___________________________________

الكلمة التي ألقاها معالي الدكتور محمد بن عبداللطيف آل ملحم وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السابق لدى ترؤسه للجلسة الثالثة في اليوم الأول من ندوة التكامل بين القضاء والتحكيم المقامة في 14 ربيع الثاني 1431هـ الموافق 30 مارس 2010م المقامة في قاعة المملكة بفندق الفورسيزن بالرياض.

ندوة القضاء والأنظمة العدلية

بمناسبة انعقاد “ندوة القضاء والأنظمة العدلية” التي افتتح فعالياتها صاحب السمو الملكي الأمير “سلطان بن عبدالعزيز” النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والمفتش العام في شهر صفر عام 1425هـ الموافق أبريل عام 2004هـ توجَّه مندوب مجلة الدعوة بأسئلة ذات علاقة بهذه الندوة لمعالي الدكتور “محمد بن عبداللطيف آلملحم” الذي أجاب عليها. ومعظم الأسئلة والأجوية قد تم نشرها بصفحة 8، من النشرة اليومية (العدد الثالث) الصادرة من قبل إدارة الإعلام والنشر بوزارة العدل بتاريخ الثلاثاء 16 صفر 1425هـ الموافق 6 أبريل 2004م.. والنص الكامل للأسئلة والأجوبة كما يلي:

السؤال الأول كيف تنظرون إلى صدور الأنظمة العدلية الجديدة؟وماذا أضافت لعلمكم في هذه المجال؟
صدرت الأنظمة العدلية الجديدة [نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية ونظام المحاماة]في وقتها المناسب. ولو صدرت هذه الأنظمة في الوقت الذي صَدَرَ فيه “تنظيم الأعمال الإدارية في الدوائر الشرعية” في عام 1391هـ كبديل عنه لكانت ترفًا أو ثوبًا فضفافًا أو حبرًا على ورق. ولو تأخَّر صدور هذه الأنظمة عن هذا الوقت المناسب لكانت الفرصة سانحةً، كما كانت في الماضي، للأعداء قبل الأصدقاء لمواصلة اتهام العملية القضائية بأنها في ظلمات بعضها فوق بعض. وجاء صدور هذه الأنظمة في هذا الوقت متمشيًا مع توجهات الدولة بالأخذ بأسباب الحياة الحديثة، وهي أسباب من شأنها إعلاء كلمة الله، وإنزال حكمه بين الناس. وهي أنظمة رأى خادم الحرمين الشرفين أن يتوج بها عهدة لتأخذ مكانها في منظمومة “نظام الحكم الأساسي” و”نظام مجلس الشورى” و”نظام المقاطعات”.وباختصار يعتبر صدور هذه الأنظمة نقلة نوعية في العملية القضائية من شأنها نقل أوضاع المحاكم ببلادنا من عهدٍ إلى عهدٍ، وهو عهدٌ نأمل أن يكون رجالها في مستوى التحديات التي أتت بها بهذه الأنظمة. أما السؤال عما أضافته لعلمي هذه الأنظمة فإنه من المفيد التنويه عن حقيقتين:ـالأولى: أن علمي بمضامين هذه الأنظمة يعود إلى ما قبل ثلاثة وأربعين عامًا أي حينما كنتُ في مقاعد الدرس في بدايات الثمانينيات من القرن الهجري الماضي. كنتُ أسهر الليالي لدراسة هذه الأنظمة حينما كنت طالبًا بكلية حقوق جامعة القاهرة. وكان بطلا هذه الأنظمة أستاذين من أساطين القانون في عالمنا العربـي. كان الأول الأستاذ الدكتور (محمود محمود مصطفى) أستاذ قانون الإجراءات الجنائية وعميد كلية الحقوق آنذاك. وكان الثانِي الأستاذ الدكتور (رمزي سيف) الرائد الأول في علم قانون المرافعات المدنية ووكيل الكلية آتذاك. ويتذكر زملائي ممن كانو معي من أبناء بلادي في مدرج العميد (بدر) كيف كان هذان الأستاذان، وفي طوعهما مفاتيح أو مقاليد اللغة العربية، يشنفان مسامع طلبتهم وهما يفككان طلاسم ومضامين قانونـي الإجراءات والمرافعات. كان الطلبة في صمتٍ، بل وكأنما على رؤوسهم الطير، يستوعبون طلاسم ومضامين أعقد مادتين من بين المواد القانونية على الإطلاق. وهما بالفعل كانا كذلك في قاعات المحاكم. ويدرك ذلك من مارسوهما في قاعات المحاكم، يستوي في ذلك الجالسون في منصات الحكم أو الواقفون أمامهم أو المدعون والمدعى عليهم أو المتهمون وأهل توجيه الاتهام، ناهيك عن كتبة المحاكم وهو عدة فئات. وقاعدتا مقولة أن العدل أساس الملك هما قانونا [أو نظاما] المرافعات والإجراءات إذا تم تطبيقهما على نحو موضوعي ومجرد من مظنة الهوى الجامح أو الطيش البين.والحقيقة الثانية. هي أنني شاركتُ في مناقشة “نظام المرافعات الشرعية” وهو في مراحله النهائية بمعية صاحب الفضيلة معالي الشيخ “محمد بن ابراهيم بن جبير” حينما كان “وزيرًا للعدل”، وبتكليف من “اللجنة العامة لمجلس الوزراء”. وصدر بمشروع هذه النظام مرسوم ملكي إلاَّ أن النظام ألغيَ فيما بعد بمرسوم ملكي آخر. ومن ثم أُعِيدَ النظر في مشروع النظام بعد عشر سنوات تقريبًا من إلغائه، ودُرِسَ من قبل مجلس الشورى آنذاك، ومن حسن الصدف أن مناقشة المشروع تمت في عهد صاحب الفضيلة معالي الشيخ “محمد بن جببر” رئيس مجلس الشورى. وأتذكرُ أنني زرتُ فضيلته بالمجلس، وأطلعني على محضر إقرار المجلس لمشروع النظام قائلاً لي: أن المجلس لم يجر إلاَّ تعديلات طفيفة علية. وكان وهو يحدثني في منتهى السعادة. وصدر بمشروع النظام مرسوم ملكي. وللحقيقة والتاريخ من المهم التنويه عن الجهود المكثفة التي بذلها معالي الشيخ “ابن جبير” يرحمه الله في جعل هذا النظام يرى النور. وهي جهود تجد خلفيتها في ما اكتسبه من خبرة حينما كان رئيسًا “لديوان المظالم” ذلك أن خبرته بالديوان جعلته يحث الخطى من أجل إنجاز هذا النظام.
السؤال الثانـيهل هناك ثمة صعوبات في تطبيق نظام المحاماة عمليًا؟ وما هي أبرز المقترحات لتفاديها؟
أبدًا، أبدًا، لا توجد أية صعوبات في تطبيق نظام المحاماة. الصعوبات توجد في تطبيق نظامي[أي قانونِي]الإجراءات والمرافعات. ونظام المحاماة[وقد شاركتُ في دراسته حينما كان معروضًا على اللجنة الوطنية للمحامين التابعة لمجلس الغرف التجارية قبل صدوره]هو نظام أهم أغراضه[إن لم يكن الغرض الوحيد]وهو الاعتراف، من الناحية القانونية، بالمحامي في ساحات المحاكم. أمَّا أحكام النظام فهي تتناول أحوال المحامي بعد أن تم الإعتراف بمهمته النبيلة التي سيقوم بأدائها. والمحامي، كما سبق أن ذكرتُ في أحد المناسبات، هو ذلك الذي يعتبر نفسه قاضيًا مع نفسه أي مع ضميره وذلك قبل أن يكون مرتبطًا للدفاع عن موكله. والمحامي باعتباره “حالف قسم” يجب أن يكون أمينًا مع موكله. ومن مقتضيات هذه الأمانة أن يتأمل بتجرد قضية موكله، ومن ثم يصدر الحكم لصالح موكله أو ضده وذلك قبل أن يرفع قضيته للجهة المختصة. والقيد الوحيد على موكله هو أن يكون أمينًا كذلك مع وكيله. ومن مقتضيات هذه الإمانة أَلاًّ يُخفيَ أية واقعة مهما كانت تافهة في نظره على وكيله وذلك تمشيًا مع مقولة لفيلسوف يونانِي حكيم “أنبئني بالوقائع أخبرك بحكم القانون”. هذا هو وضع نظام المحاماة ووضع المخاطبين به. أما الصعوبات المتساءل عنها فهي تكمن في كيفية تعايش المحامي[وبالأحرى القاضي]مع نظامي [أي قانونِي]المرافعات والإجراءات. وهنا المحك. وكما سبق أن ذكرتُ لا توجد صعوبات عملية يمكن التنوية عنها في تطبيق نظام المحاماة.
السؤل الثالث ما هي الآثار المتوخاة على المستوى المحلي والدوليمن جراء إصدار الأنظمة العدلية الجديدة؟
من الصعب التكهن بالآثار المتوخاة. هذه الآثار إمَّا أن تكون سلبيةً أو تكون إيجابيةً. والمدار هو على التطبيق إذ هو بيت القصيد. والمؤمل، إن شاء الله، أن تكون الآثار إيجابية. ومناط الحكم على إيجابية أو سلبية هذه الآثار تكمن في نمط الأحكام التي ستصدر والتي سوف تنشر للكافة. هل ستكشف هذه الأحكام بعد نشرها عن جوهر القواعد الشرعية مصاغة في قوالب مؤصلة تتمشى دون المساس بجوهرها مع ما أفرزته أحوال الحضارة المعارة من حيث ضبط القاعدة القانونية وتحديد معالمها وإنزال حكمها على القضية المعروضة وفقًا لنظامي [أي قانونِي]الإجراءات أو المرافعات دون إفراط أو تفريط أم لا؟ وإن من شأن نشر الأحكام هو الحكم عليها من قبل المحلل المنصف على العملية القضائية من حيث قربها من العدل أو بعدها عنه. وللإجتهاد، إذا لم يتعد على القواعد القطعية، دور كبير في تكوين العملية القضائية.
السؤال الرابعهل ترون أن مخرَّجات كليات الشريعة والقانونفي جامعاتنا مؤهلة للتعامل مع الأنظمة الجديدة؟
من الصعب أن تكون الإجابة في الوقت الحالي إيجابية. الأمر يحتاج إلى وقت. ربما، وأقول ربما، يكون طلاب كليات الشريعة والقانون الحاليون بعد عشر سنوات من صدور هذه الأنظمة مؤهلون. وأنا لست متشائمًا فيما ذكرته، وإن كان مصدر التشاؤم هو هذه الإزدواجية التي ذُكِرَتْ في السؤال عن مخرَّجات من طبيعة شرعية يقابلها مخرجات من طبيعة قانونية. ما لم تحسم هذه الإزدواجية فكأننا سنواجه ما يسمى بصدام الحضارات. الموضوع واحد والحوار مطلوب ولكن المسميات ذات الطيبعة الشكلية ألقت بِظِلِّهَا فسببت المتاهات في هذه الكليات ووضعتها على مفترق الطرق! وذكرتُ في أحد المناسبات أنني رغم التأمل والبحث لم أتبين الحكمة بين مسمَّيي”القانون “و”النظام” وما ترتب عليه من مسميات في الحياة العملية والحياة الوظيفية ومنها: “قاضي شرعي”، و”مستشار قانونـي”، و”مستشار شرعي”، و”مستشار نظامي”، و”باحث قانونـي”، و”باحث شرعي” وخريج “كلية قانون”، وخريج “كلية شريعة”. لم أتمكن بعد البحث الجاد من التعرف على أصل أو مصدر هذه المسميات الدخيلة التي باعدت الشقة وأثرت على صفاء ونقاء الشريعة الإسلامية.. القرآن الكريم هو قانون الله في أرضه للإنس والجن. وتسمع أنت أيها الساؤل، وأسمع أنا، ما يقوله ولاة الأمر أو بأسمهم، وهم الحارسون على إقامة شرع الله في أرضنا، في المنتديات الدينية والسياسية بأن دستورنا” هو القرآن الكريم. لذا ما هـو الفرق بين “الدستور” والقانونو”النظام” إذا عُلِمَ بأن جهابذة القانون يعتبرون “الدستور” أَبَ القوانين. آمل أن يأتي اليوم الذي نجد فيه مسمًى واحدًا لكل الخريجين المخاطبين بقول الله سبحانه وتعال:ـ “إن الله يأمركم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل”. “القاضي الشرعي”، و”المستشار القانونِيي”، و”المستشار النظامي”، و”الباحث الشرعي”، و”الباحث القانونـي” و”الباحث النظامي”. الكل سواسية في حكم الأية الكريمة. كل في موقعه مخول بأمر من “ولي الأمر” أن يحكم بين الناس بالعدل.
السؤال الخامسكيف نعمق مستوى الوعي لدى المواطن العاديبحقوقه وواجباته القانونية والنظامية داخل المحكمة؟
هـذا سؤال أجدُ صعوبة في الإجابة عليه. ومع ذلك فهناك مـؤشرات لعلهاتؤدي إلى إيجاد، مجرد إيجاد، وعي لدى المواطن العادي بأن هناك حقوق وواجبات يجب أن يلتزم بها داخل المحكمة. إيجاد الوعي مسألة مهمة. أمَّا تعميق هذا الوعي فمسألة أخرى. إيجاد هذا الوعي يبدأ في البيت، وفي المدرسة، وفي العلاقات الاجتماعية. دعني أسألك: هل المواطن العادي يعلم بأن هناك “نظام حكم أساسي” نُصَّ فيه على حقوقه وواجباته؟ إذا بَدَأَ الطالب يتعلم بأن هناك “نظام حكم أساسي” في المدرسة الإبندائية فربما تسهل الإجابة على هذه السؤال الصعب. الأمور تبدأ من الصفر. وهكذا. المواطن العادي لَمْ وَلَنْ يتعمق مستوى الوعي لديه بمجرد صدور أنظمة متطورة تضاهي ما لدى أمم أخرى. والمسألة، إن شاء الله، مسألة وقت، وتحتاج إلى صبرٍ وجلدٍ.

السؤال السادسألا ترون ضرورة تدريس الأنظمة والقوانين المحلية والدولية للمتخصصين في الشريعة والقانون بجامعاتنا؟
ويطرح السائل في السؤال نفسه ـ مرةً أخرى ـ التفرقة بين المتخصصين في الشريعة والمتخصصين في القانون. وهي تفرقةٌ، كما سبق أن ذكرتٌ يجب النظر فيها. ومن المعروف أن الضرورة تقدر بقدرها. وهي ضرورةٌ نسبية بالنسبة للمتخصصين في كل من “الشريعة” و”القانون” بجامعاتنا. هذه الفئة [وأعني بها المتخصصين في الشريعة أوالقانون]سوف تقدر هذه الضرورة لدرجة أنها لا تحتاج إلى العودة إلى مقاعد الدرس لتدرس هذه الأنظمة. إنها بقدر ما حَصُلَتْ عليه من علم قادرة على تفهم أغراض ومضامين هذه الأنظمة من تلقاء نفسها مع مرور الوقت ومع الممارسة الدؤوبة. أمَّا الضرورة في حدودها القصوى في تدريس هذه الأنظمة فتجد موطنها في مناهج التعليم بالكليات ذات العلاقة بحيث يعطى تدريس هذه الأنظمة أولية من طبيعة إلزامية في هذه المناهج. وهضم هذه الأنظمة بغرض تطبيقها لا يمكن أن تتم بين يوم وليلة. ومن أجل تطبيق هذه الأنظمة فالأمر، من وجهة نظري، يحتاج إلى تعاقب أجيال.

السؤال السابعكيف تنظرون لقرار مجلس التعليم العالي الصادر مؤخرًاحول تدريس أنظمة وقوانين الدول الأخرى فيمرحلة الدراسات العليا بكليات الشريعة؟
القرار سليمٌ ولكنه يحتاج إلى نظرة، وموقعهُ في مرحلة واحدة من مراحل التدريس غير سليم، وإن كان من الأفضل البدأ بتنفيذه في المرحلة الجامعية مع حسن الاختيار، ومن أجل المقارنه فحسب.
السؤال الثامنما أثر عقد ندوة الأنظمة العدلية في تمتين أوصر العلاقةبين المهتمين بالعمل القضائي سواء كانواقضاة أو أساتذة شريعة أو مستشارين قانونيين؟
هذا سؤال مهم. ومهما حاولت شرح أثر عقد ندوة الأنظمة فلن أُوفيَ هذا السؤال حقه. إن عقد هذه الندوة في حد ذاتها مهمة للغاية إذ هي تجمع أبناء مهنة واحدة ـ ـ القاضي والمحامي والمستشار والأستاذ الجامعي ـ ـ والهدف الأساس من تجمعهم هو البحث عن كيفية تحقيق العدل. لا أقول العدال المطلق، ولكن أقول العدال النسبي. إن تبادل الرأي والمشورة في هذا الشأن من شأنه إزالة العقبات وتمهيد الطرق من أجل أداء المهمة الجليلة التي نوَّهت عنها أَلاَ وهي تحقيق العدل بين الناس. والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم:ـ إن الله يأمر بالعدل. قد يوجد نص معوق في إجراء مَّا في أي من الأنظمة الثلاثة، ليناقش في مثل هذه الندوة، فإذا اقتضت المصلحة تعديله فليعدل، وإذا اقتضت المصلحة تفسيره فليفسر، وإذا اقتضت المصلحة إلغائه أو أيجاد بديل له فليلغى أو يبدل. المشاركة في الرأي من أجل بحث قاعدة مَّا في أي من اللأنظمة الثلاثة مهم خصوصًا إذا أقرت هذه القاعدة فإنه يجب أن يضمن لها الاستقرار والثبات والاستمرار والاحترام لأنها تخاطب إمَّا الكافة أو فئة مخصوصة من البشر. وتبادل الرأي والمشورة ضرورية كذلك، وذلك حتى لا تتعرض القاعدة على أساس فردي للهوى الجامح أو الطيش البين من حيث التفسير أو التعديل أو الإلغاء..


الناشر: مجلة الدعوة

– العدد:3 ص9

تاريخ النشر: 06/04/2004م